(533) فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح
ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
جاء في صحيح الإمام مسلم رحمه الله من ((56)) – (كِتَابُ: الزُّهْدِ، وَالرَّقَائِقِ)، 5 – بابُ: فَضْلِ بِناءِ المَساجِدِ
(43) – ((533)) حَدَّثَنِي هارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأيْلِيُّ، وأحْمَدُ بْنُ عِيسى، قالا: حَدَّثَنا ابْنُ وهْبٍ، أخْبَرَنِي عَمْرٌو وهُوَ ابْنُ الحارِثِ، أنَّ بُكَيْرًا، حَدَّثَهُ، أنَّ عاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتادَةَ حَدَّثَهُ، أنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ الخَوْلانِيَّ، يَذْكُرُ أنَّهُ سَمِعَ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ، عِنْدَ قَوْلِ النّاسِ فِيهِ حِينَ بَنى مَسْجِدَ الرَّسُولِ ?: إنَّكُمْ قَدْ أكْثَرْتُمْ، وإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ? يَقُولُ: «مَن بَنى مَسْجِدًا – قالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أنَّهُ قالَ – يَبْتَغِي بِهِ وجْهَ اللهِ، بَنى اللهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الجَنَّةِ» وفِي رِوايَةِ هارُونَ: «بَنى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ»
(44) – ((533)) حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، كِلاهُما عَنِ الضَّحّاكِ، قالَ: ابْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنا الضَّحّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، أخْبَرَنا عَبْدُ الحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أبِي، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أنَّ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ، أرادَ بِناءَ المَسْجِدِ، فَكَرِهَ النّاسُ ذَلِكَ، وأحَبُّوا أنْ يَدَعَهُ عَلى هَيْئَتِهِ، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ?، يَقُولُ: «مَن بَنى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنى اللهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ مِثْلَهُ»،
(44) – وحَدَّثَناهُ إسْحاقُ بْنُ إبْراهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، حَدَّثَنا أبُو بَكْرٍ الحَنَفِيُّ، وعَبْدُ المَلِكِ بْنُ الصَّبّاحِ، كِلاهُما عَنْ عَبْدِ الحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، بِهَذا الإسْنادِ، غَيْرَ أنَّ فِي حَدِيثِهِما: «بَنى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ».
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله: (” [(5)]- (باب: فضل بناء المساجد) “).
يظهر علاقة الباب بكتاب “الزهد والرقائق”، من عدة وجوه:
1) يركز هذا الباب على حث المسلمين على الابتعاد عن الدنيا والانشغال بما ينفعهم في الآخرة؛ لأن الزهد الحقيقي يدعو العبد إلى تزكية النفس بالتقوى والعمل الصالح، بعيدًا عن المظاهر الدنيوية.
2) بناء المساجد كعمل لله تعالى، يظهر هذا الارتباط في أن بناء المساجد ليس مجرد عمل دنيوي مادي، بل هو وسيلة لطلب وجه الله وثوابه في الآخرة، والمسلم يضحي بماله وجهده لأجل ثواب دائم.
3) التضحية بالمال والجهد: الزهد في الدنيا يظهر في تضحية المسلم بماله ووقته لأجل بناء المساجد، وهو عمل يهدف إلى تحقيق الثواب الأبدي والابتعاد عن المكاسب الدنيوية الزائلة.
4) المساجد كمراكز للعبادة والزهد، المسجد كمكان للعبادة الجماعية، يعزز روح الزهد والابتعاد عن الدنيا، فهو نقطة تجمع الذين يحرصون على العمل لأجل الآخرة، وهو جزء أساسي من حياة المسلم الزاهد.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7439)] ((533)) – الحديث
وقد تقدم للمصنف في «كتاب المساجد ومواضع الصلاة» برقم [(4) / (1194)] ((533))
(عند قول الناس فيه)، أي: في عثمان رضي الله عنه، وقد وقع بيان ذلك في رواية محمود بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه، قال: لما أراد عثمان بناء المسجد، كره الناس ذلك، وأحبوا أن يدعوه على هيئته، أي: في عهد النبي ?.
وقال البغوي في «شرح السنة»: لعل الذي كره الصحابة من عثمان بناؤه بالحجارة المنقوشة، لا مجرد توسيعه. انتهى.
قال الحافظ: ولم يبن عثمان المسجد إنشاء، وإنما وسعه وشيده، فيؤخذ منه إطلاق البناء في حق من جدد كما يطلق في حق من أنشأ، أو المراد بالمسجد هنا بعض المسجد، من إطلاق الكل على البعض. انتهى.
وتعقبه العيني كعادته بما هو ظاهر التعسف، فتأمله بالإنصاف.
[تنبيه]: كان بناء عثمان رضي الله عنه للمسجد النبوي سنة ثلاثين على المشهور، وقيل: في آخر سنة من خلافته، ففي «كتاب السير» عن الحارث بن مسكين، عن ابن وهب، أخبرني مالك، أن كعب الأحبار كان يقول عند بنيان عثمان المسجد: لوددت أن هذا المسجد لا ينجز، فإنه إذا فرغ من بنيانه، قتل عثمان، قال مالك: فكان كذلك.
قال الحافظ رحمه الله: ويمكن الجمع بين القولين بأن الأول كان تاريخ ابتدائه، والثاني تاريخ انتهائه. انتهى [«الفتح» (1) / (649)].
(من بنى مسجدا لله تعالى) التنكير فيه للتعميم، فيدخل فيه الكبير والصغير، ووقع في رواية أنس رضي الله عنه عند الترمذي: «صغيرا أو كبيرا».
وزاد ابن أبي شيبة في حديث الباب من وجه آخر، عن عثمان رضي الله عنه: «ولو كمفحص قطاة»، وهذه الزيادة أيضا عند ابن حبان، والبزار، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، وعند أبي مسلم الكجي من حديث ابن عباس، وعند الطبراني في «الأوسط» من حديث أنس وابن عمر رضي الله عنهم، وعند أبي نعيم في «الحلية» من حديث أبي بكر الصديق، ورواه ابن خزيمة من حديث جابر بلفظ: «كمفحص قطاة، أو أصغر».
وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة؛ لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه؛ لتضع فيه بيضها، وترقد عليه لا يكفي مقداره للصلاة فيه، وتؤيده رواية جابر هذه.
وقيل: بل هو على ظاهره، والمعنى أن يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه، تكون تلك الزيادة هذا القدر، أو يشترك جماعة في بناء مسجد، فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر.
وهذا كله بناء على أن المراد بالمسجد ما يتبادر إلى الذهن، وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه.
فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود، وهو ما يسع الجبهة، فلا يحتاج إلى شيء مما ذكر،
لكن قوله: «بنى» يشعر بوجود بناء على الحقيقة، ويؤيده قوله في رواية أم حبيبة: «من بنى لله بيتا»، أخرجه سمويه في «فوائده» بإسناد حسن، وقوله في رواية عمر: «من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله»، أخرجه ابن ماجه، مشعر بأن المراد بالمسجد المكان المتخذ، لا موضع السجود فقط.
لكن لا يمتنع إرادة الآخر مجازا؛ إذ بناء كل شيء بحسبه، وقد شاهدنا كثيرا من المساجد في طرق المسافرين يحوطونها إلى جهة القبلة، وهي في غاية الصغر، وبعضها لا تكون أكثر من قدر موضع السجود.
وروى البيهقي في «الشعب» من حديث عائشة نحو حديث عثمان، وزاد: «قلت: وهذه المساجد التي في الطرق؟ قال: نعم»، وللطبراني نحوه من حديث أبي قرصافة، وإسنادهما حسن، قاله في «الفتح» [» الفتح «(1) / (649)]، وهو بحث نفيس، والله تعالى أعلم.
تنبيه: في صحيح الترغيب:
(269) ((2)) (صحيح) وعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله ?:
من بنى لله مسجدا قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة
رواه البزار واللفظ له والطبراني في الصغير وابن حبان في صحيحه.
——–
رجح الدارقطني الموقوف راجع العلل ((1135))، كذلك رجح الموقوف أبو زرعة وأبو حاتم كما في العلل ((261)) لكن المتن ثابت من حديث جابر وهو في الصحيح المسند وانظر الحديث التالي
(271) ((4)) (صحيح) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله ? قال من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة ومن بنى لله مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة
رواه ابن خزيمة في صحيحه وروى ابن ماجه منه ذكر المسجد فقط بإسناد صحيح
—–
الحديث في الصحيح المسند ((224))
قوله: «يبتغي به وجه الله» أي: يطلب به رضا الله، والمعنى بذلك الإخلاص،
[فائدة]: قال ابن الجوزي رحمه الله: من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدا من الإخلاص. انتهى.
قال في «الفتح»: ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص؛ لعدم الإخلاص، وإن كان يؤجر في الجملة.
وروى أصحاب «السنن» وابن خزيمة، والحاكم، من حديث عقبة بن عامر مرفوعا: «إن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة الجنة: صانعه المحتسب في صنعته، والرامي به، والممد به»، فقوله: «المحتسب في صنعته» أي: من يقصد بذلك إعانة المجاهد، وهو أعم من أن يكون متطوعا بذلك، أو بأجرة، لكن الإخلاص لا يحصل إلا من المتطوع.
وهل يحصل الثواب المذكور من جعل بقعة من الأرض مسجدا، بأن يكتفي بتحويطها من غير بناء،
وكذا من عمد إلى بناء كان يملكه فوقفه مسجدا، إن وقفنا مع ظاهر اللفظ فلا، وإن نظرنا إلى المعنى فنعم، وهو المتجه.
(بنى الله له بيتا في الجنة) قال في الفتح: إسناد البناء إلى الله مجاز، ومثله في “العمدة”.
قال الإتيوبي عفا الله عنه معقبا: الحق أنه لا مجاز هنا، بل هو كسائر الصفات التي تنسب إلى الله تعالى على الوجه اللائق به عزوجل، مثل نسبة الخلق، والرزق، والمنع، والعطاء، والقبض، والبسط، والرفع، والخفض، ونحو ذلك، فتبصر، ولا تكن أسير التقليد.
قال الاتيوبي مرجحا كلام ابن رجب في لفظة (مثله)
وبهذا المعنى وردت أحاديث كثيرة، فمن بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة، ولا يراد به المثلية في الكمية والكيفية، وإنما هو في مسمى البناء من جنس عمله. وهكذا ذكر ابن رجب رحمه الله.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وأما قوله: «مثله» فليس المراد أنه على قدره، ولا على صفته في بنيانه، ولكن المراد -والله أعلم- أنه يوسع بنيانه بحسب توسعته، ويحكم بنيانه بحسب إحكامه، لا من جهة الزخرفة، ويكمل انتفاعه بما يبنى له في الجنة بحسب كمال انتفاع الناس بما بناه لهم في الدنيا، ويشرف على سائر بنيان الجنة كما تشرف المساجد في الدنيا على سائر البنيان، وإن كان لا نسبة لما في الدنيا إلى ما في الآخرة، كما قال النبي ?: «والله ما في الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه -وأشار بالسبابة- في اليم، فلينظر بم ترجع»، رواه مسلم.
وقد دل على ما قلناه ما أخرجه أحمد من حديث أسماء بنت يزيد، عن النبي ? قال: «من بنى لله مسجدا في الدنيا، فإن الله عزوجل يبني له بيتا أوسع منه في الجنة». [حديث حسن، رواه أحمد في «المسند» (3) / (490)]. انتهى [«فتح الباري» لابن رجب رحمه الله (3) / (320) – (321)]. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
وحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه هذا متفق عليه.
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(7440)] ( … ) -الحديث
وقوله: (على هيئته) أي: حالته وصفته التي كان عليها في عهد النبي ?، والخليفتين رضي الله عنهما.
وقوله: («من بنى مسجدا لله) قال القرطبي رحمه الله: أي: مخلصا في بنائه لله تعالى، كما قال في الرواية الأخرى: «يبتغي به وجه الله».
وقوله: (بنى الله له في الجنة مثله») هذه المثلية ليست على ظاهرها، ولا من كل الوجوه، وإنما يعني أنه بنى له بثوابه بناء أشرف وأعظم وأرفع، …. ولكن هذا التضعيف هو بحسب ما يقترن بالفعل من الإخلاص والإتقان والإحسان، ولما فهم عثمان رضي الل عنه هذا المعنى تأنق في بناء المسجد، وحسنه، وأتقنه، وأخلص لله فيه؛ رجاء أن يبنى له في الجنة قصر متقن مشرف مرفع، وقد فعل الله تعالى له ذلك، وزيادة رضي الله عنه. انتهى كلام القرطبي رحمه الله.
فقه وفوائد الحديث:
1 – (منها): فضل بناء المساجد، الحديث يدل على أهمية وفضل كبير لبناء المساجد، حيث يكافئ الله من بنى مسجداً في الدنيا ببناء بيت له في الجنة.
2 – (ومنها): تعزز مفهوم التعلق بالآخرة، فبناء المساجد ليس مجرد عمل دنيوي، بل هو استثمار في الآخرة، حيث يبتغي المسلم وجه الله وثوابه الأبدي، ويضحي بماله وجهده في سبيل الله، مما يعكس روح الزهد في التعلق بالدنيا.
3 – (ومنها): أهمية الإخلاص، النية والإخلاص في العمل هي أساس قبول العمل، ويجب أن يكون الهدف من بناء المسجد هو وجه الله.
قال النووي رحمه الله:
فالإخلاص شرط لحصول الثواب في جميع الأعمال؛ فإن الأعمال بالنيات، وإنما لا مريء ما نوى، وبناء المساجد من جملة الأعمال، فإن كان الباعث على عمله ابتغاء وجه الله حصل له هذا الأجر، وإن كان الباعث عليه الرياء والسمعة أو المباهاة فصاحبه متعرض لمقت الله وعقابه، كسائر من عمل شيئا من إعمال البر يريد به الدنيا كمن صلى يرائي، أو حج يرائي، أو تصدق يرائي.
ولكن روى عن قتادة، أنه قال: كل بناء رياء فهو على صاحبه لا له، ألا من بنى المساجد رياء فهو لا عليه ولا له. خرجه ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح عنه.
وهذا فيه نظر، ولو كان النفع المتعدي يمنع من عقاب المرائي به لما عوقب العالم والمجاهد والمتصدق للرياء وهم أول من تسعر به النار يوم القيامة.
وأما من بنى المساجد من غير رياء ولا سمعة، ولم يستحضر فيه نية الإخلاص، فهل يثاب على ذلك، أم لا؟ فيه قولان للسلف.
وقد روى عن الحسن البصري وابن سيرين، أنه يثاب على إعمال البر والمعروف بغير نية، لما من النفع المتعدي. وقد سبق ذكر ذلك في أواخر ((كتاب الإيمان)). والله أعلم. [شرح النووي على مسلم 5/ 14]
في شرح السير الكبير للسرخسي:
(17) – وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: لَا أَجْرَ لَهُ فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: عُدْ لِرَسُولِ اللَّهِ لَعَلَّكَ لَمْ تُفْقِهْهُ، أَيْ لَمْ تُفْهِمْهُ. فَقَالَ: رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ يَبْتَغِي عَرَضَ الدُّنْيَا. فَقَالَ: لَا أَجْرَ لَهُ ثُمَّ أَعَادَ ثَالِثًا، فَقَالَ: لَا أَجْرَ لَهُ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَاسَ لِلسَّائِلِ أَنْ يُكَرِّرَ السُّؤَالَ، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُجِيبِ
أَنْ يَضْجَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ تَكْرَارَ السُّؤَالِ، وَالصَّحَابَةُ أَمَرُوهُ بِالْإِعَادَةِ مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُعَظِّمِينَ لَهُ، وَكَانُوا لَا يُمَكِّنُونَ أَحَدًا فِي تَرْكِ تَعْظِيمِهِ، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي إعَادَةِ السُّؤَالِ تَرْكُ التَّعْظِيمِ.
ثُمَّ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَرَى الْخَارِجُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْجِهَادَ وَمُرَادُهُ فِي الْحَقِيقَةِ إصَابَةُ الْمَالِ. فَهَذَا حَالُ الْمُنَافِقِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا لَا أَجْرَ لَهُ. أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى قَصْدِ الْجِهَادِ وَيَكُونُ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ تَحْصِيلَ الْمَالِ فِي الدُّنْيَا، لَا نَيْلَ الثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ. وَفِي حَالِ مِثْلِهِ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إلَى امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ». «وَقَالَ لِلَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْجِهَادِ بِدِينَارَيْنِ: إنَّمَا لَك دِينَارَاكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». فَأَمَّا إذَا كَانَ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْجِهَادَ وَهُوَ يَرْغَبُ فِي ذَلِكَ فِي الْغَنِيمَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ((19) ب): {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: (198)] يَعْنِي التِّجَارَةَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ. فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ لَا يَحْرُمُ ثَوَابُ الْحَجِّ فَهَاهُنَا لَا يَحْرُمُ ثَوَابُ الْجِهَادِ.
شرح السير الكبير (1) / (26) — شمس الأئمة السرخسي (ت (483))
4 – (ومنها): “فضل عثمان رضي الله عنه فإنه قد صح أن النبي ? أمره أن يوسع المسجد لما ضاق بأهله، وضمن له بيتا في الجنة [حديث صحيح، أخرجه الترمذي ((3636))، والنسائي ((3608))]، فلهذا -والله أعلم- أدخل رضي الله عنه هدم المسجد، وتجديد بنائه على وجه هو أتقن من البنيان الأول مع التوسعة فيه في قوله: «من بنى مسجدا لله بنى الله له مثله في الجنة»، فرضي الله عنه، وعن الصحابة أجمعين.
5 – (ومنها): أن فيه بشرى لباني المسجد لله تعالى بدخوله الجنة؛ إذ المقصود بالبناء له أن يسكنه، وهو لا يسكنه إلا بعد الدخول”. [البحر المحيط الثجاج].
6 – (ومنها): المساهمة في الخير، حتى الأعمال الصغيرة، مثل المشاركة في بناء مسجد أو تقديم ما يمكن، لها جزاء عظيم.
فحتى من ساهم بشيء صغير في بناء المسجد، كمن يساهم بقدر “كمفحص قطاة”، يُثاب عليه.
7 – (ومنها): إطلاق البناء على التوسعة والتجديد، البناء لا يقتصر على إنشاء المسجد فقط، بل يشمل أيضًا توسيعه وتجديده، كما فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
8 – (ومنها): بناء المساجد هو سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الصالح، وهو دليل على الاقتداء بهم واتباع سنتهم.
9 – (ومنها): بناء المسجد يعد صدقة جارية، أي: عمل صالح يستمر ثوابه حتى بعد وفاة صاحبه.
10 – (ومنها): بناء المساجد يعزز الإيمان بالله والالتزام بتعاليمه، ويشجع على فعل الخير.
11 – (ومنها): المساجد هي قلب المجتمع المسلم، حيث تجمع الناس للصلاة والتعلم والتواصل، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك ومترابط.
12 – (ومنها): تأصيل العمل الجماعي، المشاركة في بناء المساجد تُعدّ من الأعمال التي يشترك فيها الناس، مما يعزز روح التعاون على البر والتقوى.
[تنبيه]:
سبق التعليق على كتاب تحفة الأحوذي على: [(122) – (باب ما جاء في فضل بنيان المسجد) في أبواب الصلاة.
وأيضًا في صحيح الترغيب والترهيب (1) / (227)، (5) – كتاب: الصلاة، الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها.
ثانيًا: مسائل وأحكام:
أولاً: ما يتعلق بمسائل الباب:
(المسألة الأولى):
قال ابن الملقن (ت (804)) رحمه الله تعالى:
“المساجد بيوت الله وقد أضافها إلى نفسه بقوله: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر} وحسبك بهذا شرفا لها، وقال تعالى: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه} الآية، فهي أفضل بيوت الدنيا وخير بقاع الأرض، وقد تفضل الله تعالى على بانيها بأن بنى له قصرا في الجنة، وأجر المسجد جار لمن بناه في حياته وبعد مماته، ما دام يذكر الله فيه، ويصلى فيه، وهذا مما جاءت المجازاة فيه من جنس الفعل. [التوضيح لشرح الجامع الصحيح، (5/ 546 – 547)].
قال البغوي رحمه الله: قَالَ تَعَالَى: {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} وَ”عَسَى” مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، أَيْ: فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ، وَالْمُهْتَدُونَ هُمُ الْمُتَمَسِّكُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ. [تفسير البغوي – طيبة 4/ 20]
(المسألة الثانية): أحاديث وردت في الترغيب في بناء المساجد
“في هذا الحديث بيان فضل بناء المسجد ابتغاء وجه الله تعالى.
وقد وردت أحاديث في الترغيب في بناء المساجد، أورد الحافظ المنذري رحمه الله تعالى منها في الترغيب والترهيب أحاديث:
منها: حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وسبق
ومنها: حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «من بنى لله مسجدا، قدر مفحص قطاة، بنى الله له بيتا في الجنة».
رواه البزار، واللفظ له في الصغير، وابن حبان في صحيحه.
ومفحص القطاة -بفتح الميم، والحاء المهملة، بينهما فاء ساكنة-: موضع تحفره القطاة لتبيض فيه.
ومنها: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله ? يقول: «من بنى لله مسجدا يذكر فيه، بنى الله له بيتا في الجنة». رواه ابن ماجه، وابن حبان في صحيحه.
ومنها: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله ?، قال: «من حفر بئر ماء، لم يشرب منه كبد حرى، من جن، ولا إنس، ولا طائر، إلا آجره الله يوم القيامة، ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة، أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة». رواه ابن خزيمة في صحيحه، وروى ابن ماجه منه ذكر المسجد فقط بإسناد صحيح. ورواه أحمد، والبزار عن ابن عباس، عن النبي ?، إلا أنهما قالا: «كمفحص قطاة لبيضها».
وقوله: حرى: فعلى، من الحر: أي عطشى.
ومنها: حديث أنس رضي الله عنه، أن رسول الله ? قال: «من بنى لله مسجدا صغيرا أو كبيرا، بنى الله له بيتا في الجنة» رواه الترمذي، حديث حسن.
ومنها: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله ?: «من بنى لله مسجدا، بنى الله له بيتا في الجنة أوسع منه». رواه أحمد بإسناد لين، وهو حديث حسن.
ومنها: ما روي عن بشر بن حيان، قال: «جاء واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، ونحن نبني مسجدا، قال: فوقف علينا، فسلم، ثم قال: سمعت رسول الله ?، يقول: «من بنى مسجدا يصلى فيه، بنى الله له في الجنة أفضل منه» رواه أحمد والطبراني. حديث حسن.
ومنها: ما روي عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي ?، قال: من بنى مسجدا، لا يريد رياء، ولا سمعة، بنى الله له بيتا في الجنة». رواه الطبراني في الأوسط. حديث حسن.
ومنها: ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ?: «إن مما يلحق المؤمن من عمله، وحسناته بعد موته، علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله، في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته». رواه ابن ماجه، واللفظ له، وابن خزيمة في صحيحه، والبيهقي، وإسناد ابن ماجه حسن. والله أعلم. انظر صحيح الترغيب والترهيب للشيخ الألباني حفظه الله تعالى. ص (109) – (111).
وذكر العلامة العيني رحمه الله في «عمدة القاري» جـ (4) ص (212): أن حديث الباب روي عن ثلاثة وعشرين صحابيا، فأورد أحاديثهم، وأكثرها ضعاف، فلا حاجة لذكرها ها هنا؛ لأن الصحاح كافية وافية. وبالله التوفيق”. نقل هذه الأحاديث الإتيوبي رحمه الله في [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، (8/ 431 – 434)].
قال عبد الحق الإشبيلي رحمه الله في باب في المساجد
مسلم، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أَحَبُّ البلاد إلى الله مساجدُها،وأبغضُ البلادِ إلى الله أسواقُها”.
وعن أنس، …. ثم إِنهُ أمر بالمسجدِ فأرسل إلى ملإِ بني النجار، فجاؤا، فقال: “يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا” قالوا: لا والله! ما نطلب ثمنَهُ إلا إلى الله عز وجل قال أنس: فكان فيه ما أقولُ: كان فيه نخلٌ وقبورُ المشركين وخِرَبٌ، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالنخلِ فَقُطِعَ، وبقُبورِ الشركينَ فنُبِشَتْ، وبالخِرَبِ فَسُويَتْ. قال: فصفوا النخل، وجعلوا عِضَادَتَيْهِ حجارةً، قال: فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهما وهم يقولون:
اللهم لا خير إلا خير الآخرهْ … فانصر الأنصار والمهاجرهْ)).”. [الأحكام الصغرى 1/ 180، بتصرف يسير وحذف].
في صحيح مسلم: عن عطاء، قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، وكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد أن يجرئهم أو يحزبهم على أهل الشام، فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس، أشيروا علي في الكعبة، أنقضها ثم أبني بناءها أو أصلح ما وهى منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها، أرى أن تصلح ما وهى منها، وتدع بيتا أسلم الناس عليه وأحجارا أسلم الناس عليها، وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم.
*فقال ابن الزبير: لو كان أحدهم احترق بيته ما رضي حتى يجدده، فكيف بيت ربكم، عز وجل*
; إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري. فلما مضت ثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها. فتحاماها الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء، حتى صعده رجل، فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا، فنقضوه حتى بلغوا به الأرض. فجعل ابن الزبير أعمدة يستر عليها الستور، حتى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة، رضي الله عنها، تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ….. الى اخره
كتاب تفسير ابن كثير
من ضمن تفسير آيه رقم 127 سوره البقره
(المسألة الثالثة): بناء المساجد على وجهين:
واجب، ومندوب إليه:
فيجب في كل بلد أو قرية لا مسجد فيها؛ ليجتمع الناس إليه للصلاة، ولا يجوز أن يتمالأ على ترك الجماعة؛ لأن في ذلك تضييعًا للصلوات، وإن كان يجب على مثلهم الجمعة فذلك أَبْيَنُ.
وإن كان البلد واسعًا وشق على من بَعُدَ مِنَ الجامع الوصول إليه – كان بناء المسجد في تلك المحلة مندوبًا إليه؛ لأن إقامة الجماعة ليست على الأعيان، وذلك سنة أو فرض على الكفاية، وذلك يسقط بناء الجامع. [” باب في بناء المساجد وصفة بنائها، وتعظيم حرمتها، وما يجب أن تنزه عنه”، التبصرة للخمي 1/ 408].
تنبيه: يرى بعض أهل أن الجماعة واجبه على الأعيان وراجع كلام لابن القيم في هذه المسألة
(المسألة الرابعة): ما يلزم توافره في بناء المسجد:
1) فضل من بنى لله مسجدا، وأن الله تعالى يبني له مثله في الجنة، بشرطين:
الأول: أن يكون مؤمنا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الثاني: أن يبتغي بذلك وجه الله عزوجل.
يجب أن يكون الهدف من بناء المسجد هو التقرب إلى الله تعالى.
فإذا لم يكن الباني مؤمنا، أو بنى رياء وسمعة، فلا ثواب له في الآخرة، وإنما يأخذ جزاءه في الدنيا. [توفيق الرب المنعم (8/ 414 – 415)، بتصرف].
2) الموقع المناسب: اختيار موقع مناسب للمسجد، يكون قريبًا من الناس وسهل الوصول إليه.
3) الالتزام بالضوابط الشرعية: يجب أن يتم بناء المسجد وفق الضوابط الشرعية المتعلقة بالقبلة والاتجاهات وغيرها.
وسيأتي ذكر ما يتعلق بهذا في محله بإذن الله تعالى.
(المسألة الخامسة): عمارة المسجد نوعان:
الأول: عمارة حسية، وذلك بالبناء.
الثاني: عمارة معنوية، وذلك بالعمل الصالح. [توفيق الرب المنعم (8/ 415)].
(المسألة السادسة): العلاقة بين بناء المساجد وبناء المجتمع:
هناك علاقة وثيقة بين بناء المساجد وبناء المجتمع المسلم، حيث أن المساجد تلعب دورًا حاسمًا في:
1) التعليم والتوعية: المساجد هي مراكز للتعليم الديني، حيث يتعلم الناس قيم الإسلام وأخلاقياته.
2) التواصل الاجتماعي: المساجد هي مكان للتواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، مما يعزز الروابط الاجتماعية.
3) الحلول للمشكلات الاجتماعية.
4) دعم الضعفاء.
(المسألة السابعة): علاقة الباب بكتاب الزهد والرقائق:
قد يبدو للوهلة الأولى أن موضوع بناء المساجد لا يتعلق مباشرة بالزهد والرقائق، ولكن هناك صلة وثيقة بينهما.
فبناء المسجد هو عمل زاهد، حيث يترك الإنسان بعضًا من ماله ووقته لخدمة الدين والناس، وهو أيضًا دليل على الرقائق، أي: اللطف والرحمة بالناس، حيث يوفر المسجد مكانًا للعبادة والتجمع.
باختصار، يمكن القول إن بناء المسجد هو تعبير عملي عن الزهد والرقائق، حيث يجمع بين التنازل عن المصلحة الشخصية والسعي لخدمة المجتمع.
و [انظر]: “مطلب: في فضل بناء المساجد”، من كتاب غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب للسفاريني (ت (1188)) رحمه الله (2/ 305 – 308).
ثانيًا: ما يتعلق بمال وبناء المساجد من المسائل:
(المسألة الأولى): التعريف المساجد:
المسجد في اللغة: بيت الصلاة، وموضع السجود من بدن الإنسان والجمع مساجد [المصباح المنير].
وفي الاصطلاح: عرف بتعريفات كثيرة منها: أنها البيوت المبنية للصلاة فيها لله فهي خالصة له سبحانه ولعبادته [الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (2) / (78) ط].
وكل موضع يمكن أن يعبد الله فيه ويسجد له؛ لقوله ?: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا [أخرجه البخاري (فتح الباري (1) / (533)) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما].
وخصصه العرف بالمكان المهيأ للصلوات الخمس، ليخرج المصلى المجتمع فيه للأعياد ونحوها، فلا يعطى حكمه، وكذلك الربط والمدارس فإنها هيئت لغير ذلك [إعلام الساجد بأحكام المساجد للزركشي (8) ط].
الألفاظ ذات الصلة:
أ – الجامع:
(2) – من معاني الجامع في اللغة: أنه المسجد الذي تصلى فيه الجمعة، وسمي بذلك لأنه جمع الناس لوقت معلوم. .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن هذا المعنى.
والصلة بينهما هي أن الجامع أخص من المسجد.
ب – المصلى:
(3) – المصلى في اللغة بصيغة اسم المفعول: موضع الصلاة أو الدعاء.
ويراد به في الاصطلاح الفضاء والصحراء، وهو المجتمع فيه للأعياد ونحوها.
والصلة بين المسجد والمصلى أن المصلى أخص من المسجد.
ج – الزاوية:
(4) – الزاوية في اللغة: واحدة الزوايا، وزاوية البيت اسم فاعل من ذلك لأنها جمعت قطرين منه ويطلق على المسجد غير الجامع ليس فيه منبر.
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي لهذا اللفظ عن معناه اللغوي.
والصلة بينهما أن المسجد أعم.
(المسألة الثانية): بناء المساجد وعمارتها ووظائفها:
– يجب بناء المساجد في الأمصار والقرى والمحال – جمع محلة – ونحوها حسب الحاجة وهو من فروض الكفاية [كشاف القناع (2) / (364)].
والمساجد هي أحب البقاع إلى الله تعالى في الأرض وهي بيوته التي يوحد فيها ويعبد، يقول سبحانه: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه}، قال ابن كثير: أي أمر الله تعالى بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها، كما قال ابن عباس: نهى الله سبحانه عن اللغو فيها، وقال قتادة: هي هذه المساجد أمر الله سبحانه وتعالى ببنائها وعمارتها ورفعها وتطهيرها، وقد ذكر لنا أن كعبا كان يقول: مكتوب في التوراة: أن بيوتي في الأرض المساجد وأنه من توضأ فأحسن وضوءه ثم زارني في بيتي أكرمته، وحق على المزور كرامة الزائر [تفسير ابن كثير (3) / (292) ط].
وقد وردت أحاديث كثيرة في بناء المساجد واحترامها وتوقيرها وتطييبها وتبخيرها. [ومن ذلك أحاديث الباب].
وقد بنيت المساجد لذكر الله وللصلاة فيها كما قال النبي ? للأعرابي الذي بال في طائفة المسجد: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عزوجل والصلاة وقراءة القرآن [والحديث أخرجه مسلم ((1) / (237))]، فهي بيوت الله في أرضه ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه [تفسير ابن كثير (3) / (294)].
(المسألة الثالثة): البناء للسكن فوق المسجد وتحته وبناؤه على القبر والدفن فيه:
– أجاز المالكية اتخاذ منزل للسكن فيه تحت المسجد ولم يجيزوا اتخاذه فوقه. [جواهر الإكليل (2) / (203)، والشرح الكبير (4) / (70)].
ولم يجيزوا الدفن فيه؛ لأنه يؤدي لنبشه إلا لمصلحة تعود على الميت. [حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (4) / (70)].
وقال الحنابلة – كما نقل ابن مفلح عن المستوعب – إن جعل أسفل بيته مسجدا لم ينتفع بسطحه، وإن جعل سطحه مسجدا انتفع بأسفله، نص عليه، وقال أحمد: لأن السطح لا يحتاج إلى أسفل. [الآداب الشرعية (3) / (419)].
وحرموا الدفن بالمساجد، وكذا بناء المساجد على القبر؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: لعن رسول الله ? زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. [حديث: «لعن رسول الله ? زائرات. . .». أخرجه الترمذي ((2) / (136)) وقال: حديث حسن].
ويقول الحنفية: إذا جعل السفل مسجدا وعلى ظهره مسكن فهو مسجد؛ لأن المسجد مما يتأبد، وذلك يتحقق في السفل دون العلو، وعن محمد على عكس هذا؛ لأن المسجد معظم، وإذا كان فوقه مسكن أو مستغل يتعذر تعظيمه، وعن أبي يوسف أنه جوز في الوجهين حين قدم بغداد ورأى ضيق المنازل فكأنه اعتبر الضرورة، وعن محمد أنه حين دخل الري أجاز ذلك كله.
وروي عن أبي حنيفة أنه إذا جعل السفل مسجدا دون العلو جاز؛ لأنه يتأبد بخلاف العلو [فتح القدير (5) / (63)، وحاشية ابن عابدين (3) / (370)].
قال ابن عابدين: لو جعل تحته سردابا لمصالحه جاز [ابن عابدين والدر (1) / (441)].
وكره الشافعية بناء مسجد على القبر [الزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي (1) / (165)]، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ?: اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. [حديث: «اللهم لا تجعل قبري وثنا، لعن الله قوما. . .». أخرجه أحمد في المسند ((2) / (246))، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند ((13) / (86))]، قال الشافعي رحمه الله: وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس. [المهذب في فقه الإمام الشافعي (1) / (146) – (147)]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ? لعن زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج.
ونقل الزركشي عن مالك أنه كره أن يبني مسجدا، ويتخذ فوقه مسكنا يسكن فيه بأهله، قال الزركشي: وفي فتاوى البغوي ما يقتضي منع مكث الجنب فيه؛ لأنه جعل ذلك هواء المسجد وهواء المسجد حكمه حكم المسجد. [إعلام الساجد في أحكام المساجد، ص (407)].
(المسألة الرابعة): بناء المسجد بمتنجس
– نقل الزركشي عن القاضي أبي الطيب الطبري قوله: لا يجوز بناء المسجد باللبن المعجون بالماء النجس بناء على نجاسته، ويطهر بالغسل ظاهره دون باطنه على الجديد الأصح. [إعلام الساجد بأحكام المساجد ص (403)].
(المسألة الخامسة): ترميم المساجد
1) للترميم في اللغة معان، منها: الإصلاح، يقال: رممت الحائط وغيره ترميما: أصلحته [مختار الصحاح، والمصباح المنير]. ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
والترميم قد يكون بقصد التقوية إذا كان الشيء معرضا للتلف، وقد يكون بقصد التحسين.
2) ترميم المساجد لا يخرج في معناه أو الغرض منه عما سبق.
(المسألة السادسة): تزويق المساجد
– ذهب الحنفية إلى أنه لا بأس بنقش المسجد خلا محرابه فإنه يكره؛ لأنه يلهي المصلي، وكرهوا التكلف بدقائق النقوش ونحوها خصوصا في جدار القبلة.
وقيل: يكره في المحراب دون السقف، وظاهره أن المراد بالمحراب جدار القبلة.
وليس بمستحسن كتابة القرآن على المحاريب. [رد المحتار على الدر المختار (1) / (442) – (443)، والفتاوى الهندية (1) / (109)، (461)، (5) / (319)، (322)].
وكره المالكية تزويق حيطان المسجد وسقفه وخشبه والساتر بالذهب والفضة إذا كان بحيث يشغل المصلي وإلا فلا، كما يكره كذلك عندهم تزويق القبلة بالذهب وغيره، وكذلك الكتابة فيها، وأما إتقان المسجد بالبناء والتجصيص فمندوب [الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه (1) / (65)، (255)، وجواهر الإكليل (1) / (55)].
وعند الشافعية: قال الزركشي: يكره نقش المسجد، ولا شك أنه لا يجوز صرف غلة ما وقف على عمارته في ذلك، وعبارة القاضي الحسين: لا يجوز صرفها إلى التجصيص والتزويق، وقد روي أن ابن مسعود رضي الله عنه مر بمسجد مزخرف، فقال: لعن الله من زخرفه، أو قال: لعن الله من فعل هذا، المساكين أحوج من الأساطين.
وما يفعله جهلة النظار من ذلك سفه مضمن أموالهم.
وقال البغوي في شرح السنة: لا يجوز تنقيش المسجد بما لا إحكام فيه، وقال في الفتاوى فإن كان في إحكام فلا بأس، فإن عثمان رضي الله عنه بنى المسجد بالقصة – الجص والجير – والحجارة المنقوشة. [انظر عمدة القاري في باب بنيان المساجد (4) / (204)]،
قال ابن هبيرة:
* وأما قوله: (بالحجارة المنقوشة) فإن من البناء ما يضطر الصانع فيه إلى أن يؤلف بين صغار الحجارة وكبارها، فإذا تألفت بين صغار الحجارة وكبارها، فإذا تألفت على نسق واحد أشبه ذلك النقش؛ ولعل هذا من ذاك، وإلا فعثمان رضي الله عنه لم يكن ليفعل من زخرفة المساجد المكروهة ما قد نهي عنه لا سيما ما يلي المصلي.
[الإفصاح عن معاني الصحاح 4/ 230]
قال ابن بطال:
قال المؤلف: جاءت الآثار عن الرسول، وعن السلف الصالح بكراهية تشييد المساجد وتزيينها، وروى حبيب بن الشهيد، عن الحسن قال: (لما بنى المسجد قالوا: يا رسول الله، كيف نبنيه؟ قال: (ليس رغبة عن أخى موسى، عريش كعريش موسى)، وروى سفيان عن أبى فزارة، عن يزيد بن الأصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أمرت بتشييد المساجد). وقال أبى: إذا زوقتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم. وقال ابن عباس: أمرنا أن نبنى المساجد حما والمدائن شرفًا. وقال مجاهد: نهينا أن نصلى فى مسجد مشرف. وهذه الآثار مع ما ذكر البخارى فى هذا الباب تدل أن السنة فى بنيان المساجد: القصد، وترك الغلو فى تشييدها خشية الفتنة والمباهاة ببنائها؛ ألا ترى أن عمر قال للذى أمره ببناء المسجد: (أَكِنَّ الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس)، ويمكن أن يفهم هذا عمر من رد الرسول الخميصة إلى أبى جهم حين نظر إلى أعلامها فى الصلاة، وقال: (أخاف أن تفتننى). وكان عمر قد فتح الله الدنيا فى أيامه ومكنه من المال، فلم يغير المسجد عن بنيانه الذى كان عليه فى عهد النبى، ثم جاء الأمر إلى عثمان، والمال فى زمانه أكثر، فلم يزد أن جعل فى مكان اللبن حجارة وقصَّة، وسقفه بالساج مكان الجريد، فلم يُقصر هو وعمر عن البلوغ فى تشييده إلى أبلغ الغايات إلا عن علم منهما عن الرسول بكراهة ذلك، وليقتدى بهما فى الأخذ من الدنيا بالقصد والكفاية، والزهد فى معالى أمورها وإيثار البلغة منها. روى برد أبو العلاء، عن القاسم بن عبد الرحمن قال: (جمعت الأنصار مالاً، فقالوا: يا رسول الله، ابن بهذا المسجد فقال: (إذًا يعجب ذلك المنافقين)، فدل هذا الحديث أن المؤمنين لا ينبغى أن يعجبهم ذلك.
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 2/ 96]
قال البغوي: ومن زوق مسجدا، أي: تبرعا لا يعد من المناكير التي يبالغ فيها كسائر المنكرات؛ لأنه يفعله تعظيما لشعائر الإسلام، وقد سامح فيه بعض العلماء، وأباحه بعضهم، ثم قال في موضع آخر: لا يجوز نقش المسجد من غلة الوقف ويغرم القيمة إن فعله، فلو فعله رجل بماله كره، ولأنه يشغل قلب المصلين.
وأطلق غيره عدم الجواز؛ لأنه بدعة منهي عنه، ولأن فيه تشبها بالكفار، فقد ورد مرفوعا “ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم. [حديث: «ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم». أخرجه ابن ماجه ((1) / (245))، وضعفه البوصيري في «مصباح الزجاجة» ((1) / (160))].
، وقيل: يصح لما فيه من تعظيم المسجد وإعزاز الدين.
ويكره زخرفتها، قال ابن عباس: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى. [انظر عمدة القاري (4) / (204)]، وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي ? قال: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد. [أخرجه أبو داود ((1) / (311)) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه].
وورد أن عمر رضي الله عنه أمر ببناء مسجد، وقال: «أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس». [أخرجه البخاري (فتح الباري (1) / (539)) معلقا]، وقال أبو الدرداء: إذا حليتم مصاحفكم، وزخرفتم مساجدكم فالدبار – الهلاك – عليكم، وقال علي رضي الله عنه: إن القوم إذا رفعوا مساجدهم فسدت أعمالهم.
ويكره أن يكتب في قبلة المسجد آية من القرآن أو شيئا منه قاله مالك،
وجوزه بعض العلماء وقال: لا بأس به؛ لقوله تعالى: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر} الآية، ولما روي من فعل عثمان ذلك بمسجد رسول الله ?، ولم ينكر ذلك.
وقال الزركشي: وفي تحلية المساجد بالذهب والفضة وتعليق قناديلها وجهان، أصحهما: التحريم فإنه لم ينقل عن السلف،
والثاني: الجواز كما يجوز ستر الكعبة بالديباج، ويحل الحرير لإلباس الكعبة، وأما باقي المساجد فقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: لا بأس بستر المسجد بالثياب من غير الحرير، وأما الحرير فيحتمل أن يلحق بالتزيين بقناديل الذهب والفضة، ويحتمل أن يكون قولا واحدا؛ لأن أمره أهون، ولم تزل الكعبة تستر بالحرير فلا يبعد إلحاق غيرها بها. قلت: وفي فتاوى الغزالي: لا فرق في الإباحة بين الكعبة وغيرها؛ لأن الحرير إنما حرم على الرجال لا على النساء فكيف الجمادات والمساجد، ثم رأيت في فتاوى قاضي القضاة أبي بكر الشامي أنه لا يجوز أن يعلق على حيطان المسجد ستورا من حرير ولا من غيره، ولا يصح وقفها عليه وهي باقية على ملك الواقف.
ويستحب فرش المساجد وتعليق القناديل والمصابيح. [إعلام الساجد بأحكام المساجد ص (340)]، ويقال: أول من فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب في صلاة التراويح، ولما رأى علي رضي الله عنها اجتماع الناس في المسجد على الصلاة والقناديل تزهر وكتاب الله يتلى: قال: نورت مساجدنا، نور الله قبرك يا بن الخطاب، وروي عن ميمونة مولاة النبي ?، قلت: يا رسول الله، أفتنا في بيت المقدس، قال: أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: فتهدي له زيتا يسرج فيه، فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه [حديث: «أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه. . .». أخرجه ابن ماجه ((1) / (451))، وصححه البوصيري في «مصباح الزجاجة» ((1) / (250) – (251))].
ويقرب من ذلك مذهب الحنابلة فقد قالوا: تحرم زخرفة المسجد بذهب أو فضة، وتجب إزالته إن تحصل منه شيء بالعرض على النار، وأول من ذهب الكعبة في الإسلام وزخرفها وزخرف المساجد الوليد بن عبد الملك.
ويكره أن يزخرف المسجد بنقش وصبغ وكتابة وغير ذلك، مما يلهي المصلي عن صلاته غالبا، وإن فعل ذلك من مال الوقف حرم فعله، ووجب ضمان مال الوقف الذي صرفه فيه؛ لأنه لا مصلحة فيه، وإن كان من ماله لم يرجع به على جهة الوقف، وفي الغنية: لا بأس بتجصيصه، أي يباح تجصيص حيطانه أي تبييضها، وصححه القاضي سعد الدين الحارثي، ولم يره أحمد، وقال: هو من زينة الدنيا، قال في الشرح: ويكره تجصيص المساجد وزخرفتها، فعليه يحرم من مال الوقف، ويجب الضمان لا على الأول.
ويصان عن تعليق مصحف وغيره في قبلته دون وضعه بالأرض، قال أحمد: يكره أن يعلق في القبلة شيء يحول بينه وبين القبلة، ولم يكره أن يوضع في المسجد المصحف أو نحوه [كشاف القناع (2) / (366)].
وهذه فتاوى حول مسائل تتعلق ببناء المساجد:
وفي فتاوى اللجنة الدائمة وسئلوا عن تدريس وعمل زخرفة المساجد:
ج: هذا العمل غير مشروع؛ للأحاديث الصحيحة في النهي عن زخرفة المساجد، ولأن في ذلك إشغالا للمصلين عن صلاتهم بالنظر والتفكر في تلك الزخارف والنقوش.
وفي فتوى لهم أخرى في بناء المساجد
ج: الأصل أن حقوق الناس الخاصة بهم لا يجوز لأحد أن يحدث فيها بناء أو غيره، أو ينتفع بها بغير إذنه، وعليكم البحث عن بديل غير هذه الأرض، كما أن إحداث بناء مصلى خارج حدود المسجد من دون أن يرى المصلون فيه الإمام – لا يجوز
ومن فتاوى اللجنة الدائمة في أحكام المساجد:
حدود المسجد الذي أعد ليصلي فيه المسلمون الصلوات الخمس جماعة هى ما أحاط به من بناء أو أخشاب أو جريد أو قصب أو نحو ذلك، وهذا هو الذي يعطى حكم المسجد من منع الحائض والنفساء والجنب ونحوهم من المكوث فيه، ويجوز لمن جاء إلى المسجد وقد ضاق بالمصلين أن يصلي خارج المسجد الجمعة وغيرها من الفرائض والنوافل في أقرب مكان إلى المسجد من الطريق المجاور له مادام يضبط صلاته بصلاة إمامه للحاجة إلى ذلك بشرط ألا يكون أمام الإمام، لكن لايكون لها حكم المسجد. والله أعلم.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: “لا مانع من هدم المسجد القديم وتعميره على الطراز الحديث؛ لما في ذلك من المصلحة العامة لأهل القرية وغيرهم، وأما الذين بنوا الأول فأجرهم كامل ولا ينقطع بتجديده” انتهى.
السؤال الثاني من الفتوى رقم (6397)
س: هدم المسجد وإعادة بنائه، أو نقله إلى مكان قريب؟
جـ: الأصل جواز ذلك، إذا كان لأسباب شرعية ومصلحة إسلامية راجحة.
فتوى:
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لامانع من هدم المسجد القديم في قرية صدى وتعميره على الطراز الحديث؛ لما في ذلك من المصلحة العامة لأهل القرية وغيرهم، وأما الذين بنوا الأول فأجرهم كامل ولا ينقطع بتجديده. ونسأل الله أن يغفر للموتى ويوفق الأحياء لفعل الخيرات وأن يهدي الجميع لما يحب ويرضى.
فتوى:
لا يجوز هدم مسجد قائم ولو كان قديما لمجرد أن يبنى مكانه مكتبة عامة، بل لا يجوز بناء مكتبة عامة مكانه لو كان منهدما، وإنما الواجب ترميمه إن كان قديما، وبناء مسجد مكانه إن كان منهدما، ولو ببيع بعضه لإصلاح باقيه، وهذا لأن الأصل في الوقف ألا يباع ولا يوهب ولا يورث؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب لما رغب في أن يتصدق بماله في خيبر «تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره ((1))» فكان هذا بيانا عاما في كل وقف، واستثنى العلماء من ذلك ما إذا تعطلت
منافعه، أو كان نقله إلى مكان آخر أرغب فيه وأكثر انتفاعا به، وأصلح له، فيجوز بيعه أو إبداله بمكان آخر لذلك، إبقاء للمنفعة، أو تكثيرا لها، وقد روي أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- لما بلغه أنه قد نقب بيت المال الذي بالكوفة انقل المسجد الذي بالتمارين واجعل بيت المال في قبلة المسجد، فإنه لن يزال في المسجد مصلي، وكان هذا بمشهد من الصحابة، ولم يظهر خلافه، فكان إجماعا، ولأن في ذلك إبقاء للوقف بمعناه عند تعذر إبقائه بصورته، على أن يكون البيع أو الإبدال في حال الجواز السابقة على يد الحاكم الشرعي أو نائبه احتياطا للوقف، ومحافظة عليه من التلاعب فيه. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
السؤال الثاني عشر من الفتوى رقم (2922)
س: هل يجوز شراء محلات الخمر والرقص واستعمالها مساجد ومعابد؟
جـ: نعم يجوز شراؤها واتخاذها مساجد؛ لأن في ذلك استعمالها فيما هو خير مما كانت متخذة له ومستعملة فيه، والخبث ليس وصفا لازما لهذه الأماكن لذاتها، وإنما عرض لها من أجل ما اتخذت له، فإذا استعملت في الخير واتخذت له ذهب خبثها وصارت مواضع خير.
س2: تم شراء مبنى وحُوِّل إلى مسجد ثم ضاق بالمسلمين فتحولوا عنه، أوخلا البلد من المسلمين فهل يجوز بيعه؟ إذا جاز ذلك فبماذا تصرف الأموال المتحصلة من ذلك؟
ج: يجوز بيعه ويصرف ثمنه في تعمير مسجد أوسع منه، فإن لم يكن هناك حاجة صرف الثمن في تعمير مسجد آخر ولو في مدينة أخرى محتاجة أو قرية أخرى محتاجة إلى ذلك.
س2: تم شراء مبنى وحُوِّل إلى مسجد ثم ضاق بالمسلمين فتحولوا عنه، أوخلا البلد من المسلمين فهل يجوز بيعه؟ إذا جاز ذلك فبماذا تصرف الأموال المتحصلة من ذلك؟
ج: يجوز بيعه ويصرف ثمنه في تعمير مسجد أوسع منه، فإن لم يكن هناك حاجة صرف الثمن في تعمير مسجد آخر ولو في مدينة أخرى محتاجة أو قرية أخرى محتاجة إلى ذلك.
الفتوى رقم (13481)
س: إذا تبرع شخص بمبلغ من المال عنه وعن أهله في بناء مسجد مع جماعة فهل تعتبر صدقة جارية لكل شخص منهم؟
ج: بذل المال في بناء المسجد أو المشاركة في بنائه من الصدقة الجارية لمن بذلها أو نواها عنه إذا حسنت النية وكان هذا المال من كسب طيب.
ج: يجوز لك إنفاق المال المتبقي عندك من عمارة المسجد الذي أشرفت عليه في مسجد آخر إذا كان المسجد الأول ليس بحاجة إليه.
السؤال التاسع والعاشر من الفتوى رقم (7720)
س9: ما حكم الصلاة في المسجد الذي بني ابتغاء وجه الله تعالى، وقد خلط مال بنائه بمال ربا؟
س10: ما حكم الصلاة في المسجد الذي بني من التبرعات ومنها مال مسروق؟
ج: تجوز الصلاة في كل منهما وإثم كل من المرابي والسارق على نفسه.
ج: يجوز جعل الطابق الذي تحت المسجد حوانيت تؤجر لصالح المسجد من أجل سد حاجاته.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن يبقى المسجد القائم على وضعه كما هو، ولا يجوز أن يتعرض له بهدم أو غيره حتى يتم بناء مسجد بدلا منه في الأرض الحكومية المجاورة للمسجد المقترحة لبناء المسجد فيها لكبرها، وبقية أرض المسجد القائمة حاليا تكون بعد هدمه تابعة للمسجد الجديد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
وراجع تفاصيل المذاهب حول كثير من المسائل المتعلقة بالمساجد
[المسائل من “الموسوعة الفقهية الكويتية” (37/ 194 – 229)، وبتصرف يسير].