54 جامع الأجوبة الفقهية ص104، 105
بإشراف سعيد الجابري وناصر الكعبي وسيف بن دورة الكعبي
ومشاركة مجموعة ناصر الكعبي وناصر الريسي
مسألة : استحالة النجاسة.
يعني هل تطهر النجاسة بالاستحالة؟
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-
والكلام على هذه المسألة في ثلاث مطالب:
♢المطلب الأول: تعريف الاستحالة.
♢المطلب الثاني: حكم استحالة النجاسة؟
♢المطلب الثالث: بعض المسائل المعاصرة المتعلقة بهذا الحكم.
المطلب الأول: تعريف الاستحالة.
الاستحالة لغة:
من حول؛ حال الشيءُ” يحول حؤولاً في معنيين، يكون تغييراً، ويكونُ تحويلاً. والحائل: المُتَغَيِرّ اللَّوْن. رمادٌ حائِلٌ، ونباتٌ حائِلٌ. [العين (3/295)].
وذكر في المعجم الوسيط عشرة معاني لكلمة (حال) وما يتصرف عنها والذي ينطبق على ما نحن بصدده هو قوله: حال الشيء:تغير، يقال : حال اللون، وحال العهد”. المعجم الوسيط [1/208-209].
وقال في المطلع على ألفاظ المقنع ص52:
الاستحالة: استفعال من حال الشيء عما كان عليه: زال، وذلك مثل أن تصير العين النجاسة رمادا، أو غير ذلك.
أما اصطلاحا: فهي انقلاب حقيقة إلى حقيقة أخرى. [ينظر رد المحتار (1/291)،
والفتاوى الهندية (1/44)].
وقيل: هي تَحوُّل العين النَّجسة بنفسها أو بواسطة. [ينظر: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (1/250)، والموسوعة الفقهية الكويتية (3/213)].
وقيل: هي تغيير الشيء من طبعه ووصفه إلى طبع آخر ووصف آخر. [ينظر: مجلة المجمع الفقهي الإسلامي، العدد السادس عشر ص190].
♢-المطلب الثاني:حكم استحالة النجاسة؟
اتفق الفقهاء على أن الخمر إذا تخللت بغير علاج، واستحالت؛ فصارت خلا فإنها طاهرة طيبة. [شرح النووي على مسلم (13/152)، والموسوعة الفقهية الكويتية (5/27)].
ولكنهم اختلفوا في النجاسات الأخرى؛ هل تطهر بالاستحالة أم لا؟
وذلك على قولين:
القول الأول: أن الاستحالة تطهر بها الأعيان النجسة.
وبه قال أبو حنيفة، وصاحبه محمد بن حسن الشيباني، وهو مذهب الحنفية والمالكية وسواء عندهم ما هو نجس لعينه وما هو نجس لمعنى فيه، ووافقهم الشافعية في النجس لمعنى فيه كجلد الميتة، وهو رواية عند الحنابلة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم والشوكاني، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وابن سعدي وابن باز وابن عثيمين رحمهم الله.
[ينظر: أبحاث هيئة كبار العلماء(6/180)، ومجموع الفتاوى (21/481)، والمحلى لابن حزم (1/128)، والبحر الرائق (1/239)، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/57)، ومواهب الجليل (1/97)، والمهذب (1/48)، والمغني ومعه الشرح الكبير (1/59) ].
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- قوله تعالى : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف: الآية 157].
وجه الدلالة: أن هذه الأشياء بعد استحالتها وزوال أوصاف النجاسة عنها، صارت طيبة فهي طاهرة.
ونوقش ذلك: بأن قولهم: صارت طيبة وهو محل النزاع، ولا يصح الاستدلال بمحل الخلاف.
2- الأحاديث الواردة في السنة النبوية في طهارة المسك وجلود الميتة مأكولة اللحم بعد الدبغ وغيرها = تدل على الطهارة النجاسة بالاستحالة إلى غيرها.
3- القياس على الخمر إذا استحالت وانقلبت خلاً بنفسها؛ لأن الخمرة -التي هي أم الخبائث- إذا انقلبت بنفسها حلّت باتفاق المسلمين؛ فغيرها من النجاسات أولى أن تطهر بالانقلاب.
وهي كالمسك فإنه طاهر مع أنه من الدم، لأنه استحال عن جميع صفات الدم، والدم يصبح منيا، والعلقة تصبح مضغة، وغيرها من النظائر.
4/ الاستقراء: كما ذكره شيخ الإسلام فقال: الاستقراء دلنا أن كل ما بدأ الله بتحويله وتبديله من جنس إلى جنس ، مثل جعل الخمر خلا ، والدم منيا، والعلقة مضغة ، ولحم الجلالة الخبيث طيبا ، وكذلك بيضها ولبنها ، والزرع المستسقى بالنجس إذا سقي بالماء الطاهر ، وغير ذلك ، فإنه يزول حكم التنجس ، ويزول حقيقة النجس واسمه التابع للحقيقة ، وهذا ضروري لا يمكن المنازعة فيه ، فإن جميع الأجسام المخلوقة في الأرض ، فإن الله يحولها من حال إلى حال ، ويبدلها خلقا بعد خلق ، ولا التفات إلى مواردها وعناصرها ، وأما ما استحال بسبب كسب الإنسان كإحراق الروث حتى يصير رمادا ، ووضع الخنزير في الملاحة حتى يصير ملحا ، ففيه خلاف مشهور ، وللقول بالنظير اتجاه” . [ الفتاوى المصرية ( 2 / 122)].
5/ قالوا: إن عين النجاسة قد زالت واستحالت فلم يبق لها أثر؛ فينبغي أن ينتفي حكمها، لأنها صارت من الطيبات، والله تعالى يقول: { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [سورة الأعراف: الآية 157]. قال ابن حزم: “إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحكم وانتقل إلى اسم آخر وارد على حلال طاهر فليس هو ذلك النجس ولا ذلك الحرام، بل قد صار شيئا آخر ذا حكم آخر”. [المحلى (1 / 138)].
♢-القول الثاني: أن استحالة النجس وزوال أعراض النجاسة عنه، وتبدلها بأوصاف طيبة لا تصيره طاهرة.
وبه قال إسحاق بن راهويه، وداود الظاهري، وأبو يوسف من الحنفية، وهو أحد القولين في مذهب مالك، وهو قول الشافعي فيما كان نجسا نجاسة عينية، وإحدى الروايتين في مذهب الإمام أحمد وهي المعتمدة عند المتأخرين.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- أن النبي صلىﷺ: نهى عن لحوم الجلاّلة وألبانها.
[أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
♢-وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها لأكلها النجاسة، ولو كانت تطهر بالاستحالة لم ينه عنها، لأن النجاسة التي أكلتها قد تحوّلت من صورة إلى أخرى؛ ولكنها مع ذلك لم تطهر. ينظر:المبدع(1/240)، ونيل الأوطار للشوكاني (8/ 293).
♢-الجلاّلة: هي الدابة التي تأكل العذرة؛ من الجَّلة وهي البعرة]. ينظر: لسان العرب (12/ 119).
ويناقش: بأن النهي عن الجلاّلة محمول على ما إذا كانت جلاّلة؛ أما إذا زال عنها ما يستدعي تسميتها بذلك؛ بأن امتنعت عن النجاسات، وطاب أكلها ولحمها؛ فإنها -والحال هذه- لا تسمى جلاّلة، ولا تدخل في أحاديث النهي عن الجلاّلة.
2/ أن النجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها؛ كالدم إذا صار قيحا وصديدا. [ينظر: المغني ومعه الشرح الكبير(1/740)].
ويناقش: بأن هذا لا يسلم فمن النجاسة ما حصل بالاستحالة كالقيء؛ فإنه كان طعاماً وشراباً فاستحال فصار قيئا.
3/قالوا: احتياطا للشك في النجاسة، لأن الأجزاء الجديدة هي تلك الأجزاء السابقة للنجاسة.
[ينظر: فتح القدير (2 / 139)].
ويناقش: بأن ذلك كله طاهر، إذ لم يبق شيء من أثر النجاسة، لا طعمها ولا لونها ولا ريحها، لأن الله أباح الطيبات وحرم الخبائث، وذلك يتبع صفات الأعيان وحقائقها، فإذا كانت العين ملحا أو خلا دخلت في الطيبات التي أباحها الله، ولم تدخل في الخبائث التي حرمها الله.
الترجيح:
♢-قلت (ناصر الريسي): والذي يترجح لي هو القول الأول؛ لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة، الأصل في الأشياء الطهارة، والنجاسة عارضة، فإذا استحالت العين النجسة، عادت إلى أصلها الأول وهو الطهارة.
♢- قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وتنازعوا فيما إذا صارت النجاسة ملحا من الملاحة ، أو صارت رمادا ، أو صارت الميتة والدم والصديد ترابا كتراب المقبرة ، فهذا فيه خلاف – وبعد ذكره للخلاف قال : والصواب أن ذلك كله طاهر إذ لم يبق شيء من النجاسة لا طعمها ولا لونها ولا ريحها”.
[مجموع الفتاوى (21/481) وما بعدها].
♢-وقال ابن قيم الجوزية: وعلى هذا الأصل فطهارة الخمر بالاستحالة على وفق القياس؛ فإنها نجسة لوصف الخبث، فإذا زال الموجب زال الموجب، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها بل وأصل الثواب والعقاب، وعلى هذا فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت، وقد نبش النبي صلى الله عليه وسلم قبور المشركين من موضع مسجده ولم ينقل التراب، وقد أخبر الله سبحانه عن اللبن أنه يخرج من بين فرث ودم، وقد أجمع المسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة ثم حبست وعلفت بالطاهرات حل لبنها ولحمها، وكذلك الزرع والثمار إذا سقيت بالماء النجس ثم سقيت بالطاهر حلت لاستحالة وصف الخبث وتبدله بالطيب، وعكس هذا أن الطيب إذا استحال خبيثا صار نجسا كالماء والطعام إذا استحال بولا وعذرة، فكيف أثرت الاستحالة في انقلاب الطيب خبيثا ولم تؤثر في انقلاب الخبيث طيبا؟!
والله تعالى يخرج الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب، ولا عبرة بالأصل بل بوصف الشيء نفسه ومن الممتنع بقاء حكم الخبث وقد زال اسمه ووصفه، والحكم تابع للاسم والوصف دائر معه وجودا وعدما فالنصوص المتناولة لتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر لا تتناول الزرع والثمار والرماد والملح والتراب والخل لا لفظا ولا معنى ولا نصا ولا قياسا، والمفرقون بين استحالة الخمر وغيرها قالوا الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة فيقال لهم وهكذا الدم والبول والعذرة وإنما نجست بالاستحالة فتطهر بالاستحالة، فظهر أن القياس مع النصوص وأن مخالفة القياس في الأقوال التي تخالف النصوص.
[إعلام الموقعين عن رب العالمين(2/14-15)].
♢-المطلب الثالث: المسائل المعاصرة المتعلقة بهذا الحكم.
بعض المسائل المعاصرة التي تترتب على ما سبق:
1- مياه الصرف الصحي بعد تكريرها.
السؤال: ما حكم تكرير الماء المتلوث بالنجاسات حتى يعود الماء نقيّاً سليماً من الروائح الخبيثة ومن تأثيرها في طعمه ولونه؟ وعن حكم استعمال هذا الماء في سقي المزارع والحدائق وطهارة الإنسان وشربه؟
♢-الإجابة:
في حال تكرير الماء التكرير المتقدم، الذي يُزيل تلوثه بالنجاسة حتى يعود نقيّاً سليماً من الروائح الخبيثة ومن تأثيرها في طعمه ولونه، مأمون العاقبة من الناحية الصحية، في هذه الحال لا شّك في طهارة الماء، وأنه يجوز استعماله في طهارة الإنسان وشربه وأكله وغير ذلك، لأنه صار طهوراً لزوال أثر النجاسة طعماً ورائحةً ولوناً، وفي الحديث عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه”. وفي رواية: أن الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه.
وهذا الحديث وإن كان ضعيفاً من حيث السند وأكثر أهل العلم لا يثبتونه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم
بل قال النووي: اتفق المحدِّثون على تضعيفه، لكنه في الحقيقة صحيح من حيث المعنى، لتأيده بالأحاديث الدالة على إزالة النجاسة بالغسل، فإنها تدل على أنه إذا زال أثر النجاسة بالغسل، فإنها تدل على أنه إذا زال أثر النجاسة طهر ما أصابته، ولأن أهل العلم مجمعون على أن الماء إذا أصابته النجاسة فغّيرت ريحه أو طعمه أو لونه صار نجساً، وإن لم تغيره فهو باق على طهوريته، إلا إذا كان دون القلتين، فإن بعضهم يرى أن ينجس وإن لم يتغير والصحيح أنه لا ينجس إلا بالتغير، لأن النظر والقياس يقتضي ذلك، فإنه إذا تغير بالنجاسة فقد أثرت فيه خبثاً، فإذا لم يتغير بها فكيف يجعل له حكمها؟
إذا تبين ذلك وأن مدارَ نجاسة الماء على تغيره، فإنه إذا زال تغيره بأي وسيلة عاد حكم الطهورية إليه، لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، وقد نصّ الفقهاء رحمهم الله على أن الماء الكثير وهو الذي يبلغ القُلّتين عندهم إذا زال تغيره ولو بنفسه بدون محاولة فإنه يطهر.
وفي حال تكرير الماء التكرير الأولي والثانوي، الذي لا يزيل أثر النجاسة لا يجوز استعماله في طهارة الإنسان وشربه، لأن أثر النجاسة فيه باقٍ، إلا إذا قُدِّرَ أن هذا الأثر الباقي لا يتغير به ريح الماء ولا طعمه ولا لونه، لا تغيراً قليلاً ولا كثيراً، فحينئذٍ يعود إلى طهوريته، ويستعمل في طهارة الإنسان وشربه، كالمكرر تكريراً متقدماً.
وأما استعماله أعني الذي بقي فيه أثر النجاسة في ريحه أو طعمه أو لونه، إذا استعمل في سقي الحدائق والمزارع والمنتزهات الشعبية، فالمشهور عند الحنابلة أنه يحرم ثمرٌ وزرعٌ سقي بنجس أو سمّد به لنجاسته بذلك، حتى يسقى بطاهر، وتزول عين النجاسة، وعلى هذا يحرم السقي والسماد وقت الثمار، لأنه يفضي إلى تنجيسه وتحريمه.
♢- وذهب أكثر أهل العلم إلا أنه لا يحرم ولا ينجس بذلك إلا أن يظهر أثر النجاسة في الحب والثمر، وهذا هو الصحيح، والغالب أن النجاسة تستحيل فلا يظهر لها أثر في الحبّ والثمر لكن ينبغي أن يلاحظ أن المنتزهات والجالسين فيها، أو تحرمهم الجلوس والتنزه وهذا لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البراز في الموارد وقارعة الطريق، وظل الناس، لأن ذلك يقذرهم، فعليه يجب أن لا تسقى المنتزهات والحدائق العامة بالمياه النجسة، أو تسمّد بالأسمدة النجسة، والله الموفق.
[مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الحادي عشر – باب المياه].
[ينظر: أبحاث هيئة كبار العلماء(6/179) وما بعدها].
2- سقي الزرع بمياه الصرف الصحي.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 20747 )
♢-س3 : أعمل في نجران في إدارة حكومية ذات مجمع سكني كبير جدا ، ومن ضروراته وجود آبار للصرف الصحي – أكرمكم الله – وينمو على حواف هذه الآبار بعض أشجار النخيل المثمر ، وأرى البعض يتناول شيئا من ثمار تلك النخيل ، والبعض الآخر يستنكف عن أكلها بحجة أن النخيل يتغذى على ماء وفضلات الصرف الصحي .
♢-سؤالي : هل يجوز أكل ثمار النباتات التي تتغذى (تغذية دائمة ومقتصرة على مصدر غذائي واحد هو الصرف الصحي وما يتبعه من فضلات الإنسان) أم أن ذلك لا يجوز ؟ قياسا بالجلالة من الحيوانات التي لا تؤكل إلا بعد تطبيق شروط شرعية بحقها طالما أنها قابلة لتناول فضلات الإنسان؟
♢-ج 3 : إذا لم يظهر أثر النجاسات في طعم ثمار هذه النخيل أو ريحها فإنه يباح أكلها ؛ لأن الأصل إباحة أكلها ، إلا إذا ظهر أثر النجاسة في طعمها أو ريحها ، فإنه يحرم تناولها .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو …بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو …صالح بن فوزان الفوزان
نائب الرئيس…عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
الرئيس.. عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
3- الأدوية التي استخدم فيها بعض الأعيان النجسة. [ينظر: أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية ص193-194].
والحمد لله رب العالمين…
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-
♢-جواب سيف بن دورة الكعبي :
كما قال أصحابنا الراجح أن النجاسات تطهر بالاستحالات، وهناك مسائل تنبني على هذا الترجيح منها، ما ورد في سؤال لبعض لجان الفتوى :
[السُّؤَالُ]
[هل يجوز استخدام روث الحيوانات كوقود لطهي الطعام وبخاصة لنضج الخبز علما أن الخبز يتعرض للدخان المتصاعد نتيجة إشعال الروث؟]ـ
[الفَتْوَى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا بأس بذلك على الصحيح من أقوال أهل العلم، لأن هذه الأرواث إذا كانت أرواثا لما يؤكل لحمه، فهي طاهرة، ولا إشكال في استعمالها حينئذ كوقود، وإن كانت نجسة، فإنها تستحيل إلى دخان ورماد باستعمالها كوقود، وهذه الاستحالة مطهرة على الصحيح من قولي أهل العلم، قال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: (1/ 231): وأما دخان النجاسة: فهذا مبني على أصل، وهو: أن العين النجسة الخبيثة إذا استحالت حتى صارت طيبة كغيرها من الأعيان الطيبة، مثل أن يصير ما يقع في الملاحة من دم وميتة وخنزير، ملحا طيبا كغيرها من الملح، أو يصير الوقود رمادا، وخرسفا، وقصرملا، ونحو ذلك، ففيه للعلماء قولان:
أحدهما: لا يطهر …
ومذهب أهل الظاهر وغيرهم: أنها تطهر، وهذا هو الصواب المقطوع به، فإن هذه الأعيان لم تتناولها نصوص التحريم، لا لفظا ولا معنى، فليست محرمة ولا في معنى المحرم، فلا وجه لتحريمها، بل تتناولها نصوص الحل، فإنها من الطيبات، وهي أيضا في معنى ما اتفق على حله، فالنص والقياس يقتضي تحليلها.
وأيضا فقد اتفقوا كلهم على الخمر إذا صارت خلا بفعل الله تعالى، صارت حلالا طيبا، واستحالة هذه الأعيان أعظم من استحالة الخمر … إلى آخر ما قالوا
وممن اختار أيضاً أن الاستحالة تطهر النجاسات الألباني كما في الثمر المستطاب، ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ كما في توضيح الأحكام، كما أن من المسائل المعاصرة في موضوع الاستحالة استخدام الجلاتين الخنزيري :وقد صدر قرار من مجلس مجمع الفقه الاسلامي بجدة في دورته الثالثة المنعقدة في عمان من 11 – 61/ 01/6891: (يمنع المسلم من استعمال الجيلاتين المأخوذ من الخنازير في الغذاء استغناء بالجيلاتين المتخذ من الحيوانات المذكاة شرعا، وهذا يقتضي منع استخدامه في الدواء كذلك لهذا البديل المباح).
كذلك جاء في الندوة الفقهية الطبية الثامنة بالكويت: 22 – 42/ 5/5991 (المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير نجسة ولا يجوز استعمالها شرعا، الا اذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينه) وهذا غير متحقق كما يقول الكيميائيون.
—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-
♢-جواب سعيد الجابري :
وضعت جوابي على شكل تعقبات لما قرره الأخوة المشاركون :
-الخمر ليست بنجس على القول الراجح وإنما هي محرمة،فلما ذهب عنها علة التحريم وهي الإسكار أصبحت حلالا والقاعدة الفقهية المعروفة تقول : كل نجس حرام وليس كل حرام نجس.
♢- بالنسبة للعلقة فلا حاجة لاستثنائها؛ لأنها وهي في معدنها الذي هو الرحم لا يحكم بنجاستها، وإن كانت نجسة لو خرجت.
ولذلك كان بول الإنسان وعذرته في بطنه طاهرين، وإذا خرجا صارا نجسين، ولأن المصلي لو حمل شخصا في صلاته لصحت صلاته؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت ابنته زينب، وهو يصلي، ولو حمل المصلي قارورة فيها بول أو غائط لبطلت صلاته.
(الشرح الممتع )
♢-وذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع : أن النجاسة لا تطهر بالاستحالة؛ لأن عينها باقية.
مثاله: روث حمار أوقد به فصار رمادا؛ فلا يطهر؛ لأن هذه هي عين النجاسة، وقد سبق أن النجاسة العينية لا تطهر أبدا، والدخان المتصاعد من هذه النجاسة نجس على مقتضى كلام المؤلف؛ لأنه متولد من هذه النجاسة، فلو تلوث ثوب إنسان، أو جسمه بالدخان وهو رطب، فلا بد من غسله.
….مثال آخر: لو سقط كلب في مملحة «أرض ملح» واستحال، وصار ملحا، فإنه لا يطهر، ونجاسته مغلظة. (ش .الممتع )
♢-قول الأخ ناصر : الأصل في الأشياء الطهارة . هذا في ما نجهل نجاسته ونحن نتكلم في أعيان متفق على نجاستها هل الاستحالة تطهرها فالنجاسة باقية على الأصل حتى يثبت يقينا أنه تحول إلى طاهر فهذا متعذر والخلاف فيه معتبر
الراجح فيه عندي أن الأعيان النجسة لا تتحول إلى طاهر. والأصل عند الشافعية، والحنابلة في ظاهر المذهب: أن نجس العين لا يطهر بالاستحالة، فالكلب أو غيره يلقى في الملاحة فيصير ملحا، والدخان المتصاعد من وقود النجاسة، وكذلك البخار المتصاعد منها إذا اجتمعت منه نداوة على جسم صقيل، ثم قطر، نجس.
(الموسوعة الفقهية الكويتية)
♢- قول ابن القيم رحمه الله (…وهكذا الدم والبول والعذرة وإنما نجست بالاستحالة فتطهر بالاستحالة..
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : بول الإنسان وعذرته في بطنه طاهرين … إلى آخر ما قال رحمه الله وسبق نقله
(الشرح الممتع )