55 – بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أُوَيْسٍ الْقَرَنِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
223 – (2542) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ؟ فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «إِنَّ رَجُلًا يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللهَ فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلَّا مَوْضِعَ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ»
224 – (2542) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ»
225 – (2542) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، – قَالَ إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى – حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ، إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أُسَيْرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ
الفوائد
==========
قلت سيف بن دورة: أعل قصة أويس مالك و البخاري والعقيلي:
في العلل نقل الإمام أحمد ثنا أبو داود أخبرنا شعبة قال: سألت عمرو بن مرة عن أويس القرني يعرفونه فيكم قال: لا … العلل 1/ 225، 1825 … وفي 5668 قال شعبة سألت عمرو بن مرة عن أويس القرني فلم يعرفه
وفي 6039 قال الإمام أحمد بسنده … عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال أصيب أويس القرني يوم صفين
لكن يزيد بن أبي زياد ضعيف يخطأ كثيرا ويتلقن
لكن سيأتي في الشرح عن أسير أنه جالسه فلعل أويسا رجل صالح ولعظم صلاحه نقل الحسن أنهم كانوا يقولون هو الذي قصد في حديث ان من أمتي من يشفع لمثل عدد قبيلة بني تميم بمعناه … اما تعليلات الأئمة فتحمل على المرفوع مع أن بعضهم صرح أن بعض أهل ناحيته لا يعرفونه.
قال البخاري:
167 – أويس القرني الزاهد حدثني آدم بن موسى قال: سمعت البخاري قال: أويس القرني في إسناده نظر [ص:136]. أخبرنا محمد بن عيسى قال: حدثنا بندار قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا شعبة قال: جئت إلى عمرو بن مرة قلت: أخبرني عن أويس القرني تعرفونه فيكم قال: لا. حدثنا محمد بن علي بن زيد ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا العباس بن عبد العظيم قال: حدثنا قراد بن نوح قال: حدثنا شعبة قال: سألت أبا إسحاق، وعمرو بن مرة عن أويس القرني فلم يعرفاه. حدثنا محمد قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا شعبة قال: سألت عمرو بن مرة عن أويس القرني فلم يعرفه قال زيد: وكان أويس من عشيرته. حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثنا أبو صالح محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت أبي يحدث عن شعبة قال: سألت عمرو بن مرة عن أويس القرني فلم يعرفه. التاريخ الكبير (55) / (2)
قال ابن عدي قال البخاري: فيه نظر فيما يرويه ….. ثم ذكر ابن عدي أنه ليس له رواية إنما نتف وحكايات وأنه صدوق ثقة فليس له من الرواية إلا القليل مما لا يتهيأ تضعيفه.
وأنكر مالك وجوده لكن من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه انتهى
وسيأتي أن الشهرة مع إنكار الأئمة لا تنفع. وأن الخضر اشتهر وجوده وأدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعد زمنه.
– قال أبوبكر البزار: لا نعلم أسند أسير بن جابر عن عمر إلا هذا الحديث.
– قال أبوبكر: حديث أسير منكر وإن كان إسناده ظاهره الصحة فله آفة. مسنده 342.
– وأخرجه العقيلي في الضعفاء 1/ 389 و390 في ترجمة أويس القرني وقال: ليس منهم أحد يبين سماعا من عمر، يعني أسير بن جابر وصعصعة بن معاوية … انتهى
– ومما ذكر صعصعة من خبر أويس أنه كان يلزم المسجد في ناس من أصحابه وكان ابن عم له يلزم السلطان فإن رأى أويس مع أغنياء قال يستأكلهم وإن رآه مع فقراء قال يخدعهم … وأويس لا يقول في ابن عمه إلا خيرا ….. ثم ذكر خبر عمر في السؤال عنه
تمهيد:
إذا كان خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم وصحابته فمن حيث المجموع الكلي، وهذا لا يمنع أن يوجد فرد أو أفراد فيمن بعد الصحابة رضي الله عنهم كتب الله تعالى له ميزة يتميز بها، فالمزية لا تقتضي الأفضلية –كما سيأتي، وكيف لا والله تعالى يقول: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات: 13]؟ وكيف لا وموسى عليه السلام أُمِرَ أن يتعلم على نبي الله الخضر، وموسى عليه الصلاة والسلام من أولي العزم؟
وكذلك قصة الاستسقاء بالعباس ….
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته: قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى: [6469] (2542) – (حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَفَدُوا إِلَى عُمَرَ، وَفِيهِمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيَّينَ؟، فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ قَالَ: “إِنَّ رَجُلاً يَاتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، لَا يَدَعُ بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمًّ لَهُ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ، فَدَعَا اللهَ، فَأَذْهَبَهُ، عَنْهُ، إِلَّا مَوْضِعَ الدَّينَارِ، أَوِ الدَّرْهَمِ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنكُمْ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ”).
– (أُسَيْرُ بْنُ جَابِرٍ) – بالتصغير – ويقال: يُسير بن عمرو، أو ابن جابر
الكوفيّ، مختلف في نسبته، قيل: كِنْديّ، وقيل غير ذلك، وله رؤية، ثقةٌ، مات سنة خمس وثمانين (خ م قدس) تقدم في “الزكاة” 47/ 2470.
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد: أنه من سباعيّات المصنّف – رحمه الله -، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وأن صحابيّه أحد الخلفاء الأربعة، والعشرة المبشّرين بالجنّة – رضي الله عنهم -.
شرح الحديث:
(عَنْ أُسيْرِ) بضمّ الهمزة، وفتح السين المهملة، ويقال: يُسر- بضم الياء المثناة، تحتُ – (ابْنِ جَابِرٍ) الْكِنديّ الكوفيّ، ويقال: أسير بن عمرو؛ (أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ) بالضمّ: البلدة المعروفة، قال الفيّوميّ – رحمه الله -: الكوفة: مدينة مشهورة بالعراق، قيل: سُمّيت كوفة؛ لاستدارة بنائها؛ لأنه يقال: تكوّف القومُ: إذا اجتمعوا، واستداروا. انتهى. (وَفَدُوا)؛ أي: قَدِموا، قال في “التاج”: وَفَدَ إِليه، وعَلَيْه، يَفِدُ وَفْداً، بفتح، فسكون، ووُفُوداً بالضَّمّ ووِفَادَة بالكسر، وإِفَادَةً على البَدَلِ: قَدِمَ فهو وافِدٌ، قال سِيبويه: وقال الأَصْمَعِيُّ: وَفَدَ فُلَانٌ يَفِدُ وِفَادَةً: إِذا خَرَج إِلى مَلِكٍ، أَو أَميرٍ، وفي “الصّحاح”، و”الأَساس”: وَفَدَ فُلانٌ علَى الأَمِيرِ: أَي: وَرَدَ رَسُولاً، فهو وَافِدٌ. انتهى. (إِلَى عُمَرَ) بن الخطّاب – رضي الله عنه -، وقوله: (وَفِيهِمْ رَجُلٌ) جملة حاليّة، ولم يُعرف اسم الرجل (مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُويسٍ)؛ أي: يحتقره، ويستهزئ، يقال: سَخِرت منه، وبه: من باب تَعِب: هَزِئْتُ، والسِّخْريّ بالكسر: اسم منه، والسُّخْريّ بالضمّ لغة.
قال النوويّ: وهذا دليل على أنه يُخفي حاله، ويكتم السر الذي بينه وبين الله عزوجل، ولا يَظهر منه شيء يدلّ لذلك، وهذا طريق العارفين، وخواصّ الأولياء – رضي الله عنهم -. انتهى.
(فَقَالَ عُمَرُ) – رضي الله عنه – (هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنَ الْقَرَنِيِّينَ؟)؛ أي: ممن يُنسب إليهم، (فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ) الذي كان يسخر من أويس، (فَقَالَ عُمَرُ) – رضي الله عنه -: (إِنَّ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – قَدْ قَالَ: “إِنَّ رَجُلاً يَاتِيكُمْ مِنَ الْيَمَنِ، يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، لَا يَدَعُ)؛ أي: لا يترك (بِالْيَمَنِ غَيْرَ أُمًّ لَهُ) وفي الرواية الآتية: “هو بارّ بها”، (قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ) وفي الرواية الآتية: “كان به برص”، قال في “القاموس، و”شرحه”: البَرَصُ مُحَرَّكَةً: داءٌ مَعْرُوفٌ – أَعاذَنَا اللهُ منه، ومن كُلِّ داءٍ – وهو بَيَاضٌ يَظْهَرُ في الجَسَدِ؛ لِفَسَادِ مِزَاجٍ، وقد بَرِصَ الرَّجُلُ، كفَرِحَ، فهُوَ أَبْرَصُ، وهِيَ بَرْصاءُ، وأَبْرَصَهُ اللهُ تَعَالَى. انتهى.
(فَدَعَا اللهَ) أن يشفيه منه (فَأَذْهَبَهُ عَنْهُ، إِلَّا مَوْضِعَ الدَّينَارِ، أَوِ الدَّرْهَمِ) “أو” للشكّ من الراوي، وهذا المقدار دعا الله تعالى أن يُبقيه له ليتذكّر به نعم الله عليه، (فَمَنْ لَقِيَهُ) بكسر القاف، (مِنْكُمْ)؛ أي: من الصحابة (فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ”) فيه الترغيب في طلب الاستغفار من أهل الخير والصلاح، والله تعالى أعلم.
“تنبيه: والبعض يستدل بهذا الحديث على جواز التبرك بذوات الصالحين فهل يصح ذلك أم هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ وما حكم التبرك بدعاء الصالحين وعلمهم وعبادتهم؟
لا يجوز بحال من الأحوال التبرك بذوات الصالحين، وإنما يجوز التبرك بدعائهم وعلمهم وعبادتهم وهذا ليس فيه تناقض؛ لأن التبرك بدعاء الصالحين وعلمهم وعبادتهم يعتبر من التوسل المشروع، وإليك بعض الأدلة: فمما يدل على جواز التبرك والتوسل بدعاء العبد الصالح، ما ورد في الحديث عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال له عكاشة بن محصن: يا رسول الله! ادع الله أن أكون منهم، فقال: أنت منهم)، فإنه توسل وتبرك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً: تبرك الرجل الأعمى بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، فرد الله عليه بصره، فهذا تبرك بدعاء الصالحين، ولا نقول: إن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هناك الكثير من الأدلة التي تدل على أن الصحابة كان بعضهم يسأل بعضاً أن يدعو له، بل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتي رجل مع إمداد أهل اليمن يقال له: أويس القرني من مراد ثم من قرن، له والدة هو بها بر، فمن رآه منكم فليستغفر له) …. – وهو حديث الباب-.
فهذه الأدلة تدل على جواز التبرك بدعاء الصالحين، والمسألة موضع بسطها في كتب العقائد”
أما التبرك بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء من جسده كعرقه وشعره فهو ثابت بالنصوص الصحيحة
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولي): حديث عمر بن الخطّاب – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف – رحمه الله -.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [56/ 6469 و 6470 و 6471، (2542)، و (ابن أبي شيبة) في “مصنّفه” (6/ 379)، و (أحمد) في “مسنده” (1/ 38)، و (الحاكم) في “المستدرك” (3/ 456)، و (ابن المبارك) في “مسنده” (1/ 19) و”الزهد” (1/ 60)، و (البزّار) في “مسنده” (1/ 479 و 480)، و (ابن سعد) في “الطبقات” (6/ 164)، و (البيهقيّ) في “شُعَب الإيمان” (5/ 320)، و (أبو نعيم) في “الحلية” (2/ 80)، و (ابن عساكر) في “تاريخ دمشق” (9/ 416 و 417)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان معجزات ظاهرة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – حيث أخبر بصفة أويس الْقَرَنيّ – رحمه الله -، فوُجد طِبقاً لِمَا أَخبر به.
قال القرطبيّ – رحمه الله -: حديث أويس هذا دليل من أدلة صحَّة صدق رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّه أخبر عنه باسمه، ونَسَبه، وصفته، وعلامته، وأنه يجتمع بعمر – رضي الله عنه -، وذلك كله من باب الإخبار بالغيب الواقع على نحو ما أخبر به من غير ريب. انتهى.
2 – (ومنها): بيان فضل هذا التابعيّ الجليل، وأنه خير التابعين بنص الحديث.
إشكال وجواب عليه: قال النووي في شرح الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم «ان خير التابعين رجل يُقال له: أويس الى آخره» هذا صريح في أنه خير التابعين، وقد يقال: قد قال أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، والجواب: ان مرادهم ان سعيداً أفضل في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونحوها لا في الخير عند الله تعالى. انتهى كلام النووي.
ويمكن أن يقال أيضًا: قد ظهر لي توجيه آخر وهو ان قوله صلى الله عليه وسلم (ان خير التابعين) جاء على تقدير (من) فيكون المعنى ان من خير التابعين رجل يُقال له أويس، أو يقال ان أويساً خير التابعين ويشاركه غيره بالخيرية لكن لا يفوقه، والله تعالى أعلم.
فإذاً هذا لا يدل على أن أويس القرني أفضل من عمر رضي الله عنه، فعمر أفضل منه، ولكنّ أويساً القرني له هذه المزية، أن النبي ? ذكره بهذه الصفة، وقال لعمر: إن استطعت أن يستغفر لك فافعل.
والقاعدة: “أن المزية لا تقتضي الأفضلية”، فأويس له مزية، لو أقسم على الله لأبره، لكن ليس بأفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة، فالمزية لا تقتضي الأفضلية، فعلي رضي الله عنه هو أبو السبطين، وهو زوج فاطمة، وهو الذي قال فيه النبي ?: أمَا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي؟، ومع ذلك ليس بأفضل من أبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان.
فالمزية لا تقتضي الأفضلية، وعمر رضي الله عنه ذكر له النبي ? مناقب، إذا سلك فجًّا أو طريقاً سلك الشيطان طريقاً آخر إلى آخر ما جاء في صفته، ومع ذلك فإن أبا بكر أفضل منه.
فالشاهد هنا أن المفضول قد توجد فيه مزية لا توجد في الفاضل، وكذلك لا يمنع من أن يدعو المفضول للفاضل، أو أن يطلب الفاضل من المفضول أن يدعو له.
3 – (ومنها): فضلُ بِرِّ الوالدين، وفضل العزلة، وإخفاء الأحوال.
والعزلة تفضل اذا لم يوجد من يعينه على الخير أو خشي الفتنة وضياع العمر بالخلطة وإلا الأصل هو الخلطة ونفع الناس والانتفاع بهم.
4 – (ومنها): استحباب طلب الاستغفار والدعاء من أهل الصلاح، وإن كان الطالب أفضل منهم. قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى: “فهذا يدل على أنَّ طلب الاستغفار من الرجل الصالح أو ممن يُرجى إجابة دعوته لا بأس به، وأخبر عمرُ أمدادَ اليمن الذين ذهبوا إلى العراق عن أُويس، فلما عرفوه صاروا يسألونه الاستغفار، فلمَّا عُرِف انطلق على وجهه في غبراء الناس، واختفى عن الناس حتى لا يُفْتَن” في شرح رياض الصالحين.
5 – (ومنها): بيان أحوال الصالحين المخلصين، فإنهم يحبّون الخمول وعدم الظهور؛ لأنه أعون على صلاح القلب، وعدم الغرور، والإعجاب بالنفس.
6 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ – رحمه الله -: في قوله – صلى الله عليه وسلم -: “إن استطعت أن يستغفر لك فافعل”: هذا لا يُفهم منه أن أويساً أفضل من عمر – رضي الله عنه -، ولا أن عمر غير مغفور له؛ للإجماع على أن عمر – رضي الله عنه – أفضل منه؛ ولأنه تابعيّ، والصحابي أفضل من التابعيّ، على ما بيّناه غير مرَّة، إنَّما مضمون ذلك: الإخبار بأن أويساً ممن يُستجاب دعاؤه، وإرشاد عمر إلى الازدياد من الخير، واغتنام دعوة من تُرتجى إجابته، وهذا نحو مما أمَرَنا النبيّ – صلى الله عليه وسلم – به من الدعاء له، والصلاة عليه، وسؤال الوسيلة له، وإن كان النبيّ – صلى الله عليه وسلم – أفضل ولد آدم، ويروى أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لعمر – صلى الله عليه وسلم – لَمّا خرج لِيَعْتمر: “يا أُخيّ أشركنا في دعائك، ولا تنسنا”، رواه أحمد، والترمذيّ، والله تعالى أعلم.
ضعفه الألباني … وابن تيمية قال في القاعدة الجليلة: إن صح … .
وبعض الباحثين يذكر له شاهد يقويه: فذكر ابن سعد في الطبقات: ” أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي، عن المغيرة بن زياد الموصلي، عن الوليد بن أبي هشام قال: استأذن عمر بن الخطاب النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة وقال: إني أريد المشي، فأذن له، قال: فلما ولى دعاه فقال: يا أخي، أشركنا بشيء من دعائك، ولا تنسنا.
وصح عن بعض الصحابة أنه أوصى رجلا على سفر وقال تذكرنا بدعائك.
7 – فيه أن الإيمان يمان وفي الآحاد والمثاني:
2269 – حَدَّثَنَا الْحَوْطِيُّ، ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ يَمَانٍ»
2270 – حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، نا أَبُو حَمْزَةَ الْعَنْسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، وَشَبِيبٍ الْكَلَاعِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ يَمَانٍ»
2282 – حَدَّثَنَا الْحَوْطِيُّ، نا أَبُو الْمُغِيرَةِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الرِّجَالِ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَالْإِيمَانُ يَمَانٍ إِلَى لَخْمٍ وَجُذَامَ وَعَامِلَةَ وَمَاكُولُ حِمْيَرَ خَيْرٌ مِنْ آكِلِهَا وَأَكْثَرُ الْقَبَائِلِ فِي الْجَنَّةِ مَذْحِجُ»
2283 حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، نا أَبُو حَمْزَةَ الْعَنْسِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، وَرَاشِدِ بْنِ سَعِيدٍ، وَشَبِيبٍ الْكَلَاعِيِّ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ
وهو على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
وقوله: (وَلَهُ وَالِدَةٌ) لم يُعرف اسمها، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: ورد من رواية حماد بن سلمة عن سعيد الجريريّ وساقها الحاكم – رحمه الله – في “المستدرك” مطوّلةً، فقال:
(5720) – حدّثنا عليّ بن حقاد العدل، ثنا الحسين بن الفضل البجليّ، ومحمد بن غالب الضبيّ قالا: ثنا عفّان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، عن سعيد الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أُسير بن جابر، قال: لَمّا أقبل أهل اليمن جعل عمر – رضي الله عنه – يستقري الرفاق، فيقول: هل فيكم أحد من قَرَن؟ حتى أتى عليه قَرَن، فقال: من أنتم؟ قالوا: قرن، فرفع عمر بزمام، أو زمام أويس، فناوله عمر، فعرفه بالنعت، فقال له عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أويس، قال: هل كان لك والدة؟ قال: نعم، قال: هل بك من البياض؟ قال: نعم، دعوتُ الله تعالى، فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سُرّتي لأَذكر به ربي، فقال له عمر: استغفر لي، قال: أنت أحقّ أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر: إني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “إن خير التابعين رجل يقال له: أويس القَرَنيّ، وله والدة، وكان به بياض، فدعا ربه، فأذهبه عنه، إلا موضع الدرهم في سرّته”، قال: فاستغفر له، قال: ثم دخل في أغمار الناس، فلم يُدْرَ أين وقع؟ قال: ثم قَدِم الكوفة، فكنا نجتمع في حلقة، فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذ ذكّرهم وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره، ففقدته يوماً، فقلت لجليس لنا: ما فعل الرجل الذي كان يقعد إلينا؟، لعله اشتكى، فقال رجل: من هو؟ فقلت: من هو؟
قال: ذاك أويس القرني، فدُللت على منزله، فأتيته، فقلت: يرحمك الله أين كنت؟ ولمَ تركتنا؟ فقال: لم يكن لي رداء، فهو الذي منعني من إتيانكم، قال: فألقيت إليه ردائي، فقذفه إليّ، قال: فتخاليته ساعة، ثم قال: لو أني أخذت رداءك هذا فلبسته، فرآه عليّ قومي، قالوا: انظروا إلى هذا المرائي، لم يزل في الرجل حتى خدعه، وأخذ رداءه، فلم أزل به حتى أخذه، فقلت: انطلق حتى أسمع ما يقولون، فلبسه، فخرجنا، فمرّ بمجلس قومه، فقالوا: انظروا إلى هذا المرائي، لم يزل بالرجل حتى خدعه، وأخذ رداءه، فأقبلت عليهم، فقلت: ألا تستحيون، لِمَ تؤذونه؟ والله لقد عرضته عليه، فأبى أن يقبله، قال: فوفدت وفود من قبائل العرب إلى عمر، فوفد فيهم سيد قومه، فقال لهم عمر بن الخطاب: أفيكم أحد من قَرَن؟
فقال له سيدهم: نعم أنا، فقال له: هل تعرف رجلاً من أهل قرن، يقال له: أويس، من أمره كذا، ومن أمره كذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين ما تذكر من شأن ذاك، ومَن ذاك؟ فقال له عمر: ثكلتك أمك أَدْرِكه، مرتين، أو ثلاثاً، ثم قال: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لنا: “إن رجلاً يقال له: أويس من قَرَن، مِنْ أمره كذا، ومِن أمره كذا”، فلما قَدِم الرجل لم يبدأ بأحد قبله، فدخل عليه، فقال: استغفر لي، فقال: ما بدا لك؟، قال: إن عمر قال لي كذا وكذا، قال: ما أنا بمستغفر لك حتى تجعل لي ثلاثاً، قال: وما هنّ؟ قال: لا تؤذيني فيما بقي، ولا تخبر بما قال لك عمر أحداً من الناس، ونسي الثالثة. انتهى.
فيه: تواضعه، وحسن حديث، ولا يحب أن يمدح.
قوله (لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبُرَّهُ)؛ أي: لو حلف على وقوع شيء، أوقعه الله إكراماً له بإجابة سؤاله، وصيانته من الحِنْث في يمينه، وهذا لعِظَم منزلته عند الله تعالى، وإن كان حقيراً عند الناس، وقيل: معنى القَسَم هنا: الدعاء، وإبراره إجابته، قاله النوويّ – رحمه الله -.
وقال القاضي عياض – رحمه الله – في “المشارق”: قوله: “لو أقسم على الله لأبرّه”: أي: أمضى يمينه على البرّ وصَدّقها، وقَضَى بما خرجت عليه يمينه، وقد سبق ذلك في علمه، كإجابة ما دعا به، يقال: أبررت القسم: إذا لمتخالفها، وأمضيتها على البَرّ، وقيل: معناه: لو دعا الله لأجابه، ويقال في هذا أيضاً: بررت القسم، وكذلك: أبرّ الله حجه، وبرّه، وبررت في كلامك وبررت معاً. انتهى. وقال المناويّ – رحمه الله -: “لو أقسم على الله لأبره” أي: لو حلف يميناً على أن الله يفعل كذا، أو لا يفعله، جاء الأمر فيه على ما يوافق يمينه؛ أي: صَدَق، وصَدَق يمينه، يقال: أبر الله قَسَمك إذ لم يكن حانثاً، وقيل: معنى قسم على الله أن يقول: الفَهُمَّ إني أُقسم عليك بجلالك أن تفعل كذا، وهو غير مستقيم هنا؛ لأنه قال: لأبرّه؛ أي: صدّقه، ولا دَخْل للصدق والكذب في هذا اليمين، فيدخلها الإبرار. انتهى.
قوله (أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ) – بفتح الغين المعجمة، وبإسكان الموحّدة، وبالمدّ – أي: ضعافهم، وصعاليكهم، وأخلاطهم الذين لا يؤبه لهم، وهذا من إيثار الخمول، وكَتْم حاله.
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: “أكون في غبراء الناس”؛ الرواية الجيدة فيه: بفتح الغين المعجمة، وسكون الباء الموحدة، وهمزة ممدودة؛ ويعني به: فقراء الناس، وضعفاءهم، والغبراء: الأرض، ويقال للفقراء: بنو غبراء، كأن الفقر والحاجة ألصقتهم بها، كما قال تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)} [البلد: 16]؛ أي: ذا حاجة ألصقته بالتراب، ومن هذا سَمَّوا الفقر: أبا متربة، وقد روي ذلك اللفظ: “في غُبَّر الناس” – بضم الغين، وتشديد الباء – جمع غابر، نحو: شاهد وشُهَّد؛ ويعني به: بقايا الناس، ومتأخريهم، وهم ضعفاء الناس؛ لأنَّ وجوه الناس، ورؤساءهم يتقدمون للأمور، وينهضون بها، ويتفاوضون فيها، ويبقى الضعفاء لا يُلتفت إليهم، ولا يؤبه بهم، فأراد أويس أن يكون خاملاً بحيث يبقى لا يُلتفت إليه، طالباً السلامة، وظافراً بالغنيمة. انتهى.
قوله (مِنْ أَشْرَافِهِمْ)؛ أي: من أشراف قبيلة القَرَن،، وقال النوويّ – رحمه الله -: هو بمعنى الرواية الأخرى: “قليل المتاع”، والرَّثاثة، والْبَذَاذة: بمعنًى، وهو حَقَارة المتاع، وضيق العيش. انتهى.
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: “أحدث عهداً”؛ أي: أقرب، وعهداً: منصوب على التمييز، كقوله تعالى: {هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74)} [مريم: 74].
قوله (فَفَطنَ لَهُ النَّاسُ) مثلّث الطاء؛ أي: تفطّنوا له، وعرفوا منزلته عند الناس،
قال المرتضي: والبُرْدُ: أَكْسِيَةٌ يُلتَحَفُ بها الواحدة بِهاءٍ، وقِيل: إِذا جُعِلَ الصُّوفُ شُقَّةً، وله هُدْبٌ، فهي بُرْدَة، قال شَمِرٌ: رأَيت أَعرابِيّاً، وعليه شِبْهُ مِنديل، من صُوف، قد اتّزَرَ به، فقلْت: ما تُسمّيه؟ فقال: بُرْدَة، وقال اللَّيث: البُرْدُ معروف من بُرُودِ العَصْبِ، والوَشْيِ، قال: وأَما البُرْدَة: فكساءٌ مربَّع أَسْودُ، فيه صِغَرٌ، تَلْبَسه الأَعرابُ. انتهى.
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40) / (162)، بتصرف يسير].
8 – فضل أهل اليمن في جهاد المسلمين وفتوحاتهم في صدر الاسلام.
9 – أن برّ الوالدين من أسباب استجابة الدعوة لقوله صلى الله عليه وسلم: «لو أقسم على الله لأبره».
10 – فضل برِّ الوالدين والذي به نال أويس تلك الخيرية.
11 – أثر الدعاء والبر في رفع البلاء، فلقد كان في أويس مرضٌ فبرأ منه الا موضع درهم.
12 – حكمة الله تعالى- والله أعلم- في بقاء موضع درهم من البرص بعد البرء منه حتى لا ينسى أن الله تعالى عافاه منه وحتى يستمر في الدعاء فيعظم له الأجر في الدعاء الذي هو العبادة.
13 – تواضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث طلب الاستغفار ممن دونه.
14 – تثبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أويس قبل أن يخبره بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم عنه لقوله رضي الله عنه «أنت أويس بن عامر من مراد ثم من قرن، كان بك برصٌ فبرأت منه إلا موضع درهم ولك والدة؟».
15 – عناية عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأهل الفضل وتقديره اياهم لقوله رضي الله عنه لأويس (ألا أكتب لك الى عاملها؟) أي عامل الكوفة.
16 – قد يخص الله تعالى المفضول بما لم يعط الفاضل، كما أعطى أويساً ما لم يعط عامة الصحابة رضي الله عنهم.
17 – قد يسخر الناس ممن له شأن عند الله
تعالى، فان ذلك الرجل كان يسخر بأويس وهو خير منه.
18 – أن من كان حديث عهد بسفر صالح يرجى قبول دعائه واستغفاره لقول أويس لمن رجع من الحج (أنت أحدث عهداً بسفر صالح فاستغفر لي).
19 – أن لقب (التابعين) لمن ولي الصحابة قد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله «ان خير التابعين» وليس ذلك اصطلاح حادث.
20 – جواز الجهاد والسفر في حق من له أمٌّ بعد اذنها لقوله صلى الله عليه وسلم عن أويس «لا يدع باليمن غير أمٍّ له».
21 – الحديث انفرد به مسلم كما في تحفة الأشراف (10406).
——–‘
سيرة خير التابعين أويس القرني رحمه الله تعالى
[*] اسم أويس القرني ونسبه:
أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن المذحجي المرادي.
وقرن بطن من مراد.
{تنبيه}: أويس القرني: أبو عمرو: اليماني، من سادات التابعين، والأولياء الصالحين، أدرك زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلم ولكنه لم يلقه، منعه من السفر إليه بره بأمه كما حكى ذلك الحافظ أبو نعيم في ” حلية الأولياء ” (2/ 87) عن أصبغ بن زيد، فليس هو من الصحابة، وإنما هو من التابعين، ولد ونشأ في اليمن.
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: اختُلف في نسبه، فقيل: أويس بن عامر بن جَزْء بن مالك، وهو الصحيح. وأويس تصغير أوس، وأوس: الذئب، وقيل: إنه سُمّي بأوس الذي هو مصدر أُست الرجل أوساً: إذا أعطيته، فالأوس: العطيّة. انتهى.
وقال النوويّ – رحمه الله -: هو أويس بن عامر، كذا رواه مسلم هنا، وهو المشهور. قال ابن ماكولا: ويقال: أويس بن عمرو، قالوا: وكنيته أبو عمرو، قُتل بصفين، وفي “صحاح الجوهريّ”: أنه منسوب إلى قَرْن المنازل: الجبل المعروف ميقات الإحرام لأهل نجد، وهذا غلط فاحش، وسبق هناك التنبيه عليه؛ لئلا يُغترّ به. انتهى.
[*] علمه: ورَوَى عن: عمر، وعليّ، ورَوَى عنه: بَشير بن عمرو، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة، وقال: كان ثقةً، وذكره البخاري، فقال: في إسناده نظر، وقال ابن عديّ: ليس له رواية، لكن كان مالك يُنكر وجوده، إلا أن شهرته وشهرة أخباره لا تسع أحداً أن يشك فيه. [البحر الثجاج]
قلت سيف بن دورة: أحيانا الشهرة مبنية على أخبار غير صحيحة أو الشخصية قد تكون موجودة لكن الناس يبالغون فيها
مثل شخصية عنترة وشخصية جحا وغير ذلك من الشخصيات إلا إذا كانوا يقصدون شهرة أسانيد لكن هناك من أثبتها وهناك من أنكرها. ومع الإنكار لا تكون في درجة الشهرة المقبولة
وكذلك بقاء الخضر إلى قيام الساعة وأن أناس التقوا به وأن ذلك متواتر
كل ذلك مردود
[*] أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه قبل وجوده: أدرك النبيّ، قال عبد الغنيّ بن سعيد: الْقَرَنيّ – بفتح القاف والراء – هو أويس أخبر به النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قبل وجوده، وشَهِد صِفَّين مع عليّ، وكان من خيار المسلمين، وروى ضمرة، عن أصبغ بن زيد، قال: أسلم أويس على عهد النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، ولكن منعه من القدوم بِرّه بأمه.
وفي “الدلائل” للبيهقيّ من طريق الثقفيّ، عن خالد، عن عبد الله بن شقيق، عن عبد الله بن أبي الجدعاء، رَفَعه، قال: “يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم”، قال الثقفيّ: قال هشام بن حسان: كان الحسن. يقول: هو أويس القرنيّ.
* (صحيح) المشكاة 5601، الصحيحة 2178، والصحيح المسند 560
وورد في رواية قالوا: من هو يا رسول الله قال: أويس القرني. … لكن بذكر أويس القرني. أعله أبوحاتم في العلل 2579.
وراجع الضعيفة 6276 فقد ذكره مطولا وقال منكر جدا
قال الألباني:
لكن دون ذكر أويس صح الحديث عن أبي أمامة وغيره راجع الصحيحة 2178
تنبيه:
أول من يشفع قال – صلى الله عليه وسلم:
«أنا أول شافع، وأول مشفع» روى هذا اللفظ أبو هريرة – رضي الله عنه – رواه مسلم
أما حديث
ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم قالوا يا رسول الله سواك قال سواي قلت أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أنا سمعته
قال الفريابي: يقال: إنه عثمان بن عفان – رضي الله عنه.
جاء في تحفة الأحوذي:
وقال القاراء فقيل الرجل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه وقيل أويس القرني وقيل غيره انتهى
قلت إن دل دليل على تعيين هذا الرجل فهو المتعين وإلا فالله تعالى أعلم به انتهى.
وقال أحمد في “مسنده”: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صِفِّين: أفيكم أويس القرنيّ؟ قالوا: نعم، قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “إن من خير التابعين أويساً القرني”، ورواه جماعة عن شريك، وقال ابن عمار الموصليّ: ذُكر عند المعافى بن عمران أن أُويساً قُتل في الرجالة مع عليّ بصفين، فقال معافى: ما حدَّث بهذا إلا الأعرج، فقال له عبد ربه الواسطيّ: حدّثني به شريك، عن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: فسكت.
وسبق أن يزيد بن أبي زياد متكلم فيه
[*] قال القرطبيّ – رحمه الله -: وله أخبار كثيرة، وكرامات ظاهرة، ذكرها أبو نعيم، وأبو الفرج ابن الجوزيّ في كتابيهما.
وأخرج أحمد في “الزهد” من طريق الأصبغ بن نُباتة، قال: شَهِدت عليّاً يوم صفين، يقول: من يبايعني على الموت؟ فبايعه تسعة وتسعون رجلاً، فقال: أين التمام؟ فجاءه رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس، فبايعه على القتل، فقيل: هذا أويس القرنيّ، فما زال يحارب حتى قُتل.
قلت سيف بن دورة: أخرجه الحاكم من طريق سعيد بن طريف عن الأصبغ بن نُباتة وهم متروكين
وأخرج أحمد في “الزهد” عن عبد الرحمن مهديّ، عن عبد الله بن أشعث بن سوّار، عن محارب بن دثار، يرفعه: “إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العُرْي يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم: أويس القرنيّ، وفُرات بن حَيّان”.
قلت سيف بن دورة: وهو مرسل. وعبدالله بن الاشعث شبه مجهول حيث لم يذكر فيه جرح ولا تعديل راجع التاريخ الكبير والجرح والتعديل
[*] مما ورد من تكريس حياته في الطاعات. فقد أخرج أحمد في “الزهد” عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد مرسلاً،
قلت سيف بن دورة: برقم 67 ان من أمتي من لو أتى باب أحدكم فسأله دينارا لم يعطه إياه ….. ولو سأل الله الجنة لاعطاها اياه. ….. وليس فيه ذكر لأويس القرني
وفي “المستدرك” من طريق يحيى بن معين، عن أبي عُبيدة الحدّاد، حدّثنا أبو مكيس، قال: رأيت امرأة في مسجد أويس القرنيّ، قالت: كان يجتمع هو وأصحاب له في مسجده هذا يصلّون، ويقرؤون، حتى غزوا، فاستشهد أويس وجماعة من أصحابه الرجّالة بين يدي عليّ.
قلت سيف بن دورة: أبو مكيس دينار الحبشي تالف متهم. قال ابن حبان: يروي الموضوعات عن أنس.
وقد أخرج الحاكم من طريق ابن المبارك: أخبرنا جعفر بن سليمان، عن الجريريّ، عن أبي نضرة العبديّ، عن أسير بن جابر، قال: قال صاحب لي، وأنا بالكوفة: هل لك في رجل تنظر إليه؟ فذكر قصة أويس، وفيها: فتنحى إلى سارية، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: ما لكم ولي تطؤون عقبي، وأنا إنسان ضعيف، تكون لي الحاجة، فلا أقدر عليها معكم؟ لا تفعلوا رحمكم الله، من كانت له إليّ حاجة فليلقني بعشاء، ثم قال: إن هذا المجلس يغشاه ثلاثة نفر: مؤمن فقيه، ومؤمن لا يفقه، ومنافق، وذلك في الدنيا مثل الغيث يصيب الشجرة المُونِعة المثمرة، فتزداد حسناً، وإيناعاً، وطِيباً، ويصيب الشجرة غير المثمرة، فيزداد ورقها حسناً، ويكون لها ثمرة، ويصيب الهشيم من الشجرة، فيحطمه، ثم قرأ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)} [الإسراء: 82]، اللَّهُمَّ ارزقني شهادة توجب لي الحياة والرزق، قال أسير: فلم يلبث إلا يسيراً ضُرِب على الناس بعثٌ عليّ، فخرج صاحب القطيفة أويس، وخرجنا معه حتى نزلنا بحضرة العدوّ، قال ابن المبارك: فحدّثني حماد بن سلمة، عن الجريريّ، عن أبي نضرة، عن أسير، قال: فنادى منادي عليّ: يا خيل الله اركبي، وأبشري، فصفّ الناس لهم، فانتضى أويس سيفه حتى كَسَر جفنه، فألقاه ثم جعل يقول: يا أيها الناس تِمُّوا تِمُّوا لِيَتِمّنّ وجوهُ، ثم لا تنصرفُ حتى ترى الجنة، فجعل يقول ذلك، ويمشي إذ جاءته رَمْية فأصابت فؤاده، فتردَّى مكانه، كأنما مات منذ دهر. صحيح السند. انتهى من “الإصابة” باختصار.
وأخرج ابن المبارك في الزهد أخبرنا جعفر بن حيان قال أخبرنا أبو نضرة العبدي عن أسير بن جابر قال كنا جلوسًا في مجلس من تلك المجالس ويجلس معنا أويس فنحسب جعفرا ذكر صفته فإذا حدث هو أصاب حديثه قلوبنا …. فذكر قصة سؤال عمر عنه. …
فيه: أنه كان مستجاب الدعاء
[*] قال عنه الإمام الذهبي في ” سير أعلام النبلاء ” (4/ 19):” القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، كان من أولياء الله المتقين، ومن عباده المخلصين”. ومثله أبونعيم في الحلية
زهد أويس القرني:] كان أويس زاهداً معرضاً عن ملذات الدنيا وزخارفها، وروي أنه كان لديه رداء يلبسه، إذا جلس مسَّ الأرض، وكان يردد قول: (اللهم إني أعتذر إليك من كبد جائعة، وجسد عارٍ، وليس لي إلا ما على ظهري وفي بطني). رواه الحاكم في ” المستدرك ” (3/ 458).
وفي حديث الباب: ” فَسَأَلهُ عَنْ أُوَيْسٍ، قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ “.
[*] أخرج الحافظ أبو نعيم في الحلية، عن الشعبي قال: مر رجل من مراد على أويس القرني، فقال: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت أحمد الله. قال: كيف الزمان عليك؟ قال: كيف الزمان على رجل لو أصبح ظن أن لا يمسي، وإن أمسى ظن أن لا يصبح، فمبشر بالجنة، أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إن الموت وذكره لم يدع لمؤمن فرحاً، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضة ولا ذهباً، وإن قيامه بالحق لم يترك له صديقاً. ” حلية الأولياء ” (2/ 83)، ورواه الحاكم في ” المستدرك ” (3/ 458)
[*] عقد الإمام الحاكم في ” المستدرك ” (3/ 455) بابا في مناقبه، وقال عنه: ” أويس راهب هذه الأمة ” انتهى.
ورويت في فضله أحاديث أخرى ضعيفة، منها حديث طويل جاء فيه: (ليصلين معكم غدا رجل من أهل الجنة … ذاك أويس القرني) … إلى آخر الحديث، وفيه حوار مطول بينه وبين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب.
رواه أبو نعيم في ” حلية الأولياء ” (2/ 81) وأشار إلى ضعفه. وقال الشيخ الألباني في ” السلسلة الضعيفة ” (رقم/6276): منكر جدا.
يقول ابن الجوزي رحمه الله – وقد عقد في كتابه ” الموضوعات ” بابا في ذكر أويس -:
” وإنما يصح في الحديث عن أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر، وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يأتي عليكم أويس، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل) فأطال القُصَّاص في حديث أويس بما لا فائدة في الإطالة بذكره ” انتهى باختصار.
[*] ما ذكر من أقول أويس القرني التي فيها الحكمة والموعظة:
ومن كلامه أيضا رحمه الله في الحث على الخوف من الله ودوام مراقبته:” كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم ” انتهى. رواه الحاكم في ” المستدرك ” (3/ 458)
[*] وأخرج الحافظ أبو نعيم عن أصبغ بن زيد قال:” كان أويس القرني إذا أمسى يقول: هذه ليلة الركوع، فيركع حتى يصبح، وكان يقول إذا أمسى: هذه ليلة السجود، فيسجد حتى يصبح. وكان إذا أمسى تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعا فلا تؤاخذني به، ومن مات عريانا فلا تؤاخذني به ” انتهى. رواه أبو نعيم في ” حلية الأولياء ” (2/ 87) وقوله ” فيركع حتى يصبح … ويسجد حتى يصبح ” أي: يطيل الركوع في الصلاة حتى يصبح، ثم في ليلة أخرى يطيل السجود في الصلاة حتى يصبح “.
[*] وفاة أويس القرني رحمه الله.
اختُلف في زمن موته، وأكثر أهل العلم يذهبون إلى أن وفاته كانت يوم صفين سنة (37هـ)، حيث قاتل مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه واستشهد هناك، أسند ذلك الحاكم في ” المستدرك ” (3/ 460) إلى شريك بن عبد الله وعبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهما.
وذكر آخرون أنه غزا أذربيجان فاستشهد هناك. انظر: ” حلية الأولياء ” (2/ 83).والأول عليه الأكثر، والله أعلم.
وروى عبد الله بن أحمد في “زيادات المسند” من طريق عبد الله بن سلمة، قال: غزونا أذربيجان في زمن عمر، ومعنا أويس، فلما رجعنا مَرِضَ، فمات، قال الحافظ – رحمه الله -: وفي الإسناد: الهيثم بن عديّ، وهو متروك، والمعتمَد الأول.
انتهى من “الإصابة” باختصار.
[انظر: البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (40) / (162)، وفتح المنعم، وفصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب