48 – بَابُ خِيَارِ النَّاسِ
199 – (2526) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، أَكْرَهُهُمْ لَهُ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَتَجِدُونَ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ»
199 – (2526) حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ح وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيُّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ» بِمِثْلِ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي زُرْعَةَ وَالْأَعْرَجِ «تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً حَتَّى يَقَعَ فِيهِ»
الفوائد
==========
الحديث سيكون من وجوه كالتالي:
الوجه الأول: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
لا شك أن الناس قديما وحديثا كالمعادن منها النفيس، ومنها الخسيس، منها ما يساوي الفلس، ومنها ما يساوي القنطار، والقبائل قبل الإسلام كانت معروفة الحسب والنسب، موزونة القدر والقيمة، فمن كان منها شريفا قبل إسلامه، فأسلم وتفقه اتصل شرفه وعلا قدره، وبقي في المسلمين شريفا مرموقا، كما كان بين الكافرين شريفا مرموقا، ومن كان شريفا في الكفر، فلم يسلم، فليس له بين المسلمين شرف ولا قدر، ومن كان غير شريف فأسلم وتفقه شرف بالإسلام وبالفقه، وهكذا يسلم الكافر على ما كان من خير له، ويستصحب معه ما قدم من مكارم الأخلاق، ومن سجايا الفضيلة والمعروف، كمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، فإنه يؤتي أجره مرتين.
ومن خيار الناس من لا يسأل الإمارة، ولا يحرص عليها، فإن جاءته أعانه الله عليها.
ففي الحديث من أعطيها من غير مسألة أعين عليها
ومن شرار الخلق المنافق، ذو الوجهين الذي يثير الفتنة بين الناس، ويأتي هؤلاء بوجه وقول، وهؤلاء بوجه وقول، والمعدن النفيس لا يجري وراء الإمارة لئلا يقع في مسئولياتها التي لا يقدر عليها، ولا يكون أبدا ذا وجهين ولا من المنافقين.
المفردات:
(الناس معادن) أي: في “الناس” وإن صلحت للجنس، لكن الأولى هنا أن تكون للعهد الذهني، والمقصودون الناس الذين جمعوا بين الجاهلية والإسلام، وفي الجملة تشبيه بليغ، حذف منه الوجه والأداة، أي أصول الناس وأحسابها كالمعادن في اختلافها من نفيس إلى خسيس، والمعادن جمع معدن، وهو الشيء المعروف المستقر في الأرض.
(فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام) هذا التفريع تشبيه آخر، حذف منه الوجه والأداة والمشبه به، لأن المعدن النفيس، في باطن الأرض نفيس، فإذا استخرج بقيت نفاسته وظهرت، وكذلك الأصول الشريفة في الجاهلية، هي رءوس بالنسبة إلى أهل الجاهلية، فإن أسلم الشريف استمر شرفه، وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية، فالذهب إذا استخرج وصنع سيفا، أشرف وأعظم قيمة من الحديد إذا استخرج وصنع سيفا.
(إذا فقهوا) بضم القاف، ويجوز كسرها، وفيه إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين.
قال الحافظ ابن حجر: وعلى هذا فتنقسم الناس إلى أربعة أقسام، مع ما يقابلها:
الأول: شريف في الجاهلية أسلم وتفقه (فهو كالذهب استخرج، وصنع حلية جميلة) ويقابله على النقيض منه مشروف في الجاهلية، لم يسلم، ولم يتفقه (فهو كالحديد الذي لم يستخرج).
الثاني: شريف في الجاهلية، أسلم ولم يتفقه (فهو كالذهب استخرج، ولم يصنع) ويقابله على النقيض مشروف في الجاهلية، لم يسلم، وتفقه.
الثالث: شريف في الجاهلية لم يسلم، ولم يتفقه (فهو كالذهب لم يستخرج) ويقابله مشروف في الجاهلية، أسلم، ثم تفقه (فهو كالحديد، استخرج وصنع صنعة جميلة).
الرابع: شريف في الجاهلية، لم يسلم، وتفقه، ويقابله مشروف في الجاهلية، أسلم، ولم يتفقه (فهو كالحديد، استخرج، ولم يصنع).
قال: فأرفع الأقسام من شرف في الجاهلية، ثم أسلم وتفقه.
ويليه من كان مشروفا، ثم أسلم وتفقه.
ويليه من كان شريفا في الجاهلية، ثم أسلم، ولم يتفقه.
ويليه من كان مشروفا في الجاهلية، ثم أسلم، ولم يتفقه.
أما من لم يسلم فلا اعتبار به، سواء كان شريفا، أو مشرفا، وسواء تفقه، أو لم يتفقه.
قال: والمراد بالخيار، في قوله “خيارهم” وبقولنا “شريف” من كان متصفا بمحاسن الأخلاق، من جهة ملاءمة الطبع ومنافرته خصوصا بالانتساب إلى الآباء المتصفين بذلك، كالكرم والعفة والحلم والنجدة، متوقياً لمساويها كالبخل والفجور والظلم والخذلان وغيرها، ثم الشرف في الإسلام بالخصال المحمودة شرعا.
ولفظ “الخيار” جمع “خير” و”خير” تصلح صفة مطلقة، وتصلح أفعل تفضيل، تقول خير فيحتمل أن المعنى من كان فيه خير في الجاهلية ففيه خير في الإسلام، ويحتمل أن المعنى من اتصف بالأخيرية في الجاهلية، اتصف بها في الإسلام.
(وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه) وفي ملحق الرواية “تجدون من خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، حتى يقع فيه” وعند البخاري “وتجدون خير الناس” وتقدير “من” في روايته هنا ضرورية، لأن من اتصف بذلك لا يكون خير الناس على الإطلاق.
واختلف في المراد من الأمر أو الشأن، فقال الحافظ ابن حجر: المراد به الولاية والإمرة، لأن الدخول في عهدة الإمرة مكروه، من جهة تحمل المشقة فيه.
ثم قال: وأما قوله “حتى يقع فيه” فاختلف في مفهومه، فقيل: معناه أن من لم يكن حريصا على الإمرة، غير راغب فيها، إذا حصلت له بغير سؤال، تزول عنه الكراهة فيها، لما يرى من إعانة الله له عليها، فيأمن على دينه مما كان يخاف عليه منها، قبل أن يقع فيها، ومن هنا أحب من أحب استمرار الولاية، من السلف الصالح، حتى قاتل عليها، وصرح بعض من عزل منهم بأنه لم تسره الولاية، بل ساءه العزل.
وقيل: المراد بقوله “حتى يقع فيه” أي فإذا وقع فيه لا يجوز له أن يكرهه، وقيل: معناه أن العادة جرت بذلك، وأن من حرص على الشيء، ورغب في طلبه قل أن يحصل له، ومن أعرض عن الشيء، وقلت رغبته فيه يحصل غالبا. اهـ.
وللقاضي عياض رأي آخر في المراد من الأمر والشأن، فيقول: يحتمل أن المراد به الإسلام، كما كان من عمر بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، وغيرهم من مسلمة الفتح، وغيرهم ممن كان يكره الإسلام، كراهية شديدة، فلما دخل فيه أخلص وأحبه، وجاهد فيه حق جهاده. اهـ. وما قاله الحافظ ابن حجر أولى بالقبول، وإن كان الترابط بين ما قاله القاضي عياض وبين صدر الحديث قويا، والمناسبة ظاهرة، لكن لا يقال: إن عمرا وعكرمة وسهيلا كانوا في الإسلام خيرا من أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين.
(وتجدون من شرار الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه) وفي رواية للبخاري “تجدون شر الناس” و”من” فيها مقدرة، كما سبق، و”أل” في “الناس” هنا للجنس، فذو الوجهين من أفحش الناس شرا، ويؤيده رواية “من شر خلق الله ذو الوجهين”. قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس، لأن حاله حال المنافق، إذ هو متملق بالباطل وبالكذب، مدخل للفساد بين الناس، ويحتمل أن تكون “أل” في “الناس” للعهد، والمراد بهم أهل الطائفتين المتضادتين، فإن كل طائفة منهما مجانبة للأخرى ظاهرا، فلا يتمكن من الاطلاع على أسرارها إلا بما ذكر من خداعه الفريقين، ليطلع على أسرارهم، فهو شرهم كلهم. قال النووي: هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، فيظهر لها أنه منها، ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع، وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين. اهـ. وجاء في رواية الإسماعيلي “الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء، وهؤلاء بحديث هؤلاء”.
وقال ابن عبد البر: حمله على ظاهره جماعة، وهو أولى، وتأوله قوم على أن المراد به من يرائي بعمله، فيري الناس خشوعا، واستكانة، ويوهمهم أنه يخشى الله، حتى يكرموه، وهو في الباطن بخلاف ذلك، قال: وهذا محتمل لو اقتصر الحديث على صدره “وتجدون من شرار الناس ذا الوجهين” فإنه داخل في مطلق ذي الوجهين، لكن بقية الحديث ترد هذا التأويل، وهي قوله “يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه”. [انظر: المنهاج للنووي، وفتح المنعم]
الشرح قوله: من كرم الناس؟ قال: ((اتقاهـم)) يعني إن اكرم الناس اتقاهـم لله عز وجل وهـذا الجواب مطابق تماما لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات: من الآية13)، فالله_ سبحانه وتعالى_ لا ينظر إلى الناس من حيث النسب، ولا من حيث الحسب، ولا من حيث المال، ولا من حيث الجمال، وإنما ينظر سبحانه إلى الأعمال، فاكرم الناس عنده اتقاهـم له، ولهذا يمد أهـل التقوى بما يمدهـم به من الكرامات الظاهـرة أو الباطنة، لأنهم هـم اكرم خلقه عنده، ففي هـذا حث علي تقوي الله عز وجل، وانه كلما كان الإنسان اتقي لله فهو اكرم عنده، ولكن الصحابة لا يريدون بهذا السؤال الاكرم عند الله! ((قالوا: لسنا عن هـذا نسألك)) ثم ذكر لهم إن اكرم الخلق يوسف
ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهـيم، فانه_ عليه الصلاة والسلام_ كان نبيا من سلالة الأنبياء، فكان من اكرم الخلق.
((قالوا: لسنا عن هـذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟)) معادن العرب يعني أصولهم وأنسابهم! ((خيارهـم في الجاهـلية خيارهـم في الإسلام إذا فقهوا)) يعني إن اكرم الناس من حيث النسب والمعادن والأصول، هـم الخيار في الجاهـلية، لكن بشرط إذا فقهوا. فمثلا بنو هـاشم من المعروف هـم خيار قريش في الإسلام، لكن بشرط إن يفقهوا في دين الله، وان يتعلموا من دين الله، فان لم يكونوا فقهاء فانهم_ وان كانوا من خيار العرب معدنا_ فانهم ليسوا اكرم الخلق عند الله، وليسوا خيار الخلق. ففي هـذا دليل علي إن الإنسان يشرفه بنسبه، لكن بشرط إن يكون لديه فقه في دينه، ولا شك إن النسب له اثر، ولهذا كان بنو هـاشم أطيب الناس وأشرفهم نسبا، ومن ثم كان رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي هـو اشرف الخلق (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (الأنعام: من الآية124)، فلولا إن هـذا البطن من بني آدم اشرف البطون، ما كان فيهـ النبي صلي الله عليه وسلم فلا يبعث الرسول صلي الله عليه
وسلم إلا في اشرف البطون واعلي الأنساب، والشاهـد من هـذا الحديث قول الرسول صلي الله عليه وسلمان اكرم الخلق اتقاهـم لله. فإذا كنت تريد إن تكون كريما عند الله وذا منزلة عنده، فعليك بالتقوى، فكلما كان الإنسان لله اتقي كان عنده اكرم. أسال الله إن يجعلني وإياكم من المتقين.
شرح رياض الصالحين للعثيمين 1/ 523
الوجه الثاني: يؤخذ من الحديث:
1 – أن الحسب له قيمته في الإسلام.
ورد في الحديث الحسب المال
لكن لفظه سقطت تبين المقصود. …
2 – أن الفقه والعلم بأمور الشريعة ركن متمم للإسلام.
3 – ذم السعي وراء الإمارة، ومدح من يعف عنها، ويزهد فيها.
4 – ذم النفاق والسعي بين الناس بالفساد،
ونقل الحديث والأخبار، قال النووي: أما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود. وقال بعضهم: الفرق بينهما أن المذموم من يزين لكل طائفة عملها، ويقبحه عند الأخرى، ويذم كل طائفة عند الأخرى، والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى، ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى، وينقل ما يمكنه من الجميل، ويستر القبيح.
والله أعلم. [انتظر: المنهاج للنووي، وفتح المنعم]
الوجه الثالث: المسائل المتعلقة بالحديث:.
– معالم الأخلاق وكيفية اكتسابها؟ الفرع الأول: تعريف علم الأخلاق: عُرِّف علم الأخلاق بعدة تعريفات منها: 1 – هو (علم: موضوعه أحكام قيمية تتعلق بالأعمال التي توصف بالحسن أو القبح) [((المعجم الوسيط)) لمجموعة مؤلفين (1/ 252)] 2 – وقيل هو: (علم: يوضح معنى الخير والشر، ويبين ما ينبغي أن تكون عليه معاملة الناس بعضهم بعضًا، ويشرح الغاية التي ينبغي أن يقصد إليها الناس في أعمالهم، وينير السبيل لما ينبغي).
الفرع الثاني: أهميَّة الأخلاق
أولًا: الأخلاق الحسنة امتثال لأمر الله ورسوله تضافرت النصوص من كتاب الله عز وجل على الأمر بالتخلق بالأخلاق الحسنة، ونصت على الكثير منها، فمن ذلك قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل: 90].وقوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199].
وكذلك نهت عن الأخلاق المذمومة ومن ذلك: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات: 11 – 12].
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتثل أمر الله تعالى في كلِّ شأنه قولًا وعملًا، ويأتمر بكلِّ أخلاق حسنة ورد الأمر بها في القرآن، وينتهي عن كلِّ أخلاق سيئة ورد النهي عنها في القرآن؛ لذا كان خلقه القرآن. وأيضًا فإن الالتزام بالأخلاق الحسنة امتثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو الذي يأمر بها ويحض عليها، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)).
ثانيًا: الأخلاق الحسنة أحد مقومات شخصية المسلم، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) (2) ويقول صلى الله عليه وسلم أيضًا: ((لينتهينَّ أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم، أو ليكوننَّ أهونَ على الله من الجُعَل (3) الذي يُدَهْدِه (4) الخِراء بأنفه، إن الله أذهب عنكم عُبِّيَّة (5) الجاهلية وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي، وفاجر شقي، الناس بنو آدم، وآدم خلق من تراب)) (6) (7).
ثالثًا: الارتباط الوثيق بين الأخلاق والدين الإسلامي عقيدة وشريعة إن ارتباط الأخلاق بالعقيدة وثيق جدًّا، لذا فكثيرًا ما يربط الله عز وجل بين الإيمان والعمل الصالح، الذي تعدُّ الأخلاق الحسنة أحد أركانه، فالعقيدة دون خُلُق، شجرة لا ظل لها ولا ثمرة، أما عن ارتباط الأخلاق بالشريعة، فإن الشريعة منها عبادات، ومنها معاملات، والعبادات تثمر الأخلاق الحسنة ولا بد، إذا ما أقامها المسلم على الوجه الأكمل، لذا قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [العنكبوت: 45]، وأما صلة الأخلاق بالمعاملات، فإنَّ المعاملات كلَّها قائمة على الأخلاق الحسنة في أقوال المسلم وأفعاله، والمتأمل لتعاليم الإسلام يرى هذا واضحا جليًّا.
رابعًا: آثارها في سلوك الفرد والمجتمع (تظهر أهمية الأخلاقية الإسلامية لما لها من أثر في سلوك الفرد، وفي سلوك المجتمع. أما أثرها في سلوك الفرد فلما تزرعه في نفس صاحبها من الرحمة، والصدق، والعدل، والأمانة، والحياء، والعفة، والتعاون، والتكافل، والإخلاص، والتواضع .. وغير ذلك من القيم والأخلاق السامية،
خامسًا: مكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية (إن أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية لا يستطيع أفراده أن يعيشوا متفاهمين متعاونين سعداء ما لم تربط بينهم روابط متينة من الأخلاق الكريمة.
سادسًا: أهميَّة الأخلاق في الدعوة إلى الله عزَّ كثير من الناس يدخلون في الدين؛ لأنهم يرون أنَّ أهل هذا الدين على خلق
وقد بدأ انعكاس الصور السلوكية الرائعة في تأثيرها في انتشار هذا الدين في بعض المناطق التي لم يصلها الفتح؛
الفرع الثالث: موضوع الأخلاق (هو كلُّ ما يتصل بعمل المسلم ونشاطه، وما يتعلق بعلاقته بربه، وعلاقته مع نفسه، وعلاقته مع غيره من بني جنسه، وما يحيط به من حيوان وجماد)
====
====
====
الفرع الرابع: تقسيم الأخلاق باعتبارين: أولًا: أقسام الأخلاق باعتبارها فطرية أو مكتسبة الأخلاق تنقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين: أخلاق فطرية، وأخلاق مكتسبة. فبعض أخلاق الناس أخلاق فطرية، تظهر فيهم منذ بداية نشأتهم، والبعض الآخر من أخلاقهم مكتسب من البيئة، ومن تتابع الخبرات والتجارب وكثرتها ونحو ذلك. والأخلاق الفطرية قابلة للتنمية والتوجيه والتعديل؛ لأنَّ وجود الأخلاق الفطرية يدل على وجود الاستعداد الفطري لتنميتها بالتدريب والتعليم وتكرر الخبرات، والاستعداد الفطري لتقويمها وتعديلها وتهذيبها
جاء في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ما يثبت هذا التفاوت الفطري في الطباع الخلقية وغيرها: منها: قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي: ((إنَّ بني آدم خلقوا على طبقات شتى، ألا وإن منهم البطيء الغضب سريع الفيء (1)، والسريع الغضب سريع الفيء، والبطيء الغضب بطيء الفيء، فتلك بتلك، ألا وإن منهم بطيء الفيء سريع الغضب، ألا وخيرهم بطيء الغضب سريع الفيء، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيء)) (2).ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) (3).
ومنها: ما رواه أحمد في مسنده والترمذي وأبو داود بإسناد صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث والطيب)) (4).
وحديث أشج عبد قيس ان فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله ……
ومنها: ما رواه أحمد والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم)).
ثانيًا: أقسام الأخلاق باعتبار علاقاتها تنقسم الأخلاق باعتبار علاقاتها إلى أربعة أقسام:
(القسم الأول: ما يتعلق بوجوه الصلة القائمة بين الإنسان وخالقه … والفضيلة الخلقية في حدود هذا القسم تفرض على الإنسان أنواعًا كثيرة من السلوك الأخلاقي: منها الإيمان به؛ لأنَّه حق، ومنها الاعتراف له بكمال الصفات، والأفعال، ومنها تصديقه فيما يخبرنا به؛ لأنَّ من حق الصادق تصديقه، ومنها التسليم التام لما يحكم علينا به؛ لأنَّه هو صاحب الحق في أن يحكم علينا بما يشاء. فكل هذه الأنواع من السلوك أمور تدعو إليها الفضيلة الخلقية. أما دواعي الكفر بالخالق بعد وضوح الأدلة على وجوده فهي حتمًا دواع تستند إلى مجموعة من رذائل الأخلاق، منها الكبر، ومنها ابتغاء الخروج على طاعة من تجب طاعته، استجابة لأهواء الأنفس وشهواتها، ومنها نكران الجميل وجحود الحق …
القسم الثاني: ما يتعلق بوجوه الصلة بين الإنسان وبين الناس الآخرين. وصور السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم معروفة وظاهرة: منها الصدق، والأمانة، والعفة، والعدل، والإحسان، والعفو، وحسن المعاشرة، وأداء الواجب، والاعتراف لذي الحق بحقه، والاعتراف لذي المزية بمزيته والمواساة والمعونة، والجود، وهكذا إلى آخر جدول فضائل الأخلاق التي يتعدى نفعها إلى الآخرين من الناس.
أما صور السلوك الأخلاقي الذميم في حدود هذا القسم فهي أيضًا معروفة وظاهرة: منها الكذب، والخيانة، والظلم، والعدوان، والشح، وسوء المعاشرة، وعدم أداء الواجب، ونكران الجميل، وعدم الاعتراف لذي الحق بحقِّه، وهكذا إلى آخر جدول رذائل الأخلاق التي يتعدى ضررها إلى الآخرين من الناس.
القسم الثالث: ما يتعلق بوجوه الصلة بين الإنسان ونفسه. وصور السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم كثيرة: منها الصبر على المصائب، ومنها الأناة في الأمور
القسم الرابع: ما يتعلق بوجوه الصلة بين الإنسان والأحياء غير العاقلة. ويكفي أن تتصور من السلوك الأخلاقي الحميد في حدود هذا القسم، الرحمة بها، والرفق في معاملتها، وتأدية حقوقها الواجبة.
أما الظلم والقسوة وحرمانها من حقوقها؛ فهي من قبائح الأخلاق، وفي هذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر: ((عُذِّبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (1)) (2) …
ولابد من ملاحظة أنَّ كثيرًا من الأخلاق لها عدد من الارتباطات والتعلقات، ولذلك فقد تدخل في عدد من هذه الأقسام في وقت واحد، إذ قد تكون لفائدة الإنسان نفسه، وتكون في نفس الوقت لفائدة الآخرين، وتكون مع ذلك محققة مرضاة الله تعالى) (3).
الفرع: اكتساب الأخلاق:
وسائل اكتساب الأخلاق (باختصار)
لا ريب أن أثقل ما على الطبيعة البشرية تغيير الأخلاق التي طبعت عليها النفس، إلا أن ذلك ليس متعذرا ولا مستحيلا. بل إن هناك أسبابا عديدة، ووسائل متنوعة يستطيع الإنسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق.
ومن ذلك ما يلي:
ومن ذلك ما يلي:
1 – سلامة العقيدة: فشأن العقيدة عظيم، وأمرها جلل; فالسلوك- في الغالب- ثمرة لما يحمله الإنسان من فكر، وما يعتقده من معتقد، وما يدين به من دين.
والانحراف في السلوك إنما هو ناتج عن خلل في المعتقد.
ثم إن العقيدة هي الإيمان، وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا; فإذا صحت العقيدة حسنت الأخلاق تبعا لذلك; فالعقيدة الصحيحة تحمل صاحبها على مكارم الأخلاق من صدق، وكرم، وحلم، وشجاعة، ونحو ذلك. كما أنها تردعه وتزمّه عن مساوئ الأخلاق من كذب، وشحّ، وطيش، وجهل، ونحوها.
2 – الدعاء: فالدعاء باب عظيم، فإذا فتح للعبد تتابعت عليه الخيرات، وانهالت عليه البركات.، ولهذا كان النبي- عليه الصلاة والسلام- كثير الضراعة إلى ربه يسأله أن يرزقه حسن الخلق، وكان يقول في دعاء الاستفتاح: “اللهم اهدني لأحسن الأخلاق; لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها; لا يصرف عني سيئها إلا أنت”. وكان من دعائه: “اللهم جنبني منكرات الأخلاق، والأهواء، والأعمال، والأدواء”. وكان يقول: “اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرم، والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات”.
3 – المجاهدة: فالمجاهدة تنفع كثيرا في هذا الباب; ذلك أن الخلق الحسن نوع من الهداية يحصل عليه المرء بالمجاهدة. قال عز وجل: {والّذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين} [العنكبوت:69]. فمن جاهد نفسه على التحلي بالفضائل، وجاهدها على التخلي من الرذائل حصل له خير كثير، واندفع عنه شر مستطير; فالأخلاق منها ما هو غريزي فطري، ومنها ما هو اكتسابي يأتي بالدربة والممارسة. والمجاهدة لا تعني أن يجاهد المرء نفسه مرة أو مرتين أو أكثر، بل تعني أن يجاهد نفسه حتى يموت; ذلك أن المجاهدة عبادة، والله- تبارك وتعالى- يقول: {واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين} [الحجر: 99].
4 – المحاسبة: وذلك بنقد النفس إذا ارتكبت أخلاقا ذميمة. قال ابن المقفّع: ليحسن تعاهدك نفسك بما تكون به للخير أهلا، فإنك إن فعلت ذلك أتاك الخير يطلبك كما يطلب الماء السيل إلى الحدورة.
5 – العبادات.
6 – ارتباط العبادات بالقرآن الكريم.
7 – التدريب العملي والرياضة النفسية.
8 – التفكر في الآثار المترتبة على حسن الخلق. فإن معرفة ثمرات الأشياء، واستحضار حسن عواقبها- من أكبر الدواعي إلى فعلها، وتمثلها، والسعي إليها.
9 – النظر في عواقب سوء الخلق. وذلك بتأمل ما يجلبه سوء الخلق من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق; فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، وينبعث إلى محاسنها.
10 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق.
11 – علو الهمة.
قال ابن القيم رحمه الله: فمن علت همته، وخشعت نفسه اتصف بكل خلق جميل، ومن دنت همته، وطغت نفسه اتصف بكل خلق رذيل. وقال- رحمه الله: فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها، وأفضلها، وأحمدها عاقبة. والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات، وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار; فالنفوس العليّة لا ترضى بالظلم، ولا بالفواحش، ولا بالسرقة، ولا بالخيانة; لأنها أكبر من ذلك وأجل. والنفوس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضد من ذلك. فإذا توفر المرء على اقتناء الفضائل، وألزم نفسه على التخلق بالمحاسن، ولم يرض من منقبة إلا بأعلاها، ولم يقف عند فضيلة إلا وطلب الزيادة عليها، واجتهد فيما يحسن سياسة نفسه عاجلا، ويبقي لها الذكر الجميل آجلا- لم يلبث أن يبلغ الغاية من التمام، ويرتقي إلى النهاية من الكمال، فيحوز السعادة الإنسانية، والرئاسة الحقيقية، ويبقى له حسن الثناء مؤبدا، وجميل الذكر مخلّدا.
12 – الصبر. فالصبر من الأسس الأخلاقية التي يقوم عليها الخلق الحسن; فالصبر يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، والأناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة. وقلّ من جدّ في أمر تطلّبه واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر.
13 – الحذر من اليأس من إصلاح النفس:
14 – الموعظة والنصح.
15 – التواصي بحسن الخلق. وذلك ببث فضائل حسن الخلق، وبالتحذير من مساوئ الأخلاق، وبنصح المبتلين بسوء الخلق، وبتشجيع حسني الأخلاق. فحسن الخلق من الحق، والله تبارك وتعالى يقول: {وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر} [العصر:3].
16 – اتخاذ الناس مرآة لأنفسهم. فهذا مما يحسن بالمرء فعله، والأخذ به، فكل ما كرهه، ونفر عنه من قول، أو فعل، أو خلق- فليتجنّبه، وما أحبه من ذلك واستحسنه فليفعله.
وإذا أعجبتك خصال امرئ … فكنه تكن مثل ما يعجبك فليس على المجد والمكرمات
إذا جئتها حاجب يحجبك
17 – القدوة الحسنة.
18 – مصاحبة الأخيار، وأهل الأخلاق الفاضلة. فهذا الأمر من أعظم ما يربي على مكارم الأخلاق، وعلى رسوخها في النفس; فالمرء مولع بمحاكاة من حوله، شديد التأثر بمن يصاحبه.
19 – الغمس في البيئات الصالحة.
20 – الاختلاف إلى أهل الحلم والفضل وذوي المروءات.
يروى أن الأحنف بن قيس قال: كنا نختلف إلى قيس بن عاصم نتعلم منه الحلم كما نتعلم الفقه.
ولا يلزم أن يكون هؤلاء الذي يختلف إليهم من أهل العلم، بل قد يوجد في العوام من جبل على كريم الخلال وحميد الخصال.
قال ابن حزم: وقد رأيت من غمار العامة من يجري في الاعتدال وحميد الأخلاق إلى مالا يتقدمه فيه حكيم عالم رائض لنفسه، ولكنه قليل جدّا.
21 – الضغط الاجتماعي من قبل المجتمع الإسلامي.
22 – إدامة النظر في السيرة النبوية.
23 – النظر في سير الصحابة الكرام، وأهل الفضل والحلم.
35 – إقامة سلطان الدولة الإسلامية. [انظر: موسوعة الأخلاق – الدرر السنية، الأسباب المفيدة في اكتساب الأخلاق الحميدة]
####
####
####
المسألة الثانية: بعض من اتصفوا بأنهم خيار الناس:
[(1)] الذي يتعلم ويعلم القرآن الكريم. عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) [البخاري 5027. أبو داود 1452, الترمذي 2907 ابن ماجه 211 الدارمي 3381. أحمد 1/ 530].
حديث عثمان يدل أن قراءة القرآن أفضل أعمال البر كلها؛ لأنه لما كان من تعلم القرآن أو علمه أفضل الناس وخيرهم دل ذلك على ما قلناه؛ لأنه إنما وجبت له الخيرية والفضل من أجل القرآن، وكان له فضل التعليم جاريا ما دام كل من علمه تاليا. [شرح صحيح البخاري لابن بطال 10/ 265].
ولا شك أن الجامع بين تعلم القرآن وتعليمه مكمل لنفسه ولغيره جامع بين النفع القاصر والنفع المتعدي ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام؛ كما قال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا}. [فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر 9/ 76].
[مجالس التذكير من حديث البشير النذير 201 – 202].
ولا يتوهم أن العمل خارج عن [التعلم والتعليم]؛ لأن العلم إذا لم يكن مورثا للعمل فليس علما في الشريعة، إذ أجمعوا على أن من عصى الله فهو جاهل. [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 4/ 1453].
[(2)] الذي حسن خلقه. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: ((إن من خياركم أحسنكم أخلاقا)). [البخاري 3559 مسلم 2321 الترمذي 1975 أحمد 11/ 418].
وحسن الخلق اختيار الفضائل فيه وترك الرذائل، وهو صفة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-، والأولياء، رضي الله تعالى عنهم. [عمدة القاري شرح صحيح البخاري 16/ 112. وفي إرشاد الساري: حسن الخلق احتياز الفضائل واجتناب الرذائل. 6/ 31].
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء)). [رواه الترمذي 2002 وقال هذا حديث حسن صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: الفم والفرج”. [رواه الترمذي 2004 وقال هذا حديث صحيح غريب].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)). [رواه أبو داود 4798]
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)). [رواه الترمذي 201].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((البر حسن الخلق)) [رواه مسلم 2553].
وحسن الخلق يقوم على أربعة أركان لا يتصور قيام ساقه إلا عليها: الصبر، والعفة، والشجاعة، والعدل.
فالصبر: يحمله على الاحتمال وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم والأناة والرفق، وعدم الطيش والعجلة.
والعفة: تحمله على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل، وتحمله على الحياء. وهو رأس كل خير. وتمنعه من الفحشاء، والبخل والكذب، والغيبة والنميمة.
والشجاعة: تحمله على عزة النفس، وإيثار معالي الأخلاق والشيم، وعلى البذل والندى، الذي هو شجاعة النفس وقوتها على إخراج المحبوب ومفارقته. وتحمله على كظم الغيظ والحلم. فإنه بقوة نفسه وشجاعتها يمسك عنانها، ويكبحها بلجامها عن النزغ والبطش. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد: الذي يملك نفسه عند الغضب» وهو حقيقة الشجاعة، وهي ملكة يقتدر بها العبد على قهر خصمه.
والعدل: يحمله على اعتدال أخلاقه، وتوسطه فيها بين طرفي الإفراط والتفريط. فيحمله على خلق الجود والسخاء الذي هو توسط بين الذل والقحة. وعلى خلق الشجاعة، الذي هو توسط بين الجبن والتهور. وعلى خلق الحلم، الذي هو توسط بين الغضب والمهانة وسقوط النفس. ومنشأ جميع الأخلاق الفاضلة من هذه الأربعة. [مدارج السالكين 2/ 294]
[03] الذي لا يؤذي المسلمين بأي أنواع من أنواع الأذى ولو باللسان واليد. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)). مسلم 40، أحمد 11/ 366.
المراد بهذا الحديث: الحض على ترك أذى المسلمين باللسان واليد والأذى كله [شرح صحيح البخاري لابن بطال 1/ 62]، فسلامة المسلمين من لسان العبد ويده واجبة، فإن أذى المسلم حرام باللسان وباليد، فأذى اليد: الفعل، وأذى اللسان: القول. [فتح الباري لابن رجب 1/ 38 – 39]
والظاهر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما وصف بهذا في هذا الحديث؛ لأن السائل كان مسلما قد أتى بأركان الإسلام الواجبة لله عز وجل، وإنما يجهل دخول هذا القدر الواجب من حقوق العباد في الإسلام، فبين له النبي صلي الله عليه وسلم ما جهله. [نفس المصدر 1/ 38]
وعبر باللسان دون القول ليدخل فيه من أخرج لسانه استهزاء بصاحبه، وقدمه على اليد؛ لأن إيذاءه أكثر وقوعًا وأشد نكاية، ولله در القائل:
جراحات السنان لها التئام … ولا يلتام ما جرح اللسان
وخصّ اليد مع أن الفعل قد يحصل بغيرها؛ لأن سلطنة الأفعال إنما تظهر بها إذ بها البطش والقطع والوصل والأخذ والمنع، ومن ثم غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان متعذرًا الوقوع بها، فالمراد من الحديث ما هو أعم من الجارحة كالاستيلاء على حق الغير من غير حق، فإنه أيضًا إيذاء لكن ليس باليد الحقيقية. وقد قرن اللسان باليد؛ لأن الإيذاء باللسان واليد أكثر من غيرهما، فاعتبر الغالب، وإقامة الحدود وإجراء التعازير والتأديبات إلى آخره مستثناة من هذا العموم بالإجماع، أو أنها ليست إيذاء بل هي عند التحقيق استصلاح وطلب للسلامة لهم ولو في المآل، والحديث يشمل حتى الذمي ولو جاء في الظاهر التقييد بالمسلمين فإنه قد ذُكر المسلمون هنا بطريق الغالب، ولأن كف الأذى عن المسلم أشد تأكيدا لأصل الإسلام. [انظر عمدة القاري 1/ 133 وإرشاد الساري 1/ 94].
بعض الناس يفعل كثير من الخيرات و مع هذا قد تجده لا يحكم لسانه ولا يملك زمامه، فينفلت منه لسانه فيقع في أعراض الناس ويمزق لحومهم!! فلا يستطيع أن يملك لسانه عن السب والشتم واللعن. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء”، وقد تجد الرجل مع ما فيه من الخير والصلاح لا يملك لسانه عن الغيبة والنميمة، ……. [الفتاوى للشيخ عبدالرزاق عفيفي: أرجو شرح الحديث: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”].
[04] الذي يبدأ بالسلام بعد الهجر عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)). [البخاري 6077 مسلم 2560 أبو داود 4911 الترمذي 1932 مالك 691 أحمد 21/ 64].
((ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)): مقتضاه من دليل الخطاب أن الهجرة في الثلاث معفو عنها، وإنما الحرج فيما بعد ثلاث؛ إذ لابد للبشر من مغاضبة، وسوء خلق، ووجد لأمر يقع بينهم، فعفى عن الثلاث.
وقوله: ((وخيرهما الذى يبدأ بالسلام)) يحتج به من يرى أن السلام يقطع الهجرة، ويزيل الحرج، وإن لم يكلمه. وهو قول مالك وغيره. وقال أحمد بن حنبل وابن القاسم: إن كان يؤذيه فلا يقطع السلام هجرته. وعندنا أنه إذا اعتزل كلامه لم تقبل شهادته عليه وإن سلم عليه. ومعنى قوله: ((وخيرهما الذى يبدأ بالسلام)): أي: أفضلهما وأكثرهما ثواباً. [إكمال المعلم 8/ 26].
قال الطبري: في حديث أنس وأبي أيوب البيان الواضح أنه غير جائز لمسلم أن يهجر مسلمًا أكثر من ثلاثة أيام، وأنه إن هجره أكثر من ثلاثة أيام أثم، وكان أمره إلى الله، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه؛ لأنه – عليه السلام – أخبره أنه لا يحل ذَلِكَ، ومن فعل ما هو محظور عليه فقد اقتحم حمى الله، وانتهك حرمته. [انظر شرح البخاري لابن بطال 9/ 269].
وهذا التحريم محله في هجران ينشأ عن غضب لأمر جائز لا تعلق له بالدين، فأما الهجران لمصلحة دينية من معصية أو بدعة فلا منع منه وقد «أمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بهجران كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع – رضي الله عنهم -» قال ابن عبد البر وفي حديث كعب هذا دليل على أنه جائز أن يهجر المرء أخاه إذا بدت له منه بدعة أو فاحشة يرجو أن يكون هجرانه تأديبا له وزجرا عنها.
وقال أبو العباس القرطبي: فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك ولا يختلف في هذا. وقال ابن عبد البر أيضا: أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث إلا أن يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه فإن كان كذلك رخص له في مجانبته ورب صرم جميل خير من مخالطة مؤذية. وقال الخطابي فأما هجران الوالد الولد والزوج الزوجة ومن كان في معناهما فلا يضيق أكثر من ثلاث وقد «هجر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نساءه شهرا» [طرح التثريب 8/ 98].
[05] إذا كان على المؤمن حق وفا الحق بإحسان أو زاد.
118 – … عَنْ أَبِي رَافِعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ، فَقَالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقَالَ: ((أَعْطِهِ إِيَّاهُ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً)). [مسلم (1600)] وقال: ((فَإِنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللهِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً)). [مسلم (1600)] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَسُولِ اللهِ ? حَقٌّ، فَأَغْلَظَ لَهُ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ?، فَقَالَ النَّبِيُّ ?: ((إِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا، فَقَالَ لَهُمْ: اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ))، فَقَالُوا: إِنَّا لَا نَجِدُ إِلَّا سِنًّا هُوَ خَيْرٌ مِنْ سِنِّهِ، قَالَ: ((فَاشْتَرُوهُ، فَأَعْطُوهُ إِيَّاهُ، فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ، أَوْ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً)). [مسلم (1601)] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أيضًا، قَالَ: اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللهِ ? سِنًّا، فَأَعْطَى سِنًّا فَوْقَهُ، وَقَالَ: ((خِيَارُكُمْ مَحَاسِنُكُمْ قَضَاءً)). [مسلم (1601)]
[06] الذي كان معظم بره لأهله.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) [الترمذي 3895 الدارمي 2306 والطبراني في “الأوسط” (6/ 187) والبيهقي في “سننه الكبرى” (7/ 468) وصححه الألباني في الصحيحة برقم 285 و1174 و2678.
وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنكم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم)). الترمذي 1162 ابن حبان في “صحيحه” (1/ 293). مصنف ابن أبي شيبة 13/ 30 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1567].
قوله ((خيركم)): يعني من خياركم وأفاضلكم من كان معظم بره لأهله. [فيض القدير للمناوي 3/ 496].
والأهل يشمل الزوجات والأقارب بل الأجانب أيضا، فإنهم من أهل زمانه. [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقاري 5/ 2125].
وقوله: ((وأنا خيركم لأهلي)): أي: فتخلقوا بخلقي واقتدوا بفعلي فألينوا لهم الجانب وأحسنوا معهم المعاملة [التنوير شرح الجامع الصغير 6/ 33].
فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقا وأشجعهم نفسا وأقلهم خيرا، وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره، ولا شك أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق، نسأل الله السلامة [نيل الأوطار للشوكاني 6/ 245 – 246.].
[07] الذي يطعم الطعام وردَّ السلام عن صهيب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خياركم من أطعم الطعام وردَّ السلام)). [أخرجه أحمد في المسند 23927 وأخرجه أبو نعيم في “الحلية” 1/ 153 أخرجه ابن سعد في “الطبقات” 3/ 226 – 227 أخرجه مختصرا بقصة التكني ابن ماجه (3738) البزار في “مسنده” (2094) وغيرهم وقد حسنه الألباني في صحيح الجامع 3318].
(خيركم من أطعم الطعام) للإخوان والجيران والفقراء والمساكين؛ لأن فيه قوام الأبدان وحياة كل حيوان (ورد السلام) على من سلم عليه ورده واجب. وأما الإطعام فإن كان لمضطر فواجب وإلا فمندوب وهذا قاله لمن قال له أي الإسلام خير قال الخطابي: دل صرف الجواب عن جملة خصال الإسلام وأعماله أي: ما يجب من حقوق الآدميين فجعل خير أفعالها في المثوبة إطعام الطعام الذي به قوام الأبدان وخير أقوالها رد السلام الذي به تحصل الألفة بين أهل الإسلام. فقد اشتمل الحديث على نوعي المكارم؛ لأنها إما مالية والإطعام إشارة إليها وإما بدنية والسلام إشارة إليها. وفيه حث على الجود والسخاء [فيض القدير للمناوي 3/ 496].
[08] الذي يلين منكبه في الصلاة عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خياركم ألينُكم مناكب في الصلاة)). [أبو داود 672, ابن خزيمة في “صحيحه” (3/ 80) وابن حبان في “صحيحه” (5/ 52) والضياء المقدسي في “الأحاديث المختارة” (11/ 191) والبيهقي في “سننه الكبير” (3/ 101) والبزار في “مسنده” (11/ 368) وصححه الألباني في صحيح الجامع 32645].
قيل: معناه أنه إذا كان في الصف وأمره أحد بالاستواء، أو بوضع يده على منكبه ينقاد ولا يتكبر، فالمعنى أسرعكم انقيادا، وقيل: معناه لزوم السكينة والوقار في الصلاة، فلا يلتفت ولا يحاك بمنكبه منكب صاحبه، فالمعنى أكثركم سكينة ووقارا، وقيل: معناه لا يمتنع أحدكم لضيق المكان على من يريد الدخول بين الصف لسد الخلل. [مرقاة المفاتيح للقاري 3/ 853].
[09] الذي يحسن الصحبة والجوار عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره)) الترمذي 1944 الدارمي 2481 ابن خزيمة في “صحيحه” (4/ 239) وابن حبان في “صحيحه” (2/ 276) والحاكم في “مستدركه” (1/ 443) وأحمد 6677, والطبراني في “الكبير” (14/ 37) وسعيد بن منصور في “سننه” (7/ 184) والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (7/ 229)، وصححه الألباني في صحيح الجامع 3270.
(خير الأصحاب عند الله) أي أكثرهم ثوابا عنده (خيرهم لصاحبه) أي أكثرهم إحسانا إليه ولو بالنصيحة (وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) أي ولو برفع الأذى عنه. [تحفة الأحوذي للمباركفوري 6/ 63].
والصاحب يقع على الأدنى والأعلى والمساوي في صحبة دين أو دنيا سفرا أو حضرا فخيرهم عند الله منزلة وثوابا فيما اصطحبا أكثرهما نفعا لصاحبه وإن كان الآخر قد يفضله في خصائص أخر (وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) فكل من كان أكثر خيرا لصاحبه أو جاره فهو الأفضل عند الله تعالى وفي إفهامه أن شرهم عند الله شرهم لصاحبه أو جاره وبه صرح في عدة أخبار قال الحرالي: ويبنى على ذلك أنه ينبغي أن يخدم من يصحبه ومن شيخ عليه تلمذة له فإن كان ذلك بحق لم يخطئ وإن كان بهرجا تزيف في أيسر مدة فإن المزخرف من القول والفعل في أيسر زمان يتبهرج. [فيض القدير 3/ 469].
[10] أكثرهم نفعا للناس بنعمة يسديها أو نقمة يزويها عنهم دينا أو دنيا عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير الناس أنفعهم للناس)) [أخرجه القضاعي في مسند الشهاب 1234وهو في المعجم الأوسط للطبراني 6/ 58 وحسنه الألباني في صحيح الجامع 3289].
بالإحسان إليهم بماله وجاهه فإنهم عباد فإنهم عباد الله وأحبهم إليه وأنفعهم لعياله أي: أشرفهم عنده أكثرهم نفعا للناس بنعمة يسديها أو نقمة يزويها عنهم دينا أو دنيا، ومنافع الدين أشرف قدرا وأبقى نفعا، قال بعضهم: هذا يفيد أن الإمام العادل خير الناس أي: بعد الأنبياء؛ لأن الأمور التي يعم نفعها ويعظم وقعها لا يقوم بها غيره وبه نفع العباد والبلاد وهو القائم بخلافة النبوة في إصلاح الخلق ودعائهم إلى الحق وإقامة دينهم وتقويم أودهم ولولاه لم يكن علم ولا عمل. [فيض القدير للمناوي 3/ 481].
[11] الذي عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له. على قول. عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها)) [مسلم 1719 وأبو داود 3596 والترمذي 2295 ابن ماجه 2364. ومالك في “الموطأ” (4/ 1041) برقم: (2665/ 588) وابن حبان في “صحيحه” (11/ 470)].
وفي المراد بهذا الحديث تأويلان أصحهما وأشهرهما تأويل مالك وأصحاب الشافعي: أنه محمول على من عنده شهادة لإنسان بحق ولا يعلم ذلك الإنسان أنه شاهد فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له.
والثاني أنه محمول على شهادة الحسبة وذلك في غير حقوق الآدميين المختصة بهم فما تقبل فيه شهادة الحسبة الطلاق والعتق والوقف والوصايا العامة والحدود ونحو ذلك، فمن علم شيئا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به والشهادة قال الله تعالى: {وأقيموا الشهادة لله} وكذا في النوع الأول يلزم من عنده شهادة لإنسان لا يعلمها أن يعلمه إياها لأنها أمانة له عنده وحكي تأويل ثالث أنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله كما يقال الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير توقف. قال العلماء: وليس في هذا الحديث مناقضة للحديث الآخر في ذم من يأتي بالشهادة قبل أن يستشهد في قوله صلى الله عليه وسلم يشهدون ولا يستشهدون، وقد تأول العلماء هذا تأويلات أصحها تأويل أصحابنا أنه محمول على من معه شهادة لآدمي عالم بها فيأتي فيشهد بها قبل أن تطلب منه والثاني أنه محمول على شاهد الزور فيشهد بما لا أصل له ولم يستشهد والثالث أنه محمول على من ينتصب شاهدا وليس هو من أهل الشهادة والرابع أنه محمول على من يشهد لقوم بالجنة أو بالنار من غير توقف، وهذا ضعيف والله أعلم [شرح مسلم للنووي 12/ 17].
[12] النساء اللواتي يتوددن للزوج ويوفقنه عن أبي أذينة الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن، إلا مثل الغراب الأعصم)) [أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 13478 وصححه الألباني في صحيح الجامع 3330.].
قلت سيف: فيه عبدالله بن صالح كاتب الليث وأبو أذينة مختلف في صحبته. ويغني عنه حديث عبدالله بن عمرو وفيه: لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان. أخرجه أحمد وهو في الصحيح المسند 1010. وورد من حديث عبادة بن الصامت ولفظه مثل المرأة المؤمنة كمثل الغراب الأبلق في غربان سود، … لا ثانية لها ولا شبه لها. أورده الهيثمي 4/ 274 وقال: رواه الطبراني، وإسحاق بن يحيى لم يدرك عبادة وبقية رجاله ثقات.
وراجع الصحيحة 1850. وراجع شرحنا على الصحيح المسند 1010.
(خير نسائكم الولود الودود) أي: المتحببة إلى زوجها (المواسية المواتية) أي: الموافقة للزوج (إذا اتقين الله) أي: خفنه وأطعنه في فعل المأمور وتجنب المنهي (وشر نسائكم المتبرجات) أي: المظهرات زينتهن للأجانب وهو مذموم لغير الزوج (المتخيلات) أي: المعجبات المتكبرات والخيلاء بالضم العجب والتكبر (وهن المنافقات) أي: يشبههن (لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم) الأبيض الجناحين أو الرجلين أراد قلة من يدخل الجنة منهن؛ لأن هذا الوصف في الغراب عزيز. [فيض القدير للمناوي 3/ 492].
[13] الزوجة التي تجعل الزوج مسرورًا، ولا تخالفه بما لا يرضاه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قيل لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره». [النسائي 3233 وأحمد (7539) الحاكم في “مستدركه” (2/ 161) والبيهقي في “سننه الكبير” (7/ 82) والطيالسي في “مسنده” (4/ 86) والطبراني في “الأوسط” (2/ 325) وصححه الألباني في صحيح الجامع 3298].
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند. وقال صاحب قرة العين: سنده محمد بن عجلان اختلطت عليه أحاديث المقبري. لكن روي من طريق أبي معشر السندي وأبو معشر نجيح ضعيف
(أي النساء خير؟): أي: أحسن وأيمن (قال: التي تسره): أي: زوجها، والمعنى تجعله مسرورا (إذا نظر): أي: إليها ورأى منها البشاشة وحسن الخلق ولطف المعاشرة، وإن اجتمعت الصورة والسيرة فهي سرور على سرور، ونور على نور (وتطيعه إذا أمر): أي: في غير معصية الخالق (ولا تخالفه في نفسها ولا مالها): أي: ماله الذي بيدها كقوله تعالى {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم} [النساء: 5] ويؤيده الحديث الثاني (بما يكره): أي: من الجناية والخيانة، وقال الطيبي – رحمه الله -: يحتمل الحقيقة بأن يكون الرجل معسرا والمجاز أي ماله الذي بيدها اهـ فعلى الأول يحمل على حسن المعاشرة [مرقاة المفاتيح للقاري 5/ 2132].
[14] الذي طال عمره، وحسن عمله عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رجلا قال: يا رسول الله أي الناس خير، قال: «من طال عمره، وحسن عمله» الحديث. [الترمذي 2329 وأحمد في (17956) والضياء المقدسي في “الأحاديث المختارة” (9/ 41) والبيهقي في “سننه الكبير” (3/ 371) وابن أبي شيبة في “مصنفه” 19/ 327 والطبراني في “الأوسط” (2/ 118) وصححه الألباني في صحيح الجامع 3297]. وهو في الصحيح المسند 559
[15] الذي كان شريفًا في الجاهلية أسلم وتفقه «فخِيارُكم في الجاهليةِ خِيارُكم في الإسلامِ، إذا فَقُهوا» (صحيح البخاري [4689]).
[16] الذي يرجى خيره ويؤمن شره «خيرُكُم مَن يُرجَى خيرُهُ ويُؤمَنُ شرُّهُ» (صحيح الترمذي [2263]). وهو في الصحيح المسند 1423.
[17] الَّذينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ «خيارُ عبادِ اللهِ الَّذينَ إذا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ» (صحيح الترغيب [2824]).
قلت سيف: وحسنه محققو المسند لغيره
[18] ذُو القلبِ المخمُومِ واللسانِ الصَّادِقِ «خيرُ الناسِ ذُو القلبِ المخمُومِ واللسانِ الصَّادِقِ، قِيلَ: ما القلبُ المخمُومِ؟ قال: هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ الذي لا إِثْمَ فيه ولا بَغْيَ ولا حَسَدَ. قِيلَ: فَمَنْ على أثَرِهِ؟ قال: الَّذي يَشْنَأُ الدُّنيا، ويُحِبُّ الآخِرةَ. قِيلَ: فمَنْ على أثَرِهِ؟ قال: مُؤمِنٌ في خُلُقٍ حَسَنٍ» (صحيح الجامع [3291]).
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند … . قال أبوحاتم في العلل 1873 هذا الحديث صحيح حسن.
[19] خيرهم في الفتن «خيرُ الناسِ في الفِتَنِ رَجلٌ أخَذَ بِعنانِ فَرَسِهِ خَلْفَ أعداءِ اللهِ، يُخِيفُهمْ و يُخِيفُونهُ، أو رَجلٌ مُعتَزِلٌ في بادِيَةٍ يُؤَدِّي حَقَّ اللهِ الذي عليْهِ» (صحيح الجامع [3292]).
[20] الذين كانوا في القرون الثلاثة المفضلة «خيرُ النَّاسِ قَرني، ثمَّ الَّذين يَلونَهم، ثمَّ الَّذين يَلونَهم» (صحيح البخاري [2652]).
[21] خيارُ أئمَّتِنا: الَّذين نحبُّونهم ويحبوننا «خيارُ أئمَّتِكم: الَّذين تُحبُّونهم ويُحبُّونكم» (صحيح مسلم [1855]).
[22] الذي يتصدق وهو غني
«خيرُ الصدقةِ ما كان عن ظهْرِ غِنًي» (صحيح البخاري [1426]). أي: أفضلها ما وقع من غير محتاج إلى ما يتصدق به لنفسه أو لمن تلزمه نفقته، ولفظ الظهر مزيد في مثله إشباعاً للكلام، قاله الخطابي ونقله في «النهاية» وزاد قوله تمكيناً كأنه صدقته مستندة إلى ظهر قوى من المال، والمعنى: أفضلها ما أخرجه الإنسان من ماله بعد استبقائه منه قدر الكفاية.
وقال البغوي: المراد غنى يستظهر به على النوائب التي تنوبه، ونحوه قولهم: ركب متن السلامة والتنكير في غنى للتعظيم، هذا هو المعتمد في معنى الحديث، وقيل: خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة، وقيل: عن للسببية والظهر زائد: أي خير الصدقة ما كان سببه غنى المتصدق.
قال القرطبي: يرد على تأويل الخطابي ما جاء في فضل الإيثار على النفس من الكتاب والسنة، ومنها حديث أبي ذرّ: «أفضل الصدقة جهد من مقل» والمختار أن معنى الحديث: أفضلها ما وقع بعد القيام بحقوق النفس والعيال بحيث لا يصير المتصدق محتاجاً بعد صدقته إلى أحد، فمعنى الغنى في الحديث: حصول ما يدفع به الحاجة الضرورية كأكل عند جوع مشوّش لا صبر عليه، فالحاجة إلى ما يدفع به الأذى عن نفسه، لا يجوز الإيثار به بل يحرم، لأن الإيثار به يؤدي إلى هلاك النفس والإضرار بها، أو إلى ما يستر له العورة، فمراعاة نفسه أولى، فإذا سقطت هذه الواجبات صحّ الإيثار وكانت صدقته أفضل لأجل ما يتحمله من مضض الفقر وشدة مشقته، فبهذا يندفع التعارض اهـ ملخصاً من «الفتح» [انظر: دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين]
[23] الذي كان مهره يسيرا «خيرُ النِّكاحِ أيْسَرُهُ» (صحيح الجامع [3300]).قال في عون المعبود: “أَيْ: أَسْهَله عَلَى الرَّجُل بِتَخْفِيفِ الْمَهْر وَغَيْره. وَقَالَ الْعَلَّامَة الشَّيْخ الْعَزِيزِيّ: أَيْ: أَقَلّه مَهْرًا، أَوْ أَسْهَله إِجَابَة لِلْخِطْبَةِ” اِنْتَهَى.
وروى أحمد (23957) وابن حبان (4095) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا) حسنه الألباني في “صحيح الجامع” (2235).
قلت سيف: له شواهد راجع تحقيقنا للنضرة.
وروى الترمذي (1114) عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال: (أَلَا لَا تُغَالُوا صَدُقَةَ النِّسَاءِ , فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً) صححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
والأوقية: أربعون درهماً، ووزن الدرهم بالجرامات: 2.975 جراماً.
رجح الدارقُطني في العلل أن ابن سيرين سمعه من أبي العجفاء
قال ابن عساكر ابوالعجفاء مجهول، لا يدرى من هو. وقال الذهبي: ما عملت روى عنه سوى يحيى.
لكن هنا روى عنه ابن سيرين ووثقه ابن حبان والعجلي والفسوي.
لكن قال البخاري في حديثه نظر. ووثقه ابن معين. وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم. وجاء لهذا الحديث متابعات يشد بعضها بعضا يصح بها الحديث راجع الأحاديث المعلة في مسند أحمد.
[24] عن سعد بن أبي وقاص وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فضل العلم أحبُّ إليَّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع)) [[3972] رواه الحاكم (1/ 170) (314)، والبيهقي في ((الآداب)) (1/ 335) (830). حسن إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/ 72)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع))
قلت سيف: سأل البخاري عنه فلم يعد هذا الحديث محفوظا ولم يعرف هذا الحديث عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الدارقُطني في العلل 591:وذكر أسانيد عن حذيفة وعن أبي هريرة وعن ثوبان وعن جابر ….. وليس يثبت من هذه الأسانيد شيء وإنما يروى هذا عن مطرف بن عبد الله بن الشخير من قوله.
وراجع علل الدارقُطني أيضا 1935
وأعله البيهقي قال: هذا الحديث يروى مرفوعا بأسانيد ضعيفة وهو صحيح من قول مطرف بن عبد الله بن الشخير. 456 المدخل إلى السنن الكبرى.
والبزار قال: إنما يعرف من كلام مطرف المسند 2969
(4214)] قال المناوي: (لأنَّ الوَرِع دائم المراقبة للحقِّ، مستديم الحذر أن يمزج باطلًا بحقٍّ، كما قال الحبر: كان عمر كالطير الحذر. والمراقبة توزن بالمشاهدة، ودوام الحذر يعقب النجاة والظفر) [((فيض القدير)) (3/ 487)]
المسألة الثالثة: هل الأحاديث التي ورد فيها (خيركم) و (خير الناس) وذكر فيها أعمال مختلفة، متعارضة؟ ?أنه لا تعارض على الحقيقة بين نصوص الشرع، فإنها جميعا من مشكاة واحدة.
وأما ما ورد من الاختلاف الذي يظهر بين الأحاديث التي ورد فيها خير الناس أو خيركم وهكذا، فالحقيقة أنه لا تعارض بينها، في حقيقة الأمر، البتة، وبيان ذلك كما يلي:-
أولا:
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تختلف أجوبته على السؤال الواحد بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَاحْتِيَاجِ الْمُخَاطَبِينَ، فربما يكون الزمان يستدعي الحث على عمل ما، وربما يكون حال السائل خاصة، هو الذي يستدعي ذلك.
قال الطيبي في “شرح المشكاة” (3/ 867):” ووجه التوفيق: أنه صلى الله عليه وسلم أجاب لكل بما يوافق غرضه، وما يرغب فيه، أو أجاب علي حسب ما عرف من حاله، بما هو يليق به وأصلح له؛ توفيقاً له على ما خفي عليه.
وقد يقول القائل: خير الأشياء كذا، ولا يريد تفضيله في نفسه علي جميع الأشياء، ولكن يريد أنه خيرها في حال دون حال، ولواحد دون آخر، وذلك مثل قولك في موضع يحمد فيه السكوت: لا شيء أفضل من السكوت، وقولك حيث يحمد الكلام: لا شيء أفضل من الكلام.
ولقد تعاضدت النصوص على فضل الصلاة على الصدقة، ثم إن تجددت حال تقتضي مواساة مضطر، أو إصلاح ذات، بين فتكون الصدقة حينئذ أفضل … “. انتهى
ثانيا:
أن جملة خيركم أو خير الناس، لا يلزم منها الخيرية المطلقة في كل موطن، وإنما قد تكون هذه الخيرية مقيدة بوجه ما أو بحال دون حال، فيكون تقدير الكلام: من خير الناس، ومن خيركم، فيكون المعنى أن من اتصف بتلك الصفات فهو من خير الناس، كما يقول أحدنا عن رجل كريم مثلا: أكرم الناس فلان، فهذا لا ينفي الكرم عن غيره، وقد سبق تقرير هذا الوجه في كلام الطيبي السابق نقله.
وقد نقل النووي أيضا عن الإمام القفال الكبير، من أئمة الشافعية.: ” أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهَا بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ اخْتِلَافُ جَوَابٍ جَرَى عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ خَيْرُ الْأَشْيَاءِ كَذَا، وَلَا يُرَادُ بِهِ خَيْرُ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ؛ بَلْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَاسْتَشْهَدَ في ذلك بأخبار، منها: عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (حَجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يَحُجَّ أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِينَ غَزْوَةً، وَغَزْوَةٌ لِمَنْ حج أفضل من أربعين حجة).
الوجه الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ كَذَا، أَوْ مِنْ خَيْرِهَا، أَوْ مِنْ خَيْرِكُمْ مَنْ فَعَلَ كَذَا، فَحُذِفَتْ مِنْ وَهِيَ مُرَادَةٌ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ أَعْقَلُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ، وَيُرَادُ: أَنَّهُ مِنْ أَعْقَلِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ.
وَمَنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَيْرُكُمْ: خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ)، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ خِيرَ النَّاسِ مُطْلَقًا.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَزْهَدُ النَّاسِ فِي الْعَالِمِ جِيرَانُهُ، وَقَدْ يُوجَدُ فِي غَيْرِهِمْ مَنْ هُوَ أَزْهَدُ مِنْهُمْ فِيهِ.
هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ رَحِمَهُ اللَّهُ” انتهى.
وأيده على ذلك الحافظ ابن حجر في “الفتح” (1/ 79) فقال: ” وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ لَفْظَةَ مِنْ مُرَادَةٌ، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ أَعْقَلُ النَّاسِ، وَالْمُرَادُ مِنْ أَعْقَلِهِمْ، وَمِنْهُ حَدِيثُ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ)، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ خَيْرَ النَّاسِ”. انتهى
ثالثا:
أن يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم على سبب ما، أو حدث معين، يستدعي من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرغب الناس في خصلة من خصال الخير.
فمن ذلك قوله: “خيركم خيركم لأهله ” جاء سبب ذلك عند ابن حبان في صحيحه (4186) بإسناد جيد عن ابن عباس: ” أن الرجال استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضرب النساء، فأذن لهم، فضربوهن، فبات فسمع صوتا عاليا، فقال: ما هذا؟ قالوا: أذنت للرجال في ضرب النساء فضربوهن فنهاهم وقال: ((خيركم خيركم لأهله وأنا من خيركم لأهلي)) “.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: “خيركم أحسنكم قضاء “؛ فقد جاء فيه عند البخاري (2305): ” أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَتَقَاضَاهُ، فَأَغْلَظَ، فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا)، ثُمَّ قَالَ (أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّه)، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ نَجِدُ إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ، فَقَالَ (أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً). والله أعلم.