(49) (921) تعليق على الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين؛ المقام في مسجد / الشيخ طحنون آل نهيان/ ومسجد محمد بن رحمة الشامسي
(للأخ؛ سيف بن دورة الكعبي)
بالتعاون مع الإخوة بمجموعات السلام1،2،3،والمدارسة، والاستفادة، والسلف الصالح، وأهل الحديث همو أهل النبي صلى الله عليه وسلم
وشارك أحمد بن علي وسيف بن غدير وأبو الطيب وحسين أبوخالد وحمد الكعبي وسلطان الحمادي
(من لديه فائدة أو تعقيب فليفدنا)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
921 قال أبوداود حدثنا أحمد بن حنبل أخبرنا الوليد بن مسلم أخبرنا ثور بن يزيد حدثني خالد بن معدان حدثني عبدالرحمن بن عمرو السلمي، وحجر بن حجر، قالا: أتينا العرباض بن سارية، وهو ممن نزل فيه (ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه) فسلمنا وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين، فقال العرباض: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً؛ فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعظوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة
عبدالرحمن السلمي روى عنه جماعة ولم يوثقه معتبر، فهو مستور حال، وحجر بن حجر ما روى عنه إلا خالد بن معدان، ولم يوثقه معتبر فهو مجهول العين.
ولكن الحديث له طرق أخرى ذكرها الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم
والحديث أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه.
-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_-_
تخريج الحديث:
ذكر الشيخ مقبل أن ابن رجب ذكر له طرق في جامع العلوم والحكم. وصححه عدد من الأئمة وراجع الصحيحة.
وورد في مسند أحمد (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) وورد (فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد) وهذه الأخيرة قال طائفة من الحفاظ أنها مدرجة. قاله أحمد بن صالح وغيره (نقله ابن رجب في شرح الأربعين)
معاني الكلمات:
– الراشد هو من عرف الحق واتبعه وكل راشد فهو مهتد.
– والسنة الطريق المسلوك فيشمل الاعتقادات والأعمال والأقوال.
فوائد:
– كلما قرب المسلم من التوديع اجتهد في العبادة والنصيحة ومنه حديث (صلوا صلاة مودع). ومنه ما أمر به في سورة النصر من التسبيح والاستغفار لقرب أجله.
– أهمية الوصية في الأمور المهمة، ومنه قوله تعالى (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) فتقوى الله تجمع خيري الدنيا والآخرة.
– ذم الافتراق؛ ومنه حديث ستفترق أمتي بضع وسبعين فرقة …. )
– فيه الوعظ، ومنه قوله تعالى (وَعِظْهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا) (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ومن سنته صلى الله عليه وسلم التخول في الموعظة، ومنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
– البلاغة في الموعظة مستحسنه ومنه حديث (كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً) وحديث (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مؤنة من فقهه فأطل الصلاة وأقصر الخطبة فإن من البيان سحرا).
– التأثر بالمواعظ وهي صفة للمؤمنين ومنه قوله تعالى (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم … ) وقوله تعالى (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله … ).
– حرص النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته على أصحابه، ومنه حديث ( … كأنه منذر جيش صبحكم أو مساكم … )
– الدلالة على خيري الدنيا والآخرة، قال ابن رجب: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة) فهاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا والآخرة. وسبق شرح التقوى في حديث وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ، وأما السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين، ففيها سعادة الدنيا، وبها تنتظم مصالح العباد في معايشهم وإظهار دينهم … وبهذين الأصلين وصى النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع وفي الحديث (اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبه) ولا يعارض أن الأئمة من قريش فيوجه بأن الخليفة ولاه، أو من باب ضرب المثل. انتهى مختصراً
….
أن البغوي كذلك قرر أنه من باب ضرب المثل، وذكر البغوي أن الحديث فيه فضيلة الخلفاء الراشدين وأن المصير إلى قولهم أولى إذا اختلف الصحابة ثم قرر أفضلية الخلفاء وأن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة …. ثم نقل آثار ومنها أثر للأوزاعي قال خمس كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لزوم الجماعة واتباع السنة وعمارة المسجد وتلاوة القرآن وجهاد في سبيل الله. انتهى
قلت (سيف) وتكلم ابن رجب أن كثير من التابعين يختار ما جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليه الناس؛ لأن مدته طالت وتفرغ لذلك … ثم تكلم على حجية قول الخليفة الراشد إذا خالفه غيره. فراجعه
——-
فوائد الشيخ ابن عثيمين:
وفي الحديث فوائد منها:
حرص النبي صلى الله عليه وسلم- على موعظة أصحابه، حيث يأتي بالمواعظ المؤثرة التي توجل لها القلوب وتذرف منها الأعين.
· ومنها: أن الإنسان المودع الذي يريد أن يغادر إخوانه ينبغي له أن يعظهم موعظة تكون ذكرى لهم، موعظة مؤثرة بليغة، لأن المواعظ عند الوداع لا تنسى
· ومنها: الوصية بتقوى الله عزوجل، فهذه الوصية هي وصية الله في الأولين والآخرين لقوله تعالى – … وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ … -] النساء131].
· ومنها: الوصية بالسمع والطاعة لولاة الأمور وقد أمر الله بذلك في قوله – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ … -] النساء59 [ …
وهذا الأمر مشروط بأن لا يؤمر بمعصية الله، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة في معصية الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم- إنما الطاعة في المعروف -ومن هنا نتبين الفائدة في قوله تعالى – يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ … -] النساء59] …
حيث لم يعد الفعل عند ذكر طاعة أولياء الأمور بل جعلها تابعة لطاعة الله ورسوله.
· ومن فوائد هذا الحديث: حرص النبي صلى الله عليه وسلم-على موعظة أصحابه كما أنه حريص على أن يعظهم أحياناً بتبليغهم الشرع، فهو أيضاً يعظهم مواعظ ترقق القلوب وتؤثر فيها.
· ومنها: أن ينبغي للواعظ أن يأتي بموعظة مؤثرة في الأسلوب وكيفية الإلقاء ولكن بشرط ألا يأتي بأحاديث ضعيفة أو موضوعة , لأن بعض الوعاظ يأتي بالأحاديث الضعيفة والموضوعة يزعم بأنها تفيد تحريك القلوب، ولكنها وإن أفادت في هذا تضر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم- أنه قال – من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين -.
· ومنها: طلب الوصية من أصحاب العلم.
· ومنها: الوصية بالسمع والطاعة لولاة الأمور وإن كانوا عبيداً لقوله – والسمع والطاعة وإن تأمر عليك عبدٌ – لأن السمع والطاعة لهم تنتفي به شرور كثيرة وفوضى عظيمة.
· ومن فوائد الحديث: ظهور آية من آيات الرسول حيث قال – من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً – والذين عاشوا من الصحابة رأوا اختلافاً كثيراً كما يعلم ذلك من التاريخ.
· ومن فوائد الحديث: لزوم التمسك بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام لا سيما عند الاختلاف والتفرق ولهذا قال – فعليكم بسنتي -.
ومنها: أنه ينبغي التسمك الشديد حتى يعض عليها بالنواجذ، لئلا تفلت من الإنسان.
- ومن فوائد الحديث: التحذير من محدثات الأمور، والمراد بها المحدثات في الدين، وأما ما يحدث في الدنيا فينظر فيه إذا كان فيه مصلحة فلا تحذير منه، أما ما يحصل في الدين فإنه يجب الحذر منه لما فيه التفرق في دين الله، والتشتت وتضيع الأمة بعضها بعضاً.
· ومن فوائد الحديث: أن كل بدعة ضلالة، وأنه ليس في البدع ما هو مستحسن كما زعمه بعض العلماء، بل كل البدع ضلالة فمن ظن أن البدعة حسنة فإنها لا تخلو من أحد أمرين: إما أنها ليست بدعة وظنها الناس بدعة، وإما أنها ليست حسنة وظن هو أنها حسنة، وأما أن تكون بدعة وحسنة فهذا مستحيل بقول النبي صلى الله عليه وسلم- فإن كل بدعة ضلالة -.
شرح الأربعين النووية للشيخ/ ابن عثيمين ـــ
—-
الشيخ ربيع تكلم عن هذا الحديث وذكر فيه فوائد وهذا هو المرجع.
كتاب المجموع الرائق من الوصايا والزهديات والرقائق للعلامة ربيع بن هادي المدخلي طبعة دار الميراث النبوي.
قال الشيخ ربيع بن هادي المدخلي -سلمه الله-:
«وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافًا كَثيرًا» ما المخرج؟ هذا جهمي، وهذا معتزلي، وهذا نقشبندي، وهذا سهروردي، وهذا تيجاني، وهذا مِيرْغني، طرقٌ بلغت مئات الطرق، وعلى كلِّ طريق منها شيطان؛ كما أخبر) رسول الله عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فما هو المخرج؟ «عَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ»، هذا اشتراكي وهذا شيوعي وهذا ديمقراطي وهذا علماني، ما المخرج من هذه الفتن؟ هذا في مجال السياسة «فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ»، هذا هو المخرج الذي فيه النجاة، فإنك لَّما ترى طوفانًا من الفتن وطوفانًا من البدع وطوفانًا من الطرق وما تدري أين الحق كيف المخرج؟ ما هو قاربُ النَّجاة أو سفينة النَّجاة؟ هي سفينة رسول الله عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، سفينة النَّجاة هي سفينة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والعشرة المُبَشَّرين بالجنَّة والصحابة الكرام رضوان الله عليهم، …. منهجهم واحدًا وطريقتهم واحدة في ظلِّ الكتاب والسُنَّة؟ …. لقوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلًا} [النساء: (59)]، هذه الآية نزلت في اختلاف الزبير بن العوام ورجلٌ من الأنصار في شِرَاجٍ من شِرَاجِ الحَرَّة، … وغضب الأنصاري من حكم رسول الله عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فأنزل الله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: (65)] ([4]) ….
وقد يكون الحقُّ في متناول يديه، ولكن تمنعه عَقَبات: منها الهوى، ومنها الكبر، ومنها التقليد، ومنها أشياءٌ كثيرةٌ وعوامل عديدة، … كما هو شأن اليهود والنصارى؛ اليهود يحاربون الحقَّ عن علم، ويُصِرُّون على الباطل عن علم، والنصارى في كثيرٍ من قضاياهم ضالُّون، الضَّلال: هو عدم العلم، والغيُّ: هو محاربة الحق بعد معرفته، فاليهود عندهم غيٌّ وعندهم بغيٌ؛ لأنَّهم يحاربون الحقَّ عن عمد، والنصارى عن جهل وضلال؛ لهذا قال الله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: (6) – (7)]،
——-
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة جواب حول البدعة:
ج: أولا: هذه الشريعة كاملة من عند الله فليست بحاجة إلى تكميل من البشر، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}
ثانيا: الأصل في باب العبادات التوقيف فمن قال: إن هذه العبادة مشروعة فعليه أن يأتي بالدليل الشرعي الدال على مشروعيتها وإلا فهي مردودة، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وفي رواية: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد».
ثالثا: معنى البدعة لغة واصطلاحا، أما معناها اللغوي: فهو: ابتداء الشيء وصنعه لا عن مثال سابق، وأما معناها الاصطلاحي فهو: إحداث عبادة قولية أو فعلية أو عقدية لم يشرعها الله سبحانه وتعالى، والبدع كلها ضلالة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعا: أما تقسيم البدعة في الدين إلى خمسة أقسام فلا نعلم له أصلا في الشرع. وننصحك بالرجوع إلى كتاب [الاعتصام] للشاطبي فقد تكلم فيه عن البدع بما لا تكاد تجده مجموعا في غيره، وكذلك كتاب [السنن والمبتدعات] وكتاب [الإبداع في مضار الابتداع] و [تنبيه الغافلين] للنحاس، و [زاد المعاد] للعلامة ابن القيم، و [اقتضاء الصراط المستقيم] لشيخ الإسلام ابن تيمية. خامسا: أما لفظ (كل) فليس من ألفاظ الحصر بالمعنى الاصطلاحي، بل هو من ألفاظ العموم كما هو مقرر في علم الأصول.
——-
قلت (سيف): وقد عزمنا على جمع بحث بعنوان
(الأمور التي وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم عنده موته أو وصايا النبي صلى الله عليه وسلم عند موته) وشرحها:
مثل من آخر وصاياه (الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)، (أوصيكم بالنساء فإنكم استحللتم فروجهن بكلمة الله) وحديث (لا تتخذوا قبري عيدا) وحديث (اوصى بكتاب الله … ) وحديث (فإن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) وحديث (اخرجوا المشركين من جزيرة العرب)
وذكر ابن رجب بعض الأحاديث التي فيها دلالة على أنها في آخر حياته:
(في خطبته في حجة الوداع: لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا … )
وَلَمَّا رَجَعَ مِنْ حَجِّهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، جَمَعَ النَّاسَ بِمَاءٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ يُسَمَّى خُمًّا، وَخَطَبَهُمْ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوشِكُ أَنْ يَاتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ ثُمَّ حَضَّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَوَصَّى بِأَهْلِ بَيْتِهِ»، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي ” الصَّحِيحَيْنِ ” وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، فَقَالَ: إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فَإِنَّ عَرْضَهُ، كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ، وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تُنَافِسُوا فِيهَا، وَتَقْتَتِلُوا، فَتَهْلَكُوا كَمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالَ عُقْبَةُ: فَكَانَتْ آخِرَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
وَخَرَّجَ» الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، ثُمَّ طَلَعَ الْمِنْبَرَ، فَقَالَ: إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْحَوْضُ، وَإِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْكُفْرَ، وَلَكِنِ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا».
وَخَرَّجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا كَالْمُوَدِّعِ، فَقَالَ: أَنَا مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ – قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ – وَلَا نَبِيَّ بَعْدِي، أُوتِيتُ فَوَاتِحَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ. وَجَوَامِعَهُ، وَعَلِمْتُ كَمْ خَزَنَةُ النَّارِ، وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَتَجَوَّزَ لِي رَبِّي وَعُوفِيتُ وَعُوفِيَتْ أُمَّتِي، فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا مَا دُمْتُ فِيكُمْ، فَإِذَا ذَهَبَ بِي، فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، أَحِلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ».
فَلَعَلَّ الْخُطْبَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ فِي حَدِيثِهِ كَانَتْ بَعْضَ هَذِهِ الْخُطَبِ، أَوْ شَبِيهًا بِهَا مِمَّا يُشْعِرُ بِالتَّوْدِيعِ. انتهى كلام ابن رجب مختصراً
قلت (سيف) قال ابن رجب:
قال مالك: لم يكن شئ من هذه الأهواء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان. وكأن مالكا يشير بالاهواء إلى ما حدث من التفرق في أصول الديانات من أمر الخوارج والروافض والمرجئة ونحوهم ممن تكلم في تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم، أو في تخليدهم في النار أو في تفسيق خواص هذه الأمة أو عكس ذلك، فزعم أن المعاصي لا تضر أهلها أو أنه لا يدخل النار من أهل التوحيد أحد وأصعب من ذلك ما أحدث من الكلام في أفعال الله تعالى من قضائه وقدره وزعم انه نزه الله بذلك، وأصعب من ذلك ما أحدث من الكلام في ذات الله وصفاته …
ومما أحدث في الأمة بعد عصر الصحابة والتابعين الكلام في الحلال والحرام بمجرد الرأي .. والكلام في الحقيقة بالذوق والكشف انتهى مختصرا.