4842 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: مشاركة محمد البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——–‘——–‘——-‘
——–‘——–‘——-‘
——–‘——–‘——-‘
صحيح مسلم، كتاب: الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ: ذَمِّ ذِي الْوَجْهَيْنِ وَتَحْرِيمِ فِعْلِهِ.
4842 – حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنِ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ((إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ)).
4843 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : ((إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ)).
4844 حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ، أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ح وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((تَجِدُونَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ)).
==========
التمهيد: ” يقول الله تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء 145]، ويقول: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} [النساء 142]، والنفاق في هذه الدنيا له صور كثيرة منها نفاق العقيدة: يتظاهر صاحبه بالإسلام ويبطن الكفر .
ويشبهه من وجه من يرائي الناس بعبادته؛ ليخدعهم فيحسبونه صالحا ويعاملونه على ذلك، فيقعون في شر جرائمه، وهذا نفاق عمل.
وشر من هؤلاء من ينتظر تخاصما وتناحرا بين طائفتين مسلمتين فيزيد النار اشتعالا، ؛ {والفتنة أشد من القتل} [البقرة 191]؛ لأن القتل يقطع حياة فرد أو أفراد قليلين، والفتنة تقطع راحة الحياة للكثيرين “.[فتح المنعم، بتصرف].
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(٢٦) – (بابُ ذَمِّ ذِي الوَجْهَيْنِ، وتَحْرِيمِ فِعْلِهِ)
قال ابن حجر رحمه الله: «وهو من جملة صورة النمام، وإنما كان ذو الوجهين أشر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملِّقٌ بالباطل وبالكذب ، فيأتي كل طائفة بما يرضيها على جهة الإفساد، ويظهر له أنه منها ومخالف لضدّها، والخداع وكذب وتحيُّل على أسرار الطائفتين، وهي مداهنة محرّمة. وهذا عمل النفاق .
فأمّا من يقصد الإصلاح بين الناس فذلك محمود وهو أنه يأتي كل طائفة بكلام فيه صلاح الطائفة الأخرى ويعتذر لكل واحدة عند الأخرى وينقل إليها من الجميل ما أمكنه ويستر القبيح، أما المذموم فهو بالعكس»[انظر فتح الباري، ١٠/ ٤٧٥].
الأول:
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:أنه من خماسيّات المصنّف رحمه الله، وأنه من أصحّ أسانيد أبي هريرة – رضي الله عنه -،وهو مسلسلٌ بالمدنيين، غير شيخه، فنيسابوريّ، وقد دخل المدينة للأخذ عن مالك، وفيه مالك أحد الأئمة الأربعة، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة – رضي الله عنه – أحفظ من روى الحديث في دهره.
شرح الحديث:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -؛ (أنَّ رَسُولَ اللهِ – ﷺ – قالَ: “إنَّ مِن شَرِّ النّاسِ)
كلِّهم، وحَمْلُه على ذلك أبلغ في الذمّ من حَمْله على من ذُكر من الطائفتين المتضادتين خاصّةً – فإن كل طائفة منهما معادية للأخرى ظاهرا فلا يتمكن من الاطلاع على أسرارها إلا بما ذكر من خداعه الفريقين ليطلع على أسرارهم فهو شرهم كلهم -، وفي رواية للإسماعيليّ: (من شر خلق الله)، وللبخاريّ، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: (يوم القيامة عند الله تعالى). وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضأً: ((تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ..)) الحديث.
قال الحافظ: ” وَالرِّوَايَاتُ الَّتِي فِيهَا ((شَرّ النَّاس)) مَحْمُولَة على الرواية الَّتِي فِيهَا ((مِنْ شَرِّ النَّاسِ))، وَوَصْفُهُ بِكَوْنِهِ (شَرَّ النَّاسِ) أَوْ (مِنْ شَرِّ النَّاسِ) مُبَالَغَةٌ فِي ذَلِكَ. وَرِوَايَةُ (أَشَرِّ النَّاسِ) بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ لُغَةٌ فِي شَرٍّ، يُقَالُ: خَيْرٌ وَأَخْيَرُ وَشَرٌّ وَأَشَرُّ بِمَعْنًى، وَلَكِنِ الَّذِي بِالْأَلِفِ أَقَلُّ اسْتِعْمَالًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ (بِالنَّاسِ) مَنْ ذُكِرَ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ خَاصَّةً، فَإِنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْهُمَا مُجَانِبَةٌ لِلْأُخْرَى ظَاهِرًا، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى أَسْرَارِهَا إِلَّا بِمَا ذُكِرَ مِنْ خِدَاعِهِ الْفَرِيقَيْنِ؛ لِيَطَّلِعَ عَلَى أَسْرَارِهِمْ فَهُوَ شَرُّهُمْ كُلُّهُمْ، وَالْأَوْلَى حَمْلُ النَّاسِ عَلَى عُمُومِهِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الذَّمِّ.
وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي شِهَابٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ: ((مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ ذُو الْوَجْهَيْنِ)) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّمَا كَانَ ذُو الْوَجْهَيْنِ شَرَّ النَّاسِ؛ لِأَنَّ حَالَهُ حَالُ الْمُنَافِقِ إِذْ هُوَ مُتَمَلِّقٌ بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ مُدْخِلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاسِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ بِمَا يُرْضِيهَا فَيُظْهِرُ لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا وَمُخَالِفٌ لِضِدِّهَا وَصَنِيعُهُ نِفَاقٌ وَمَحْضُ كَذِبٍ وَخِدَاعٌ وَتَحَيُّلٌ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى أَسْرَارِ الطَّائِفَتَيْنِ وَهِيَ مُدَاهَنَةٌ مُحَرَّمَةٌ. قَالَ: فَأَمَّا مَنْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَهُوَ مَحْمُودٌ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَذْمُومَ: مَنْ يُزَيِّنُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَمَلَهَا وَيُقَبِّحُهُ عِنْدَ الْأُخْرَى، وَيَذُمُّ كُلَّ طَائِفَةٍ عِنْدَ الْأُخْرَى. وَالْمَحْمُودُ: أَنْ يَأْتِيَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ بِكَلَامٍ فِيهِ صَلَاحُ الْأُخْرَى، وَيَعْتَذِرُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَنِ الْأُخْرَى، وَيَنْقُلُ إِلَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنَ الْجَمِيلِ، وَيَسْتُرُ الْقَبِيحَ؛وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق بن نُمَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ: ((الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاء بِحَدِيث هَؤُلَاءِ)).
وَقَالَ ابن عَبْدِ الْبَرِّ: حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ جَمَاعَةٌ وَهُوَ أَوْلَى، وَتَأَوَّلَهُ قَوْمٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: مَنْ يُرَائِي بِعَمَلِهِ، فَيُرِي النَّاسَ خُشُوعًا وَاسْتِكَانَةً وَيُوهِمُهُمْ أَنَّهُ يَخْشَى اللَّهَ حَتَّى يُكْرِمُوهُ وَهُوَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ. قَالَ: وَهَذَا مُحْتَمَلٌ لَوِ اقْتَصَرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى صَدْرِهِ، فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي مُطْلَقِ ذِي الْوَجْهَيْنِ، لَكِنْ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ تَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَهِيَ.
قَوْلُهُ: ((يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ)).
قُلْتُ –أي: الحافظ-: وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: ((لَا يَنْبَغِي لِذِي الْوَجْهَيْنِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا))، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ كَانَ لَهُ وَجْهَانِ فِي الدُّنْيَا، كَانَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِسَانَانِ مِنْ نَارٍ))، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الَّذِي حَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ عَمَّنْ ذَكَرَهُ، بِخِلَافِ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ فَسَّرَ مَنْ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ النَّاس، وَالله أعلم”. انتهى من الفتح.
وقال شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن رسلان (المتوفى: ٨٤٤ هـ): ” أما من يقول لكل طائفة منهما من الخير ما يقول للأخرى، فهو الذي يسمى المصلح بين الناس، وفعله ذلك يسمى الإصلاح، وإن كان كاذبًا؛ لقوله -عليه السلام-: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيقول خيرًا»”. [شرح سنن أبي داود – ابن رسلان].
وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا متّفقٌ عليه، وقد مضى في «كتاب الفضائل»: «باب خيار الناس» [٤٩/ ٦٤٣٣].وتمام الحديث كما في البخاري: تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.
وقالوا في ذلك:لا خير في وُدِّ امرئٍ متلوِّنٍ *** حُلو اللسانِ، وقلبُه يتلهَّبُ
يُعطيك من طرَفِ اللِّسانِ حلاوةً *** ويروغُ منك كما يروغُ الثَّعلبُ
قال الحافظ النووي في (رياض الصالحين): “باب: ذم ذي الوجهين
قال الله تعالى: ﴿يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطًا﴾
١٥٤٠ – وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: تجدون الناس معادن: … متفق عليه.
١٥٤١ – وعن محمد بن زيد أن ناسًا قالوا لجده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم قال: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله ﷺ. رواه البخاري.
قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه:
“قال المؤلف النووي رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) باب: ذم ذي الوجهين: ذو الوجهين، هو الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، كما يفعل المنافقون؛ ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ [البقرة: 14]. وهذا يوجد في كثير من الناس والعياذ بالله وهو شعبة من النفاق، تجده يأتي إليك يتملق ويثني عليك وربما يغلو في ذلك الثناء، ولكنه إذا كان من ورائك عقرك وذمك وشتمك وهذا من كبائر الذنوب؛ لأن النبي ﷺ وصف فاعله بأنه شر الناس.
سواء كان فيما يتعلق بعبادته يظهر أنه عابد مؤمن تقي وهو بالعكس، أو فيما يتعلق بمعاملته مع الشخص؛ يظهر أنه ناصح له ويثني عليه ويمدحه، ثم إذا غاب عنه عقره، فهذا لا يجوز.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله الآية الكريمة ﴿يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضي من القول وكان الله بما يعملون محيطًا﴾ هذه الآية نزلت في قوم يخفون في أنفسهم ما لا يبدونه، يحدثون الناس بما ليس في قلوبهم، فإذا صاروا في الوحدة واجتمعوا في الليل أظهروا ما في نفوسهم والعياذ بالله الذي كانوا أخفوه عن الناس من قبل، فيقول الله عز وجل: ﴿يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطًا﴾، ومثل ذلك أيضًا: من يعمل المعصية خفاءًا ولا يعملها أمام الناس حياءً منهم وخجلًا، وأما الله فلا يستحي منه ولا يخجل والعياذ بالله، وهذا يدخل في الآية الكريمة.
وأما من عمل المعصية وندم وتاب فإنه لا يجوز له أن يحدث الناس بما فعل، فإن النبي ﷺ قال: ((كل أمتي معافى إلا المجاهرون))”. انتهى.
ملحق:
(المسألة الأولى): فوائد الحديث:
جاء في (طرح التثريب في شرح التقريب): ” (فِيهِ) فَوائِدُ:
… (الثّالِثَةُ): [إشكال](فَإنْ قُلْت): كَيْفَ الجَمْعُ بَيْنَ هَذا الحَدِيثِ وبَيْنَ الحَدِيثِ الآخَرِ الثّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عائِشَةَ – رضي الله عنها – «أنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلى النَّبِيِّ – ﷺ – قالَ ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ أخُو العَشِيرَةِ فَلَمّا دَخَلَ ألانَ لَهُ القَوْلَ فَقُلْت يا رَسُولَ اللَّهِ قُلْت لَهُ الَّذِي قُلْت ثُمَّ ألَنْت لَهُ القَوْلَ؟ قالَ يا عائِشَةُ إنّ شَرَّ النّاسِ مَنزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ مَن تَرَكَهُ النّاسُ اتِّقاءَ فُحْشِهِ» ؟
(قُلْت): لا مُنافاةَ بَيْنَهُما فَإنَّهُ – عليه الصلاة والسلام – لَمْ يُثْنِ عَلَيْهِ فِي وجْهِهِ ولا قالَ كَلامًا يُضادُّ ما قالَهُ فِي حَقِّهِ فِي غَيْبَتِهِ، إنّما تَألَّفَهُ بِشَيْءٍ مِن الدُّنْيا مَعَ لِينِ الكَلامِ لَهُ، وإنَّما فَعَلَ ذَلِكَ تَألُّفًا لَهُ ولِأمْثالِهِ عَلى الإسْلامِ، ولَمْ يَكُنْ أسْلَمَ فِي الباطِنِ حِينَئِذٍ، وإنْ كانَ قَدْ أظْهَرَ الإسْلامَ فَبَيَّنَ – عليه الصلاة والسلام -؛ لِيُعْرَفَ ولا يُغْتَرَّ بِهِ وتَألَّفَهُ رَجاءَ صِحَّةِ إيمانِهِ، وقَدْ كانَ مِنهُ فِي حَياةِ النَّبِيِّ – ﷺ -، وبَعْدَهُ ما دَلَّ عَلى ضَعْفِ إيمانِهِ، وارْتَدَّ مَعَ المُرْتَدِّينَ وجِيءَ بِهِ أسِيرًا إلى أبِي بَكْرٍ – رضي الله عنه -.
(سبق ذكر ما يتعلق بالمدارة في الأبواب السابقة ) .
ويقول ابن الملقن رحمه الله – في شرح حديث (إن من شر الناس ذا الوجهين)-:”
فإن قلت: إن حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة يعارضان قوله عليه السلام للذي يستأذن عليه: (بئس ابن العشيرة) ثم يلقاه بوجه طلق وترحيب. قلت: لا تعارض؛ لأنه عليه السلام لم يقل خلاف ما قاله عنه ، بل أبقاه على التجريح عند السامع ، ثم تفضل عليه بحسن اللقاء والترحيب ، لما كان يلزمه عليه السلام من الاستئلاف، وكان يلزمه التعريف لخاصته بأهل التخليط ، والتهمة بالنفاق .وقد قيل: إن تلقيه له بالبشر إنما كان لاتقاء شره، وليكف بذلك أذاه عن المسلمين، فإنما قصد بالوجهين جميعًا إلى نفع المسلمين ؛ بأن عرفهم بسوء حاله ، وبأن كفاهم ببشره له أذاه وشره .وذو الوجهين بخلاف هذا؛ لأنه لا يقول الشيء بالحضرة، وقد قال ضده في غير الحضرة، وهذا تناقض. فالذي فعله عليه السلام محكم مبين ، لا تناقض فيه؛ لأنه لم يقل لابن العشيرة عند لقائه : إنه فاضل ولا صالح؛ بخلاف ما قال فيه في غير وجهه” . انتهى من “التوضيح لشرح الجامع الصحيح” (32/ 534) .
ويقول المناوي رحمه الله:”(ذو الوجهين في الدنيا) قال النووي: وهو الذي يأتي كل طائفة بما تحب ، فيظهر لها أنه منها، ومخالف لضدها، وصنيعه خداع ليطلع على أحوال الطائفتين … فإن ذلك أصل من أصول النفاق، يكون مع قوم ، وفي حال ، على صفة، ومع آخرين بخلافهما، والمؤمن ليس إلا على حالة واحدة في الحق ، لا يخاف في الله لومة لائم، إلا إن كان ثمة ما يوجب مداراة ، لنحو اتقاء شر، أو تأليف، أو إصلاح بين الناس …وبما تقرر عرف أنه لا تدافع بين هذا وبين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيمن استأذن عليه: (بئس أخو العشيرة) فلما دخل ألان له القول. وقول علي: إنا لنبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم”. انتهى من “فيض القدير” (3/ 568)]
[فائِدَة: شَهادَةُ ذِي الوَجْهَيْنِ](الرّابِعَةُ): أوْرَدَهُ المُصَنِّفُ – رحمه الله – هُنا لِلِاسْتِدْلالِ بِهِ عَلى أنَّ مَن كانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لا تُقْبَلُ شَهادَتُهُ؛ لِأنَّهُ إنْ كانَ شَرَّ النّاسِ أوْ مِن شَرِّ النّاسِ فَلَيْسَ مِمَّنْ يَرْضى؛ وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ﴾ [البقرة ٢٨٢]، ولا شَكَّ فِي دَلالَةِ هَذا الحَدِيثِ عَلى تَحْرِيمِ هَذا الفِعْلِ، وأنَّهُ كَبِيرَةٌ، ومَن كانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهادَةِ. انتهى من [طرح التثريب في شرح التقريب].”
(المسألة الثانية):
“النفاق:
النفاق نوعان:
الأول: النّفاق الأكبر، وهو أن يظهر الإنسان الإيمان، ويبطن ما يناقضه كلّه أو بعضه.
الثّاني: النّفاق الأصغر، وهو نفاق العمل، وهو أن يظهر الإنسان علانية، ويبطن ما يخالف ذلك؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً ﴾ [النساء: 145، 146].
ومن النفاق: إظهار الصلاح في الملأ وانتهاك المحارم في الخلوات، روى ابن ماجه وصححه الألباني عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا)) ، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم، ونحن لا نعلم، قال: ((أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)).
(المسألة الثالثة): حكم ذلك
قال الحافظ ابن حجر الهيتمي (ت ٩٧٤) في (الزواجر عن اقتراف الكبائر): “(الكَبِيرَةُ الثّالِثَةُ والخَمْسُونَ بَعْدَ المِائَتَيْنِ: كَلامُ ذِي اللِّسانَيْنِ وهُوَ ذُو الوَجْهَيْنِ الَّذِي لا يَكُونُ عِنْدَ اللَّهِ وجِيهًا). أخْرَجَ الشَّيْخانِ وغَيْرُهُما عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ -: «تَجِدُونَ النّاسَ مَعادِنَ …». ولِلْبُخارِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ زَيْدٍ: «أنَّ ناسًا قالُوا لِجَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما -: إنّا لَنَدْخُلُ عَلى سُلْطانِنا فَنَقُولُ بِخِلافِ ما نَتَكَلَّمُ إذا خَرَجْنا مِن عِنْدِهِ فَقالَ: كُنّا نَعُدُّ هَذا نِفاقًا عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ-ﷺ-». والطَّبَرانِيُّ فِي الأوْسَطِ: «ذُو الوَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيا يَأْتِي يَوْمَ القِيامَةِ ولَهُ وجْهانِ مِن نارٍ». وأبُو داوُد وابْنُ حِبّانَ فِي صَحِيحِهِ: «مَن كانَ لَهُ وجْهانِ فِي الدُّنْيا كانَ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ لِسانانِ مِن نارٍ». وابْنُ أبِي الدُّنْيا والطَّبَرانِيُّ والأصْبَهانِيّ وغَيْرُهُمْ: «مَن كانَ ذا لِسانَيْنِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ لِسانَيْنِ مِن نارٍ».
قلت سيف : ذكرنا في تخريج الفتح أنه لا يصح.
تَنْبِيهٌ: عَدُّ ما ذُكِرَ هُوَ صَرِيحُ الحَدِيثَيْنِ الأوَّلَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ، وكَأنَّهُمْ إنّما لَمْ يُفْرِدُوهُ بِالذِّكْرِ؛ لِأنَّهُمْ رَأوْا أنَّهُ داخِلٌ فِي النَّمِيمَةِ، وفِي إطْلاقِهِ نَظَرٌ. فَقَدْ قالَ الغَزالِيُّ: ذُو اللِّسانَيْنِ مَن يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُتَعادِيَيْنِ ويُكَلِّمُ كُلًّا بِما يُوافِقُهُ، وقَلَّ مَن يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مُتَعادِيَيْنِ إلّا وهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وهَذا عَيْنُ النِّفاقِ.
وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – خَبَرُ: «تَجِدُونَ مِن شَرِّ عِبادِ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ ذا الوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلاءِ، وهَؤُلاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلاءِ». وفِي رِوايَةٍ: «يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ». وقالَ أبُو هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه -: «لا يَنْبَغِي لِذِي الوَجْهَيْنِ أنْ يَكُونَ أمِينًا عِنْدَ اللَّهِ تَعالى». وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه -: «لا يَكُنْ أحَدُكُمْ إمَّعَةً. قالُوا وما الإمَّعَةُ؟ قالَ يَجْرِي مَعَ كُلِّ رِيحٍ».
قالَ: أعْنِي الغَزالِيَّ: واتَّفَقُوا عَلى أنَّ مُلاقاةَ اثْنَيْنِ بِوَجْهَيْنِ نِفاقٌ، ولِلنِّفاقِ عَلاماتٌ كَثِيرَةٌ، وهَذِهِ مِن جُمْلَتِها، ثُمَّ قالَ: فَإنْ قُلْت: فِي ماذا يَصِيرُ ذا لِسانَيْنِ وما حَدُّ ذَلِكَ؟ فَأقُولُ: إذا دَخَلَ عَلى مُتَعادِيَيْنِ وجامَلَ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما وكانَ صادِقًا فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُنافِقًا ولا ذا لِسانَيْنِ، فَإنَّ الواحِدَ قَدْ يُصادِقُ مُتَعادِيَيْنِ ولَكِنَّ صَداقَتَهُ ضَعِيفَةٌ لا تَنْتَهِي إلى حَدِّ الأُخُوَّةِ، إذْ لَوْ تَحَقَّقَتْ الصَّداقَةُ لاقْتَضَتْ مُعاداةَ الأعْداءِ.
نَعَمْ لَوْ نَقَلَ كَلامَ كُلِّ واحِدٍ إلى الآخَرِ فَهُوَ ذُو لِسانَيْنِ وذَلِكَ شَرٌّ مِن النَّمِيمَةِ
وقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَو أنَّ الثَّناءَ عَلى الأمِيرِ فِي حَضْرَتِهِ وذَمِّهِ فِي غَيْبَتِهِ نِفاقٌ، ومَحَلُّهُ إنْ اسْتَغْنى عَنْ الدُّخُولِ عَلى الأمِيرِ والثَّناءِ عَلَيْهِ، ولا عِبْرَةَ بِرَجائِهِ مِنهُ مالًا أوْ جاهًا، فَإذا دَخَلَ لِضَرُورَةِ أحَدِهِما وأثْنى فَهُوَ مُنافِقٌ، لِأنَّهُ يُحْوِجُ إلى الدُّخُولِ عَلى الأُمَراءِ ومُراءاتِهِمْ، فَإنْ اضْطَرَّ لِلدُّخُولِ لِنَحْوِ تَخْلِيصِ ضَعِيفٍ لا يُرْجى خَلاصُهُ بِدُونِ ذَلِكَ وخافَ مِن عَدَمِ الثَّناءِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، فَإنَّ اتِّقاءَ الشَّرِّ جائِزٌ.
قالَ أبُو الدَّرْداءِ: إنّا لَنَكْشِرُ، أيْ: نَضْحَكُ فِي وُجُوهِ أقْوامٍ وإنَّ قُلُوبَنا لَتَلْعَنُهُمْ، ومَرَّ خَبَرُ: «أنَّهُ – ﷺ – قالَ لِمُسْتَأْذِنٍ عَلَيْهِ: ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أخُو العَشِيرَةِ، فَسَألَتْهُ عائِشَةُ، فَقالَ: إنّ شَرَّ النّاسِ الَّذِي يُكْرَمُ اتِّقاءً لِشَرِّهِ»، ولَكِنَّ هَذا ورَدَ فِي الإقْبالِ ونَحْوِ التَّبَسُّمِ.
فَأمّا الثَّناءُ فَهُوَ كَذِبٌ صَرِيحٌ فَلا يَجُوزُ إلّا لِضَرُورَةِ حاجَةٍ أوْ إكْراهٍ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ. ومِن النِّفاقِ أنْ تَسْمَعَ باطِلًا فَتُقِرَّهُ بِنَحْوِ تَصْدِيقٍ أوْ تَقْرِيرٍ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ إظْهارًا لِذَلِكَ، بَلْ يَلْزَمُهُ أنْ يُنْكِرَ بِيَدِهِ ثُمَّ لِسانِهِ ثُمَّ قَلْبِهِ”. انتهى باختصار
(المسألة الرابعة): ما ورد في ذم ذلك:
١ – “حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ عَمّارٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن كانَ لَهُ وجْهانِ فِي الدُّنْيا، كانَ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ لِسانانِ مِن نارٍ»، (د) ٤٨٧٣ [قال الألباني]: صحيح.
– أخْبَرَنا أبُو يَعْلى، قالَ: حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، قالَ: حَدَّثَنا شَرِيكٌ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن كانَ ذا وجْهَيْنِ فِي الدُّنْيا كانَ لَهُ لِسانانِ مِن نارٍ يَوْمَ القِيامَةِ» (رقم طبعة با وزير: ٥٧٢٦)، (حب) ٥٧٥٦ [قال الألباني]: صحيح – «الصحيحة» (٨٩٢).
مسند أحمد
– عَنْ مُعاذٍ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمانِ أقْوامٌ إخْوانُ العَلانِيَةِ أعْداءُ السَّرِيرَةِ». فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، وكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قالَ: «ذَلِكَ بِرَغْبَةِ بَعْضِهِمْ مِن بَعْضٍ، ورَهْبَةِ بَعْضِهِمْ مِن بَعْضٍ» (حم) ٢٢٠٥٥، قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف.
وروي أن أبا عبيدة ومعاذ بن جبل كتبا إلى عمر رضي الله عنه يعظانه: سلام عليك أما بعد، فإنا عهدناك وأمر نفسك لك مهم، وأصبحت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها، يجلس بين يديك الشريف والوضيع، والعدو والصديق، ولكل حصته من العدل، فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر، فإنا نحذرك يومًا تعنو فيه الوجوه، وتحف فيه القلوب، وتقطع فيه الحجج، يملك قهرهم بجبروته، والخلق داخرون له،
يرجون رحمته، ويخافون عقابه وإنا كنا نحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع إلى آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، وإنا نعوذ بالله أن يترك كتابنا إليك سوى المنزل الذي نزل من قلوبنا، فإنا كتبنا به نصيحة لك، والسلام عليك.
فكتب إليهما: من عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ومعاذ بن جبل سلام عليكما، أما بعد، فإنكما كتبتما إلي تذكران أنكما عهدتماني وأمر نفسي لي مهم وإني قد أصحبت قد وليت أمر هذه الأمة أحمرها وأسودها يجلس بين يدي الشريف والوضيع، والعدو والصديق ولكل حقه من ذلك، وكتبتما فانظر كيف أنت عند ذلك يا عمر، وأنه لا حول ولا قوة عند ذلك لعمر إلا بالله، وكتبتما تحذراني ما حذرت به الأمم قبلنا، وقديمًا كان اختلاف الليل والنهار بآجال الناس يقربان كل بعيد ويبليان كل جديد ويأتيان بكل موعود حتى يصير الناس
إلى منازلهم من الجنة والنار، وكتبتما تحدثان أن أمر هذه الأمة سيرجع في آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، ولستم بأولئك، ليس هذا بزمان ذلك، وأن ذلك زمان تظهر فيه الرغبة والرهبة، تكون رغبة بعض الناس إلى بعض لصلاح دنياهم، ورهبة بعض الناس من بعض، كتبتما به نصيحة تعظاني بالله أن أنزل كتابكما سوى المنزل الذي نزل من قلوبكما، وإنكما
كتبتما به وقد صدقتكما، فلا تدعا الكتاب إلي، فإنه لا غنى بي عنكما، والسلام عليكما١.
قال جامع مرويات في شخصية عمر بن الخطاب
١ رواه ابن أبي شيبة / المصنف ٧/٩٤، وفي إسناده مروان بن معاوية الفزاري، ثقة من الثامنة وهو مدلس من الثالثة ، ولم يصرح بالسماع، وهو من رواية نعيم ابن أبي هند، عن صحيفة عنده. فالأثر ضعيف.
وقال السخاوي عن الحديث المرفوع :
وسنده ضعيف، ولكن له شاهد عند الديلمي في مسنده بسند ضعيف أيضًا عن ابن عمر رفعه: «يوشك أن يظهر العلم ويخزن العمل ويتواصل الناس بألسنتهم ويتباعدون بقلوبهم، فإذا فعلوا ذلك طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم» وكل منهما يتقوى بالآخر سيما مع صحة المعنى كما هو الظاهر بالقرائن غالبًا، وحينئذٍ فيضم هذا لما وقع من الإخبار بالمغيبات والأحوال، وما أحسن ما أوصى به صعصعة بن صوحان بعض أقربائه حيث قال: «خالص المؤمن وخالق الفاجر فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن وأنه يحق علينا أن نخالص المؤمن» أخرجه إسحاق بن راهويه، والكلام في معناه كثير نظمًا ونثرًا والله الموفق
انتهى من الاجوبة المرضية
وقال محققو المسند في حديث معاذ: إسناده ضعيف لضعف أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم وحبيب بن عُبيد الرَّحبي لم يدرك معاذًا.
وفي الباب عن أبي هريرة وابن عمر عند الترمذي (٢٤٠٤) و(٢٤٠٥) وإسنادهما ضعيفان.
وعن غير واحد من الصحابة أوردها الهيثمي في «المجمع» ٧/٢٨٦-٢٨٧ وأسانيدها كلها ضعيفة أو شديدة الضعف.
وقال العقيلي في ترجمة سَعِيدُ بْنُ سِنانٍ أبُو المَهْدِيِّ الحِمْصِيُّ :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: «مِن أشْراطِ السّاعَةِ أنْ يُرْكَبَ المَنظُورُ، ويُلْبَسَ المَشْهُورُ، ويُبْنى المَشْذُورُ، ويُصْبِحُ النّاسُ إخْوانَ العَلانِيَةِ، أعْداءَ السَّرِيرَةِ» لا يُتابَعُ عَلَيْهِ، ولا يُعْرَفُ إلّا بِهِ
وهناك رسالة لابن عساكر :
ذم ذي الوجهين واللسانين لابن عساكر
ذكر في أولها حديث أبي هريرة
وذكر حديث معاذ وغيره
وآخرها برقم :
١٩- وأنْشَدَنا الشَّرِيفُ أبُو القاسِمِ الخَطِيبُ، أنشدنا رشأ بن نظيف، أنشدنا الحسن بن إسْماعِيلَ، أنْشَدَنا أحْمَدُ بْنُ مَرْوانَ المالِكِيُّ، أنْشَدَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي الدُّنْيا لِإبْراهيمَ بْنِ العَبّاسِ – رحمه الله -:
خَلِّ النِّفاقَ وأهْلَهُ … وعَلَيْكَ فانْتَهِجِ الطَّرِيقا
وارْغَبْ بِنَفْسِكَ أنْ … تُرى إلّا عَدُوًّا أوْ صديقا
آخر المجلس السابع والعشرين بعد المائة
في ذم ذي الوجهين واللسانين
ونقل أيضا قول إخوان العلانية وأعداء السريرة : عن فضيل قالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِياضٍ: يَجِيءُ فِي آخِرِ الزَّمانِ أقْوامٌ يَكُونُونَ إخْوانَ العَلانِيَةِ أعْداءَ السَّرِيرَةِ.
سير السلف الصالحين لإسماعيل بن محمد الأصبهاني
ونقل هذا المعنى أبيات لابن المبارك :
أعداء غيب إخوة التلاقي … يا سوأتا من هذه الأخلاق
كأنما اشتقت من النفاق …
لطائف المعارف لأبي موسى المديني
وكذلك ذكر ابن مفلح حديث معاذ في :
[فَصْلٌ فِي التَّحَلِّي بِالفَضائِلِ والتَّخَلِّي عَنْ الرَّذائِلِ ومَوَدَّةِ الإخْوَةِ]
فصل: شَرَّ النّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللهِ
1) وذكر أحاديث الباب.
2) عن عائشة رضي الله عنها، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «يا عائِشَةُ إنَّ شَرَّ النّاسِ مَنزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَومَ القِيامَةِ، مَن ودَعَهُ أوْ تَرَكَهُ النّاسُ اتِّقاءَ فُحْشِهِ». [متفق عليه ].
3) عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «إنَّ مِن أشَرِّ النّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنزِلَةً يَوْمَ القِيامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إلى امْرَأتِهِ وتُفْضِي إلَيهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّها». [مسلم (١٤٣٧) باب تحريم إفشاء سر المرأة، أحمد (١١٦٧٣)، تعليق شعيب الأرنؤوط «إسناده على شرط مسلم].
١٤٢٠ – وعَنْهُ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ – ﷺ -: «إنَّ مِن أعْظَمِ الأمانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إلى امْرَأتِهِ وتُفْضِي إلَيهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّها». [مسلم (١٤٣٧)].
وسيأتي بعض المسائل المتعلقة في الباب التالي كالحديث بين الفريقين للصلح.
(لقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن التشبه باليهود والنصارى في أمور كثيرة، ومنها التشبه بهم في الخلاف، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى – لما ذكر اليهود وما جرى لهم – ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وقُلُوبُهُمْ شَتّى ذَلِكَ بِأنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾
بل حرص الإسلام على ذهاب التباغض ففي الحديث
«لتسوون بين صفوفكم أو ليباعدن الله بين وجوهكم»
وفيه إشارة إلى صفاء القلوب والسرائر
، وإن الإيثار الذي حصل بين المهاجرين والأنصار ضرب به المثل في الصفاء
قال ابن تيمية :
ومَن كانَ مُوالِيًا لِلْأئِمَّةِ مُحِبًّا لَهُمْ يُقَلِّدُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُمْ فِيما يَظْهَرُ لَهُ أنَّهُ مُوافِقٌ لِلسُّنَّةِ فَهُوَ مُحْسِنٌ فِي ذَلِكَ. بَلْ هَذا أحْسَنُ حالًا مِن غَيْرِهِ ولا يُقالُ لِمِثْلِ هَذا مُذَبْذَبٌ عَلى وجْهِ الذَّمِّ. وإنَّما المُذَبْذَبُ المَذْمُومُ الَّذِي لا يَكُونُ مَعَ المُؤْمِنِينَ ولا مَعَ الكُفّارِ بَلْ يَأْتِي المُؤْمِنِينَ بِوَجْهِ ويَأْتِي الكافِرِينَ بِوَجْهِ قالَ تَعالى فِي حَقِّ المُنافِقِينَ: ﴿إنّ المُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وهُوَ خادِعُهُمْ وإذا قامُوا إلى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراءُونَ النّاسَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾. وقالَ النَّبِيُّ ﷺ ﴿مَثَلُ المُنافِقِ كَمَثَلِ الشّاةِ العائِرَةِ بَيْنَ الغَنَمَيْنِ: تُعِيرُ إلى هَؤُلاءِ مَرَّةً وإلى هَؤُلاءِ مَرَّةً﴾. فَهَؤُلاءِ المُنافِقُونَ المُذَبْذَبُونَ هُمْ الَّذِينَ ذَمَّهُمْ اللَّهُ ورَسُولُهُ وقالَ فِي …..
فَأئِمَّةُ الدِّينِ هُمْ عَلى مِنهاجِ الصَّحابَةِ رِضْوانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ والصَّحابَةُ كانُوا مُؤْتَلِفِينَ مُتَّفِقِينَ وإنْ تَنازَعُوا فِي بَعْضِ فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ فِي الطَّهارَةِ أوْ الصَّلاةِ أوْ الحَجِّ أوْ الطَّلاقِ أوْ الفَرائِضِ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإجْماعُهُمْ حُجَّةٌ قاطِعَةٌ. ومَن تَعَصَّبَ لِواحِدِ بِعَيْنِهِ مِن الأئِمَّةِ دُونَ الباقِينَ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ مَن تَعَصَّبَ لِواحِدِ بِعَيْنِهِ مِن الصَّحابَةِ دُونَ الباقِينَ. كالرافضي الَّذِي يَتَعَصَّبُ لِعَلِيِّ دُونَ الخُلَفاءِ الثَّلاثَةِ وجُمْهُورِ الصَّحابَةِ. وكالخارِجِيِّ الَّذِي يَقْدَحُ فِي عُثْمانَ وعَلِيٍّ رضي الله عنهما. فَهَذِهِ طُرُقُ أهْلِ البِدَعِ والأهْواءِ الَّذِينَ ثَبَتَ بِالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجْماعِ أنَّهُمْ مَذْمُومُونَ خارِجُونَ عَنْ الشَّرِيعَةِ والمِنهاجِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ ﷺ. فَمَن تَعَصَّبَ لِواحِدِ مِن الأئِمَّةِ بِعَيْنِهِ فَفِيهِ شَبَهٌ مِن هَؤُلاءِ سَواءٌ تَعَصَّبَ لِمالِكِ أوْ الشّافِعِيِّ أوْ أبِي حَنِيفَةَ أوْ أحْمَد أوْ غَيْرِهِمْ. ثُمَّ غايَةُ المُتَعَصِّبِ لِواحِدِ مِنهُمْ أنْ
يَكُونَ جاهِلًا بِقَدْرِهِ فِي العِلْمِ والدِّينِ وبِقَدْرِ الآخَرِينَ فَيَكُونُ جاهِلًا ظالِمًا واَللَّهُ يَأْمُرُ بِالعِلْمِ والعَدْلِ ويَنْهى عَنْ الجَهْلِ والظُّلْمِ
مجموع الفتاوى ٢٢/٢٤٩