52 التعليق على الصحيح المسند
مشاركة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي و أبي علي راشد الحوسني وأبي سالم محمد الكربي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
52 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 3 ص 134): حدثنا أبو كامل حدثنا حماد مرة عن ثابت عن أنس ومرة عن حميد عن أنس بن مالك قال: ما كان أحد من الناس أحب إليهم شخصًا من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا إذا رأوه لا يقوم له أحد منهم لما يعلمون من كراهيته لذلك.
هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم. ولا يضره أن حمادًا تارة يرويه عن حميد، وأخرى عن عن ثابت؛ فهو مكثر عنهما، وحميد خاله كما في “تحفة الأشراف”.
————————–
أولاً: دراسة الحديث رواية:
* أخرج الترمذي رحمه الله هذا الحديث في سننه 2754 من طريق حماد بن سلمة عن حميد به وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.وصححه الشيخ الألباني رحمه الله.
* الحديث في المختارة للمقدسي 1960 بلفظ ” ما كان شخص أحب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك صلى الله عليه وسلم” ثم قال: ليس في رواية ابن مهدي رؤية ورواه أيضا عن عبد الصمد ثنا حماد ثنا حميد عن أنس نحوه وعن عفان ثنا حماد ثنا حميد إسناده صحيح.
* قال محققو المسند (19/ 350): “إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة، فمن رجال مسلم”.
* الحديث أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم 946 وهو في السلسلة الصحيحة 358 وفي الضعيفة تحت حديث 364.
ثانياً: دراسة الحديث درايةً:
قال الطيبي في شرح المشكاة ج١٠/ ص٣٠٦٧: الحديث الأول عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((كراهيته لذلك)) ولعل الكراهية للمحبة والاتحاد الموجب لرفع التكلفة والحشمة، يدل على قوله: ((لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم))؛قال الشيخ أبو حامد: مهما تم الاتحاد خفت الحقوق فيما بينهم مثل القيام والاعتذار والثناء؛ فإنها وإن كانت من حقوق الصحبة لكن في ضمنها نوع من الأجنبية والتكلف. فإذا تم الاتحاد، انطوى بساط التكلف بالكلية، فلا يسلك به إلا مسلك نفسه؛ لأن هذه الآداب الظاهرة عنوان الآداب الباطنة وصفاء القلب، ومهما صفت القلوب استغنى عن تكلف إظهار ما فيها. فالحاصل أن القيام وتركه بحسب الأزمان والأحوال والأشخاص.
و في الموسوعة الفقهية الكويتيةج٣٤/ ص١١٤-ص١١٦ :
القيام للقادم والوالد والحاكم والعالم وأشراف القوم:
22 – ورد النهي عن القيام للقادم إذا كان بقصد المباهاة والسمعة والكبرياء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن يتمثل له الرجال ، قياما فليتبوأ مقعده من النار وثبت جواز القيام للقادم إذا كان بقصد إكرام أهل الفضل، لحديث أبي سعيد الخدري: أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ – سيد الأوس – فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد، فأتاه على حمار، فلما دنا من المسجد، قال للأنصار: قوموا إلى سيدكم أو خيركم.
قال النووي في شرح صحيح مسلم (2) معلقا على هذا الحديث: فيه إكرام أهل الفضل، وتلقيهم بالقيام لهم، إذا أقبلوا، واحتج به جماهير العلماء لاستحباب القيام، قال القاضي عياض: وليس هذا من القيام المنهي عنه، وإنما ذلك فيمن يقومون عليه، وهو جالس، ويمثلون قياما طوال جلوسه، وأضاف النووي: قلت: القيام للقادم من أهل الفضل مستحب، وقد جاء فيه أحاديث، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح.
ويستحب القيام لأهل الفضل كالوالد والحاكم؛ لأن احترام هؤلاء مطلوب شرعا وأدبا.
وقال الشيخ وجيه الدين أبو المعالي في شرح الهداية: وإكرام العلماء وأشراف القوم بالقيام سنة مستحبة.
ونقل ابن الحاج عن ابن رشد – في البيان والتحصيل – أن القيام يكون على أوجه:
الأول: يكون القيام محظورا، وهو أن يقوم
إكبارا وتعظيما لمن يحب أن يقام إليه تكبرا وتجبرا.
الثاني: يكون مكروها، وهو قيامه إكبارا وتعظيما وإجلالا لمن لا يحب أن يقام إليه، ولا يتكبر على القائمين إليه.
الثالث: يكون جائزا، وهو أن يقوم تجلة وإكبارا لمن لا يريد ذلك، ولا يشبه حاله حال الجبابرة، ويؤمن أن تتغير نفس المقوم إليه.
الرابع: يكون حسنا، وهو أن يقوم لمن أتى من سفر فرحا بقدومه، أو للقادم عليه سرورا به لتهنئته بنعمة، أو يكون قادما ليعزيه بمصاب، وما أشبه ذلك (1) .
وقال ابن القيم: وقد قال العلماء: يستحب القيام للوالدين والإمام العادل وفضلاء الناس، وقد صار هذا كالشعار بين الأفاضل. فإذا تركه الإنسان في حق من يصلح أن يفعل في حقه لم يأمن أن ينسبه إلى الإهانة والتقصير في حقه، فيوجب ذلك حقدا، واستحباب هذا في حق القائم لا يمنع الذي يقام له أن يكره ذلك، ويرى أنه ليس بأهل لذلك .
وقال القليوبي: ويسن القيام لنحو عالم ومصالح وصديق وشريف لا لأجل غنى،
وبحث بعضهم وجوب ذلك في هذه الأزمنة؛ لأن تركه صار قطيعة .
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت فاطمة عليه قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلىالله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها .
وورد عن محمد بن هلال عن أبيه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج قمنا له حتى يدخل بيته .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا، فقمنا له، فقال: لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضها بعضا .
وورد عن أنس رضي الله عنه قال: لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانواإذا رأوه لم يقوموا، لما يعلمون من كراهيته لذلك.
وجاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية ج٢٣ / ص٦٥– ص ٦٦:( وسئل – رحمه الله -: عن القيام للمصحف وتقبيله؟ وهل يكره أيضا أن يفتح فيه الفأل؟ .
فأجاب:
الحمد لله، القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئا مأثورا عن السلف وقد سئل الإمام أحمد عن تقبيل المصحف. فقال: ما سمعت فيه شيئا. ولكن روي عن عكرمة بن أبي جهل: أنه كان يفتح المصحف ويضع وجهه عليه ويقول: ” كلام ربي. كلام ربي ” ولكن السلف وإن لم يكن من عادتهم القيام له فلم يكن من عادتهم قيام بعضهم لبعض اللهم إلا لمثل القادم من مغيبه ونحو ذلك. ولهذا قال أنس: ” لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهته لذلك ” والأفضل للناس أن يتبعوا طريق السلف في كل شيء فلا يقومون إلا حيث كانوا يقومون. فأما إذا اعتاد الناس قيام بعضهم لبعض. فقد يقال: لو تركوا القيام للمصحف مع هذه العادة لم يكونوا محسنين في ذلك ولا محمودين بل هم إلى الذم أقرب حيث يقوم بعضهم لبعض ولا يقومون للمصحف الذي هو أحق بالقيام. حيث يجب من احترامه وتعظيمه ما لا يجب لغيره. حتى ينهى أن يمس القرآن إلا طاهر والناس يمس بعضهم بعضا مع الحدث لا سيما وفي ذلك من تعظيم حرمات الله وشعائره ما ليس في غير ذلك وقد ذكر من ذكر من الفقهاء الكبار قيام الناس للمصحف ذكر مقرر له غير منكر له.
* بوب الترمذي على هذا الحديث باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل، وأورد تحته حديث أنس الذي في الباب، وحديث عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ صَفْوَانَ حِينَ رَأَوْهُ. فَقَالَ: اجْلِسَا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.ثم قال بعده: وَفِي البَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
– حديث معاوية صححه الشيخ الألباني في سنن الترمذي برقم 2755 وقال محققو المسند (36/518) وهو حديث صحيح، وهو في الصحيح المسند برقم 1121.
سيأتي ترجيح ابن حجر لرواية من قال أن ابن الزبير لم يقم لمعاوية . خلافا لمن قال أن كلاهما قاما
* قال ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن (2/481-482) بعد أن أورد الأحاديث التي رواه الترمذي في هذا الباب: ” وَفِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَقُوم الرَّجُل لِلرَّجُلِ فِي حَضْرَته وَهُوَ قَاعِد , فَإِنَّ مُعَاوِيَة رَوَى الْخَبَر لَمَّا قَامَا لَهُ حِين خَرَجَ . وَأَمَّا الْأَحَادِيث الْمُتَقَدِّمَة فَالْقِيَام فِيهَا عَارِض لِلْقَادِمِ . مَعَ أَنَّهُ قِيَام إِلَى الرَّجُل لِلِقَائِهِ لَا قِيَامًا لَهُ , وَهُوَ وَجْه حَدِيث فَاطِمَة . فَالْمَذْمُوم : الْقِيَام لِلرَّجُلِ . وَأَمَّا الْقِيَام إِلَيْهِ لِلتَّلَقِّي إِذَا قَدِمَ : فَلَا بَأْس بِهِ . وَبِهَذَا تَجْتَمِع الْأَحَادِيث . وَاَللَّه أَعْلَم”.
* ابن الأثير في جامع الأصول في حرف الصاد في الكتاب السابع: في الصحبة وجعل تحته ثمانية عشر فصلاً، الفصل الثالث منه بعنوان: في المجالسة وآداب المجلس، وجعل تحته ثمانية فروع، وفي الفرع الثالث منه بعنوان: في القيام للداخل أورد تحته ثلاثة أحاديث حديث أنس ومعاوية المتقدمين وحديث أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه – : قال : «خرج علينا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَكِّئا على عصى ، فقمنا إِليه. فقال : لا تقوموا كما يقوم الأعاجم ، يعظِّم بعضهم بعضا». أخرجه أبو داود.
– نقل ابن حجر في الفتح (11/50) عن الطبري بأن حديث أبي أمامة حديث ضعيف مضطرب السند فيه من لا يعرف.
– قال العراقي تخريج الإحياء (3/118): ” وفيه أبو العديس مجهول”.
– وضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة برقم 346 وقال فيه: ” وفي إسناده اضطراب وضعف وجهالة “.
* بوب البغوي في شرح السنة (12/294) برقم 3329 باب كراهية القيام وأورد تحته حديث أنس ومعاوية رضي الله عنهما وقال في آخر الباب: ” قال الإمام: وهذا فيمن سلك فيه طريق التكبر، فأما القيام على وجه الاحترام، فغير مكروه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة حين أقبل سعد: «قوموا إلى سيدكم».”
* وعن جابر بن عبد الله، وفيه: أنهم صَلَّوا خلفَه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قياماً وهو قاعد، فأشارَ إليهم فَقَعَدُوا، فلما صلى قال: “إن كدتُم آنفاً تفعلون فعلَ فارسَ والرُّومِ، يقومون على مُلوكِهم وهم قعودٌ”، وهو عند مسلم (413) (84) .
* بوب ابن أبي شيبة في مصنفه فِي الرَّجُلِ يَقُومُ لِلرَّجُلِ إِذَا رَآهُ، وأورد تحته حديث أبي أمامة ومعاوية وأنس بن مالك رضي الله عنهم.
* للتنبيه: حديث: ” يقوم الرجل للرجل ، إلا بني هاشم فإنهم لا يقومون لأحد.” موضوع راجع السلسلة الضعيفة 345.
* قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة تحت حديث رقم 346: ” فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره هذا القيام لنفسه وهي المعصومة من نزعات الشيطان ، فبالأحرى أن يكرهه لغيره ممن يخشى عليه الفتنة ، فما بال كثير من المشايخ وغيرهم قد استساغوا هذا القيام وألفوه كأنه أمر مشروع ، كلا بل إن بعضهم ليستحبه مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم ” ذاهلين عن الفرق بين القيام للرجل احتراما وهو المكروه ، وبين القيام إليه لحاجة مثل الاستقبال والإعانة عن النزول ، وهو المراد بهذا الحديث الصحيح ، ويدل عليه رواية أحمد له بلفظ : قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ” وسنده حسن وقواه الحافظ في “الفتح ” ، وقد خرجته في “سلسلة الأحاديث الصحيحة ” رقم (67) ، وللشيخ القاضي عز الدين عبد الرحيم بن محمد القاهري الحنفي (ت : 851 ه-) رسالة في هذا الموضوع أسماها ” تذكرة الأنام في النهي عن القيام ” لم أقف عليها ، وإنما ذكرها كاتب حلبي في “كشف الظنون.”
* أخرج أبو داود في سننه 5145 عن عمر بن السائب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا يوما ، فأقبل أبوه من الرضاعة ، فوضع له بعض ثوبه ، فقعد عليه ، ثم أقبلت أمه ، فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر ، فجلست عليه ، ثم أقبل أخوه من الرضاعة ، فقام له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجلسه بين يديه.
والحديث ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة وذكر الشيخ للحديث ثلاث علل:
الأولى: جهالة المبلغ لعمر بن السائب.
الثانية: أن عمر بن السائب نفسه لم تثبت عدالته فإنه لم يوثقه أحد غير ابن حبان وأورده ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يحك له توثيقا، فهو في حكم المستورين، وقال ابن حجر عنه صدوق، قال الألباني: لعل ذلك بسبب رواية الليث بن سعد وابن لهيعة وأسامة بن زيد عنه.
الثالثة: أحمد بن سعيد الهمداني مختلف فيه.
وخلاصة القول أن الحديث ضعيف لا يحتج به.
ثم قال الشيخ الألباني رحمه الله: ” وإن ما حملني على الكشف عن حال هذا الحديث أنني رأيت نشرة لأحد مشايخ (إدلب) بعنوان : قيام الرجل للقادم عليه جائز ” ، ذكر فيها اختلاف العلماء في هذه المسألة ، ومال هو إلى القول بالجواز واستدل على ذلك بأحاديث بعضها صحيح لا دليل فيه ، كحديث : قوموا إلى سيدكم ” ، وبعضها لا يصح كهذا الحديث ، وقد أورده من رواية أبي داود ، دون أن يعلم ما فيه من الضعف ، وهذا أحسن الظن به ! ولذلك قمت بواجب بيانه ، نصحا للأمة ، وشفقة أن يغتر أحد به . ونحن وإن كنا لا نقول بتحريم هذا القيام الذي اعتاده الناس اليوم ، والذي حكى الخلاف فيه الشيخ المشار إليه نفسه ، لعدم وجود دليل التحريم ، فإننا ندعو الناس جميعا ، وفي مقدمتهم أهل العلم والفضل أن يقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في موقفه من هذا القيام ، فإذا كان أحبه صلى الله عليه وسلم لنفسه ، فليحبوه لأنفسهم ، وإن كان كرهه لنفسه المعصومة عن وسوسة الشيطان وحبائله ، فعليهم أن يكرهوه لأنفسهم من باب أولى ، كما يقول الفقهاء ، لأنها غير معصومة من وساوس الشيطان وحبائله”.
* وأيضا من الأحاديث التي لا تثبت في هذا الباب حديث: ” يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا ، فلا تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ، ولا يبلغ الميت ، فلما بلغ باب رسول الله صلى الله عليه وسلم استبشر ووثب له رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما على رجليه ، فرحا بقدومه. ”
قال الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة 1443: موضوع.
– وينظر التعليق على الصحيح المسند 1121 في مجموعة السلام فقد نقلوا كلام الشيخ عبدالسلام برجس في تعليقهم على حديث معاوية رضي الله عنه.
* جاء في صحيح الأدب المفرد عن أنس بلفظ: “مَا كَانَ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ رُؤْيَةً مِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانُوا إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا إِلَيْهِ (1) ، لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لذلك”.
علق على هذه اللفظة الشيخ الألباني رحمه الله قائلاً: ” كذا في الأصل، وفي ” مشكل الآثار” و”مسند أبي يعلى”: ” له ” والظاهر أنه الصواب للفرق الذي سبق بيانه بين “القيام له ” و”القيام إليه” وأن الأول هو المكروه، وأما القيام الآخر فلا شك ي جوازه لعامة الناس فضلاً عن سيدهم، كما في حدث سعد بن معاذ الذي قبله، وقد يكون واجباً أحياناً، ولا سيما لخصوص النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما لا يخفى.
وإن مما يؤكد ما صوبته رواية البيهقي بلفظ” ” ولم يتحركوا”؛ فإنه بمعنى: ” لم يقوموا له “، للإطلاق الذي فيه، ونحوه رواية الترمذي وأحمد التي ليس فيها: ” إليه” ولا ” “له”.
وفي رواية البيهقي فائدة لا بد من ذكرها؛ لأنها تلقي نوراً يبين للقراء أن حفاظ الحديث كانوا يقتدون به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كراهتهم لهذا القيام الذي ابتلي الناس به في هذا الزمان، وفيهم كثير من الخاصة فقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ (هو الحاكم صاحب المستدرك) قال: ” حضرت مجلس أبي محمد؛ عبد الرحمن بن المرزباني الخزاز بـ (همدان) – محدث عصره [له ترجمة جيدة في ” سير الذهبي” (15/477) ووصفه بـ” الإمام المحدث القدوة.. أحد أركان السنة بـ (همدان) ، كان صدوقاً قدوة، له أتباع”.]- فخرج إلينا ونحن قعود ننظره، فلما أقبل علينا قمنا عن آخرنا: فزبرنا ثم: قال: نا، … “.
قلت: ثم ساق إسناده إلى أنس بهذا الحديث ومثل هذه عن السلف كثير، لو جمعت لجاء من ذلك رسالة لطيفة، لعل أحد إخواننا المجدين ينشط لذلك، ولله الموفق”.
* البخاري في الأدب المفرد بوب باب قيام الرجل لأخيه وأورد تحته عدة أحاديث:
– عن عبد الله بن كعب- وكان قائد كعب من بنيه حين عمي – قال: سمعت كعب بن مالك، يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن غزوة تبوك، فتاب الله عليه: وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر، فتلقاني الناس فوجاً فوجاً؛ يهنوني بالتوبة، يقولون: لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس. فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول، حتى صافحني وهناني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره، لا أنساها لطلحة.
– عن أبي سعيد الخدري: أن ناساً نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل(1) إليه، فجاء على حمار، فلما بلغ قريباً من المسجد (2) قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ائتوا(3) خيركم، أو سيدكم” فقال: ” يا سعد! إن هؤلاء نزلوا على حكمك”. فقال سعد: أحكم فيهم: أن تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذريتهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ” حكمت بحكم الله ” أو قال: ” حكمت بحكم الملك”
علق الشيخ الألباني رحمه الله على لفظة: “ائتوا خيركم، أو سيدكم”: ” كذا الأصل ، وهو في صحيح المؤلف (3804) عن الشيخ الذي رواه عنه هنا بلفظ “قوموا” ، وكذلك رواه عن ثلاثة شيوخ آخرين (2043 و4121 و6262) وكذلك هو عند مسلم (5/160)، وعند كل من أخرج الحديث ، فيبدو لي – والله أعلم – أن المؤلف رحمه الله تعمد رواية الحديث بالمعنى المراد منه؛ ليلفت النظر أنه ليس له علاقة بقيام الرجل لأخيه إكراماً له ، كما هو الشائع، وإنما هو لإعانته على النزول؛ لأنه كان جريحاً كما تقدم، ولو أنه أراد المعنى الألو، لقال: ” قوموا لسيدكم” ،وهو مما لا أصل له في شيء من طرق الحديث، بل قد جاء في بعضها النص القاطع بالمعنى الآخر الصحيح بلفظ ” ” قوموا إلى سيدكم؛ فأنزلوه”.
وإسناده حسن كما قال الحافظ” ولذلك رد على النوي استدلاله بحديث ” الصحيحين ” على مشروعية القيام للإكرام، كما كنت نقلت ذلك عنه تحت هذا الحديث من “الصحيحة” رقم (67)، ولذلك فقول الحافظ في صدد سرد فوائد الحديث ” ومصافحة القادم ، والقيام له” ! “.
– ثم أورد حديث أنس الذي في الباب.
– عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: ما رأيت أحداً من الناس كان أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة”.قالت: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآها قد أقبلت رحب بها، ثم قام إليها(1) فقبلها، ثم أخذ بيدها، فجاء بها حتى يجلسها في مكانه، وكانت إذا أتاها النبي صلى الله عليه وسلم رحبت به، ثم قامت إليه [فأخذت بيده/971] فقبلته… الحديث بطوله.
– ثم بوب البخاري باب: باب قيام الرجل للرجل القاعد ثم أورد تحته حديثا عن جابر قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فصلينا وراءه- وهو قاعد – وأبو بكر يسمع الناس تكبيره، فالتفت إلينا فرآنا قياماً، فأشار إلينا فقعدنا، فصلينا بصلاته قعوداً، فلمّا سلم، قال: ” إن كدتم لتفعلوا فعل فارس والروم. يقومون على ملوكهم وهم قعود، فلا تفعلوا، ائتموا بأئمتكم، إن صلى قائماً فصلوا قياماً، وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً”.
ورد في فتاوى اللجنة الدائمة (1/144-147) .
بالنسبة للوقوف للداخل فقد أجاب عنه شيخ الإسلام ابن تيمية إجابة مفصلة مبنية على الأدلة الشرعية رأينا ذكرها لوفائها بالمقصود ، قال رحمه الله تعالى : ( لم تكن عادة السلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أن يعتادوا القيام كلما يرونه عليه السلام ، كما يفعله كثير من الناس ، بل قال أنس بن مالك : ( لم يكن شخص أحب إليهم من النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك ) . رواه الترمذي (2754) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
ولكن ربما قاموا للقادم من مغيبه تلقيا له ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام لعكرمة. وقال للأنصار لما قدم سعد بن معاذ : “قوموا إلى سيدكم” رواه البخاري (3043) ومسلم (1768) . وكان قد قدم ليحكم في بني قريظة ؛ لأنهم نزلوا على حكمه .
والذي ينبغي للناس أن يعتادوا اتباع السلف على ما كانوا عليه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم خير القرون، وخير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يعدل أحد عن هدي خير الورى وهدي خير القرون إلى ما هو دونه . وينبغي للمطاع أن لا يقر ذلك مع أصحابه بحيث إذا رأوه لم يقوموا له إلا في اللقاء المعتاد .
وأما القيام لمن يقدم من سفر ونحو ذلك تلقيا له فحسن ، وإذا كان من عادة الناس إكرام الجائي بالقيام ، ولو ترك لاعتقد أن ذلك لترك حقه أو قصد خفضه ولم يعلم العادة الموافقة للسنة فالأصلح أن يقام له ؛ لأن ذلك أصلح لذات البين وإزالة التباغض والشحناء، وأما من عرف عادة القوم الموافقة للسنة فليس في ترك ذلك إيذاء له، وليس هذا القيام المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار ) . رواه الترمذي (2755) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فإن ذلك أن يقوموا له وهو قاعد ، ليس هو أن يقوموا له لمجيئه إذا جاء ، ولهذا فرقوا بين أن يقال قمت إليه وقمت له ، والقائم للقادم ساواه في القيام بخلاف القائم للقاعد .
وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم قاعدا من مرضه وصلوا قياما أمرهم بالقعود ، وقال : ( لا تعظموني كما يعظم الأعاجم بعضها بعضا ) وقد نهاهم عن القيام في الصلاة وهو قاعد لئلا يتشبه بالأعاجم الذين يقومون لعظمائهم وهم قعود وجماع ذلك كله الذي يصلح ، اتباع عادات السلف وأخلاقهم والاجتهاد عليه بحسب الإمكان .
فمن لم يعتقد ذلك ولم يعرف أنه العادة وكان في ترك معاملته بما اعتاد من الناس من الاحترام مفسدة راجحة فإنه يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ، كما يجب فعل أعظم الصلاحين بتفويت أدناهما ). انتهى كلام شيخ الإسلام .
ومما يزيد ما ذكره إيضاحا ما ثبت في الصحيحين في قصة كعب بن مالك لما تاب الله عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهم جميعا، وفيه أن كعبا لما دخل المسجد قام إليه طلحة بن عبيد الله يهرول فسلم عليه وهنأه بالتوبة ، ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على جواز القيام لمقابلة الداخل ومصافحته والسلام عليه. ومن ذلك ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل على ابنته فاطمة قامت إليه وأخذت بيده وأجلسته مكانها ، وإذا دخلت عليه قام إليها وأخذ بيدها وأجلسها مكانه ” حسنه الترمذي .
* نقل ابن حجر في الفتح (11/49) عن ابن بطال قوله عن حديث ” قوموا إلى سيدكم”: “في هذا الحديث أمر الإمام الأعظم بإكرام الكبير من المسلمين ومشروعية إكرام أهل الفضل في مجلس الإمام الأعظم والقيام فيه لغيره من أصحابه وإلزام الناس كافة بالقيام إلى الكبير منهم” إلى أن قال: ” واحتج بن بطال للجواز بما أخرجه النسائي من طريق عائشة بنت طلحة عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى فاطمة بنته قد أقبلت رحب بها ثم قام فقبلها ثم أخذ بيدها حتى يجلسها في مكانه قلت وحديث عائشة هذا أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه بن حبان والحاكم وأصله في الصحيح كما مضى في المناقب وفي الوفاة النبوية لكن ليس فيه ذكر القيام وترجم له أبو داود باب القيام وأورد معه فيه حديث أبي سعيد وكذا صنع البخاري في الأدب المفرد وزاد معهما حديث كعب بن مالك في قصة توبته وفيه فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول “.
* وقال ابن حجر في الفتح (11/50- 51): ” ومحصل المنقول عن مالك إنكار القيام ما دام الذي يقام لأجله لم يجلس ولو كان في شغل نفسه فإنه سئل عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها فتتلقاه وتنزع ثيابه وتقف حتى يجلس فقال أما التلقي فلا بأس به وأما القيام حتى يجلس فلا فإن هذا فعل الجبابرة وقد أنكره عمر بن عبد العزيز وقال الخطابي في حديث الباب جواز إطلاق السيد على الخير الفاضل وفيه أن قيام المرءوس للرئيس الفاضل والإمام العادل والمتعلم للعالم مستحب وإنما يكره لمن كان بغير هذه الصفات ومعنى حديث من أحب أن يقام له أي بأن يلزمهم بالقيام له صفوفا على طريق الكبر والنخوة ورجح المنذري ما تقدم من الجمع عن بن قتيبة والبخاري وأن القيام المنهي عنه أن يقام عليه وهو جالس وقد رد بن القيم في حاشية السنن على هذا القول بأن سياق حديث معاوية يدل على خلاف ذلك وإنما يدل على أنه كره القيام له لما خرج تعظيما ولأن هذا لا يقال له القيام للرجل وإنما هو القيام على رأس الرجل أو عند الرجل قال والقيام ينقسم إلى ثلاث مراتب قيام على رأس الرجل وهو فعل الجبابرة وقيام إليه عند قدومه ولا بأس به وقيام له عند رؤيته وهو المتنازع فيه قلت وورد في خصوص القيام على رأس الكبير الجالس ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أنس قال إنما هلك من كان قبلكم بأنهم عظموا ملوكهم بأن قاموا وهم قعود ثم حكى المنذري قول الطبري وأنه قصر النهي على من سره القيام له لما في ذلك من محبة التعاظم ورؤية منزلة نفسه وسيأتي ترجيح النووي لهذا القول ثم نقل المنذري عن بعض من منع ذلك مطلقا أنه رد الحجة بقصة سعد بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بالقيام لسعد لينزلوه عن الحمار لكونه كان مريضا قال وفي ذلك نظر قلت كأنه لم يقف على مستند هذا القائل وقد وقع في مسند عائشة عند أحمد من طريق علقمة بن وقاص عنها في قصة غزوة بني قريظة وقصة سعد بن معاذ ومجيئه مطولا وفيه قال أبو سعيد فلما طلع قال النبي صلى الله عليه وسلم قوموا إلى سيدكم فأنزلوه وسنده حسن وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه وقد احتج به النووي في كتاب القيام ونقل عن البخاري ومسلم وأبي داود أنهم احتجوا به ولفظ مسلم لا أعلم في قيام الرجل للرجل حديثا أصح من هذا وقد اعترض عليه الشيخ أبو عبد الله بن الحاج فقال ما ملخصه لو كان القيام المأمور به لسعد هو المتنازع فيه لما خص به الأنصار فإن الأصل في أفعال القرب التعميم ولو كان القيام لسعد على سبيل البر والإكرام لكان هو صلى الله عليه وسلم أول من فعله وأمر به من حضر من أكابر الصحابة فلما لم يأمر به ولا فعله ولا فعلوه دل ذلك على أن الأمر بالقيام لغير ما وقع فيه النزاع وإنما هو لينزلوه عن دابته لما كان فيه من المرض كما جاء في بعض الروايات ولأن عادة العرب أن القبيلة تخدم كبيرها فلذلك خص الأنصار بذلك دون المهاجرين مع أن المراد بعض الأنصار لا كلهم وهم الأوس منهم لأن سعد بن معاذ كان سيدهم دون الخزرج وعلى تقدير تسليم أن القيام المأمور به حينئذ لم يكن للإعانة فليس هو المتنازع فيه بل لأنه غائب قدم والقيام للغائب إذا قدم مشروع قال ويحتمل أن يكون القيام المذكور إنما هو لتهنئته بما حصل له من تلك المنزلة الرفيعة من تحكيمه والرضا بما يحكم به والقيام لأجل التهنئة مشروع أيضا.
* قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود (27/ 379)
” والقيام للرجل كما هو معلوم جاء ما يدل على منعه، وأما القيام إلى الرجل من أجل استقباله أو معانقته أو إكرامه ومصافحته، فهذا لا بأس به ولا مانع منه، وإنما الممنوع كونه يقوم ويجلس فقط احتراماً وتوقيراً لمن دخل أو لمن يريد أن يخرج، وأما إذا كان هناك استقبال أو مصافحة أو معانقة فإنه يكون قائماً”.
– وقال الشيخ في موضع آخر (29/325): “والقيام يكون للرجل، ويكون إلى الرجل، ويكون على الرجل، فله أحوال ثلاثة: القيام للرجل: بأن يقوم احتراماً له بلا مصافحة ولا معانقة وإنما هو محض قيام وجلوس، وهذا هو الذي لا يسوغ، وهذا هو الذي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلونه لما يعلمون من كراهيته صلى الله عليه وسلم له، وأما إذا كان لاستقباله أو لمعانقته أو لمصافحته فإن ذلك سائغ؛ لأنه قيام إليه وليس قياماً له، ومن ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس، لما نزل بنو قريظة على حكمه وجاء على حمار، قال عليه الصلاة والسلام: (قوموا إلى سيدكم أو قوموا إلى خيركم) فهذا قيام إليه، إما لمساعدته في النزول أو لمرافقته أو لاستقباله، وليس هذا قياماً له؛ لأن القيام له هو قيام احترام وتوقير فقط بدون سلام أو بدون استقبال أو أنه يكرمه بذلك، وأما القيام على الرجل فهو القيام على رأسه وهو جالس، وهذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية حيث كان المغيرة بن شعبة واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم يحرسه ومعه السيف، فهذا قيام سائغ إذا دعت الحاجة إليه وحصل أمر يقتضيه، مثلما حصل في هذه القصة”.
* قال المباركفوري في تحفة الأحوذي (8/24): ” قوله (لم يكن شخص أحب إليهم) أي إلى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين (وكانوا) أي جميعا (إذا رأوه) أي مقبلا (لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك) أي لقيامهم تواضعا لربه ومخالفته لعادة المتكبرين والمتجبرين بل اختار الثبات على عادة العرب في ترك التكلف في قيامهم وجلوسهم وأكلهم وشربهم ولبسهم ومشيهم وسائر أفعالهم وأخلاقهم”.
– وقال في (8/25): “اعلم أنه قد اختلف أهل العلم في قيام الرجل للرجل عند رؤيته فجوزه بعضهم كالنووي وغيره ومنعه بعضهم كالشيخ أبي عبد الله بن الحاج المالكي وغيره وقال النووي في الأذكار وأما إكرام الداخل بالقيام فالذي نختاره أنه مستحب لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية ونحو ذلك ويكون هذا القيام للبر والإكرام والاحترام لا للرياء والإعظام
وعلى هذا استمر عمل السلف والخلف وقد جمعت في ذلك جزءا جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدالة على ما ذكرته
وذكرت فيه ما خالفها وأوضحت الجواب عنه فمن أشكل عليه من ذلك شيء ورغب في مطالعته رجوت أن يزول إشكاله انتهى
قلت وقد نقل بن الحاج ذلك الجزء في كتابه المدخل وتعقب على كل ما استدل به النووي ”
ثم أورد المباركفوري ما أورده النووي وما أجاب عليه ابن الحاج.
* اللجنة الدائمة سئلوا:
(أ) ما حكم الإسلام في وقوف الطلبة لمدرسيهم أثناء دخولهم الفصول، هل هو جائز أم لا؟
(ب) هل وقوف الناس بعضهم لبعض في المجالس حين التحية والمصافحة منهي عنه؟
فأجابوا:
” خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وخير القرون القرن الذي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة بعده، كما ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم، وكان هديه صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في هذا المقام أنه إذا جاء إليهم لا يقومون له؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك، فلا ينبغي لهذا المدرس أن يأمر طلبته بأن يقوموا له، ولا ينبغي لهم أن يمتثلوا إذا أمرهم، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … نائب رئيس اللجنة … الرئيس
عبد الله بن قعود … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
* قال الشيخ ابن باز في مجموع فتاويه (2/91-93):
” ولا ينبغي للأستاذ أن يرضى من الطلبة بذلك , لحديث معاوية رضي الله عنه أن النبي عليه السلام قال : « من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده في النار » (2) أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد جيد وقد حسنه الترمذي , وأخرح أبو داود بإسناد فيه ضعف عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : « خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئا على عصا فقمنا إليه فقال : لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا » (3) وأخرجه أيضا أحمد وابن ماجة , وذكر هذه الأحاديث الحافظ محمد بن مفلح في ( الآداب الشرعية ) صفحة 464 و 465 المجلد الأول , وقد استثنى بعض أهل العلم من هذه الأحاديث القيام للقادم من السفر للسلام عليه ومصافحته أو معانقته , وكذا من طالت غيبته , واستثنى بعضهم قيام الولد لأبيه لإكرامه والأخذ بيده , وقيام الوالد لولده إذا كان أهلا لذلك , والمراد القيام للسلام والمصافحة , وهذا الاستثناء صحيح , وقد دلت عليه السنة الصحيحة , منها ما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للصحابة لما قدم سعد بن معاذ للحكم في قريظة : « قوموا إلى سيدكم » (1) والمراد : القيام للسلام عليه وإنزاله عن دابته , وفي الصحيحين أيضا عن كعب بن مالك « أنه لما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد والناس حوله لما أنزل الله توبته قام إليه طلحة بن عبيد الله يهرول فصافحه وهنأه بتوبة الله عليه ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم » (2) وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كانت فاطمة رضي الله عنها إذا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قامت إليه فأخذت بيده وقبلته وأجلسته في مجلسها , وإذا دخلت عليه قام إليها النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه » (3) فهذه الأحاديث صريحة في جواز مثل هذا وأنه لا يدخل في القيام المكروه , وأما ما يفعله بعض الناس اليوم من القيام للأستاذ ونحوه كلما دخل عليهم لتعظيمه لا للمصافحة ونحوها , وإنما يقفون ثم يجلسون تعظيما له واحتراما , فلا شك في كراهة ذلك وإنكاره …
* وقال في موضع آخر في فتاويه (4/394-395): ” والقيام ثلاثة أقسام كما قال العلماء :
القسم الأول : أن يقوم عليه وهو جالس للتعظيم , كما تعظم العجم ملوكها وعظماءها , كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم , فهذا لا يجوز , ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلسوا لما صلى بهم قاعدا , أمرهم أن يجلسوا ويصلوا معه قعودا , ولما قاموا قال : « كدتم أن تعظموني كما تعظم الأعاجم رؤساءها » .
القسم الثاني : أن يقوم لغيره واقفا لدخوله أو خروجه من دون مقابلة ولا مصافحة , بل لمجرد التعظيم , فهذا أقل أحواله أنه مكروه , وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يقومون للنبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليهم , لما يعلمون من كراهيته لذلك عليه الصلاة والسلام .
القسم الثالث : أن يقوم مقابلا للقادم ليصافحه أو يأخذ بيده ليضعه في مكان أو ليجلسه في مكانه , أو ما أشبه ذلك , فهذا لا بأس به , بل هو من السنة كما تقدم”.
ترجيح الشيخ الأثيوبي :
نقل الشيخ محمد علي آدم حفظه الله عن النووي رحمه الله بأن الحديث يحمل على أمرين:
أ- أنه خاف عليهم الفتنة، إذا أفرطوا في تعظيمه، فكره قيامهم له، لهذا المعنى كما قال ( لا تطروني )، ولم يكره قيام بعضهم لبعض، فإنه قد قام بعضهم لبعض، وقاموا لغيره بحضرته، فلم ينكر عليهم، بل أقره، وأمر به.
ب- أنه كان بينه وبين أصحابه من الأنس، وكمال الود والصفاء ما لا يحتمل زيادة بالإكرام بالقيام، فلم يكن في القيام مقصود، وإن فرض للإنسان صاحب بهذه الحالة لم يحتج إلى قيام.
ونقل الشيخ محمد علي آدم حفظه الله عن بن كثير رحمه الله عن بعض المحققين التفصيل فيه، فقال:
المحذور أن يتخذ ديدنا، كعادة الأعاجم، كما دل عليه حديث أنس رضي الله عنه.
وقال الشيخ محمد علي آدم حفظه الله تعالى:
وخلاصة هذا كله: أن القيام للإنسان مشروع إذا كان القصد حسنا، كأن يقوم لاستقبال قادم من سفر، أو لتهنئة شخص بحدوث نعمة، أو دفع نقمة، أو تعزيته على مصيبة أو لإعانته، بأن كان عاجزا، أو لتوسعة مجلس له، أو نحو ذلك من المقاصد الحسنة، وما عدا ذلك فليس مشروعا، فتأمله بالإنصاف، والإمعان، والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب
شرح صحيح مسلم المجلد٣٠ الصفحات ٦٧٨و٦٨٠
تنبيه: الشيخ مقبل رحمه الله أورد هذا الحديث من رواية أبي داود في سننه وفيه أن الذي قام هو ابن عامر وأما ابن الزبير فجلس ولم يقم، وقد بين ابن حجر في الفتح أن هذه الرواية التي فيها جلوس ابن الزبير هي الأرجح.
فقد قال رحمه الله في الفتح (11/50): ” وله طريق أخرى عن معاوية أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والمصنف في الأدب المفرد من طريق أبي مجلز قال خرج معاوية على بن الزبير وبن عامر فقام بن عامر وجلس بن الزبير فقال معاوية لابن عامر اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار هذا لفظ أبي داود وأخرجه أحمد من رواية حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز وأحمد عن إسماعيل بن علية عن حبيب مثله وقال العباد بدل الرجال ومن رواية شعبة عن حبيب مثله وزاد فيه ولم يقم بن الزبير وكان أرزنهما قال فقال مه فذكر الحديث وقال فيه من أحب أن يتمثل له عباد الله قياما وأخرجه أيضا عن مروان بن معاوية عن حبيب بلفظ خرج معاوية فقاموا له وباقيه كلفظ حماد وأما الترمذي فإنه أخرجه من رواية سفيان الثوري عن حبيب ولفظه خرج معاوية فقام عبد الله بن الزبير وبن صفوان حين رأوه فقال اجلسا فذكر مثل لفظ حماد *وسفيان وإن كان من جبال الحفظ إلا أن العدد الكثير وفيهم مثل شعبة أولى بأن تكون روايتهم محفوظة من الواحد وقد اتفقوا على أن بن الزبير لم يقم* وأما ابدال بن عامر بابن صفوان فسهل لاحتمال الجمع بأن يكونا معا وقع لهما ذلك ويؤيده الإتيان فيه بصيغة الجمع وفي رواية مروان بن معاوية المذكورة”.
تنبيه : لأحكام السلام * ينظر بحث للشيخ عبدالسلام برجس رحمه الله بعنوان ” الإعلام ببعض أحكام السلام” من ص 9 إلى ص 30.
وراجع – الصحيح المسند بالأرقام
1024 و 1403 و 1571 –
ومرت قريباً كذلك إضافات كثيرة في الصحيح المسند برقم 1121 ، وكان موضوع الحديث القيام
وراجع مختلف الحديث 116
كيف التوفيق بين حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيتُ أحدًا أَشْبَهَ سَمْتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسولِ اللهِ في قيامِها وقعودِها من فاطمةَ بنتِ رسولِ اللهِ ـﷺ قالت وكانت إذا دَخَلَتْ على النبيِّ ـﷺ قام إليها فقَبَّلَها وأَجْلَسَها في مَجْلِسِهِ وكان النبيُّﷺ إذا دخل عليها قامت من مَجْلِسِها فقَبَّلَتْهُ وأَجْلَسَتْهُ في مَجْلِسِها ..
صحيح الأدب المفرد برقم: (725)
وبين حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ـﷺ أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا ). متفق عليه.
ولمسلم:(كان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه).
برقم: (2177)
ففي الحديث الاجلاس في نفس المكان
وفي الحديث الثاني وأثر ابن عمر ؛ عدم الإذن