531 ‘ 532 – فتح الملك بنفحات المسك شرح صحيح البخاري.
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي وأحمد بن خالد وعمر الشبلي وعدنان البلوشي وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة.
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
8 – بَابُ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عزوجل.
531 – حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ?: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلَا يَتْفُلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى». وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: لَا يَتْفِلُ قُدَّامَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَقَالَ شُعْبَةُ: لَا يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ. وَقَالَ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ?: لَا يَبْزُقْ فِي الْقِبْلَةِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ.
532 – حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ? قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلَا يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ، وَإِذَا بَزَقَ فَلَا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ».
———————-
فوائد الباب:
1 – “إن قلت: ما وجه تعلق هذا الباب بكتاب مواقيت الصلاة؟ قلت: فيه بيان أوقات مناجاة الله تعالى”. قاله الكرماني في الكواكب الدراري.
2 – وإنما خرج البخاري هذه الأحاديث في هذا الباب ليبين بذلك فضل الصلاة، وأن المصلي مناج لربه في صلاته، وإذا كان المصلي مناجياً لربه وكان ربه قد أوجب عليه أن يناجيه كل يوم وليلة خمس مرات في خمس أوقات، واستدعاه لمناجاته بدخول الوقت والأذان فيه؛ فإن الأذان يشرع في أول الوقت، فأفضل المناجين له أسرعهم إجابة لداعيه، وقياما إلى مناجاته، ومبادرة إليها في أول الوقت.
ولهذا المعنى – والله أعلم – خرجه في “أبواب مواقيت الصلاة”. قاله ابن رجب في فتح الباري (4/ 232).
وهذا من أجود ما قرأت في توجيه تبويب البخاري -رحمهما الله تعالى-.
3 – “ويستدل لذلك بأن الله -تعالى- لما استدعى موسى -عليه السلام- لمناجاته وكلامه أسرع إليه، فقال له ربه: (وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 83، 84] فدل على أن المسارعة إلى مناجاة الله توجب رضاه.
وهذا دليل حسن على فضل الصلاة في أول أوقاتها، والله سبحانه وتعالى أعلم”. قاله الحافظ ابن رجب في الفتح.
4 – قال ابن عثيمين في التعليق على البخاري:
هذا الحديث يدل على أن الإنسان يناجي الله تعالى، والمناجاة هي تبادل الحديث لكن على وجه السر، والمناداة تبادله على وجه البعد.
(يناجي ربه) قد جاء في حديث أبي هريرة الثابت في الصحيح كيفية هذه المناجاة. وهو: (أنه إذا قال: الحمد لله رب العالمين. قال: حمدني عبدي … إلخ).
5 – قوله: (وقال سعيد: عن قتادة: لا يتفل قدامه أو بين يديه ولكن عن يساره أو تحت قدميه). وحين أورده الحافظ المزي في تحفة الأشراف أورده بلفظ: “ولا بين يديه”. ثم ذكر أن هذا التعليق قد ورد في بعض النسخ. انتهى وقد وصله الإمام أحمد في مسنده 13243 قال حدثنا محمد بن بكر، أخبرنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا كان أحدكم في صلاته فلا يتفل أمامه، ولا عن يمينه، فإنه يناجي ربه، وليتفل عن يساره، أو تحت قدمه”. انتهى فزاد: “فإنه يناجي ربه”.
ووصله أبو يعلى في مسنده 3169 من طريق عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا كان أحدكم في صلاته فلا يتفلن قدامه، ولا بين يديه، فإنه يناجي ربه ولكن، عن يساره أو تحت قدمه اليسرى». وأخرجه أبو يعلى أيضا 3190 وعلي بن الجعد في مسنده 934 من طريق خالد بن الحارث، وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه 1253 من طريق سعيد بن عامر كلاهما عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يتفل أحد منكم في صلاته أمامه، ولا عن يمينه فإنه يناجي ربه». ووصله الإمام أحمد في مسنده 12063 أيضا قال: “حدثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، وابن جعفر، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه مناج ربه، فلا يتفلن أحد منكم عن يمينه – قال ابن جعفر: – فلا يتفل أمامه، ولا عن يمينه، ولكن عن يساره، أو تحت قدميه”. تابعه عبد الوهاب عن سعيد به أخرجه الإمام أحمد في مسنده 13451.
6 – قوله: (وقال شعبة: لا يبزق بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه). وصله البخاري 413 قال: حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا قتادة قال: سمعت أنس بن مالك قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن المؤمن إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه. تابعه غندر حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا كان في الصلاة فإنه يناجي ربه فلا يبزقن بين يديه ولا عن يمينه، ولكن عن شماله تحت قدمه اليسرى. أخرجه البخاري 1214 ومسلم 551.
7 – قوله: (وقال حميد: عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يبزق في القبلة ولا عن يمينه، ولكن عن يساره أو تحت قدمه). وصله البخاري 405 من طريق إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه فقام فحكه بيده. فقال: إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدميه. ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا” انتهى تابعه زهير قال حدثنا حميد به أخرجه البخاري 417، وأخرجه أيضا عبد الرزاق في المصنف 1692 قال عن ابن التيمي قال: أخبرني حميد الطويل أنه: سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا صلى أحدكم فلا يبصق أمامه، ولا عن يمينه، ولكن عن يساره، فإن لم يفعل فليبصق في طرف ثوبه»، وقال: «هكذا»، وعطف ثوبه فدلكه فيه”، تابعه حفص، عن حميد به نحوه. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 7451 تابعه إسماعيل أي عن حميد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عقب الحديث 7451 كأنه يشير إلى أنه رواه بنحوه وعنده زيادة وهي: “ثم بزق في طرف ثوبه ثم رده عليه”. ووصله أيضا الإمام أحمد في مسنده 13066 والدارمي في سننه 1436 وابن الجارود في المنتقى 59 والبيهقي في السنن الكبرى 1216 من طريق يزيد بن هارون، أنبأنا حميد، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن العبد إذا صلى، فإنما يناجي ربه – أو ربه بينه وبين القبلة – فإذا بزق أحدكم، فليبصق عن يساره أو تحت قدمه، أو يقول هكذا وبزق في ثوبه ودلك بعضه ببعض».
8 – قوله في ثاني حديثي الباب: (فإنه يناجي ربه) زاد ابن بشران المعدل في الجزء الأول والثاني من فوائده (1/ 235) من طريق مُحَمَّد بْنُ غَالِبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيم فذكره وزاد: “وَلَكِنْ يَبْزُقُ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ”.
9 – قوله: (أو بين يديه) معناه قدامه فهذا شك من الراوي. قاله الكرماني في الكواكب الدراري.
10 – عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس؛ فقال: إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى. أخرجه البخاري 406 من طريق مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر به.
11 – عن أبي هريرة: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها. أخرجه البخاري 416 من طريق معمر عن همام سمع أبا هريرة فذكره.
12 – قال عطاء: وبلغنا أن الرب -عز وجل- يقول: يا ابن آدم إلى من تلتفت؟ أنا خير لك ممن تلتفت إليه. رواه العقيلي في الضعفاء في أثناء ترجمة إبراهيم بن يزيد الخوزي من طريق عبد الرزاق، عن جريج عن عطاء فذكره.
13 – عن أبي سعيد، قال: اعتكف رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- في المسجد، فسمعهم يجهرونَ بالقراءة، فكَشَفَ السترَ؛ فقال: “ألا إنَ كُلَّكم مُناجِ ربَّه، فلا يُؤذِيَنَّ بعضُكم بعضاً، ولا يَرْفَعْ بعضُكم على بعضٍ في القراءة” أو قال: “في الصلاة”. أخرجه أبو داود 1332 والنسائي في السنن الكبرى 8038 من طريق معمر، عن إسماعيل بن أميةَ، عن أبي سلمة عن أبي سعيد به.
14 – عن حُذَيْفَةَ أَنَّهُ: رَأَى شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ بَزَقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا شَبَثُ، لَا تَبْزُقْ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كَانَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أَقْبَلَ الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، حَتَّى يَنْقَلِبَ أَوْ يُحْدِثَ حَدَثَ سُوءٍ”. أخرجه ابن ماجه 1023 وأبو بكر بن أبي شيبة في المصنف 7455 من طريق أبي بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عن حُذَيْفَةَ به، تابعه الأعمش، عن أبي وائل قال: كنا عند حذيفة، فقام شبث بن ربعي يصلي فبصق بين يديه فلما انصرف قال: «يا شبث لا تبصق بين يديك، ولا عن يمينك، فإن عن يمينك كاتب الحسنات، وابصق عن شمالك، وخلفك فإن الرجل إذا توضأ فأحسن الوضوء، وقام إلى الصلاة استقبله الله بوجهه يناجيه فلا ينصرف عنه حتى يكون هو ينصرف، أو يحدث حدث سوء». أخرجه عبد الرزاق في المصنف 1689 وابن أبي شيبة في المصنف 7454 موقوفا، وله حكم الرفع فإنه لا يقال بالرأي.
15 – فيه فضل الصلاة على سائر الأعمال؛ لأن مناجاة الله لا تحصل للعبد إلا فى الصلاة خاصة. قاله ابن بطال في شرح صحيح البخاري.
16 – “قال بعض الصالحين: إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أن الله يقبل عليك، فأقبل على من هو مقبل عليك، واعلم أنه قريب منك، ناظر إليك، فإذا ركعت فلا تأمل أنك ترفع، وإذا رفعت فلا تأمل أنك تضع، ومثل الجنة عن يمينك والنار عن شمالك والصراط تحت قدمك، فإذا فعلت كنت مصليا”. نقله ابن بطال في شرح صحيح البخاري.
17 – “فيه: تنبيه على أن من كان يحسن صلاته لعلمه بنظر مخلوق إليه فإنه ينبغي أن يحسنها لعلمه بنظر الله إليه؛ فإن المصلي يناجي ربه، وهو قريب منه ومطلع على سره وعلانيته”. قاله الحافظ ابن رجب في فتح الباري.
18 – قوله: (فإنه يناجي ربه) إشارة إلى أنه ينبغي له أن يستحي من نظر الله إليه وإطلاعه عليه وقربه منه، وهو قائم بين يديه يناجيه، فلو استشعر هذا لأحسن صلاته غاية الإحسان، وأتقنها غاية الإتقان، كما قال: (اعبد الله كأنك تراه). قاله الحافظ ابن رجب في فتح الباري.
19 – “باب الأمر بالخشوع في الصلاة، إذ المصلي يناجي ربه، والمناجي ربه يجب عليه أن يفرغ قلبه لمناجاة خالقه عز وجل، ولا يشغل قلبه التعلق بشيء من أمور الدنيا يشغله عن مناجاة خالقه”. قاله ابن خزيمة في صحيحه.
20 – “ينبغى للعبد إحضار النية في الصلاة وترك خواطر الاشتغال عنها، ولزوم الخشوع ولا يقدر على ذلك إلا بعون الله له”. قاله ابن بطال في شرح صحيح البخاري.
21 – “ولا يخفى أن مناجاة الرب أرفع درجات العبد”. قاله القسطلاني في إرشاد الساري.
22 – عَنِ الْبَيَاضِيِّ -رَضِيَ الله عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ عَلَى النَّاس وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَقَدْ عَلَتَ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالقرآن». أخرجه الإمام مالك في الموطأ 29 – ومن طريقه الإمام أحمد في مسنده 19022 والبخاري في خلق أفعال العباد 1/ 111 والنسائي في السنن الكبرى 3350 – قال عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ التَّمَّارِ، عَنِ الْبَيَاضِيِّ رَضِيَ الله عَنْه فذكره، تابعه ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، مَوْلَى هُذَيْلٍ، قَالَ: جَاوَرْتُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ مِنَ الْأَنْصَارِ فحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا. أخرجه البخاري في خلق أفعال العباد (1/ 111).
23 – قال ابن القيم:
قَوْلُهُ «وَيُذَاقُ بِهِ حَلَاوَةُ الْمُنَاجَاةِ» الْمُنَاجَاةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنَ النَّجْوَى. وَهُوَ الْخِطَابُ فِي سِرِّ الْعَبْدِ وَبَاطِنِهِ. وَالشَّيْخُ ذَكَرَ فِي هَذِهِ الدَّرَجَةِ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ.
أَحَدُهَا: مُشَاهَدَةُ شَوَاهِدِ التَّحْقِيقِ. الثَّانِي: ذَوْقُ حَلَاوَةَ الْمُنَاجَاةِ. فَإِنَّهُ مَتَى صَفَا لَهُ حَالُهُ مِنَ الشَّوَائِبِ، خَلُصَتْ لَهُ حَلَاوَتُهُ مِنْ مَرَارَةِ الْأَكْدَارِ. فَذَاقَ تِلْكَ الْحَلَاوَةَ فِي حَالِ مُنَاجَاتِهِ. فَلَوْ كَانَ الْحَالُ مَشُوبًا مُكَدَّرًا لَمْ يَجِدْ حَلَاوَةَ الْمُنَاجَاةِ. وَالْحَالُ الْمُسْتَنِدَةُ إِلَى وَارِدٍ تُذَاقُ بِهِ حَلَاوَةُ الْمُنَاجَاةِ: هُوَ مِنْ حَضْرَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، بِحَسَبِ مَا يُصَادِفُ الْقَلْبَ مِنْ ظُهُورِهَا وَكَشْفِ مَعَانِيهَا.
فَمَنْ ظَهَرَ لَهُ اسْمُ الْوَدُودِ – مَثَلًا – وَكُشِفَ لَهُ عَنْ مَعَانِي هَذَا الِاسْمِ، وَلُطْفِهِ، وَتَعَلُّقِهِ بِظَاهِرِ الْعَبْدِ وَبَاطِنِهِ: كَانَ الْحَالُ الْحَاصِلُ لَهُ مِنْ حَضْرَةِ هَذَا الِاسْمِ مُنَاسِبًا لَهُ.
[مدارج السالكين – ط الكتاب العربي (3) / (141)].
24 – فائدة: قال ابن القيم:
لكنّ الأولى العدول عن لفظ «المسامرة» إلى لفظ «المناجاة»، فإنّه اللّفظ الذي اختاره رسول الله ? في هذا، وعبَّر به عن حال العبد بقوله: «إذا قام أحدكم في الصّلاة فإنما يُناجي ربَّه»، وفي الحديث الآخر: «كلُّكم يُناجِي ربّه، فلا يجهَرْ بعضُكم على بعضٍ». فلا يُعدَل عن ألفاظه، فإنّها معصومةٌ صادرةٌ عن معصومٍ، والإجمال والإشكال في اصطلاحات الناس وأوضاعهم. وبالله التّوفي
[مدارج السالكين – ط عطاءات العلم (3) / (502)].
25 – قال الإتيوبي في شرح مسلم في (بَابُ النَّهْي عَنِ الْبُصَاقِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَنَهْي الْمُصَلِّي أَنْ يَبْصُقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ):
وفيه تعظيم المساجد عن أثْفَال البدن، وعن القاذورات بالطريق الأولى، وفيه احترام جهة القبلة، وقد بيّن علة النهي بقوله: (فَإِنَّ الله قِبَلَ وَجْهِهِ) هذا وأمثاله من أحاديث الصفات مما يجب الإيمان به، وإثباته كما صح عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، بلا تأويل، ولا تشبيه، ولا تعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في جملة كلامه في آيات الصفات وأحاديثها ما نصه: وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: “إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فإن اللَّه قِبَلَ وجهه، فلا يبصق قبل وجهه … ” الحديث حقّ على ظاهره، وهو سبحانه فوق العرش، وهو قِبَل وجه المصلي.
بل هذا الوصف يثبت للمخلوقات، فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء، أو يناجي الشمس والقمر، لكانت السماء، والشمس، والقمر فوقه، وكان أيضًا قبل وجهه. … انتهى كلامه باختصار، فإن أردت تمام كلامه فارجع إلى “مجموع الفتاوى”، فقد حقق هذا الموضوع فيه تحقيقًا بالغًا لا تجده عند غيره ممن تكلم فيه.
وقد رد على ما ذكره صاحب “الفتح” هنا العلّامة المحقّق عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، فقال: ليس في الحديث المذكور ردّ على من أثبت استواء الرب سبحانه على العرش بذاته؛ لأن النصوص من الآيات، والأحاديث في إثبات استواء الرب على العرش بذاته محكمة قطعية واضحة لا تحتمل أدنى تأويل.
وقد أجمع أهل السنة على الأخذ بها، والإيمان بما دلّت عليه على الوجه الذي يليق باللَّه سبحانه من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته.
وأما قوله في هذا الحديث: “فإن اللَّه قبل وجهه إذا صلى”، وفي لفظ:
“فإن ربه بينه وبين القبلة” فهذا لفظ مُحْتَمِلٌ أن يفسر بما يوافق النصوص المحكمة، كما أشار الإمام ابن عبد البر إلى ذلك، ولا يجوز حمل هذا اللفظ وأشباهه على ما يناقض نصوص الاستواء الذي أثبتته النصوص القطعية المحكمة الصريحة، واللَّه تعالى أعلم. انتهى كلامه رحمه الله.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الردّ حسنٌ جدًّا، إلا قوله: “بذاته” فإنها وإن وُجِدت في عبارة بعض العلماء لإيضاح المعنى، فلا ينبغي ذكرها؛ لئلا يكون زيادة على النصّ، وقد أنكر الحافظ الذهبيّ رحمه الله في كتابه “العلو للعلي الغفار” على من قال: “هو تعالى فوق عرشه بذاته”؛ لعدم ورودها عن السلف، واعتبرها من فضول الكلام.
وأما ما نقله في “الفتح” عن الخطابيّ، وكذا قول السنديّ: إنه يناجيه، ويقبل عليه تعالى في تلك الجهة، وهو تعالى من هذه الحيثية كأنه في تلك الجهة، فلا يليق إلقاء البصاق فيها. انتهى، ففيه نظر لا يخفى.
، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
26 – قوله: (حدثنا حفص بن عمر) تابعه عفان كما عند الإمام أحمد في مسنده 12991.
27 – قوله: (حدثنا يزيد بن إبراهيم) قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين: “وليس ليزيد بن إبراهيم عن قتادة عن أنس في الصحيحين غير هذا الحديث الواحد”.