482 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
482 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 253): حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر قال سمعت أبا غالب (1) يقول: لما أتي برءوس [ص: 409] الأزارقة (2) فنصبت على درج دمشق جاء أبو أمامة فلما رآهم دمعت عيناه فقال: «كلاب النار -ثلاث مرات- هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء» قال فقلت فما شأنك دمعت عيناك قال رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام قال قلنا أبرأيك قلت هؤلاء كلاب النار أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إني لجريء بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير مرة ولا ثنتين ولا ثلاث قال فعد مرارًا.
* الحديث أخرجه الحُمَيْدِيُّ رحمه الله (ج 2 ص 404) فقال: حدثنا سفيان قال حدثنا أبو غالب صاحب المحجن قال: رأيت أبا أمامة الباهلي أبصر رءوس الخوارج على درج دمشق فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «كلاب أهل النار كلاب أهل النار كلاب أهل النار» ثم بكى ثم قال «شر قتلى تحت أديم السماء وخير قتلى من قتلوا» قال أبو غالب أأنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال نعم إني إذًا لجريء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 269): حدثنا أنس بن عياض قال سمعت صفوان بن سليم يقول: دخل أبو أمامة الباهلي دمشق فرأى رءوس حروراء قد نصبت فقال: «كلاب النار كلاب النار -ثلاثًا- شر قتلى تحت ظل السماء خير قتلى من قتلوا» ثم بكى فقام إليه رجل فقال يا أبا أمامة هذا الذي تقول من رأيك أم سمعته قال إني إذًا [ص: 410] لجريء كيف أقول هذا عن رأي قال قد سمعته غير مرة ولا مرتين قال فما يبكيك قال أبكي لخروجهم من الإسلام هؤلاء الذين تفرقوا واتخذوا دينهم شيعًا.
هذا حديث جيد، فأبو غالب حسن الحديث.
وحديث صفوان بن سليم الظاهر أنه منقطع، لم يذكروا من مشايخه أبا أمامة صدي بن عجلان، لكنه يتقوى به حديثُ أبي غالب، والله أعلم.
* قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج 8 ص 351): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ أخبرَنَا وَكِيعٌ عَنْ رَبِيعِ وهو ابْنِ صَبِيحٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي غَالِبٍ قَالَ: رَأَى أَبُو أُمَامَةَ رُءُوسًا مَنْصُوبَةً عَلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ: «كِلَابُ النَّارِ شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ خَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوهُ» ثُمَّ قَرَأَ {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ (3) قُلْتُ لِأَبِي أُمَامَةَ أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى عَدَّ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَبُو غَالِبٍ اسْمُهُ حَزَوَّرٌ وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ اسْمُهُ صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ وَهُوَ سَيِّدُ بَاهِلَةَ.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج 1 ص 62) مختصرًا.
وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج 5 ص 256): ثنا وكيع، ثنا حماد بن سلمة، عن أبي غالب به.
سبق شرح حديث رقم 1176 في الصحيح المسند:
قال الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1176):
قال الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم في «السنة» (ج (2) ص (456)): حدثنا هارون بن محمد، حدثنا أبي، عن سعيد، عن قتادة، عن نصر بن عاصم، عن أبي بكرة: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «إن في أمتي قومًا يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم، فإذا خرجوا فاقتلوهم».
حدثنا أبو بكر، ثنا وكيع، عن عثمان الشحام، حدثني مسلم بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «سيخرج من أمتي ناس ذلقة ألسنتهم بالقرآن لا يجاوز تراقيهم، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإنه يؤجر قاتلهم».
هذا حديث صحيحٌ.
بوب عليه ابن ماجه:
12 – [بَابٌ] فِي [ذِكْرِ] الْخَوَارِجِ
بوب عليه الآجري في الشريعة:
بَابُ ذِكْرِ ثَوَابِ مَنْ قَاتَلَ الْخَوَارِجَ فَقَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ
بوب عليه مقبل في الجامع:
125 – جرح أصحاب البدع
56 – أسباب دخول النار وهي محمولة في حق الموحد على دخول مؤقت، ثم يخرجون إلى الجنة
53 – إخباره صلى الله عليه وسلم بالخوارج
14 – الخروج على الأئمة المسلمين
82 – قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}
جاء في مسائل الإمام أحمد:
197 – باب: ذكر الخوارج وعلامتهم وقتالهم ووعيد اللَّه فيهم
قال الأثرم: حدّثنا أبو عبد اللَّه بحديث ذكر فيه الصُّفْرِيَّة، فقال: الصفْرِيَّةُ الخوارجُ.
“سؤلات الأثرم” (45)
قال ابن هانئ: وسئل عن الحرورية والمارقة يكفرون؟ وترى قتالهم؟ فقال: اعفني من هذا، وقل كما جاء فيهم في الحديث.
“مسائل ابن هانئ” (1884)
قال عبد اللَّه: سألت أبي عن التفضيل بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؟ فقال أبي رحمه الله: أبو بكر وعمر وعثمان، وعلي الرابع من الخلفاء.
قلت لأبي: إن قومًا يقولون إنه ليس بخليفة. قال: هذا قول سوء رديء. وقال: أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولون له: لا أمير المؤمنين. أفنكذبهم وقد حج بالناس وقطع ورجم فيكون هذا إلا خليفة!
قلت لأبي: من احتج بحديث عبيدة أنه قال لعلي: رأيك في الجماعة أحب إلي من رأيك في الفرقة؟
فقال أبي: إنما أراد أمير المؤمنين بذلك أن يضع نفسه بتواضع قوله: خبطتنا فتنة. تواضع بذلك.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 590 (1401)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا جرير بن حازم، وأبو عمر بن العلاء، عن ابن سيرين، سمعناه عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “يَخْرُجُ قَوْمٌ فِيهِمْ رَجُلٌ مُودَنُ اليَدِ أَوْ مَثْدُونُ اليَدِ أَوْ مُحدَجُ اليَدِ، وَلَوْلَا أَنْ تَبْطَرُوا لَأَنْبَأْتُكُمْ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ الذِينَ يَقْتلُونَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ”.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 618 (1471)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي وأبو خيثمة قالا: نا إسماعيل بن إبراهيم، نا أيوب، عن محمد، عن عبيدة، عن علي رضي الله عنه قال: ذكر الخوارج فقال: فيهم رجل مخدج اليد أو مودن اليد، أو مثدون اليد، لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد اللَّه الذين يقتلونهم على لسان محمد، قلت: أنت سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: أي ورب الكعبة، أي ورب الكعبة.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا جرير بن حازم، وأبو عمرو بن العلاء سمعاه من ابن سيرين، فذكر الحديث إلا أنه قال: مثدون.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 620 (1475 – 1476)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يحيى بن آدم، نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سويد بن غَفَلة، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، قِتَالُهُمْ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ”.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا محمد بن أبي عدي أبو عمرو دكين -من الرجال ما أشبهه بالشيوخ- عن ابن عون، عن محمد، قال: قال عبيدة: لا أحدثك إلا ما سمعت منه، قال محمد: فحلف لي عبيدة ثلاث مرار وحلف له علي رضي الله عنه، قال: لولا أن تبطروا لنبأتكم بما وعد اللَّه الذين يقاتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: أنت سمعته منه؟ قال: أي ورب الكعبة، أي ورب الكعبة، أي ورب الكعبة. فيهم رجل مخدج اليد أو مثدون اليد.
قال: قال محمد فطلب ذاك الرجل فوجدوه في القتلى رجل عند أحد منكبيه كهيئة الثدي عليه شعرات.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 621 (1479 – 1480)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا محمد بن أبي عدي، عن سليمان -يعني: التيمي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قومًا يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحالق، هم شر الخلق أو من شر الخلق تقتلهم أدنى الطائفتين من الحق. قال: فضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا أو قال قولا: الرجل يرمي الرمية أو قال: الغرض، فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في النضي فلا يرى بصيرة وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة.
قال: قال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 622 (1482)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي وأبو خيثمة، قالا: نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، قال: قال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حديثًا فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم عن غيره فإنما أنا محارب والحرب خدعة، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: “يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 624 (1487)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يحيى بن آدم، نا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سويد بن غفلة، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، قِتَالُهُمْ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ”
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا الأعمش. قال أبي: وعبد الرحمن عن سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة قال: قال علي: إذا حدثتكم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حديثًا فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: “يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء” وقال عبد الرحمن في آخر حديثه: “أسفاه الأحلام. . ” فذكر الحديث بطوله إلى آخره.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 625 – 626 (1461 – 1492
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا أسود بن عامر، نا حماد بن سلمة، عن معاوية بن قرة قال: هلكت الخوارج والأهواء.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا أبو معاوية، نا الأعمش، عن زيد بن وهب قال: لما كان يوم النهر لعن علي رضي الله عنه الخوارج فلم يبرحوا حتى شجروا بالرماح فقتلوا جميعًا، فقال علي رضي الله عنه: ما كذبت ولا كُذبت، اطلبوا ذا الثدية. قال: فطلبوه فوجدوه في وهدة من الأرض عليه أناس من القتلى، فإذا رجل على ثديه مثل سبلة السنور، قال: فكبر علي وأعجبه ذلك والناس.
وقال أبو معاوية مرة: فكبر علي وكبر الناس.
“السنة” لعبد اللَّه 62/ 28 (1495 – 1496)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا الوليد بن القاسم الهمداني، نا إسرائيل، نا إبراهيم -يعني: ابن عبد الأعلى، عن طارق بن زيد قال: خرجنا مع علي رضي الله عنه إلى الخوارج فقتلهم ثم قال: انظروا فإن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: “سَيَخْرُجُ قَوْمٌ يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ ولَا يجوز حَلْقَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنْ الحَقِّ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، سِيمَاهُمْ أَنَّ مِنْهُمْ رَجُلًا أَسْوَدَ مُخْدَجَ اليَدِ فِي يَدِهِ شَعَرَاتٌ سُودٍ إِنْ كانَ هُوَ فَقَدْ قَتَلْتُمْ شَرَّ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ فَقَدْ قَتَلْتُمْ خير النَّاسِ” فَبَكَيْنَا ثُمَّ قَالَ: اطْلُبُوا، فَطَلَبْنَا فَوَجَدْنَا المُخْدَجَ فَخَرَرْنَا سُجُودًا وَخَرَّ عَلِيّ رضي الله عنه مَعَنَا سَاجِدًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: يَتَكَلَّمُونَ بِكَلِمَةِ الحَقِّ.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 628 – 629 (1498)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يزيد بن هارون، أنا هشام، عن محمد، عن عبيدة قال: قال علي رضي الله عنه لأهل النهروان: فيهم رجل مثدون اليد أو مخدج اليد، ولولا أن تبطروا لأنبأتكم بما قضى اللَّه عز وجل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم لمن قتلهم. قال عبيدة: فقلت لعلي رضي الله عنه: أنت سمعته من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ورب الكعبة. يحلف عليها ثلاثا.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن عاصم الأحول، عن عون بن عبد اللَّه قال: بعثني عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى الخوارج أكلمهم، فقلت لهم: هل تدرون ما علامتكم في وليكم التي إذا لقيكم بها آمن بها عندكم وكان بها وليكم؟ وما علامتكم في عدوكم التي إذا لقيكم بها خاف بها عندكم وكان بها عدوكم.
قالوا: ما ندري ما تقول.
قلت: فإن علامتكم عند وليكم التي إذا لقيكم بها آمن بها عندكم، وكان بها وليكم أن يقول: أنا نصراني أو يهودي أو مجوسي، وعلامتكم عند عدوكم التي إذا لقيكم بها خاف بها عندكم، وكان بها عدوكم أن يقول: أنا مسلم.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 630 – 631 (1501 – 1502)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يعقوب بن إبراهيم، نا أبي، عن أبي إسحاق، حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن مقسم أبي القاسم، مولى عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل، قال: خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد اللَّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو يطوف بالبيت معلقا نعليه بيده فقلنا له: هل حضرت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين؟ قال: نعم، أقبل رجل من بني تميم يقال له: ذو الخويصرة، فوقف على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في الناس فقال: يا محمد، قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “وكيف رأيت؟ “، قال: لم أرك عدلت. قال: فغضب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم قال: “ويحك إن لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ ” فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول اللَّه، ألا نقتله؟ قال: “لا، دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية، فينظر في النصل فلا يوجد شيء، ثم في القدح فلا يوجد شيء، ثم في الفوق فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم”.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يعقوب، نا أبي، عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن علي بن حسين أبو جعفر، مثل حديث أبي عبيدة وسماه ذا الخويصرة.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا إسرائيل، عن ابن أبي إسحاق، عن رجل، أن عائشة رضي الله عنها لما بلغها قتل المخدج قالت: لقد قتل شيطان الردهة. قال: وقال سعد بن أبي وقاص: لقد قتل جان الردهة.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 631 – 632 (1504 – 1506)
الشيطان بمعنى حية والهية مستنقع في الجبل
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا هاشم بن القاسم، نا حزام بن إسماعيل العامري، عن أبي إسحاق الشيباني، عن يسير بن عمرو، قال: دخلت على سهل بن حنيف بالمدينة فقلت: حدثني بما سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الحرورية فقال: أحدثك ما سمعت من رسول اللَّه في الحرورية، لا أزيدك عليه، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يذكر قوما يخرجون من هاهنا -وأشار بيده نحو العراق- “يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”. قال: قلت هل ذكر لهم علامة؟ قال: هذا ما سمعته، لا أزيدك.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا أبو كامل، نا حماد -يعني: ابن سلمة- عن سعيد بن جمهان قال: كانت الخوارج تدعوني حتى كدت أن أدخل معهم، فرأت أخت أبي بلال في النوم أن أبا بلال كلب أهلب أسود عيناه تذرفان، قال: فقالت: بأبي أنت يا أبا بلال، ما شأنك أراك هكذا؟ قال: جعلنا بعدكم كلاب النار، وكان أبو بلال من رءوس الخوارج.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 633 – 634 (1508 – 1509)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا عكرمة بن عمار، عن عاصم بن شميخ، عن أبي سعيد الخدري له قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا حلف في اليمين قال: “وَالذِي نَفْسُ أَبِي القاسِمِ بِيَدِهِ لَيَخْرُجَنَّ قوْمٌ تُحَقِّرُونَ أَعْمَالَكمْ عند أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ” قَالُوا: فَهَلْ مِنْ عَلَامَةٍ يُعْرَفُونَ بِهَا قَالَ: “فِيهِمْ رَجُلٌ ذُو ثُدَيَّةٍ مُحَلِّقِي رُءُوسِهِمْ”، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَحَدَّثَنِي عِشْرُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَعِشْرُونَ- مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه وَلِيَ قَتْلَهُمْ. قَالَ: فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ بَعْدَمَا كَبِرَ وَيَدَاهُ تَرْتَعِشَانِ يَقُولُ: إن قِتَالُهُمْ أَحَلُّ عِنْدِي مِنْ قِتَالِ عِدَّتِهِمْ مِنَ التُّرْكِ.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، ثا إسحاق بن يوسف -يعني: الأزرق- عن الأعمش، عن ابن أبي أوفى قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “الْخَوَارِجُ هُمْ كِلَابُ النَّارِ”.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا عبد الرزاق، نا معمر، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أو قال: سمعت أنا أبو سعيد الخدري يحدث أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَان عَظِيمَتَانِ دَعْوَاهُمَا في الدين وَاحِدَةٌ، تَمْرُقُ بَيْنَهُمَا مَارِقَةٌ يَقْتُلُهَا أَوْلَاهُمَا بِالْحَقِّ” (3).
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، حدثني سويد بن عبيد العجلي، عن أبي مؤمن الوائلي قال: شهدت عليًّا رضي الله عنه حين فرغ من قتالهم قال: انظروا فإن فيهم رجلا مخدج اليد. فطلبوه فلم يجدوه، فقال علي رضي الله عنه: ما كذبت ولا كُذِبت. قال: فقام علي رضي الله عنه فأخرجه من تحت ساقية، فخر علي رضي الله عنه ساجدا.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا بسام، عن أبي الطفيل قال: سأل ابن الكواء عليًّا عن {بالأخسرين أعمالا} [الكهف: 103] قال: منهم أهل حروراء.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا حسن -يعني ابن صالح- عن أبي نعامة الأسدي، عن خال له قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنه يقول: إن نجدة وأصحابه عرضوا لعير لنا، ولو كنت فيهم لجاهدتهم.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أيوب، عن نافع، قال: أخبر ابن عمر أن نجدة لاقيه فحل شرح سيفه فأشرجته، ثم مرَّ به فحله أيضا فأشرجته، ثم مر به الثالثة، فقال: من أشرج هذا؟ كأنه ليس في أنفسكم ما في أنفسنا؟!
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا عثمان بن الشحام أبو سلمة، حدثني مسلم بن أبي بكرة، عن أبيه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “سَيَخْرُجُ قَوْمٌ أَحِدَّاءُ أَشِدَّاءُ ذُلِقَةٌ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْقُرْآنِ يَقْرَءُونَهُ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّهُ يُؤْجَرُ قَاتِلُهُمْ”.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا بهز وعفان قالا: نا حماد -يعني: ابن سلمة- نا سعيد بن جمهان قال: كنا مع عبد اللَّه بن أبي أوفى نقاتل الخوارج وقد لحق غلام لابن أبي أوفى بالخوارج، فناديناه: يا فيروز هذا ابن أبي أوفى فقال: نعم الرجل لو هاجر قال: ما يقول عدو اللَّه؟ يقول: نعم الرجل لو هاجر فقال: أهجرة بعد هجرتي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال بهز في حديثه -يرددها ثلاثا-: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: “طُوبَى لِمَنْ قتَلَهُمْ”، فقال عفان ويونس: لِمَنْ قَتَلَهُمْ وَقَتَلُوهُ ثلاثا.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا روح بن عبادة، نا عثمان الشحام، نا مسلم بن أبي بكرة -وسألته-: هل سمعت في الخوارج شيئا؟ فقال: سمعت والدي أبا بكرة يقول: عن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم: “أَلَا إِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ أَشِدَّاءُ أَحِدَّاءُ ذَلِيقَةٌ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْقُرْآنِ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، أَلَا فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ، فَالْمَأْجُورُ قَاتِلُهُمْ “.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا إسرائيل، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن زياد بن طارق، قال: رأيت عليًّا حين أخرج المخدج -على يده ثلاث شعرات- خر ساجدًا.
قال عبد اللَّه: إنما هو طارق بن زياد، ولكن كذا قال وكيع.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، حدثني سفيان، عن محمد بن قيس الهمذاني، عن شيخ لهم يكنى أبا موسى قال: رأيت عليًّا سجد حين أتي بالمخدج.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يزيد بن هارون، نا حماد بن سلمة، عن أبي عمران الجوني، عن عبد اللَّه بن رباح، عن كعب قال: الذي يقتله الخوارج له عشرة أنوار، فضل ثمانية أنوار على غيره من الشهداء.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا ابن أبي خالد، عن مصعب بن سعد، عن أبيه. قال: ذكر عنده الخوارج فقال: هم قوم زاغوا فأزاغ اللَّه قلوبهم.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا حماد بن مسعدة، عن يزيد -يعني ابن أبي عبيد- قال: لما ظهر نجدة الحروري أخذ الصدقات، قيل لسلمة: ألا تباعد منهم؟ قال: فقال: واللَّه لا أبايعه ولا اتبعه أبدًا، قال: ودفع صدقته إليهم.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا عفان، نا جويرية بن أسماء، قال: زعم نافع أن ابن عمر رضي الله عنه كان يرى قتال الحرورية حقًا واجبًا على المسلمين.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا محمد بن بشر، نا عبيد اللَّه، عن نافع، أن ابن عمر أراد أن يقاتل نجدة حين أتى المدينة يغير على ذراريهم فقيل له: إن الناس لا يبايعونك على هذا. قال: فتركه.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا محبوب بن الحسن، نا خالد -يعني: الحذاء- عن أبي إياس معاوية بن قرة قال: حروري محكم فخرج إليه ناس من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مزينة بأسيافهم منهم عائذ بن عمرو.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا عفان، نا يزيد بن زريع، نا خالد الحذاء، عن معاوية بن قرة، خرج محكم في زمان أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فخرج عليه بالسيف رهط من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منهم عائذ بن عمرو.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا عفان، نا سلام أبو المنذر، عن عاصم بن بهدلة، قال: خرج خارجي بالكوفة فقيل: يا أبا وائل، هذا خارجي خرج فقتل. قال: واللَّه ما أعز هذا اللَّه من دين ولا دفع عن مظلوم. هذا وأبيك الخير.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا أبو كامل مظفر بن مدرك، نا حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، قال: كنا بالأهواز نقاتل الخوارج وفينا أبو برزة الأسلمي، فجاء إلى نهر فتوضأ ثم قام يصلي.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يزيد بن هارون، نا محمد بن إسحاق، عن أبي الزبير، عن أبي العباس مولى بني الدّيل، عن عبد اللَّه بن عمرو قال: ذكر عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قوم يجتهدون في العبادة اجتهادًا شديدًا فقال: “تلك ضراوة الإسلام وشرته، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى الاقتصاد فلأمٍ ما هو، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فأولئك هم الهالكون”.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا هشيم، نا حصين، عن مصعب بن سعد، عن سعد في قوله عز وجل: {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] قال: قلت له: أهم الخوارج؟ قال: لا، ولكنهم أصحاب الصوامع، والخوارج الذين زاغوا فأزاغ اللَّه قلوبهم.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا هشيم، أنا العوام، حدثنا أبو غالب، عن أبي أمامة {زَاغُوَا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] قال: هم الخوارج.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، نا الأعمش، عن أبي إسحاق، عن حصين -وكان صاحب شرطة علي- قال: قال علي رضي الله عنه: قاتلهم اللَّه، أي حديث شانوا -يعني: الخوارج.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا ابن نمير، أنا عبيد اللَّه، عن نافع قال: لما سمع ابن عمر بنجدة قد أقبل وأنه يريد المدينة وأنه يسبي النساء ويقتل الولدان قال: إذا لا ندعه وذاك. وهمّ بقتاله وحرض الناس، فقيل له: إن الناس لا يقاتلون معك، ونخاف أن تترك وحدك فتقتل، فتركه.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا أبو بكر بن عياش قال: سمعت أبا إسحاق، عن أبي الأحوص قال: خرج خوارج فخرج إليهم فقتلوه.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يحيى بن زكريا -يعني: ابن أبي زائدة- أخبرني عبد الملك، عن عطاء، عن ابن عباس، أن عليا أخرجه إلى الخوارج فكلمهم ففرق بينهم، فقالت الخوارج: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58].
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، أخبرني عاصم الأحول، عن عون بن عبد اللَّه، أن عمر بن عبد العزيز أخرجه إلى الخوارج فكلمهم.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا يزيد بن هارون، نا هشام بن حسان، حدثني أبو الوضيء القيسي، قال: كنتُ في أصحاب علي لما فرغ من أهل النهر، قال: اطلبوا فيهم ذا الثدية قال: فطلبوه فلم يجدوه، فأتوه فقالوا: لم نجده. قال: اطلبوه فإنه. فيهم. قال: فطلبوه فوجدوه فأتي به، فإني لأنظر إليه وله في أحد منكبيه مثل ثدي المرأة، ليس له يد غيرها عليها شعرات.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن أبي غالب، عن أبي أمامة، أنه رأى رؤوسًا منصوبة على درج مسجد دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النار ثلاثًا ….
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 635 – 643 (1512 – 1543)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا أنس بن عياض -وهو أبو ضمرة المديني- قال: سمعت صفوان بن سليم يقول: دخل أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه دمشق فرأى رءوس أهل حروراء قد نصبت فقال: كلاب النار -ثلاثًا، شر قتلى تحت ظل السماء، من خير قتلى من قتلوه، ثم بكى، فقام إليه رجل فقال: يا أبا أمامة، هذا الذي تقول من رأيك أو سمعته؟ فقال: إني إذا لجريء! كيف أقول هذا عن رأيي؟! ولكن قد سمعته غير مرة ولا مرتين. قال: فما يبكيك؟ قال: أبكي لخروجهم من الإسلام، هؤلاء الذين تفرقوا واتخذوا دينهم شيعًا.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا إسماعيل -يعني ابن علية- أنا سليمان التيمي، نا أنس بن مالك، قال: ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن فيكم قومًا يعبدون ويدأبون حتى يعجبوا الناس وتعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية”.
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا إبراهيم بن خالد، أنا رباح، عن معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: “يَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَاف وَفُرْقَة، يَخْرُجُ فيهم قَوْمٌ يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، سِيمَاهُمْ الحَلْقُ والتسبيد، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَأَنِيمُوهُمْ”، قوله: التسبيد. يعني: استئصال الشعر.
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 644 – 645 (1546 – 1548)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري لكنه قال: بينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقسم قسما إذ جاءه ابن ذي الخويصرة التميمي فقال: أعدل يا رسول اللَّه قال: “ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ ” فقال عمر بن الخطاب: يا رسول اللَّه، أتأذن لي أن أضرب عنقه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْتَقِرُ أَحَدُكمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِم، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِم، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَيُنْظَرُ فِي قُذَذِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي نَضِيَّتِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ فِي رِصَافِهِ فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، وقَدْ سَبَقَ الفَرْثَ وَالدَّمَ، آيتهم رَجُلٌ أَسْوَدُ فِي إِحْدى يَدَيْهِ -أَوْ قَالَ إِحْدى ثَدْيَيْهِ- ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ.
ويَخرُجُونَ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ النَّاسِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ {وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}
[التوبة: 58] قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فإني أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هذا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه حِينَ قَتَلَهُم وَأَنَا مَعَهُ جِيءَ بالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الذِي نَعَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (1).
“السنة” عبد اللَّه 2/ 644 (1550)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي قال: نا هاشم بن القاسم، نا حشرج بن نباتة العبسي، حدثني سعيد بن (جمهان)، قال: لقيت عبد اللَّه بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمت عليه فقال: لي من أنت؟ قال: قلت: أنا سعيد بن جهمان. قال: فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة.
قال: لعن اللَّه الأزارقة، لعن اللَّه الأزارقة، لعن اللَّه الأزارقة، حدثنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُمْ كِلَابُ النَّارِ.
قال: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: لا، بل الخوارج كلها (2).
“السنة” لعبد اللَّه 2/ 647 – 648 (1553)
قال عبد اللَّه: حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثني عوف، عن أبي السليل قال: كنت اتبع صلة بن أشيم فأتعلم منه قال: قلت له يوما علمني شيئًا، أعهد إلى شيئًا، أوصني بشيء. قال: أفعل: انتصح كتاب اللَّه، وانصح المسلمين، وكثر في دعوة اللَّه عز وجل، وإياك لا تهلكنك دعوة العامة، ولا تكونن قتيل العصي، وإياك وقوما يزعمون أنهم على إيمان دون المؤمنين. قال: قلت: من هم؟ قال: هم هذِه الحرورية الخبيثة.
“الزهد” رواية عبد اللَّه ص 258
قال الخلال: أخبرني حرب بن إسماعيل الكرماني، أن أبا عبد اللَّه قال: الخوارج قوم سوء، لا أعلم في الأرض قوما شرًّا منهم، وقال: صح الحديث فيهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عشرة وجوه.
“السنة” للخلال 1/ 118 (110)
قال الخلال: وأخبرني يوسف بن موسى، أن أبا عبد اللَّه، قيل له: أكفر الخوارج؟ قال: هم مارقة، قيل: أكفارٌ هم؟ قال: هم مارقة؟ مرقوا من الدين.
قال الخلال: وأخبرني محمد بن أبي هارون، أن إسحاق حدثهم، أن أبا عبد اللَّه سئل عن الحرورية والمارقة يكفرون؟ قال: اعفني من هذا، وقل كما جاء فيهم الحديث.
قال الخلال: وأخبرني أحمد بن محمد بن حازم، أن إسحاق بن منصور حدثهم، أنه قال لأبي عبد اللَّه: الحرورية، ما ترى فيهم؟ قال: إذا دعوا إلى ما هم عليه إلى دينهم فقاتلهم، وإذا طلبوا مالك فقاتلهم، وأما إذا قالوا: نكون ولاتكم فلا تقاتلون.
قال إسحاق بن منصور: قال إسحاق ابن راهويه: كما قال.
قال الخلال: أخبرني محمد بن علي قال: ثنا يعقوب بن بختان، أن أبا عبد اللَّه قيل له: تصحح عن ابن عمر أنه كان يقبل هدايا المختار؟ قال: لا أدري، إلا أنه يقال: إن هدايا المختار كانت تجيئه، وكان آخر موته.
“السنة” للخلال 1/ 119 (111 – 114)
قال أبو أمية الطرسوسي: سألت أحمد بن حنبل عن رجل سمع معي وهو يرى رأي الخوارج: أعطيه سماعه؟ قال: نعم أعطه، لعل اللَّه ينفعه به.
“طبقات الحنابلة” 2/ 230
[الجامع لعلوم الإمام أحمد – العقيدة 4/ 569]
قال ابن قدامة:
كتاب قِتالِ أهْلِ البَغْيِ
والأصلُ في هذا البابِ قولُ اللَّه سبحانَه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}. إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (1) ففيها خمسُ فَوائِدَ؛ أحدها، أنَّهم لم يَخْرُجُوا بالبَغْيِ عن الإِيمانِ، فإنَّه سَمَّاهم مؤمِنين. الثَّانِيةُ، أنَّه أَوْجَبَ قِتالَهم. الثالثةُ، أنَّه أسْقَطَ قِتالَهم إذا فَاءُوا إلى أمْرِ اللهِ. الرَّابِعةُ، أنَّه أَسْقَطَ عنهم التَّبِعَةَ فيما أتْلَفُوه في قِتالِهم. الخامِسَةُ، أنَّ الآيةَ أفادَتْ جَوازَ قِتالِ كُلِّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا عليه. وروَى عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول: “مَنْ أَعْطَى إِمَامًا صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَليُطِعْهُ مَا اسْتَطاعَ، فَإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُه، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ”. روَاه مُسْلم. وروَىَ عَرْفَجَةُ، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ”. ورفَع صوتَه: “أَلَا وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتي وَهُمْ جَمِيعٌ، فَاضْربُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ”. فَكُلُّ مَنْ ثَبَتتْ إِمامَتُه، وجَبتْ طاعَتُه، وحَرُمَ الخُرُوجُ عليه وقِتالُه؛ لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}. وروَى عُبادَةُ بنُ الصَّامِتِ قال: بَايَعْنا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم على السَّمْعِ والطاعةِ، في الْمَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وأَنْ لا نُنازِعَ الأَمْرَ أَهْلَه.
ورُوِيَ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: “مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وفَارَقَ الْجَماعَةَ، فَماتَ، فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ”. رواهُ ابنُ عبد البَرِّ مِن حديثِ أبي هُرَيْرةَ وأبي ذرٍّ وابنِ عباسٍ، كلُّها بمعنىً واحدٍ. وأجْمَعَتِ الصَّحابَةُ، رضي الله عنهم، على قِتالِ البُغاةِ، فإنَّ أبا بكرٍ، رضي الله عنه، قاتَلَ [مانعِي الزَّكاةِ، وعليٌّ قاتلَ] أهْل الجَمَلِ وصِفِّينَ وأهلَ النَّهْرَوانِ. والخارجونَ عن قَبْضَةِ الإِمامِ، أصنافٌ أربَعَةٌ؛ أحدُها، قَوْمٌ امْتَنَعُوا من طاعَتِه، وخرجُوا عن قَبْضَتِه بغيرِ تاويلٍ، فهؤلاءِ قُطَّاعُ طَريقٍ، ساعُونَ في الأَرضِ بالفسادِ، يَأْتي حُكْمُهُم في بابٍ مُفْرَدٍ. الثاني، قَومٌ لهم تَأْويلٌ، إلَّا أنَّهمْ نَفَرٌ يَسِيرٌ، لا مَنَعَةَ لهم، كالواحِدِ والاثْنَيْنِ والعشرةِ ونَحْوِهم، فهؤلاءِ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، في قَوْلِ أَكْثَرِ أَصْحابِنا، وهو مذهبُ الشافعيِّ؛ لأنَّ ابنَ مُلْجَمٍ لمَّا جَرَحَ عَليًّا، قالَ للحسنِ: إنْ بَرِئْتُ رَأَيْتُ رَايِي، وإِن مِتُّ فَلا تُمَثِّلُوا به (11). فلم يُثْبِتْ لِفِعْلِه حُكْمَ البُغاةِ. ولأنَّنا لو أَثْبَتْنا للعدَدِ اليَسِيرِ حُكْمَ البُغاةِ، في سُقُوطِ ضَمانِ ما أَتْلَفُوهُ، أفْضَى إلى إِتْلافِ أمْوالِ النَّاسِ. وقال أبو بكرٍ: لا فرقَ بين الكثيرِ والقليلِ، وحُكْمُهم حُكْمُ الْبُغَاةِ إذا خَرَجُوا عن قَبْضَةِ الإِمامِ. الثالثُ، الخوارجُ الذين يُكَفِّرُونَ بالذَّنْبِ، ويُكَفِّرُونَ عثمانَ وعليًّا وطَلْحَةَ والزُّبيْرَ، وكثيرًا من الصَّحَابَةِ، ويَسْتَحِلُّونَ دِماءَ المسلمِين، وأَمْوالَهُم، إلَّا مَن خَرَجَ معهم، فظاهِرُ قولِ الفُقَهاءِ مِن أصْحابِنا المتَأَخِّرينَ، أنَّهم بُغَاةٌ، حُكْمُهم حُكْمُهم. وهذا قَولُ أبي حنيفةَ، والشَّافعيِّ، وجُمهورِ الفُقَهاءِ، وكثيرٍ من أهلِ الحديثِ.
ومالِكٌ يَرَى اسْتِتابَتَهم، فإنْ تابُوا، وإلَّا قُتِلُوا على إفْسادِهِم، لا على كُفْرِهِم. وذهَبتْ طائِفةٌ من أهلِ الحديثِ إلى أنَّهم كُفَّارٌ مُرْتَدُّونَ، حُكْمُهم حُكْمُ الْمُرْتَدِّين، تُباحُ دِماؤهُم وأَمْوالُهم، فإن تَحَيَّزُوا في مكانٍ، وكانتْ لهم مَنَعَةٌ وشَوْكَةٌ، صارُوا أهلَ حربٍ، كسائرِ الكُفَّارِ، وإن كانُوا في قَبْضَةِ الإِمامِ، اسْتَتابَهم، كاسْتِتابَةِ الْمُرْتَدِّينَ، فإن تابُوا، وإلَّا ضُرِبَتْ أَعْناقُهم، وكانتْ أمْوالُهم فَيْئًا، لا يَرِثُهم وَرَثَتُهم المسلمون؛ لما رَوى أبو سعيدٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ: “يَخْرُجُ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ، يَقْرَأونَ الْقُرَأَىنُ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيَنِ كَما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَنْظُرُ في النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، [وَيَنْظُرُ في الْقِدْحِ فَلَا يَرَى شَيْئًا] (13)، وَيَنْظُرُ في الرِّيشِ فَلَا يَرَى شَيْئًا، ويَتَمَارَى في الْفُوقِ” (14) رواهُ مالِكٌ، في “مُوَطَّأه”، والبُخَارِيُّ في “صَحيحهِ” (15). وهو حديثٌ صحيحٌ، ثابتُ الإِسْنادِ. وفي لفظٍ قال: “يَخْرُجُ قَوْمٌ في آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ (16) الْبَرِيَّةِ، يَقْرَأونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَما لَقِيتَهُمْ فَاقْتُلْهُمْ؛ فَإِنَّ فِي (16) قَتْلِهِمْ أجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”. روَاه البُخَارِيُّ (17). ورُوِيَ مَعْناهُ مِن وُجوهٍ.
يقولُ: فَكَما خَرَجَ هَذَا السَّهْمُ نَقِيًّا خَالِيًا مِنَ الدَّمِ وَالْفَرْثِ، لم يتعلَّقْ منهما (18) بِشَىْءٍ، كذلكَ خُرُوجُ هؤلاءِ مِن الدِّينِ، يَعْنِي الْخَوَارِجَ. وعن أبي أُمَامَةَ، أَنَّه رَأَى رُءُوسًا مَنْصُوبَةً على دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ، فقال: “كِلَابُ النَّارِ، شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، خيرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوه”. ثم قَرَأَ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (19) إلى آخِرِ الآيَةِ. فقِيلَ له: أنتَ سَمعْتَه مِنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قال: لو لم أَسْمَعْهُ إلَّا مَرّةً، أو مَرَّتين، أَو ثَلاثًا، [أو أرْبَعًا] (20) – حتى عَدَّ سَبْعًا – ما حَدَّثْتُكُمُوهُ (21). قال التِّرْمِذِيُّ: هذا حديثٌ حسنٌ. ورَواه ابنُ مَاجَه، عن سَهْلٍ، عن ابنِ عُيَيْنَةَ، عن أبي غالبٍ، أنَّه سَمِعَ أَبا أُمامةَ يقولُ: “شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ، وخيرُ قَتلَى مَنْ قَتَلُوا، كِلابُ أَهْلِ النَّارِ، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، كِلَابُ أَهْلِ النَّارِ، قَد كانَ هَؤُلاءِ مُسْلِمينَ فصَارُوا كُفَّارًا”. قلت: يا أبا أُمامةَ، هذا شيءٌ تقولُه؟ قال: بل سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. وعن عليٍّ، رضي الله عنه، في قولِه تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} (22). قال: “هم أهْلُ النَّهْرَوَانِ” (23). وعن أبي سعيدٍ، في حديثٍ آخرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: “هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتلَ عَادٍ” (24). وقال: “لَا يُجَاوِزُ إيمانُهُم حَنَاجِرَهُمْ”. وأكثَرُ الْفقهاءِ على أَنَّهُم بُغَاةٌ، ولا يَرَوْنَ تَكْفِيرَهم، قال ابنُ عبد البَرِّ (25): لا أعلمُ أَحدًا وافقَ أَهلَ الحديثِ على تكْفيرِهم (26) وجَعْلِهم كالمُرْتَدِّينَ.
وقال ابنُ عبدِ البَرِّ، في الحديثِ الذي رَوَيْناه: قولُه: “يَتَمارَى فِي الفُوقِ”. يَدُلُّ على أَنَّه لم يُكَفِّرْهم؛ لِأَنَّهم عَلِقُوا مِن الإِسْلَامِ بِشاءٍ، بحيثُ يُشَكُّ فِي خُرُوجِهِم منه. ورُوِيَ [أنَّ عَلِيًّا] لمَّا قاتلَ أهلَ النَّهْرِ قال لأَصْحَابِه: لا تَبْدَأُوهم بِالقِتالِ. وبَعَثَ إليهم: أَقِيدُونا بِعبدِ اللَّه بنِ خَبَّابٍ. قالوا: كلُّنا قَتَلَه. فحينئذٍ اسْتَحلَّ قِتالَهم؛ لإِقْرارِهم على أنْفُسِهم بما يُوجِبُ قَتْلَهم. وذَكَرَ ابنُ عبدِ البَرِّ، عن عليٍّ، رضي الله عنه، أنَّه سُئِلَ عن أَهْلِ النَّهْرِ، أَكُفَّارٌ هم؟ قال: مِن الْكُفْرِ فَرُّوا. قيل: فمُنافقون؟ قال: إنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَذكُرُونَ اللهَ إلَّا قَلِيلًا. قِيلَ: فما هم؟ قال: هم قَوْمٌ أصابَتْهم فِتْنَةٌ، فَعَمُوا فيها وصَمُّوا، وبَغَوْا عَلَيْنا، وقَاتَلُونا فَقَاتَلْنَاهمْ (29). ولمَّا جَرَحَه ابنُ مُلْجَمٍ، قال للحسنِ: أَحْسِنُوا إسَارَهُ، فإنْ عِشْتُ فَأنا وَلِيُّ دَمِي، وإنْ مِتُّ فَضَرْبَةٌ كضَرْبَتِي. وهذا رَايُ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ فيهم، وكثيرٍ مِن العلماءِ (30).
والصحيحُ، إنْ شاءَ اللهُ، أنَّ الخوارِجَ يجوزُ قَتْلُهم ابْتداءً، والإِجازَةُ على جَرِيحِهِم؛ لأمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بقَتْلِهم، وَوَعْدِه بالثَّوابِ مَنْ قَتَلَهم، فإنَّ عَليًّا، رضي الله عنه، قال: لولا أنْ تَبْطَرُوا (31)، لَحَدَّثْتُكُمْ بما وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ يقتلونهم على لسانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم (32)؛ ولأنَّ بِدْعَتَهم، وسُوءَ فِعْلِهم، يَقْتَضِي حِلَّ دِمَائِهِمْ؛ بِدَليلِ ما أخْبَرَ به النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، مِنْ عِظَمِ ذَنْبهِم، وأنَّهم شَرُّ الخَلْقِ والخليقةِ، وأَنَّهم يَمْرُقُونَ مِن الدِّينِ، وأَنَّهم كِلابُ النَّارِ، وحَثِّه على قَتْلِهم، وإخْباره بأَنَّه لو أدْرَكَهم لَقَتَلَهم قَتْلَ عادٍ، فلا يجوزُ إلْحاقُهم بِمَنْ أمرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالكَفِّ عنهم، وتَورَّعَ كثيرٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن قِتالِهم، ولا بِدْعةَ فيهم. الصِّنْفُ الرَّابعُ، قومٌ من أهلِ الحقِّ، يَخْرجُون عن قَبْضَةِ الإِمامِ، ويَرومُون خَلْعَه لتأويلٍ سائِغٍ، وفيهم مَنَعَةٌ يَحْتاجُ في كفِّهم إلى جَمْعِ الجيشِ، فهؤلاءِ البُغاةُ، الذين نذكرُ في هذا البابِ حُكْمَهم، وواجبٌ على النَّاسِ مَعُونةُ إِمامِهم، في قتالِ البُغَاةِ؛ لما ذكرْنا في أوَّلِ البابِ؛ ولأنَّهم لو تَرَكُوا مَعُونَتَه، لقَهَره أهلُ البَغْيِ، وظهرَ الفسادُ في الأرضِ.
[المغني لابن قدامة 12/ 237]
قال الزركشي:
[أنواع البغي]
(تنبيه): الخارجون على الإمام أربعة أصناف
(أحدها) قوم امتنعوا من طاعته، وخرجوا عن قبضته بلا تأويل، أو بتأويل غير سائغ، فهؤلاء قطاع الطريق، يأتي حكمهم إن شاء الله تعالى.
(الثاني) قوم خرجوا عن قبضة الإمام أيضا، ولهم تأويل سائغ، إلا أنهم غير ممتنعين لقلتهم، فحكى أبو الخطاب فيهم روايتين:
(إحداهما) وصححها، وكذلك صححها الشريف، وحكاها أبو محمد عن الأكثرين – حكمهم حكم قطاع الطريق أيضا:
(والثانية) – وحكاها أبو محمد عن أبي بكر – حكمهم حكم البغاة
(الثالث) الخوارج الذين يكفرون بالذنب، ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير، ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم إلا من خرج معهم، فهؤلاء فيهم عن أحمد روايتان، حكاهما القاضي في تعليقه:
(إحداهما) أنهم كفار، فعلى هذا حكمهم حكم المرتدين، تباح دماؤهم وأموالهم، وإن تحيزوا في مكان، وكانت لهم منعة وشوكة، صاروا أهل حرب، وإن كانوا في قبضة الإمام استتابهم كالمرتدين، فإن تابوا وإلا قتلوا.
قال أبو عمر بن عبد البر قوله: يتمارى في الفوق، يدل على أنه لم يكفرهم، لأنهم علقوا من الإسلام بشيء، بحيث يشك في خروجهم منه.
3049 – ولعموم قوله عليه السلام: «من قال لا إله إلا الله دخل الجنة» فعلى هذه قال أبو محمد في المغني ظاهر قول الفقهاء من أصحابنا المتأخرين أنهم بغاة، حكمهم حكمهم. وحكى ذلك في الكافي عن فقهاء الأصحاب، واختار هو أنه يجوز قتلهم ابتداء، والإجازة على جريحهم، لما تقدم من مروقهم من الدين، وأنهم كلاب النار، وأن في قتلهم أجرا لمن قتلهم.
3050 – وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال فيهم: «لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد»» وهذا توسط حسن، وهو اختيار أبي العباس، بل قال: إن الذي عليه أئمة الحديث كالأوزاعي، والثوري، ومالك، وأحمد، وغيرهم رضي الله عنهم، الفرق بين البغاة وبين الخوارج، وأن قتال علي الخوارج كان ثابتا بالنصوص الصريحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وبالاتفاق، وأما القتال يوم صفين ونحوه فلم يتفق عليه الصحابة، بل امتنع منه أكابرهم، كسعد بن أبي وقاص، الذي لم يكن بعد علي مثله، وأسامة بن زيد، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة رضي الله عنهم، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الإصلاح بين الطائفتين لا القتال.
3051 – ففي البخاري «أنه خطب الناس والحسن رضي الله عنه معه فقال: «إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين»، فأصلح الله تعالى به بين أهل العراق وأهل الشام، فنزل عن الأمر لمعاوية.
3052 – وقال صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي» وذلك نحو ما وقع لأهل الجمل، وهذا ظاهر في أن الذي فعله الحسن هو الذي كان يحبه الله ورسوله، وأن الإصلاح بين الطائفتين ما أمكن أولى من القتال، وهذا بخلاف الخوارج، فإن الذي يحبه الله ورسوله كما دلت عليه الأحاديث هو قتالهم.
(الصنف الرابع): قوم من أهل الحق يخرجون عن قبضة الإمام ويرومون خلعه، لتأويل سائغ، وإن كان صوابا، وقيل: لا بد وأن يكون خطأ، ولهم منعة وشوكة، فهؤلاء البغاة المبوب لهم بلا ريب، وكلام الخرقي يقتضي أن كل من طلب موضع الإمام فإنه يحارب، وقرينة «حوربوا» تقتضي أن لهم منعة وشوكة، والله أعلم.
(تنبيه): «جثمان إنس»، «يريد أن يشق عصاكم»، «المنشط» الأمر الذي تنشط له وتخف إليه، وتؤثر فعله، «والمكره» الأمر الذي تكرهه وتتثاقل عنه، «والأثرة» الاستئثار بالشيء والانفراد، والمراد في الحديث إن منعنا حقنا من الغنيمة والفيء، وأعطي غيرنا، نصبر على ذلك، «والكفر البواح» الجهار، «والبرهان» الحجة والدليل، و «الرمية» و «الفوق والقدح».
[طرق دفع البغي]
قال: ودفعوا عن ذلك بأسهل ما يعلم أنهم يندفعون به.
ش: البغاة إذا خرجوا على الإمام فإنه يراسلهم، ويسألهم ما ينقمون منه؟ فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادعوا شبهة كشفها، لما تقدم من قول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، فأمر سبحانه بالإصلاح أولا.
3053 – ويروى أن عليا – رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ – راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل، ثم أمر أصحابه أن لا يبدؤوهم بالقتال، ثم قال: إن هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة، ثم سمعهم يقولون:
الله أكبر يا ثارات عثمان، فقال: اللهم أكب قتلة عثمان لوجوههم. فإن رجعوا وإلا خوفهم بالقتال، ومتى أمكن دفعهم بغير القتل لم يجز قتلهم، إذ المقصود كف شرهم، وإن لم يمكن قاتلهم، وعلى رعيته معونته، لما تقدم من حديث عرفجة وغيره، وصرح أبو محمد، والقاضي في جامعه، بأنه يجب قتالهم، وهو ظاهر حديث عرفجة، وظاهر الآية الكريمة: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] وظاهر قصة الحسن رضي الله عنه وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ستكون فتنة» ونحو ذلك يقتضي أن القتال لا يجب، وكيف يجب وقد امتنع منه مَنْ تقدم من الصحابة، وأشار الحسن على أبيه بترك القتال، وعلى هذا فللإمام أن يترك الأمر الذي في يده للذي خرج عليه إن لم يخف مفسدة، كما فعل الحسن رضي الله عنه ويجوز له القتال، كما فعل الإمام علي رضي الله عنه ويجب على رعيته معونته بلا ريب، وعلى ذلك تحمل الآية الكريمة والحديث، فإنه متى ترك الإمام الأمر الذي في يده حصل الإصلاح، فإذًا لا حاجة إلى القتال، وإن لم يترك فهو محق وغيره متعد عليه، فيجب قتاله، وكف شره؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9] وقوله سبحانه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وحديث عرفجة وغير ذلك، والله أعلم.
قال: فإن آل ما دعوا به إلى نفوسهم فلا شيء على الدافع.
ش: يعني أنهم إذا دفعوا بالأسهل فالأسهل، فآل ما دفعوا به إلى نفوسهم فلا شيء على الدافع، من إثم ولا ضمان، لأنه فعل مأذون فيه شرعا، أشبه قتال الكفار ونحوهم، وكذلك بطريق الأولى ما أتلفه العادل على الباغي حال الحرب من المال، والله أعلم.
[حكم القتيل من أهل العدل]
قال: وإن قتل الدافع فهو شهيد.
ش: لأنه قتل في قتال مأمور به، أشبه قتيل الكفار، والله أعلم.
[الآثار المترتبة على قتال البغاة]
قال: وإذا اندفعوا لم يتبع لهم مدبر، ولم يجيزوا على جريح.
3054 – ش: لما روي عن مروان بن الحكم رضي الله عنه قال: صرخ صارخ لعلي يوم الجمل: لا يقتلن مدبر، ولا يذفف على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن. رواه سعيد، ويروى نحوه عن عمار رضي الله عنه، ولأن المقصود كف شرهم وقد حصل، فأشبهوا الصائل، وعموم كلام الخرقي، يقتضي أنه لا فرق بين أن تكون لهم فئة ممتنعة يلجؤون إليها، أو لم تكن، وهو كذلك.
قال: ولم يقتل لهم أسير.
ش: لأن شره قد اندفع بأسره.
3055 – «وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا ابن أم عبد ما حكم من بغى على أمتي؟» قلت: الله ورسوله أعلم، فقال: «لا يتبع مدبرهم، ولا يجاز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يقسم فيئهم»»، ذكره القاضي في شرحه.
(تنبيه): «ولا يجاز على جريحهم» أي لا يقتل، «ولا يذفف».
قال: ولم يغنم لهم مال.
ش: لحديث ابن مسعود رضي الله عنه.
3056 – وعن أبي أمامة رضي الله عنه: شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح، ولا يقتلون موليا، ولا يسلبون قتيلا، ولأنهم معصومون، أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم، فيبقى ما عداه على أصل التحريم.
قال: ولم تسب لهم ذرية.
ش: لما تقدم في التي قبلها، ولأنهم كالصائل لا يستباح منهم إلا ما حصل به ضرورة دفعهم.
3057 – ويروى أن مما نقمت الخوارج على علي رضي الله عنه أنهم قالوا: إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، فإن حلت له دماؤهم، فقد حلت له أموالهم، وإن حرمت عليه أموالهم، فقد حرمت عليه دماؤهم. فقال لهم ابن عباس رضي الله عنه: أتسبون أمكم يعني عائشة رضي الله عنها؟ أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فإن قلتم: ليست أمكم فقد كفرتم، وإن قلتم: إنها أمكم واستحللتم سبيها فقد كفرتم.
قال: ومن قتل منهم غسل وكفن وصلي عليه.
ش: يعني من البغاة، وذلك لأنهم مسلمون، وغايته أنهم مخطئون، فيجري عليهم حكم المسلمين.
3058 – وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على من قال: لا إله إلا الله» قال أبو محمد: ولم يفرق أصحابنا بين الخوارج وغيرهم، وظاهر كلام أحمد أنه لا يصلى على الخوارج، قال: أهل البدع إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تصلوا عليهم، وقال: الجهمية والرافضة لا يصلى عليهم، قد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بأقل من هذا.
3059 – وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقاتل في خيبر من ناحية من نواحيها، فقاتل رجل من تلك الناحية وقتل، فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: وما أخذوا في حال امتناعهم من زكاة أو خراج لم يعد عليهم.
ش: لأن عليا رضي الله عنه لما ظهر على أهل البصرة لم يطالبهم بشيء مما جبوه.
3060 – وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أتاه ساعي نجدة الحروري دفع إليه زكاته، وكذلك سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، ولأن في الرجوع عليهم تنفيرا لهم عن الرجوع إلى الطاعة، ومن ثم قلنا: لا يضمنون ما أتلفوه في حال الحرب على المذهب، وفي الرجوع على أرباب الأموال ضرر عظيم، ومشقة عظيمة، وإنهما منتفيان شرعا، وحكم الجزية حكم الخراج، ويقبل قول أرباب الصدقات في أنهم قد أخذوا الصدقة منهم بغير يمين، ولا يقبل مجرد قول أهل الذمة، لأنهم غير مأمونين، وقيل: يقبل بعد مضي الحول، إذ الظاهر أن البغاة لا يدعون الجزية لهم، فكان الظاهر معهم، وهل يقبل مجرد قول من عليه الخراج إن كان مسلما في دفع الخراج إليهم، لأنه حق على مسلم، فهو كالزكاة، أو لا يقبل، لأنه عوض فهو كالجزية؟ على وجهين.
قال: ولا ينقض من حكم حاكمهم إلا ما ينقض من حكم غيره.
ش: هذا مبني على أصل، وهو أن البغاة إذا لم يكونوا مبتدعين لا يفسقون، لأن لهم تأويلا سائغا، أشبه اختلاف الفقهاء، فعلى هذا إذا نصبوا قاضيا فحكمه حكم قاضي أهل العدل، إن حكم بما يخالف نص كتاب أو سنة أو إجماع، كأن يحكم على أهل العدل بضمان ما أتلفوه في الحرب، أو على أهل البغي بنفي ضمان ما أتلفوه في غير حال الحرب، نقض حكمه، وإن حكم بمختلف فيه لم ينقض، كأن حكم بسقوط الضمان عن أهل البغي فيما أتلفوه في الحرب، ونحو ذلك، وإن كتب إلى قاضي أهل العدل قبل كتابه لما تقدم، والأولى عند أبي محمد عدم القبول، كسرا لقلوبهم، وإن كان البغاة مبتدعين لم يجز قضاء من ولوه، لانتفاء شرط القضاء وهو العدالة، ولأبي محمد احتمال بصحة القضاء، ونفوذ الأحكام، حذارا من الضرر بفساد العقود المدة الطويلة، والله أعلم.
[شرح الزركشي على مختصر الخرقي 6/ 217]
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” أَوَّلُ بِدْعَةٍ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ بِدْعَةُ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ، حَدَثَتَا فِي أَثْنَاءِ خِلَافَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَعَاقَبَ الطَّائِفَتَيْنِ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (3/ 279).
———
نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اتفاق الصحابة على عدم تكفيرهم. فقال رحمه الله: “وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، على بن أبي طالب وغيره: لم يكفروا الخوارج الذين قاتلوهم، بل أول ما خرجوا عليه، وتحيزوا بحروراء، وخرجوا عن الطاعة والجماعة: قال لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا، ولا حقكم من الفيء)، ثم أرسل إليهم ابن عباس فناظرهم، فرجع نحو نصفهم، ثم قاتل الباقي وغلبهم، ومع هذا لم يسب لهم ذرية، ولا غنم لهم مالا، ولا سار فيهم سيرة الصحابة في المرتدين كمسيلمة الكذاب وأمثاله، بل كانت سيرة علي والصحابة في الخوارج مخالفة لسيرة الصحابة في أهل الردة، ولم ينكر أحد على علي ذلك، فعلم اتفاق الصحابة على أنهم لم يكونوا مرتدين عن دين الإسلام”.
انتهى من ” منهاج السنة النبوية ” (5/ 241).
وقال أيضا:
“ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج: أنهم كانوا يصلون خلفهم، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري، وكانوا أيضا يحدثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم كما يخاطب المسلم المسلم، كما كان عبد الله بن عباس يجيب نجدة الحروري لما أرسل إليه يسأله عن مسائل، وحديثه في البخاري، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن كما يتناظر المسلمان، وما زالت سيرة المسلمين على هذا، ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق رضي الله عنه، هذا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة، وما روي من أنهم (شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتيل من قتلوه) في الحديث الذي رواه أبو أمامة، رواه الترمذي وغيره، أي أنهم شر على المسلمين من غيرهم، فإنهم لم يكن أحد شرا على المسلمين منهم، لا اليهود، ولا النصارى، فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كل مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم، وقتل أولادهم، مكفرين لهم، وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم، وبدعتهم المضلة، ومع هذا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم، ولا جعلوهم مرتدين، ولا اعتدوا عليهم بقول ولا فعل، بل اتقوا الله فيهم، وساروا فيهم السيرة العادلة “.
وَهَكَذَا سَائِرُ فِرَقِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ مِنَ الشِّيعَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ; وَغَيْرِهِمْ فَمَنْ كَفَّرَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلَّهُمْ فَقَدْ خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ الثِّنْتَيْنِ وَالسَبْعِينَ فِرْقَةً لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ لَكِنْ حَسَّنَهُ غَيْرُهُ أَوْ صَحَّحَهُ، كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ، وَقَدْ رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ، وَرُوِيَ مِنْ طُرُقٍ.
وَلَيْسَ قَوْلُهُ: ««ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ»» بِأَعْظَمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: (10)] وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ: (30)]، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ بِدُخُولِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّارَ.
انتهى من ” منهاج السنة النبوية ” (5/ 247).
قال القاري رحمه الله:
“أَيْ هُمْ كِلَابُ أَهْلِهَا، أَوْ عَلَى صُورَةِ كِلَابٍ فِيهَا ” انتهى من “مرقاة المفاتيح” (6/ 2323).
وقال المناوي رحمه الله:
” أي أنهم يتعاوون فيها عواء الكلاب، أو أنهم أخس أهلها، وأحقرهم، كما أن الكلاب أخس الحيوانات وأحقرها ” انتهى من ” فيض القدير” (1/ 528).
——
شرح حديث أبي أمامة في شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء وخير قتيل …
ثم قال: [(قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارًا، قلت: يا أبا أمامة! هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله ?].
وقوله: (قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارًا) هذه اللفظة في ثبوتها نظر عن النبي ?، ولو صحت فإن الجمهور تأولوها على أن المراد: كفر أصغر لا يخرج من الملة، لكن وإن قال المحققون: إن هذا الحديث صحيح السند، فإن هذه اللفظة في ثبوتها عن النبي ? نظر.
وفيها ركاكة فتحتاج إلى تأمل، وما أظنه يخلو من المقال.
ما أظن هذا يثبت عن النبي ?.
شرح سنن ابن ماجة – الراجحي (11) / (12)
———-