516 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل:
مسند طارق بن شهاب رضي الله عنه
516 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 4 ص 315): حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مخارق عن طارق بن شهاب قال: قدم وفد بجيلة على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «اكسوا البجليين وابدءوا بالأحمسيين» قال فتخلف رجل من قيس قال حتى أنظر ما يقول لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خمس مرات «اللهم صل عليهم -أو اللهم بارك فيهم-» مخارق الذي يشك.
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُخَارِقٍ، عَنْ طَارِقٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ أَحْمَسَ وَوَفْدُ قَيْسٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ابْدَءُوا بِالأَحْمَسِيِّينَ قَبْلَ الْقَيْسِيِّينَ» ثم دَعَا لأَحْمَسَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ فِى أَحْمَسَ، وَخَيْلِهَا، وَرِجَالِهَا» سَبْعَ مَرَّاتٍ.
هذا حديث صحيحٌ.
ومخارق هو ابن خليفه بن جابر، ويقال: مخارق بن عبد الله، ويقال: ابن عبد الرحمن، الأحمسي أبو سعيد، كما في “تهذيب التهذيب”.
———
الحديث أورده أحمد في فضائل الصحابة 1695
قال محققو المسند 18833:
إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير مخارق: وهو ابن خليفة فمن رجال البخاري، وطارق بن شهاب إنما رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رؤية ولم يسمع منه، فحديثه مرسل صحابي.
وأخرجه مختصراً الطيالسي (1281) عن شعبة، بهذا الإسناد.
وشَك مخارق في هذه الرواية انتفى في الرواية الآتية (18834) فقال: “اللهم بارك في أحمس وخيلها ورجالها”.
وسيرد برقم (18834).
وله شاهد من حديث جرير بن عبد الله البجلي عند البخاري (3020) ومسلم (2476) (136)، وسيرد (19188)، ولفظه عند البخاري: فبارَكَ في خيل أحمس ورجالها خمس مرات.
[مسند أحمد 31/ 129 ط الرسالة]
بوب عليه الشيخ مقبل في الجامع:
21 – دعاؤه صلى الله عليه وسلم لأحمس
89 – فضائل أحمس
117 – أسماء القبائل والشعوب
قال البخاري:
188 – بَاب: الْبِشَارَةِ فِي الْفُتُوحِ.
2911 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا يَحْيَى: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ قَالَ: قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ). وَكَانَ بَيْتًا فِيهِ خَثْعَمُ، يُسَمَّى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَةِ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي فَقَالَ: (اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ، وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا). فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا، فَأَرْسَلَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُهُ، فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ. فَبَارَكَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. قَالَ مُسَدَّدٌ: بَيْتٌ فِي خَثْعَمَ.وقال البخاري:
62 – باب غزوة ذي الخلصة
63 – غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ
[4337] حدثنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، حَدَّثَنَا بَيَانٌ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كَانَ بَيْتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ ” فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَاكِبًا فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا لَنَا وَلِأَحْمَسَ. [4338] حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، قَالَ: قَالَ لِيَ جَرِيرٌ رضي الله عنه: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ” وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: “اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا”. فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَارَكَ فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ. [4339] حدثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ؟ ” فَقُلْتُ: بَلَى، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ: “اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا”. قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ، قَالَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ، يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ، قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا، قَالَ: وَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَا هُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ: لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدَنْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قَالَ: فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أَحْمَسَ، يُكْنَى: أَبَا أَرْطَاةَ، إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ، قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.اهـ
وحديث جرير ذكر النووي في الأذكار
وبوب عليه النووي مع أحاديث أخرى :
(بابُ دُعاءِ الإِنسانِ لمن صَنَعَ معروفاً إليه أو إلى النَّاسِ كلِّهم أو بعضِهم، والثناءِ عليه وتحريضه على ذلك)
قال ابن القيم:
[مَا يَفْعَلُ مَعَ مَنْ صَنَعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفًا]
فَصْلٌ
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو لِمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ بِمَا يُحِبُّ وَبِمَا يُنَاسِبُ ( «فَلَمَّا وَضَعَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَضُوءَهُ قَالَ: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» )
وَلَمَّا ( «دَعَّمَهُ أَبُو قَتَادَةَ فِي مَسِيرِهِ بِاللَّيْلِ لَمَّا مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، قَالَ: حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ» )
وَقَالَ ( «مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ» )
( «وَاسْتَقْرَضَ مِنْ عبد الله بن أبي ربيعة مَالًا، ثُمَّ وَفَّاهُ إِيَّاهُ، وَقَالَ: ” بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ» )
( «وَلَمَّا أَرَاحَهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ: صَنَمِ دَوْسٍ، بَرَّكَ عَلَى خَيْلِ قَبِيلَتِهِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ» )اهـ
[زاد المعاد ت الرسالة الثاني 2/ 424]
قال ابن بطال:
باب: حرق الدور والنخيل
قال المهلب: فى حديث جرير من الفقه جواز هتك كل ما افتتن الناس به من بناء أو إنسان أو حيوان أو غيره. وفى حديث ابن عمر بيان أن للمسلمين أن يكيدوا عدوهم من المشركين بكل ما فيه تضعيف شوكتهم، وتوهين كيدهم وتسهيل الوصول إلى الظفر بهم من قطع ثمارهم، وتغوير مياههم والحول بينهم وبين ما يتغذون به من الأطعمة والأشربة، والتضييق عليهم بالحصار، وذلك أن رسول الله لما أمر بتحريق نخل بنى النضير كان معلومًا أن ما كان من نظير ذلك من قطع أسباب معاشهم وتغوير مياههم فجائز فعله بهم. وقد روى عن علي بن أبى طالب قال: (أمرنى رسول الله أن أغور مياه بدر) قاله الطبرى. وفيه الدعاء للجيوش إذا بعثت، وفيه بركة دعوة النبى، وفيه البشارة فى الفتوح، وفيه الدليل على صحة قول من أباح إضرام النيران فى حصون العدو، ونصب المجانيق عليهم، ورميهم بالحجارة، وكل ذلك يعمل فى الضر مثل عمل النار أو نحوه…
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 5/ 180]
قال ابن حجر:
قوله: (غزوة ذي الخلصة) بفتح الخاء المعجمة واللام بعدها مهملة، وحكى ابن دريد فتح أوله وإسكان ثانيه، وحكى ابن هشام ضمها، وقيل بفتح أوله وضم ثانيه والأول أشهر. والخلصة نبات له حب أحمر كخرز العقيق، وذو الخلصة اسم للبيت الذي كان فيه الصنم، وقيل اسم البيت الخلصة، واسم الصنم ذو الخلصة، وحكى المبرد أن موضع ذي الخلصة صار مسجدا جامعا لبلدة يقال لها: العبلات من أرض خثعم، ووهم من قال: إنه كان في بلاد فارس.
قوله: (كان بيت في الجاهلية يقال له: ذو الخلصة) في الرواية التي بعدها أنه كان في خثعم بمعجمة ومثلثة وزن جعفر، قبيلة شهيرة ينتسبون إلى خثعم بن أنمار بفتح أوله وسكون النون، أي ابن إراش بكسر أوله وتخفيف الراء، وفي آخره معجمة ابن عنز بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي أي ابن وائل ينتهي نسبهم إلى ربيعة بن نزار إخوة مضر بن نزار جد قريش، وقد وقع ذكر ذي الخلصة في حديث أبي هريرة عند الشيخين في كتاب الفتن مرفوعا لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة، وكان صنما تعبده دوس في الجاهلية. والذي يظهر لي أنه غير المراد في حديث الباب، وإن كان السهيلي يشير إلى اتحادهما؛ لأن دوسا قبيلة أبي هريرة، وهم ينتسبون إلى دوس بن عدثان بضم المهملة وبعد الدال الساكنة مثلثة ابن عبد الله بن زهران، ينتهي نسبهم إلى الأزد، فبينهم وبين خثعم تباين في النسب والبلد. وذكر ابن دحية أن ذا الخلصة المراد في حديث أبي هريرة كان عمرو بن لحي قد نصبه أسفل مكة، وكانوا يلبسونه القلائد ويجعلون عليه بيض النعام ويذبحون عنده، وأما الذي لخثعم فكانوا قد بنوا بيتا يضاهون به الكعبة فظهر الافتراق وقوي التعدد. والله أعلم….
قوله: (ألا تريحني) هو بتخفيف اللام، طلب يتضمن الأمر وخص جريرا بذلك لأنها كانت في بلاد قومه، وكان هو من أشرافهم، والمراد بالراحة راحة القلب، وما كان شيء أتعب لقلب النبي صلى الله عليه وسلم من بقاء ما يشرك به من دون الله تعالى. وروى الحاكم في الإكليل من حديث البراء بن عازب قال: قدم على النبي صلى الله عليه وسلم مائة رجل من بني بجيلة، وبني قشير جرير بن عبد الله، فسأله عن بني خثعم فأخبره أنهم أبوا أن يجيبوا إلى الإسلام، فاستعمله على عامة من كان معه، وندب معه ثلاثمائة من الأنصار وأمره أن يسير إلى خثعم فيدعوهم ثلاثة أيام، فإن أجابوا إلى الإسلام قبل منهم وهدم صنمهم ذا الخلصة، وإلا وضع فيهم السيف.
قوله: (فنفرت) أي خرجت مسرعا.
قوله: (في مائة وخمسين راكبا) زاد في الرواية التي بعدها وكانوا أصحاب خيل أي يثبتون عليها لقوله بعده: وكنت لا أثبت على الخيل ووقع في رواية ضعيفة في الطبراني أنهم كانوا سبعمائة، فلعلها إن كانت محفوظة يكون الزائد رجالة وأتباعا. ثم وجدت في كتاب الصحابة لابن السكن أنهم كانوا أكثر من ذلك فذكر عن قيس بن غربة الأحمسي أنه وفد في خمسمائة، قال: وقدم جرير في قومه وقدم الحجاج بن ذي الأعين في مائتين، قال: وضم إلينا ثلاثمائة من الأنصار وغيرهم، فغزونا بني خثعم. فكأن المائة والخمسين هم قوم جرير وتكملة المائتين أتباعهم، وكأن الرواية التي فيها سبعمائة من كان من رهط جرير، وقيس بن غربة؛ لأن الخمسين كانوا من قبيلة واحدة، وغربة بفتح المعجمة والراء المهملة بعدها موحدة ضبطه الأكثر.
قوله: (فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته) كذا فيه، وفي الرواية الأخيرة أن الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رسول جرير، فكأنه نسب إلى جرير مجازا.
قوله: (فدعا لنا ولأحمس) بمهملة وزن أحمر، وهم إخوة بجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم رهط جرير ينتسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار، وبجيلة امرأة نسبت إليها القبيلة المشهورة، ومدار نسبهم أيضا على أنمار. وفي العرب قبيلة أخرى يقال لها أحمس، ليست مرادة هنا، ينتسبون إلى أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار. ووقع في الرواية التي بعد هذه فبارك في خيل أحمس ورجالها خمس مرات أي دعا لهم بالبركة. ووقع عند الإسماعيلي من رواية ابن شهاب، عن إسماعيل بن أبي خالد فدعا لأحمس بالبركة.قوله: (وكنت لا أثبت على الخيل فضرب على صدري، حتى رأيت أثر أصابعه في صدري) في حديث البراء عند الحاكم فشكا جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلع فقال: ادن مني، فدنا منه فوضع يده على رأسه، ثم أرسلها على وجهه وصدره حتى بلغ عانته، ثم وضع يده على رأسه وأرسلها إلى ظهره حتى انتهت إلى أليته، وهو يقول مثل قوله الأول، فكان ذلك للتبرك بيده المباركة.
(فائدة): القلع بالقاف ثم اللام المفتوحتين ضبطه أبو عبيد الهروي: الذي لا يثبت على السرج، وقيل بكسر أوله، قال الجوهري: رجل قلع القدم بالكسر إذا كانت قدمه لا تثبت عند الحرب، وفلان قلعة إذا كان يتقلع عن سرجه.
وسئل عن الحكمة في قوله: خمس مرات فقيل: مبالغة واقتصارا على الوتر لأنه مطلوب، ثم ظهر لي احتمال أن يكون دعا للخيل والرجال أو لهما معا. ثم أراد التأكيد في تكرير الدعاء ثلاثا، فدعا للرجال مرتين أخريين، وللخيل مرتين أخريين ليكمل لكل من الصنفين ثلاثا، فكان مجموع ذلك خمس مرات.
قوله: (اللهم ثبته واجعله هاديا مهديا) قيل: فيه تقديم وتأخير؛ لأنه لا يكون هاديا حتى يكون مهديا، وقيل: معناه: كاملا مكملا، ووقع في حديث البراء أنه قال ذلك في حال إمرار يده عليه في المرتين، وزاد وبارك فيه وفي ذريته.
قوله: (فكسرها وحرقها) أي هدم بناءها ورمى النار فيما فيها من الخشب.
قوله في الرواية الثالثة: (ولما قدم جرير اليمن إلخ) يشعر باتحاد قصته في غزوة ذي الخلصة بقصة ذهابه إلى اليمن، وكأنه لما فرغ من أمر ذي الخلصة وأرسل رسوله مبشرا استمر ذاهبا إلى اليمن للسبب الذي سيذكر بعد باب، وقوله: يستقسم أي يستخرج غيب ما يريد فعله من خير أو شر، وقد حرم الله ذلك بقوله تعالى: {وأن تستقسموا بالأزلام} وحكى أبو الفرج الأصبهاني أنهم كانوا يستقسمون عند ذي الخلصة، وأن امرأ القيس لما خرج يطلب بثأر أبيه استقسم عنده، فخرج له ما يكره، فسب الصنم ورماه بالحجارة، وأنشد:
لو كنت يا ذا الخلص الموتورا … لم تنه عن قتل العداة زورا قال: فلم يستقسم عنده أحد بعد حتى جاء الإسلام. قلت: وحديث الباب يدل على أنهم استمروا يستقسمون عنده حتى نهاهم الإسلام، وكأن الذي استقسم عنده بعد ذلك لم يبلغه التحريم أو لم يكن أسلم حتى زجره جرير.
قوله: (ثم بعث جرير رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة) بفتح الهمزة وسكون الراء بعدها مهملة وبعد الألف هاء تأنيث واسم أبي أرطاة هذا حصين بن ربيعة، وقع مسمى في صحيح مسلم، ولبعض رواته: حسين بسين مهملة بدل الصاد وهو تصحيف، ومنهم من سماه حصن بكسر أوله وسكون ثانيه وقلبه بعض الرواة فقال: ربيعة بن حصين ومنهم من سماه أرطاة والصواب أبو أرطاة حصين بن ربيعة وهو ابن عامر بن الأزور، وهو صحابي بجلي لم أر له ذكرا إلا في هذا الحديث.
قوله: (كأنها جمل أجرب) بالجيم والموحدة. هو كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها. وقال الخطابي: المراد أنها صارت مثل الجمل المطلي بالقطران من جربه، إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق. ووقع لبعض الرواة – وقيل: إنها رواية مسدد -: أجوف بواو بدل الراء وفاء بدل الموحدة، والمعنى أنها صارت صورة بغير معنى، والأجوف الخالي الجوف مع كبره في الظاهر. ووقع لابن بطال معنى قوله: أجرب أي أسود، ومعنى قوله: أجوف أي أبيض، وحكاه عن ثابت السرقسطي، وأنكره عياض وقال: هو تصحيف وإفساد للمعنى، كذا قال، فإن أراد إنكار تفسير أجوف بأبيض فمقبول؛ لأنه يضاد معنى الأسود، وقد ثبت أنه حرقها والذي يحرق يصير أثره أسود لا محالة فيه فكيف يوصف بكونه أبيض، وإن أراد إنكار لفظ أجوف فلا إفساد فيه، فإن المراد أنه صار خاليا لا شيء فيه كما قررته.
وفي الحديث مشروعية إزالة ما يفتتن به الناس من بناء وغيره سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا،
وفيه استمالة نفوس القوم بتأمير من هو منهم،
والاستمالة بالدعاء والثناء والبشارة في الفتوح،
وفضل ركوب الخيل في الحرب،
وقبول خبر الواحد،
والمبالغة في نكاية العدو،
ومناقب لجرير ولقومه،
وبركة يد النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه،
وأنه كان يدعو وترا وقد يجاوز الثلاث.
وفيه تخصيص لعموم قول أنس: كان إذا دعا دعا ثلاثا فيحمل على الغالب، وكأن الزيادة لمعنى اقتضى ذلك، وهو ظاهر في أحمس لما اعتمدوه من دحض الكفر ونصر الإسلام ولا سيما مع القوم الذين هم منهم.
[فتح الباري لابن حجر 8/ 71 ط السلفية]
قال الراجحي:
وهذا فيه دليل على أن الدعاء قد يكون خمس مرات، وأما ما جاء في الحديث: ((وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا))، فهذا على الأغلب، وقد يزيد على أكثر من ذلك كما في هذا الحديث، وقد يزاد على هذا سبع مرات، ومما جاء في ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ)).
[توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم 7/ 166]
الأصل في التفاضل بالتقوى :
لا ريب في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمدح شيئا إلا بما هو فيه، فإن مدح الشيء بما ليس فيه، كذب مجانف للصدق، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من ذلك.
والنبي صلى الله عليه وسلم لم يثن على بعض القبائل، إلا بما فيهم من خصال الإيمان والخير، ومكارم الأخلاق.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قريش، والأنصار، وجهينة، ومزينة، وأسلم، وأشجع، وغفار موالي، ليس لهم مولى دون الله ورسوله. قال ابن حجر: وهذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل، والمراد من آمن منهم، والشرف يحصل للشيء إذا حصل لبعضه، قيل: إنما خصوا بذلك؛ لأنهم بادروا إلى الإسلام، فلم يسبوا كما سبي غيرهم، وهذا إذا سلم يحمل على الغالب. اهـ.قال القرطبي: وتفضيل بعض هذه القبائل على بعض، إنما هو بحسب سبقهم للإسلام، وأفعالهم فيه. وتفضيلهم خبر من الشارع عما لهم عند الله تعالى من المنازل والمراتب، فلا يقدم من أخر، ولا يؤخر من قدم. اهـ. من المفهم.ولتوضيح معنى تفضيل الأنساب في الشرع، وعلاقة ذلك بفضل الأفراد، ننقل لك كلاما طويلا، لكنه نفيس، محرر مدقق، جامع لأطراف المسألة للإمام شيخ الإسلام ابن تيمية -لا يقوى على تحريره إلا مثله رحمه الله- ، فاقرأه إن شئت.
يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة: ولا ريب أنه قد ثبت اختصاص قريش بحكم شرعي، وهو كون الإمامة فيهم دون غيرهم. وثبت اختصاص بني هاشم بتحريم الصدقة عليهم، وكذلك استحقاقهم من الفيء عند أكثر العلماء، وبنو المطلب معهم في ذلك، فالصلاة عليهم من هذا الباب، فهم مخصوصون بأحكام لهم وعليهم، وهذه الأحكام تثبت للواحد منهم وإن لم يكن رجلا صالحا، بل كان عاصيا. وأما نفس ترتيب الثواب والعقاب على القرابة، ومدح الله عز وجل للشخص المعين، وكرامته عند الله تعالى، فهذا لا يؤثر فيه النسب، وإنما يؤثر فيه الإيمان والعمل الصالح، وهو التقوى. كما قال تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس أكرم؟ فقال: “أتقاهم”. فقالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: “فيوسف نبي الله، ابن يعقوب نبي الله، ابن إسحاق نبي الله، ابن إبراهيم خليل الله” قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: “أفعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”. وثبت عنه في الصحيح أنه قال: “من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه” رواه مسلم.
ولهذا أثنى الله في القرآن على السابقين الأولين من المهاجرين، وأما نفس القرابة فلم يعلق بها ثوابا ولا عقابا، ولا مدح أحدا بمجرد ذلك، وهذا لا ينافي ما ذكرناه من أن بعض الأجناس والقبائل أفضل من بعض، فإن هذا التفضيل معناه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا”، فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب ومعدن فضة، كان معدن الذهب خيرا؛ لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فيه، فإن قدر أنه تعطل ولم يخرج ذهبا، كان ما يخرج الفضة أفضل منه.
فالعرب في الأجناس، وقريش فيها، ثم هاشم في قريش، مظنة أن يكون فيهم من الخير أعظم مما يوجد في غيرهم. ولهذا كان في بني هاشم النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يماثله أحد في قريش، فضلا عن وجوده في سائر العرب وغير العرب، وكان في قريش الخلفاء الراشدون وسائر العشرة وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب، وكان في العرب من السابقين الأولين من لا يوجد له نظير في سائر الأجناس. فلا بد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول، وقد يوجد في المفضول ما يكون أفضل من كثير مما يوجد في الفاضل. كما أن الأنبياء الذين ليسوا من العرب، أفضل من العرب الذين ليسوا بأنبياء، والمؤمنون المتقون من غير قريش، أفضل من القرشيين الذين ليسوا مثلهم في الإيمان والتقوى، وكذلك المؤمنون المتقون من قريش وغيرهم، أفضل ممن ليس مثلهم في الإيمان والتقوى من بني هاشم. فهذا هو الأصل المعتبر في هذا الباب، دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقا، ودون من ظن أن الله تعالى يفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في الإيمان والتقوى، فضلا عمن هو أعظم إيمانا وتقوى. فكلا القولين خطأ، وهما متقابلان.
بل الفضيلة بالنسب فضيلة جملة، وفضيلة لأجل المظنة والسبب، والفضيلة بالإيمان والتقوى فضيلة تعيين وتحقيق وغاية; فالأول يفضل به؛ لأنه سبب وعلامة، ولأن الجملة أفضل من جملة تساويها في العدد.
والثاني: يفضل به لأنه الحقيقة والغاية، ولأن كل من كان أتقى لله، كان أكرم عند الله، والثواب من الله يقع على هذا، لأن الحقيقة قد وجدت، فلم يعلق الحكم بالمظنة، ولأن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه، فلا يستدل بالأسباب والعلامات.اهـ.
وقال أيضا في نفس المصدر: أما الأمور الخارجية عن نفس الإيمان والتقوى، فلا يحصل بها فضيلة عند الله تعالى، وإنما يحصل بها الفضيلة عند الله إذا كانت معينة على ذلك; فإنها من باب الوسائل لا المقاصد، كالمال والسلطان، والقوة والصحة ونحو ذلك، فإن هذه الأمور لا يفضل بها الرجل عند الله، إلا إذا أعانته على طاعة الله بحسب ما يعينه. قال الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [سورة الحجرات: 13]. وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الناس أكرم؟ فقال: “أتقاهم لله”. قيل: ليس عن هذا نسألك. قال: “يوسف نبي الله بن يعقوب نبي الله بن إسحاق نبي الله بن إبراهيم خليل الله”. قيل: ليس عن هذا نسألك. قال: “أفعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا “.
بين لهم أولا: أن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، وإن لم يكن ابن نبي ولا أبا نبي، فإبراهيم النبي صلى الله عليه وسلم أكرم على الله من يوسف، وإن كان أبوه آزر، وهذا أبوه يعقوب. وكذلك نوح أكرم على الله من إسرائيل، وإن كان هذا أولاده أنبياء، وهذا أولاده ليسوا بأنبياء. فلما ذكروا أنه ليس مقصودهم إلا الأنساب، قال لهم: فأكرم أهل الأنساب من انتسب إلى الأنبياء، وليس في ولد آدم مثل يوسف; فإنه نبي ابن نبي ابن نبي. فلما أشاروا إلى أنه ليس مقصودهم إلا ما يتعلق بهم، قال: “أفعن معادن العرب تسألوني؟ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا” بين أن الأنساب كالمعادن، فإن الرجل يتولد منه كما يتولد من المعدن الذهب والفضة.
ولا ريب أن الأرض التي تنبت الذهب أفضل من الأرض التي تنبت الفضة. فهكذا من عرف أنه يلد الأفاضل، كان أولاده أفضل ممن عرف أنه يلد المفضول. لكن هذا سبب ومظنة وليس هو لازما; فربما تعطلت أرض الذهب، وربما قل نبتها ; فحينئذ تكون أرض الفضة أحب إلى الإنسان من أرض معطلة. والفضة الكثيرة أحب إليهم من ذهب قليل لا يماثلها في القدر.
فلهذا كان أهل الأنساب الفاضلة يظن بهم الخير، ويكرمون لأجل ذلك. فإذا تحقق من أحدهم خلاف ذلك، كانت الحقيقة مقدمة على المظنة. وأما ما عند الله فلا يثبت على المظان ولا على الدلائل، إنما يثبت على ما يعمله هو من الأعمال الصالحة، فلا يحتاج إلى دليل، ولا يجتزئ بالمظنة. فلهذا كان أكرم الخلق عنده أتقاهم. فإذا قدر تماثل اثنين عنده في التقوى، تماثلا في الدرجة، وإن كان أبو أحدهما أو ابنه أفضل من أبي الآخر أو ابنه، لكن إن حصل له بسبب نسبه زيادة في التقوى، كان أفضل لزيادة تقواه.
ولهذا لم يثن الله على أحد في القرآن بنسبه أصلا: لا على ولد نبي، ولا على أبي نبي، وإنما أثنى على الناس بإيمانهم وأعمالهم. وإذا ذكر صنفا وأثنى عليهم ; فلما فيهم من الإيمان والعمل، لا لمجرد النسب. ولما ذكر الأنبياء -ذكرهم في الأنعام- وهم ثمانية عشر قال: {ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم} [سورة الأنعام: 87] . فبهذا حصلت الفضيلة باجتبائه سبحانه وتعالى، وهدايته إياهم إلى صراط مستقيم، لا بنفس القرابة. وقد يوجب النسب حقوقا، ويوجب لأجله حقوقا، ويعلق فيه أحكاما من الإيجاب والتحريم والإباحة، لكن الثواب والعقاب والوعد والوعيد على الأعمال لا على الأنساب. ولما قال تعالى: {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين} [سورة آل عمران: 33] ، وقال: {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} [سورة النساء: 54] ، كان هذا مدحا لهذا المعدن الشريف، لما فيهم من الإيمان والعمل الصالح. ومن لم يتصف بذلك منهم لم يدخل في المدح.
ولذلك إذا كان الرجل من أفناء العرب والعجم، وآخر من قريش، فهما عند الله بحسب تقواهما: إن تماثلا فيها تماثلا في الدرجة عند الله، وإن تفاضلا فيها تفاضلا في الدرجة. وكذلك إذا كان رجل من بني هاشم، ورجل من الناس أو العرب أو العجم، فأفضلهما عند الله أتقاهما، فإن تماثلا في التقوى تماثلا في الدرجة، ولا يفضل أحدهما عند الله لا بأبيه ولا ابنه، ولا بزوجته، ولا بعمه، ولا بأخيه.
إذا تبين ذلك، فالفضائل الخارجية لا عبرة بها عند الله تعالى، إلا أن تكون سببا في زيادة الفضائل الداخلية. وحينئذ فتكون الفضيلة بالفضائل الداخلية، وأما الفضائل البدنية فلا اعتبار بها إن لم تكن صادرة عن الفضيلة النفسانية. وإلا فمن صلى وصام، وقاتل وتصدق، بغير نية خالصة لم يفضل بذلك; فالاعتبار بالقلب. كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب” وحينئذ فمن كان أكمل في الفضائل النفسانية، فهو أفضل مطلقا. اهـ.
تنبيه :
١٩٠ – باب: فضائل أحمس
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، قثنا محمد بن جعفر، قثنا شعبة، عن إسماعيل -يعني: ابن أبي خالد- عن رجلٍ منهم، عن أبي الدرداء أنه قال لرجل: ممن أنت؟ قال: من أحْمس قال: ما حَيُّ بعد قريش والأنصار أحبّ إلى من أكون منهم من أحمس.
«فضائل الصحابة» ٢/ ١٠٧٢ – ١٠٧٣ (١٥٧٠)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، قثنا وكيع، عن إسماعيل، عن قيس، أن النبي ﷺ قال لبلال: «هل جهزت الركب البجليين؟ أبدًا بالأحمسيين قبل القَسْرِيِّيْن» (٢).
«فضائل الصحابة» ٢/ ١١١٧ (١٦٦٨)
وقال عبد اللَّه في حديث جبير بن مطعم: أضللت بعيرًا لي بعرفة، فذهبت أطلبه فإذا النبي ﷺ واقف، قلت: إن هذا من الحمس، ما شأنه هاهنا (٣)؟
قال: سمعت أبي يقول: الحمس قريش ومن والاها (١).
«مسائل عبد اللَّه» (١٦٠٦)
الجامع لعلوم الإمام أحمد – العقيدة ٤/٥١٦ — أحمد بن حنبل
فمؤلف الجامع لعلوم أحمد التبس عليه أحمس بجيلة مع الحمس من قريش
قال ابن عبد البر:
وَاخْتلف فِي أحمس فَمنهمْ من نسبه كَمَا ذكرنَا وَمِنْهُم من يَقُول أحمس بن أَنْمَار بن إراش بن عَمْرو بن الْغَوْث وَمِنْهُم من يَقُول أحمس بن الْغَوْث بن أَنْمَار بن إراش بن عَمْرو بن الْغَوْث
وَعَمْرو بن الْغَوْث أَخُو الأزد بن الْغَوْث وَلَا خلاف أَن أحمس فِي بجيلة وَقد تقدم أَن بجيلة امْرَأَة وَهِي ابْنة صَعب بن سعد الْعَشِيرَة ولدت لأنمار بن إراش بن عَمْرو بن الْغَوْث أَو للغوث بن أَنْمَار بن إراش بن عَمْرو بن الْغَوْث فنسب وَلَدهَا إِلَيْهَا
وَقد ذكرنَا مَا فِي ذَلِك من التَّنَازُع فِي بَاب بجيلة وخثعم من هَذَا الْكتاب …
الإنباه على قبائل الرواة ١/١١٠
قال الملا علي القاري في شرح الشفا :
(وأمر) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم (عمر بن الخطاب أن يزوّد) بتشديد الواو المكسورة أي يعطي الزاد (أربعمائة راكب من أحمس) بفتح الهمزة والميم اسم رجل نسب إليه قبيلة معروفة والحماسة الشجاعة والشدة في الديانة ولذا سميت قريش الحمس لشدتهم في دينهم وذلك أنهم كانوا ايام منى لا يستظلون ولا يدخلون البيوت من أبوابها