49 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والاستفادة والمدارسة.
—————-
15029 – حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني معاذ بن رفاعة، عن محمود بن عبد الرحمن بن عمرو بن الجموح، عن جابر بن عبد الله، قال: لما دفن سعد، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس معه طويلا، ثم كبر فكبر الناس، ثم قالوا: يا رسول الله مم سبحت؟ قال: ” لقد تضايق على هذا الرجل الصالح قبره حتى فرجه الله عنه ”
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند
وهذا إسناد حسن وراجع تحقيق القول المسدد
-_-_-_-_-_-_
ضمة القبر
قال الملا علي بن محمد القاري:
أي: جنازته، وهو سيد الأوس من الأنصار، أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية، وأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل، ودارهم أول دار أسلمت من الأنصار، وسماه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سيد الأنصار، وكان مقدما مطاعا شريفا في قومه، من أجلة الصحابة وأكابرهم، شهد بدرا وأحدا، وثبت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – يومئذ، ورمي يوم الخندق في أكحله فلم يرق الدم حتى مات بعد شهر، وذلك في ذي القعدة الحرام سنة خمس، وهو ابن سبع وثلاثين سنة، ودفن بالبقيع، روى عنه نفر من الصحابة (حين توفي): بضمتين، وحكي بفتحهما وهو قراءة شاذة أي مات (فلما صلى عليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ووضع في قبره وسوي عليه)، أي: التراب ودفن والفعلان مجهولان (سبح رسول الله – صلى الله عليه وسلم -): ولعل التسبيح كان للتعجب أو للتنزيه لإرادة تنزيه لإرادة تنزيهه تعالى أن يظلم أحدا، ثم رأيت ابن حجر قال: ومناسبة تسبيحه لمشاهدة التضييق على هذا العبد الصالح ظاهرة، إذ بشهود ذلك يستحضر الإنسان مقام جلال الله وعظمته، وأنه يفعل ما يشاء بمن يشاء، وهذا المقام يناسبه التنزيه لأنه مقام العزة الكبرى المقتضية لذلك التنزه فتأمل. (فسبحنا)، أي: تبعا له (طويلا): قيد للفعلين أي زمانا طويلا) أو تسبيحا طويلا يعني كثيرا (ثم كبر): ولعل التكبير كان بعد التفريج (فكبرنا)، أي: عقيب تكبيره اقتداء به. قال ابن حجر: ولم يقل طويلا إما للاكتفاء بذكره أولا: أو لأنه هنا لم يطل لأنه إنما كبر عند وقوع التفريج عن سعد، وهذا هو الظاهر لأن التكبير يغلب ذكره عند مشاهدة الأمر الباهر.
(فقيل: يا رسول الله: لم سبحت ثم كبرت؟): أي مع أن المقام لا يستدعي ذلك (ولقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره): هذا إشارة إلى كمال تمييزه ورفعمنزلته، ثم وصفه بالعبد ونعته بالصلاح لمزيد التخويف والحث على الالتجاء إلى الله سبحانه من هذا المنزل الفظيع، أي: إذا كان حاله كذا فما حال غيره؟ (حتى فرجه الله): بالتشديد ويخفف، أي: مازلت واقفا للتسبيح حتى فرجه الله أي كشفه وأزاله (عنه): قال الطيبي: وحتى متعلقة بمحذوف، أي: مازلت أكبر وتكبرون وأسبح وتسبحون حتى فرجه الله اهـ. والأنسب تقديم التسبيح والتكبير على هذا لإطفاء الغضب الإلهي، ولهذا ورد استحباب التكبير عند رؤية التحريق، والله أعلم. رواه أحمد). مرقاة المفاتيح (1/ 217 – 218)
ومما جاء في اثبات ضمة القبر و ضغطها، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ, عَنْ نَافِعٍ, عَنِ ابْنِ عُمَرَ, عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى اللَّه عليه وسلم -, قَالَ: «هَذَا الَّذِي تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ, وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ, وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا, مِنَ الْمَلاَئِكَةِ, لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً, ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ». رواه النسائي و صححه الالباني.
قال العلامة الأثيوبي: وفي الحديث إثبات ضمة القبر، وضغطته، وفيه بيان عظم مرتبة سعد بن معاذ – رضي اللَّه عنه – عند اللَّه تعالى، حيث إنه تحرّك العرش لموته، وأن السماء فتحت لقدومه، وأنه شيعه سبعون ألفا، من الملائكة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. شرح المجتبى (20/ 98)
الضمة لا ينجوا منها حتى الصبي، و جاء عن أبي أيوب [لَوْ أُفْلِتَ أَحَدٌ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ لأُفْلِتَ هذا الصبي] صحيح الجامع برقم (5238)
قال المناوي في فيض القدير (5/ 313): قال الحكيم: إنما لم يفلت منها أحد لأن المؤمن أشرق نور الإيمان بصدره لكنه باشر الشهوات وهي من الأرض والأرض مطيعة وخلق الآدمي وأخذ عليه الميثاق في العبودية فيما نقض من وفائها صارت الأرض عليه واجدة فإذا وجدته ببطنها ضمته ضمة فتدركه الرحمة وعلى قدر مجيئها يخلص فإن كان محسنا فإن رحمة الله قريب من المحسنين وقيل هي ضمة اشتياق لا ضمة سخط وظاهر الحديث أن الضمة لا ينجو منها أحد لكن استثنى الحكيم الأنبياء والأولياء فمال إلى أنهم لا يضمون ولا يسألون وأقول استثناؤه الأنبياء ظاهر وأما الأولياء فلا يكاد يصح ألا ترى إلى جلالة مقام سعد بن معاذ وقد ضم.
باب في ضغطة القبر
سؤال وجه للشيخ الألباني ونقلنا جواب الشيخ مع حذف المداخلات:
قال في المسند .. : حديث حذيفة قال: «كنا مع رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في جنازة، فلما انتهينا إلى القبر قعد على ساقيه فجعل يردد بصره فيه، ثم قال: يضغط المؤمن فيه ضغطة تزول منها حمائله، ويُملأ على الكافر نارًا» قال: والحمال: عروق الأنثيين … ما معنى تزول الحمائل؟
الشيخ: كناية عن شدة العذاب ..
، وتتداخل أضلاعه لا ينجو منها حتى سعد بن معاذ كما قال عليه السلام في بعض الأحاديث الصحيحة.
وهذا ألم شديد لكن لا يستمر، ضغطة واحدة ثم يعود كل شيء إلى طبيعته إن صالحًا فصالح وإن طالح فطالح كما شرحنا آنفًا من حيث أنه يفتح للميت طاقة في القبر.
“فتاوى رابغ” (2/ 36: 22: 00).
قوله ضمة القبر وضغطته بفتح الضاد المعجمة عصره وزحمته قيل والمراد التقاء جانبيه على جسد الميت قال النسفي يقال أن ضمة القبر إنما أصلها أنها أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة فلما ردوا إليها ضمتهم ضمة الوالدة غاب عنها ولدها ثم قدم عليها فمن كان لله مطيعا ضمته برأفة ورفق ومن كان عاصيا ضمته بعنف سخطا منها عليه لربها. حاشية السندي على النسائي (4/ 100)
ضمة القبر للمؤمن ليست من قبيل العذاب
السؤال: ماذا تقولون في ضمة القبر التي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (لو نجا منها أحد لنجا منها سعد) هل هذه الضمة تساوي ضمة الكافر أم لا؟ الجواب: لا يمكن أن يكون كذلك؛ لأن سعد بن معاذ قد اهتز لموته عرش الرحمن، ومع ذلك ينجو منها، ولذا فالذي يبدو -والله أعلم- أنها ليست بعذاب في حق مثله. فالكافر يضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه ويعذب بذلك، وأما المؤمن الذي هو دون سعد بن معاذ وغيره من الصحابة فيفسح له في قبره. شرح سنن ابي داود للعباد
قال المناوي في فيض القدير (2/ 167): وقضية هذا الحديث أن الضم مخصوص بالكافر والفاسق وأن المؤمن المطيع لا ينضم عليه وصريح ما ذكر في قصة سعد بن معاذ وقوله لو نجا أحد من ضمة القبر لنجا سعد خلافه ويمكن الجواب بأن المؤمن الكامل ينضم عليه ثم ينفرج عنه سريعا والمؤمن العاصي يطول ضمه ثم يتراخى عنه بعد وأن الكافر يدوم ضمه أو يكاد أن يدوم وبذلك يحصل التوفيق بين الحديثين ويزول التعارض من البين فتدبره فإني لم أره.
قال العلامة السفاريني:
الْأَسْبَابُ الَّتِي يُعَذَّبُ بِهَا أَصْحَابُ الْقُبُورِ عَلَى قِسْمَيْنِ مُجْمَلٍ وَمُفَصَّلٍ، أَمَّا الْمُجْمَلُ فَإِنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَى جَهْلِهِمْ بِاللَّهِ وَإِضَاعَتِهِمْ لِأَمْرِهِ وَارْتِكَابِهِمْ مَعَاصِيَهِ فَلَا يُعَذِّبُ اللَّهُ رُوحًا عَرَفَتْهُ وَأَحَبَّتْهُ وَامْتَثَلَتْ أَمْرَهُ وَاجْتَنَبَتْ نَهْيَهُ، وَلَا بَدَنًا كَانَتْ فِيهِ أَبَدًا فَإِنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ بَلْ وَعَذَابَ الْآخِرَةِ أَثَرُ غَضَبِ اللَّهِ وَسُخْطِهِ عَلَى عَبْدِهِ فَمَنْ أَغْضَبَ اللَّهَ وَأَسْخَطَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ بِارْتِكَابِ مَنَاهِيهِ وَلَمْ يَتُبْ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ لَهُ عَذَابُ الْبَرْزَخِ بِقَدْرِ غَضَبِ اللَّهِ وَسُخْطِهِ عَلَيْهِ فَمُسْتَقِلٌّ وَمُسْتَكْثِرٌ وَمُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبٌ.
وَأَمَّا الْمُفَصَّلُ فَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ وَالْآخَرَ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَلَفْظُهُ: «مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: ” إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ; أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ “. ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا بِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ غَرَزَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ مِنْهُمَا وَاحِدَةً، قَالُوا لِمَ فَعَلْتَ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا» “.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ أَهْوَالِ الْقُبُورِ: وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الرُّوحِ فَهَذَا تَرَكَ الطَّهَارَةَ الْوَاجِبَةَ وَهَذَا ارْتَكَبَ السَّبَبَ الْمُوقِعَ لِلْعَدَاوَةِ بَيْنَ النَّاسِ بِلِسَانِهِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُوقِعَ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ بِالْكَذِبِ وَالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ أَعْظَمُ عَذَابًا كَمَا أَنَّ فِي تَرْكِ الِاسْتِبْرَاءِ مِنَ الْبَوْلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ الَّتِي الِاسْتِبْرَاءُ مِنَ الْبَوْلِ بَعْضُ شُرُوطِهَا أَشَدُّ عَذَابًا.
وَفِي حَدِيثِ شُعْبَةَ: ” «أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَاكُلُ لُحُومَ النَّاسِ» ” فَهَذَا مُغْتَابٌ وَذَاكَ نَمَّامٌ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَعْذِيبِ مَنْ يَكْذِبُ الْكَذْبَةَ فَتَبْلُغُ الْآفَاقَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الَّذِي ضُرِبَ فِي قَبْرِهِ سَوْطًا امْتَلَأَ الْقَبْرُ عَلَيْهِ نَارًا لِكَوْنِهِ صَلَّى صَلَاةً وَاحِدَةً بِغَيْرِ طَهُورٍ، وَمَرَّ عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ يَنْصُرْهُ، وَتَعْذِيبُ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنَامُ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ فِي النَّهَارِ، وَتَعْذِيبُ الزُّنَاةِ وَالزَّوَانِي، وَتَعْذِيبُ آكِلِ الرِّبَا كَمَا شَاهَدَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَرْزَخِ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ: رَضْخُ رُءُوسِ أَقْوَامٍ بِالصَّخْرِ لِتَثَاقُلِ رُءُوسِهِمْ عَنِ الصَّلَاةِ، وَالَّذِينَ يَاكُلُونَ الزَّقُّومَ وَالضَّرِيعَ لِتَرْكِهِمُ الزَّكَاةَ، وَالَّذِينَ يَاكُلُونَ اللَّحْمَ الْمُنْتِنَ الْخَبِيثَ لِزِنَاهُمْ، وَالَّذِينَ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ حَدِيدٍ لِقِيَامِهِمْ فِي الْفِتَنِ بِالْكَلَامِ وَالْخُطَبِ.
وَمِنَ الَّذِينَ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَأَخْبَرَ عَنْهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ وَالْمُرَاءُونَ وَالْهَمَّازُونَ وَاللَّمَّازُونَ وَالطَّعَّانُونَ عَلَى السَّلَفِ وَالَّذِينَ يَاتُونَ الْكَهَنَةَ وَالْمُنَجِّمِينَ وَالْعَرَّافِينَ فَيَسْأَلُونَهُمْ وَيُصَدِّقُونَهُمْ وَأَعْوَانُ الظَّلَمَةِ الَّذِينَ بَاعُوا آخِرَتَهُمْ بِدُنْيَا غَيْرِهِمْ وَنَحْوُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ يَشْتَغِلُ بِذُنُوبِ النَّاسِ عَنْ ذَنْبِهِ وَبِعُيُوبِهِمْ عَنْ عَيْبِهِ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ وَأَمْثَالُهُمْ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ بِهَذِهِ الْجَرَائِمِ بِحَسَبِ كَثْرَتِهَا وَقِلَّتِهَا وَصِغَرِهَا وَكِبَرِهَا، وَلَمَّا كَانَ أَكْثَرُ النَّاسِ كَذَلِكَ كَانَ أَصْحَابُ الْقُبُورِ مُعَذَّبِينَ وَالْفَائِزُ مِنْهُمْ قَلِيلٌ، فَظَوَاهِرُ الْقُبُورِ تُرَابٌ وَبَوَاطِنُهَا حَسَرَاتٌ وَعَذَابٌ، فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ وَالرَّحْمَةَ وَالْعَفْوَ وَالْغُفْرَانَ وَبِاللَّهِ الْإِعَانَةُ وَالْعَوْنُ. لوامع الانواع البهية (2/ 17 – 19)
سئل العلامة العثيمين رحمه الله
صفة ضمة القبر للعبد المؤمن والفاجر
هل ضمة القبر للعبد الفاجر كضمتها للعبد المؤمن الموحد العاصي؟
الشيخ: لا.
ضمة القبر للمؤمن إذا صح الحديث فيها فإنها ضمة رحمة وحنان كضم الأم الحنون ابنها إلى صدرها، وأما ضم القبر للفاجر فإنه -والعياذ بالله- يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، أي: حتى يدخل بعضها ببعض من شدة الضيق، أعاذنا الله وإياكم من هذا.
[لقاء الباب المفتوح]
قال الشيخ صالح ال الشيخ: كذلك ضغطة القبر حقّ لا يسلم منها أحد، لا المسلم ولا غير المسلم؛ فالكافر يضغط حتى تختلف أضلاعه عذابا، وأما المؤمن فيضغطه القبر، قال أهل العلم: ضمة القبر للمسلم كضمة الحبيب للحبيب يصله منها بعض الأذى، ولكنها ضمة حبيب لحبيبه. يعني أن ضمة القبر حق، ولكنها للمؤمن ضمة حب، وللكافر ضمة بغض وعذاب، وهذا كله يضعه جل وعلا ويخلقه جل وعلا في الأرض، فتضم هذا وتضم هذا، وفرق بين تلك الضمّة وتلك الضمّة. [لمعة الاعتقاد]
قلت سيف: قال باحث ونقل الأقوال السابقة وزاد:
قال الحافظ الذهبي رحمه الله:
” هذه الضمة ليست من عذاب القبر في شيء، بل هو أمر يجده المؤمن كما يجد ألم فقد ولده وحميمه في الدنيا، وكما يجد من ألم مرضه، وألم خروج نفسه، وألم سؤاله في قبره وامتحانه، وألم تأثره ببكاء أهله عليه، وألم قيامه من قبره، وألم الموقف وهوله، وألم الورود على النار، ونحو ذلك. فهذه الأراجيف كلها قد تنال العبد، وما هي من عذاب القبر، ولا من عذاب جهنم قط، ولكن العبد التقي يرفق الله به في بعض ذلك أو كله، ولا راحة للمؤمن دون لقاء ربه. قال الله تعالى: (وأنذرهم يوم الحسرة)، وقال: (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر) فنسأل الله تعالى العفو واللطف الخفي. ومع هذه الهزات، فَسَعْدٌ – يعني ابن معاذ – ممن نعلم أنه من أهل الجنة، وأنه من أرفع الشهداء رضي الله عنه. كأنك يا هذا تظن أن الفائز لا يناله هول في الدارين، ولا روع ولا ألم ولا خوف؟! سل ربك العافية، وأن يحشرنا في زمرة سعد ” انتهى.
” سير أعلام النبلاء ” (1/ 290 – 292)
وقال الشيخ النفراوي المالكي:
” وأما ضمَّةُ القبر فلا بد منها، وإن كانت تختلف باختلاف الدرجات ” انتهى.
” الفواكه الدواني ” (2/ 688)
والذي يظهر والله أعلم أن قول من قال أنها ضمه بألم أرجح في هذه المسألة، لدلالة ظاهر السنة عليه، وأن أحدا من المؤمنين، فضلا عن غيرهم، لا ينجو من ضمة القبر؛ وهذا يدل على شدة هذه الضمة، وأن لها ألما يصيب من ضمه قبره، وإن كان الناس يتفاوتون في ذلك، كل بحسب عمله وحاله. ولأجل ذلك ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ضمة القبر في أسباب مغفرة الذنوب، قال: ” السبب الثامن ما يحصل فى القبر من الفتنة والضغطة والروعة فإن هذا مما يكفر به الخطايا”. انتهى. مجموع الفتاوى (7/ 500).
على أن الحديث الوارد في السؤال لا يدل على أن سعدا هو الوحيد الذي نجا من ضمة القبر، كما ظنه السائل، بل هو نص في أن سعدا رضي الله عنه لم ينج من ضمة القبر؛ وقد كان أولى الناس أن ينجو منها، لو كان أحد ناجيا. انتهى كلام الباحث
قلت سيف: أما حديث (لو أفلت منها أحد لافلت هذا الصبي) فقد رجح الدارقطني رواية الإرسال.