55 – فتح رب البرية بينابيع الحكمة من أقوال الأئمة
جمع أحمد بن خالد وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(1693): {أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمّا يَأتِكُم مَثَلُ الَّذينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَسَّتهُمُ البَأساءُ وَالضَّرّاءُ وَزُلزِلوا حَتّى يَقولَ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ مَتى نَصرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللَّهِ قَريبٌ} [البقرة: (214)]
تفسير السعدي:
يخبر تبارك وتعالى أنه لا بد أن يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة كما فعل بمن قبلهم، فهي سنته الجارية التي لا تتغير ولا تتبدل، أن من قام بدينه وشرعه لا بد أن يبتليه، فإن صبر على أمر الله، ولم يبال بالمكاره الواقفة في سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها ومن السيادة آلتها، ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله، بأن صدته المكاره عما هو بصدده، وثنته المحن عن مقصده، فهو الكاذب في دعوى الإيمان، فإنه ليس الإيمان بالتحلي والتمني ومجرد الدعاوي؛ حتى تصدقه الأعمال أو تكذبه، فقد جرى على الأمم الأقدمين ما ذكر الله عنهم {مستهم البأساء والضراء}؛ أي: الفقر والأمراض في أبدانهم {وزلزلوا}؛ بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل والنفي، وأخذ الأموال، وقتل الأحبة، وأنواع المضار، حتى وصلت بهم الحال، وآل بهم الزلزال إلى أن استبطؤوا نصر الله مع يقينهم به، ولكن لشدة الأمر وضيقه قال {الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله}؛ فلما كان الفرج عند الشدة، وكلما ضاق الأمر اتسع قال تعالى: {ألا إن نصر الله قريب}؛ فهكذا كل من قام بالحق فإنه يمتحن، فكلما اشتدت عليه وصعبت إذا صابر وثابر على ما هو عليه؛ انقلبت المحنة في حقه منحة، والمشقات راحات، وأعقبه ذلك الانتصار على الأعداء وشفاء ما في قلبه من الداء.
وهذه الآية نظير قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}؛ وقوله تعالى: {ألم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}؛ فعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
______________
(1694): فائدة قيمة من العلامة عبيد الجابري رحمه الله ..
قال رحمه الله:
الله الله في السُنّة، وعليكم بالرفق وعليكم بالحكمة، وتعاونوا فيما بينكم على البر والتقوى، وإذا أخطأ سلفيّ فلا تُشهروا خطأه في العامة والخاصة، بل ناصحوه، فإنّ السلفيّ ترده السُنّة.
[من رسالة ضوابط معاملة السُّني للبدعي].
______________
(1695): ??قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
من أعظَمِ الاعتِداءِ والعُدوانِ والذُّلِّ والهَوانِ: أن يُدعى غيرُ اللهِ؛ فإنَّ ذلك مِنَ الشِّركِ، واللهُ لا يَغفِرُ أن يُشرَكَ به، وإنَّ الشِّرْكَ لظُلمٌ عظيمٌ.
الرد على البكري: (210/ 1) ??
______________
(1696): قال الحافظ ابن حبان رحمه الله:
” أول بركة العلم الإفادة،
وما رأيت أحداً قطّ بخل بالعلم إلا لم يُنتَفَع بعلمه”. روضة العقلاء (ص (142))
______________
(1697): قال الحافظ ابن رجب:
(السُّنَنُ الرَّواتِب أفضلُ مِن صلاةِ اللَّيلِ عندَ جُمهورِ العُلماء).
“لطائف المعارف” ((130))
______________
(1698): قال ابن تيمية -رحمه الله-:
وكلُّ ما يُصيبُ المؤمنَ من الشرِّ فإنما هو بذنوبه.
جامع المسائل (6) / (274)
______________
(1699): كان أبو الدرداء يدعو لسبعين رجلًا فى صلاته.
شرح صحيح البخاري لابن بطال (2/ 450).
______________
(1700): نصيحة قيمة من العلامة عبيد الجابري رحمه الله.
قال رحمه الله:-
لا تقضوا وقتكم في قيل وقال فقط! احرصوا على تعليم السنة والتفقه في السنة، كما يجب أن تحرصوا على الحذر من البدع والمحدثات وجميع المعاصي؛ فإن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم شاملة، فيها أمر الناس بكل محبوبات الله سبحانه وتعالى، التوحيد وسائر فرائض الدين، كما أنها شاملة للنهي عن مغاضب الله، وأعظمها الشرك، ثم بعد سائر المعاصي والبدع والمحدثات في دين الله، فالذي لا يجمع بين هذين الأصلين أقول: إنَّه مختل التربية، ويُنشئ جيلا جاهلا، والذي عرفناه من سيرة السلف الصالح – وهم أصحاب النبي ? – هم على هذا تأسيا بنبيهم صلى الله عليه وسلم.
إمداد أولي الأبصار (178) ..
______________
(1701): قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
“الحق كالذهب الخالص كلما امتُحن ازداد جودة والباطل كالمغشوش المضيء إذا امتحن ظهر فساده”.
(الجواب الصحيح (88) / (1))
______________
(1702): لا تجعل نفسك بمنزلة الأنثى
قال العلامة ابن العثيمين -رحمه الله تعالى-:
” والرجل ينبغي له أن يعتني بمكارم الأخلاق ومعالي الآداب والرجولة والكرم والشهامة،
لا أن يجعل نفسه بمنزلة الأنثى ينتف حواجبه وينتف شعر خديه وشعر لحيته وما أشبه ذلك “.
[«سلسلة فتاوى نور على الدرب» (الشريط رقم: 75)]
______________
(1703): قال الإمام ابن سعدِي رحمه الله تعالى:
ومن الآداب الطيّبة، إذا حدَّثك المحدِّث بأمر ديني، أو دنيوي ألا تنازعه الحديث، إذا كنت تعرفه بل تصغي إليه، إصغاء من لا يعرفه، ولم يَمُرَّ عليه، وتُريه أنك استفدت منه كما كان أَلِبَّاءُ الرجال يفعلونه!.
الرياض الناضرة صفحة (548) …
______________
(1704): [التّحَابُّ في اللهِ تعالى عَزيزٌ جِدّاً]
قال العلّامة الشّوكانيُّ:
“فكّرتُ بعضَ الّليالي في حَديثِ: (المُتَحابُّونَ في اللهِ عَلى مَنابِرَ مِنْ نُورٍ)؛ فَاستعظَمْتُ هَذا الجَزَاء مَع حَقَارةِ العَملِ، ثُمَّ رَاجعتُ الذِّكْرَ؛ فوجَدتُ: التَّحَابَّ في اللهِ مِنْ أَصْعبِ الأُمورِ وأشدِّهَا، وَوجُودُه في الأشخَاصِ الإنسانيّةِ أَعَزُّ مِنَ الكِبْريتِ الأحْمَرِ، فَذَهبَ مَا تَصوّرتُهُ مِنَ الاسْتِعظَامِ للجَزاءِ”.
(الفتحُ الرّبّاني مِن فتاوى الإمام الشّوكانيّ) ((11) / (5299) – (5300))
______________
(1705): {وَاضرِب لَهُم مَثَلَ الحَياةِ الدُّنيا كَماءٍ أَنزَلناهُ مِنَ السَّماءِ فَاختَلَطَ بِهِ نَباتُ الأَرضِ فَأَصبَحَ هَشيمًا تَذروهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ مُقتَدِرًا} [الكهف: (45)]
تفسير السعدي:
يقول تعالى لنبيِّه ? أصلًا ولمن قام بوراثته بعده تبعًا: اضرب للناس {مَثَلَ الحياة الدنيا}؛ ليتصوَّروها حقَّ التصوُّر ويعرِفوا ظاهرها وباطنها، فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية، ويؤثروا أيَّهما أولى بالإيثار. وإنَّ مَثَلَ هذه الحياة الدُّنيا كمثل المطر؛ ينزِلُ على الأرض، فيختلط نباتها، تُنْبِتُ من كلِّ زوج بهيج، فبينا زهرتُها وزُخرفها تسرُّ الناظرين، وتفرِحُ المتفرِّجين، وتأخذُ بعيون الغافلين؛ إذ أصبحتْ {هشيمًا تذروه الرياح}: فذهب ذلك النبات الناضر والزهر الزاهر والمنظر البهيُّ، فأصبحت الأرض غبراء ترابًا قد انحرف عنها النظرُ، وصرف عنها البصرُ، وأوحشت القلبَ؛ كذلك هذه الدُّنيا؛ بينما صاحبها قد أعْجِبَ بشبابِهِ، وفاق فيها على أقرانِهِ وأترابِهِ، وحصَّل درهمَها ودينارَها، واقتطف من لذَّتِهِ أزهارها، وخاض في الشهوات في جميع أوقاته، وظنَّ أنَّه لا يزال فيها سائر أيامه؛ إذْ أصابه الموتُ أو التلفُ لماله، فذهب عنه سرورُهُ، وزالت لذَّتُه وحبوره، واستوحش قلبُه من الآلام، وفارق شبابَه وقوتَه ومالَه، وانفرد بصالح أو سيئ أعماله، هنالك يعضُّ الظالم على يديه حين يعلم حقيقةَ ما هو عليه ويتمنَّى العَوْدَ إلى الدُّنيا، لا ليستكمل الشهوات، بل ليستدركَ ما فرط منه من الغفلات؛ بالتوبة والأعمال الصالحات، *فالعاقل الحازمُ الموفَّق يعرِضُ على نفسِهِ هذه الحالة، ويقول لنفسه: قدِّري أنَّك قد متِّ، ولا بدَّ أن تموتي؛ فأيُّ الحالتين تختارين: الاغترار بزخرِف هذه الدار، والتمتُّع بها كتمتُّع الأنعام السارحة، أم العمل لدارٍ أكُلُها دائمٌ وظلُّها، وفيها ما تشتهيه الأنفسُ وتلذُّ الأعين؛ فبهذا يُعْرَفُ توفيقُ العبد من خذلانِهِ، وربحُهُ من خسرانِهِ.*
______________
(1706): قال ابن القيم رحمه الله:
“ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره”
الفوائد صـ266
______________
(1707): لماذا يبتلي الله عبده المؤمن؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
“ابتلاءُ اللهِ عبْدَه في الدنيا ليس من سُخْطٍ عليه،
بل إما لدفع مكروه،
أو لكفارة ذنوب،
أو لرفع منزلة،
فإذا تلقّى ذلك بالرضا تمّ له المراد”.
[فتح الباري (283) / (17)]
______________
(1708): قال ابن القيم -رحمه الله-:
إنّ من أحبّ شيئًا غير الله عُذِّب به، ولابدّ ..
الداء والدواء (1) / (492)
______________
(1709): قال ابن القيم -رحمه الله-:
ليس للعبد شيءٌ أنفع من صدقه ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة؛ فيَصدُقه في عزمه وفي فعله؛ قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيرًا لَهُمْ ((21))} [محمد: (21)]؛ فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل. فصدق العزيمة جَمْعُها وجزمُها وعدم التردد
فيها، بل تكون عزيمةً لا يشوبها ترددٌ ولا تلوُّمٌ. فإذا صدقتْ عزيمتُه بقي عليه صدق الفعل، وهو استفراغُ الوسع وبذل الجهد فيه، وأن لا يتخلف عنه بشيءٍ من ظاهره وباطنه. فعزيمةُ القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة، وصدق الفعل يمنعه من الكسل والفتور.
ومن صَدَقَ اللَّهَ في جميع أموره صنعَ الله له فوق ما يصنع لغيره.
وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص وصدق التوكل؛ فأصدق الناس من صح إخلاصه وتوكله.
الفوائد (1) / (272)
______________
(1710): [فوائد من كتب ابن القيم]
كم من ذنب كان سببا لاستقامة العبد وفراره الى الله وبعده عن طرق الغي وهو بمنزلة من خلط فأحس بسوء مزاجه وكان عنده اخلاط مزمنة قاتلة وهو لا يشعر بها فشرب دواء ازال تلك الاخلاط العفنة التي لو دامت لترامت به الى الفساد والعطب وان من تبلغ رحمته ولطفه وبره بعبده هذا المبلغ وما هو اعجب والطف منه لحقيق بان يكون الحب كله له والطاعات كلها له وان يذكر فلا ينسى ويطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر.
(فوائد من كتاب مفتاح دار السعادة (4))
______________
(1711): عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: لا يقلدن أحدكم دينه رجلًا، فإن آمن آمن، وإن كفر كفر؛ فإن كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميت فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة. [الحلية (تهذيبه) (1) / (123)].
______________
(1712): يُستَفادُ مِنْ قَوْلِه: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا
—-
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
القيودُ الشَّديدة في نفْيِ الإثمِ عمَّن أكَل أو شَرِب في مأكولِه ومَشروبِه، والتقوى ذُكرتْ في الآيةِ ثلاثَ مرَّات، والإيمانُ مرَّتين، والإحسانُ مرَّة، قيودٌ شديدة عظيمة؛ فينبغي الحَذَر من أنْ يكون في المطعومِ إثمٌ.
تفسير ابن عثيمين – سورة المائدة (2/ 371).
______________
(1713): قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:
كلَّ ما وقَع في قلبك مِن التثاقُل عن الصَّلاة، فاعلمْ أنَّه من الشَّيطانِ،
ومرادِ الشيطان؛ لِقَوْلِه: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ.
تفسير سورة المائدة (2/ 353).
______________
(1714): [لا تجالس من يتساهل في المعصية]
قيل للحسن: نراك طويل البكاء!
فقال: أخاف أن يطرحني في النار، ولا يبالي.
وكان يقول: إن قومًا ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا بغير توبة، يقول أحدهم: لأني أحسن الظن بربي! وكذب، لو أحسن الظن لأحسن العمل.
——-
ابن القيم – الداء والدواء: ((38))
التعليق:
قال العلامة الفوزان حفظه الله: فعلى العبد أن يختار من يجالس، فلا يجلس مع الذين يتساهلون بالمعاصي، ويذهبون لهذا المذهب الخبيث، ويقولون: رحمة الله واسعة، ونحو ذلك. نعم، رحمة الله واسعة، لكن لمن هذه الرحمة؟!
يقول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: (56)]، والله لا يضع الرحمة إلا في موضعها، ولا يضع العقوبة إلا في موضعها، فما الذي يؤمنك من العقوبة وقد توعد الله جَلَّ وَعَلَا العصاة والمذنبين؟!
فكما أنك ترجو ثواب الله
ومغفرته، عليك أيضًا أن تخاف عقابه، فتجمع بين الخوف والرجاء.
تعليقات على الجواب الكافي (99).
______________
(1715) قال الإمام ابن القيِّم -رحمه الله-:
“نوّاب إبليس في الأرض: هم الذين يثبطون الناس عن طلب العلم، والتفقه في الدين.
فهؤلاء أضر عليهم من شياطين الجن، فإنهم يحولون بين القلوب وبين هدى الله وطريقه”.
??مفتاح دار السعادة ((160) / (1)).
______________
(1716): {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم وَاعلَموا أَنَّ اللَّهَ يَحولُ بَينَ المَرءِ وَقَلبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيهِ تُحشَرونَ} [الأنفال: (24)]
تفسير السعدي:
يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم، وهو الاستجابة لله وللرسول؛ أي: الانقياد لما أمرا به والمبادرة إلى ذلك والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه والانكفاف عنه والنهي عنه. وقوله: {إذا دعاكم لما يُحييكم}: وصفٌ ملازمٌ لكل ما دعا الله ورسوله إليه وبيانٌ لفائدته وحكمته؛ فإن حياة القلب والروح بعبوديَّة الله تعالى ولزوم طاعته وطاعة رسوله على الدوام. ثم حذَّر عن عدم الاستجابة لله وللرسول، فقال: {واعلموا أنَّ الله يَحول بين المرء وقلبِهِ}: فإياكم أن تردُّوا أمر الله أول ما يأتيكم، فيُحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم؛ فإن الله يَحولُ بين المرء وقلبه؛ يقلِّب القلوب حيث شاء، ويصرِّفها أنَّى شاء، فليكثرِ العبد من قول: يا مقلِّب القلوب! ثبِّتْ قلبي على دينك. يا مصرِّف القلوب! اصرفْ قلبي إلى طاعتك. {وأنَّه إليه تُحشرون}؛ أي: تُجمعون ليوم لا ريبَ فيه، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بعصيانه.
______________
(1717): حديث و تعليق
عن ابن عمر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «*من خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع*. رواه أبو داود و هو حديث صحيح.
قال الشوكاني في النيل ((8) / (311)).
قوله: (لم يزل في سخط الله)
هذا ذم شديد له شرطان:
أحدهما أن تكون المخاصمة في باطل.
والثاني أن يعلم أنه باطل، فإن اختل أحد الشرطين فلا وعيد، وإن كان الأولى ترك المخاصمة ما وجد إليه سبيلا
______________
(1718): قال ابن القيم رحمه الله:
“من الفروق بين الناصح والمؤنب ..
أن الناصح لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته، وقال: قد وقع أجري على الله؛ قبلت أو لم تقبل، ويدعو لك بظهر الغيب، ولا يذكر عيوبك ويبثها في الناس، والمؤنب بضد ذلك”.
(كتاب الروح (717) / (2)).
______________
(1719): مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال ابن القيم رحمه الله:
وهذا عمر بن الخطاب قرأ سورة الطور حتّى بلغ: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ? (7)} [الطور: (7)]، فبكى، واشتدّ بكاؤه، حتى مرض وعادُوه.
وقال لابنه وهو في الموت: ويحك ضَعْ خدّي على الأرض عساه أن يرحمني. ثم قال: ويل أمي إن لم يغفر لي، ثلاثًا، ثم قضَى.
وكان يمرّ بالآية في وِرده بالليل، فتخنقه، فيبقى في البيت أيامًا يُعاد، يحسبونه مريضًا.
وكان في وجهه خطّان أسودان من البكاء ((7)).
وقال له ابن عباس: مصّر الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح، وفعل وفعل، فقال: وددتُ أنّي أنجو، لا أجرَ ولا وِزرَ.
الداء والدواء (91 – 92).
______________
(1720): {أَن تَقولَ نَفسٌ يا حَسرَتى عَلى ما فَرَّطتُ في جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السّاخِرينَ} [الزمر: (56)]
قال ابن كثير في تفسيره:
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} أي: يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة والإنابة ويود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين لله – عز وجل -، وقوله – عز وجل -: {وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} أي: إنما كان عملي في الدنيا عمل ساخر مستهزئ غير موقن مصدق.
______________
(1721): وقال ابن السَّمّاك رحمه الله لأصحاب الصوف: والله إن كان لباسُكم هذا موافقًا لسرائركم لقد أحببتم أن يطَّلع الناسُ عليها، وإن كان مخالفًا لها فقد هلكتم. [عيون الأخبار 1/ 348]
______________
(1722): عن قَزَعَة قال: رأيتُ على ابن عمر رضي الله عنه ثيابًا خشنةً فقلتُ له: إني قد أتيتُكَ بثوب ليِّنٍ مما يصنع بخراسان، وتقرّ عيناي أنْ أراه عليكَ قال:
أرنيه، فَلَمَسَه، وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنه من قُطْن. قال: إني أخاف أن ألبَسَه، أخافُ أن أكون مختالاً فخورًا، والله لا يُحبُ كُلَّ مختالٍ فخور.
قال الذهبي رحمه الله: كلُّ لباسٍ أوجد في المرء خُيَلاء وفخرًا فتركه مُتَعيِّن ولو كان من غير ذهبٍ ولا حرير. فإنا نرى الشابَّ يلبَسُ الفَرَجية الصوف بفَرْوٍ من أثمان أربع مئة درهم ونحوها، والكِبْرُ والخُيَلاء على مشيته ظاهر، فإنْ نصحته ولُمتَه برفقٍ كابَرَ وقال: ما فيّ خُيلاء ولا فخَرٌ. وهذا السيد ابنُ عمر يخافُ ذلك على نفسه. وكذلك ترى الفقيهَ المترف إذا لِيمَ في تفصيلِ فَرَجية تحت كعبيه، وقيل له: قد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ” ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار”، يقول: إنما قال هذا فيمن جَرَّ إزاره خُيلاء، وأنا لا أفعلُ خُيَلاء. فتراه يُكابِرُ، ويُبَرِّئُ نفسَه الحمقاء، ويعمَدُ إلى نصٍّ مُستَقِلٍّ عام فيخصُّهُ بحديث آخر مُستَقِلٍّ بمعنى الخُيلاء، ويتَرخصُ بقول الصِّدِّيق: إنه يا رسول الله يسترخي إزاري، فقال: “لستَ يا أبا بكر ممن يفعله خُيَلاء” فقلنا: أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يَشدُّ إزاره مَسْدُولاً على كعبيه أولاً، بل كانَ يَشُدُّهُ فوق الكعب، ثم فيما بعد يسترخي
[حياة السلف بين القول والعمل ص303]
______________
(1723): قال ابن القيم – رحمه الله -:
*وأما فضولُ المخالطةِ؛ فهي الدّاء العُضَالُ الجالبُ لكلِّ شرٍّ، وكم سلبت المخالطةُ والمعاشرةُ من نعمة، وكم زرعتْ من عداوة، وكم غرستْ في القلب من حَزَازات، تزولُ الجبالُ الراسيات وهي في القلوب لا تزول، ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذَ من المخالطة ((2)) بمقدار الحاجة، ويجعلَ الناسَ فيها أربعةَ أقسام، متى خلط أحدَ الأقسام بالآخر، ولم يميِّزْ بينهما دخل عليه الشر*:
أحدهما: *مَنْ مخالَطَتُهُ كالغذاء لا يُستغنى عنه في اليوم واللَّيلةِ*، فإذا أخذ حاجَتَهُ منه ترك الخلطة ((3))، ثم إذا احتاجَ إليه خالطه
هكذا على الدّوام، وهذا الضَّرْبُ أعزُّ من الكبريت الأحمر، وهم العلماء بالله وأمره ومكايد عدوه، وأمراض القلوب وأدويتها، الناصحون لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولخلقه، فهذا الضَّرْبُ في مخالطتهم الربحُ كلُّه.
القسم الثاني: *مَنْ مخالطتهُ كالدَّواء يُحْتَاجُ إليهْ عندَ المرضِ*، فما دمتَ صحيحًا فلا حاجةَ لك في خلطته، وهم مَنْ لا يُسْتغنى عن مخالطتهم في مصلحة المعاش، وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارة والعلاج للأدواء ونحوها، فإذا قضيتَ حاجَتك من مخالطة هذا الضَّرْب بقيَتْ مخالَطَتُهم من:
القسم الثالث: *وهم مَنْ مخالطته كالدَّاء على اختلاف مراتبه وأنواعه*، وقوته وضعفه، فمنهم من مخالطته كالدَّاء العُضَال، والمرض المزمن، وهو من لا تربحُ عليه في دين ولا دنيا، ومع ذلك فلا بدَّ من أن تخسرَ عليه الدِّين والدنيا أو أحدهما، فهذا إذا تمكَّنَت مخالطتُه واتصلت فهي مرض الموت المَخوْف.
ومنهم: مَنْ مخالطته كوجع الضرس يشتدَّ ضَرَبانه عليك، فإذا فارقَكَ سكن الألمُ.
ومنهم: مَنْ مخالطته حُمَّى الرُّوح وهو الثَّقيلُ البغيضُ العَثِل ((1))، الذي لا يُحْسِنُ أن يتكلَّمَ فيفيدَك، ولا يُحسِنُ أن يُنصِتَ فيستفيدَ منك، ولا يعرف نفسَهُ فَيَضَعَها في منزلتها، بل إن تكلم فكلامه كالعِصِيِّ تنزلُ على قلوب السامعين، مع إعجابه بكلامه، وفرحه به، فهو يُحْدِثُ من فيه كلما تحدَّث، ويظنُّ أنه مِسْكٌ يطيبُ به المجلس، وإن سكت فأثقل من نصف الرَّحَى العظيمة التي لا يُطاق حملُها ولا جَرُّها على الأرض.
وبالجملة؛ *فمخالطة كلِّ مخالف حمَّى للرُّوح فعَرَضِيَّه ولازمة*.
ومن نكد الدنيا على العبد أن يُبتلى بواحد من هذا الضرب، وليس له بُدُّ من معاشرته ومخالطته، فليعاشرْه بالمعروف حتى يجعلَ الله له فرجًا ومخرجًا.
القسم الرابع:*من مخالطته الهُلْكُ كُلُّه*، ومخالطته ((3)) بمنزلة أكل السُّم، فإن اتَّفقَ لآكله ترياقٌ، وإلا فأحسنَ اللهُ فيه العزاءَ، وما أكثرَ هذا الضَّرْبَ في الناس -لا كثَّرهم اللهُ- وهم أهلُ البدع والضلالة، والصَّادُّون عن سُنَّة رسول الله ?، الدّاعون إلى خلافها، الذين يَصُدُّون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا، فيجعلون البدعةَ سُنَّةً، والسُّنَّةَ بِدْعَةً، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، إن جرَّدت التوحيدَ بينهم قالوا: تنقَّصْتَ جنَابَ الأولياء والصالحين، وإن جَرَّدْتَ المتابعةَ لرسول الله ? قالوا: أهدرتَ الأئمةَ المتبوعينَ.
بدائع الفوائد – ط عطاءات العلم (2) / (821) – (824)
______________
(1724): قيل لأحد السلف:
كيف أنت في دينك؟
قال:
أمزقه بالمعاصي وأرقعه بالاستغفار.
الفوائد 200
______________
(1725): قال الله تعالى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ
قال ابن عاشور في تفسيره:
أحسَنُ مَن يُتَّخَذُ للخِدْمةِ الوِلْدانُ؛ لأنَّهم أخَفُّ حَرَكةً، وأسرَعُ مَشْيًا، ولأنَّ المخدومَ لا يتحَرَّجُ إذا أمَرَهم أو نهاهم.
______________
(1726): [لم يترتب على الخروج أي مصلحة من فجر تاريخ المسلمين إلى يومنا هذا]
قال شيخنا العلامة ربيع بن هادي -حفظه الله-:
( … ولم يترتب على الخروج أي مصلحة من فجر تاريخ المسلمين إلى يومنا هذا.
فالمسألة مسألة منهج وليست مسألة عواطف، والرسول يعالج القضايا وهو أغير الناس على دين الله.
يقولون: السيف، يقول: لا؛ الصبر.
ألا نسل سيوفنا؟
يقول: اصبروا، لماذا؟
لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرى أن في الخروج أضرارا فادحة، كيف وهو الذي لا ينطق عن الهوى، وأخبره الله وأعلمه.
والعقلاء من المسلمين يدركون هذا، فالخروج وتربية الناس على الثورة وتهييجهم يضر بالإسلام والمسلمين، ولكم عبرة في الصومال، ولكم عبرة في اليمن، ولكم عبرة في العراق، ولكم عبرة في الجزائر، ولكم العبرة في هذا العصر في كل بلد حصل فيه خروج فما يترتب على هذا الخروج إلا ضياع الإسلام والمسلمين، وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، وتدمير الأموال والتخريب، فهذه بعضها تكفي العاقل لأن يتمسك بأهداب المنهج السلفي، وأنه هو الحق وأنه هو المستمد فعلا من كتاب الله وسنة الرسول، ويدعمه هذه النصوص، ويدعمه العقل والتجارب والخبرات).
انظر: الذريعة، (ج1، ص130 – 131).