4802 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم،
كتب البر والصلة
بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ،
4802 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِيَّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ
أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ
قَالَ سَعِيدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ. حَدَّثَنِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّ مَرْوَانَ أَتَمُّهُمَا حَدِيثًا، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ الْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، ابْنَا بِشْرٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، فَذَكَرُوا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنِّي حَرَّمْتُ عَلَى نَفْسِي الظُّلْمَ وَعَلَى عِبَادِي، فَلَا تَظَالَمُوا وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِنَحْوِهِ، وَحَدِيثُ أَبِي إِدْرِيسَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَتَمُّ مِنْ هَذَا.
4803 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ يَعْنِي ابْنَ قَيْسٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ، فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ.
4804 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
4805 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
4806 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَاتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَاتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ.
4807 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ.
4808 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُمْلِي لِلظَّالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ، إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.
==========
تمهيد:
حدد الله تعالى الحقوق والواجبات لصالح الفرد وصالح المجتمع في الدنيا والآخرة، وكل اعتداء على هذه الحقوق ظلم يبارز به جل شأنه، ومن أظلم الظلم ظلم الإنسان نفسه وإيباقها وإهلاكها وتعريضها للنار يوم القيامة، وكيف لا وكل ظلم للآخرين هو إهلاك للظالم ودافع به إلى نار جهنم هذه الحقيقة يظلم الظالم وهو جاهل بها غافل عنها، يأخذه الإحساس بالقوة للاندفاع في الشر، وقد تكون قوته قوة خداع وكذب ونفاق ومكر وخبث ودهاء وغش للمظلومين ويطمعه عدم إسراع الله تعالى في عقوبته ناسيا أن الله تعالى يمهل ولا يهمل يملي له ليزداد إثما يملي له حتى إذا أخذه لم يفلته
يوم يقتص بالحسنات والسيئات، فيؤخذ للمظلوم من حسنات الظالم بقدر مظلمته، فإذا فنيت حسناته وأصبح مفلسا ولم يقض مظالمه أخذ من سيئات المظلومين وطرحت عليه ثم طرح في النار.
إن العاقل الكيس إذا أحس بقوته وقدرته تذكر قدرة الله عليه، وإن العاقل الكيس إذا مسه طائف من الشيطان فظلم ذكر الله وعقابه ورد المظالم في الدنيا، وما أسهلها وما أحقرها مهما بلغت إذا قيست بالحسنات والسيئات يوم القيامة، يوم يحتاج الإنسان إلى ذرة من الحسنات يثقل بها ميزانه، وإن العاقل الكيس إذا ظلم لجأ إلى المظلوم فطلب منه العفو والمسامحة وما أسهله في الدنيا قبل أن يفر المرء أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، فلا تسمح نفس أحد منهم أن ينزل عن حسنة من حسناته أو أن يحمل عنهم سيئة واحدة من سيئاتهم.
إن الظلم ظلمات يوم القيامة يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم عافانا الله من الظلم ومن الظلمات. [فتح المنعم]
يَنْهَى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَنْ مَساوِئِ الأخلاقِ، ومنها- كما في هذا الحديثِ-: الظُّلمُ؛ فَيأمُرُ المسلمينَ بِالحذَرِ مِنه وَالابتعادِ عنه؛ فَإِنَّه ظلماتٌ يومَ القيامةِ على صاحبِه لا يَهتدِي بِسببِها. ومنها: الشُّحُّ، وهو البُخْلُ بِأداءِ الحقوقِ والحرصُ على ما ليس له؛ فَيأمُرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِالحذرِ منه وَالابتعادِ عنه؛ فإنَّه أهلكَ مَن كان قبْلَكم؛ فَداؤُه قديمٌ وبَلاؤُه عظيمٌ، حمَلَهم على أنْ سفَكُوا دِماءَهم واستحَلُّوا محارِمَهم، قيل: إنَّما كان الشُّحُّ سببًا لِذلكَ؛ لأنَّ في بذْلِ المالِ ومُواساةِ الإخوانِ التَّحابَّ والتَّواصلَ، وفي الإمساكِ والشُّحِ التَّهاجُرَ والتَّقاطُعَ، وذلك يُؤدِّي إلى التَّشاجُرِ والتَّعادِي مِن سفْكِ الدِّماءِ واستباحةِ المحارمِ مِنَ الفُروجِ والأعراضِ وفي الأموالِ وغيرِها.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى) هذا حديث قدسي أسند فيه القول إلى الله تعالى، ولفظه ومعناه من الله تعالى غير أنه لم يقصد به الإعجاز ولا يتعبد به في الصلاة مثلا كالقرآن، والأحاديث النبوية وإن كانت من الله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} النجم 3، 4 لا يسند القول فيها لله تعالى وبعبارة أخرى الأحاديث النبوية لفظها من عند الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناها من عند الله.
(يا عبادي) العبد المملوك وكل خاضع للإله مكلف من الإنس والجن والملائكة ومن شاء الله فهو عبد الله والمنادى هنا المكلفون من الإنس والجن.
(إني حرمت الظلم على نفسي) الظلم وضع الشيء في غير موضعه الشرعي أو مجاوزة الحد الشرعي، وفي رواية: إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي فلا تظالموا.
(وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) قال النووي هو بفتح التاء وفتح الظاء مخففة أي: لا تتظالموا والمراد لا يظلم بعضكم بعضا، وهذا توكيد
(يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) أي اطلبوا الهداية مني.
(إنكم تخطئون بالليل والنهار) كناية عن كثرة الخطايا، والرواية المشهورة بضم التاء، قال النووي وروى بفتحها وفتح الطاء بينهما خاء ساكنة يقال خطئ يخطأ إذا فعل ما يأثم به فهو خاطئ ومنه قوله تعالى: {استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين} يوسف 97، ويقال في الإثم أيضا أخطأ فهما صحيحان
(وأنا أغفر الذنوب جميعا) أي ما عدا الشرك إذا شئت مصداقا لقوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء 48.
(يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني) ضري في النسخ التي بين يدي بفتح الضاد، وفي كتب اللغة الضر بفتح الضاد وضمها لغتان ضد النفع وبالفتح المصدر وبالضم الاسم، وقيل إذا جمعت بين الضرر والنفع فتحت الضاد وإذا أفردت الضر ضممت الضاد.
ومعنى لن تبلغوا ضري أي لن تصلوا إلى ضري يقال بلغ الشيء بلوغا أي وصل إليه.
(يا عبادي لو أن أولكم وآخركم) أي لو أنكم جميعا من أولكم إلى آخركم وليس المراد الأول والآخر.
(وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا) فهو جل شأنه لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية.
(لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد) الصعيد وجه الأرض أو الجزء المرتفع من وجه الأرض، والمعنى لو أن بني آدم من أول أبناء آدم إلى اليوم، وفي أي مكان من الأرض اجتمعوا في وقت واحد في مكان واحد.
(فسألوني) أي سألني كل واحد منهم ما يتمناه
(فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) المقصود منه تحقيق عدم النقص وتأكيده، فكما أن المخيط إذا أدخل البحر ثم أخرج منه لم ينقص من ماء البحر شيئا، فكذلك: لو أعطى الله كل واحد من الجن والإنس مسألته لم ينقص ذلك مما عنده شيئا.
وهذا أسلوب من أساليب تأكيد الكلام في اللغة العربية، وهو تأكيد الكلام بما يشبه النفي، فإن السامع إذا سمع: لا ينقص إلا كذا … يظن لأول وهلة أنه ينقص، ولكنه عندما يستمع باقي الكلام يدرك أن المقصود به تأكيد عدم النقص.
قال النووي رحمه الله:
” مَعْنَاهُ: لَا يُنْقِصُ شَيْئًا أَصْلًا، كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: (لَا يَغِيضُهَا نَفَقَة ٌ) أَي: لَا يَنْقُصُهَا نَفَقَةٌ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ … فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْمِخْيَطِ فِي الْبَحْرِ، لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْقِلَّةِ، وَالْمَقْصُودُ التَّقْرِيبُ إِلَى الْإِفْهَامِ بِمَا شَاهَدُوهُ، فَإِنَّ الْبَحْرَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَرْئِيَّاتِ عَيَانًا وَأَكْبَرِهَا، وَالْإِبْرَةُ مِنْ أَصْغَرِ الْمَوْجُودَاتِ، مَعَ أَنَّهَا صَقِيلَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَاءٌ ” انتهى من ” شرح النووي على مسلم ” (16/ 133).
وقال ابن رجب رحمه الله:
” وَقَوْلُهُ: ” (لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) تَحْقِيقٌ؛ لِأَنَّ مَا عِنْدَهُ لَا يَنْقُصُ الْبَتَّةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ) النحل/ 96، فَإِنَّ الْبَحْرَ إِذَا غُمِسَ فِيهِ إِبْرَةٌ، ثُمَّ أُخْرِجَتْ لَمْ يَنْقُصْ مِنَ الْبَحْرِ بِذَلِكَ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ عُصْفُورٌ مَثَلًا، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُصُ الْبَحْرَ الْبَتَّةَ، وَلِهَذَا ضَرَبَ الْخَضِرُ لِمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ هَذَا الْمَثَلَ فِي نِسْبَةِ عِلْمِهِمَا إِلَى عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فقال له: (مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ)، وَهَذَا لِأَنَّ الْبَحْرَ لَا يَزَالُ تَمُدُّهُ مِيَاهُ الدُّنْيَا وَأَنْهَارُهَا الْجَارِيَةُ، فَمَهْمَا أُخِذَ مِنْهُ لَمْ يَنْقُصْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ يَمُدُّهُ مَا هُوَ أَزْيَدُ مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ ” انتهى من ” جامع العلوم والحكم ” (2/ 49).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” ولننظر إلى المخيط غمس في البحر، فإذا نزعته لا ينقص البحر شيئا أبدا، ومثل هذه الصيغة يؤتى بها للمبالغة في عدم النقص … ” انتهى من ” مجموع فتاوى ابن عثيمين ” (8/ 250).
وقال رحمه الله – أيضا -:
هذا من باب تأكيد الشيء بما يشبه النفي، (ما نقص إلا …. ) تتوقع أنه سيأتي شيء بيِّن أنه ناقص، قال: إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر ” انتهى.
(إنما هي أعمالكم أحصيها لكم) المقصود أعمال الخير والشر فإن غلبنا أعمال الخير قيل أحصيها لكم وإن غلبنا أعمال الشر قيل أحصيها عليكم كما في بعض النسخ
(ثم أوفيكم إياها) في الكلام مضاف محذوف أي أوفيكم جزاءها.
(فمن وجد خيرا) أي من وجد في كتابه زيادة الحسنات على السيئات.
(فليحمد الله) أي فسيحمد الله الذي وفقه في الدنيا لعمله وشمله في الآخرة بعفوه
(ومن وجد غير ذلك) من زيادة السيئات على الحسنات
(فلا يلومن إلا نفسه) أي فسيلوم نفسه حيث لا ينفع اللوم ولا الندم
(إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه) إعلانا للتسليم بما في هذا الحديث مع الذلة والخضوع
—
(اتقوا الظلم) أي اجعلوا بينكم وبينه وقاية فلا تباشروه
(فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) قال القاضي قيل هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حين ترى المؤمنين يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم قال، ويحتمل أن المراد من الظلمات هنا الشدائد وبه فسروا قوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} الأنعام 63] أي شدائدها قال ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات اهـ
وعند أحمد (يا أيها الناس اتقوا الظلم … ) وفي رواية (إياكم والظلم) وفي رواية (أظلم الناس من ظلم لغيره)
(واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم) قيل: الشح أشد البخل وأبلغ في المنع من البخل وقيل: هو البخل مع الحرص وقيل: البخل في أفراد الأمور والشح بالمال والمعروف فهو أعم. وقيل: الشح الحرص على ما ليس عنده والبخل على ما عنده والأول أكثر استعمالا قال تعالى {{سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير}} [الأحزاب 19]
قال القاضي يحتمل: أن هذا الهلاك دنيوي بسفكهم دماءهم، ويحتمل: أنه هلاك الآخرة وهذا الثاني أظهر ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة اهـ أقول وهذا الأخير هو الأظهر فإن سفك الدماء هلاك في الدنيا والآخرة.
ومناسبة التحذير من الشح بعد التحذير من الظلم أن الشح نوع من الظلم فهو من قبيل ذكر الخاص بعد العام لمزيد عناية بالخاص والشح غالبا دافع الظلم فكلاهما ينشأ عن حب الذات وحب السيطرة وحب التملك.
والشحيح ظالم لنفسه وظالم لغيره؛
ظالم لنفسه ومجهدها ومتعبها؛ بالإفراط في الحرص وموبقها ومهلكها يوم القيامة ظالم لنفسه ببعثه الحقد والحسد والبغض في نفوس الآخرين حتى يصبح منبوذا في مجتمعه.
وظالم لغيره؛ بمنعه حق الغير في ماله وفي صحته وصنعته ففي كل عضو من أعضاء الإنسان صدقة يومية يعين أخاه ويحمل له أو يعمل ويتصدق أو يصنع لأخرق.
(حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم) هذه الجملة بيانية مستأنفة استئنافا بيانيا أو تعليليا فهي في جواب سؤال نشأ عن الجملة الأولى إن قدرناه كيف أهلكهم فهو بياني وإن قدرناه لم أهلكهم كان تعليليا والأول أوضح وضمير حملهم وفي استحلوا غير الضمير في دماءهم و محارمهم أي حمل بعضهم على سفك دماء بعض واستحل بعضهم محارم بعض ويحتمل المجاز فسفك الإنسان لدم أخيه كأنه سفك لدم نفسه واستحلاله لمحارم أخيه كأنه استحلال لمحارم نفسه
والمحارم جمع محرم بفتح الميم وسكون الحاء وهو صاحب الحرمة من النساء والرجال أي الذي يحرم التزوج به لرحمه وقرابته ويطلق على كل ما حرم الله
قلت سيف بن دوره: والمعنى الأخير له وجه في القرآن كما قال تعالى:
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَا ءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ)
[سورة البقرة 84]
(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) سبق قبل أربعة أبواب بلفظ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره
(من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) أي من صار معينا لأخيه كان الله في عونه
(ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة) قال النووي يدخل في كشف الكربة وتفريجها من يزيلها بماله أو جاهه أو يساعده على تفريجها قال والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته ورأيه ودلالته ونصحه.
(ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) ستر المسلم يشمل كل ما سبق يشمل ستره عن الإهانة والذلة فلا يظلمه ولا يخذله و يكشف عوزه وضيقه وحاجته وكربه كما يشمل ستره عن الزلات وعدم كشف سوءاته وسيئاته.
وخص النووي لفظ مسلم فجعل المراد منه مسلما مطيعا غير معروف بالعصيان، فقال: وأما الستر المندوب إليه هنا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد
قال: فأما المعروف بذلك فيستحب ألا يستر عليه بل ترفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة؛ لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والإفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله
قال هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت، أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك، ولا يحل تأخيرها فإن عجز لزمه رفعها إلى ولي الأمر إذا لم يترتب على ذلك مفسدة. اهـ
وعندي أن هناك فرقا بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين الستر، وكل منهما مأمور به، وبينهما عموم وخصوص مطلق، فيجتمعان في الستر وعدم الإشاعة مع الأمر بالمعروف بينه وبينه؛ لأن النصيحة في الملأ فضيحة، وينفرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون الستر في الجهر به وكشف سره ونصحه أمام الناس أو رفع أمره إلى الحاكم مع إمكان الإصلاح دون كشف وينفرد الستر كثيرا حتى يصل إلى اللامبالاة.
(أتدرون ما المفلس) الاستفهام للتقرير وإخراج الجواب من المخاطب ليبني عليه الحكم المراد، ولما كان المقصود السؤال عن الوصف وليس عن الذات عبر بـ (ما) بدل (من)
(قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع) أجابوا بأوصاف المفلس في العادة والعرف الدنيوي
(فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة) من أمتي، ليس قيدا للاحتراز فالأمر كذلك في جميع الديانات.
قال النووي معناه …. وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام والمعدوم الإعدام القاطع فتؤخذ حسناته لغرمائه فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه ثم ألقي في النار، فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه اهـ
وليس مقصود الحديث نفي الإفلاس عمن لا درهم عنده بل نفي الكمال، والحقيقة التي تستحق هذا الوصف كحديث: (ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
(بصلاة وصيام وزكاة) هذا ليس للحصر بل هو تمثيل يشمل جميع الطاعات
(ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا) وهذا تمثيل أيضا والمقصود جميع حقوق العباد
(فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته) قال العلماء المراد بالحسنات هنا الثواب عليها وسيأتي في فقه الحديث مزيد إيضاح
(فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه) يقضي بضم الياء وسكون القاف وفتح الضاد مبني للمجهول
(ثم طرح في النار) لفناء الحسنات وزيادة الخطايا وسيأتي في فقه الحديث مزيد إيضاح
—-
(لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة) اللام في جواب قسم مقدر أي والله ليؤدين كل واحد منكم حقوق الآخرين يوم القيامة والخطاب للخلائق
(حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) الجلحاء بجيم ثم حاء بينهما لام وهي الجماء التي لا قرن لها والمراد يقاد ويقتص من القرناء التي نطحت في الدنيا أختها التي لا قرن لها وللمسألة مزيد إيضاح في فقه الحديث والمقصود إبراز القصاص بين المكلفين في صورة التأكيد والمبالغة لأنه إذا حصل القصاص بين ما لا تكليف عليه حصل بين المكلفين من باب أولى
—
(إن الله يملي للظالم) أي يمهله ويؤخر عقابه ويطيل في مدة عدم معاقبته وهو مشتق من الملوة بضم الميم وكسرها وفتحها وهي المدة يقال أقام عنده ملوة من الدهر وفي القرآن الكريم {واهجرني مليا} [مريم 46] أي زمنا ومدة
(فإذا أخذه لم يفلته) أي لم يطلقه ولم ينفلت منه أي لم يجعله ينفلت يقال أفلته إذا أطلقه. [فتح المنعم، بتصرف يسير]
ثانيًا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولي):
1) تعريف الظلم: معنى الظلم لغةً:
أصل الظلم: الجور ومجاوزة الحد، يقال: ظَلَمه، يَظْلِمُه ظَلْمًا، وظُلْمًا، ومَظْلمةً، فالظَّلْمُ مَصْدرٌ حقيقيٌّ، والظُّلم الاسم، وهو ظالم وظَلوم. وأصل الظلم، وضع الشيء في غير موضعه. [6101] ((النهاية)) لابن الأثير (3/ 161)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (ص 1134)، ((المصباح المنير)) للفيومي (ص 146).
معنى الظلم اصطلاحًا:
هو: (وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إمَّا بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدول عن وقته أو مكانه).
وقيل: (هو عبارة عن التعدِّي عن الحق إلى الباطل وهو الجور. وقيل: هو التصرُّف في ملك الغير، ومجاوزة الحد).
انظر: ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب الأصفهاني (537)، و ((التعريفات)) للجرجاني (ص 186).
2) الفرق بين الظلم ومترادفاته
– الفرق بين الجور والظلم: (الجور خلاف الاستقامة في الحكم، وفي السيرة السلطانية تقول: جار الحاكم في حكمه، والسلطان في سيرته، إذا فارق الاستقامة في ذلك. والظلم ضرر لا يستحق ولا يعقب عوضًا، سواء كان من سلطان، أو حاكم، أو غيرهما، ألا ترى أنَّ خيانة الدانق والدرهم تسمَّى ظلمًا، ولا تسمى جورًا، فإن أخذ ذلك على وجه القهر أو الميل سمِّي جورًا وهذا واضح، وأصل الظلم نقصان الحق، والجور العدول عن الحق، من قولنا: جار عن الطريق. إذا عدل عنه، وخلف بين النقيضين، فقيل في نقيض الظلم الإنصاف، وهو إعطاء الحق على التمام، وفي نقيض الجور العدل، وهو العدول بالفعل إلى الحق) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 385).
– الفرق بين الغشم والظلم: (الغشم كره الظلم، وعمومه توصف به الولاة؛ لأنَّ ظلمهم يعمُّ، ولا يكاد يقال غشمني في المعاملة، كما يقال: ظلمني فيها، وفي المثل: وَالٍ غشوم خير من فتنة تدوم، وقال أبو بكر: الغشم اعتسافك الشيء، ثم قال: يقال: غشم السلطان الرعية يغشمهم، قال الشيخ أبو هلال رحمه الله: الاعتساف خبط الطريق على غير هداية، فكأنه جعل الغشم ظلما يجري على غير طرائق الظلم المعهودة) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 172).
– الفرق بين الهضم والظلم: (أن الهضم نقصان بعض الحق ولا يقال لمن أخذ جميع حقه قد هضم. والظلم يكون في البعض والكل، وفي القرآن فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه:112]، أي: لا يمنع حقه ولا بعض حقه، وأصل الهضم في العربية النقصان، ومنه قيل للمنخفض من الأرض: هضم. والجمع أهضام) ((الفروق اللغوية)) لأبي هلال العسكري (ص 557).
3) ذم الظلم والنهي عنه. أولاً: ذم الظلم والنهي عنه في القرآن الكريم
الآيات الواردة في ذم الظلم والظالمين كثيرة ومتنوعة فمنها:
– آيات وردت في تنزيه الله تعالى نفسه عن الظلم، قال تعالى: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ [غافر: 31]، وقال: وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت: 46]، وقال: وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ [آل عمران: 108]،
(أي: ليس بظالم لهم بل هو الحَكَم العدل الذي لا يجور؛ لأنه القادر على كل شيء، العالم بكل شيء، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدًا من خلقه؛ ولهذا قال: وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، أي: الجميع ملْك له وعبيد له. وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:109]، أي: هو المتصرف في الدنيا والآخرة، الحاكم في الدنيا والآخرة)
– وقال سبحانه: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40]، وقال: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس: 44].
قال القرطبي: (أي لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة، بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها. والمراد من الكلام أنَّ الله تعالى لا يظلم قليلًا ولا كثيرًا)
– آيات تتحدث عن إهلاك الله تعالى للظالمين، وتوعدهم بعقوبات في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102]، (يقول تعالى: وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بنظائرهم وأشباههم وأمثالهم، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)
– وقوله تعالى: وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ [سبأ: 42]، وقال الله تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر: 18].
(أي: ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كلِّ خير)
– وقال تعالى: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [الحج:71]، أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]، وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ [الزمر:24]، إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 21]، وقال: إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51].
– آيات جاء فيها وصف المعاصي بالظلم: ومنها قوله تعالى: وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق: 1]، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء: 10].
—
ثانيًا: ذم الظلم والنهي عنه في السنة النبوية
– عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا … )) رواه مسلم (2577).
قال ابن تيمية: (هذا الحديث قد تضمن من قواعد الدين العظيمة في العلوم والأعمال والأصول والفروع؛ فإن تلك الجملة الأولى وهي قوله: ((حرمت الظلم على نفسي)). يتضمن جلَّ مسائل الصفات والقدر إذا أعطيت حقَّها من التفسير، وإنما ذكرنا فيها ما لا بدَّ من التنبيه عليه من أوائل النكت الجامعة. وأما هذه الجملة الثانية وهي قوله: ((وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)). فإنها تجمع الدين كله؛ فإنَّ ما نهى الله عنه راجع إلى الظلم، وكل ما أمر به راجع إلى العدل) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (18/ 157).
– وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم قِيد شبر من الأرض طُوِّقه من سبع أرضين)) رواه البخاري (2453)، ومسلم (1612).
– وعن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((اتَّقوا الظلم … )) رواه مسلم (2578).
قال ابن القيم: (سبحان الله! كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم، وجرت دمعة مسكين كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ [المرسلات: 46]، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص:88]، ما ابيضَّ لون رغيفهم حتى اسود لون ضعيفهم، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه، لا تحتقر دعاء المظلوم، فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك نبال أدعيته مصيبة، وإن تأخر الوقت، قوسه قلبه المقروح، ووتره سواد الليل، وأستاذه صاحب ((لأنصرنك ولو بعد حين)) وقد رأيت ولكن لست تعتبر، احذر عداوة من ينام وطرفه باكٍ، يقلب وجهه في السماء، يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك، فربما ولعلها إذا كانت راحة اللذة تثمر ثمرة العقوبة لم يحسن تناولها، ما تساوي لذة سنة غمَّ ساعة، فكيف والأمر بالعكس، كم في يمِّ الغرور من تمساح، فاحذر يا غائص، ستعلم أيها الغريم قصتك عند علق الغرماء بك:
إذا التقى كل ذي دَين وماطله ستعلم ليلى أي دين تداينت. من لم يتتبع بمنقاش العدل شوك الظلم من أيدي التصرف أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب) ((بدائع الفوائد)) (3/ 762).
– وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله ليُملي للظالم … هود: 102])) رواه البخاري (4686). ومسلم
قال ابن عثيمين: ( … ((يملي له)) يعني: يمهل له حتى يتمادى في ظلمه، والعياذ بالله، فلا يعجل له العقوبة، وهذا من البلاء نسأل الله أن يعيذنا وإياكم، فمن الاستدراج أن يُمْلَي للإنسان في ظلمه، فلا يعاقب له سريعًا حتى تتكدس على الإنسان المظالم، فإذا أخذه الله لم يفلته، أخذه أخذ عزيز مقتدر، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102]، فعلى الإنسان الظالم أن لا يغترَّ بنفسه، ولا بإملاء الله له، فإنَّ ذلك مصيبة فوق مصيبته؛ لأنَّ الإنسان إذا عُوقِب بالظلم عاجلًا، فربما يتذكر ويتعظ ويدع الظلم، لكن إذا أُملي له واكتسب آثامًا، أو ازداد ظلمًا ازدادت عقوبته، والعياذ بالله، فيُؤخذ على غرَّة حتى إذا أخذه الله لم يُفلته) ((شرح رياض الصالحين)) (2/ 498).
=====
أقوال السلف والعلماء في الظلم:- قال معاوية رضي الله عنه: (إني لأستحي أن أظلم من لا يجد عليَّ ناصرًا إلا الله) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/ 30).
– وقال رجل عند أبي هريرة: (إنَّ الظالم لا يظلم إلا نفسه، فقال أبو هريرة: كذبت، والذي نفس أبي هريرة بيده، إنَّ الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم) رواه ابن أبي الدنيا في ((العقوبات)) (ص 178)، والطبري في ((تفسيره)) (17/ 231).
– (وكتب إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله بعض عماله يستأذنه في تحصين مدينته. فكتب إليه: حصنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/ 31).
– (ودخل طاوس اليماني على هشام بن عبد الملك فقال له: اتق يوم الأذان؛ قال هشام: وما يوم الأذان؟ قال: قوله تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44]، فصعق هشام، فقال طاوس: هذا ذلُّ الصفة، فكيف المعاينة؟) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/ 124).
– (وقال المهدي للربيع بن أبي الجهم، وهو والي أرض فارس: يا ربيع، آثر الحق، والزم القصد، وابسط العدل، وارفق بالرعية، واعلم أنَّ أعدل الناس من أنصف من نفسه، وأظلمهم من ظلم الناس لغيره) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/ 31).
– (وقال ابن أبي الزناد: عن هشام بن عروة قال: استعمل ابن عامر عمرو ابن أصبغ على الأهواز، فلما عزله، قال له: ما جئت به؟ قال له: ما معي إلا مائة درهم وأثواب. قال: كيف ذلك؟ قال: أرسلتني إلى بلد أهله رجلان: رجل مسلم له ما لي، وعليه ما عليَّ، ورجل له ذمة الله ورسوله، فوالله ما دريت أين أضع يدي. قال: فأعطاه عشرين ألفًا) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/ 31).
– وكان شريح القاضي يقول: (سيعلم الظالمون حقَّ من انتقصوا، إنَّ الظالم لينتظر العقاب، والمظلوم ينتظر النصر والثواب) ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) لابن حجر الهيتمي (2/ 124).
– وقال جعفر بن يحيى: (الخراج عمود الملك، وما استغزر بمثل العدل، وما استنزر بمثل الظلم) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (1/ 31).
—-
4) آثار الظلم
1 – الظالم مصروف عن الهداية:
قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51].
2 – الظالم لا يفلح أبدًا:
قال تعالى: (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام:21].
3 – الظالم عليه اللعنة من الله:
يقول الله عزَّ وجلَّ: (يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [غافر: 52].
4 – الظالم يحرم من الشفاعة:
قال تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ) [غافر: 18]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكل غالٍ مارق)) (1).
5 – تصيبه دعوة المظلوم ولا تخطئه:
قال عليه الصلاة والسلام: ((واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) (2).
6 – بالظلم يرتفع الأمن:
قال الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82].
7 – الظلم سبب للبلاء والعقاب: قال تعالى: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ) [الحج:45].
وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102].وقال سبحانه: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) [الكهف: 59].
8 – توعد الظالم بدخول النار:
عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة)) رواه البخاري (3118). قال ابن حجر: (قوله يتخوضون- بالمعجمتين- في مال الله بغير حق، أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل) ((فتح الباري)) (6/ 219).
5) أقسام الظلم.
(الظلم ثلاثة: الأول، ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه: الكفر، والشرك، والنفاق، ولذلك قال: (.إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13]، وإياه قصد بقوله: (أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود:18]، (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [الإنسان: 31]، في آي كثيرة، وقال: (.فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ) [الزمر: 32]، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا) [الأنعام: 93].
والثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله: (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) إلى قوله: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الآية وبقوله: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) [الشورى: 42]، وبقوله: (وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا) [الإسراء: 33].
والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ) [فاطر: 32]، وقوله: (ظَلَمْتُ نَفْسِي) [النمل: 44]، (إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ) [النساء:64]، (فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) [البقرة:35]، أي: من الظالمين أنفسهم، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231].
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس؛ فإنَّ الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذا الظالم أبدًا مبتدئ في الظلم، ولهذا قال تعالى في غير موضع: (.وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [النحل:33]، (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة:57]، وقوله: (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) [الأنعام:82]) ((مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب الأصفهاني (537 – 538).
—-
6) صور الظلم.
لا شكَّ أنَّ الظلم له صور كثيرة، وسنقتصر على ذكر بعضها حتى نكون منها على حذر، وهذه الصور منها:
أولًا: ظلم العبد نفسه
1 – أعظمه الشرك بالله:
قال تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13].
قال ابن تيمية: (ومما ينبغي أن يُعلم أنَّ كثيرًا من الناس لا يعلمون كون الشرك من الظلم، وأنَّه لا ظلم إلا ظلم الحكام أو ظلم العبد نفسه، وإن علموا ذلك من جهة الاتباع، والتقليد للكتاب، والسنة، والإجماع، لم يفهموا وجه ذلك، ولذلك لم يسبق ذلك إلى فهم جماعة من الصحابة لما سمعوا قوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) [الأنعام:82]، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنهم قالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟! فقال رسول الله: ((ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؟)). وذلك أنهم ظنُّوا أنَّ الظلم- كما حدَّه طائفة من المتكلمين- هو إضرار غير مستحقٍّ، ولا يرون الظلم إلا ما فيه إضرار بالمظلوم، إن كان المراد أنهم لن يضروا دين الله وعباده المؤمنين، فإنَّ ضرر دين الله وضرر المؤمنين بالشرك والمعاصي أبلغ وأبلغ) ((جامع المسائل)) (6/ 235).
2 – التعدِّي على حدود الله: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:229].
قال ابن جرير: (تلك معالم فصوله، بين ما أحل لكم، وما حرم عليكم أيها الناس، قلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال، إلى ما حرم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته، وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا)، هذه الأشياء التي بينت لكم في هذه الآيات التي مضت: من نكاح المشركات الوثنيات، وإنكاح المشركين المسلمات، وإتيان النساء في المحيض، وما قد بين في الآيات الماضية قبل قوله: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ)، مما أحل لعباده وحرم عليهم، وما أمر ونهى) ((جامع البيان)) للطبري (4/ 583).
3 – الصدُّ عن مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه:
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة: 114].
قال ابن جرير: (وأي امرئ أشد تعديًا وجراءة على الله وخلافًا لأمره، من امرئ منع مساجد الله أن يعبد الله فيها) ((جامع البيان)) للطبري (2/ 519).
4 – كتم الشهادة:
قال تعالى: (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 140].
قال السعدي: (فهي شهادة عندهم، مودعة من الله، لا من الخلق، فيقتضي الاهتمام بإقامتها، فكتموها، وأظهروا ضدها، جمعوا بين كتم الحق، وعدم النطق به، وإظهار الباطل، والدعوة إليه، أليس هذا أعظم الظلم؟ بلى والله، وسيعاقبهم عليه أشد العقوبة) ((تيسير الكريم الرحمن)) (69).
5 – الإعراض عن آيات الله بتعطيل أحكامها:
(.وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) [الكهف: 57].
قال ابن كثير: (يقول تعالى: وأي عباد الله أظلم ممن ذكر بآيات الله فأعرض عنها، أي: تناساها وأعرض عنها، ولم يصغ لها، ولا ألقى إليها بالًا) ((تفسير القرآن العظيم)) (5/ 172).
6 – الكذب على الله:
قال تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 144].
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: (يقول: فمن أشد ظلمًا لنفسه، وأبعد عن الحق ممن تخرص على الله قيل الكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرم، وتحليل ما لم يحلل) ((جامع البيان)) (12/ 189).
ثانيًا: ظلم العباد بعضهم لبعض
وظلم العباد بعضهم لبعض أنواع، وهو أشهر أنواع الظلم وأكثرها. قال سفيان الثوري: (إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنبًا فيما بينك وبين الله تعالى؛ أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد) ((تنبيه الغافلين)) للسمرقندي (ص 380).
ويمكن تقسيمه إلى ظلم قولي، وظلم فعلي:
من صور الظلم القولي:
التعرض إلى الناس بالغيبة، والنَّمِيمَة، والسباب والشتم، والاحتقار، والتنابز بالألقاب، والسخرية، والاستهزاء، والقذف، … ونحو ذلك.
من صور الظلم الفعلي:
1 – القتل بغير حق:
قال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [الإسراء: 33].
قال السعدي في تفسير قوله تعالاوَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ. (وهي: النفس المسلمة، من ذكر وأنثى، صغير وكبير، بر وفاجر، والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق. إِلاَّ بِالحَقِّ كالزاني المحصن، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة … وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا أي: بغير حق فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ وهو أقرب عصباته وورثته إليه سُلْطَانًا أي: حجة ظاهرة على القصاص من القاتل)
2 – الظلم الواقع على المسلمين بسبب تمسكهم بدينهم.
3 – أخذ أرض الغير أو شيء منها:
قال صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا؛ فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين)).
وفي هذا الحديث (التحذير الشديد من السطو على أرض الغير وأخذ شيء منها ظلمًا، والوعيد الشديد لمن فعل ذلك بالخسف به يوم القيامة) ((منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري)) (4/ 150).
4 – الظلم الواقع في الأُسَر:
ومنه:- ظلم الأولاد لوالديهما بعقوقهما.
– ظلم الأزواج لزوجاتهم في حقهنَّ سواء كان صداقًا، أو نفقةً، أو كسوةً.
– ظلم الزوجات لأزواجهنَّ بتقصيرهن في حقهم، وتنكُّر فضلهم.
– ظلم البنات بعضلهنَّ عن الزواج. قال تعالى: (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) [النساء: 19].
(العضل: التضييق، والمنع، والشدة … والمعنى: لا يحل لكم إرث النساء، ولا عضلهن، أي ولا التضييق عليهن، لأجل أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهن، أي أعطيتموهن من ميراث، أو صداق، أو غير ذلك. والخطاب لمجموع المؤمنين لتكافلهم فيصدق بما أعطوه للنساء من ميراث، ومهر زواج، وغير ذلك، وجعله بعضهم للأزواج، وبعضهم للورثة، وكل منهم كان يعضل النساء)
– الدعاء على الأولاد، والقسوة في التعامل معهم.
– تَفضيل بعض الأولاد على بعض:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: ((سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: ألك ولد سواه؟ قال: نعم، قال: فأراه قال: لا تشهدني على جور))
5 – ظلم أصحاب الولايات والمناصب:
ومنه:
– نبذ كتاب الله وتحكيم القوانين الوضعية.
– عدم إعطاء الرعية حقوقهم.
– تقديم شخص في وظيفة ما وهناك من هو أكفأ منه وأقدر على العمل.
6 – ظلم العمال:
ومنه:
– أن يعمل له عمل ولا يعطيه أجره:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره)) خ.
– أن يبخسه حقوقَه أو أن يؤخرها عن وقتها.
– تكليفه بأمور غير ما اتفق عليها معه، أو بأمور لم تجرِ العادة تكليفه بها:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)) خ.
7 – أكل مال الغير بغير حق:
وهو أنواع ومنه:
أ- أكل أموال الناس بالباطل:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا) [النساء: 29 – 30]
(ينادي الله تعالى عباده المؤمنين بعنوان الإيمان فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. وينهاهم عن أكل أموالهم بينهم بالباطل بالسرقة أو الغش أو القمار أو الربا وما إلى ذلك من وجوه التحريم العديدة فيقول: لاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، أي: بغير عوض مباح، أو طيب نفس، ثم يستثني ما كان حاصلًا عن تجارة قائمة على مبدأ التراضي بين البيعين لحديث: ((إنما البيع عن تراض)) و ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا))
ب- أكل أموال الضعفاء كاليتامى:
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)، [النساء: 10].
يقول الفخر الرازي: (اعلم أنه تعالى أكد الوعيد في أكل مال اليتيم ظلمًا، وقد كثر الوعيد في هذه الآيات مرة بعد أخرى على من يفعل ذلك، كقوله: (وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) [النساء: 2]. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا [النساء: 9] ثم ذكر بعدها هذه الآية مفردة في وعيد من يأكل أموالهم، وذلك كله رحمة من الله تعالى باليتامى؛ لأنهم لكمال ضعفهم وعجزهم استحقوا من الله مزيد العناية والكرامة، وما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته وكثرة عفوه وفضله؛ لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى).
ج- الرِّبا:
قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء: 160 – 161].
د- الرشوة:
قال صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله الرَّاشي والمرتشي)) رواه أحمد (2/ 387) (9019)، وابن حبان (11/ 467) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. جوَّد إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/ 195)، وقال ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/ 430): صححه الأئمة، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (5093).
يقول المناوي: (الرشوة على تبديل أحكام الله إنما هي خصلة نشأت من اليهود المستحقين اللعنة، فإذا سرت الخصلتان إلى أهل الإسلام استحقوا من اللعن ما استحقه اليهود).
هـ- الغشُّ في المعاملات:
قال صلى الله عليه وسلم: ((من غشَّنا فليس منا)).
قال المناوي معلقًا على هذا الحديث: (أي ليس على منهاجنا؛ لأن وصف المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وطريقته الزهد في الدنيا والرغبة فيها، وعدم الشره والطمع الباعثين علي الغش)
ويقول ابن حجر الهيتمي: (ليتأمل الغشاش بخصوصه قوله صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا)) يعلم أن أمر الغش عظيم، وأن عاقبته وخيمة جدًّا فإنه ربما أدت إلى الخروج عن الإسلام والعياذ بالله تعالى، فإن الغالب أنه صلى الله عليه وسلم لا يقول ليس منا إلا في شيء قبيح جدًّا يؤدي بصاحبه إلى أمر خطير ويخشى منه الكفر، فإن لمن يعرض دينه إلى زوال ويسمع قوله صلى الله عليه وسلم: ((من غش فليس منا))، ولا ينتهي عن الغش إيثارًا لمحبة الدنيا على الدين ورضا بسلوك سبيل الضالين)
و- الميسر:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 90 إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة:90 – 91].
ز- الغلول:
قال تعالى: (وَمَن يَغْلُلْ يَاتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [آل عمران: 161].
(الغلول هو: الكتمان من الغنيمة، والخيانة في كل مال يتولاه الإنسان وهو محرم إجماعا، بل هو من الكبائر، كما تدل عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص …. : وَمَن يَغْلُلْ يَاتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي: يأت به حامله على ظهره، حيوانا كان أو متاعا، أو غير ذلك، ليعذب به يوم القيامة …. ).
ح- الهدايا التي تهدى للموظف بسبب وظيفته:
عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: ((استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا. ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولَّاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحدًا منكم شيئًا بغير حقِّه، إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلَأَعرفنَّ أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاةً تيعر. ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول: اللهم! هل بلغت، بصر عيني وسمع أذني))
التحذير من دعوة المظلوم:
قال صلى الله عليه وسلم: ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).
(أي: مانع بل هي معروضة عليه تعالى. قال السيوطي: أي ليس لها ما يصرفها ولو كان المظلوم فيه ما يقتضي أنه لا يستجاب لمثله من كون مطعمه حرامًا أو نحو ذلك، حتى ورد في بعض طرقه (وإن كان كافرًا) رواه أحمد من حديث أنس. قال ابن العربي: ليس بين الله وبين شيء حجاب عن قدرته، وعلمه، وإرادته، وسمعه، وبصره، ولا يخفى عليه شيء، وإذا أخبر عن شيء أنَّ بينه وبينه حجابًا، فإنما يريد منعه).
ولربما تأخرت إجابة الدعوة، ولكن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، قال سبحانه: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) [إبراهيم:42 – 43].
وقال ميمون بن مهران: في قوله تبارك وتعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ). قال: (تعزية للمظلوم، ووعيد للظالم)
(وقيل: لما حبس بعض البرامكة وولده قال: يا أبت، بعد العزِّ صرنا في القيد والحبس.
فقال: يا بني، دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها، ولم يغفل الله عزَّ وجلَّ عنها)
(وكان يزيد بن حكيم يقول: ما هبت أحدًا قطُّ هيبتي رجلًا ظلمته، وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله، يقول لي: حسبي الله، الله بيني وبينك)
وقيل لإبراهيم بن نصر الكرماني: (إنَّ القرمطي دخل مكة، وقتل فيها، وفعل، وصنع، وقد كثر الدعاء عليه، فلم يستجب للداعين؟ فقال: لأن فيهم عشر خصال، فكيف يستجاب لهم؟ فقلت: وما هنَّ؟ قال: أوَّلهنَّ: أقرُّوا بالله وتركوا أمره، والثاني: قالوا: نحبُّ الرَّسول، ولم يتبعوا سنته، والثالث: قرؤوا القرآن ولم يعملوا به، والرابع: قالوا: نحبُّ الجنَّة، وتركوا طريقها، والخامس: قالوا: نكره النَّار، وزاحموا طريقها، والسادس: قالوا: إنَّ إبليس عدُّونا، فوافقوه، والسابع: دفنوا أمواتهم فلم يعتبروا، والثَّامن: اشتغلوا بعيوب إخوانهم ونسوا عيوبهم، والتَّاسع: جمعوا المال ونسوا الحساب، والعاشر: نقضوا القبور وبنوا القصور) ((مختصر تاريخ دمشق)) لابن منظور (4/ 169).
7) معاونة الظالم على ظلمه
من يعين الظالم فهو ظالم مثله، ومشارك له في الإثم:
الظلم من الإثم والعدوان والله سبحانه وتعالى أمر بالتعاون على البرِّ والتقوى، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان فقال: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2]. وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال: ((لَعَن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وموكله وَكَاتِبَه وَشَاهِدَيْه وقال: هُم سَواء)) رواه مسلم (1598).
قال النووي: (هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين والشهادة عليهما وفيه: تحريم الإعانة على الباطل) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (11/ 36).
وقال ميمون بن مهران: (الظالم، والمعين على الظلم، والمحب له سواء) ((مساوئ الأخلاق)) للخرائطي (ص 220).
8) هل للظالم توبة؟
باب التوبة مفتوح لكل من عصى الله إذا توفرت شروطها، قال تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا) [النساء:110]. وقال تعالى: (فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة:39].
شروط التوبة كما ذكرها العلماء:
– أن يقلع عن الذنب.
– وأن يندم على ما قد مضى.
– وأن يعزم في المستقبل على ألا يعود إليه.
– وإذا كان الأمر يتعلق بحقوق الآدميين، سواء بأموالهم، أو أعراضهم، أو أبدانهم، فعليه أن يطلب المسامحة ممن له عليه حق، أو يؤدي الحقوق إلى أهلها.
قال ابن القيم: (والظلم عند الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئًا، وهو الشرك به، فإن الله لا يغفر أن يُشْرَك به. وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئًا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضًا، فإن الله تعالى يستوفيه كله. وديوان لا يعبأ الله به شيئًا، وهو ظلم العبد نفسه بينه
وبين ربه عزَّ وجلَّ، فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محوًا، فإنه يُمحى بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، ونحو ذلك. بخلاف ديوان الشرك؛ فإنه لا يُمحى إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يُمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها واستحلالهم منها) ((الوابل الصيب)) (1/ 24).
فمن ابتلي بشيء من الظلم، والتسلط على الناس سواء كان بأخذ مال، أو بغيره من أنواع الظلم، فليتحلل منه في هذه الدنيا الفانية، فليس في الآخرة دينار ولا درهم، وإنما هي الحسنات والسيئات يؤخذ من حسناته بقدر مظلمته ويعطى للمظلوم، فإن نفدت حسناته أُخذ من سيئات المظلوم وحمله الظالم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) خ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) م.
وعن عبد الله بن أنيس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلًا بهمًا، فيناديهم مناد بصوت يسمعه مَن بعُد كما يسمعه مَن قرُب: أنا الملك، أنا الديَّان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، حتى اللطمة فما فوقها، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة، حتى اللطمة فما فوقها وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، قلنا: يا رسول الله، كيف وإنما نأتي حفاة عراة غرلًا بهمًا؟ قال: بالحسنات والسيئات جزاءً وفاقًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)) [رواه أحمد (3/ 495) (16085)، والحاكم (2/ 475)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (8/ 265). وحسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 218)، والعراقي في تخريجه للإحياء (5/ 283)، والهيثمي في ((المجمع)) (10/ 354)، وحسنه ابن القيم كما في ((مختصر الصواعق المرسلة)) (489)]
وقال أبو الزناد: (كان عمرُ بنُ عبد العزيز يردُّ المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة، كان يكتفي باليسير، إذا عرف وجه مَظْلِمةِ الرَّجُلِ ردَّها عليه، ولم يكلِّفْه تحقيق البيِّنة، لما يعرف من غشم الوُلاة قبله على الناس، ولقد أنفد بيت مال العراق في ردِّ المظالم حتى حُمِلَ إليها من الشَّام) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (ص 241).
وذكر صاحب (العقد الفريد) قصةً للمأمون: (وأنه جلس يومًا لردِّ المظالم، فكان آخر من تقدم إليه – وقد همَّ بالقيام – امرأة عليها هيئة السفر، وعليها ثياب رثَّة، فوقفت بين يديه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم. فقال لها يحيى: وعليك السلام يا أمة الله، تكلَّمي بحاجتك. فقالت:
يا خير منتصف يهدى له الرشد ويا إمامًا به قد أشرق البلد
تشكو إليك عميد القوم أرملة عدى عليها فلم يترك لها سبد
وابتز مني ضياعي بعد منعتها ظلمًا وفرق مني الأهل والولد
فأطرق المأمون حينًا، ثم رفع رأسه إليها وهو يقول:
في دون ما قلت زال الصبر والجلد عني وأقرح مني القلب والكبد
هذا أذان صلاة العصر فانصرفي وأحضري الخصم في اليوم الذي أعد
فالمجلس السبت إن يقض الجلوس لنا ننصفك منه وإلا المجلس الأحد
قال: فلما كان يوم الأحد جلس، فكان أول من تقدم إليه تلك المرأة، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليك السلام ثم قال: أين الخصم؟ فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين – وأومأت إلى العباس ابنه – فقال: يا أحمد بن أبي خالد، خذ بيده فأجلسه معها مجلس الخصوم. فجعل كلامها يعلو كلام العباس. فقال لها أحمد بن أبي خالد: يا أمة الله، إنك بين يدي أمير المؤمنين، وإنك تكلمين الأمير، فاخفضي من صوتك. فقال المأمون: دعها يا أحمد، فإنَّ الحق أنطقها والباطل أخرسه. ثم قضى لها برد ضيعتها إليها، وظلم العباس بظلمه لها، وأمر بالكتاب لها إلى العامل الذي ببلدها أن يوغر لها ضيعتها، ويحسن معاونتها، وأمر لها بنفقة).
قصص في الظلم … عبر وعظات:
1 – من القصص في الظلم التي حدثت في زمن الصحابة، قصة الرجل الذي ظلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فدعا عليه سعد، وقد كان مستجاب الدعوة، فاستجاب الله دعاءه، والقصة كما رواها البخاري في (صحيحه) عن جابر بن سمرة، قال: (شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر، رضي الله عنه، فعزله، واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا، حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إنَّ هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي؟ قال أبو إسحاق: أما أنا والله، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه، رجلًا، أو رجالًا، إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له: أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، قال: أما إذ نشدتنا، فإنَّ سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياءً وسمعةً، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهنَّ) رواه البخاري (755) ..
2 – ومنها أيضًا: قصة سعيد بن زيد رضي الله عنه، فقد روى مسلم في (صحيحه): ((أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنَّه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم. فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا طُوِّقه إلى سبع أرضين. فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا. فقال اللهم إن كانت كاذبة فعمِّ بصرها، واقتلها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت)).
3 – قصة أوردها الهيثمي في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) قال:
(وقال بعضهم: رأيت رجلًا مقطوع اليد من الكتف، وهو ينادي من رآني فلا يظلمنَّ أحدًا، فتقدمت إليه وقلت له: يا أخي ما قصتك؟ فقال: يا أخي قصتي عجيبة، وذلك أني كنت من أعوان الظلمة، فرأيت يومًا صيادًا قد اصطاد سمكة كبيرة، فأعجبتني، فجئت إليه فقلت: أعطني هذه السمكة. فقال: لا أعطيكها، أنا آخذ بثمنها قوتًا لعيالي. فضربته وأخذتها منه قهرًا، ومضيت بها، قال: فبينما أنا ماشٍ بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية، فلما جئت بها إلى بيتي، وألقيتها من يدي ضربت علي إبهامي، وآلمتني ألمًا شديدًا، حتى لم أنم من شدة الوجع، وورمت يدي، فلما أصبحت أتيت الطبيب، وشكوت إليه الألم، فقال: هذه بدو أكلة، اقطعها وإلا تلفت يدك كلُّها، فقطعت إبهامي ثم ضربت يدي، فلم أطق النوم ولا القرار من شدة الألم، فقيل لي: اقطع كفك. فقطعتها، وانتشر الألم إلى الساعد، وآلمني ألما شديدًا، ولم أطق النوم ولا القرار، وجعلت أستغيث من شدة الألم، فقيل لي: اقطعها من المرفق. فانتشر الألم إلى العضد، وضربت علي عضدي أشد من الألم، فقيل لي: اقطع يدك من كتفك، وإلا سرى إلى جسدك كلِّه. فقطعتها، فقال لي بعض الناس: ما سبب ألمك؟ فذكرت له قصة السمكة، فقال لي: لو كنت رجعت من أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة، فاستحللت منه، واسترضيته ولا قطعت يدك، فاذهب الآن إليه، واطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك.
قال: فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته، فوقعت على رجليه أقبلهما وأبكي، وقلت: يا سيدي، سألتك بالله إلا ما عفوت عني. فقال لي: ومن أنت؟ فقلت: أنا الذي أخذت منك السمكة غصبًا. وذكرت له ما جرى وأريته يدي، فبكى حين رآها، ثم قال: يا أخي، قد حاللتك منها لما قد رأيت بك من هذا البلاء. فقلت له: بالله يا سيدي، هل كنت دعوت علي لما أخذتها منك؟ قال: نعم.
قلت: اللهم، هذا تقوَّى عليَّ بقوته على ضعفي، وأخذ مني ما رزقتني ظلمًا، فأرني فيه قدرتك. فقلت له: يا سيدي، قد أراك الله قدرته في، وأنا تائب إلى الله عزَّ وجلَّ عما كنت عليه).
4 – قصة تبين نهاية الظالمين، وهي أنَّ أحمد بن أبي دؤاد، ومحمد بن عبدالملك بن الزيات، وهرثمة، كانوا ممن ظلموا الإمام أحمد في محنة القول بخلق القرآن، فكانت نهايتهم كما ذكرها ابن كثير في (البداية والنهاية) قال: (دخل عبد العزيز بن يحيى الكتاني – صاحب كتاب الحيدة – على المتوكل وكان من خيار الخلفاء -لأنَّه أحسن الصنيع لأهل السنة، بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون، فإنهم أساؤوا إلى أهل السنة وقربوا أهل البدع والضلال من المعتزلة وغيرهم – فأمره أن ينزل جثة أحمد بن نصر ويدفنه ففعل، وقد كان المتوكل يكرم الإمام أحمد بن حنبل إكرامًا زائدًا جدًّا.
والمقصود أن عبد العزيز صاحب كتاب الحيدة قال للمتوكل: يا أمير المؤمنين ما رأيت أو ما رئي أعجب من أمر الواثق، قتل أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن.
فوجل المتوكل من كلامه، وساءه ما سمع في أخيه الواثق، فلما دخل عليه الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات قال له المتوكل: في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر.
فقال: يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرًا، ودخل عليه هرثمة فقال له في ذلك، فقال: قطعني الله إربًا إربًا إن قتله إلا كافرًا.
ودخل عليه القاضي أحمد بن أبي دؤاد، فقال له مثل ذلك فقال: ضربني الله بالفالج إن قتله الواثق إلا كافرًا.
قال المتوكل: فأما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار.
وأما هرثمة فإنه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحي، فقال: يا معشر خزاعة هذا الذي قتل ابن عمكم أحمد بن نصر فقطعوه. فقطعوه إربًا إربًا. وأما ابن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده – يعني بالفالج – ضربه الله قبل موته بأربع سنين، وصودر من صلب ماله بمال جزيل جدًّا) [((البداية والنهاية)) (10/ 337)].
9) ذم الظلم في واحة الشعر
قال أبو العتاهية: أمَا واللَّهِ إنَّ الظُّلمَ لؤمٌ ولكن المسيءُ هو الظلوم
إلى ديَّانِ يومِ الدِّينِ نمضي وعندَ اللهِ تجتمعُ الخصومُ
وقال آخر: وما مِن يدٍ إلَّا يدُ اللهِ فوقها وما ظالمٌ إلا سيبلَى بأظلمِ
قال محمود الورَّاق: اصبرْ على الظُّلمِ ولا تنتصرْ فالظُّلمُ مردودٌ على الظَّالمِ
وكِلْ إلى اللهِ ظلومًا فما ربِّي عن الظَّالمِ بالنَّائمِ
وقيل:
الظلمُ نارٌ فلا تحقرْ صغيرتَه لعلَّ جذوةَ نارٍ أحرقتْ بلدا
وقيل:
توقَّ دُعا المظلومِ إنَّ دعاءَه ليُرفعُ فوقَ السحبِ ثم يجابُ
توقَّ دُعا مَن ليس بينَ دعائِه وبينَ إلهِ العالمين حجابُ
وقال ابن القيم:
كذا دُعا المضطرِّ أيضًا صاعدٌ أبدًا إليه عندَ كلِّ أوانِ
وكذا دُعا المظلومِ أيضًا صاعدٌ حقًّا إليه قاطع الأكوانِ
وقال ابن الوردي:
إيَّاك مِن عسفِ الأنامِ وظلمِهم واحذرْ مِن الدعواتِ في الأسحارِ
وقال علي رضي الله عنه:
أدِّ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ واعدلْ ولا تظلمْ يطيبُ المكسبُ
واحذرْ مِن المظلومِ سهمًا صائبًا واعلمْ بأنَّ دعاءَه لا يُحجبُ
وقال آخر:
يا أيُّها الظَّالمُ في فعلِه فالظُّلمُ مردودٌ على من ظلمْ
إلى متى أنت وحتَّى متى تسلو المصيباتِ وتنسى النَّقمْ
وقال آخر:
لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدرًا فالظلمُ آخرُه يأتيك بالندمِ
نامتْ عيونُك والمظلومُ منتبهٌ يدعو عليك وعينُ اللهِ لم تنمِ
وأنشد أحمد بن الطيب:
ولا تعجلْ على أحدٍ بظلمٍ فإنَّ الظلمَ مرتعُه وخيمُ
وقال آخر:
إذا الظالمُ استحْسن الظلمَ مذهبًا ولجَّ عتوًّا في قبيحِ اكتسابِهِ
فكِلْه إلى رَيْبِ الزمانِ فإنَّهُ سيُبدي له ما لم يكنْ في حسابِه
فكم قد رأينا ظالمًا متجبرًا يرَى النجمَ تيهًا تحت ظِلِّ ركابِه
فلما تمادَى واستطال بظلمِه أناخَت صروفُ الحادثاتِ ببابِه
وعُوقِب بالظلمِ الذي كان يقْتفي وصَبَّ عليه الله سوطَ عذابِه
[انظر: موسوعة الأخلاق].
(المسألة الثانية):قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى في (رياض الصالحين): 79 من: (باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم) قَالَ الله تَعَالَى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18]، وقال تعالى: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [الحج:71].
وأمَّا الأحاديث: فمنها حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنها المتقدم في آخر باب المجاهدة.
1/ 203 – وعن جابرٍ رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: اتَّقُوا الظُّلْمَ … ْ رواه مسلم.
2/ 204 – وعن أَبِي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رسولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: لَتُؤَدَّنَّ الْحُقُوقُ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقيامَةِ حَتَّى يُقَادَ للشَّاةِ الْجَلْحَاء مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاء رواه مسلم.
3/ 205 – وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال: كُنَّا نَتحدَّثُ عَنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْن أَظْهُرِنَا، …. ألا إنَّ اللَّه حرَّم علَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بلدِكُمْ هذا، في شَهْرِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاثًا وَيْلَكُمْ –أَوْ: ويحكُمْ- انظُرُوا: لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ رواه البخاري، وروى مسلمٌ بعضه.
4/ 206 – وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ متفقٌ عليه”. انتهى.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز معلقًا: وتم جعل الاسئلة على كنقاط ”
التطويق الوارد في الحديث أن يجعل طوقًا في عنقه –نسأل الله العافية-.
س: ومَن قال أنه الخسف؟
وورد في اللفظ الآخر: خُسِفَ به، وجاء أنه الطوق، ولا مانع أن يُخسف به ويجعل طوقًا جميعًا –نسأل الله العافية.
والظلم عام، المسلمين وغير المسلمين، لكن في حقِّ المسلم أشدّ؛ لأنَّه يعرف حكم الله ويتدين بحكم الله، والكافر قد يكون جاهلًا، لا يفهم، وإلا فهم مخاطبون بفروع الشريعة، ويُعذَّبون على معاصيهم وسيئاتهم مع الشرك -نسأل الله العافية-.
ومعنى حديث: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَن قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه؛ غُفِرَ له ذنوبه ولو كان فارًّا من الزحف
-لو صحَّ- أنه إذا كان تاب توبةً صحيحةً، فالإنسان إذا استغفر باللسان ما يصير توبةً، التوبة تكون مع إقلاع القلب وندمه وعدم إصراره، فإذا تاب توبةً صادقةً محا الله ذنوبه كلها سبحانه، فالتوبة يمحو الله بها الذنوبَ كلها.
والمجهول ما له غيبة، مثل: آل فلان فيهم كذا، أو بعض الناس يفعلون كذا، ما هي بغيبة، لا بدّ من تعيينه.
وقوله تعالى: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]
ج: في الشرك الأكبر يقينٌ، وفي الشرك الأصغر إن لم يعفُ الله عنه، أو تكون له حسنات ماحية، ففي الشرك الأصغر قد يُعذَّب على قدر الشرك الأصغر، وقد يرجح ميزانُه بحسناتٍ عظيمةٍ فلا يدخل النارَ، بخلاف الشرك الأكبر فإنَّه محتِّمٌ لدخوله النار وخلوده فيها -نسأل الله العافية-“. انتهى.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – من الرواية الأولى ومن قوله صلى الله عليه وسلم كلكم ضال إلا من هديته، قال المازري: ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال إلا من هداه الله تعالى، لكن في الحديث المشهور ((كل مولود يولد على الفطرة)) أي: مما يثير إشكالا أجاب عنه بقوله: قد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا اهـ أي: كلكم كنتم ضالين قبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهديت برسالته من هديت فلتطلبوا مني الهداية واعملوا لها أهدكم.
قال النووي: وفي هذا دليل لمذهب أصحابنا وسائر أهل السنة أن المهتدي هو من هداه الله وبهدى الله اهتدى وبإرادة الله تعالى، وأنه سبحانه وتعالى إنما أراد هداية بعض عباده وهم المهتدون ولم يرد هداية الآخرين ولو أرادها لاهتدوا، خلافا للمعتزلة في قولهم الفاسد: أنه سبحانه وتعالى أراد هداية الجميع جل الله أن يريد ما لا يقع أو يقع ما لا يريد.
2 – وفيها الحث على الدعاء بما يحتاجه الإنسان حتى المأكل والكسوة ولا يعتمد على المسعى وحده.
3 – وأن الله لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية.
4 – ولا تنفذ خزائنه بل ولا تنقص بالعطاء.
5 – وفيها التحذير من الظلم.
6 – النَّهيُ عَنِ الشُّحِّ والَّذي هو أشدُّ مِنَ البخلِ.
7 – فضل إعانة المسلم وتفريج كربه.
8 – والستر على المسلم وعدم التشهير به ونقل أخبار زلاته، قال النووي وأما جرح الرواة والشهود والأمناء على الصدقات والأوقاف والأيتام ونحوهم فيجب جرحهم عند الحاجة ولا يحل الستر عليهم إذا رأى منهم ما يقدح في أهليتهم وليس هذا من الغيبة المحرمة بل من النصيحة الواجبة وهذا مجمع عليه.
9 – الوعيد بالمقاصة، وعند أبي نعيم يؤخذ بيد العبد فينصب على رءوس الناس وينادي مناد هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت، فيأتون فيقول الرب آت هؤلاء حقوقهم فيقول: يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم؟! فيقول للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر مظلمته، فإن كان ناجيا وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخله بها الجنة، وعند أحمد والحاكم لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة حتى أقصه منه حتى اللطمة قلنا يا رسول الله كيف وإنما نحشر حفاة عراة قال بالسيئات والحسنات.
وقد استشكل إعطاء الحسنات سدادا للحقوق مع أن الحسنات تضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة والحقوق محدودة؟! وأجيب: بأنه محمول على أن الذي يعطاه صاحب الحق من الثواب ما يوازي السيئة من الأصل، وأما ما زاد على الأصل فهو بفضل الله فيبقى لصاحبه اهـ وهذا إن صلح فيمن يبقى عنده حسنات بعد المقاصة لا يصلح فيمن يشير إليه حديثنا ممن تنفد حسناته ويطرح في النار
وحاول البيهقي الإجابة فقال وجه الحديث عندي والله أعلم أنه يعطي خصماء المؤمن المسيء من أجر حسناته ما يوازي عقوبة سيئاته فإن فنيت حسناته أخذ من خطايا خصومه فطرحت عليه ثم يعذب إن لم يعف عنه فإذا انتهت عقوبة تلك الخطايا أدخل الجنة بما كتب له من الخلود فيها بإيمانه ولا يعطى خصماؤه ما زاد من أجر حسناته على ما قابل العقوبة يعني من المضاعفة لأن ذلك من فضل الله يختص به من وافى يوم القيامة مؤمنا اهـ
وقال الحميدي في كتاب الموازنة الناس ثلاثة من رجحت حسناته على سيئاته أو بالعكس أو من تساوت حسناته وسيئاته فالأول فائز بنص القرآن، والثاني يقتص منه بما فضل من معاصيه على حسناته من النفخة إلى آخر من يخرج من النار بمقدار قلة شره وكثرته، والثالث أصحاب الأعراف اهـ ويقيد بمشيئة الله تعالى وعفوه.
10 – وظاهر الحديث أن سيئات المظلوم يحملها الظالم وهذا الظاهر يتعارض مع قوله تعالى: {وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء} [فاطر 18] ومع ظاهر قوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام 164] قال النووي وهذا الاعتراض غلط لأنه إنما عوقب بفعله ووزره وظلمه فتوجهت عليه حقوق لغرمائه فدفعت إليهم من حسناته فلما فرغت وبقيت لخصومه بقية أخذ قدرها من سيئات خصومه فوضع عليه فحقيقة العقوبة إنما هي بسبب ظلمه ولم يعاقب بغير جناية وظلم منه.
11 – قال النووي وفي الحديث تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين وكما يعاد الأطفال والمجانين ومن لم تبلغه الدعوة وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة قال الله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} [التكوير 5] قال وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب والقصاص من القرناء ليس من قصاص التكليف بل هو قصاص المقابلة.
12 – وفي الرواية السابعة: التحذير من أخذ الله تعالى للظالمين.
والله أعلم. [فتح المنعم، بتصرف يسير]. [فتح المنعم]