54 – فتح رب البرية بينابيع الحكمة من أقوال الأئمة
جمع أحمد بن خالد وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(1666): {فَعّالٌ لِما يُريدُ} [البروج: (16)]
تفسير السعدي:
{فعَّالٌ لما يريد}؛ أي: مهما أراد شيئًا؛ فعله، إذا أراد شيئًا؛ قال له: كن، فيكون، وليس أحدٌ فعالًا لما يريد إلاَّ الله؛ فإنَّ المخلوقات ولو أرادت شيئًا؛ فإنَّه لا بدَّ لإرادتها من معاونٍ وممانع، والله لا معاون لإرادته ولا ممانع له ممَّا أراد.
______________
(1667): قَالَ أَبْو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ – رَحِمَهُ اللّاهُ تَعَالَى -:
” مَنْ صَدَقَ فِيْ تَرْكِ شَهْوَةٍ ذَهَبَ اللهُ بِهَا مِنْ قَلْبِهِ، وَاللهُ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَ قَلْبًا بِشَهْوَةٍ تُرِكَتْ لَهُ “.
[البِدَايَةُ والنِّهَايَةُ ((279) / (10))]
______________
(1668): قال سفيان:
ينبغي لمن وعظ أن لا يعنف
ولمن وعظ أن لا يأنف ويذكر من يعظه ويخوفه مايناسب الحال وما يحصل به المقصود.
[الآداب الشرعية لابن مفلح ((177))]
______________
(1669): قَالَ ابْنُ القَيِّمِ – رَحِمَهُ اللّاهُ تَعَالَى -:
” كُلُّ مَنْ آثَرَ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَاسْتَحَبَّهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الحَقِّ فِيْ فَتْوَاهِ وَحُكْمِهِ، وَفِيْ خَبَرِهِ وَإِلْزَامِهِ “.
[الفَوائِدُ ((93))]
______________
(1670): قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
والله سبحانه إذا أراد أن يرحم عبدا؛ أسكن في قلبه الرأفة والرحمة، وإذا أراد أن يعذبه؛ نزع من قلبه الرحمة والرأفة، وأبدله بهما الغلظة والقسوة ….
كتاب الروح (250) ..
______________
(1671): {الَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ} [الملك: (2)]
تفسير السعدي:
و {خَلَقَ الموتَ والحياةَ}؛ أي: قدَّر لعباده أن يُحْييَهم ثم يُميتهم؛ {لِيَبْلُوَكم أيُّكم أحسنُ عملًا}؛ أي: أخلصه وأصوبه، وذلك أنَّ الله خلق عباده وأخرجهم لهذه الدار، وأخبرهم أنَّهم سيُنقلون منها، وأمرهم ونهاهم، وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره؛ فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل؛ أحسن الله له الجزاء في الدارين، ومن مال مع شهوات النفس ونبذ أمر الله؛ فله شرُّ الجزاء. {وهو العزيز}: الذي له العزَّة كلُّها، التي قهر بها جميع الأشياء وانقادتْ له المخلوقاتُ. {الغفور}: عن المسيئين والمقصِّرين والمذنبين، خصوصًا إذا تابوا وأنابوا؛ فإنَّه يغفر ذنوبهم، ولو بلغتْ عنان السماء، ويستُرُ عيوبهم، ولو كانت ملء الدنيا.
______________
(1672): {فَاجتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحينَ} [القلم: (50)]
تفسير السعدي:
فلم يبقَ إلاَّ الصبر لأذاهم والتحمُّل لما يصدُرُ منهم والاستمرار على دعوتهم، ولهذا قال: {فاصبِرْ لحكم ربِّك}؛ أي: لما حكم به شرعًا وقدرًا؛ فالحكم القدريُّ يُصْبَرُ على المؤذي منه ولا يُتَلَقَّى بالسخط والجزع، والحكم الشرعيُّ يقابَلُ بالقَبول والتسليم والانقياد [التامِّ] لأمرِهِ. وقوله: {ولا تكن كصاحب الحوتِ}: وهو يونس بن متى عليه الصلاة والسلام؛ أي: ولا تشابِهه في الحال التي أوصلَتْه وأوجبت له الانحباس في بطن الحوت، وهو عدم صبره على قومِهِ الصبرَ المطلوب منه وذَهابُه مغاضبًا لربِّه، حتى ركب [في] البحر، فاقترع أهل السفينة حين ثقلت بأهلها أيُّهم يلقون؛ لكي تَخِفَّ بهم، فوقعت القرعةُ عليه، فالتقمه الحوتُ وهو مليمٌ. وقوله: {إذ نادى وهو مكظومٌ}؛ أي: وهو في بطنها قد كظمت عليه، أو: نادى وهو مغتمٌّ مهتمٌّ، فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنت من الظالمين، فاستجاب الله له، وقَذَفَتْه الحوتُ من بطنها بالعراء وهو سقيمٌ، وأنبت الله عليه شجرةً من يقطينٍ، ولهذا قال هنا: {لولا أن تدارَكَه نعمةٌ من ربِّه لَنُبِذَ بالعراء}؛ أي: لَطُرِحَ في العراء، وهي الأرض الخالية، {وهو مذمومٌ}: ولكنَّ الله تغمَّده برحمته، فَنُبِذَ وهو ممدوحٌ، وصارت حالُه أحسنَ من حاله الأولى، ولهذا قال: {فاجتباه ربُّه}؛ أي: اختاره واصطفاه ونقَّاه من كلِّ كدرٍ، {فجعله من الصالحين}؛ أي: الذين صَلَحَتْ أعمالهم وأقوالهم ونيَّاتهم وأحوالهم.
______________
(1673): {اللَّهُ نورُ السَّماواتِ وَالأَرضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشكاةٍ فيها مِصباحٌ المِصباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوكَبٌ دُرِّيٌّ يوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيتونَةٍ لا شَرقِيَّةٍ وَلا غَربِيَّةٍ يَكادُ زَيتُها يُضيءُ وَلَو لَم تَمسَسهُ نارٌ نورٌ عَلى نورٍ يَهدِي اللَّهُ لِنورِهِ مَن يَشاءُ وَيَضرِبُ اللَّهُ الأَمثالَ لِلنّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ} [النور: (35)]
تفسير السعدي:
{الله نورُ السمواتِ والأرض}: الحسيُّ والمعنويُّ. وذلك أنَّه تعالى بذاتِهِ نورٌ، وحجابه نورٌ، الذي لو كَشَفَه لأحرقت سُبُحاتُ وجهِهِ ما انتهى إليه بصره من خلقه، وبه استنار العرشُ والكرسيُّ والشمسُ والقمر والنورُ، وبه استنارت الجنةُ. وكذلك [النُّور] المعنويُّ يرجِعُ إلى الله؛ فكتابه نورٌ، وشرعُه نورٌ، والإيمانُ والمعرفةُ في قلوب رسله وعباده المؤمنين نورٌ؛ فلولا نورُهُ تعالى؛ لتراكمتِ الظُّلمات، ولهذا كلُّ محلٍّ يفقد نورَه؛ فثمَّ الظُّلمة والحصرُ. {مَثَلُ نورِهِ}: الذي يهدي إليه، وهو نورُ الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين {كمشكاةٍ}؛ أي: كوَّة {فيها مصباحٌ}: لأنَّ الكوَّة تجمع نورَ المصباح بحيث لا يتفرَّق. ذلك {المصباح في زُجاجةٍ الزجاجةُ}: من صفائها وبهائها، {كأنَّها كوكبٌ دُرِّيٌّ}؛ أي: مضيء إضاءة الدرِّ، {يوقَدُ}: ذلك المصباح الذي في تلك الزجاجة الدُّرِّيَّةِ {من شجرةٍ مباركةٍ زيتونةٍ}؛ أي: يوقَد من زيت الزيتون، الذي نارُه من أنور ما يكون {لا شرقيَّةٍ}: فقط؛ فلا تصيبُها الشمس آخر النهار {ولا غربيَّةٍ}: فقط؛ فلا تصيبها الشمس [آخر] النهار. وإذا انتفى عنها الأمران؛ كانت متوسطةً من الأرض؛ كزيتون الشام؛ تصيبُه الشمس أول النهار وآخره، فَيَحْسُنُ ويَطيبُ ويكونُ أصفى لزيتها، ولهذا قال: {يكادُ زيتُها}: من صفائه {يضيءُ ولو لم تمسَسْهُ نارٌ}: فإذا مسَّتْه النار؛ أضاء إضاءةً بليغةً. {نورٌ على نورٍ}؛ أي: نور النار ونور الزيت.
ووجه هذا المثل الذي ضربه الله وتطبيقُه على حالةِ المؤمن ونورِ الله في قلبه أنَّ فطرتَه التي فُطِرَ عليها بمنزلة الزيتِ الصافي؛ ففطرتُه صافيةٌ مستعدَّة للتعاليم الإلهية والعمل المشروع؛ فإذا وصل إليه العلم والإيمان؛ اشتعل ذلك النور في قلبه بمنزلة اشتعال النار في فتيلةِ ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصدِ وسوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان؛ أضاء إضاءةً عظيمةً لصفائِهِ من الكُدورات، وذلك بمنزلة صفاء الزُّجاجة الدُّرِّيَّةِ، فيجتمع له نورُ الفطرة ونورُ الإيمان ونورُ العلم وصفاء المعرفة نورٌ على نورِهِ.
ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كلُّ أحدٍ يَصْلُحُ له ذلك؛ قال: {يهدي الله لنورِهِ مَن يشاءُ}: ممَّن يعلم زكاءه وطهارته، وأنه يزكي معه وينمو. {ويضرِبُ الله الأمثالَ للناس}: ليعقلوا عنه ويفهموا؛ لطفًا منه بهم، وإحسانًا إليهم، وليتَّضِحَ الحقُّ من الباطل؛ فإنَّ الأمثال تقرِّبُ المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العبادُ علمًا واضحًا. {والله بكلِّ شيءٍ عليم}: فعلمُهُ محيطٌ بجميع الأشياء، فَلْتَعْلَموا أنَّ ضربهَ الأمثالَ ضَرْبُ مَنْ يعلمُ حقائقَ الأشياء وتفاصيلها وأنَّها مصلحةٌ للعباد؛ فليكن اشتغالُكُم بتدبُّرها وتعقُّلها لا بالاعتراض عليها ولا بمعارضتها؛ فإنَّه يعلم وأنتم لا تعلمونَ.
______________
(1674): {وَلَولا إِذ دَخَلتَ جَنَّتَكَ قُلتَ ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنا أَقَلَّ مِنكَ مالًا وَوَلَدًا} [الكهف: (39)]
تفسير السعدي:
ثم أخبر أنَّ نعمة الله عليه بالإيمان والإسلام، ولو مع قلَّة ماله وولده؛ أنَّها هي النعمة الحقيقيَّة، وأنَّ ما عداها معرَّضٌ للزوال والعقوبة عليه والنَّكال، فقال:
أي: قال للكافر صاحبُهُ المؤمنُ: أنت وإن فخرتَ عليَّ بكثرة مالك وولدك، ورأيتني {أقلَّ منك مالًا وولدًا}؛ فإنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى، وما يُرجى من خيره وإحسانه أفضلُ من جميع الدُّنيا التي يتنافس فيها المتنافسون.
______________
(1675): قال ابن تيمية-رحمه الله-:
وَمَا قُدِّرَ مِنْ الْمَصَائِبِ يَجِبُ الِاسْتِسْلَامُ لَهُ فَإِنَّهُ مِنْ تَمَامِ الرِّضَا بِاَللَّهِ رَبًّا.
مجموع الفتاوى (10) / (160)
______________
(1676): ومن أعظم الأسباب الجالبة لرحمة الله -تعالى-:
صلاةٌ أربع ركعات قبلَ العصرِ، قال رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم-: “رحم اللّه امرأ صلّى قبل العصرِ أربعًا”.
رواه الترمذي و حسنه الالباني رحمه الله
______________
(1678): قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن تَيْمِيَّةَ -رحمه اللّاه-:
“إِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ ? قَبْلَ الدُّعَاءِ، وَفِي وَسَطِهِ، وَفِي آخِرِهِ، مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يُرْجَى بِهَا إِجَابَةُ سَائِرِ الدُّعَاءِ”.
[إِقْتِضَاءُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيْمِ ((249) / (2))]
______________
(1679): * قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-:*
“والصلاة على الرسول ? سبب لدوام محبته وزيادتها وتضاعفها”
*?? جلاء الأفهام ((518)).*
______________
(1680): قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -:
” الجُبْنُ وَالْبُخْلُ وَالْحِرْصُ، غَرَائِزُ سُوءٍ، يَجْمَعُهَا كُلُّهَا، سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ “.
[الْآدَابُ الشَّرْعِيَّةِ ((47) / (1))]
______________
(1681): قال الامام مالك رحمه الله:
“اعلم أنه فساد عظيم
أن يتكلم الإنسان بكل ما يسمع”
سير أعلام النبلاء ((66) / (8))
______________
(1682): *زاد المعاد في هدي خير العباد – ط عطاءات العلم (2) / (26) — ابن القيم (ت (751)) فصول في هديه في العبادات?فصل في هديه ? في الصدقة والزكاة?فصل في هديه ? في صدقة التطوع*
فصل
في هديه في صدقة التطوع
كان ? أعظم الناس صدقةً بما ملكتْ يدُه، وكان لا يستكثر شيئًا أعطاه لله ولا يستقِلُّه، وكان لا يُسأَل ((2)) شيئًا عنده إلا أعطاه، قليلًا كان أو كثيرًا، وكان عطاؤه عطاءَ من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحبَّ شيء إليه، *وكان سرورُه وفرحُه بما يعطيه أعظمَ من سرورِ الآخذ بما يأخذه،* وكان أجودَ الناس بالخير، يمينُه كالريح المرسلة.
وكان إذا عرض له محتاج آثَره على نفسه، تارةً بطعامه، وتارةً بلباسه.
وكان يتنوَّع ((3)) في أصناف عطائه وصدقته، فتارةً بالهبة، وتارةً بالصدقة ((4))، وتارةً بالهدية ((1))، وتارةً يَشتري ((2)) الشيء ثم يعطي البائع الثمنَ والسِّلْعةَ جميعًا، كما فعل بجابر ((3)) ((4)). وتارةً كان يقترض الشيءَ فيردُّ أكثرَ منه وأفضلَ ((5))، ويشتري الشيءَ فيعطي أكثر من ثمنه. ويقبل الهديةَ ويكافئ عليها بأكثَر منها أو بأضعافها، تلطُّفًا وتنوُّعًا ((6)) في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن.
وكانت صدقتُه وإحسانه بما يملكه وبحاله وبقوله، فيُخرِج ما عنده، ويأمر بالصدقة ويحضُّ عليها، ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيل الشَّحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء، وكان من خالطه وصَحِبَه ورأى هديَه لا يملك نفسه عن السماحة والنَّدى.
وكان هديه يدعو إلى الإحسان والصدقة والمعروف، ولذلك كان أشرحَ الخَلْق ((7)) صدرًا، وأطيبَهم نفسًا، وأنعمَهم قلبًا، فإن للصدقة وفِعْل المعروف تأثيرًا عجيبًا في شرح الصدر، فانضاف ((8)) ذلك إلى ما خصَّه الله به من شَرْحِ صدره للنبوة والرسالة وخصائصها وتوابعها، وشَرْحِ صدره حسًّا وإخراجِ حظِّ ((9)) الشيطان منه.
______________
(1683): {إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ} [آل عمران: (140)]
تفسير السعدي:
ثم سلاهم بما حصل لهم من الهزيمة، وبين الحكم العظيمة المترتبة على ذلك فقال:
{إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله}، فأنتم وهم قد تساويتم في القرح، ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون كما قال تعالى: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون}.
ومن الحكم في ذلك أن هذه الدار يعطي الله منها المؤمن والكافر والبر والفاجر فيداول الله الأيام بين الناس: يوم لهذه الطائفة ويوم للطائفة الأخرى، لأن هذه الدارَ الدنيا منقضية فانية، وهذا بخلاف الدار الآخرة فإنها خالصة للذين آمنوا.
{وليعلم الله الذين آمنوا}، هذا أيضًا من الحكم أنه يبتلي الله عباده بالهزيمة والابتلاء ليتبين المؤمن من المنافق، لأنه لو استمر النصر للمؤمنين في جميع الوقائع لدخل في الإسلام من لا يريده، فإذا حصل في بعض الوقائع بعض أنواع الابتلاء تبين المؤمن حقيقة الذي يرغب في الإسلام في الضراء والسراء واليسر والعسر ممن ليس كذلك، {ويتخذ منكم شهداء}.
وهذا أيضًا من بعض الحكم، لأن الشهادة عند الله من أرفع المنازل، ولا سبيل لنيلها إلا بما يحصل من وجود أسبابها، فهذا من رحمته بعباده المؤمنين، أن قيَّض لهم من الأسباب ما تكرهه النفوس، لينيلهم ما يحبون من المنازل العالية والنعيم المقيم.
{والله لا يحب الظالمين}، الذين ظلموا أنفسهم وتقاعدوا عن القتال في سبيله، وكأن في هذا تعريضًا بذم المنافقين وأنهم مبغوضون لله، ولهذا ثبطهم عن القتال في سبيله، ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين.
______________
(1684): مواعظ وخطب: عن همام قال: سمعت أبا عمران الجوني رحمه الله يقول: ما من ليلة تأتي، إلا وتنادي: اعملوا فيَّ ما استطعتم من خير، فلن أرجع إليكم إلى يوم القيامة. [الحلية (تهذيبه) (1) / (402)].
______________
(1685): الشأن في أن العبد يكون بينه وبين ربه معرفة خاصة بقلبه حيث يجده قريبا منه يستأنس به في خلوته ويجد حلاوة ذكره ودعائه ومناجاته وخدمته، ولا يجد ذلك إلا من أطاعه في سره وعلانيته، كما قيل لوهيب بن الورد: أيجد حلاوة الطاعة من عصى؟ قال لا ولا من هم؟.
ومتى وجد العبد هذا فقد عرف ربه وصار بينه وبينه معرفة خاصة. فإذا سأله أعطاه وإذا دعاه أجابه كما قالت شعوانة لفضيل: أما بينك وبين ربك ما إذا دعوته أجابك، فغشي عليه.
والعبد لا يزال يقع في شدائد وکرب في الدنيا وفي البرزخ وفي الموقف فإذا كان بينه وبين ربه معرفة خاصة كفاه الله ذلك كله.
وهذا هو المشار إليه في وصية ابن عباس بقوله ?: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة).
وقيل لمعروف ما الذي هيجك إلى الانقطاع؟ وذُكر له الموت والقبر والموقف والجنة والنار، فقال: إن ملكا هذا كله بيده إذا كانت بينك وبينه معرفة كفاك هذا كله.
[بيان فضل علم السلف (ص/75) لابن رجب]
______________
(1686): قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللّاهِ – رَحِمَهُ اللّاهُ -:
” أَهْلُ الدَّعْوَةِ صِنْفَيْنِ مِنْ النَّاسِ مُسْتَجَابَةٌ لَا مَحَالَةَ، مُؤْمِناً وكَافِراً، دُعَاءُ الْمُضْطَرِّ، وَدُعَاءُ المَظْلُومِ “.
[تَفْسِيْرُ السُّلَمِيّ ((94) / (2))]
______________
(1687) ?: ??قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
“فمن تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن ينزل بهم الشدة والضر ومايلجئهم إلى توحيده فيدعونه مخلصين له الدين ويرجونه ولا يرجون أحدا سواه، وتتعلق قلوبهم به لابغيره، فيحصل لهم التوكل عليه والإنابة إليه”.
مجموع الفتاوى 5 – 193??
______________
(1688): وَمِمَّا يُشْبِهُ مَا ذَكَرْنَا مَا جَاوَبَ بِهِ مَالِكٌ رحمه الله الْعُمَرِيَّ الْعَابِدَ وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيَّ الْعَابِدَ كَتَبَ إِلَى مَالِكٍ يَحُضُّهُ إِلَى الِانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ وَيَرْغَبُ بِهِ عَنِ الِاجْتِمَاعِ إِلَيْهِ فِي الْعِلْمِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ (أَنَّ اللَّهَ عز وجل قَسَّمَ الْأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الْأَرْزَاقَ فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصِّيَامِ وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَنَشْرُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ مِنْ أَفْضَلِ أَعْمَالِ الْبِرِّ *وَقَدْ رَضِيتُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ لِي فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَظُنُّ مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كِلَانَا عَلَى خَيْرٍ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا أَنْ يَرْضَى بِمَا قُسِّمَ لَهُ وَالسَّلَامُ*)
التمهيد لابن عبدالبر (ج7/ص186)
______________
(1689): قال ابن تيمية كما في المجموع (24/ 15:
دلَّ قولُه تعالى: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ عَقيبَ قَولِه: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً على أنَّ مَن لم يَدْعُه تضرُّعًا وخُفيةً فهو مِنَ المُعتدينَ الذين لا يُحِبُّهم سبحانه، فقَسَّمَتِ الآيةُ النَّاسَ إلى قِسمينِ: داعٍ للهِ تَضَرُّعًا وخُفيةً؛ ومُعتدٍ بتَرْكِ ذلك.
______________
(1690): قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرحه كتاب الصلاة:
*ينبغي لمن أنعم الله عليه بالمال أن يلبس الثياب المناسبة لحاله الثياب الجميلة الجيدة النوع بحسب ما تقتضيه حاله من الغنى لأنه داخل في قوله: (إذا أنعم على عبده نعمة*)،
فإن نعمة هذه نكرة في سياق لا لا، لا، في سياق العموم كيف نكرة في سياق الشرط (إذا أنعم نعمة) فتكون إيش؟
للعموم عامة أي نعمة ينعم الله بها عليك ينبغي أن تري ربك عز وجل أثر هذه النعمة.
https://www.alathar.net/home/esound/index.php?op=codevi&coid=35540
______________
(1691): قال البشير الإبراهيمي-رحمه الله-:
أعظم مصيبة أصابت المسلمين
هي جفاؤهم للقرآن وحرمانهم من هديه وآدابه ..
الآثار (1) / (170)
______________
(1692): {هَل يَنظُرونَ إِلّا أَن يَأتِيَهُمُ اللَّهُ في ظُلَلٍ مِنَ الغَمامِ وَالمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأَمرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرجَعُ الأُمورُ} [البقرة: (210)]
تفسير السعدي:
وهذا فيه من الوعيد الشديد والتهديد ما تنخلع له القلوب، يقول تعالى: هل ينتظر الساعون في الفساد في الأرض، المتبعون لخطوات الشيطان، النابذون لأمر الله إلا يوم الجزاء بالأعمال، الذي قد حُشِي من الأهوال والشدائد والفظائع ما يقلقل قلوب الظالمين، ويحق به الجزاء السَّيئ على المفسدين، وذلك أن الله تعالى يطوي السماواتِ والأرضَ، وتنتثر الكواكبُ، وتُكوَّر الشمس والقمر، وتنزل الملائكة الكرام فتحيط بالخلائق، وينزل الباري تبارك وتعالى {في ظلل من الغمام} ليفصل بين عباده بالقضاء العدل، فتوضع الموازين، وتنشر الدواوين، وتبيَّض وجوه أهل السعادة، وتسوَّد وجوه أهل الشقاوة، ويتميز أهل الخير من أهل الشرِّ، وكل يجازى بعمله، فهنالك يعضُّ الظالم على يديه إذا علم حقيقة ما هو عليه.
وهذه الآية وما أشبهها دليل لمذهب أهل السنة والجماعة المثبتين للصفات الاختيارية؛ كالاستواء، والنزول، والمجيء، ونحو ذلك من الصفات التي أخبر بها تعالى عن نفسه، أو أخبر بها عنه رسوله ?، فيثبتونها على وجه يليق بجلال الله وعظمته من غير تشبيه ولا تحريف، خلافًا للمعطلة على اختلاف أنواعهم، من الجهمية والمعتزلة والأشعرية ونحوهم، ممن ينفي هذه الصفات، ويتأول لأجلها الآيات بتأويلات ما أنزل الله عليها من سلطان، بل حقيقتها القدح في بيان الله وبيان رسوله، والزعم بأن كلامهم هو الذي تحصل به الهداية في هذا الباب، فهؤلاء ليس معهم دليل نقلي؛ بل ولا دليل عقلي.
أما النقلي فقد اعترفوا أن النصوص الواردة في الكتاب والسنة، ظاهرها بل صريحها دال على مذهب أهل السنة والجماعة، وأنها تحتاج لدلالتها على مذهبهم الباطل أن تخرج عن ظاهرها ويزاد فيها وينقص، وهذا كما ترى لا يرتضيه من في قلبه مثقال ذرة من إيمان.
وأما العقل فليس في العقل ما يدل على نفي هذه الصفات، بل العقل دل على أن الفاعل أكمل من الذي لا يقدر على الفعل، وأن فعله تعالى المتعلق بنفسه والمتعلق بخلقه هو كمال، فإن زعموا أن إثباتها يدل على التشبيه بخلقه، قيل لهم الكلام على الصفات يتبع الكلام على الذات، فكما أن لله ذاتًا لا تشبهها الذوات فلله صفات لا تشبهها الصفات، فصفاته تبع لذاته وصفات خلقه تبع لذواتهم، فليس في إثباتها ما يقتضي التشبيه بوجه، ويقال أيضًا لمن أثبت بعض الصفات، ونفى بعضًا، أو أثبت الأسماء دون الصفات: إما أن تثبت الجميع كما أثبته الله لنفسه، وأثبته رسوله، وإما أن تنفي الجميع، وتكون منكرًا لرب العالمين. وأما إثباتك بعض ذلك ونفيك لبعضه فهذا تناقض، فَفَرِّقْ بين ما أثبته وبين ما نفيته، ولن تجد إلى الفرق سبيلًا. فإن قلت ما أثبته لا يقتضي تشبيهًا، قال لك أهل السنة والإثبات لما نفيته لا يقتضي تشبيهًا، فإن قلت لا أعقل من الذي نفيته إلا التشبيه، قال لك النفاة ونحن لا نعقل من الذي أثبته إلا التشبيه، فما أجبت به النفاة أجابك به أهل السنة لما نفيته.
والحاصل أن من نفى شيئًا، وأثبت شيئًا مما دل الكتاب والسنة على إثباته فهو متناقض؛ لا يثبت له دليل شرعي ولا عقلي، بل قد خالف المعقول والمنقول.
______________
(1693): {وَهُوَ الغَفورُ الوَدودُ} [البروج: (14)]
تفسير السعدي:
{وهو الغفورُ}: الذي يغفر الذُّنوب جميعها لمن تاب، ويعفو عن السيِّئات لمن استغفره وأناب. {الودودُ}: الذي يحبُّه أحبابه محبَّةً لا يشبهها شيءٌ؛ فكما أنَّه لا يشابهه شيءٌ في صفات الجلال والجمال والمعاني والأفعال؛ فمحبَّته في قلوب خواصِّ خلقه التابعة لذلك لا يشبِهُها شيءٌ من أنواع المحابِّ، ولهذا كانت محبَّتُه أصل العبوديَّة، وهي المحبَّة التي تتقدَّم جميع المحابِّ وتغلبها، وإن لم تكن غيرها تبعًا لها؛ كانت عذابًا على أهلها، وهو تعالى الودودُ الوادُّ لأحبابه؛ كما قال تعالى: {يُحِبُّهم ويحبُّونه}: والمودَّة هي المحبَّة الصافية.
وفي هذا سرٌّ لطيفٌ؛ حيث قرن الودود بالغفور؛ ليدلَّ ذلك على أنَّ أهل الذُّنوب إذا تابوا إلى الله، وأنابوا غفر لهم ذنوبهم، وأحبهم فلا يقال تغفر ذنوبهم، ولا يرجع إليهم الود كما قاله بعض الغالطين، بل الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب من رجلٍ على راحلته عليها طعامُهُ وشرابه وما يصلحه، فأضلَّها في أرضِ فلاةٍ مهلكةٍ، فأيس منها، فاضطجع في ظلِّ شجرةٍ ينتظر الموت، فبينما هو على تلك الحال؛ إذا راحلته على رأسه، فأخذ بخطامها. فالله أعظم فرحًا بتوبة العبد من هذا براحلته، وهذا أعظم فرح يقدَّر؛ فلله الحمد والثناء وصفو الوداد ما أعظمَ برَّه وأكثر خيرَه وأغزرَ إحسانَه وأوسع امتنانَه!