53 – فتح رب البرية بينابيع الحكمة من أقوال الأئمة
جمع أحمد بن خالد وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(1641): هناك أمور إذا تأملها من أصيب بمصيبة هانت عليه مصيبته وخفت.
وقد ذكر ابن القيم في كتابه القيم ” زاد المعاد ” (4/ 189–195) أموراً منها:
1 – ” أن ينظر إلى ما أصيب به فيجد ربه قد أبقى عليه مثله أو أفضل منه، وادَّخر له إن صبر ورضي ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي.
2 – أن يطفئ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة؟ ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة؟ وأنه لو فتَّش العالم لم ير فيهم إلا مبتلى، إما بفوات محبوب، أو حصول مكروه، وأن شرور الدنيا أحلام نوم، أو كظل زائل، إن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً، وإن سرَّت يوماً ساءت دهراً، وإن متَّعت قليلاً منعت طويلاً، ولا سرته بيوم سروره إلا خبأت له يوم شرور، قال ابن مسعود رضي الله عنه: لكل فرحة ترحة، وما مليء بيت فرحاً إلا مليء ترحاً. وقال ابن سيرين: ما كان ضحك قط إلا كان من بعده بكاء.
3 – أن يعلم أن الجزع لا يردها – أي: المصيبة – بل يضاعفها، وهو في الحقيقة من تزايد المرض.
4 – أن يعلم أن فوات ثواب الصبر والتسليم وهو الصلاة والرحمة والهداية التي ضمنها الله على الصبر والاسترجاع أعظم من المصيبة في الحقيقة.
5 – أن يعلم أن الجزع يشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه، وإذا صبر واحتسب وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل عن إخوانه وعزاهم هو قبل أن يعزوه، فهذا هو الثبات والكمال الأعظم، لا لطم الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بالويل والثبور، والسخط على المقدور.
6 – أن يعلم أن ما يعقبه الصبر والاحتساب من اللذة والمسرة أضعاف ما كان يحصل له ببقاء ما أصيب به لو بقي عليه ويكفيه من ذلك ” بيت الحمد ” الذي يبنى له في الجنة على حمده لربه واسترجاعه، فلينظر أي المصيبتين أعظم: مصيبة العاجلة، أو مصيبة فوات بيت الحمد في جنة الخلد، وفي الترمذي مرفوعاً: (يود ناس يوم القيامة أن جلودهم كانت تقرض بالمقاريض في الدنيا لما يرون من ثواب أهل البلاء)، وقال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس.
7 – أن يعلم أن الذي ابتلاه بها أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأنه سبحانه لم يرسل إليه البلاء ليهلكه به، ولا ليعذبه به، ولا ليجتاحه، وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه وإيمانه وليسمع تضرعه وابتهاله، وليراه طريحا ببابه، لائذاً بجنابه، مكسور القلب بين يديه، رافعا قصص الشكوى إليه.
8 – أن يعلم أنه لولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هلاكه عاجلا وآجلا، فمن رحمة أرحم الراحمين أن يفتقده في الأحيان بأنواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه الأدواء، وحفظا لصحة عبوديته، واستفراغاً للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة منه، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه، كما قيل:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
9 – أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة، يقلبها الله سبحانه، كذلك وحلاوة الدنيا بعينها مرارة الآخرة، ولأن ينتقل من مرارة منقطعة إلى حلاوة دائمة خير له من عكس ذلك، فإن خفي عليك هذا فانظر إلى قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (حُفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) ” انتهى باختصار.
______________
(1642): قال ابن القيم -رحمه الله-:
*فما دُفِعَتْ شدائدُ الدُّنيا بمثل التوحيد، ولذلك كان دعاءُ الكَرْبِ بالتوحيد*، ودعوةُ ذي النونِ التي ما دعا بها مكروبٌ إلَّا فرَّج الله كَرْبَهُ بالتوحيد.
فلا يُلْقي في الكُرَب العظام إلا الشِّرْكُ، ولا يُنجي منها إلا التوحيدُ؛ فهو مفزَعُ الخليقةِ وملجؤُها وحِصْنُها وغِياثُها.
وبالله التوفيق.
الفوائد (1) / (73)
______________
(1643): أَبُو الفَضْلِ العِرَاقِيُّ – رَحِمَهُ اللّاهُ تَعَالَى -:
” لَمْ يَصِحَّ إِضَافَةُ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ إِلَى اللهِ تَعَالَى عَنِ النَّبِيِّ لا إِلَّا شَهْرَ اللهِ المُحَرَّمَ “.
[شَرْحُ سُنَنِ النَّسَائِيّ ((1613))]
______________
(1644) لا: الله المستعان: ما حكم من يبدأ في طلب العلم، ثم يتركه لانشغاله بشيءٍ من الدُّنيا؟
جواب الشيخ عبيد الجابري رحمه الله تعالي:
نسأل الله أن يعينه وأن يهيِّئ له الرُّشد من أمره، فما كل الناس يستطيع العلم أزمنة طويلة، والصَّحابة – رضِيَ الله عنهم – كان منهم من يطلب العلم شيئًا عند الرسول – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ثُمَّ يذهب، ومنهم من يتَّفقُ مع جارٍ لهُ يتناوب هو وإياه مجلس النَّبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لكن ننصح هذا الذي شُغِل أن يفرغ من وقته ولو ساعة في الأسبوع.
______________
(1645): وصيةٌ لمن أراد الثباتَ:
قال ابن القيم-رحمه الله-:
وَمَادَّةُ التَّثْبِيتِ أَصْلُهُ وَمَنْشَؤُهُ مِنْ الْقَوْلِ الثَّابِتِ وَفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ الْعَبْدُ، فَبِهِمَا يُثَبِّتُ اللَّهُ عَبْدَهُ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَثْبَتَ قَوْلًا وَأَحْسَنَ فِعْلًا كَانَ أَعْظَمَ تَثْبِيتًا،
قَالَ تَعَالَى:
{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}
[النساء: 66]
فَأَثْبَتُ النَّاسِ قَلْبًا أَثْبَتُهُمْ قَوْلًا، وَالْقَوْلُ الثَّابِتُ هُوَ الْقَوْلُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ، وَهُوَ ضِدُّ الْقَوْلِ الْبَاطِلِ الْكَذِبِ؛
فَالْقَوْلُ نَوْعَانِ: ثَابِتٌ لَهُ حَقِيقَةٌ، وَبَاطِلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ،
وَأَثْبَتُ الْقَوْلِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَلَوَازِمُهَا، فَهِيَ أَعْظَمُ مَا يُثَبِّتُ اللَّهُ بِهَا عَبْدَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛
وَلِهَذَا تَرَى الصَّادِقَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ وَأَشْجَعِهِمْ قَلْبًا، وَالْكَاذِبَ مِنْ أَمْهَنِ النَّاسِ وَأَخْبَثِهِمْ وَأَكْثَرِهِمْ تَلَوُّثًا وَأَقَلِّهِمْ ثَبَاتًا،
وَأَهْلُ الْفِرَاسَةِ يَعْرِفُونَ صِدْقَ الصَّادِقِ مِنْ ثَبَاتِ قَلْبِهِ وَقْتَ الْإِخْبَارِ وَشَجَاعَتِهِ وَمَهَابَتِهِ، وَيَعْرِفُونَ كَذِبَ الْكَاذِبِ بِضِدِّ ذَلِكَ؛ وَلَا يَخْفَى ذَلِكَ إلَّا عَلَى ضَعِيفِ الْبَصِيرَةِ”
إعلام الموقعين (1/ 136)
______________
(1646): قال العلامة الفقيه صالح بن محمد اللحيدان -رحمه الله وغفر له-:
الإنسان لو استذكر عرضه على الله، وأن الله سوف يسأله ويحاسبه؛ وأنه سوف يقف بين يدي الله يخاطبه بلا ترجمان، وأن الله سيختم على فمه فتتكلم جوارحه؛ [يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ].
إذا تذكر ذلك وفق للانزجار عن المعاصي، فإن الإنسان لا يرتكب المعصية إلا حال غفلته عن ربه، وغفلته عن عقاب الله، وغفلته عن عرضه على الله يوم العرض الأكبر.
مجالس الذكر والدعوة إلى الله في رحاب المسجد الحرام (169) / (1) ..
______________
(1647): قال ابن القيم -رحمه الله-:
قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ((29))} [الرحمن/ (29)]، يغفر ذنبًا، ويفرِّج كَرْبًا، ويكشف غمًّا، وينصر مظلومًا، ويأخذ ظالمًا، ويفُكّ عانيًا، ويُغني فقيرًا، ويجبُر كسيرًا، ويشفي مريضًا، ويُقيل عَثرةً، ويستر عورةً، ويُعزّ ذليلًا، ويُذلّ عزيزًا، ويعطي سائلًا، ويذهب بدولة، ويأتي بأخرى، ويداول الأيّامَ بين الناس، ويرفع أقوامًا، ويضع آخرين.
طريق الهجرتين (1) / (261)
______________
(1648): حَدَّثَنَا
(35030) – ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: «تَسْبِيحَةٌ بِحَمْدِ اللَّهِ فِي صَحِيفَةِ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَسِيرَ أَوْ تَسِيلَ مَعَهُ جِبَالُ الدُّنْيَا ذَهَبًا»
المصنف – ابن أبي شيبة – ت الحوت (7) / (167) — أبو بكر بن أبي شيبة (ت (235))
______________
(1649): قال أَحْمَد بْن حَنْبلٍ،:
«هَذَا الَّذِي تَرَوْنَ كُلَّهُ أَوْ عَامَّتَهُ مِنَ الشَّافِعِيِّ، وَمَا بِتُّ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَّا وَأَنَا أَدْعُو لِلشَّافِعِيِّ»
حلية الأولياء (9) / (98)
______________
(1650): قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في فوائد قصة يوسف عليه السلام:
ومنها: أن من دخل الإيمان قلبه، وكان مخلصا لله في جميع أموره فإن الله يدفع عنه ببرهان إيمانه، وصدق إخلاصه من أنواع السوء والفحشاء وأسباب المعاصي ما هو جزاء لإيمانه وإخلاصه لقوله. {وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} على قراءة من قرأها بكسر اللام، ومن قرأها بالفتح، فإنه من إخلاص الله إياه، وهو متضمن لإخلاصه هو بنفسه، فلما أخلص عمله لله أخلصه الله، وخلصه من السوء والفحشاء.
______________
(1651): قَالَ النَّوَوِيُّ – رَحِمَهُ اللّاهُ تَعَالَى -:
” قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ: يُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالعَاشِرِ جَمِيْعاً؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ لا صَامَ العَاشِرَ، وَنَوَى صِيَامَ التَّاسِعِ “.
[المِنْهَاجُ ((8) / (12))]
______________
(1652): البخاريِّ لتلميذه محمَّد بن أبي حاتم الورَّاق
قَالَ (محمد بن ابي حاتم الوراق): وَأَملَى يَوْمًا عليَّ حَدِيْثًا كَثِيْرًا، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: *طِبْ نَفْسًا، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، *وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ لا وَأَصْحَابِهِ.*
سير أعلام النبلاء – ط الرسالة (12) / (445)
______________
(1653): قال ابن القيم رحمه الله:
“فهو سبحانه إذا أراد أن يُعِزَّ عبدَه ويجبرَه وينصرَه، كسَرَه أولًا، ويكون جَبْرُه له ونصرُه على مِقدار ذُلِّه وانكساره”.
زاد المعاد (3/ 256).
______________
(1654): المسلم لا يأمن من الفتن، وإن كان على علم، وعلى عمل صالح، وعلى عقيدة صحيحة، فإنه لا يأمن من دعاة الضلال والشر.
شرح حديث (إنا كنا في جاهلية) للعلامة صالح الفوزانلالا حفظه الله
______________
(1655): قال العلامة الفوزان -حفظه الله-:
«تمتاز جنة الفردوس عن جنة عَدْن بأنَّ الله غرس أشجارها بيده سبحانه و تعالى، كما أنه خلق آدم بيده، و كتب التوراة بيده».
شرح الكافية الشافية (1184).
______________
(1656) لا: *حرص السلف على اخفاء العمل كقيام الليل*
قال ابن الجوزي رحمه الله: وعن يزيد بن عبد الله قال قال رجل لتميم الداري ما صلاتك بالليل فغضب غضبا شديدا ثم قال والله لركعة اصليها في جوف الليل في سر أحب إلي من ان اصلي الليل كله ثم اقصه على الناس.
صفوة الصفوة (1/ 290).
______________
(1657): {وَإِذ صَرَفنا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَستَمِعونَ القُرآنَ فَلَمّا حَضَروهُ قالوا أَنصِتوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوا إِلى قَومِهِم مُنذِرينَ} [الأحقاف: (29)]
تفسير السعدي:
كان الله تعالى قد أرسل رسولَه محمدًا لا إلى الخلق إنسهم وجنهم، وكان لا بدَّ من إبلاغ الجميع لدعوة النبوَّة والرسالة؛ فالإنس يمكنه عليه الصلاة والسلام دعوتُهم وإنذارُهم، وأمَّا الجنُّ؛ فصَرَفَهم الله إليه بقدرته وأرسل إليه {نفرًا من الجنِّ يستمعونَ القرآن فلمَّا حَضَروه قالوا أنصِتوا}؛ أي: وصَّى بعضُهم بعضًا بذلك، {فلما قُضِيَ}: وقد وَعَوْه وأثَّر ذلك فيهم، {ولَّوْا إلى قومِهِم منذِرين}: نصحًا منهم لهم، وإقامة لحجَّة الله عليهم، وقيَّضهم الله معونةً لرسوله لا في نشر دعوتِهِ في الجنِّ.
______________
(1658): قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ:
” وَلَمْ يَسُنَّ رَسُولُ اللَّهِ لا وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ فِيْ يَوْمِ عَاشُورَاءَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأُمُورِ، لَا شَعَائِرَ الحُزْنِ وَالتَّرَحِ، وَلَا شَعَائِرَ السُّرُورِ وَالفَرَحِ “.
[الفَتَاوى الكُبْرَى ((560) / (4))]
______________
(1659): قال ابن القيم في الداء والدواء:
مَنَافِعُ غَضِّ الْبَصَرِ
غَضُّ الْبَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ النَّظْرَةَ سَهْمٌ مَسْمُومٌ مِنْ سِهَامِ إِبْلِيسَ، وَمَنْ أَطْلَقَ لَحَظَاتِهِ دَامَتْ حَسَرَاتُهُ، وَفِي غَضِّ الْبَصَرِ عِدَّةُ مَنَافِعَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ امْتِثَالٌ لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ غَايَةُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، فَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ أَنْفَعُ مِنَ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَمَا شَقِيَ مَنْ شَقِيَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا بِتَضْيِيعِ أَوَامِرِهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ أَثَرِ السَّهْمِ الْمَسْمُومِ – الَّذِي لَعَلَّ فِيهِ هَلَاكَهُ – إِلَى قَلْبِهِ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ الْقَلْبَ أُنْسًا بِاللَّهِ وَجَمْعِيَّةً عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِطْلَاقَ الْبَصَرِ يُفَرِّقُ الْقَلْبَ وَيُشَتِّتُهُ، وَيُبْعِدُهُ عَنِ اللَّهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ أَضَرُّ مِنْ إِطْلَاقِ الْبَصَرِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْوَحْشَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُقَوِّي الْقَلْبَ وَيُفْرِحُهُ، كَمَا أَنَّ إِطْلَاقَ الْبَصَرِ يُضْعِفُهُ وَيُحْزِنُهُ.
الْخَامِسَةُ: أَنَّهُ يُكْسِبُ الْقَلْبَ نُورًا، كَمَا أَنَّ إِطْلَاقَهُ يُلْبِسُهُ ظُلْمَةً، وَلِهَذَا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ آيَةَ النُّورِ عُقَيْبَ الْأَمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ، فَقَالَ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [سُورَةُ النُّورِ: (30)].
ثُمَّ قَالَ إِثْرَ ذَلِكَ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [سُورَةُ النُّورِ: (35)].
السَّادِسَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ فِرَاسَةً صَادِقَةً يُمَيَّزُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ، وَكَانَ شُجَاعٌ الْكِرْمَانِيُّ يَقُولُ: مَنْ عَمَّرَ ظَاهِرَهُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَبَاطِنَهُ بِدَوَامِ الْمُرَاقَبَةِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشُّبَهَاتِ، وَاغْتَذَى بِالْحَلَالِ، لَمْ تُخْطِئْ لَهُ فِرَاسَةٌ وَكَانَ شُجَاعًا لَا تُخْطِئُ لَهُ فِرَاسَةٌ.
السَّابِعَةُ: أَنَّهُ يُورِثُ الْقَلْبَ ثَبَاتًا وَشَجَاعَةً وَقُوَّةً، فَجَمَعَ اللَّهُ لَهُ بَيْنَ سُلْطَانِ النُّصْرَةِ وَالْحُجَّةِ، وَسُلْطَانُ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ، كَمَا فِي الْأَثَرِ: «الَّذِي يُخَالِفُ هَوَاهُ، يَفِرُّ الشَّيْطَانُ مِنْ ظِلِّهِ».
الثَّامِنُ: أَنَّهُ يُسْدَلُ عَلَى الشَّيْطَانِ مَدْخَلُهُ مِنَ الْقَلْبِ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ مَعَ النَّظْرَةِ وَيَنْفُذُ مَعَهَا إِلَى الْقَلْبِ أَسْرَعَ مِنْ نُفُوذِ الْهَوَاءِ فِي الْمَكَانِ الْخَالِي، فَيُمَثِّلُ لَهُ صُورَةَ الْمَنْظُورِ إِلَيْهِ وَيُزَيِّنُهَا، وَيَجْعَلُهَا صَنَمًا يَعْكُفُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ ثُمَّ يَعِدُهُ وَيُمَنِّيهِ، وَيُوقِدُ عَلَى الْقَلْبِ نَارَ الشَّهْوَةِ، وَيُلْقِي عَلَيْهَا حَطَبَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَمْ يَكُنْ يُتَوَصَّلُ إِلَيْهَا بِدُونِ تِلْكَ الصُّورَةِ، فَيَصِيرُ الْقَلْبُ فِي اللَّهَبِ.
التَّاسِعَةُ: أَنَّهُ يُفَرِّغُ الْقَلْبَ لِلْفِكْرَةِ فِي مَصَالِحِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا، وَإِطْلَاقُ الْبَصَرِ يُنْسِيهِ ذَلِكَ وَيَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَيَنْفَرِطُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَيَقَعُ فِي اتِّبَاعِ هَوَاهُ وَفِي الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ: (28)].
وَإِطْلَاقُ النَّظَرِ يُوجِبُ هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ بِحَسَبِهِ.
الْعَاشِرَةُ: أَنَّ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ مَنْفَذًا وَطَرِيقًا يُوجِبُ انْتِقَالَ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، وَأَنْ يَصْلُحَ بِصَلَاحِهِ، وَيَفْسُدَ بِفَسَادِهِ، فَإِذَا فَسَدَ الْقَلْبُ؛ فَسَدَ النَّظَرُ، وَإِذَا فَسَدَ النَّظَرُ؛ فَسَدَ الْقَلْبُ،
الداء والدواء = الجواب الكافي – ط دار المعرفة (1) / (178) – (180) باختصار
______________
(1660): قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ..
“ينبغي للإنسان أن يجبر خاطر أخيه إذا فعل معه ما لا يحب، ويبين له السبب؛ لأجل أن تطيب نفسه، ويطمئن قلبه، فإن هذا من هديهلا”.
شرح رياض الصالحين (3) \ (563) …
______________
(1661): صور الغيبة:
قَالَ شيخ الإسلام ابن تيمية- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -:
*فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَغْتَابُ مُوَافَقَةً لِجُلَسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَعَشَائِرِهِ* مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ الْمُغْتَابَ بَرِيءٌ مِمَّا يَقُولُونَ أَوْ فِيهِ بَعْضُ مَا يَقُولُونَ؛ لَكِنْ يَرَى أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ قَطَعَ الْمَجْلِسَ وَاسْتَثْقَلَهُ أَهْلُ الْمَجْلِسِ وَنَفَرُوا عَنْهُ فَيَرَى مُوَافَقَتَهُمْ مِنْ حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ وَطِيبِ الْمُصَاحَبَةِ وَقَدْ يَغْضَبُونَ فَيَغْضَبُ لِغَضَبِهِمْ فَيَخُوضُ مَعَهُمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ شَتَّى.
*تَارَةً فِي قَالِبِ دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ* فَيَقُولُ: لَيْسَ لِي عَادَةً أَنْ أَذْكُرَ أَحَدًا إلَّا بِخَيْرِ وَلَا أُحِبُّ الْغِيبَةَ وَلَا الْكَذِبَ؛ وَإِنَّمَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحْوَالِهِ. وَيَقُولُ: وَاَللَّهِ إنَّهُ مِسْكِينٌ أَوْ رَجُلٌ جَيِّدٌ؛ وَلَكِنْ فِيهِ كَيْت وَكَيْت. وَرُبَّمَا يَقُولُ: دَعُونَا مِنْهُ اللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ؛ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ اسْتِنْقَاصُهُ وَهَضْمٌ لِجَانِبِهِ. وَيُخْرِجُونَ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ صَلَاحٍ وَدِيَانَةٍ يُخَادِعُونَ اللَّهَ بِذَلِكَ كَمَا يُخَادِعُونَ مَخْلُوقًا؛ وَقَدْ رَأَيْنَا مِنْهُمْ أَلْوَانًا كَثِيرَةً مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ.
*وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْفَعُ غَيْرَهُ رِيَاءً فَيَرْفَعُ نَفْسَهُ* فَيَقُولُ: لَوْ دَعَوْت الْبَارِحَةَ فِي صَلَاتِي لِفُلَانِ؛ لَمَا بَلَغَنِي عَنْهُ كَيْت وَكَيْت لِيَرْفَعَ نَفْسَهُ وَيَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ يَعْتَقِدُهُ. أَوْ يَقُولُ: فُلَانٌ بَلِيدُ الذِّهْنِ قَلِيلُ الْفَهْمِ؛ وَقَصْدُهُ مَدْحُ نَفْسِهِ وَإِثْبَاتُ مَعْرِفَتِهِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ.
*وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْمِلُهُ الْحَسَدُ عَلَى الْغِيبَةِ* فَيَجْمَعُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ قَبِيحَيْنِ: الْغِيبَةِ وَالْحَسَدِ. وَإِذَا أَثْنَى عَلَى شَخْصٍ أَزَالَ ذَلِكَ عَنْهُ بِمَا اسْتَطَاعَ مِنْ تَنَقُّصِهِ فِي قَالِبِ دِينٍ وَصَلَاحٍ أَوْ فِي قَالِبِ حَسَدٍ وَفُجُورٍ وَقَدْحٍ لِيُسْقِطَ ذَلِكَ عَنْهُ.
*وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ تمسخر وَلَعِبٍ* لَيُضْحِكَ غَيْرَهُ بِاسْتِهْزَائِهِ وَمُحَاكَاتِهِ وَاسْتِصْغَارِ الْمُسْتَهْزَأِ بِهِ.
*وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ التَّعَجُّبِ* فَيَقُولُ تَعَجَّبْت مِنْ فُلَانٍ كَيْفَ لَا يَفْعَلُ كَيْت وَكَيْت وَمِنْ فُلَانٍ كَيْفَ وَقَعَ مِنْهُ كَيْت وَكَيْت وَكَيْفَ فَعَلَ كَيْت وَكَيْت فَيُخْرِجُ اسْمَهُ فِي مَعْرِضِ تَعَجُّبِهِ.
*وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الِاغْتِمَامَ* فَيَقُولُ مِسْكِينٌ فُلَانٌ غَمَّنِي مَا جَرَى لَهُ وَمَا تَمَّ لَهُ فَيَظُنُّ مَنْ يَسْمَعُهُ أَنَّهُ يَغْتَمُّ لَهُ وَيَتَأَسَّفُ وَقَلْبُهُ مُنْطَوٍ عَلَى التَّشَفِّي بِهِ وَلَوْ قَدَرَ لَزَادَ عَلَى مَا بِهِ وَرُبَّمَا يَذْكُرُهُ عِنْدَ أَعْدَائِهِ لِيَشْتَفُوا بِهِ. وَهَذَا وَغَيْرُهُ مِنْ أَعْظَمِ أَمْرَاضِ الْقُلُوبِ وَالْمُخَادَعَاتِ لِلَّهِ وَلِخَلْقِهِ.
*وَمِنْهُمْ مَنْ يُظْهِرُ الْغِيبَةَ فِي قَالِبِ غَضَبٍ وَإِنْكَارِ مُنْكَرٍ* فَيُظْهِرُ فِي هَذَا الْبَابِ أَشْيَاءَ مِنْ زَخَارِفِ الْقَوْلِ وَقَصْدُهُ غَيْرُ مَا أَظْهَرَ. وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
______________
(1662): بوب ابن أبي الدنيا في كتابه النفقة على العيال:
باب اللعب للصبيان.
(582) – عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَصِبْيَانٌ يَلْعَبُونَ فَوْقَ الْبَيْتِ وَمَعَهُ عَبْدُ اللهِ ابْنُهُ فَنَهَاهُمْ؛ فَقَالَ الْحَسَنُ: دَعْهُمْ فَإِنَّ اللَّعِبَ رَبِيعُهُمْ ..
______________
(1663): ابن القيم في «المنار المنيف» (ص: (65)) رقم ((119)) قال: كل حديث في طنين الأذن فهو كذب.
______________
(1664): {يَومَ تَرَى المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ يَسعى نورُهُم بَينَ أَيديهِم وَبِأَيمانِهِم بُشراكُمُ اليَومَ جَنّاتٌ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ} [الحديد: (12)]
يقول تعالى مبينًا لفضل الإيمان واغتباط أهله به يوم القيامةِ: {يوم تَرى المؤمنينَ والمؤمناتِ يسعى نورُهم بين أيديهم وبأيْمانِهِم}؛ أي: إذا كان يوم القيامةِ، وكوِّرَتِ الشمسُ وخسفَ القمرُ وصار الناس في الظُّلمة، ونُصِبَ الصراط على متن جهنم؛ فحينئذٍ ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورُهم بين أيديهم وبأيمانهم، فيمشون بنورهم وأيمانهم في ذلك الموقف الهائل الصعب كلٌّ على قَدْرِ إيمانه، ويبشَّرون عند ذلك بأعظم بشارة، فيُقالُ: {بُشراكم اليومَ جناتٌ تجري من تحتِها الأنهارُ خالدين فيها ذلك هو الفوزُ العظيمُ}: فلله ما أحلى هذه البشارة بقلوبهم وألذَّها لنفوسهم؛ حيث حصل لهم كلُّ مطلوب محبوب، ونجوا من كلِّ شرٍّ ومرهوب.
تفسير السعدي
______________
(1665): قال ابن القيم -رحمه الله-:
*والقلب السليم* هو الذي سلم من الشرك، والغِلّ، والحقد، والحسد، والشحّ، والكبر، وحبّ الدنيا والرياسة. فسلِمَ من كلّ آفة تُبعده من الله، وسلِمَ من كلّ شبهة تعارض خبرَه، ومن كلّ شهوة تعارض أمرَه، وسلِمَ من كل إرادة تزاحم مراده، وسلِمَ من كلّ قاطع يقطع عن الله. فهذا القلب السليم في جنّة معجّلة في الدنيا، وفي جنة في البرزخ، وفي الجنّة يوم المعاد.
ولا تتمّ له سلامته مطلقًا حتى يسلَم من خمسة أشياء: من شركٍ يناقض التوحيد، وبدعةٍ تخالف السنّة، وشهوةٍ تخالف الأمر، وغفلةٍ تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد والإخلاص. وهذه الخمسة حُجُب عن الله، وتحتَ كل واحدٍ منها أنواع كثيرة تتضمّن أفرادًا لا تنحصر.
الداء والدواء (1) / (282)