52 الفوائد المنتقاه من شرح صحيح مسلم –
رقم 52
المقام في مسجد الشيخة /سلامة في مدينة العين
(ألقاه الأخ: سيف الكعبي)
بالتعاون مع الأخوة في مجموعات السلام والمدارسة والتخريج رقم 1
من عنده تعقيب أو تنبيه فليفدنا
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامه بن زيد: ماذا سمعت من رواية سول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون؟ فقال أسامه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الطاعون رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارا منه) وقال أبوالنضر: (لا يخرجكم إلا فرار منه) وفي لفظ آخر: (الطاعون آية الرجز ابتلى الله به ناسا من عباده، فإذا سمعتم به فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تفروا منه) وفي لفظ آخر: (إن هذا الطاعون رجز سلط على من كان قبلكم، أو على بني إسرائيل، فإذا كان بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه، وإذا كان بأرض فلا تدخلوها). وفي آخر: (هو عذاب أو رجز أرسله الله على طائفة من بني إسرائيل، أو ناس كانوا قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوها عليه، وإذا دخلها عليكم فلا تخرجوا منها فرارا منه).
وفي رواية (إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم، ثم بقي بعد بالأرض فيذهب المرة ويأتي الأخرى فمن سمع به بأرض فلا يقدمن عليه، ومن وقع بأرض وهو بها فلا يخرجنه الفرار منه) وفي آخر: (إن هذا الوجع رجز وعذاب أو بقية عذاب عذب به أناس من قبلكم، فإذا كان بأرض … )
وعن سعد بن أبي وقاص وخزيمة بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث.
——————–
الفوائد:
– وقع في بعض أسانيد مسلم؛ عن حبيب قال: كنا بالمدينة فبلغني أن الطاعون قد وقع بالكوفة فقال لي عطاء بن يسار وغيره …
– الطاعون: قروح تخرج في الجسد، فتكون في المراقي أو الآباط أو الأيدي أو الأصابع. وسائر البدن ويكون معه ورم وألم شديد. وتخرج تلك القروح مع لهيب ويسود ما حواليه أو يخضر أو يحمر حمرة بنفسجية كدرة. ويحصل معه خفقان القلب. (النووي).
وقال ابن القيم: أسلمه الأحمر ثم الأصفر والذي إلى السواد، فلا يفلت منه أحد.
وقال: سببه دم ردئ مائل إلى العفونة والفساد، مستحيل إلى جوهر سمي، يفسد العضو ويغير ما يليه، وربما رشح دما وصديدا، ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة، فيحدث القيء والخفقان والغشي.
ويخرج في اللحوم الرخوة والمغابن، وخلف الأذن والأرنبة.
وسيأتي إن شاء الله الكلام على حديث (الطاعون وخز أعداءكم من الجن) حين نتكلم على حديث عمر رضي الله عنه التالي. وسننقل كلام ابن القيم في أنه لا مانع من تأثير الأرواح الشريرة على الجسد.
ونص ابن القيم على فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام – يعني لحدوث الطاعون – خاصة في آخر الصيف وفي الخريف غالباً لاجتماع الفضلات المرارية الحادة وغيرها في فصل الصيف، وعدم تحللها في آخره، وفي الخريف لبرد الجو … فتحدث الأمراض العفنة، ولا سيما إذا صادفت البدن مستعداً، قابلاً رهلا، قليل الحركة كثير المواد.
– وذكر ابن القيم أن من الحكم في عدم الخروج من بلد الطاعون أن السفر يحتاج لحركة، ومطلوب من مريض الطاعون الإبتعاد عن الحمام والحركة، وكل ما يهيج الأخلاط واللجوء إلى السكون والدعة.
– فيه دليل على أن العدوى ثابته إذا قدر الله انتقالها، لأنها لا تنتقل بذاتها، وبذلك جمع بعض أهل العلم بين حديث (لا عدوى ولا طيرة)، وحديث (فر من المجذوم فرارك من الأسد).
– منه قوله تعالى (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة).
– الإيمان بالقدر.
– التوكل على الله عز وجل والثقة به ومنه قوله تعالى (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).
– فيه إثبات الحذر، والنهي عن التعرض للتلف (الخطابي)
– الابتعاد عن الأرض الوبيئة، خاصة إذا كانت تلك البلاد لا تهتم بالنظافة وقتل الحشرات الضارة.
– الخروج من الأرض التي لا تلائمه ويستثنى الطاعون فلا يجوز الفرار منه، ومنه خروج عكل وعرينه حين استوخموا المدينة، وأخذ بهذا الفقه البخاري والنسائي، وترجما له.
– الحديث دليل على ارتكاب أخف الضررين، وأهون المفسدتين.
– تنقسم الأسفار إلى أسفار محمودة ومذمومة ومباحة، والمذمومة منها حرام؛ كإباق العبد، وسفر العاق، والفرار من الطاعون على قول.
– تفضيل هذه الأمة على بقية الأمم بخصائص فهذا الطاعون رجز ابتلى الله به ناسا من عباده وهو شهادة لهذه الأمة، ومنه حديث (فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر شهيد) أخرجه البخاري 3474 وحديث (الطاعون شهادة لكل مسلم) أخرجه البخاري ومسلم، ويكون شهادة لمن صبر.
– قد يأتي الشر بالخير.
– ذكر أن الفرار من الطاعون كبيرة ومنه حديث جابر (الفار من الطاعون كالفار من الزحف … ) وقع فيه خلاف في إسناده ومتنه، فورد بلفظ (لا تفنى أمتي إلا بالطعن والطاعون) ولا يصح باللفظ الأول أما باللفظ الثاني فسيأتي ما يشهد له (وراجع تحقيقنا لكشف الأستار 3038)
ونقل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ندم على رجوعه من سرغ، أخرجه ابن أبي شيبة، قال ابن حجر: سنده جيد. ووجهه بأنه محتمل أنه إنما ندم على رجوعه لأنه كان ذاهبا لأمر فيه مصلحة للمسلمين، وكان يمكن أن يبقى خارج البلد، فإذا ارتفع الوباء دخل، وليس ندمه على عدم دخوله، لأن ذلك مخالف للحديث، وفيه مهلكه، ووجهه بعضهم بأن النهي على التنزيه، وأن القدوم عليه جائز لمن غلب عليه التوكل وقوى ابن حجر الأول.
قلت: والثاني قوي كذلك؛ خاصة أنه كتب إليهم إذا وقع الطاعون عندكم فاكتبوا لي لكي أخرج.
لكن ظاهر الحديث المنع مطلقاً وهو الذي رجحه النووي وابن حجر كما سيأتي.
– للتوسع في أحكام الطاعون يراجع كتاب ابن حجر (بذل الماعون في فضل الطاعون) ففيه ذكر مبدأ الطاعون، وأنه عذاب على الكفار رحمة على هذه الأمة، إلى غير ذلك من المباحث.
– وفيه مبحث ذكر حديث أنه وخز أعداءكم من الجن. وبيان حاله، وممن صححه الشيخ الألباني، وحكم بضعف لفظة (وخز إخوانكم).وراجع كشف الأستار 3039
وبعضهم رد الحديث جملة يقصد أنه يخالف الواقع، لكن قرر ابن القيم أنه لا يمنع من تأثير الجن عند وجود فساد الهواء، خلافاً لمن رده (زاد المعاد)
– فيه من علامات النبوة.
– من كان خارج البلد فلا يدخل، لقرية فيها طاعون، ومن كان فيها فلا يخرج، وهو ما يسمى اليوم بالحجر الصحي.
وأخرج الإمام أحمد عن عمرو بن العاص أنه قال: فروا عن هذا الرجز في الشعاب والأودية ورؤوس الجبال فقال معاذ: بل هو شهادة ورحمة … لكنه مرسل (راجع تحقيق المسند 36/ 450،ومجمع الزوائد)، لكن لبعضه شاهد فقد ورد في مسند أحمد أنه وقع الطاعون فقال: عمرو بن العاص إنه رجس فتفرقوا عنه فبلغ شرحبيل فقال: … إنه دعوة نبيكم، ورحمة ربكم …
فمن جوز الخروج والدخول تأولوا النهي على مخافة الفتنة على الناس، لئلا يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه وسلامة الفار؛ إنما كانت بفراره، وهو من نحو النهي عن الطيرة، والقرب من المجذوم، حتى قال ابن مسعود الطاعون فتنه على المقيم والفار. (قرره النووي) وصحح أن الراجح مع من منع الخروج والدخول.
قال ابن حجر: وهذا هو الراجح عند الشافعية وغيرهم، ويؤيده ثبوت الوعيد في ذلك (الفتح).
ونقل من تعليلات النهي: ضياع مصلحة المريض لفقد من يتعاهده حيا وميتا، وإدخال الرعب في قلوب الناس، ونقل المرض لبقاع أخرى، وهذا قوي وراجع (زاد المعاد 4/ 43)
أما الخروج لتجارة وعمل معتاد فلا بأس إذا كان مريد التجارة سليما من المرض. قال البغوي: لو خرج منها لحاجة يريدها أو سفر يقصده فلا بأس به بدليل الحديث (فلا تخرجوا فرارا منه).
تنبيه1: قوله في رواية (لا يخرجكم إلا الفرار منه) ذكرها البخاري ومسلم واستشكلها الأئمة فبعضهم قالوا: هو غلط، وبعضهم قال: أن (إلا) هنا للإيجاب لا للإستثناء. وتقديره؛ لا تخرجوا إذا لم يكن خروجكم إلا فرارا منه – (قرره النووي).
تنبيه 2:نقل النووي عن القاضي وغيره تغليط مسلم في نقله طرق في آخر الباب توهم أو تقتضي، أنه من رواية سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال القاضي: هذا وهم إنما هو من رواية سعد عن أسامة عن النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وأيد ذلك ابن عبدالبر وفصل في الأسانيد، وقال: هذا على طريقة أهل الحديث ثم ذكر احتمال أنه محفوظ من الوجهين.
قلت: وفي التمييز ذكر الإمام مسلم أمثلة على إيراد بعض الأسانيد متأخرة بعد الأحاديث الصحيحة؛ لإرادة التعليل، خاصة إذا حذف متونها. ويستأنس أن البخاري لم يخرجه لا عن سعد ولا عن خزيمة.
-إشكال: هل يجوز الدعوة بالطاعون وهل يخالف حديث (لا يتمنين أحدكم الموت … )، كما نقل عن بعض الصحابة مثل أبي عبيدة قال: إن هذا الوجع رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وإن أبا عبيدة يسأل الله أن يقسم له منه حظه). أخرجه أحمد 3/ 226 وضعفه محققوا المسند، وورد من طريق أخرى أخرجها ابن سعد، والطبراني في المعجم الكبير، وفيها موسى بن عبيدة الربذي وأيوب بن خالد. وذكر ابن حجر لها طرق فيها ضعف وليس فيها تمنى الموت، (راجع بذل الماعون) وكذلك ما أخرجه الطبري في تهذيبه من طريق طارق بن عبد الرحمن (أن الوباء وقع بالشام … ثم ذكر قول معاذ … ) وليس فيه الدعاء بالطاعون، مع أنه منقطع فطارق لم يلق معاذ، لكن لفظة (دعوة نبيكم … ) صحيحة
وكذلك اعترض شرحبيل بن حسنه على عمرو بن العاص، فتراجع عمرو .. لكن ليس فيه الدعوة.
فكل طريق ورد فيها الدعوة بالموت لا تخلو من مقال.
فقيل أن المقصود بالدعوة ما في حديث (سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة … وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعت، فقلت: حمى إذاً أو طاعون)،أخرجه أحمد وسبق أنه ضعيف، وحديث (اللهم اجعل فناء أمتي في سبيلك بالطعن والطاعون) أخرجه أحمد 3/ 437 ويشهد له رواية (إنها دعوة نبيكم)
فالأسانيد إلى الصحابة، وأنهم دعو بالموت بالطاعون لم تثبت، ولو صحت، تحمل أنهم إنما سألوا الله الموت بالطاعون لأنه شهادة، مثل سؤال الشهادة في المعركة.