498 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وأحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
498 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 260): حدثنا زيد بن الحباب أخبرني حسين يعني ابن واقد حدثني أبو غالب أنه سمع أبا أمامة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن».
هذا حديث حسنٌ.
قال محققو المسند 22238:
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، أبو غالب -وهو البصري نزيل أصبهان- مختلف فيه، وهو ممن يعتبر به في المتابعات والشواهد، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه أبو يعلى في “مسنده الكبير” كما في “إتحاف الخيرة” (1529) عن معاوية بن معروف، والطبراني في “الكبير” (8097) من طريق الفضل بن موسى، كلاهما عن الحسين بن واقد، بهذا الإسناد.
وأخرجه موقوفاً البيهقي في “السنن” 1/ 432 من طريق حماد بن سلمة، عن أبي غالب، به. ولفظه “المُؤذِّنون أمناءُ المسلمين، والأئمةُ ضُمناءُ” قال: والأَذان أحبُّ إليَّ من الإِمامة.
وفي الباب عن أبي هريرة، سلف برقم (7169)، وهو حديث صحيح، وانظر تتمة شواهده وشرحه هناك.
[مسند أحمد 36/ 575 ط الرسالة]
قال الطحاوي:
2195 – كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا نَافِعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ” الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، فَأَرْشَدَ اللهُ الْإِمَامَ، وَعَفَا عَنِ الْمُؤَذِّنِ “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَاسْتَقَامَ لَنَا أَنْ نَاتِيَ بِهَذَا الْبَابِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ، ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ” الْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ” فَكَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ: أَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُؤَذِّنُ فِيهَا، فَيَعْمَلُ النَّاسُ عَلَى أَذَانِهِ مِنْ صَلَوَاتِهِمْ، وَمِنْ فِطْرِهِمْ، مِنْ صَوْمِهِمْ، وَمِمَّا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ عِبَادَاتِهِمُ الَّتِي يَدُلُّهُمْ أَذَانُهُ عَلَى الْمُسْتَعْمَلِ فِيهَا. وَتَأَمَّلْنَا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: ” وَالْإِمَامُ ضَامِنٌ ” فَكَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ: أَنَّ صَلَاةَ الْمُؤْتَمِّينَ مُضَمَّنَةٌ بِصَلَاتِهِ فِي صِحَّتِهَا وَفِي فَسَادِهَا، وَفِي سَهْوِهِ فِيهَا.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، أَوْ وَهُوَ جُنُبٌ وَهُمْ طَاهِرُونَ، أَوْ وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ وَهُمْ مَسْتُورُونَ، مُتَعَمِّدًا لِذَلِكَ، أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ صَلَاتَهُ فَاسِدَةٌ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْعَمْدِ أَنْ يَكُونَ فِي السَّهْوِ مِثْلُهُ، كَمَا يَسْتَوِي حُكْمُهُ فِي نَفْسِهِ فِي ذَلِكَ فِي فَسَادِ صَلَاتِهِ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُهُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَلْفَهُ مُؤْتَمِّينَ بِهِ فِي الْفَسَادِ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ، فَيَكُونُ كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ يُفْسِدُ صَلَاتَهُمْ، يَكُونُ فِي السَّهْوِ يُفْسِدُ صَلَاتَهُمْ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
[شرح مشكل الآثار 5/ 436]
وقال الطحاوي أيضا:
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي جَوَابِهِ مَنْ قَالَ لَهُ لَمَّا قَالَ فِي الْأَذَانِ مَا قَالَ: تَرَكْتُنَا وَنَحْنُ نَتَقَاتَلُ عَلَى الْأَذَانِ، مَا أَجَابَهُ بِهِ عَنْهُ
2199 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ” الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ، فَأَرْشَدَ اللهُ الْأَئِمَّةَ، وَغَفَرَ لِلْمُؤَذِّنِينَ ” فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، تَرَكْتُنَا وَنَحْنُ نَتَنَافَسُ عَلَى الْأَذَانِ. قَالَ: ” كَلَّا، إِنَّ بَعْدَكُمْ زَمَانًا يَكُونُ مُؤَذِّنُوكُمْ فِيهِ سَفَلَكُمْ “. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ هَذَا عِنْدَنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ، عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ مَنْزِلَةٌ شَرِيفَةٌ قَدْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَى الْأَشْرَافِ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَهَا، فَأَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم بِمَا أَخْبَرَ بِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا حَتَّى يَقُومَ بِهَا مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ فَيَعُودُ شَرِيفًا وَتَعْلُو مَرْتَبَتُهُ مَرَاتِبَهُمْ،
كَمَثَلِ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: قَالَ: عُمَرُ: ” مَنْ مُؤَذِّنُوكُمُ الْيَوْمَ؟ قَالُوا: مَوَالِينَا وَعَبِيدُنَا، قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ بِكُمْ لَنَقْصٌ كَثِيرٌ “. وَمَا قَدْ رُوِيَ فِيمَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ بَيَانٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: ” لَوْ أَطَقْتُ الْأَذَانَ مَعَ الْخِلِّيفَى لَأَذَّنْتُ “. وَهَذَا كَمِثْلِ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ: ” تَقَرَّبُوا يَا بَنِي فَرُّوخَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ قَدْ أَعْرَضَتْ ” أَيْ عَنِ الْعِلْمِ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللهُ. وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَهْلِ الْقُرْآنِ مِنْ رِفْعَةِ اللهِ عز وجل إِيَّاهُمْ بِهِ، وَمِنْ ضِعَتِهِ سِوَاهُمْ بِتَرْكِهِ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو عَامِرٍ قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه اسْتَعْمَلَ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ عَلَى مَكَّةَ فَتَلَقَّاهُ بِعُسْفَانَ فَقَالَ: ” مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى الْوَادِي؟ ” فَقَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: ” وَمَنْ ابْنُ أَبْزَى؟ ” قَالَ: مَوْلًى لَنَا. قَالَ: ” اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ ” قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ، عَالِمٌ بِفَرَائِضِ اللهِ، قَاضٍ. فَقَالَ عُمَرُ: ” إِنَّ اللهَ عز وجل يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ “.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَأَنَّ اللهَ عز وجل يَرْفَعُ بِالْقُرْآنِ مَنْ لَمْ يَكُنْ رَفِيعًا قَبْلَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يَرْفَعُ بِالْأَذَانِ مَنْ لَمْ يَكُنْ رَفِيعًا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ” إِنَّهُ سَيَاتِي زَمَانٌ يَكُونُ مُؤَذِّنُوكُمْ فِيهِ سَفَلَكُمْ ” عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ سَفَلٌ فِي أَنْسَابِهِمْ، وَلَا سَفَلٌ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ سَفَلٌ عَمَّنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُمْ فِي النَّسَبِ مِمَّنْ قَدْ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَسْبِقَهُمْ إِلَى مَا صَارُوا مِنْ أَهْلِهِ، وَأَنْ يَكُونَ هُوَ وَلِيَّ مَا خَلَّاهُ لَهُمْ، فَإِذَا خَلَّاهُ لَهُمُ انْخَفَضَ بِذَلِكَ، وَارْتَفَعُوا عَلَيْهِ بِتَوْلِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَإِنْ صَارُوا أَهْلَهُ دُونَهُ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
[شرح مشكل الآثار 5/ 443]
قال الخطابي:
والإمام ضامن بمعنى أنه يحفظ الصلاة وعدد الركعات على القوم، وقيل معناه ضامن الدعاء يعمهم به ولا يختص بذلك دونهم، وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء، وقد تأوله قوم على معنى أنه يتحمل القراءة عنهم في بعض الأحوال وكذلك يتحمل القيام أيضاً إذا أدركه راكعا.
ويقول الشوكاني رحمه الله:
” (الإمام ضامن) الضمان في اللغة: الكفالة، والحفظ، والرعاية.
والمراد: أنهم – يعني الأئمة – ضمناء على الإسرار بالقراءة والأذكار، حكي ذلك عن الشافعي في ” الأم “.
وقيل: المراد: ضمان الدعاء، أن يعم القوم به، ولا يخص نفسه.
وقيل: لأنه يتحمل القيام والقراءة عن المسبوق ” انتهى.
” نيل الأوطار ” (2/ 42)
قال ابن عبدالبر:
وفي فضائل الأذان آثار كثيرة قد جمعها جماعة
وحسبك بقول رسول الله عليه السلام ((لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة))
وقال عليه السلام ((اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين))
وقالت عائشة نزلت هذه الآية في المؤذنين قوله تعالى (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين) فصلت 32
وروى بيان وإسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال قال عمر لو كنت أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت
وقال سعد بن أبي وقاص لأن أقوى على الأذان أحب إلي من أن أحج أو أعتمر
وقال بن مسعود لو كنت مؤذنا لم أبال ألا أحج أو أعتمر
وقال عمر لبعض أهل الكوفة من مؤذنوكم فقالوا عبيدنا وموالينا فقال إن ذلك لنقص بكم
وقال بن عمر لرجل ما عمله قال الأذان قال نعم العمل يشهد لك كل رطب ويابس يسمعك
وعن أبي هريرة مثله
وروى السكري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال النبي – عليه السلام ((الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين))
قالوا يا رسول الله! لو تركتنا بعدك ننافس في الأذان فقال إن بعدكم قوما سفلتهم مؤذنوهم))
وهذا الحديث انفرد بهذه الزيادة فيه أبو حمزة وليس بالقوي
[حكم الألباني: شاذ. الضعيفة، وكان قد صححه في الإرواء 217]
[الاستذكار 1/ 376]
قال ابن قدامة:
فصل: وإذا سَمِعَ الأذانَ من ثِقَةٍ عالِمٍ بالوقتِ، فله تَقْلِيدُه؛ لأن الظَّاهِرَ أنَّه لا يُؤَذِّنُ إلَّا بعدَ دُخُولِ الوقتِ، فَجَرَى مَجْرَى خَبَرهِ، وقد قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: “المُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ”. رواهُ أبو داوُد. ولولا أنَّه يُقَلَّدُ ويُرْجَعُ إليه ما كان مُؤْتَمَنًا، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: “خَصْلَتَانِ مُعَلَّقَتَانِ فِي أَعْنَاقِ المُؤَذِّنِينَ لِلْمُسْلِمِينَ؛ صَلَاتُهُم، وصِيَامُهُم”. رواهُ ابنُ ماجَه [حكم الألباني: موضوع]. ولأنَّ الأذانَ مَشْرُوعٌ للإِعْلَامِ بِالوقتِ، فلو لم يَجُزْ تَقْلِيدُ المؤُذِّنِ لم تَحْصُل الحِكْمَةُ الَّتى شُرِع الأذانُ من أجْلِها، ولم يزل الناسُ يَجْتَمِعُونَ في مساجِدِهم وجوامِعِهم في أوقاتِ الصَّلَاةِ، فإذا سَمِعُوا الأذانَ قاموا إلى الصلاةِ، وبَنَوْا على أذانِ المُؤَذِّنِ، من غير اجْتِهَادٍ في الوقتِ، ولا مُشَاهَدَة ما [يَعْرِفون به] من غيرِ نَكِيرٍ، فكان إجْمَاعًا.
[المغني لابن قدامة 2/ 31]
قال ابن رجب:
قال البخاري –رحمه الله: 615 – ثنا عبد الله بن يوسف: ابنا مالك، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول، ثم لا يجدون الا ان يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا اليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا)).
فقوله: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الاول)) – يعني: لو يعلمون ما فيهما من الفضل والثواب، ثم لم يجدوا الوصول اليهما الا بالاستهام عليهما – ومعناه: الاقراع – لاستهموا عليهما تنافساً فيهما ومشاحة في تحصيل فضلهما وأجرهما.
وهذا مما استدل به من يرى الترجيح عند التنافس في الأذان بالقرعة، كما سبق.
وقد قيل: ان الضمير في قوله: ((لاستهموا عليه)) يعود إلى الصف الأول؛ لأنه أقرب المذكورين، ولم يقل: ((عليهما)).
والاظهر: انه يعود إلى النداء والصف الأول، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة:62].
وقد دل الحديث على القرعة في التنافس في الصف الأول إذا استبق إليه اثنان وضاق عنهما وتشاحا فيه، فإنه لا يقرع بينهما ….
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلمون ما في النداء والصف الأول، ولم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه)): دليل على ان الأذان لا يشرع اعادته مرة بعد مرة، إلا في اذان الفجر، كما جاءت السنة به، والا فلو شرعت اعادته لما استهموا، ولاذن واحد بعد واحد.
وقد صرح بمثل ذلك بعض أصحابنا، وقال: مع التزاحم يؤذن واحد بعد واحد. وهو مخالف للسنة.
وروي عن عمر، انه اختصم اليه ثلاثة في الاذان، فقضى لاحدهم بالفجر، للثاني بالظهر والعصر، وللثالث بالمغرب والعشاء.
وقد قيل: ان ابا بكر الخلال خرجه بإسناده، ولم اقف إلى الان عليه.
ولو قيل: انه يؤذن المتشاحون جملة لم يبعد.
وقد نص أحمد على انه لو اذن على المنارة عدة فلا بأس.
وقال القاضي ابو يعلى وأصحابه – متابعة للشافعي وأصحابه -: يستحب ان يقتصر على مؤذنين، ولا يستحب ان يزيد على اربعة.
ثم قالوا: ان كان المسجد صغيرا اذن واحد منهم بعد واحد، وان كان كبيراً اذنوا جملة؛ لانه ابلغ في التبليغ والاعلام.
وقال أصحاب الشافعي: إذا ضاق الوقت والمسجد كبير اذنوا في اقطاره، وان كان صغيرا اذنوا معاً، الا ان تختلف اصواتهم فيؤذن واحد.
واستدلوا بإذان بلال وابن ام مكتوم، وذاك انما كان في الفجر خاصة، ولا يعرف في غير الفجر، الا في الجمعة من حين زاد عثمان النداء الثالث على الزوراء.
وحمل ابن حبيب المالكي الاستهام على الاذان على الوقت المضيق كالجمعة والمغرب.
يشير إلى انه في الاوقات المتسعة ان يؤذن واحد بعد واحد.
وقال حرب: قلت لأحمد: فالأذان يوم الجمعة؟ [قال]: إذا اذن على المنارة عدة فلا باس بذلك؛ قد كان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم بلال وابن ام مكتوم، وجاء ابو محذورة وقد اذن رجل قبله فأذن ابو محذورة – أيضا.
وهذا النص يشعر بأنه يجوز ان يؤذن واحد بعد واحد في غير الفجر، وهذا محمول على جوازه إذا وقع احيانا، لا انه يستحب المداومة عليه، وأما اذان بلال وابن [ام] مكتوم فكان في الفجر، ولم يؤذنا جملة، فلا يدل على الاجتماع على الاذان بحال.
وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم اذان بلال، فقال: ((ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم)).
وهذا المعنى لا يوجد في غير صلاة الصبح، ولا روي في غير الصبح انه اذن علي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين.
وفي ((الصحيحين)) عن ابن عمر: كان للنبي صلى الله عليه وسلم في مسجد واحد مؤذنان: بلال وابن ام مكتوم.
وهذا يستدل به على انه يستحب نصب مؤذنين للمسجد خشية ان يغيب احدهما فيؤذن الآخر؛ لئلا يتعطل الأذان مع غيبته.
والذي ذكر الامام أحمد، خرجه ابن أبي شيبة: ثنا حفص، عن الشيباني، عن عبد العزيز بن رفيع، قال: رأيت أبا محذورة جاء وقد أذن إنسان، فأذن هو واقام.
وهذا فعله أبو محذورة مرة؛ لافتئات غيره عليه بأذانه قبله، ولم يكن مع أبي محذورة مؤذن راتب غيره بمكة.
قال ابن أبي شيبة: ثنا يزيد من هارون، عن حجاج، عن شيخ من المدينة، عن بعض بني مؤذني النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان ابن أم مكتوم يؤذن ويقيم بلال، وربما أذن بلال وأقام ابن أم مكتوم.
إسناد ضعيف.
ولو صح لكان دليلاً على أنهما لم يكونا يجتمعان في أذان واحد في غير صلاة الفجر.
وروى وكيع في ((كتابه))، عن اسرائيل، عن جابر، عن عامر: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مؤذنين: بلال وأبو محذورة وابن أم مكتوم، فإذا غاب واحد أذن الآخر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد هممت ان أجعل المؤذنين ستة)). قال: فإذا اقيمت الصلاة اشتدوا في الطرق، فأذنوا الناس بالصلاة.
هذا مرسل ضعيف؛ فان جابراً هو الجعفي.
وأبو محذورة لم يكن يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة.
وقد خرجه البيهقي، عن الحاكم، عن أبي بكر ابن إسحاق، عن العباس ابن الفضل الاسفاطي، عن أبي بكر بن أبي شيبة: ثنا يحيى، عن اسرائيل عن أبي إسحاق، عن الاسود، عن عائشة، قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة مؤذنين: بلال، وأبو محذورة، وابن أم مكتوم.
وقال: قال ابو بكر – يعني: ابن إسحاق -: هو صحيح.
وليس كما قال ابن إسحاق.
هذا في كتاب ابن أبي شيبة ((المصنف)).
والصحيح: حديث وكيع، عن اسرائيل، عن جابر الجعفي، عن الشعبي – مرسلاً.
وروى الامام أحمد: ثنا اسماعيل: ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال وعمرو بن أم مكتوم.
وهذه الرواية أصح.
وخرج الدارقطني من رواية أولاد سعد القرظ، عن آبائهم، عن جدهم سعد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((يا سعد، إذا لم تر بلالا معي فأذن)).
وفي إسناده ضعف.
وفي الحديث: دليل على شرف الأذان وفضله، واستحباب المنافسة فيه لأكابر الناس وأعيانهم، وأنه لا يوكل إلى اسقاط الناس وسفلتهم، وقد كان الأكابر ينافسون فيه.
قال: قيس بن أبي حازم: قال عمر: لو كنت أطيق الأذان مع الخليفى لأذنت.
وقال عبد الله بن الحسن: قال ابن أبي طالب: ما آسى على شيء، إلا أني كنت وددت أني كنت سألت للحسن والحسين الأذان.
وعن سعد بن أبي وقاص، قال: لأن أقوى على الأذان أحب إلي من أن أحج وأعتمر وأجاهد.
وعن عمر وابن مسعود – معناه.
وعن ابن الزبير، قال: وددت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا النداء.
وقال النخعي: كانوا يستحبون أن يكون مؤذنيهم فقهاؤهم؛ لأنهم ولوا أمر دينهم.
وقال الحسن: قال عمر: لا يستحي رجل أن يكون مؤذنا.
وقال زاذان: لو يعلم الناس ما في فضل الأذان لاضطربوا عليه بالسيوف.
وقال شبيل بن عوف، قال عمر: من مؤذنوكم؟ قلنا: عبيدنا وموالينا. قال: إن ذلك لنقص بكم كبير.
وروى قيس بن أبي حازم، عن عمر – مثله -، قال: وقال: لو أطقت الأذان مع الخليفى لأذنت.
وقال يحيى ابن أبي كثير: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو علم الناس ما في الأذان لتحاوره)). قال: وكان يقال: ابتدروا الأذان، ولا تبدروا الإمامة.
وقال حماد بن سلمة: ابنا ابو غالب، قال: سمعت أبا أمامة يقول: المؤذنون أمناء للمسلمين، والائمة ضمناء. قال: والأذان أحب إلي من الإمامة.
خرجه البيهقي.
وممن رأى الأذان أفضل من الإمامة: الشافعي في أصح قوليه، نص عليه في ((الأم))، وعلى كراهة الإمامة؛ لما فيها من الضمان.
وهو – أيضا – اصح الروايتين عن أحمد.
وروى ابو حمزة السكري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((الامام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنيين)). قالوا: يا رسول الله، تركتنا نتنافس في الأذان، فقال: ((إن من بعدكم زمانا سفلتهم مؤذنوهم)).
خرجه البراز.
وقال: لم يتابع عليه أبو حمزة.
يعني: على الزيادة التي آخره؛ فإن أول الحديث معروف بهذا الإسناد، خرجه أبو داود والترمذي وغيرهما.
وقال الدارقطني: هذه الألفاظ ليست محفوظة.
قلت: وقد رويت بإسناد ضعيف، عن يحيى بن عيسى الرملي، عن الأعمش – أيضا.
ذكره ابن عدي.
وفي إسناد الحديث اختلاف كثير، وقد روي موقوفا على أبي هريرة.
قال الشافعي في ((الأم)): أحب الأذان؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اغفر للمؤذنين))، وأكره الإمامة للضمان، وما على الإمام فيها.
واستدل من رجح الإمامة – وهو أحد قولي الشافعي، وحكي رواية عن أحمد -: بأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يتولون الإمامة دون الأذان.
وأجيب عن ذلك بأنهم كانوا مشتغلين عن الأذان بمصالح المسلمين التي لا يقوم غيرها فيها مقامهم، فلم يتفرغوا للأذان ومراعاة أوقاته؛ ولهذا قال عمر: لو كنت أطيق الأذان مع الخليفي لأذنت.
والخليفي: الخلافة.
وأما الإمامة، فلم يكن لهم بد من صلاة وهم أئمة الناس في أمور دينهم ودنياهم، فلذلك تقلدوا الإمامة، ومن قدر على الجمع بين المرتبتين لم يكره له ذلك، بل هو أفضل، وكلام عمر يدل عليه، وكان ابن عمر يفعل ذلك.
وقال مصعب بن سعد: هو من السنة.
وللشافعية وجه بكراهة الجمع.
وفي النهي عن الجمع حديث مرفوع: خرجه البيهقي وغيره، وهو غير صحيح.
وقال الماوردي منهم: للأنسان في الأذان والإمامة أربعة أحوال: حال يمكنه القيام بهما والفراغ لهما، فالأصل أن يجمع بينهما. وحال يعجز عن الإمامة لقلة علمه وضعف قراءته، ويقدر على الأذان لعلو صوته ومعرفته بالأوقات، فالانفراد له بالأذان أفضل. وحال يعجز فيه عن الأذان لضعف صوته وقلة إبلاغه، ويكون قيما بالإمامة لمعرفته بأحكام الصلاة وحسن قراءته، فالإمامة له أفضل. وحال يقدر على كل واحد منهما ويصلح له، ولا يمكنه الجمع بينهما، فأيهما افضل؟ فيه وجهان.
[فتح الباري لابن رجب 5/ 286]
قال الإتيوبي:
7 – كِتَابُ الأذَانِ
أي هذا كتاب في ذكر الأحاديث الدالة على مشروعية الأذان للصلاة ….
فائدتان:
الأولى: قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: اعلم أن الأذان كلام جامع لعقيدة الإيمان مشتمل على نوعه، من العقليات، والسمعيات؛ فأوله إثبات الذات، وما يستحقه من الكمال، والتنزيه عن أضدادها، وذلك بقوله: “الله أكبر”، وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالة على ما ذكرناه، ثم صرح بإثبات الوحدانية، ونفي ضدها من الشركة المستحيلة في حقه سبحانه وتعالى، وهذه عمدةُ الإيمان والتوحيد، المقدَّمةُ على كل وظائف الدين، ثم صرح بإثبات النبوة، والشهادة بالرسالة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية، وموضعها بعد التوحيد، لأنها من باب الأفعال الجائزة الوقوع، وتلك المقدمات من باب الواجبات، وبعد هذه القواعد كملت العقائد العقليات فيما يجب، ويستحيل، ويجوز في حقه سبحانه وتعالى، ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات، فدعا إلى الصلاة، وجعلها عقيب إثبات النبوة، لأن معرفة وجوبها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم، لا من جهة العقل، ثم دعا إلى الفلاح، وهو الفوز، والبقاء في النعيم المقيم، وفيه إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخر تراجم عقائد الإسلام، ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها، وهو متضمن لتأكيد الإيمان، وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان، وليدخل المصلي فيها على بينة من أمره، وبصيرة من إيمانه، ويستشعر عظيم ما دخل فيه، وعظمة حق مَن يَعبُدُهُ، وجزيل ثوابه. انتهى كلام القاضي عياض، قال النووي: وهو من النفائس الجليلة. اهـ. “المجموع” جـ 3 ص 75.
وقال في الفتح بعد ذكر نحو ما ذُكِرَ من كلام القاضي ما نصه:
ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت، والدعاءُ إلى الجماعة، وإظهار شرائع الإسلام.
والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول، وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان اهـ. “فتح الباري” جـ 2 ص 92.
الثانية: اختلف أيهما أفضل: الأذان، أو الإمامة؟ على أقوال:
الأول: أن الإمامة أفضل من الأذان، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تولاها بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون …
الثاني: أن الأذان أفضل منها، لكثرة ما ثبت في فضيلة الأذان من النصوص …
الثالث: أنه إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة، فهي أفضل، وإلا فالأذان، قال في “الفتح”: وفي كلام الشافعي ما يومئ إليه.
واختلف في الجمع بينهما؛ فقيل: يكره، وفي البيهقي من حديث جابر مرفوعًا النهي عن ذلك لكن سنده ضعيف، وصح عن عمر “لو أطيق الأذان مع الخلافة لأذَّنْتُ”، رواه سعيد بن منصور، وغيره، وقيل: هو خلاف الأولى. وقيل: يستحب، وصححه النووي. اهـ. “فتح” جـ 2 ص 92، والله أعلم.
(قال الجامع): هذا الذي صححه النووي رحمه الله هو الذي يظهر لي ترجيحه، والله أعلم.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 7/ 651]
وقال الإتيوبي أيضا:
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في علّة هروب الشيطان عند سماع الأذان:
قال في “الفتح”: اختَلَف العلماء في المعنى في إدبار الشيطان وهروبه عند سماع الأذان، فقال المهلب: إنما يهرب -واللَّه أعلم- من اتّفاق الكل على الإعلان بشهادة التوحيد، وإقامة الشريعة، كما يَفعَل يوم عرفة لِمَا يَرَى من اتفاق الكل على شهادة التوحيد للَّه تعالى، وتنزل الرحمة، فييأس أن يرُدّهم عما أعلنوا به من ذلك، ويوقن بالخيبة بما تفضل اللَّه تعالى عليهم من ثواب ذلك، ويذكر معصية اللَّه ومضادته أمره، فلا يملك الحدَث لِمَا حصل له من الخوف. انتهى، وذكر القاضي عياض نحوه.
وقيل: إنما أدبر عند الأذان؛ لئلا يسمعه، فيضطَرّ إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يَسمَع مَدَى صوت المؤذن جنّ، ولا إنس، ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة”، رواه البخاريّ، وهذا قد حكاه النوويّ عن العلماء، وهو مبني على أن الكافر يدخُل في هذه الشهادة، وهو الصحيح، وحَكَى القاضي عياض قولًا أن الكافر لا يدخل في هذه الشهادة؛ لأنه لا شهادة له، وقال: لا يقبل هذا من قائله؛ لما جاء في الآثار من خلافه.
قال ابن عبد البر: إنما يفعل ذلك لِمَا يلحقه من الذُّعْر والخزي عند ذكر اللَّه، وذكرُ اللَّه تعالى في الأذان تَفْزَع منه القلوب ما لا تفزع من شيء من الذكر؛ لما فيه من الجهر بالذكر، وتعظيم اللَّه تعالى فيه، وإقامة دينه، فيدبر الشيطان؛ لشدّة ذلك على قلبه. انتهى.
وقال بعضهم: سبب إدباره عِظَم أمر الأذان؛ لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد، وإظهار شعار الإسلام وإعلانه، وقيل: ليأسه من الوسوسة عند الإعلان بالتوحيد، وقيل: لأنه دعاء إلى الصلاة التي فيها السجود الذي امتنع من فعله لَمّا أُمر به، قال ابن بطال: وليس بشيء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه إذا قُضِي التثويب أقبل يُذَكِّره ما لم يَذكُر، يَخْلِط عليه صلاته، وكان فراره من الصلاة التي فيها السجود أولى لو كان كما زعموا. انتهى.
قال القاضي عياض: ولا يلزم هذا الاعتراض؛ إذ لَعَلَّ نِفَاره إنما كان من سماع الأمر والدعاء بذلك، لا من رؤيته ليغالط نفسه أنه لم يسمع دعاءً، ولا خالف أمرًا.
قال العراقيّ: أحسنُ ما ذكره القاضي عياض في جواب اعتراض ابن بطال أن نفرته عند الأذان إنما هو تصميم على مخالفة أمر اللَّه، واستمرار على معصيته، وعدم الانقياد إليه، والاستخفاف بأوامره، فإذا دعا داعي اللَّه فَرَّ منه وأعرض عنه، واستخفّ به، فإذا حضرت الصلاة حضر مع المصلين، غير مشارك لهم في الصلاة، بل ساعيًا في إبطالها عليهم، وهذا أبلغ في المعصية والاستخفاف مما لو غاب عن الصلاة بالكلية، فصار حضوره عند الصلاة من جنس نفرته عند الأذان، ومن مَهْيَعٍ واحد، ومقصوده. بالأمرين الاستخفاف بأوامر اللَّه تعالى، وعدم الانقياد إليها، كما ذكرته، واللَّه أعلم. انتهى كلام العراقيّ رحمه الله.
وقال في “الفتح” بعد ذكر نحو ما تقدّم: “وقيل: إنما يهرب لاتفاق الجميع على الإعلان بشهادة الحق، وإقامة الشريعة.
واعتُرِض بأن الاتفاق على ذلك حاصل قبل الأذان وبعده من جميع من يصلي.
وأُجيب بأن الإعلان أخصّ من الاتفاق، فإن الإعلان المختص بالأذان لا يشاركه فيه غيره من الجهر بالتكبير والتلاوة مثلًا، ولهذا قال لعبد اللَّه بن زيد: ألقه على بلال، فإنه أندى صوتًا منك؛ أي أقعد في المدّ والإطالة والإسماع؛ ليعم الصوت، ويطول أمد التأذين، فيكثر الجمع، ويفوت على الشيطان مقصوده من إلهاء الآدميّ عن إقامة الصلاة في جماعة، أو إخراجها عن وقتها، أو وقت فضيلتها، فيفر حينئذ، وقد ييأس عن أن يردّهم عما أَعلنوا به، ثم يرجع لِمَا طُبع عليه من الأذى والوسوسة.
وقال ابن الجوزيّ: على الأذان هيبة يشتدّ انزعاج الشيطان بسببها؛ لأنه لا يكاد يقع في الأذان رياء ولا غفلة عند النطق به، بخلاف الصلاة، فإن النفس تحضر فيها، فيفتح لها الشيطان أبواب الوسوسة، وقد ترجم عليه أبو عوانة: “الدليلُ على أن المؤذِّن في أذانه وإقامته منفي عنه الوسوسة والرياء؛ لتباعد الشيطان منه”، وقيل: لأن الأذان إعلام بالصلاة التي هي أفضل الأعمال بألفاظ، هي من أفضل الذكر، لا يزاد فيها ولا يُنقص منها، بل تقع على وفق الأمر، فيفرّ من سماعها، وأما الصلاة فلِمَا يقع من كثير من الناس فيها من التفريط، فيتمكن الخبيث من المفرِّط، فلو قُدِّر أن المصلي وَفّى بجميع ما أُمر به فيها لم يقربه إذا كان وحده، وهو نادرٌ، وكذا إذا انضم إليه من هو مثله، فإنه يكون أندر، أشار إليه ابن أبي جمرة رحمه الله. انتهى.
[تنبيه]: قال في “الفتح”: وردت في فضل الأذان أحاديثُ كثيرة، ذكر البخاريّ بعضها في مواضع أخرى، واقتصر على هذا هنا؛ لأن هذا الخبر تَضَمَّن فضلًا لا يُنال بغير الأذان، بخلاف غيره من الأخبار، فإن الثواب المذكور فيها يُدرَك بأنواع أخرى من العبادات. انتهى، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 9/ 154]
تنبيه:
2831 – خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين: صيامهم وصلاتهم
(هـ) عن ابن عمر.
_________
[حكم الألباني] (موضوع)
[الضعيفة]
تنبيه:
ومع ذلك لم يفهم العلماء من الحديث ما فهمه بعض الناس، أنه إذا صحت صلاة الإمام فقد صحت صلاة المأموم مهما وقع في المخالفات، وأنه إذا فسدت صلاة الإمام فقد فسدت صلاة المأموم وإن حافظ على أركانها وشروطها.
بل يقول العلماء: المخالفات التي قد يرتكبها المأموم في صلاته لا تخلو:
1 – إما أن تكون المخالفة تعد من مبطلات الصلاة: كالحدث، وإصابة النجاسة، أو الأكل والشرب والضحك، ونحو ذلك من مبطلات الصلاة، ومثلها أيضا تعمد ترك ركن من أركان الصلاة: فهذه المخالفات مبطلة لصلاة المأموم، ولا يتحمل الإمام عنه منها شيئا باتفاق العلماء.
2 – وإما أن تكون المخالفة ليست من مبطلات الصلاة: كترك بعض السنن والهيئات، والوقوع في بعض المخالفات كالالتفات والتبسم ونحو ذلك مما لا يبطل الصلاة، أو السهو عن بعض الواجبات، كأن ينسى قراءة التشهد الأول، أو قراءة تسبيحات الركوع أو السجود، أو نحو ذلك: فهذه هي التي تجبرها صلاة الإمام، ويسد أجر صلاة الجماعة النقص والخلل الذي وقع بها.
وهناك بعض المسائل الفقهية التي اختلف فيها فقهاء المذاهب الأربعة تبعا لاختلافهم في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن)، تراجع في كتب اختلاف العلماء المطولة.
——
وفي تفسير الشنقيطي:
فَضْلُ الْأَذَانِ وَآدَابُ الْمُؤَذِّنِ
لَا شَكَّ أَنَّ الْأَذَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَشْهَدُ لَهُ مَا سَمِعَ صَوْتَهُ مِنْ حَجَرٍ وَمَدَرٍ. إِلَخْ.
وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم : «أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ….
وَلَمَّا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَانَتْ لَهُ آدَابٌ فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِينَ:
مِنْهَا: أَنْ يَكُونُوا مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، كَمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ»، وَعَلَيْهِ حَذَّرَ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَوَلِّي الْفَسَقَةِ الْأَذَانَ كَمَا فِي حَدِيثِ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ» الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنَّ فِيهِ زِيَادَةً عِنْدَ الْبَزَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَقَدْ تَرَكْتَنَا نَتَنَافَسُ فِي الْأَذَانِ بَعْدَكَ فَقَالَ: «إِنَّهُ يَكُونُ بَعْدِي أَوْ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ سِفْلَتُهُمْ مُؤَذِّنُوهُمْ».
وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّغَنِّي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ إِلَى أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَكِنِّي أُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ تَتَغَنَّى فِي أَذَانِكَ.
وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ: وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ صَبِيٍّ وَلَا فَاسِقٍ، أَيْ ظَاهِرِ الْفِسْقِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يُحَاكِي فِي أَذَانِهِ الْفَسَقَةَ.
وَمِنْهَا: أَلَّا يَلْحَنَ فِيهِ لَحْنًا بَيِّنًا، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيُكْرَهُ اللَّحْنُ فِي الْأَذَانِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَيَّرَ الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولَ اللَّهِ وَنَصَبَ لَامَ رَسُولٍ. أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ خَبَرًا.
وَلَا يَمُدُّ لَفْظَةَ أَكْبَرَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ فِيهَا أَلِفًا فَيَصِيرُ جَمْعُ كَبَرٍ، وَهُوَ الطَّبْلُ، وَلَا يُسْقِطُ الْهَاءَ مِنِ اسْمِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَلَا الْحَاءَ مِنَ الْفَلَاحِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لَا يُؤَذِّنُ لَكُمْ مَنْ يُدْغِمُ الْهَاءَ» الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ أَلْثَغَ لَا تَتَفَاحَشُ جَازَ أَذَانُهُ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يَقُولُ: أَسْهَدُ بِجَعْلِ الشِّينِ سِينًا، نَقَلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ، وَلَكِنْ لَا أَصْلَ لِهَذَا الْأَثَرِ مَعَ شُهْرَتِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ، كَمَا فِي كَشْفِ الْخَفَاءِ وَمُزِيلِ الْإِلْبَاسِ.
وَمِنْ هَذَا يَنْبَغِي تَعَهُّدُ الْمُؤَذِّنِينَ فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ اللَّحْنِ وَالتَّلْحِينِ وَكَذَلِكَ الْفِسْقُ، وَصِفَةُ الْمُؤَذِّنِينَ وَلَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مَهْبِطِ الْوَحْيِ وَمَصْدَرِ التَّأَسِّي، وَمَوْفِدِ الْقَادِمِينَ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ لِيَاخُذُوا آدَابَ الْأَذَانِ وَالْمُؤَذِّنِينَ عَنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ الْمُقَدَّسَةِ.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن – ط الفكر (8) / (126) – (127)
————————
الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث — أحمد بن حنبل
(161) – ما جاء في الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن» ((3)).
قال الإمام أحمد: ليس لهذا الحديث أصل ((4)).
وقال مرة: حدث به سهيل عن الأعمش، ورواه ابن فضيل، عن الأعمش، عن رجل ما أدري لهذا الحديث أصلا ((5)).
وقال مرة: هشيم لم يسمع حديث أبي صالح من الأعمش ((6)).
ومرة: ضعف الحديث كله ((7)).
(3)) أخرجه الترمذي ((257)) قال: حدثنا هناد، حدثنا أبو الأحوص وأبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم : «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذن».
((4)) «مسائل أبي داود» ((1871))، «العلل المتناهية» (1) / (433)، «التلخيص الحبير» (1) / (207).
((5)) «مسائل أبي داود» ((1871))، «التمهيد» (19) / (225).
((6)) «مسائل أبي داود» ((1871)).
((7)) «التمهيد» لابن عبد البر (19) / (225).
———————–