48 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1،2،3 والمدارسة، والاستفادة
———–
14949 – حدثنا أبو الجواب، حدثنا عمار بن رزيق، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا ليلة، حتى ذهب نصف الليل، أو بلغ ذلك، ثم خرج، فقال: ” قد صلى الناس ورقدوا، وأنتم تنتظرون هذه الصلاة، أما إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ”
قلت سيف: الحديث على شرط الذيل على الصحيح المسند.
-_-_-_-_-_-_-_
وقت العشاء
الحديث يبين ثلاث مسائل:
الاولى: تأخير العشاء الى أخر وقتها أفضل؟ أم تعجيلها؟
الثانية: وقت آخر العشاء
الثالثة: انتظار الصلاة
فالكلام على المسالة الأولى:
المسألة الأولى:
هل تأخير العشاء إلى آخر وقتها المختار أفضل؟ أم تعجيلها أفضل؟ أم الأفضل مراعاة حال المأمومين؟
فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن تعجيلها أفضل، وهو أحد قولي الشافعي، بل أشهرهما، وقول مالك.
والقول الثاني: أن تأخيرها أفضل، وحكاه الترمذي في (جامعه) عن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين.
ومما يدل على اعتبار حال المأمومين، وأنه لا يشق عليهم: ما روى أسامة بن زيد، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب، عن جابر بن عبد الله، قال: كان معاذ يتخلف عند النبي (، فإذا جاء أم قومه، فاحتبس عنهم معاذ ليلة فصلى سليم وحده وانصرف، فأخبر معاذ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى سليم، فسأله عن ذلك، فقال: إني رجل أعمل نهاري، حتى إذا أمسيت أمسيت ناعساً، فيأتينا معاذ وقد أبطأ علينا، فلما أبطأ عليّ أمسيت، ثم انقلبت إلى أهلي. قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ: (لا تكن فاتنا تفتن الناس، ارجع إليهم فصل بهم قبل أن يناموا).
فقد تبين بهذا أن هذا القول الثالث، وهو مراعاة حال المأمومين في التأخير الكثير دون اليسير، هو الأرجح في هذا المسألة. فتح الباري (3/ 207). منقول بتصرف
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 48): واستدل بذلك على فضل تأخير صلاة العشاء ولا يعارض ذلك فضيلة أول الوقت لما في الانتظار من الفضل لكن قال بن بطال ولا يصلح ذلك الآن للأئمة لأنه صلى الله عليه و سلم أمر بالتخفيف وقال إن فيهم الضعيف وذا الحاجة فترك التطويل عليهم في الانتظار أولى قلت وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي وبن خزيمة وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدرى صلينا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل وسيأتى في حديث بن عباس قريبا لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم أن يصلوها هكذا وللترمذي وصححه من حديث أبي هريرة لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه
فعلى هذا من وجد به قوه على تأخيرها ولم يغلبه النوم ولم يشق على أحد من المأمومين فالتأخير في حقه أفضل وقد قرر النووي ذلك في شرح مسلم وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم والله أعلم.
قال الالباني في الثمر المستطاب (73): ومع ذلك فكان عليه السلام يراعي أحوال المجتمعين قلة وكثرة فقد كان أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطأوا أخر.
قال العثيمين: وفي هذا الحديث دليل على أن الأفضل تأخير صلاة العشاء وهو كذلك إلا إذا كان يشق على الناس أو على بعضهم فالأفضل أن يقدموا وعلى هذا فإذا كانوا جماعة في سفر أو في غير سفر أو في بلد لا تقام فيها جماعات فإن الأفضل أن تؤخر الصلاة إلى قريب من منتصف الليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذا لوقتها لولا أن أشق على أمتي وكان صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا أخر والله الموفق. شرح رياض الصالحين (5/ 68).
المسألة الثانية:
في آخر وقت العشاء الآخرة، وفيه أقوال:
أحدها: ربع الليل، حكاه ابن المنذر عن النخعي، ونقله ابن منصور، عن إسحاق.
والقول الثاني: إلى ثلث الليل، روي ذلك عن عمر، وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز، وهو المشهور عن مالك، وأحد قولي الشافعي، بل هو أشهرهما، ورواية عن أحمد، وقول أبي ثور وغيره.
والقول الثالث: إلى نصف الليل، وروي عن عمر بن الخطاب – أيضا -، وهو قول الثوري والحسن بن حي وابن المبارك وأبي حنفية، والشافعي في قوله الآخر، وأحمد في الرواية الأخرى، وإسحاق، وحكي عن أبي ثور – أيضا.
وتبويب البخاري هاهنا يدل عليه.
والقول الرابع: ينتهي وقت العشاء إلى طلوع الفجر. فتح الباري لابن رجب (3/ 208)
قال الحافظ في الفتح (2/ 52): ولم أر في امتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر حديثا صريحا يثبت.
قال النووي على مسلم (5/ 138): وقوله في رواية عائشة ذهب عامة الليل أي كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم إنه لوقتها ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل.
قال الألباني معقبا على كلام النووي: قلت: وقد يدل لهذا التأويل أن الحديث قد جاء في البخاري ومسلم والنسائي والدارمي والمسند (6/ 43 و 215 و 272) من طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة وليس فيه قوله: (حتى ذهب عامة الليل) وإنما فيه: (حتى ناداه عمر بن الخطاب: قد نام النساء والصبيان). وذلك إنما يكون عادة قبل نصف الليل. ويقوي ذلك أن الحديث هذا رواه ابن عباس أتم منه فقال: أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة حتى ذهب من الليل فقام عمر رضي الله عنه فنادى: الصلاة يا رسول الله رقد النساء والولدان. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والماء يقطر من رأسه وهو يقول: (إنه الوقت لولا أن أشق على أمتي). أخرجه النسائي (92) والدارمي (276) من طريق سفيان عن عمرو عن عطاء عنه وعن ابن جرير عن عطاء عنه
وهذان إسنادان صحيحان على شرط الشيخين
وقد رواه مسلم (117) وأحمد (1/ 366) عن ابن جريج به وفيه التصريح بسماع ابن جريج من عطاء
فهذه الرواية تدل على أن حديث عائشة برواية أم كلثوم عنها وحديثها برواية عروة عنها إنما هو حديث واحد اختصره بعض الرواة وهي تدل دلالة ظاهرة على أن قوله فيها: (إنه الوقت) يريد به الوقت الذي نام فيه النساء والولدان وذلك قبل نصف الليل عادة كما قلنا فرجع الحيث إلى أن المراد بعامة الليل كثير منه لا أكثره كما قال النووي وهو من دقة فهمه رحمه الله. الثمر المستطاب (ص 71).
قال العباد: وجاء في بعض الروايات الصحيحة الثابتة أنه إلى نصف الليل، فيكون الوقت الاختياري منتهياً بنصف الليل، ونصف الليل يتحدد بغروب الشمس وطلوع الفجر، ويطول الليل ويقصر، والحد الذي يمكن أن يعرف به مقدار الليل ومقدار نصفه بمقدار المدة التي بين غروب الشمس وطلوع الفجر، فنصفها نصف الليل، سواءٌ أطال الليل أم قصر، ولا تؤخر عن نصف الليل إلا إذا كان الإنسان مضطراً إلى ذلك بسبب نوم أو نسيان أو غفلة، وإلا فلا يجوز للإنسان أن يتعمد تأخيرها عن نصف الليل الذي هو آخر الوقت الاختياري. [شرح سنن ابي داود للعباد]
قال الجامع (محمد ادم الاثيوبي) عفا الله تعالى عنه: الحق الذي يؤيده الدليل قول من قال: إن آخر وقت العشاء نصف الليل، فليس للعشاء وقت أداء بعد ذلك، وإنما هو قضاء، وأقوى دليل في ذلك وأصرحه، حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما الذي أخرجه مسلم في “صحيحه”: “فإذا صليتم العشاء، فإنه وقت إلى نصف الليل”.
فهذا نص صريح في أن النصف هو الآخر، لا يزيد عليه، ولا يوجد نص صريح يدل على تأخره بعده. (شرح المجتبى / 7/ 152).
و هذا ما اميل اليه آخر وقت العشاء ينتهي الى نصف الليل، و الله اعلم.
المسألة الثالثة: انتظار الصلاة بعد الصلاة
حدثنا يحيى بْنُ أيُّوبَ وَقُتيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، جَمِيغا عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أيُّوبَ: حدثنا إسْمَاعيلُ، أخْبَرَنِى العَلاءُ عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ؛ أنَّ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: (ألا أدُلُّكُمْ عَلَىَ مَا يَمْحو اللهُ بِه الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَرَجَات؟ ” قَالُوا: بَلَىَ، يَارَسُولَ اللّهِ قَالَ (إسْبَاغُ الوُضُوءَ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطًا إلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصلاة بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرباطُ).رواه مسلم/برقم 251.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة. رواه البخاري في أثناء حديث ومسلم.
وللبخاري إن أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه والملائكة تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يقم من مصلاه أو يحدث وفي رواية لمسلم وأبو داود قال لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة والملائكة تقول اللهم اغفر له اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يحدث قيل وما يحدث قال يفسو أو يضرط.
ورواه مالك موقوفا عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول: إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا
رواه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
ملاحظة: كل الأحاديث التي ذكرتها آنفا منقولة من صحيح الترغيب والترهيب.
من الأمور التي يغفر الله لك أيها العبد، ويتجاوز عنك، ويكفر عنك السيئآت ويرفعك في الدنيا بالذكر الجميل وفي الآخرة بالثواب الجزيل هي (انتظار الصلاة بعد الصلاة).
قال صاحب المنتقى على شرحه للموطأ /1/ 397: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِهَا وَالْعَفْوِ عَنْهَا وَقَدْ يَكُونُ مَحْوُهَا مِنْ كِتَابِ الْحَفَظَةِ الْكِرَامِ دَلِيلًا عَلَى عَفْوِهِ تَعَالَى عَمَّنْ كُتِبَتْ عَلَيْهِ بِاكْتِسَابِهِ لَهَا.
وَقَوْلُهُ (يَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ) يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمَنَازِلَ فِي الْجَنَّةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْفَعَ دَرَجَتَهُ فِي الدُّنْيَا بِالذِّكْرِ الْجَمِيلِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ ثُمَّ بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم الْأَعْمَالَ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا لِلْمُكَلَّفِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْفَضِيلَةِ …..
وَأَمَّا انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ يَجْلِسَ فِي مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ الَّتِي تَلِيهَا وَهَذَا يَكُونُ فِي صَلَاتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَيَنْتَظِرَ بَعْدَهَا الْعَصْرَ أَوْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ فَيَنْتَظِرَ بَعْدَهَا الْعِشَاءَ وَأَمَّا انْتِظَارُ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَتَكَرَّرُ فِيهِ الْحَدَثُ وَكَذَلِكَ انْتِظَارُ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَأَمَّا انْتِظَارُ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا أَذْكُرُ الْآنَ فِيهِ نَصًّا وَحُكْمُهُ عِنْدِي حُكْمُ انْتِظَارِ الصُّبْحِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَحُكْمُ انْتِظَارِ الظُّهْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ كَاَلَّذِي يَنْتَظِرُ صَلَاةً لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي صَلَّى اشْتِرَاكٌ فِي وَقْتٍ وَاَلَّذِي يَتَقَرَّرُ فِي نَفْسِي أَنِّي قَدْ رَأَيْت رِوَايَةً فِيهِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَلَا أَذْكُرُ مَوْضِعَهَا الْآنَ.
مسألة: هل يشترط الحصول على فضيلة انتظار الصلاة بعد الصلاة بأن يكون في المسجد؟
لا يشترط؛ ولكن يحمل على معنيين بالحصول على فضيلة الانتظار
1 – … إما الجلوس في المسجد
2 – … تعلق القلب بالصلاة والإهتمام بها خارج المسجد.
قال أبو عمر في الاستذكار/2/ 299: أما قوله (الملائكة تصلي على أحدكم) فقد بان في سياق الحديث معناه وذلك قوله (اللهم اغفر له اللهم ارحمه) ومعنى (تصلي على أحدكم) يريد تدعو له وتترحم عليه ومصلاه موضع صلاته وذلك عندي في المسجد؛ لأن هناك يحصل منتظرا للصلاة في الجماعة وهذا هو الأغلب في معنى انتظار الصلاة
ولو قعدت المرأة في مصلى بيتها تنتظر وقت الصلاة الأخرى فتقوم إليها لم يبعد أن تدخل في معنى الحديث؛ لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبة في الصلاة وخوفا من أن تكون في شغل يفوتها معه الصلاة.
قال صاحب العرف الشذي/1/ 111: فإن أبا هريرة كان يذكر: أن انتظار الصلاة بعد الصلاة كالصلاة ما لم يحدث فقيل: ما الحدث؟ قال: صوت أو ريح، فإن المتحقق في المسجد حدثاً هو الصوت أو الريح وخرج الحديث مخرج المبالغة ورفع الوساوس وعدم اعتبارها.
قال ابن رجب في فتح الباري: وقد اختلف فِي تفسير الحدث: هَلْ هُوَ الحدث الناقض للوضوء، أو الحدث باللسان من الكلام الفاحش ونحوه، ومثله الحدث بالأفعال الَّتِيْ لا تجوز؟ وقد أشرنا إلى هَذَا الاختلاف فِي ((كِتَاب الطهارة)).
وذهب مَالِك وغيره إلى أَنَّهُ الحدث الناقض للوضوء، ورجحه ابن عَبْد البر؛ لأن المحدث وإن جلس فِي المسجد فهو غير منتظر للصلاة؛ لأنه غير قادر عَلَيْهَا.
والثاني: أن منتظر الصلاة لا يزال فِي صلاة مَا دامت الصلاة تحبسه.
وقد فسر ذَلِكَ بأنه ((لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة))، وهذا يشمل من دَخَلَ المسجد للصلاة فِيهِ جماعة قَبْلَ إقامة الصلاة فجلس ينتظر الصلاة، ومن صلى مَعَ الإمام ثُمَّ جلس ينتظر الصلاة الثانية. وهذا من نوع الرباط فِي سبيل الله.
قال صاحب المنتقى على شرحه للموطأ/1/ 394: وَقَدْ يَكُونُ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْتَظِرَ وَقْتَهَا، وَالثَّانِي أَنْ يَنْتَظِرَ إقَامَتَهَا فِي الْجَمَاعَةِ وَفِي الْمَبْسُوطِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍثُمَّ قَعَدَ بِمَوْضِعِهِ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى أَتَرَاهُ فِي صَلَاةٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ.
قال المباركفوري في التحفة /1/ 141: وانتظار الصلاة: أي وقتها أو جماعتها (بعد الصلاة) يعني إذا صلى بالجماعة أو منفردا ثم ينتظر صلاة أخرى ويعلق فكره بها بأن يجلس في المجلس أو في بيته ينتظرها أو يكون في شغله وقلبه معلق بها (فذلكم الرباط).
قال ابن بطال في شرحه على البخاري/3/ 320: وأما من كان مجاور المسجد حيث يسمع الإقامة ولا تخفى عليه، فانتظارها فى داره كانتظاره لها فى المسجد، له أجر منتظر الصلاة؛ لأنه لا يجوز أن يترك الرسول الأفضل من الأعمال فى خاصته ويحض عليها أمته، بل كان يلتزم التشديد فى نفسه، ويحب التخفيف على أمته، ولو لم يكن له فى بيته فضل الانتظار لخرج إلى المسجد قبل الإقامة، ليأخذ بحظ من الفضل، والله أعلم.
قال صاحب مصابيح التنوير على جامع الصغير/1/ 431: (وانتظار الصلاة) أي دخول وقتها لتفعل (بعد الصلاة) أي الجلوس في المسجد لذلك أو لتعلق القلب بالصلاة والاهتمام بها.
وهذا سؤال وجه لابن عثيمين:
عن حديث اسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة هل معنى ذلك الجلوس في المسجد حتى يحين موعد الصلاة التي بعدها؟
الجواب: الشيخ: اسباغ الوضوء على المكاره معناه أن الإنسان يتمم وضوءه على الوجه الأكمل في الأيام الباردة وكذلك ينتظر الصلاة بعد الصلاة سواء في المسجد أو بعد المسجد وإنما المعنى أن يكون قلبه معلقاً بالصلاة إذا أدى صلاةً ينتظر الصلاة الأخرى فيكون دائماً معلقاً قلبه في الصلاة وليس معنى الجملة الأولى اسباغ الوضوء على المكاره أن الإنسان يتقصد الماء البارد مع وجود الماء الساخن فإن هذا ليس من السنة بل إذا يسر الله لك ما فيه راحةٌ لك فهو أفضل وأكمل وأقرب إلى كمال الطهارة لكن إذا قدر أنك في بر أو في بلدٍ ليس فيها سخانات ولا يمكن تسخين الماء ثم توضأت على الكره لشدة البرد فإن هذا هو الذي يراد بهذا الحديث الذي ذكره أو ذكرته السائلة. (فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين).