526 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
526 – قال الإمام أحمد رحمه الله (1404): حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثنا سالم بن أبي أمية أبو النضر قال: جلس إلي شيخ من بني تميم في مسجد البصرة ومعه صحيفة له في يده قال وفي زمان الحجاج فقال لي يا عبد الله أترى هذا الكتاب مغنيًا عني شيئًا عند هذا السلطان قال فقلت وما هذا الكتاب قال هذا كتاب من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتبه لنا أن لا يتعدى علينا في صدقاتنا قال فقلت لا والله ما أظن أن يغني عنك شيئًا وكيف كان شأن هذا الكتاب قال قدمت المدينة مع أبي وأنا غلام شاب بإبل لنا نبيعها وكان أبي صديقًا لطلحة بن عبيد الله التيمي فنزلنا عليه فقال له أبي اخرج معي فبع لي إبلي هذه قال فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد نهى أن يبيع حاضر لباد [ص: 448] ولكن سأخرج معك فأجلس وتعرض إبلك فإذا رضيت من رجل وفاء وصدقًا ممن ساومك أمرتك ببيعه قال فخرجنا إلى السوق فوقفنا ظهرنا وجلس طلحة قريبًا فساومنا الرجال حتى إذا أعطانا رجل ما نرضى قال له أبي أبايعه قال نعم رضيت لكم وفاءه فبايعوه فبايعناه فلما قبضنا ما لنا وفرغنا من حاجتنا قال أبي لطلحة خذ لنا من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتابًا أن لا يتعدى علينا في صدقاتنا قال فقال هذا لكم ولكل مسلم قال على ذلك إني أحب أن يكون عندي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتاب فخرج حتى جاء بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال يا رسول الله إن هذا الرجل من أهل البادية صديق لنا وقد أحب أن تكتب له كتابًا لا يتعدى عليه في صدقته فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «هذا له ولكل مسلم» قال يا رسول الله إني قد أحب أن يكون عندي منك كتاب على ذلك قال فكتب لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذا الكتاب.
هذا حديث حسنٌ.
الحديث أخرجه أبو يَعْلَى (ج 2 ص 15) فقال رحمه الله: حدثنا القواريري، حدثنا يزيد بن زُرَيْعٍ، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا سالم أبو النضر … به. وفيه: أن الشيخ قال لسالم: فَتُرَاهُ نَافِعِي عِنْدَ صَاحِبِكُمْ هَذَا، فَقَدْ وَاللهِ تُعُدِّيَ عَلَيْنَا فِي صَدَقَاتِنَا؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا أَظُنُّ وَاللهِ.
*ــــــــــــــــــــــــ*
*دراسة الحديث رواية*
– *قال نور الدين الهيثمي (ت ٨٠٧) في غاية المقصد فى زوائد المسند ١/٣٩٧: قلت: عند أبى داود طرف منه فى بيع الحاضر للباد عن طلحة فقط.*
– *قال نور الدين الهيثمي (ت ٨٠٧) في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ٣/٨٣: قُلْتُ: رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْهُ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي عَنْ طَلْحَةَ فَقَطْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو يَعْلَى، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ.*
– *قال أحمد شاكر في مسند أحمد ط دار الحديث ٢/١٨٥: إسناده صحيح، يعقوب: هو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة مأمون كثير الحديث. أبوه إبراهيم: ثقة حجة. ابن إسحق: هو محمد بن إسحق، … سالم بن أبي أمية: أجمعوا على أنه ثقة ثبت، وهو تابعي سمع أنس بن مالك، وهذا الحديث يدل أيضًا على سماعه من صحابي آخر، هو هذا الشيخ من بني تميم. والحديث روى أبو داود منه النهي عن بيع الحاضر للبادي ٣: ٢٨٣ عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن محمد بن إسحق عن سالم المكي، ونقل شارحه عن المنذري أنه أعله بأن فيه رجلا مجهولا! وفاتَهما أن هذا المجهول صحابي، وأن جهالة الصحابي لا تضر. والحديث بتمامه في الزوائد ٣: ٨٢ – ٨٣ وقال: «رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح».*
– *جاء في المسند المصنف المعلل ٣٥/٩٨:*
*قلنا: إِسناده ضعيفٌ؛ محمد بن إِسحاق بن يسار، صاحب السِّيرة، ليس بثقة. انظر فوائد الحديث رقم (٩٤٢٥).*
*وقال الدارقُطني: يرويه سالم أَبو النضر، واختُلِف عنه؛ فرواه محمد بن إسحاق، عن سالم، قال: حدثني أعرابي، عن طلحة.*
*وقال مؤمل، عن حماد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن سالم المكي، عن أبيه، عن طلحة.*
*وقال موسى بن إسماعيل: عن حماد، عن ابن إسحاق، عن سالم، عن رجل، عن أبيه، عن طلحة.*
*وكذلك قال إبراهيم، عن ابن إسحاق.*
*ورواه عَمرو بن الحارث، وابن لَهِيعة، عن سالم أبي النضر، عن رجل من بني تميم، عن أبيه، عن طلحة، وهو الصواب.*
*وقيل: عن مفضل بن فضالة، عن عياش بن عباس القتباني، عن أبي النضر، عن نوفل بن مساحق، عن أبيه، عن طلحة. «العلل» (٥٢٢).*
*قلنا: وقول الدارقُطني: «وهو الصواب»، لا يعني صحة هذا الطريق، كما هو معروف عند الدارسين لعلل الحديث، وإنما يعني أنه أصوب الطرق عن طلحة، حتى وإن كان فيه مجهولان، كما هو الحال هنا.*
*دراسة الحديث دراية*
– بوب عليه مقبل في الجامع:
10 – العمل بالمكاتبة إذا عرف الخط
29 – لا يتعدى على أصحاب الأموال في صدقاتهم
– الحديث فيه شقان: أصولي وفقهي:
نبدأ أولا بالشق الأصولي:
– قال أبو يعلى:
مسألة (3)
إذا وجد سماعه في كتاب، ولم يذكر أنه سمعه، جاز روايته.
أومأ إليه الإمام أحمد رحمه الله في مواضع:
فقال في روارية مُهَنّا: إذا كان يحفظ الشيء، وفي الكتاب شيء فالكتاب أحب إليّ.
فقد اعتبر ما في الكتاب، وإن كان حفظ غيره.
وكذلك في رواية الحسين بن حسان في الرجل يكون له السماع مع الرجل، فلا بأس أن يأخذه بعد سنين، إذا عرف الخط.
وكذلك نقل الحسين بن محمد بن الحارث عنه: إذا عرف خطه فلا يشهد عليه إلا ما يحفظه، إلا أن يكون منسوخاً عنده في حرزه، فكأنه إذا كان عنده مكتوباً في حرزه، شهد به وإن لم يحفظه، ثم قال: كتاب العلم أيسر ، يعني يشهد عليه، قيل له : إذا أعار كتاب العلم، فقال: [لا] بدّ من أن يفعل ذلك، إذا أعاره من يثق به، قيل له: فإن لم يثق به: كل ذاك أرجو أن ((لا)) يحدث فيه، فإن الزيادة في الحديث ليس تكاد تخفي، وكأنه رأى ذلك أوسع من الشهادة.
وبهذا قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد .
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يرويه، إذا لم يذكر سماعه.
دليلنا:
[146/أ] : أن الأخبار مبني أمرها على حسن الظن والمسامحة ومراعاة الظاهر من الحال، ألا ترى أنه لا يشترط فيها العدالة في الباطن ويقبل فيها قول العبيد والنساء وحديث العنعنة، والظاهر من حال السماع الموجود الصحة، فجاز العمل عليه.
وأيضاً: رجوع الصحابة إلى كتب النبي صلى الله عليه وسلم والعمل عليها من أدل الدليل على الرجوع إلى الخط والكتاب.
واحتج المخالف:
بأنه، لما لم يجز أن يؤديَ الشهادة معتمداً على خطه من غير ذكره، كذلك الحديث، والمعنى فيه: أن الشاهد يحتاج إلى ذكر المشهود به، كما أن المخبر يحتاج إلى ذكر المخبر به.
والجواب: أن الشهادة مبنى أمرها على التأكيد والتغليظ، فكذلك إذا وجد خطه، ولم يذكر، لم يشهد به. على أن الحسين بن محمد بن الحارث نقل عنه: أنه أجاز الشهادة، إذا عرف الخط، ولم يخرج عن يده، ولكن المذهب المشهور عنه: أنه لا يجوز، لما بينّا.
واحتج: بأن الإخبار بما لا نأمن المخبر. أن يكون كاذباً فيه، يجري مجرى الإخبار بالكذب في القبح، فإذا لم يذكر أنه سمعه يحدث به، لم نأمن أن يكون كاذباً، وجب أن لا يجوز أن يحدث به، كما لا يجوز له ذلك لو علم أنه كاذب فيه.
والجواب: أن هذا يوجب أن لا يجوز خبر الضرير فيما سمع؛ لأنه لا يأمن أن يكون كاذباً فيه؛ لأن الصوت قد يشبه الصوت، فيخبر عن رجل لم يسمع منه، وأنه شبه له صوته، وكذلك السماع من وراء حجاب، وقد أجازوا رواية الضرير، كذلك ها هنا، وقد نص أحمد رحمه الله على جواز رواية الضرير، وحكيناه فيما تقدم.
فإن قيل: هناك يمكنه أن يشترط ما يأمنان الكذب فيه، بأن يخبرا عن ظنهما، فلا يقطعان على ما يحدثان به عن فلان.
قيل: فاشترط مثل هذا في مسألتنا.
[العدة في أصول الفقه 3/ 974]
تنبيه : قوله : ذاك أرجو أن ((لا)) يحدث فيه .
كذا وقع وصوابه أرجو أن يحدث فيه
– قال ابن الصلاح:
الْقِسْمُ الثَّامِنُ
الْوِجَادَةُ:
وَهِيَ مَصْدَرٌ لِـ (وَجَدَ يَجِدُ)، مُوَلَّدٌ غَيْرُ مَسْمُوعٍ مِنَ الْعَرَبِ. رُوِّينَا عَنِ الْمُعَافَى بْنِ زَكَرِيَّا النَّهْرَوَانِيِّ الْعَلَّامَةِ فِي الْعُلُومِ أَنَّ الْمُوَلَّدِينَ فَرَّعُوا قَوْلَهُمْ: (وِجَادَةً) فِيمَا أُخِذَ مِنَ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيفَةٍ مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ، وَلَا إِجَازَةٍ، وَلَا مُنَاوَلَةٍ مِنْ تَفْرِيقِ الْعَرَبِ بَيْنَ مَصَادِرِ (وَجَدَ) لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ، يَعْنِي قَوْلَهُمْ ” وَجَدَ ضَالَّتَهُ وِجْدَانًا، وَمَطْلُوبَهُ وُجُودًا “، وَفِي الْغَضَبِ ” مَوْجِدَةً “، وَفِي الْغِنَى ” وُجْدًا “، وَفِي الْحُبِّ ” وَجْدًا “.
مِثَالُ الْوِجَادَةِ: أَنْ يَقِفَ عَلَى كِتَابِ شَخْصٍ فِيهِ أَحَادِيثُ يَرْوِيهَا بِخَطِّهِ، وَلَمْ يَلْقَهُ، أَوْ لَقِيَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ الَّذِي وَجَدَهُ بِخَطِّهِ، وَلَا لَهُ مِنْهُ إِجَازَةٌ، وَلَا نَحْوُهَا. فَلَهُ أَنْ يَقُولَ (وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ، أَوْ قَرَأْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ، أَوْ فِي كِتَابِ فُلَانٍ بِخَطِّهِ أَخْبَرَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ) وَيَذْكُرُ شَيْخَهُ، وَيَسُوقُ سَائِرَ الْإِسْنَادِ، وَالْمَتْنِ. أَوْ يَقُولُ: (وَجَدْتُ، أَوْ قَرَأْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ عَنْ فُلَانٍ)، وَيَذْكُرُ الَّذِي حَدَّثَهُ وَمَنْ فَوْقَهُ.
هَذَا الَّذِي اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا، وَحَدِيثًا، وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُنْقَطِعِ، وَالْمُرْسَلِ، غَيْرَ أَنَّهُ أَخَذَ شَوْبًا مِنْ الِاتِّصَالِ بِقَوْلِهِ (وَجَدْتُ بِخَطِّ فُلَانٍ).
وَرُبَّمَا دَلَّسَ بَعْضُهُمْ، فَذَكَرَ الَّذِي وَجَدَ خَطَّهُ، وَقَالَ فِيهِ: (عَنْ فُلَانٍ، أَوْ قَالَ فُلَانٌ)، وَذَلِكَ تَدْلِيسٌ قَبِيحٌ، إِذَا كَانَ بِحَيْثُ يُوهِمُ سَمَاعَهُ مِنْهُ، عَلَى مَا سَبَقَ فِي نَوْعِ التَّدْلِيسِ.
وَجَازَفَ بَعْضُهُمْ، فَأَطْلَقَ فِيهِ (حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا) وَانْتَقَدَ ذَلِكَ عَلَى فَاعِلِهِ.
وَإِذَا وَجَدَ حَدِيثًا فِي تَأْلِيفِ شَخْصٍ، وَلَيْسَ بِخَطِّهِ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ: (ذَكَرَ فُلَانٌ، أَوْ قَالَ فُلَانٌ: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، أَوْ ذَكَرَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ)، وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَمْ يَأْخُذْ شَوْبًا مِنْ الِاتِّصَالِ.
وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا وَثِقَ بِأَنَّهُ خَطُّ الْمَذْكُورِ، أَوْ كِتَابُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَلْيَقُلْ: (بَلَغَنِي عَنْ فُلَانٍ، أَوْ وَجَدْتُ عَنْ فُلَانٍ)، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ، أَوْ لِيُفْصِحْ بِالْمُسْتَنَدِ فِيهِ، بِأَنْ يَقُولَ مَا قَالَهُ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ: (قَرَأْتُ فِي كِتَابِ فُلَانٍ بِخَطِّهِ، وَأَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّهُ بِخَطِّهِ) أَوْ يَقُولُ: (وَجَدْتُ فِي كِتَابٍ ظَنَنْتُ أَنَّهُ بِخَطِّ فُلَانٍ، أَوْ فِي كِتَابٍ ذَكَرَ كَاتِبُهُ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أَوْ فِي كِتَابٍ قِيلَ إِنَّهُ بِخَطِّ فُلَانٍ).
وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَ مِنْ كِتَابٍ مَنْسُوبٍ إِلَى مُصَنِّفٍ فَلَا يَقُلْ: (قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا) إِلَّا إِذَا وَثِقَ بِصِحَّةِ النُّسْخَةِ، بِأَنْ قَابَلَهَا هُوَ أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُهُ بِأُصُولٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي آخِرِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ فَلْيَقُلْ (بَلَغَنِي عَنْ فُلَانٍ أَنَّهُ ذَكَرَ كَذَا وَكَذَا، أَوْ وَجَدْتُ فِي نُسْخَةٍ مِنَ الْكِتَابِ الْفُلَانِيِّ)، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْعِبَارَاتِ.
وَقَدْ تَسَامَحَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ بِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ الْجَازِمِ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَحَرٍّ، وَتَثَبُّتٍ، فَيُطَالِعُ أَحَدُهُمْ كِتَابًا مَنْسُوبًا إِلَى مُصَنِّفٍ مُعَيَّنٍ، وَيَنْقُلُ مِنْهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثِقَ بِصِحَّةِ النُّسْخَةِ، قَائِلًا: (قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا، أَوْ ذَكَرَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا)، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ.
فَإِنْ كَانَ الْمُطَالِعُ عَالِمًا فَطِنًا، بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فِي الْغَالِبِ مَوَاضِعُ الْإِسْقَاطِ، وَالسَّقْطِ، وَمَا أُحِيلَ عَنْ جِهَتِهِ مِنْ غَيْرِهَا رَجَوْنَا أَنْ يَجُوزَ لَهُ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْجَازِمِ فِيمَا يَحْكِيهِ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا – فِيمَا أَحْسَبُ – اسْتَرْوَحَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ فِيمَا نَقَلُوهُ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
هَذَا كُلُّهُ كَلَامٌ فِي كَيْفِيَّةِ النَّقْلِ بِطَرِيقِ الْوِجَادَةِ.
وَأَمَّا جَوَازُ الْعَمَلِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يُوثَقُ بِهِ مِنْهَا، فَقَدْ رُوِّينَا عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ مُعْظَمَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ لَا يَرَوْنَ الْعَمَلَ بِذَلِكَ.
وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَطَائِفَةٍ مِنْ نُظَّارِ أَصْحَابِهِ جَوَازُ الْعَمَلِ بِهِ.
قُلْتُ: قَطَعَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ عِنْدَ حُصُولِ الثِّقَةِ بِهِ، وَقَالَ: ” لَوْ عُرِضَ مَا ذَكَرْنَاهُ عَلَى جُمْلَةِ الْمُحَدِّثِينَ لَأَبَوْهُ “، وَمَا قُطِعَ بِهِ هُوَ الَّذِي لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ الْعَمَلُ فِيهَا عَلَى الرِّوَايَةِ لَانْسَدَّ بَابُ الْعَمَلِ بِالْمَنْقُولِ، لِتَعَذُّرِ شَرْطِ الرِّوَايَةِ فِيهَا، عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[مقدمة ابن الصلاح = معرفة أنواع علوم الحديث – ت عتر ص178]
– قال النووي:
قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ كِتَابِ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ وَاتِّفَاقُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَلَى رِوَايَتِهِ حُجَّةٌ فِي جَوَازِ الْعَمَلِ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْإِجَازَةِ وَقَدْ جَوَّزُوا الْعَمَلَ بِالْمُكَاتَبَةِ وَالْإِجَازَةِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَالْفِقْهِ وَمَنَعَتْ طَائِفَةٌ الرِّوَايَةَ بِهَا وَهَذَا غَلَطٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[شرح النووي على مسلم 12/ 47]
– ثانيا الشق الفقي:
بيع الحاضر للباد:
باب ما جاء في البيوع المنهي عنها
١٥٥٠ – ١ – بيع حاضر لباد
قال ابن هانئ: سألت أبا عبد اللَّه عن حديث النبي ﷺ: «لا يبيع حاضر لبادٍ»؟
قال: هو الرجل من أهل البادية، يجيء بالشيء يريد بيعه برخص، فيجيء الحاضر فيبيعه له بغلاء، فنهى الحاضر أن يبيع للباد، لكي يشتري منه بالرخص. وقال: «دعوا الناس يرزق اللَّه بعضهم بعض» يبيع هو بيعه كي يبيعه برخص.
سألته عن معنى حديث النبي ﷺ: «لا يبيع حاضر لباد»؟
قال أبو عبد اللَّه: هذا إذا كان الرجل من أهل البادية، أو غيرها من القرى. يقدم بالشيء فلا ينبغي لحاضر أن يتولى بيعه، ولا يشتري له يدعه حتى يبيعه على غرته، فيبيعه رخيصًا، وإذا باعه هو له استوفاه فلا ينبغي له أن يفعل ذلك إلا أن يكونا جميعًا في الغرة سواء: البدوي والحضري، إذا استوى غرتهما في سعر السوق فلا بأس به.
«مسائل ابن هانئ» (١٢٣١).
وقال الإمام في رواية الكحال وأبي طالب، وأحمد بن الحسين الترمذي: لا يبيع حاضر لبادٍ، نهى النبي ﷺ عن ذلك، وإن باع رددت البيع.
ونقل علي بن الحسن المصري عن أحمد، أنه سئل عن بيع حاضر لباد؟
فقال: لا بأس به.
فقيل له: فالخبر المروي بالنهي، يخير ولهم السعر فنهى عنه النبي ﷺ.
«الروايتين والوجهين» ١/ ٣٥٤.
قال الحسن بن علي المصري: سألت أحمد عن بيع حاضر لبادٍ؟
فقال: لا بأس به.
قلت: فالخبر الذي جاء بالنهي؟
قال: كان ذلك مرة.
«المغني» ٦/ ٣٠٩، «الإنصاف» ١١/ ١٨٥.
قال إسماعيل بن سعيد الشالنجي: سألت أحمد عن الرجل الحضري يبيع للبدوي؟
قال: أكره ذلك وأرد البيع في ذلك.
ونقل عنه أبو طالب: إذا كان البادي عارفًا بالسعر لم يحرم.
نقل المروذي عنه: إن قصد الحاضر أو وجه إليه ليبيعه: أخاف أن يكون منه.
«الفروع» ٤/ ٤٧، «المبدع» ٤/ ٤٦
الجامع لعلوم الإمام أحمد – الفقه ٩/١٥٢ — أحمد بن حنبل
فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ إِنَّمَا نَهَى الْحَاضِرَ أَنْ يَبِيعَ لِلْبَادِي، لِأَنَّ الْحَاضِرَ يَعْلَمُ أَسْعَارَ الْأَسْوَاقِ فَيَسْتَقْصِي عَلَى الْحَاضِرِينَ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ رِبْحٌ، وَإِذَا بَاعَهُمُ الْأَعْرَابِيُّ عَلَى غِرَّتِهِ وَجَهْلِهِ، بِأَسْعَارِ الْأَسْوَاقِ، رَبِحَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُونَ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَ الْحَاضِرِينَ وَبَيْنَ الْأَعْرَابِ فِي الْبُيُوعِ، وَمَنَعَ الْحَاضِرِينَ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ. ⦗١٢⦘ فَإِذَا كَانَ مَا وَصَفْنَا كَذَلِكَ، وَثَبَتَ إِبَاحَةُ التَّلَقِّي الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ، بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا، صَارَ شِرَى الْمُتَلَقِّي مِنْهُمْ، شِرَى حَاضِرٍ مِنْ بَادٍ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «دَعُوا النَّاسَ، يَرْزُقُ اللهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ» وَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ فِيهِ خِيَارٌ، إِذًا لَمَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ رِبْحٌ، وَلَا أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ حَاضِرًا أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، وَلَا أَنْ يَتَوَلَّى الْبَيْعَ لِلْبَادِي مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَكُونُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ ذَلِكَ الْبَيْعِ، أَوْ يَرُدُّ لَهُ ثَمَنَهُ، إِلَى الْأَثْمَانِ الَّتِي تَكُونُ فِي بِيَاعَاتِ أَهْلِ الْحَضَرِ، بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ. فَفِي مَنْعِ النَّبِيِّ ﷺ الْحَاضِرِينَ مِنْ ذَلِكَ، إِبَاحَةُ الْحَاضِرِينَ الْتِمَاسَ غِرَّةِ الْبَادِينَ فِي الْبَيْعِ مِنْهُمْ، وَالشِّرَاءِ مِنْهُمْ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
شرح معاني الآثار ٤/١١ — الطحاوي
قال ابن المنذر:
7917 – أخبرنا حاتم بن منصور، عن الحميدي، عن سفيان، قال: حدثني مسلم الخياط، قال: سمعت أبا هريرة ينهى [حاضرا] أن يبيع لباد.
قال مسلم: وسمعت ابن عمر يقول: لا يبيع حاضر لباد.
وممن كره بيع الحاضر لباد: مالك بن أنس، والليث بن سعد، والشافعي.
وفيه قول ثان: وهو أن لا بأس اليوم ببيعها، إنما نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه، هذا قول مجاهد، وقال ابن خثيم: سألت عطاء عن أعراب قدموا بيني وبينهم معرفة فرخص لي أن أشتري لهم أو أبيع.
واختلفوا في شراء الحاضر للباد، فكرهت طائفة أن يشتري له. كما كرهت أن يبيع له…
7919 – حدثنا موسى بن هارون، حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر، قال: حدثنا سلمة بن علقمة، عن محمد بن سيرين، قال: كان يقال: لا يبيع حاضر لباد قال: فلقيت أنس بن مالك، فقلت: أنهيتم أن تبيعوا لهم، أو تبتاعوا لهم؟ قال: نهينا أن نبيع لهم وأن نبتاع لهم، قال محمد: فصدق إنها كلمة جامعة.
وفيه قول ثان: وهو الرخصة في الشراء لهم، والنهي عن البيع لهم، هذا قول الحسن البصري، قال: [اشتر للبدوي، ولا تبع له].
قال أبو بكر: ومن حجة من يرى الشراء لهم مباحا أن يقول لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع لهم. لم يكن بالبيع لهم بأس، والبيع مكروه لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، والشراء لهم جائز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه.
ومن حجة من كره البيع والشراء: قول أنس رضي الله عنه: هي كلمة جامعة.
ذكر خبر احتج به من قال أن النهي عن بيع الحاضر للبادي على معنى التأديب لا على معنى التحريم
7920 – حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا أبو نعيم: حدثنا زهير، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض”.
قال أبو بكر: فليس شك عندي أن هذا الكلام يدل على أن النهي عنه نهي تأديب، بل النهي الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه عندي على الحظر لا على التأديب.
إباحة إشارة الحاضر على البادي إذا امتنع أن يبيع له
واختلفوا في إخبار الحاضر البدوي بالسعر والإشارة عليه، فحكى ابن نافع عن مالك: أنه كره ذلك.
وقال مالك: شبيه بالبيع له. وحكى ابن وهب عن الليث بن سعد: أنه سئل عن الحاضر يشير على البادي، فقال الليث: لا ينبغي أن يشير عليه، وإذا كان الحاضر يشير على البدوي فقد باع له. وحكي عن الأوزاعي أنه رخص فيه.
قال أبو بكر: لا بأس بأن يشير عليه، وليس الإشارة بيع، وهو من النصيحة للمسلم.
7921 – وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث مالك بن سعير بن الخمس، عن ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “دعوا الناس ينتفع بعضهم من بعضهم، وإذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه”.
[الأوسط لابن المنذر 10/ 103]
– قال ابن عثيمين:
هذا أيضاً صحيح أنه يحرم تلقي الركبان ولكن ظاهر الحديث أنه لا فرق بين الركبان الذين يعرفون السعر والذين لا يعرفون طرداً للباب وإلا فيحتمل أن يقال الركبان الذين جرت العادة أنهم يجلبون السلع إلى هذا البلد وهم يعرفون أقيامها لا بأس أن يتلقاهم ولكن يقال إنه ممنوع لأننا لو قدرنا أن البائعين الذين تلقوا خارج البلد قد رضوا بالسعر بقي حق للآخرين الذين في البلد لأن الإنسان إذا تلقى الركبان واشترى منهم قبل دخول البلد حَرَمَ أهل البلد من السلع التي قد يريدها كثير من الناس ولا يستطيعون الخروج لها فصار التلقي منهياً عنه مطلقا سواء كانوا قاصدين البلد وهم يعرفون أو لا ولكن هل البيع يبطل أو يصح؟ الصواب الذي لا شك فيه أنه لا يبطل بل هو صحيح لكن للبائع أن يختار أحد الأمرين إما أن يمضي أو لا يمضي ثم ذكر المؤلف هل له الخيار سواء غبن أم لم يغبن وذكر في ذلك قولين فظاهر الحديث أن له الخيار سواء غبن أم لم يغبن ويحتمل ألا يكون له الخيار إلا إذا غبن لكن الأخذ بظاهر الحديث أولى أن للبائع الخيار فإن كان مغبوناً فلغبنه وإن كان غير مغبون فلأجل تعزير هذا المتلقي الذي تلقى مع نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التلقي فيقال إن البائع له الخيار سواء غبن أم لم يغبن حتى يسد الباب على المتلقين.
[تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة 4/ 187 بترقيم الشاملة آليا]
قال الدهلوي في حجة الله البالغة: ما يكون سببا لسوء انتظام المدينة وإضرار بعضها بعضا، فيجب إخمالها والصد عنها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تلقوا الركبان لبيع ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض ، ولا يسم الرجل على سوم أخيه ، ولا تناجشوا ، ولا يبع حاضر لباد”. أقول: أما تلقي الركبان فهو أن يقدم ركب بتجارة فيتلقاه رجل قبل أن يدخلوا البلد ويعرفوا السعر، فيشتري منهم بأرخص من سعر البلد، وهذا مظنة ضرر بالبائع، لأنه إن نزل بالسوق كان أغلى له، ولذلك كان له الخيار إذا عثر على الضرر، وضرر بالعامة لأنه توجد في تلك التجارة حق أهل البلد جميعا، والمصلحة المدنية تقتضي أن يقدم الأحوج فالأحوج، فإن استووا سوى بينهم أو أقرع، فاستئثار واحد منهم بالتلقي نوع من الظلم، وليس لهم الخيار لأنه لم يفسد عليهم مالهم، وإنما منع ما كانوا يرجونه. اهـ.
….. وحكى ابن الحاجب في مختصره الخلاف في ذلك عن مالك فقال: وفي الموطإ يحمله على أهل العمود لجهلهم بالأسعار. وقيل بعمومه؛ لقوله: “ولا يبيع مدني لمصري ولا مصري لمدني” اهـ.
ولأجل هذا المعنى قال ابن حجر في (فتح الباري): قوله في هذا المتن: “وأن يبتاع المهاجر للأعرابي” المراد بالمهاجر الحضري، وأطلق عليه ذلك على عرف ذلك الزمان، والمعنى أن الأعرابي إذا جاء السوق ليبتاع شيئا لا يتوكل له الحاضر لئلا يحرم أهل السوق نفعا ورفقا، وإنما له أن ينصحه ويشير عليه. اهـ.
– ب – التغليظ في الاعتداء في الصّدقة
قال الضياء:
4 – باب التغليظ في الاعتداء في الصّدقة
ثم أورد حديث الباب …
* عن جرير بن عبد الله، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “المعتدي في الصّدقة كمانعها”.
صحيح: رواه الطبراني في الكبير (2275) عن الحسن بن علي المعمريّ، ثنا محمد بن همّام بن أبي خيرة السدوسيّ، ثنا عمر بن علي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير، فذكره.
قال الهيثميّ في “المجمع” (3/ 83): “رجاله ثقات”.
قلت: وهو كما قال، إسماعيل بن أبي خالد هو الأحمسيّ، وقيس هو ابن أبي حازم.
وأما ما روي عن أنس بن مالك، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “المعتدي في الصّدقة كمانعه” فإسناده ضعيف….
وفي الباب عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتاكم المصدّق فاعطه صدقتَك، فإن اعتدى عليك فولِّه ظهرك، ولا تلعنه. وقلْ: اللهم! إنْي أحتسب عندك ما أخذ مني”.
رواه البيهقيّ (1/ 115، 137) عن أبي نصر بن قتادة، حدّثنا أبو الحسن محمد بن الحسن السراج، ثنا مطين، ثنا محمد بن طريف، ثنا حفص بن غياث، عن عاصم (الأحول)، عن أبي عثمان (النهديّ)، عن أبي هريرة، فذكره.
وأخرجه الترمذيّ في “العلل الكبير” (1/ 322) عن محمد بن طريف بإسناده وقال: سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: إّنما يروى هذا عن أبي عثمان، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
وكذا قاله أيضًا الدّارقطنيّ في “العلل” (11/ 217).
وأما ما رواه إسحاق بن راهويه (1/ 383) من وجه آخر عن كلثوم، نا عطاء، عن أبي هريرة. ففيه كلثوم وهو ابن محمد ضعيف….
وفي الباب أيضًا ما رُوي عن أمِّ سلمة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما نقص مالٌ من صدقة، ولا عفا رجل عن مظلمة إلّا زاده الله بها عزًّا، فاعفوا يعزكّم الله، ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلّا فتح الله عليه باب فقر”.
رواه الطبرانيّ في الصغير (1/ 54)، وفي الأوسط (1405 – مجمع البحرين) عن أحمد بن إسحاق الدّميريّ، حدّثنا زكريا بن دويد بن محمد بن الأشعث بن قيس الكنديّ، حدّثنا سفيان الثوريّ، عن منصور، عن يونس بن خباب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أمّ سلمة، قالت (فذكرته).
ومن طريق الطبرانيّ رواه القضاعي في “مسند الشهاب” (817).
قال الطبراني: “لم يروه عن الثوريّ إلا قاسم بن يزيد الجرمي، وزكريا بن دُويد الأشعثي”.
قلت: بل رواه أيضًا محمد بن عمارة القرشي، عن سفيان الثوريّ، ومن طريقه رواه القضاعي في “مسند الشهاب” (783) إلا أنه لا يعرف من هو، وزكريا بن دريد كذاب كان يضع الحديث، وبه أعلّه الهيثميّ في “المجمع” (3/ 105).
وأمّا القاسم بن يزيد الجرمي فهو صدوق، وقد وثّقه أبو حاتم.
وفي الباب أيضًا عن ابن عمر: رواه البزّار -كشف الأستار (902) -، وفيه إبراهيم بن يزيد ضعيف.
وعن هُلب: رواه أحمد (21970)، وفيه قبيصة بن هُلْب مجهول كما قال ابن عدي والنسائي، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين. وقال الحافظ: “مقبول”. يعني إذا توبع، وإذا لم يتابع فلين الحديث.
[الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل المرتب على أبواب الفقه 4/ 441]
التَّعَدِّي عَلَى الأَْمْوَال:
التَّعَدِّي بِالْغَصْبِ وَالإِْتْلاَفِ وَالسَّرِقَةِ وَالاِخْتِلاَسِ:
٣ – مَنْ تَعَدَّى عَلَى مَال غَيْرِهِ فَغَصَبَهُ، أَوْ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِي إِتْلاَفِهِ شَرْعًا أَوْ سَرَقَهُ أَوِ اخْتَلَسَهُ – تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمَانِ:
أَحَدُهُمَا أُخْرَوِيٌّ. وَهُوَ: الإِْثْمُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل﴾ (١) وَقَوْلُهُ ﷺ: لاَ يَحِل مَال امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِهِ. (٢)
وَالآْخَرُ دُنْيَوِيٌّ: وَهُوَ الْحَدُّ أَوِ التَّعْزِيرُ مَعَ وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ (٣) وَلِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ﵃: لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِبًا أَوْ جَادًّا، وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا (١) فَيَجِبُ عَلَى الْمُتَعَدِّي رَدُّ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إِنْ بَقِيَتْ بِيَدِهِ كَمَا هِيَ، فَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ، أَوْ تَعَدَّى عَلَيْهَا فَأَتْلَفَهَا بِدُونِ غَصْبٍ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهَا إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، فَإِذَا انْقَطَعَ الْمِثْل أَوْ لَمْ تَكُنْ مِثْلِيَّةً وَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا. (٢)
وَمِثْل مَا تَقَدَّمَ: الْبَاغِي فِي غَيْرِ زَمَنِ الْقِتَال، حَيْثُ يَضْمَنُ الأَْمْوَال الَّتِي أَتْلَفَهَا أَوْ أَخَذَهَا.
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (غَصْبٌ، إِتْلاَفٌ، ضَمَانٌ، سَرِقَةٌ، اخْتِلاَسٌ، بُغَاةٌ) .
الموسوعة الفقهية الكويتية ١٢/٢٣٣-٢٣٤
——
جواب لبعض لجان الفتوى في شأن تكفير الحجاج :
ممن روي عنهم تكفير الحجاج: الشعبي، وقد تقدم معنى الجبت والطاغوت في الفتوى: 49669.
ولعل القول بتكفير الحجاج كان بسبب ما روي عنه من عبارات، ظاهرها الكفر، قال ابن كثير في البداية والنهاية: من الطامات أيضا ما رواه أبو داود: ثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، ثنا جرير، وحدثنا زهير بن حرب، ثنا جرير، عن المغيرة، عن بزيع بن خالد الضبي، قال: سمعت الحجاج يخطب فقال في خطبته: رسول أحدكم في حاجته أكرم عليه أم خليفته في أهله؟ فقلت في نفسي: لله علي أن لا أصلي خلفك صلاة أبدا، وإن وجدت قوما يجاهدونك لأجاهدنك معهم ـ زاد إسحاق: فقاتل في الجماجم حتى قتل. انتهى.
فإن صح هذا عنه، فظاهره كفر إن أراد تفضيل منصب الخلافة على الرسالة، أو أراد أن الخليفة من بني أمية أفضل من الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وجاء في البداية والنهاية أيضا: وقال الأصمعي: ثنا أبو عاصم النبيل، ثنا أبو حفص الثقفي قال: خطب الحجاج يوما فأقبل عن يمينه فقال: ألا إن الحجاج كافر، ثم أطرق، فقال: إن الحجاج كافر، ثم أطرق فأقبل عن يساره، فقال: ألا إن الحجاج كافر، فعل ذلك مرارا، ثم قال: كافر يا أهل العراق باللات والعزى.
وقال حنبل بن إسحاق: ثنا هارون بن معروف، ثنا ضمرة، ثنا ابن شوذب، عن مالك بن دينار، قال: بينما الحجاج يخطبنا يوما إذ قال: الحجاج كافر، قلنا: ما له؟ أي شيء يريد؟ قال: الحجاج كافر بيوم الأربعاء والبغلة الشهباء. انتهى.
فهذه الروايات ونحوها تتطرق إليها الاحتمالات من حيث الثبوت، ثم من حيث التأويل، ثم من حيث بقاؤه عليها، وعدم توبته منها، كما قال ابن كثير في البداية والنهاية: وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر -كما قدمنا- فإن كان قد تاب منها، وأقلع عنها، وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جدا لوجوه، وربما حرفوا عليه بعض الكلم، وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات، وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شيء من التلطخ بالفروج، وإن كان متسرعا في سفك الدماء. فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها، وخفيات الصدور وضمائرها. انتهى.
والأصل أن من ثبت إسلامه بيقين، فلا يخرج منه إلا بيقين مثله، ولذا رأينا التوقف في أمر تكفيره، كما سبق في الفتوى المتقدمة