492 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
492 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 254): حدثنا نوح بن ميمون -قال أبو عبد الرحمن: هو أبو محمد بن نوح وهو المضروب- حدثنا أبو خريم عقبة بن أبي الصهباء حدثني أبو غالب الراسبي: أنه لقي أبا أمامة بحمص فسأله عن أشياء حدثهم: أنه سمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقول «ما من عبد مسلم يسمع أذان صلاة فقام إلى وضوئه إلا غفر له بأول قطرة تصيب كفه من ذلك الماء فبعدد ذلك القطر حتى يفرغ من وضوئه إلا غفر له ما سلف من ذنوبه وقام إلى صلاته وهي نافلة (1)».
قال أبو غالب: قلت لأبي أمامة أأنت سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إي والذي بعثه بالحق بشيرًا ونذيرًا غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس ولا ست ولا سبع ولا ثمان ولا تسع ولا عشر وعشر وعشر وصفق بيديه.
هذا حديث حسنٌ.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 255): حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سليم بن حيان حدثنا أبو غالب قال سمعت أبا أمامة يقول: إذا [ص: 420] وضعت الطهور مواضعه قعدت مغفورًا لك فإن قام يصلي كانت له فضيلة وأجرًا وإن قعد قعد مغفورًا له فقال له رجل يا أبا أمامة أرأيت إن قام فصلى تكون له نافلة قال لا إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيف تكون له نافلة وهو يسعى في الذنوب والخطايا تكون له فضيلة وأجرًا.
__________
(1) بمعنى: أجر وفضيلة، لما سيأتي من قول أبي أمامة.
قال محققو المسند 22188:
صحيح بطرقه وشواهده، وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي غالب الرّاسِبي -وهو البصري نزيل أصبهان- لكنه قد توبع. نوح بن ميمون: هو ابن عبد الحميد البغدادي المعروف بالمضروب والد محمد كما قال عبد الله بن أحمد، سُمِّي بذلك لضربة كانت بوجهه.
وأخرجه الطبراني في “الكبير” (8071) من طريق سعيد بن سليمان، عن عقبة بن أبي الصهباء، بهذا الإسناد.
وأخرجه بنحوه الطبراني في “الصغير” (1099) من طريق زكريا بن ميسرة، عن أبي غالب، به. وقال في آخره: “وهي فضيلة” بدل: “وهي نافلة”.
وسيأتي بنحوه موقوفاً من طريق سَلِيم بن حيان، عن أبي غالب برقم (22196).
وانظر (22162).
[مسند أحمد 36/ 525 ط الرسالة]
بوب عليه مقبل في الجامع:
16 – فضل الوضوء
65 – فضل الصلاة
قال الضياء المقدسي:
96 – باب في فضائل الوضوء
345 – عن نعيم المجمر قال: “رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد، فتوضأ، فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء. فمن استطاع منكم أن يطل غرته فليفعل”.
رواه خ م، ولفظه للبخاري، ولمسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنتم الغر (المحجلون) يوم القيامة من إسباغ الوضوء. فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله”.
وله أيضًا: سمعت خليلي يقول: “تبلغ الحلية من المؤمن حيث (يبلغ) الوضوء”.
346 – عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه (من جسده) حتى تخرج من تحت أظفاره”. رواه م.
347 – وعن حمران مولى عثمان قال: “أتيت عثمان بن عفان بوضوء، فتوضأ، ثم قال: إن أناسًا يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث لا أدري ما هي، ألا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيته إلى المسجد نافلة”.
رواه م.
348 – عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا توضأ العبد المسلم -أو المؤمن- فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء -أو مع آخر قطر الماء- فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء -أو مع آخر قطر الماء- فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء -أو مع آخر قطر الماء- حتى يخرج نقيًّا من الذنوب”. رواه م.
349 – عن أبي هريرة “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن (شاء) الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. قالوا: كيف تعرف من لم يأت (بعدك) من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنهم يأتون غرًا محجلين من الوضوء، فأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم. فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك. فأقول: سحقا سحقًا”.
رواه م.
350 – عن عبد الله بن بُسْر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أمتي يوم القيامة غر من السجود، محجلون من الوضوء”.
رواه الإمام أحمد ت، وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث عبد الله بن بسر. [حكم الألباني: صحيح. الترمذي 607]
351 – عن عبد الله بن مسعود قال: “قيل: يا رسول الله، كيف تعرف من لم تر من أمتك يوم القيامة؟ قال: هم غر محجلون بلق من آثار الوضوء”.
رواه الإمام أحمد. [حكم الألباني: حسن صحيح. ابن ماجه 284]
352 – وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ” (ألا) أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط”.
رواه م.
53 – عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الطهور شطر الإيمان، والحمد للَّه تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها”.
رواه م.
354 – عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما منكم رجل يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطايا وجهه وفيه وخياشيمه، ثم إذا غسل وجهه كما أمر الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجليه من أنامله مع الماء، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه، ومجده بالذي هو له أهل، وفرغ قلبه للَّه، إلا انصرف من خطيئته كهيئة يوم ولدته أمه”.
رواه م هكذا، ورواه الإمام أحمد في مسنده وفيه “كما أمره الله -تعالى” بعد غسل الرجلين.
355 – عن بريدة بن الحصيب قال: “أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال: يا بلال، بم سبقتني إلى الجنة؟ فما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، دخلت البارحة (الجنة) فسمعت خشخشتك أمامي، فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل عربي. فقلت: أنا رجل عربي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش. قلت: أنا قرشي، لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة محمد. قلت: أنا محمد؛ لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب. فقال بلال: يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها ورأيت أن لله علي ركعتين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بهما”.
رواه الإمام أحمد ت، وقال: حديث حسن صحيح غريب. وهذا لفظه. [حكم الألباني: صحيح. الترمذي 3689]
356 – عن عقبة بن عامر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “رجلان من أمتي يقوم أحدهما من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقد فيتوضأ، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة، فيقول الرب عز وجل للذين وراء الحجاب انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ما سألني عبدي هذا فهو له”.
رواه الإمام أحمد. [حسن لغيره. 631 – (19). صحيح الترغيب]
357 – عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “استقيموا تفلحوا، وخير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن”.
رواه الإمام أحمد ق، واللفظ لأحمد. [صحيح الترغيب: 197، تحفة: 2086]
358 – عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أيما رجل قام إلى وضوئه يريد الصلاة ثم غسل كفيه نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة، فإذا مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من لسانه وشفتيه مع أول قطرة، فإذا غسل وجهه نزلت خطيئته من سمعه وبصره مع أول قطرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب هو له ومن كل خطيئة كهيئته يوم ولدته أمه، فإذا قام إلى الصلاة رفع الله بها درجته، وإن قعد قعد سالمًا”. [صحيح لغيره. 187 – (13). صحيح الترغيب]
359 – وعن أبي أمامة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: “أيما عبد مسلم يسمع أذان صلاة فقام إلى وضوئه إلا غفر له بأول قطرة تصيب كفه من ذلك الماء، (((((فبعدد)))
ذلك القطر حتى يفرغ من وضوئه إلا غفر له ما سلف من ذنوبه وقام إلى صلاته وهي نافلة”. رواهما الإمام أحمد. [الصحيح المسند 492]
[السنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام 1/ 120]
قال الألباني في الصحيحة:
1756 – ” أيما رجل رمى بسهم في سبيل الله عز وجل، فبلغ مخطئا أو مصيبا فله من الأجر
كرقبة يعتقها من ولد إسماعيل. وأيما رجل شاب شيبة في سبيل الله فهو له نور.
وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فكل عضو من المعتق بعضو من المعتق فداء له
من النار. وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة، فكل عضو من المعتقة بعضو من
المعتقة فداء لها من النار. وأيما رجل مسلم قدم لله عز وجل من صلبه ثلاثة لم
يبلغوا الحنث أو امرأة، فهم له سترة من النار.
وأيما رجل قام إلى وضوء يريد
الصلاة، فأحصى الوضوء إلى أماكنه، سلم من كل ذنب أو خطيئة له، فإن قام إلى
الصلاة رفعه الله بها درجة، وإن قعد قعد سالما “.
أخرجه أحمد (4/ 386) من طريق عبد الحميد حدثني شهر حدثني أبو طيبة أن شرحبيل
ابن السمط دعا عمرو بن عبسة السلمي فقال: يا ابن عبسة هل أنت محدثي حديثا
سمعته أنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه تزيد ولا كذب، ولا
تحدثنيه عن آخر سمعه منه غيرك؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: فذكره.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير شهر بن حوشب فإنه سيء
الحفظ، لاسيما وقد قال الإمام أحمد: ” لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن
شهر “. وقد وجدت الحديث مفرقا من غير طريقه إلا الجملة الأخيرة منه، فإني لم
أجد له فيها متابعا من حديث عمرو بن عبسة، وإنما من حديث أبي أمامة، فإليك
الآن بيانا تلك المتابعات حسب ترتيب الفقرات المرقمة:
1 – 3 تابعه سليم بن عمرو أن شرحبيل بن السمط قال لعمرو بن عبسة حدثنا حديث ليس
فيه تزويد ولا نسيان، قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر
الفقرات الثلاثة مشوشة الترتيب. أخرجه الطحاوي في ” المشكل ” (1/ 310)
وأحمد (4/ 113) وإسناده صحيح، وعزاه المنذري (2/ 171) للنسائي بإسناد
صحيح وله إسناد آخر من طريق الصنابحي عن عمرو. رواه أحمد وفيه رجل لم يسمه.
4 – تابعه سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي قال:
فذكره مرفوعا نحوه مع الفقرات الثلاثة الأولى. أخرجه أحمد (4/ 113) بسند
صحيح أيضا، ولابن حبان (1645) منه الفقرة الأولى بلفظ: ” من بلغ بسهم في
سبيل الله فهو له درجة في الجنة “. وهي عند أحمد أيضا وزاد: ” من رمى بسهم
في سبيل الله عز وجل فهو عدل محرر “. ثم رأيت عند ابن حبان (1208) هذه
الفقرة الرابعة والثالثة أيضا. وكذا رواه الطحاوي في ” المشكل ” (1/ 312)
5 – تابعه الفرج: حدثنا لقمان عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة السلمي مرفوعا
نحوه بلفظ: ” من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام، فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث
أدخله الله عز وجل الجنة برحمته إياهم، ومن شاب … ” الحديث، وفيه الفقرات
الثلاث الأول.
أخرجه أحمد (4/ 386) وسنده حسن.
6 – هذه الفقرة يرويها أبو غالب قال: سمعت أبا أمامة يقول: ” إذا وضعت الطهور
مواضعه، قعدت مغفورا لك، فإن قام يصلي كان له فضيلة وأجرا، وإن قعد قعد
مغفورا له “. فقال رجل: يا أبا أمامة أرأيت إن قام فصلى تكون له نافلة؟ قال
: ” لا إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم، كيف تكون له نافلة وهو يسعى
في الذنوب والخطايا؟! تكون له فضيلة وأجرا “. أخرجه أحمد (5/ 255)
وإسناده حسن. ثم أخرجه (5/ 263) من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن
حوشب حدثني أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
” أيما رجل قام إلى وضوئه يريد الصلاة، ثم غسل كفيه نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة، فإذا
مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من لسانه وشفتيه مع أول قطرة، فإذا غسل
وجهه نزلت خطيئته من سمعه وبصره مع أول قطرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين
ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب هو له، ومن كل خطيئة كهيئته يوم ولدته أمه
، قال: فإذا قام إلى الصلاة رفع الله بها درجته، وإن قعد قعد سالما “. قال
المنذري (1/ 96): ” وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس به “. والحديث
عزاه السيوطي في ” الجامع الصغير ” للطبراني فقط في ” الكبير “! دون الفقرة
الرابعة، ففاته أنه في ” المسند ” أتم منه! وهو في ” الكبير ” بأكثر فقراته
مفرقا (7556 و 7560 و 7561 – 7567 و 7569 – 7572) من رواية شهر عن أبي أمامة
رضي الله عنه.
[سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها 4/ 349]
قال الجصاص:
قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} رُوِيَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ صَاحِبِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “يَحْسَبُ أَحَدُكُمْ إذَا قَامَ أَوَّلَ اللَّيْلِ إلَى آخِرِهِ أَنَّهُ قَدْ تَهَجَّدَ، لَا، وَلَكِنَّ التَّهَجُّدَ الصَّلَاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ ثُمَّ الصَّلَاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ ثُمَّ الصَّلَاةُ بَعْدَ رَقْدَةٍ، وَكَذَلِكَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم” وَعَنْ الْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ قَالَا: “التَّهَجُّدُ بَعْدَ النَّوْمِ”. وَالتَّهَجُّدُ فِي اللُّغَةِ السَّهَرُ لِلصَّلَاةِ أَوْ لِذِكْرِ اللَّهِ، وَالْهُجُودُ النَّوْمُ، وَقِيلَ: التَّهَجُّدُ التَّيَقُّظُ بِمَا يَنْفِي النَّوْمَ. وَقَوْلُهُ: {نَافِلَةً لَكَ} قَالَ مُجَاهِدٌ: “وَإِنَّمَا كَانَتْ نَافِلَةً لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، فَكَانَتْ طَاعَاتُهُ نَافِلَةً أَيْ زِيَادَةً فِي الثَّوَابِ وَلِغَيْرِهِ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ”. وَقَالَ قَتَادَةُ: “نَافِلَةٌ: تَطَوُّعًا وَفَضِيلَةً”.
وَرَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُمَامَةَ قَالَ: “إذَا وَضَعْت الطَّهُورَ مَوَاضِعَهُ قَعَدْت مَغْفُورًا، وَإِنْ قُمْت تُصَلِّي كَانَتْ لَك فَضِيلَةً وَأَجْرًا، فَقَالَ لَهُ رِجْلٌ: يَا أَبَا أُمَامَةَ أَرَأَيْت إنْ قَامَ يُصَلِّي يَكُونُ لَهُ نَافِلَةً؟ قَالَ: لَا إنَّمَا النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ نَافِلَةً وَهُوَ يَسْعَى فِي الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا يَكُونُ لَك فَضِيلَةً وَأَجْرًا” فَمَنَعَ أَبُو أُمَامَةَ أَنْ تَكُونَ النَّافِلَةُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رُوِيَ عَبْدُ اللَّهِ بن الصامت عن أبي ذر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “كَيْفَ أَنْتَ إذَا كَانَتْ عَلَيْك أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ؟ قَالَ قُلْت: فَمَا تَامُرُنِي؟ قَالَ: صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكْتَهُمْ فَصَلِّهَا مَعَهُمْ لَك نَافِلَةٌ”. وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “الْوُضُوءُ يُكَفِّرُ مَا قَبْلَهُ ثُمَّ تَصِيرُ الصَّلَاةُ نَافِلَةً قِيلَ لَهُ: أَنْتَ سَمِعْت هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَمْ غَيْرُ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ وَلَا أَرْبَعٍ وَلَا خَمْسٍ”.
فَأَثْبَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ النَّافِلَةَ لِغَيْرِهِ، النَّافِلَةُ هِيَ الزِّيَادَةُ بَعْدَ الْوَاجِبِ وَهِيَ التَّطَوُّعُ وَالْفَضِيلَةُ، وَمِنْهُ النَّفَلُ فِي الْغَنِيمَةِ وَهُوَ مَا يَجْعَلُهُ الْإِمَامُ لِبَعْضِ الْجَيْشِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ سِهَامِهَا، بِأَنْ يَقُولَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ.
[أحكام القرآن للجصاص ط العلمية 3/ 268]
قال ابن تيمية:
[النافلة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم -]
ولهذا قال بعض السلف: “النافلة لا تكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله قد كفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيره يحتاج إلى المغفرة، وتأول على هذا قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79]، وليس إذا فعل نافلة، وضيع فريضة، تقوم النافلة مقام الفريضة مطلقاً، بل قد تكون عقوبته على ترك الفريضة أعظم من ثواب النافلة.
فإن قيل: العبد إذا نام عن صلاة أو نسيها، كان عليه أن يصليها إذا ذكرها بالنص والإجماع، فلو كان لها بدل من التطوعات لم يجب القضاء، قيل: هذا خطأ.
فإن قيل هذا يقال في جميع مسقطات العقاب فيقال: إذا كان العبد يمكنه رفع العقوبة بالتوبة لم ينه عن الفعل، ومعلوم أن العبد عليه أن يفعل المأمور ويترك المحظور، لأن الإخلال بذلك سبب للزوم العقاب، وإن جاز مع إخلاله أن يرتفع العقاب بهذه الأسباب، كما عليه أن يحتمي من السموم القتَّالة، وإن كان مع تناوله لها يمكن رفع ضررها بأسباب من الأدوية، والله عليم حكيم رحيم، أمرهم بما يصلحهم، ونهاهم عما يفسدهم، ثم إذا وقعوا في أسباب الهلاك لم يؤيسهم من رحمته، بل جعل لهم أسباباً يتوصلون بها إلى رفع الضرر عنهم.
ولهذا قيل: إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله، ولا يجرئهم على معاصي الله، ولهذا يؤمر العبد بالتوبة كلما أذنب، قال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى، قال: إلى أن تحزن الشيطان. وفي المسند عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب العبد المفتَّن التواب)، وأيضاً كان من نام عن صلاة، أو نسيها فصلاته إذا استيقظ أو ذكرها كفارة لها تبرأ بها الذمة من المطالبة، ويرتفع عنه الذم والعقاب، ويستوجب بذلك المدح والثواب، وأما ما يفعله من التطوعات فلا يعلم القدر الذي يقوم ثوابه مقام ذلك، ولو علم فقد لا يمكن فعله مع سائر الواجبات، ثم إذا قدر أنه أمر بما يقوم مقام ذلك صار واجباً فلا يكون تطوعاً، والتطوعات شرعت لمزيد التقرب إلى الله تعالى كما قال تعالى في الحديث الصحيح: (ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) الحديث.
فإذا لم يكن العبد قد أدى الفرائض كما أمر، لم يحصل له مقصود النوافل ولا يظلمه الله، فإنه تعالى لا يظلم مثقال ذرة، بل يقيمها مقام نظيرها من الفرائض، كمن عليه ديون لأناس يريد أن يتطوع لهم بأشياء، فإن وفاهم وتطوع لهم كان عادلًا محسنًا، وإن وفا (5) ولم يتطوع كان عادلاً، وإن أعطاهم ما يقوم مقام دينهم، وجعل ذلك تطوعاً كان غالطاً في جعله تطوعاً (6)، بل يكون من الواجب الذي يستحقونه.
[الإيمان الأوسط – ط ابن الجوزي ص342]
هل يلزمه النية التفصيلية لينال الأجر بأن يستحضر النصوص الخاصة في فضيلة كل عمل:
واعلم أن النية نوعان:
1 – نية مفروضة، ولا تصح العبادة إلا بها، كالنية في الوضوء والصلاة والزكاة والصوم والحج، وهذه النية لا يكاد يغفل عنها أحد، فإذا توضأ الإنسان ليصلي أو ليمس المصحف أو ليكون طاهرا، فقد أتى بالنية. فقصد الصلاة، أو قصد رفع الحدث، هذا هو النية في الوضوء.
وإذا قام المرء للصلاة، وهو يعلم أنها صلاة الظهر مثلا، فقصدَ أن يصليها وأقبل عليها، فقد أتى بالنية، ولا يجب – بل ولا يشرع – أن يقول بلسانه نويت أن أصلي صلاة الظهر حاضرة … إلخ، كما يفعله بعض الناس، فإن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل النية محلها القلب.
وهكذا إذا عزم الإنسان من الليل على أنه سيصوم غدا، فقد نوى الصوم، بل تناوله طعام السحور، يدل على قصده الصوم وإرادته له.
فالنية بهذا المعنى يصعب أن ينساها الإنسان.
2 – والنوع الثاني: نية مستحبة، لتحصيل الأجر والثواب، وهذه التي يغفل عنها بعض الناس، وهي استحضار النية في المباحات، لتكون طاعاتٍ وقربات، كأن يأكل ويشرب وينام بنية التقوي على الطاعة، كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ) رواه البخاري (56).
وقال معاذ رضي الله عنه: (أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) رواه البخاري (4088).
فكان رضي الله عنه يحتسب الأجر في النوم، كما يحتسبه في قيام الليل، لأنه أراد بالنوم التقوّي على العبادة والطاعة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ” ومعناه أنه يطلب الثواب في الراحة كما يطلبه في التعب؛ لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت الثواب ” انتهى.
والذي يعين على استحضار هذه النية: التأني والتدبر وعدم العجلة، فيفكر الإنسان فيما يأتي ويذر، ويحاسب نفسه قبل العمل، فينظر هل هو حلال أو حرام، ثم ينظر في نيته: ماذا أراد بذلك؟ فكلما حاسب نفسه، وعودها النظر قبل العمل، كلما كان ذلك أدعى لتذكره أمر النية، حتى يصير ذلك ملكةً له، وعادة يعتادها، فلا يخرج ولا يدخل، ولا يأكل ولا يشرب، ولا يعطي ولا يمنع، إلا وله نية في ذلك، وبهذا تتحول عامة أوقاته إلى أوقات عبادة وقربة.
السؤال
أنا صاحب السؤال رقم: 239686
وقمتم بإجابتي مشكورين، ولكنني لم أفهم من هم أهل السلوك؟
وهل كلام ابن عثيمين عن نية أهل السلوك، ونية الامتثال لأمر الله قبل أداء العبادة، يقصد به الوجوب؟ وهل يجب على الإنسان أن ينوي دخول الصلاة بتكبيرة الإحرام؟
وهل يجب أن ينوي أن يكبر للإحرام؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعلم السلوك هو العلم الذي يعنى بمعرفة الطريق الموصلة إلى الله تعالى، وكيفية سلوكها، والآفات التي تعرض للسالك فيها، وكيفية تجنبها؛ ولذا عرفه المناوي بقوله: هو النفاذ في الطريق.
ومن ثم فإن من يتكلم على النية بهذا الاعتبار يدندن حول معنى الإخلاص لله تعالى، وتجنب ما يضاده من الرياء، وهذا الإخلاص لله تعالى -بأن يعمل العبد العمل لا يريد به إلا وجه الله سبحانه، فلا يرائي به المخلوقين- واجب على كل مسلم، ولا يقبل عمل إلا بهذا الإخلاص، كما قال تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين {البينة:5}. وقال صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه.
وأما ما يرشد إليه الشيخ ابن عثيمين- رحمه الله- من نية زائدة على الإخلاص لله تعالى كنية الامتثال لأمر الله ونحو ذلك، فهو أمر مستحب وليس بواجب، وقد أوضح الشيخ مراده بنية الامتثال فقال: وكذا كل ما أمر به الشرع ينبغي للإنسان عند فعله أن ينوي امتثال الأمر ليكون عبادة، ففي الوضوء ـ مثلا ـ إذا أردنا أن نتوضأ، نقصد أن هذا شرط من شروط الصلاة، لا بد من القيام به، ونستحضر أننا نقوم بأمر الله ـ تعالى ـ في قوله: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]. قد نذكره أحيانا، ولكننا ننساه كثيرا، وهل عندما نفعل هذا نشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه أمامنا، وأننا نقتدي به فنكون بذلك متبعين؟ هذا قد نفعله أحيانا، ولكنه يفوتنا كثيرا، فينبغي للإنسان أن يكون حازما لا تفوته الأمور، والأجور بمثل هذه الغفلة. انتهى.
وهذا قدر زائد على الإخلاص الواجب كما لا يخفى.
وأما نية الصلاة، فالواجب على المكلف أن ينوي عين الصلاة المعينة التي يريد أداءها، فينوي -مثلا- أنه سيصلي الظهر أو العصر أو نحو ذلك، ولا يجب عليه أن ينوي أبعاض الصلاة، بل نية الصلاة تأتي على جميع أجزائها.
قال ابن عابدين- رحمه الله- في رد المحتار: ولا يشترط نية أبعاض الصلاة. انتهى.
ونحذر من الوسوسة في أمر النية؛ فإن الوسوسة في هذا الباب وغيره تفضي إلى شر عظيم.
والله أعلم.
في شرح حديث إنما الأعمال بالنيات ….
قال في لمعات التنقيح:
وههنا فائدة ينبغي أن ينبّه عليها وهي: أنه قد تكون نية عامة شاملة لخصوصيات تندرج تحتها وتحصل في ضمنها من غير أن يكون للعامل نية فيها فهل يحصل له ثوابها؟ اختلف فيه أنظار العلماء، فبعضهم يقولون: يحصل؛ لاندارجها تحت النية العامة، وقال بعضهم: لا يحصل؛ لأنه لم ينو في الخصوصيات، وظاهر هذا الحديث يدل عليه، ويؤيد الأول ((1)) حديث: (الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل اللَّه فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج والروضة كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفًا أو شرفين كانت أرواثها وآثارها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات) ((2))، الحديث.
وقد يحصل ثواب تحية المسجد وإن لم ينوها لأن المقصود بالتحية شغل البقعة، وقد حصل، وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة؛ فإنه لا يحصل له ثواب غسل الجمعة على الأرجح، لأن غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد لا إلى محض التنظيف فلابد [فيه] من القصد إليه بخلاف تحية المسجد، كذا في (فتح الباري)
وسابعها: أن الثانية أفادت أن العمل إذا كان مشتملًا على جهات متعددة من الخير يحصل للعامل ثواب ما نوى من تلك الجهات دون الأخرى، مثلًا إذا أعطى فقيرًا قريبًا له: إن أعطاه من جهة فقره، ولم يخطر قرابته له ولم ينوها، يحصل له ثواب الصدقة فقط، وإن أعطاه لأجل القرابة وصلة الرحم ولم تخطر حيثية فقره، يحصل له ثواب الصلة فقط، وإن نواهما يحصل ثوابهما معًا، والجملة الأولى لا تفيد هذا المعنى.
وهكذا قد يحصل للشخص بواسطة النية في عمل واحد أنواع من الثواب، ويحرز جميعها بالنية، كالجلوس في المسجد عمل واحد، ويمكن حصول خيرات كثيرة وحسنات متعددة بالنية: …. ثم طول في تفريعات المسألة
في شرح حديث إنما الأعمال بالنيات ….
قال في لمعات التنقيح:
وههنا فائدة ينبغي أن ينبّه عليها وهي: أنه قد تكون نية عامة شاملة لخصوصيات تندرج تحتها وتحصل في ضمنها من غير أن يكون للعامل نية فيها فهل يحصل له ثوابها؟ اختلف فيه أنظار العلماء، فبعضهم يقولون: يحصل؛ لاندارجها تحت النية العامة، وقال بعضهم: لا يحصل؛ لأنه لم ينو في الخصوصيات، وظاهر هذا الحديث يدل عليه، ويؤيد الأول ((1)) حديث: (الخيل لثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل اللَّه فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من المرج والروضة كانت له حسنات، ولو أنها قطعت طيلها فاستنت شرفًا أو شرفين كانت أرواثها وآثارها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك له حسنات) ((2))، الحديث.
وقد يحصل ثواب تحية المسجد وإن لم ينوها لأن المقصود بالتحية شغل البقعة، وقد حصل، وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة؛ فإنه لا يحصل له ثواب غسل الجمعة على الأرجح، لأن غسل الجمعة ينظر فيه إلى التعبد لا إلى محض التنظيف فلابد [فيه] من القصد إليه بخلاف تحية المسجد، كذا في (فتح الباري)
وسابعها: أن الثانية أفادت أن العمل إذا كان مشتملًا على جهات متعددة من الخير يحصل للعامل ثواب ما نوى من تلك الجهات دون الأخرى، مثلًا إذا أعطى فقيرًا قريبًا له: إن أعطاه من جهة فقره، ولم يخطر قرابته له ولم ينوها، يحصل له ثواب الصدقة فقط، وإن أعطاه لأجل القرابة وصلة الرحم ولم تخطر حيثية فقره، يحصل له ثواب الصلة فقط، وإن نواهما يحصل ثوابهما معًا، والجملة الأولى لا تفيد هذا المعنى.
وهكذا قد يحصل للشخص بواسطة النية في عمل واحد أنواع من الثواب، ويحرز جميعها بالنية، كالجلوس في المسجد عمل واحد، ويمكن حصول خيرات كثيرة وحسنات متعددة بالنية: …. ثم طول في تفريعات المسألة
وخلاصة ما فرع:
أن كل عمل لا بد – كي يقوم ويتم – أن تتحقق فيه أركان ثلاثة:
1 – الداعية الباعثة على العمل (العلم)
2 – والإرادة التي هي الانبعاث نحو العمل (القصد والنية)
3 – والقدرة (العمل).
ولنمثل لذلك بمثال يتضح به المقال: إذا هجم على الإنسان سبع أو وحش مثلا، فإن معرفته بضرر السبع وأذيته له هي الداعية الباعثة على الهرب للتخلص من ذلك الضرر، فتحقق الركن الأول (الباعث)، ولذلك ستنبعث في قلبه إرادة الهرب وقصده، فيتحقق الركن الثاني (النية)، ثم تنتهض القدرة لتفعل فعل الهرب بسبب الإرادة، فيتم الفعل بذلك.
فالفعل هنا هو الهرب، والنية هي الفرار من السبع لا غير، والباعث الذي هو المقصد المنوي الذي دعا إلى الفعل هو التخلص من ضرر السبع وأذاه.
ينظر: ” إحياء علوم الدين “، للغزالي (4/ 365).
ثانيا:
من أراد أن ينوي النية الصالحة في عمله، فلا بد أن يلتفت إلى الباعث الداعي الذي يزجره نحو ذلك العمل، فيحرص على أن يكون باعثه أمرا صالحا مشروعا، مما يحبه الله ويرضاه ويثيب عليه، فتنطلق النية والإرادة نحو ذلك العمل بسبب هذا الباعث الصالح، وبهذا تكون النية لله تعالى، ثم عليه بعد ذلك أن يحافظ على هذا الداعي الأصلي الخالص لله تعالى، فلا يتفلت منه أثناء عمله، ولا يتقلب، ولا ينصرف إلى غير الله، ولا يداخله شرك آخر.
ولهذا قال سفيان الثوري رحمه الله:
” سفيان الثوريّ: “ما عالجت شيئاً عليّ أشد من نيّتي، إنها تتقلب عليّ “!!
فمن أراد أن يقوم بعمل ” قراءة القرآن الكريم ” مثلا، ويكون عمله خالصا متقبلا عند الله تعالى، فلا بد أن ينشأ الباعث في نفسه نشأة صحيحة شرعية، كقصد عبادة الله تعالى، أو يعلم فضيلة ثواب قراءة القرآن الكريم فتتشوف النفس لتحصيله، أو يعرف منفعة التدبر والتأمل في آيات الله تعالى، أو أن القرآن الكريم يأتي شفيعا لصاحبه يوم القيامة، أو يستحضر أن القرآن كلام الله، وهو من أحب ما يتقرب به إليه، ونحو ذلك من البواعث الشرعية التي تلقي في النفس الرغبة نحو هذا الفعل.
فإذا رغبت النفس به، وانطلقت الإرادة نحو تحقيقه لأجل تلك الأغراض: تحققت النية، ثم إذا توفرت القدرة لتحقيق التلاوة: اكتمل العمل المشروع الخالص لوجه الله عز وجل.
ثم يبقى عليه بعد ذلك أن يحافظ على ما حصله من النية الخالصة، والعمل الصالح، فعدوه إبليس يتلصص عليه، حريص على أن يخطف منه ما استطاع!!
ثالثا:
البواعث التي بتعث المرء على العمل الصالح قد تتعدد، ولها درجات ومراتب، وإذا كانت كلها صالحة تضاعف أجر العمل أضعافا كثيرة، وكلما تعلقت بالدرجات العلى من اليقين والإيمان كان العمل أعظم عند الله عز وجل.
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله:
” أما الأصل فهو أن ينوى بها عبادة الله تعالى لا غير، فإن نوى الرياء صارت معصية، وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة، فإن الطاعة الواحدة يمكن أن ينوي بها خيرات كثيرة، فيكون له بكل نية ثواب، إذ كل واحدة منها حسنة، ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها كما ورد به الخبر.
ومثاله: القعود فى المسجد، فإنه طاعة، ويمكن أن ينوى فيه نيات كثيرة حتى يصير من فضائل أعمال المتقين، ويبلغ به درجات المقربين:
أولها: أن يعتقد أنه بيت الله، وأن داخله زائر الله، فيقصد به زيارة مولاه رجاء لما وعده به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وثانيها: أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة، فيكون في جملة انتظاره في الصلاة.
وثالثها: كف السمع والبصر والأعضاء عن الحركات والترددات، فإن الاعتكاف كف وهو في معنى الصوم.
ورابعها: عكوف الهم على الله، ولزوم السر للفكر في الآخرة، ودفع الشواغل الصارفة عنه بالاعتزال إلى المسجد.
وخامسها: التجرد لذكر الله، أو لاستماع ذكره وللتذكر به.
وسادسها: أن يقصد إفادة العلم بأمر بمعروف ونهي عن منكر، إذ المسجد لا يخلو عمن يسيء في صلاته، أو يتعاطى ما لا يحل له، فيأمره بالمعروف ويرشده إلى الدين، فيكون شريكا معه في خيره الذي يعلم منه، فتتضاعف خيراته.
وسابعها: أن يستفيد أخا في الله، فإن ذلك غنيمة وذخيرة للدار الآخرة، والمسجد معشش أهل الدين المحبين لله وفي الله.
وثامنها: أن يترك الذنوب حياء من الله تعالى، وحياء من أن يتعاطى في بيت الله ما يقتضي هتك الحرمة.
فهذا طريق تكثير النيات، وقس به سائر الطاعات والمباحات، إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة، وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير وتشمره له، وتفكر فيه، فبهذا تزكوا الأعمال وتتضاعف الحسنات ” انتهى باختصار من ” إحياء علوم الدين ” (4/ 370 – 371)
رابعاً:
وأما الاحتساب فهو مرادف الإخلاص لوجه الله تعالى، لا فرق بينهما، فمن نوى بعمله نية صالحة فقد احتسبه عند الله تعالى، ولا يحتاج إلى مزيد استحضار قلبي لفكرة أخرى.
يقول الإمام النووي رحمه الله:
” معنى: (احتسابا): أن يريد الله تعالى وحده، لا يقصد رؤية الناس، ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص ” انتهى من ” شرح مسلم ” (6/ 39)
ويقول ابن بطال رحمه الله:
” وقوله: (احتسابًا) يعنى: يفعل ذلك ابتغاء وجه الله تعالى ” انتهى من ” شرح صحيح البخاري ” (4/ 146)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
” الأجر الموعود به إنما يحصل لمن صنع ذلك احتسابا: أي: خالصا ” انتهى من ” فتح الباري ” (1/ 110)
وبعض لجان الفتوى قالوا:
فالمشترط لحصول الأجر هو النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. متفق عليه. ولقوله: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها … الحديث وهو في الصحيحين.
ويقول صاحب مراقي السعود:
وليس في الواجب من نوال * عند انتفاء قصد الامتثال
فيما له النية لا تشترط * وغير ما ذكرته فغلط
ولكن المقصود من النية هو مجرد ابتغاء وجه الله، وإذا قبل الله طاعتك فستجد -إن شاء الله- كل ما ورد مما أعده الله لذلك. وعليه، فليس من المشترط لحصول أجر الصدقة مثلا أن ينوي صاحبها إطفاء غضب الرب وابتغاء أن يكون ممن يظلهم الله في ظله، والشفاء، ونيل البر، وأن تكون برهانا، بل يكفي من ذلك جميعا أن يخرجها ابتغاء مرضاة الله، ثم الفرق بين الاحتساب وبين النية هو أن الاحتساب أخص من النية، لأن النية قد لا يستحضر صاحبها طلب الأجر، وأما
الاحتساب فهو كما قال الحافظ ابن حجر وغيره أنه طلب الثواب من الله تعالى، واحتساب العمل يكون قبل القيام به أو أثناء ذلك، لا بعد القيام به.
والله أعلم.
قال ابن القيم – رحمه الله -: فإن كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية, فلا يكون العمل طاعة وقربة حتى يكون مصدره عن الايمان, فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض … وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته, وهو الاحتساب. اهـ
فتبين بهذا أن هناك فرقا بين الباعث على العمل وبين الغاية, فالأول: الإيمان, والثاني: الاحتساب, ومعناه: احتساب الثواب – أي عد الثواب مدخرا عند الله -.
وأكمل الأحوال أن يجمع المؤمن في عمله بين الباعث والغاية فيعمل العمل طاعة لله, ويطلب ادخار الثواب عنده تعالى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلتصبر ولتحتسب.
ولكن قد يعمل المسلم عملا يبعثه عليه إيمانه بالله تعالى, وإرادة طاعته, ولكنه لا يستحضر احتساب الثواب, فيؤجر على عمله, ولكنه يفوته ثواب الاحتساب, قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -: الأعمال الصالحة قسمان: النوع الأول: أعمال لازمة لا يتعدى نفعها للغير، فهذه إن عملها الإنسان بنية أثيب ولو بنية القيام بالواجب؛ يعني: ولو لم ينو الاحتساب لكنه نوى القيام بالواجب فإنه يثاب.
والنوع الثاني: عبادات متعدية ينتفع بها الغير، فهذه يؤجر على انتفاع الغير بها، وإن لم يكن له نية عند فعلها؛ ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من زرع زرعا أو غرس شجرة فأصاب منها حيوان أو سرق منها؛ فإن له بذلك أجرا، مع أنه ربما يغرس ولا ينوي هذه النية، ولكن ما دام فيه انتفاع للناس فله أجر به، ويدل على هذا قوله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس} وهذا إذا فعله الإنسان – ولو لمجرد الإصلاح – بدون قصد الثواب ففيه خير، ثم قال: {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} [النساء:114] وهذا أمر زائد على الخير الذي ذكره الله في أول الآية, فإماطة الأذى عن الطريق نفعها متعد؛ فيثاب الإنسان عليه، وإن لم يكن له نية على هذه الإماطة. اهـ
منقول
يحصل العبد على أجر العبادة ويدرك فضائلها؛ بتحقيق:
1 – الاتباع: بأن تكون العبادة على الوجه الذي بيّنه الشرع، فلا يبتدع العبد فيها ما لم يشرعه الله ورسوله.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718).
2 – النية: لقول رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) رواه البخاري (1)، ومسلم (1907).
والنية تتناول نية تعيين العبادة، وكذا نية الإخلاص.
والمقصود بالإخلاص، أن يقصد بالعبادة وجه الله تعالى، لا غيره.
فإذا حقق هذين الأمرين، فيرجى له الأجر، وإن لم يستحضر نية إدراك الثواب الخاص بتلك العبادة، لأنه لا يعلم دليل على هذا، بل نصوص الشرع تشير إلى عدم لزوم هذه النية.
كما في قول الله تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة/112.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
” قال تعالى: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي: من أخلص العمل لله وحده لا شريك له …
قال سعيد بن جبير: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ) أخلص، (وَجْهَهُ) قال: دينه، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) أي: متبع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن للعمل المتقبل شرطين، أحدهما: أن يكون خالصا لله وحده.
والآخر: أن يكون صوابا موافقا للشريعة. فمتى كان خالصا ولم يكن صوابا لم يتقبل؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد). رواه مسلم من حديث عائشة، عنه، عليه السلام …
وأما إن كان العمل موافقا للشريعة في الصورة الظاهرة، ولكن لم يخلص عامله القصد لله فهو أيضا مردود على فاعله وهذا حال المنافقين والمرائين … ولهذا قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا).
وقوله: (فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، ضمن لهم تعالى على ذلك تحصيل الأجور، وآمنهم مما يخافونه من المحذور ” انتهى من “تفسير ابن كثير” (1/ 385).
فلم يشترط لتحصيل الأجر إلا الإحسان والإخلاص.
وكما في حديث أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ؟
فَأَرَمَّ الْقَوْمُ.
فَقَالَ: أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا؟ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَاسًا.
فَقَالَ رَجُلٌ: جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَ.
فَقَالَ: (لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا، أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا) رواه مسلم (600).
فالرجل نال هذا الفضل الخاص ولم يقصده قطعا؛ لأنه لم يكن يعلمه حينما قال تلك الكلمة.
وروى البخاري (6478) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” قوله: (لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا) أي: لا يتأملها بخاطره، ولا يتفكر في عاقبتها، ولا يظن أنها تؤثر شيئا” انتهى من “فتح الباري” (11/ 311).
ولأن استحضار نية كل الأجور الخاصة لأي عبادة يقوم بها العبد، فيه حرج شديد على عموم الناس، والشرع لم يأت بالحرج.
قال الله تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة/6.
كما أن الأجور الخاصة لأي عبادة داخلة في عموم نية الثواب التي لا يكاد يخلو منها قلب مسلم، فعموم هذه النية كاف؛ فالشرع لم يفصل لنا كثيرا من أنواع الثواب الذي سيلقاه المسلم يوم القيامة.
كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا) رواه البخاري (615)، ومسلم (437).
قال النووي رحمه الله تعالى:
” ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها، وعظيم جزائه: ثم لم يجدوا طريقا يحصلونه به، لضيق الوقت عن أذان بعد أذان، أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد؛ لاقترعوا في تحصيله ” انتهى من “شرح صحيح مسلم” (2/ 158).
فالحاصل؛ أن العبد إذا أحسن عبادته، فهو موعود بأجرها وإن جهله أو لم يستحضره.
قال الله تعالى: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) الكهف/30.
والله أعلم.
يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا أجر إلا عن حسبة، ولا عمل إلا بنية. رواه الديلمي قال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة -بعد تضعيفه للحديث سندا- قال: لكن الحديث صحيح في نفسه، فإن الجملة الأولى منه وجدت لها شاهدا، فقال ابن المبارك في ” الزهد ” (152): أخبرنا بقية قال: سمعت ثابت بن عجلان يقول: سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا أجر لمن لا حسبة له “. وهذا إسناد مرسل حسن، صرح فيه بقية بالتحديث. والجملة الأخرى يشهد لها الحديث المشهور: ” إنما الأعمال بالنيات … “. أخرجه الشيخان وغيرهما. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: لا أجر إلا عن حسبة أي عن قصد طلب الثواب من الله، ولا عمل معتد به إلا بنية انتهى.
فاستحضار النية واحتساب الأجر في العبادة أمر ضروري، ولا خلاف بين العلماء في اشتراط النية في صحة العبادات. والنية يراد بها أمران: تمييز العبادات عن العادات، وتمييز العبادات بعضها عن بعض، وهذا ما يعنى الفقهاء ببيانه. وأما أرباب السلوك فيريدون بها تمييز المراد والمعبود، وهذا هو الإخلاص، أن يراد بالعبادة وجه الله تعالى وحده
قال المناوي في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: لا أجر لمن لا حسبة له: أي لمن لم يتقصد بعمله امتثال أمره تعالى والتقرب به إليه. انتهى.
وأما بقية الإشكال الذي ذكره السائل الكريم فيتضح الجواب عليه بأن يعلم أن النية يجب استصحاب حكمها، ولا يجب استصحاب ذكرها، بمعنى أنه يكفيه أن لا يقطع نيته بما يناقضها وإن لم يتذكرها.
قال ابن قدامة في (المغني): الواجب استصحاب حكم النية دون حقيقتها بمعنى أنه لا ينوي قطعها. انتهى.
وقال القرافي في كتاب (الأمنية في إدراك النية): النية قسمان: فعلية موجودة، وحكمية معدومة، فإذا نوى المكلف أول العبادة فهذه نية فعلية، ثم إذا ذهل عن النية حكم صاحب الشرع بأنه ناو ومتقرب، فهذه هي النية الحكمية، أي حكم الشرع لصاحبها ببقاء حكمها لا أنها موجودة، وكذلك الإخلاص والإيمان والكفر والنفاق والرياء وجميع هذا النوع من أحوال القلوب، إذا شرع فيها واتصف القلب بها كانت فعلية، وإذا ذهل عنها حكم صاحب الشرع ببقاء أحكامها لمن كان اتصف بها قبل ذلك. انتهى.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى ذلك فقال: اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، و صل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها. رواه الديلمي، وحسنه الألباني.
بعض لجان الفتوى
هل يلزم حضور النية لحصول أجر العمل عند أدائه؟
هذا سؤال مهم، فمعلومٌ أن العمل لا يكون إلا بنية، فلا يوجد عملٌ إلا بنية، قال بعض العلماء: لو كَلَّفَنا الله أن نعمل عملًا بلا نية لكان من التكليف ما لا يُطاق.
فأنتم حينما جئتم إلى هذا المكان جئتم بنية أم بغير نية؟! جئتم بنية، وأي إنسان عاقل لا يعمل عملًا إلا بنية، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
لكن بقي سؤال الأخ: هل يُشْتَرط للثواب على العمل أن يحتسب الأجر على الله، أو يحصل له الأجر وإن لم يحتسب؟ نقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا -ولم يقل: إيمانًا فقط، بل قال: إيمانًا واحتسابًا- غُفِر له ما تقدم من ذنبه) واحتساب الأجر له أثر عظيم على إحسان العمل؛ لأنك إذا علمتَ أنك كما تدين تُدان، وكما تعمل تُجازى، وأن الجزاء على قدر العمل؛ فسوف تحسن العمل، أليس كذلك؟! أما إذا شعرت بأنك إذا أديت العمل برئت ذمتك فقط، وأنك لن تعاقب على تركه، فعملك ناقص.
لهذا أحث نفسي وإياكم على استحضار هذا المعنى؛ أنك إذا عملتَ العمل تحتسب أجره على الله، نقول مثالًا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أسبغ الوضوء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله فُتِّحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل مِن أيها شاء) وزاد الترمذي: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) أريد من نفسي وإياكم أن نستحضر أننا إذا فعلنا ذلك فتِّحت لنا أبواب الجنة حتى نحرص على إسباغ الوضوء، ونحرص على قول كلمة التوحيد بعد الفراغ من الوضوء.
فهذه مسألة ينبغي أن نتفطن لها، وهي: احتساب الأجر من الله على هذا العمل.
لقاء الباب المفتوح (68) / (15)
وبهذه المناسبة أودّ أن أذكّر نفسي وإيّاكم بمسألة مهمة وهي:
كلنا يتوضّأ إذا أراد الصلاة، لكن أكثر الأحيان يريد الإنسان أن يقوم بشرط العبادة فقط، وهذا لابأس، ويحصل به المقصود، لكنْ هناك شيء أعلى وأتم:
أولًا: إذا أردت أن تتوضأ استشعر أنك ممتثل لأمر الله في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (المائدة: الآية (6)) حتايتحقق لك معنالعبادة.
ثانيًا: إذا توضأت استشعر أنك متبع رسول الله، فإنه قال: «مَنْ تَوَضّأَ نَحْوَ وُضُوئي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» حينئذٍ يكون الإخلاص والمتابعة.
ثالثًا: احتسب الأجر على الله عزوجل بهذا الوضوء، لأن هذا الوضوء يكفر الخطايا، فتخرج خطايا اليد مع آخر قطرة من قطرات الماء بعد غسل اليد، وهكذا البقية.
هذه المعاني الثلاثة العظيمة الجليلة أكثر الأحيان نغفل عنها، كذلك إذا أردت أن تصلي وقمت للصلاة استشعر أمر الله بقوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (البقرة: (43)) ثم استشعر أنك تابع لرسول الله ? حيث قال: «صَلوا كَمَا رَأَيتُموني أُصَلي» ((1)) ثم احتسب الأجر، لأن هذه الصلاة كفارة لما بينها وبين الصلاة الأخرى، وهلم جرًا.
يفوتنا هذا كثيرًا ولذلك تجدنا- نسأل الله أن يعاملنا بعفوه – لا نصطبغ بآثار العبادة كما ينبغي وإلا فنحن نشهد بالله أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولكن مَنْ مِنَ الناس إذا صلى تغير فكره ونهته صلاته عن الفحشاء والمنكر؟! اللهم إلا قليل، لأن المعاني المقصودة مفقودة.
شرح الأربعين النووية للعثيمين (1) / (229) – (230)
وينبغي للإنسان في معاشرته لزوجته بالمعروف أن لا يقصد السعادة الدنيوية، والأنس والمتعة فقط، بل ينوي مع ذلك التقرب إلى الله – تعالى – بفعل ما يجب، وهذا أمر نغفل عنه كثيرًا، فكثير من الناس في معاشرته لزوجته بالمعروف، قصده أن تدوم العشرة بينهما على الوجه الأكمل، ويغيب عن ذهنه أن يفعل ذلك تقربًا إلى الله تعالى، وهذا كثيرًا ما ينساه، ينسيه إياه الشياطين، وعلى هذا فينبغي أن تنوي بهذا أنك قائم بأمر الله: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وإذا نويت ذلك حصل لك الأمر الثاني، وهو دوام العشرة الطيبة، والمعاملة الطيبة، وكذلك بالنسبة للزوجة.
وكذا كل ما أمر به الشرع ينبغي للإنسان عند فعله أن ينوي امتثال الأمر ليكون عبادة، ففي الوضوء – مثلًا – إذا أردنا أن نتوضأ نقصد أن هذا شرط من شروط الصلاة، لا بد من القيام به، ونستحضر أننا نقوم بأمر الله – تعالى – في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: (6)] قد نذكره أحيانًا، ولكننا ننساه كثيرًا، وهل عندما نفعل هذا نشعر بأن الرسول ? كأنه أمامنا، وأننا نقتدي به فنكون بذلك متبعين؟ هذا قد نفعله أحيانًا، ولكنه يفوتنا كثيرًا، فينبغي للإنسان أن يكون حازمًا لا تفوته الأمور والأجور بمثل هذه الغفلة.
الشرح الممتع على زاد المستقنع (12) / (383) – (384)
باب: بيان فضل الوضوء منها حديث عثمان رضي الله عنه أنه توضأ فغسل كفيه ثلاثا وتمضمض واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات وغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثا ومسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ومسح أذنيه وغسل رجليه ثلاثا إلى الكعبين
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه غفر الله له ما تقدم من ذنبه وهذا شيء يسير ولله الحمد أن الإنسان يعمل هذا العمل ثم يغفر ما تقدم من ذنبه وأخذ العلماء من ذلك أنه يستحب لمن أسبغ الوضوء أن يصلي ركعتين وتسمى سنة الوضوء سواء في الصباح أو المساء في الليل أو النهار بعد الفجر أو بعد العصر لأنها سنة لها سبب فإذا توضأ الإنسان نحو وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يصلي ركعتي يغفر له ما تقدم من ذنبه وفي الحديث قال وكان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة يعني: زائد على مغفرة الذنوب وليس معنى نافلة يعني صلاة تطوع قد تكون صلاة فريضة ولكن نافلة يعني زائدا على مغفرة الذنوب لأن ذنوبه غفرت بوضوئه وصلاته الأولى فيكون مشيه للمسجد وصلاته ولو فريضة نافلة أي زيادة على مغفرة الذنوب لأن النفل في اللغة معناه الزيادة كما قال الله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك ثم ذكر المؤلف حديث أبي هريرة في أن الوضوء تخرج به الخطايا إذا غسلت وجهك خرجت خطايا وجهك مع الماء أو مع آخر قطر الماء أو هنا للشك من الراوي وعلى كل حال فإن
الإنسان إذا غسل وجهه خرجت خطايا وجهه وإذا غسل يديه خرجت خطايا يديه التي كان قد بطش بها وإذا غسل رجليه خرجت خطايا رجليه حتى يخرج نقيا من الذنوب ولله الحمد فهذا دليل على فضيلة الوضوء ولكن من منا يستحضر هذا الفضل فهل يكتب هذا الفضل للإنسان سواء أستحضره أم لا؟ الظاهر إن شاء الله أنه يكتب له سواء أستحضر أو لم يستحضر لكن إذا استحضر فهو أكمل لأنه إذا استحضر هذا احتسب الأجر على الله عزوجل وأيقن أنه سيجازي ويكافأ على هذا العمل جزاء وفاقا بخلاف ما إذا توضأ وهو غافل لكننا نرجو من الله عزوجل أن يكتب هذا الأجر حتى من الإنسان الغافل الذي يتوضأ على سبيل إبراء ذمته والله الموفق
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (5) / (12) – (14)
حديث عثمان رضي الله عنه ففيه أن من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه تخرج خطاياه من هذا الوضوء حتى من تحت أظفاره وعلى هذا فالوضوء يكون سببا لكفارة الخطايا حتى من أدق مكان وهو ما تحت الأظفار وهذه الأحاديث وأمثالها تدل على أن الوضوء من أفضل العبادات وأنه عبادة ينبغي للإنسان أن ينوي به التقرب إلى الله عزوجل يعني أن يستحضر وهو يتوضأ أنه يتقرب إلى الله كما أنه إذا صلى يستشعر أنه يتقرب إلى الله كذلك وهو يتوضأ ويستشعر بأنه يمتثل أمر الله في قوله {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} ويستشعر أيضا أنه متبع لرسول الله ? في وضوئه وكذلك أيضا يستحضر
أنه يريد الثواب وأنه يثاب على هذا العمل حتى يتقنه ويحسنه والله الموفق
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (5) / (11) – (12)