55 – التعليق على الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي و أبي علي راشد الحوسني وأبي سالم محمد الكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
55 – قال أبو داود رحمه الله (ج 2 ص 366): حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبَانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ «رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بِالْأَعْنَاقِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهَا الْحَذَفُ».
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيحٌ ورجاله رجال الصحيح.
الحديث أخرجه النسائي (ج 2 ص 92) وعنده تصريح قتادة بالتحديث.
————————–
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* صححه الشيخ الألباني في سنن أبي داود 667.
* الحديث في المختارة برقم 2434 – 2435 – 2436.
* صحح إسناده محققو سنن أبي داود (2/9).
ثانياً: دراسة الحديث درايةً:
1: تبويبات الأئمة على الحديث وما أوردوا تحته من أحاديث:
بوب البخاري في كتاب الأذان من صحيحه،
باب : إقامة الصف من تمام الصلاة
وأورد تحته حديثين:
# عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه ، فإذا ركع ، فاركعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا لك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى جالسا ، فصلوا جلوسا أجمعون ، وأقيموا الصف في الصلاة ، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة.
# عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سووا صفوفكم ، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح(باختصار):
قوله من حسن الصلاة قال بن رشيد إنما قال البخاري في الترجمة من تمام الصلاة ولفظ الحديث من حسن الصلاة لأنه أراد أن يبين أنه المراد بالحسن هنا وأنه لا يعني به الظاهر المرئي من الترتيب بل المقصود منه الحسن الحكمي بدليل حديث أنس وهو الثاني من حديثي الباب حيث عبر بقوله من إقامة الصلاة .
قوله في حديث أنس فإن تسوية الصفوف وفي رواية الأصيلي الصف بالإفراد والمراد به الجنس .
قوله من إقامة الصلاة هكذا ذكره البخاري عن أبي الوليد وذكره غيره عنه بلفظ من تمام الصلاة كذلك أخرجه الإسماعيلي عن بن حذيفة والبيهقي من طريق عثمان الدارمي كلاهما عنه وكذلك أخرجه أبو داود عن أبي الوليد وغيره وكذا مسلم وغيره من طريق جماعة عن شعبة وزاد الإسماعيلي من طريق أبي داود الطيالسي قال سمعت شعبة يقول داهنت في هذا الحديث لم أسأل قتادة أسمعته من أنس أم لا انتهى ولم أره عن قتادة إلا معنعنا ولعل هذا هو السر في إيراد البخاري لحديث أبي هريرة معه في الباب تقوية له
واستدل بن حزم بقوله إقامة الصلاة على وجوب تسوية الصفوف قال لأن إقامة الصلاة واجبة وكل شيء من الواجب واجب ولا يخفى ما فيه ولا سيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة وتمسك ابن بطال بظاهر لفظ حديث أبي هريرة فاستدل به على أن التسوية سنة قال لأن حسن الشيء زيادة على تمامه وأورد عليه رواية من تمام الصلاة وأجاب ابن دقيق العيد فقال قد يؤخذ من قوله تمام الصلاة الاستحباب لأن تمام الشيء في العرف أمر زائد على حقيقته التي لا يتحقق إلا بها وإن كان يطلق بحسب الوضع على بعض ما لا تتم الحقيقة إلا به كذا قال وهذا الأخذ بعيد لأن لفظ الشارع لا يحمل إلا على ما دل عليه الوضع في اللسان العربي وإنما يحمل على العرف إذا ثبت أنه عرف الشارع لا العرف الحادث تنبيه لفظ الترجمة أورده عبد الرزاق من حديث جابر.
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في الفتح:
في حديث أبي هريرة: أن إقامة الصف من حسن الصلاة، والمراد: أن الصف إذا أقيم في الصلاة كانَ ذَلِكَ من حسنها، فإذا لم يقم نقص من حسنها بحسب ما نقص من إقامة الصف.
وفي حديث أنس: أن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة، والمراد بإقامتها: الإتيان بها على وجه الكمال.
ولم يذكر في القرأن سوى إقامة الصلاة، والمراد: الإتيان بها قائمة على وجهها الكامل.
وقد صرح في هذا الحديث بأن تسوية الصفوف من جملة إقامتها، فإذا لم تسو الصفوف في الصلاة نقص من إقامتها بحسب ذَلِكَ – أيضا – والله أعلم.
===
* بوب أبو داود على الحديث باب تسوية الصفوف.
وأورد تحته عدة أحاديث:
- عن جابر بن سَمُرة قال: قال رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: “ألا تَصُفُّونَ كما تَصُفُّ الملائكةُ عند ربهم؟ “قلنا: وكيف تَصُفُّ الملائكةُ عند ربهم؟ قال: “يُتِمونَ الصُّفوفَ المُقدَّمةَ ويتراصونَ في الصف” وهو في مسلم 430.
- عن النعمان بن بشير يقول: أقبَلَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- على النَّاسِ بوجهِه فقال: “أقيموا صُفوفَكم- ثلاثاً- واللهِ لتُقيمُن صُفوفَكم أو ليُخالِفَن اللهُ بين قُلوبكم”. قال: فرأيتُ الرجلَ يُلزِقُ مَنكِبَه بمَنكِبِ صاحِبِه، ورُكبَتَه برُكبةِ صاحِبِه، وكَعبَه بكعبِه. [ قال الألباني: صحيح ق بجملة الأمر بتسوية الصفوف وجملة المنكب بالمنكب علقه خ عن أنس، وأما محققو سنن أبي داود فقالوا: ” صحيح، إلا أن قوله: “وركبته بركبته” قد انفرد به أبو القاسم الجدلي – وهو
- حسين بن الحارث – حسن الحديث ينحط عن رتبة الثقة” ].
- عن النعمان بن بشير يقول: كان النبي- صلى الله عليه وسلم – يُسَوَّينا في الصُفوفِ كما يُقوَّمُ القِدْحُ، حتَى إذا ظن أنْ قد أخذنا ذلك عنه وفَقِهنا أقبل ذات يوم بوجهه إذا رجل منتبِذٌ بصدره فقال: “لتسوُّن صفوفَكم أو ليُخالِفَنَ الله بين وجُوهِكم” أخرجه مسلم (436)
- عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا إِذَا قُمْنَا لِلصَّلَاةِ فَإِذَا اسْتَوَيْنَا كَبَّرَ» [صححه الألباني رحمه الله]
- عن كثير بن مُرَّة عن عبد الله بن عمر- قال قُتَيبةُ: عن أبي الزاهريَّة، عن أبي شَجَرة، لم يذكر ابنَ عمر-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم -قال: “أقيموا الصُفوفَ، وحاذُوا بين المناكِبِ، وسُدُّوا الخَلَلَ، ولينُوا بأيدي إخوانِكم- لم يقل عيسى: بأيدي إخوانِكم-، ولا تَذَروا فُرُجاتِ للشَّيطان، ومَن وصلَ صفاً وصلَه اللهُ، ومَن قطعَ صفاً قطعَه الله” [صححه الألباني ومحققو سنن أبي داود]
- حديث الباب.
- عن أنس بن مالك قال: قال رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: “سَوُّوا صُفوفَكم، فإن تسويةَ الصفّ من تمامِ الصلاة” متفق عليه.
- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، فَمَا كَانَ مِنْ نَقْصٍ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ» [صححه الألباني ومحققو سنن أبي داود وهو في الصحيح المسند 57].
- عن ابن عباس قال: قال رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم -: “خِيارُكم أليَنكم مَناكِبَ في الصَّلاة” [صححه الألباني وحسنه لغيره محققو سنن أبي داود وقال الشيخ سيف في تحقيق سنن أبي داود 672: له شواهد لكن بدون لفظة خياركم راجع حديث ابن عمر قبل خمسة أحاديث أما الإسناد فضعيف ويراجع بقية التخريج]
- أما حديث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ السَّائِبِ، صَاحِبِ الْمَقْصُورَةِ، قَالَ: صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَوْمًا فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي لِمَ صُنِعَ هَذَا الْعُودُ، فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: «اسْتَوُوا وَعَدِّلُوا صُفُوفَكُمْ»
- وحديث أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ أَخَذَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ الْتَفَتَ، فَقَالَ: «اعْتَدِلُوا، سَوُّوا صُفُوفَكُمْ» ثُمَّ أَخَذَهُ بِيَسَارِهِ، فَقَالَ: «اعْتَدِلُوا سَوُّوا صُفُوفَكُمْ» [ قال الشيخ سيف في تحقيق سنن أبي داود669: إِسناده ضعيفٌ؛ قال عبد الرَّحمَن بن أَبي حاتم: أَخبرنا يعقوب بن إِسحاق، فيما كتب إِلي، قال: حدثنا عثمان بن سعيد الدارِمي، قال: سأَلتُ يحيى بن مَعين، عن مصعب بن ثابت، كيف حديثُه؟ فقال: ضعيف. وقال عبد الرَّحمَن: سأَلتُ أَبي عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، فقال: صدوق كثير الغلط، ليس بالقوي.وقال عبد الرَّحمَن: سُئل أَبو زُرعَة عن مصعب بن ثابت، فقال: ليس بقوي. «الجرح والتعديل» 8/ 304].
وقد ضعفهما الشيخ الألباني رحمه الله ومحققو سنن أبي داود كذلك بإشراف شعيب الأرنؤوط .
* أما النسائي فقد بوب على الحديث فقال: حَثُّ الْإِمَامِ عَلَى رَصِّ الصُّفُوفِ وَالْمُقَارَبَةِ بَيْنَهَا وأورد تحته:
- حديث الباب، وحديث جابر بن سمرة الذي فيه بيان لصفوف الملائكة وقد تقدم.
- عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ حِينَ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ فَقَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا؛ فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» [ أخرجه البخاري 719].
* بوب ابن حبان في صحيحه باب ذِكْر الْأَمْرِ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ حَذَرَ مُخَالَفَةِ الْوُجُوهِ عِنْدَ تَرْكِهِ ثم أورد تحته حديث: “عِبَادَ اللَّهِ سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، أَوْ ليخالفن الله بين وجوهكم” ثم بوب بعده باب ذِكْر الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا أُمِرَ بِهَذَا الْأَمْرِ وأورد تحته حديث الباب.
* بوب ابن خزيمة في صحيحه باب الأمر بالمحاذاة بين المناكب و الأعناق في الصف.
* ابن الأثير في جامع الأصول في الفصل الرابع من الباب الثاني الذي هو في صلاة الجماعة جعله في أحكام الأموم وتحته خمسة فرع الفرع الثاني منه في الصفوف وقسمها أيضا إلى ثلاثة أنواع:
- في ترتيبها.
- في تسوية الصفوف وتقويمها.
وأورد تحت هذا النوع الأحاديث من الحديث رقم 3863 إلى 3873 ( أحد عشر حديثاً).
من الأحاديث التي لم يسبق ذكرها:
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – :أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «أقيموا الصفَّ ، فإن إقامة الصَّفِ من حُسْنِ الصلاةِ» وفي أخرى : «أن الصلاةَ كانت تقامُ لرسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- ، فيأخذُ الناسُ مصافَّهم قبل أن يقومَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَقَامَهُ». أخرجه مسلم، وأخرج أبو داود الثانية.
عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – :«لما قدِمَ المدينة» قيل له : «ما أنكرتَ مما عهدتَ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ قال : ما أنكرتُ شيئا ، إلا أنَّكم لا تقيمونَ الصفوفَ» أخرجه البخاري .
عن نافع – مولى ابن عمر – رضي الله عنهم – «أن عُمرَ بنَ الخطاب كان يأمرُ بتسوية الصفوف ، فإذا جاؤوا فأخبروه : أنّ قَدِ استوت : كبَّر» أخرجه الموطأ. [قال محقق جامع الأصول: إسناده منقطع]
أبو سهيل نافع بن مالك الأصبحي : عن أبيه قال : «كنتُ مع عثمانَ ، فقامتِ الصَّلاةُ وأنا أُكلِّمه في أن يَفرِضَ لي ، فلم أزَلْ أُكلِّمُه وهو يُسوِّيَ الحصباءَ بنعليه ، حتى جاءه رجال قد كان وكلَّهم بتسوية[ص:611] الصُّفوف ، فأخبروه أن قدِ استوتْ ، فقال لي: اسْتَوِ في الصفِّ ، ثم كبَّرَ». أخرجه الموطأ. [صحح إسناده محقق جامع الأصول]
* بوب النووي في رياض الصالحين باب فضل الصف الأول والأمر بإتمام الصفوف الأُوَل وتسويتها والتراصّ فِيهَا.
2: أقوال العلماء في معنى الحديث وفقهه:
* قال الخطابي في معالم السنن (1/ 184): ” قوله رصوا صفوفكم معناه ضموا بعضها إلى بعض وقاربوا بينها ومنه رص البناء قال تعالى {كأنهم بنيان مرصوص} [الصف: 4] والحذف غنم سود صغار، ويقال إنها أكثر ما تكون باليمن”.
* قال البغوي في شرح السنة (3/ 369): ” والحذف: غنم سود صغار، واحدتها: حذفة، وفي رواية: «كأنها بنات حذف»، ويروى «أولاد الحذف» قيل: ما أولاد الحذف؟ قال: ضأن سود جرد صغار تكون باليمن.
وروي عن عمر أنه كان يوكل رجلا بإقامة الصفوف، ولا يكبر حتى يخبر أن قد استوت الصفوف”.
* قال ابن علان في دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين (6/ 424): ” (وعن أنس رضياللّه عنه أن رسول اللّه قال: رصوا صفوفكم) أي حتى لا يبقى فيها فرجة ولا خلل (وقاربوا بينها) بأن يكون ما بين كل صفين ثلاثة أذرع تقريباً، فإن بعد صف عما قبله أكثر من ذلك كره لهم وفاتهم فضيلة الجماعة حيث لا عذر من حر أو برد شديد وهذا في غير النساء، أما هن فيسن لهن التأخر عن الرجال كثيراً (وحاذوا بالأعناق) ينبغي تفسيره بالمحاذاة بالمناكب التي سبق الأمر بها قولاً وفعلاً، إذ يلزم في المحاذاة بالأعناق بأن لا يتقدم عنق أحدهم ولا يتأخر المحاذاة بالمناكب (فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصفوف) أي فرجها أو تباعدها عن بعضها بأكثر مما مرّ (كأنها الحذف) ببه بهذا الإقسام العظيم على تأكيد التراص والتقارب لعظم فائدتهما وهي منع دخول الشيطان بينهم المستلزم لتسلطه وإغوائه ووسوسته حتى يفسد عليهم صلاتهم وخشوعهم الذي هو روح الصلاة وعود بركة ما فيها من الأنفاس الطاهرة على البقية، ولا مذهب للشيطان وكيده أعظم من الذكر الصادر من القلب الصالح ثم تأنيث ضمير كأنها الراجع إلى الشيطان صحيح لأنه اسم جنس بمعنى الشياطين فيجوز تذكير ضميره رعاية للفظه كما ورد به أيضاً وتأنيثه رعاية لمعناه وفيه أوجه أخر هذا أحسنها “.
* وقال الطيبي في الكاشف (4/1144): ” قوله: ((قاربوا بينها)) ((قض)): أي قاربوا بين الصفوف بحيث لا تسع بينها صفاً آخر، حتى لا يقدر الشيطان أن يمر بين أيديكم، فيصير تقارب أشباحكم سببا لتعاضد أرواحكم. ((وحاذوا بالأعناق)) بأن لا يقف أحدكم مكاناً أرفع من مكان الآخر، ولا عبرة بالأعناق أنفسها؛ إذ ليس للطويل أن ينحس عنقه ليحاذي عنق القصير.
قوله: ((الحذف)) بالحاء المهملة والذال المعجمة. ((نه)): هي الغنم الصغار الحجازية، واحدتها حذفه- بالتحريم-. وقيل: هي صغار جرد ليس لها آذان ولا أذقان، يجاء بها من جرش اليمن. ((فا)): كأنها سميت حذفاً لأنها محذوفة عن المقدار الطويل. ((مظ)): الضمير في ((كأنها)) راجع إلي مقدر، أي جعل نفسه شاة أو ماعزة كأنها الحذف
وأقول: الضمير إذا وقع بين شيئين أحدهما عبارة عن الآخر فيعتبر التذكير والتإنيث باعتبار أحد المذكورين، وإن اختلف لفظاهما تذكيراً وتإنيثاً، كما في قولك: من كانت أمك. فههنا الحذف مؤنث، والشيطان شبه بها، فيجوز تإنيث الضمير باعتبار الحذف، وتذكيره باعتبار الشيطان “.
* قال ابن رجب – رحمه الله – في فتح الباري (3/250): ” وقد رُوي أن تسوية الصفوف وإقامتها توجب تآلف القلوب. فروى الطبراني في الأوسط(5121) من طريق سُريح بن يونس, عن ابي خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن الحارث عن علي , قال :قال رسول الله ( استووا تستوي قلوبكم , وتماسوا تراحموا) قال سريح: تماسوا. يعني : ازدحموا في الصلاة . وقال غيره: تماسوا. تواصوا” .
* قال المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/5): ” كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن المراد بإقامة الصف وتسويته أنما هو اعتدال القائمين على سمت واحد وسد الخلل والفرج في الصف بإلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم، وعلى أن الصحابة في زمنه – صلى الله عليه وسلم – كانوا يفعلون ذلك، وأن العمل برص الصف والزاق القدم بالقدم وسد الخلل كان في الصدر الأول من الصحابة وتبعهم، ثم تهاون الناس به. قال شيخنا في إبكار المنن بعد ذكر قولي النعمان وأنس: فظهر أن إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف سنة، قد عمل بها الصحابة خلف النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهو المراد بإقامة الصف وتسوية “.
* قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مجموع فتاوى العثيمين (13/51-52): ” الصحيح أنّ المعتمد في تسوية الصف، محاذاة الكعبين بعضهما بعضاً، لا رؤوس الأصابع، وذلك لأنّ البدن مركب على الكعب. والأصابع تختلف الأقدام فيها، فقدم طويل وآخر صغير فلا يمكن ضبط التساوي إلا بالكعبين. وأما إلصاق الكعبين بعضهما ببعض فلا شك أنه وارد عن الصحابة رضي الله عنهم، فإنهم كانوا يسوون الصفوف بإلصاق الكعبين بعضهما ببعض، أي: أنّ كل واحد منهم يلصق كعبه بكعب جاره لتحقيق المساواة. وهذا إذا تمت الصفوف وقام الناس، ينبغي لكل واحد أن يلصق كعبه بكعب صاحبه لتحقيق المساواة فقط وليس معنى ذلك أنه يلازم هذا الإلصاق ويبقى ملاصقاً له في جميع الصلاة. ومن الغلو في هذه المسألة ما يفعله بعض الناس: تجده يلصق كعبه بكعب صاحبه ويفتح قدميه فيما بينهما حتى يكون بينه وبين جاره في المناكب فرجة، فيخالف السنة في ذلك. والمقصود أنّ المناكب والأكعب تتساوى”
* قال الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة بعد أن أورد حديث أنس برقم 31 ثم حديث النعمان بن بشير 32:
” وفي هذين الحديثين فوائد هامة :
- الأولى : وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها للأمر بذلك والأصل فيه الوجوب إلا لقرينة كما هو مقرر في الأصول والقرينة هنا تؤكد الوجوب وهو قوله :أو ليخالفنَّ الله بين قلوبكم .فإن مثل هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب كما لا يخفى .
- الثانية :أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب وحافة القدم بالقدم لأن هذا هو الذي فعله الصحابة حين أمروا بإقامة الصفوف والتراص فيها و لهذا قال الحافظ في ” الفتح ” بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث الأول من قول أنس :” و أفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ،و بهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف و تسويته ” .
و من المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون ، بل أضاعوها إلا القليل منهم ، فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث ، فإني رأيتهم في مكة سنة ( 1368 ) حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة و السلام بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة – لا أستثني منهم حتى الحنابلة- فقد صارت هذه السنة عندهم نسيا منسيا ، بل إنهم تتابعوا على هجرها و الإعراض عنها ، ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصت على أن السنة في القيام التفريج بين القدمين بقدر أربع أصابع ، فإن زاد كره ، كما جاء مفصلا في ” الفقه على المذاهب الأربعة” ( 1 / 207 ) ، و التقدير المذكور لا أصل له في السنة ، و إنما هو مجرد رأي ،و لو صح لوجب تقييده بالإمام و المنفرد حتى لا يعارض به هذه السنة الصحيحة ،كما تقتضيه القواعد الأصولية .
و خلاصة القول : إنني أهيب بالمسلمين – و خاصة أئمة المساجد – الحريصين على اتباعه صلى الله عليه وسلم و اكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم أن يعملوا بهذه السنة و يحرصوا عليها، و يدعوا الناس ، إليها حتى يجتمعوا عليها جميعا . و بذلك ينجون من تهديد ” أو ليخالفن الله بين قلوبكم ” .
- الثالثة : في الحديث الأول معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم ، و هي رؤيته صلى الله عليه وسلم من ورائه ، و لكن ينبغي أن يعلم أنها خاصة في حالة كونه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، إذ لم يرد في شيء من السنة ، أنه كان يرى كذلك خارج الصلاة أيضا . و الله أعلم .
- الرابعة : في الحديثين دليل واضح على أمر لا يعلمه كثير من الناس ، و إن كان صار معروفا في علم النفس ، و هو أن فساد الظاهر يؤثر في فساد الباطن ، و العكس بالعكس ، و في هذا المعنى أحاديث كثيرة ، لعلنا نتعرض لجمعها و تخريجها في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالي .
- الخامسة : أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام عند قول المؤذن ” قد قامت الصلاة”بدعة ، لمخالفتها للسنة الصحيحة كما يدل على ذلك هذان الحديثان ، لاسيما الأول منهما ، فإنهما يفيدان أن على الإمام بعد إقامة الصلاة واجبا ينبغي عليه القيام به ، و هو أمر الناس بالتسوية مذكرا لهم بها ، فإنه مسؤول عنهم : ” كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته … “
قال الشيخ محمد علي آدم حفظه الله:
وإنما أمر صلى الله عليه وسلم بالتقارب بينها، ليكون تقارب الأشباح سببا لتقارب الأرواح، وتآلفها، فلا يقدر الشيطان على أن يوسوس لهم
شرح السنن للنسائي ١٠/ ١٣٨
—-
وقال ابنُ عبد البَرِّ: (وأمَّا حديث مالك بن أبي عامر عن عُثمان بن عفَّان في تسوية الصُّفوف، فهو أمرٌ مُجتمَع عليه) ((الاستذكار)) (2/28).
وقال أيضًا: (وأمَّا تسوية الصُّفوف في الصلاة فالآثار فيها متواترةٌ من طُرق شتَّى صِحاح كله ثابتةٌ في أمر رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بتسوية الصُّفوف، وعمَل الخلفاء الراشدين بذلك بعدَه، وهذا ما لا خلافَ فيما بين العلماء فيه) ((الاستذكار)) (2/288).
وقال ابنُ رُشد: (أجمع العلماء على أنَّ الصفَّ الأوَّل مرغَّب فيه، وكذلك تراصُّ الصفوف وتسويتها؛ لثبوتِ الأمْر بذلك عن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم). ((بداية المجتهد)) (1/149). وقال النوويُّ: (قوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أقيموا صُفوفَكم» أمر بإقامةِ الصفوف، وهو مأمورٌ به بإجماع الأمَّة، وهو أمرُ ندب، والمرادُ تسويتها والاعتدالُ فيها، وتتميمُ الأوَّل فالأوَّل منها، والتراص فيها) ((شرح النووي على مسلم)) (4/119).
حكم تسوية الصف؟
ذهب جمهور العلماء إلى أن تسويتها مستحبة
واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم:
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( أقيموا الصف في الصلاة، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة)
ومن حديث أنس رضي الله عنه ( سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة)
ووجه الدلالة:
قال ابن بطال رحمه الله: هذا يدل على أن إقامة الصفوف سنة، لأنه لو كان فرضا لم يجعله من حسن الصلاة، لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وذلك زيادة على الوجوب.
أدلة القائلين بوجوب تسوية الصف:
قوله صلى الله عليه وسلم:(لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم)
وعن أبي عثمان النهدي قال:
كنت فيمن ضرب عمر بن الخطاب قدمه لإقامة الصف في الصلاة
وعن سويد بن غفلة قال:
كان بلال، هو مذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب أقدامنا في الصلاة، ويسوي مناكبنا
ووجه الدلالة:
أما حديث النعمان للوعيد الوارد في الحديث وبوب البخاري في صحيحه ( باب إثم من لم يتم الصف)
وأما أثر عمر وبلال رضي الله عنهما
قال ابن حزم: ما كان رضي الله عنه ليضرب أحدا، ويستبيح بشرة محرمة على غير فرض.
* ممن رجح القول بوجوب تسوية الصفوف
1- شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
قال المرداوي: (فالصحيحُ من المذهب، وعليه الأصحابُ: أنَّ تسويةَ الصُّفوفِ سنَّةٌ، وظاهر كلام الشيخ تقي الدين وجوبُه) ((الإنصاف)) (2/30)، وينظر: ((الفتاوى الكبرى)) لابن تيمية (5/331)، ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (3/80).
2- ابن حجر رحمه الله
قال ابن حجر: (في هذا الحديث قوله: ((أو ليخالِفَنَّ اللهُ بين وجوهكم)) أي إن لم تُسَوُّوا، والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمينَ بها على سَمْتٍ واحد، أو يراد بها سَدُّ الخلل الذي في الصف… واختُلِفَ في الوعيد المذكور، فقيل: هو على حقيقته والمراد تسوية الوجه بتحويل خَلْقِه عن وضعه بجَعْلِه موضع القفا أو نحو ذلك؛ فهو نظير ما تقدَّم من الوعيد فيمن رفع رأسَه قبل الإمام أن يجعل اللهُ رأسَه رأسَ حمارٍ، وفيه من اللَّطائف وقوعُ الوعيدِ من جنس الجنايَة، وهي المخالَفَة، وعلى هذا فهو واجِبٌ، والتفريطُ فيه حرام) ((فتح الباري)) (2/207).
3- العيني رحمه الله
قال العيني: (قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (فإنَّ تسويةَ الصفِّ من تمام الصلاةِ). فإن قلت: الأصلُ في الأمر الوجوبُ، ولا سيما فيه الوعيدُ على ترك تسوية الصفوف، فدلَّ على أنها واجبة. قلت: هذا الوعيدُ من باب التغليظ والتشديدِ تأكيدًا وتحريضًا على فِعْلِها، كذا قاله الكرماني، وليس بسديدٍ. لأنَّ الأمر المقرون بالوعيد يدلُّ على الوجوبِ، بل الصواب أن يقول: فلتكُنِ التسويةُ واجبةً بمقتضى الأمر، ولكنها ليست من واجباتِ الصلاة بحيث إنَّه إذا تركها فَسَدَت صلاتُه أو نَقَصَتها. غايةُ ما في الباب إذا تركها يأثَمُ) ((عمدة القاري)) (5/254). وقال أيضًا: (ومما يستفاد منه: جوازُ الكلامِ بين الإقامة وبين الصلاة، ووجوبُ تسويةِ الصفوف) ((عمدة القاري)) (5/255).
4- والصنعاني رحمه الله
قال الصنعاني: (وهذه الأحاديث، والوعيد الذي فيها؛ دالةٌ على وجوبِ ذلك، وهو مما تساهل فيه النَّاس كما تساهلوا فيما يفيده حديثُ أنسٍ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أتِمُّوا الصفَّ المقَدَّم، ثم الذي يليه، فما كان من نقْصٍ، فليَكُنْ في الصَّفِّ المؤَخَّر)) ((سبل السلام)) (2/29).
5- ابن عثيمين رحمه الله
قال ابن عثيمين: (القولُ الرَّاجِحُ في هذه المسألة: وجوبُ تَسْوِيَة الصف، وأنَّ الجماعة إذا لم يُسَوُّوا الصَّفَّ فهم آثمون، وهذا هو ظاهِرُ كلام شيخ الإسلام ابنِ تيميَّة رحمه الله) ((الشرح الممتع)) (3/10).
6- اللجنة الدائمة للإفتاء
قالت اللجنة الدائمة: (الدليلُ على تسويَةِ الصُّفوفِ قَوْلُ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (لَتُسَوُّنَّ صُفوفَكم أو ليُخالِفَنَّ اللهُ بين قلوبكم» وهذا الوعيد على تَرْكِ واجب؛ لأنَّ المستحَبَّ لا يعاقَبُ تارِكُه) ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الثانية)) (6/324).
* قال النوويُّ: (والمرادُ بتسوية الصفوف: إتمامُ الأوَّل فالأوَّل، وسدُّ الفُرَج، ويحاذى القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدرُ أحدٍ ولا شيءٌ منه على مَن هو بجنبه، ولا يَشرع في الصفِّ الثاني حتى يتمَّ الأول، ولا يقف في صفٍّ حتى يتمَّ ما قبلَه). ((المجموع)) (4/226).
* قال العلامة ابن باز رحمه الله:
” فالواجب إقامة الصفوف وسد الخلل وعدم ترك فرجات للشيطان، والأعناق يحاذى بها كل واحد يحاذي أخاه لا يتقدم ولا يتأخر، (ولينوا في أيدي إخوانكم) لينوا يعني إذا جذبك أخوك لسد الخلل كن لينًا لا تأبى، لن في يده حتى تسد الخلل، بعض الناس تشير إليه وتجره قليلا ليسد الخلل ولكن لا يتجاوب، السنة التجاوب، ولهذا قال: (لينوا في أيدي إخوانكم):يعني بالتقارب وسد الخلل ورص الصفوف والمحاذاة بين الأعناق حتى لا يتقدم أحد على أحد، (ومن وصل صفًا وصله الله) هذا فيه أمر عظيم وفائدة كبيرة، (ومن قطع صفًا قطعه الله) كونه يترك فرجات للشيطان هذا فيه وعيد، فالواجب سد الخلل والتراص والتقارب فيما بينهم، التقارب بين الصفوف، كل صف يكون قريب حتى يسجد عند مؤخرة الصف الذي قدامه، ولا يتساهل في هذا أو يتكبر بل يلين في الصف ويسد الخلل طاعة لله ورسوله وحذرًا من معصيته ومعصية رسوله عليه الصلاة والسلام، وفي ذلك مصالح كثيرة للمسلمين، التقارب بينهم والتواصل يزيل الشحناء ويقرب بين القلوب، كذلك الصفوف يتم الصف المقدم فالمقدم، فما كان من نقص يكون في الصف الأخير، يعني على الجماعة أن يرصوا الصفوف الأول كلما تم صف يسد الخل في الصف الذي يليه وهكذا حتى ينتهوا إلى الصف الأخير، فيبدأ بالأول فالأول في سد الخلل، سد الفرج، وفق الله الجميع
س: لو رأى إنسان فرجة في الصف الأول وهو في الصف الثالث هل يشق الصف؟
الشيخ: يشق ويسدها لأنهم هم الذين ضيعوها ما سدوها”
المصدر الموقع الرسمي للشيخ ابن باز رحمه الله
* قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله :(هذا الحديث مهم جداً، ويستفاد منه وجوب تسوية الصفوف؛ لأن عدم تسوية الصفوف يؤدي إلى اختلاف القلوب، واختلاف القلوب يؤدي إلى أمور خطيرة، منها الاختلاف في العقائد والمناهج، ومنها أن هذا الاختلاف يؤدي إلى العداوة والعدوان وسفك الدماء، كما هو الواقع في السابق واللاحق.
فيجب على أئمة المساجد أن يهتموا بتسوية الصفوف والتأكيد الدائم على سد الخلل الذي تتخلله الشياطين، وتنبيه المصلين بما يؤدي إليه عدم تسوية الصفوف وعدم سد الخلل من المفاسد والمخاطر.
وفق الله أئمة المساجد والمأمومين إلى القيام الجاد بهذا الواجب العظيم، وتجنب التساهل فيه، فإن التساهل فيه يؤدي إلى المفاسد الخطيرة التي دلَّ عليها هذا الحديث والتي ألمحنا إليها)
المصدر: مقال بعنوان (شدة اهتمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته –رضي الله عنهم- بتسوية الصفوف في الصلاة وسدِّ الخلل) عبر الشبكة
وقال الشيخ حفظه الله: (أقول: وأخرج ابن أبي شيبة في “مصنفه” أحاديث في تسوية الصفوف وإقامتها والتراص فيها عدداً من الأحاديث من رقم (3544-3560).
8- عن أنس بن مالك.
9- والنعمان بن بشير.
10- والبراء بن عازب.
11- وأبي مسعود.
12- وعن أنس حديثاً آخر.
13- وعن أبي موسى –رضي الله عنهم-.
ثم نقل نصوصاً عن اهتمام الخلفاء الراشدين بتسوية الصفوف، وهم عمر وعثمان وعلي –رضي الله عنهم-، ثم عن بلال.
ونصه عن بلال قال: “كان يسوي مناكبنا وأقدامنا في الصلاة”.
والظاهر أن بلالاً يعني بقوله: “كان يسوي…الخ” رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
14-ثم عن عبد الله بن مسعود، ومن قوله: ” سووا صفوفكم” .
15-ثم عن إبراهيم قال: ” كان يقال : سووا الصفوف وتراصوا، لا تتخللكم الشياطين، كأنهم بنات حذف”.)
وقال حفظه الله: (ولا تتحقق تسوية الصفوف إلا بسد الخلل وإلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب).
قال العباد حفظه الله في شرح السنن: (لتسوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم)، فتكون المخالفة في الظاهر سبباً في اختلاف البواطن، وتفاوت القلوب وتنافرها وعدم استقامتها وتآلفها.
قوله: (والله! لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم)، فهذا فيه دليل على وجوب تسوية الصفوف؛ لأنّ هذا العقاب وهذا الوعيد الشديد لا يكون إلّا على أمر لازم وواجب.
قوله: [قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعب صاحبه]، يعني: أن كل واحد يقرب من صاحبه حتى يلتصق به، وحتى يكون متصلاً به، فلا يكون بين شخص وآخر فجوة، وإنما تكون الصفوف متراصة، ومتقاربة، ويتصل بعضها ببعض.
وكما ذكرت سابقاً أنّ العبرة هي جهة الإمام، فيتقارب الناس إلى جهة الإمام، فإذا كان الإمام في جهة فلا يذهبون إلى جهة أخرى ويبتعدون عن الإمام، وإنما يتقاربون إلى جهة الإمام، ويتراصون في جهته.
قوله
فقوله: (من تمام الصلاة) لا يعني أن التسوية غير واجبة، وإنما يعني أن هذا فيه زيادة في الأجر والثواب، وأنَّ الإنسان يأتي بالشيء الواجب ويثاب عليه، لا أنه أمر مستحب.
——
مسألة: هل تبطل صلاة من لم يسوي الصف؟
ذهب ابن حزم رحمه الله تعالى إلى ابطال صلاة من لم يسوي الصف
نقل الشيخ محمد علي ادم عن ابن حجر أنه قال:
وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان والدليل المرجح لعدم بطلان الصلاة ما ورد عن أنس رضي الله عنه:
سئل أتنكر شيئا مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: لا، إلا إنكم لا تقيمون الصفوف.
قال ابن حجر: ومع القول بأن تسوية الصف واجبة، فصلاة من خالف، ولم يسو صحيحة؛ لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنسا رضي الله عنه مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة
فتح الباري ٢/ ٦١٠ رقم الحديث ٧٢٤
===
3- بعض فتاوى العلماء في صفوف الصلاة وأحكامها:
* سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في مجموع الفتاوى 13/49: عن قوم لا يسوون الصفوف في الصلاة ويتركون ثغرات بينهم؟
فأجاب بقوله: عدم تسوية الصفوف وترك ثغرات خطأ عظيم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة وقد أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتسويتها والتراص فيها .
* سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوى (13/42): في المسجد الحرام يصلي بعض الناس في المصابيح مع وجود صفوف خالية في ساحة الكعبة فهل يجوز ذلك؟ وما حكم موالاة الصفوف؟
فأجاب بقوله: الأولى أن تتوالى الصفوف يكمل الأول فالأول لأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك. فعن أنس بن مالك أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر” . لكن لو لم يفعلوا وصف أناس خلف الصف بعيداً فالصلاة صحيحة لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لا صلاة لمنفرد خلف الصف” . وهذا ليس فيه انفراد، لكنه لا شك انه مخالف للسنة؛ لأن السنة أن يكمل الأول فالأول.
* سئل الشيخ ابن باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (12/202): مما هو شائع هنا في المملكة في الصلاة عدم سد الفرج بين المصلين في صفوفهم..؟
فأجاب رحمه الله: عدم سد الفرج لا يجوز بل الواجب سدها امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «سدوا الفرج وتراصوا في الصف » والمشروع لمن رأى ذلك أن ينصح إخوانه ويأمرهم بسد الفرج، وعلى الأئمة أن يأمروا الجماعة بذلك تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم وتنفيذا لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك.
* سئل ابن عثيمين – رحمه الله – في مجموع الفتاوى (13/30): يوجد جماعة يفرجون بين أرجلهم في الصلاة قدر ذراع، فقال لهم أحد الجماعة لو تقربون أرجلكم حتى يكون بين الرجلين بسطة كف اليد لكان أحسن، فردوا عليه بقولهم: إنك راد للحق لأن فعلنا هذا قد أمر به الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آمل منك جزاك الله خيراً أن توضح لنا هذه المسألة توضيحاً وافياً؟
فأجاب بقوله: التفريج بين الرجلين إذا كان يؤدي إلى فرجة في الصف، بحيث يكون ما بين الرجل وصاحبه منفتحاً من فوق فإنه مكروه لما يلزم عليه من مخالفة أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتراص؛ ولأنه يفتح فرجة تدخل منها الشياطين.
وكان بعض الناس يفعله أخذاً مما رواه البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال: “وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه” ، وهذا معناه: تحقيق المحاذاة والمراصة، والإنسان إذا فرج بين قدميه بمقدار ذراع سوف ينفتح ما بين المنكبين مع صاحبه، فيكون الفاعل مخالفاً لما ذكره أنس – رضي الله عنه – عن فعل الصحابة رضي الله عنهم.
وأما قول من يفرج: إن هذا قد أمر به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أمر بالمحاذاة فقال: “أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات الشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله”. ولم يقل: “فرجوا بين أرجلكم”، ولم يقل: “ألزقوا المنكب بالمنكب والقدم بالقدم”، ولكن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يفعلونه تحقيقاً للمحاذاة ولكن إذا لزم من إلزاق الكعب بالكعب انفراج ما بين المنكبين صار وقوعاً فيما نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فرج الشيطان.
وأما قول أحد الجماعة خلوا بين أرجلكم بسطة كف فلا أعلم له أصلاً من السنة، والله أعلم. حرر في 16/1/1404هـ.
====
جواز التباعد في الصفوف إذا خيف من عدوى فيروس كورونا أو غيره :
سنتعرض أولا لمسألة صلاة المنفرد خلف الصف عند الحاجة :
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله:
“قَضِيَّةَ الْمَرْأَةِ تَدُلُّ عَلَى شَيْئَيْنِ. تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ خَلْفَ الصَّفِّ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ وَتَعَذَّرَ الدُّخُولُ فِي الصَّفِّ صَلَّى وَحْدَهُ لِلْحَاجَةِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ؛ فَإِنَّ الْوَاجِبَاتِ تَسْقُطُ لِلْحَاجَةِ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُصَافَّ غَيْرَهُ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ سَقَطَ لِلْحَاجَةِ؛ كَمَا سَقَطَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ فِي مِثْلِ صَلَاةِ الْخَوْفِ مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمَاعَةِ. وَطُرِدَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْجَمَاعَةِ إلَّا قُدَّامَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي هُنَا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ أَمَامَهُ وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَإِنْ كَانُوا لَا يُجَوِّزُونَ التَّقَدُّمَ عَلَى الْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَ تَرْكُ التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ. وَفِي الْجُمْلَةِ: فَلَيْسَتْ الْمُصَافَّةُ أَوْجَبَ مِنْ غَيْرِهَا فَإِذَا سَقَطَ غَيْرُهَا لِلْعُذْرِ فِي الْجَمَاعَةِ فَهِيَ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ. وَمِنْ الْأُصُولِ الْكُلِّيَّةِ أَنْ الْمَعْجُوزَ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ سَاقِطُ الْوُجُوبِ وَأَنَّ الْمُضْطَرَّ إلَيْهِ بِلَا مَعْصِيَةٍ غَيْرُ مَحْظُورٍ فَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ الْعَبْدُ وَلَمْ يُحَرِّمْ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ الْعَبْدُ”. انتهى من “مجموع الفتاوى” (20/559)
وقال رحمه الله : “وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنْ لَا يَجِدَ الرَّجُلُ مَوْقِفًا إلَّا خَلْفَ الصَّفِّ فَهَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُبْطِلِينَ لِصَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ والأظَهَرَ صِحَّةُ صَلَاتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنَّ جَمِيعَ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ. وَطَرْدُ هَذَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْإِمَامِ لِلْحَاجَةِ كَقَوْلِ طَائِفَةٍ وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد.” انتهى من “مجموع الفتاوى” (23/ 396).
قال ابن عثيمين : “الراجح أنها لا تصح [أي: الصلاة] خلف الصف المنفرد إلا إذا تعذر الوقوف في الصف بحيث يكون الصف تاماً, فإنه يصلي خلف الصف منفرداً تبعاً للإمام؛ لأنه معذور, ولا واجب مع العجز كما قاله أهل العلم – رحمهم الله – وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المرأة تقف خلف الصف منفردة عن الرجال للعذر الشرعي, وهو عدم إمكان وقوفها مع الرجال, فإن العذر الحسي أيضاً يكون مسقطاً لوجوب المصافة” انتهى من”مجموع فتاوى ورسائل العثيمين” (15/ 193)
فالراجح أن من صلى خلف الصف منفرداً لأن الصف مكتمل فلا شيء عليه وصلاته صحيحة.
والذي يظهر جواز صلاة الجماعة مع وجود مسافات بين المصلين إذا كان هذا مما يساعد في الوقاية من الإصابة بالعدوى ويحد من تناقل وانتشار الوباء بإذن الله، فأما على مذهب جمهور العلماء الذين يرون أن سد الفرج مستحب في الصلاة وليس واجبا فالأمر ظاهر.
وأما على القول بالوجوب فتصح أيضا ولا يختلف الحكم وذلك لوجوه:
الوجه الأول:
أن الاصطفاف واجب عند الإمام ابن تيمية ولا تصح الصلاة إلا به، ومع ذلك جوَّز صلاة المنفرد خلف الصف إذا لم يجد مكانا في الصف، وجعل هذا خيرا من تركه الجماعة. فمسألتنا تقاس عليه، بل أولى.
يقول رحمه الله:
” فَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُصَافُّهُ وَلَمْ يَجْذِبْ أَحَدًا يُصَلِّي مَعَهُ صَلَّى وَحْدَهُ خَلْفَ الصَّفِّ وَلَمْ يَدَعْ الْجَمَاعَةَ كَمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا لَمْ تَجِدْ امْرَأَةً تُصَافُّهَا فَإِنَّهَا تَقِفُ وَحْدَهَا خَلْفَ الصَّفِّ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. وَهُوَ إنَّمَا أُمِرَ بِالْمُصَافَّةِ مَعَ الْإِمْكَانِ لَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمُصَافَّةِ”. انتهى من “مجموع الفتاوى”(23/406).
الوجه الثاني:
أنه يقاس على جميع واجبات الصلاة وشروطها وأركانها فإنها تسقط بالعجز عنها، كالطهارة واستقبال القبلة وستر العورة .. إلخ وهذه كلها أوجب من التراص. يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله:
” وَإِذَا كَانَ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَإِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْقُطُ بِالْعَجْزِ فَكَذَلِكَ الِاصْطِفَافُ وَتَرْكُ التَّقَدُّمِ. وَطَرَدَ هَذَا بَقِيَّةَ مَسَائِلِ الصُّفُوفِ كَمَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى وَلَمْ يَرَ الْإِمَامَ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ مَعَ سَمَاعِهِ لِلتَّكْبِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (23/ 396).
الوجه الثالث:
أن جميع مسائل الصفوف تسقط عند العذر كما أصَّل ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في نصه المنقول آنفا.
ومن مسائل الصفوف: التراص فيها، بل هو أهون وأخف حكما من الانفراد خلف الصف، فإن الثاني فيه حديثان ببطلان الصلاة به، بخلاف الأول فليس فيه إلا الأمر فقط، ولذلك اختار الشيخ ابن عثيمين صحة الصلاة مع وجود فرجات بين المصلين – مع اختياره وجوب التراص- وإبطال الصلاة بالانفراد خلف الصف، وكلامه منقول فيما سبق، وهذا يدل على أن عدم التراص أهون من الانفراد.
الوجه الرابع:
أنه قد يقاس على مسألة جواز الصلاة قدام الإمام وهو اختار شيخ الإسلام فالجميع قد وقف في مكان لا يجوز له الوقوف فيه حال الاختيار، يقول رحمه الله: ” وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُفْعَلُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ لَا يُمْكِنُهُ الِائْتِمَامُ بِإِمَامِهِ إلَّا قُدَّامَهُ كَانَ غَايَةُ مَا فِي هَذَا أَنَّهُ قَدْ تَرَكَ الْمَوْقِفَ لِأَجْلِ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ غَيْرِهِ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (23/406)
الوجه الخامس:
ذكر العلماء أن المصلي إذا كان مريضا، فلو صلى مع الجماعة صلى جالسا، ولو صلى منفردا في البيت صلى قائما، فالحنابلة يخيرونه؛ لأنه في الحالين قد ترك واجبا.
والقول الثاني أنه يصلي في البيت لأن فرض القيام أهم.
والقول الثالث وهو الذي مال إليه الشيخ ابن عثيمين: أنه يجب عليه حضور الجماعة من المسجد، ويصلي جالسا إن لم يستطع. ينظر: “الشرح الممتع على زاد المستقنع” (4/ 339)
فمسألتنا كذلك، بل أولى؛ لأن الكلام الآن ليس عن مصلٍ واحد، لا تتعطل به المساجد، بل الكلام عن إغلاق المساجد وتعطيلها، فلا شك أن الصلاة في المسجد مع نوع إخلال بها لعذر خير من تعطيل الجماعة مطلقًا.
الوجه السادس:
أنه جاءت السنة بالجمع عند المطر، وسبب ذلك حتى لا تتعطل المساجد عن صلاة الجماعة، لأنه من الممكن أن يصلي كل رجل جماعة بأهل بيته، ولكن إقامة الجماعة في المساجد لها شأن في الشريعة، فكان الجمع من أجل تحصيلها خير من الصلاة في وقتها بلا جمع مع تعطيل المساجد وإغلاقها.
الوجه السابع:
أنه يمكن أن تخرج المسألة تخريجا ظاهرا على كلام شيخ الإسلام فإنه رجح أن الاصطفاف أهم من سد الفرج كما جاء في الاختيارات:
“لو حضر اثنان وفي الصف فرجة فأيهما أفضل: وقوفهما جميعا أو سد أحدهما الفرجة وينفرد الآخر ؟ رجح أبو العباس الاصطفاف مع بقاء الفرجة لأن سد الفرجة مستحب والاصطفاف واجب” انتهى من “الفتاوى الكبرى” لابن تيمية (5/ 348)
فإذا أجاز بقاء الفرجة لأجل الاصطفاف، مع تجويزه صلاة المنفرد خلف الصف لعذر فهذا يدل على أن ترك الفرجة عنده أخف، ومسألتنا أقرب إلى ترك الفرجة فتجوز عند الحاجة.
والحاصل
أن الذي يظهر جواز صلاة الجماعة في المساجد مع وجود مسافات بين المصلين في الصف خوفا من انتشار العدوى والوباء، وأنه أفضل من إغلاق المساجد، فترك التراص هنا لعذر، وله نظائر في الشرع من الواجبات والشروط والأركان التي تترك للعذر مع كونها أشد منه.
ولكن يلاحظ أن هذا فيما إذا لم يأت قرار من الجهات المختصة بترك صلاة الجماعة في المساجد وإغلاقها مؤقتا حتى يرتفع الوباء، كما حصل في كثير من البلاد الإسلامية في هذه الجائحة -كورونا- [كوفيد19] فالواجب هنا الامتثال لهذا القرار حتى يرتفع المرض ويؤمر الناس بالعودة للحياة الطبيعية عملا بالمصلحة العامة.
والله أعلم.