479 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
479 – قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج 9 ص 130): حدثنا عبد بن حميد أخبرنا محمد بن بشر العبدي ويعلى بن عبيد عن حجاج بن دينار عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هذه الآية {ما ضربوه لك إلا جدلًا بل هم قوم خصمون}
هذا حديث حسن صحيح إنما نعرفه من حديث حجاج بن دينار وحجاج ثقة مقارب الحديث وأبو غالب اسمه حزور.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج 1 ص 19).
———
قال محققو المسند 22164:
حديث حسن بطرقه وشواهده، وأبو غالب -وهو البصري نزيل أصبهان- يعتبر به في المتابعات والشواهد، ومن دونَه لا بأس بهم. عبد الواحد الحداد: هو ابن واصل، أبو عبيدة البصري.
وأخرجه ابن ماجه (48)، والترمذي (3253)، وابن أبي عاصم في “السنة” (101)، والطبري في “التفسير” 25/ 88، والعقيلي في “الضعفاء” 1/ 286، والطبراني (8067)، والآجري في “الشريعة” ص 54، وابن عدي 4/ 1613، والحاكم 2/ 447 – 448، والسهمي في “تاريخ جرجان” ص 74، والبيهقي في “الشعب” (8438)، وابن عبد البر في “جامع بيان العلم وفضله” 2/ 96 – 97 من طرق عن حجاج بن دينار الواسطي، بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
بوب عليه ابن بطه:
بَابُ ذَمِّ الْمِرَاءِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ أَهْلِ الْجِدَالِ وَالْكَلَامِ
بوب عليه اللالكائي في شرح أصول إعتقاد أهل السنة والجماعة:
سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مناظرة أهل البدع وجدالهم والمكالمة معهم والاستماع إلى أقوالهم المحدثة وآرائهم الخبيثة
بوب عليه الهروي في ذم الكلام وأهله:
بَابُ الْبَيَانِ أَنَّ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ إِنَّمَا اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ مَا اعْتَصَمُوا بِالتَّسْلِيمِ وَالاتِّبَاعِ وَأَنَّهُمْ لَمَّا تَكَلَّفُوا وَخَاصَمُوا ضَلُّوا وَهَلَكُوا
بوب عليه مقبل في الجامع:
74 – ما جاء في ذم الجدل لغير فائدة
131 – ذم الجدل بالباطل
314 – قوله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}
48 – الإعراض عن المشركين إذا دفعوا عن الشرك إذا كان الجدل لا ينفع فيهم
قال الآجري:
ذِكْرُ صِفَةِ مُنَاظَرَةِ هَذَا الْعَالِمِ
إِذَا احْتَاجَ إِلَى مُنَاظَرَةٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: ” اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، وَوَفَّقَنَا وَإِيَّاكُمْ لِلرَّشَادِ، أَنَّ مِنْ صِفَةِ هَذَا الْعَالِمِ الْعَاقِلِ الَّذِي فَقَّهَهُ اللَّهُ فِي الدِّينِ، وَنَفَعَهُ بِالْعِلْمِ، أَنْ لَا يُجَادِلَ، وَلَا يُمَارِيَ، وَلَا يُغَالِبَ بِالْعِلْمِ إِلَّا مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَغْلِبَهُ بِالْعِلْمِ الشَّافِي، وَذَلِكَ يَحْتَاجُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَى مُنَاظَرَةِ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الزَّيْغِ، لِيَدْفَعَ بِحَقِّهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ، وَخَرَجَ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَكُونَ غَلَبَتُهُ لِأَهْلِ الزَّيْغِ تَعُودُ بَرَكَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، عَلَى الِاضْطِرَارِ إِلَى الْمُنَاظَرَةِ، لَا عَلَى الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ مِنْ صِفَةِ الْعَالِمِ الْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَالِسَ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، وَلَا يُجَادِلَهُمْ، فَأَمَّا فِي الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى عِلْمِ مَسْأَلَةٍ قَدْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، لَابُدَّ لَهُ أَنْ يُجَالِسَ الْعُلَمَاءَ وَيُنَاظِرَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْقَوْلَ فِيهَا عَلَى صِحَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُنَاظِرْ لَمْ تَقْوَ مَعْرِفَتُهُ؟ قِيلَ لَهُ: بِهَذِهِ الْحِجَّةِ يَدْخُلُ الْعَدُوُّ عَلَى النَّفْسِ الْمُتَّبِعَةِ لِلْهَوَى، فَيَقُولُ: إِنْ لَمْ تُنَاظِرْ وَتُجَادِلْ لَمْ تَفْقَهْ، فَيَجَعَلُ هَذَا سَبَبًا لِلْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ سُوءَ عَاقِبَتِهِ، الَّذِي حَذَّرَنَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَحَذَّرَنَاهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ صَادِقٌ، بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ» وَعَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالْمِرَاءَ، فَإِنَّهَا سَاعَةُ جَهْلِ الْعَالِمِ، وَبِهَا يَبْتَغِي الشَّيْطَانُ زَلَّتَهُ»
وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: «مَا رَأَيْنَا فَقِيهًا يُمَارِي» وَعَنِ الْحَسَنِ، أَيْضًا قَالَ: «الْمُؤْمِنُ يُدَارِي، وَلَا يُمَارِي، يَنْشُرُ حِكْمَةَ اللَّهِ، فَإِنْ قُبِلَتْ حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنْ رُدَّتْ حَمِدَ اللَّهَ» وَرُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَحْبَبْتَ أَخًا فَلَا تُمَارِهْ، وَلَا تُشَارِهْ، وَلَا تُمَازِحْهُ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: ” وَعِنْدَ الْحُكَمَاءِ: أَنَّ الْمِرَاءَ أَكْثَرُهُ يُغَيِّرُ قُلُوبَ الْإِخْوَانِ، وَيُوَرِّثُ التَّفْرِقَةَ بَعْدَ الْأُلْفَةِ، وَالْوَحْشَةَ بَعْدَ الْأُنْسِ، وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ»
فَالْمُؤْمِنُ الْعَالِمُ الْعَاقِلُ يَخَافُ عَلَى دِينِهِ مِنَ الْجَدَلِ وَالْمِرَاءِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا يَصْنَعُ فِي عِلْمٍ قَدْ أُشْكِلَ عَلَيْهِ؟
قِيلَ لَهُ: إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَنْبِطَ عِلْمَ مَا أُشْكِلَ عَلَيْهِ، قَصَدَ إِلَى عَالِمٍ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِعِلْمِهِ اللَّهَ، مِمَّنْ يُرْتَضَى عِلْمُهُ وَفَهْمُهُ وَعَقْلُهُ، فَذَاكَرَهُ مُذَاكَرَةَ مَنْ يَطْلُبُ الْفَائِدَةَ وَأَعْلِمْهُ أَنَّ مُنَاظَرَتِي إِيَّاكَ مُنَاظَرَةَ مَنْ يَطْلُبُ الْحَقَّ، وَلَيْسَتْ مُنَاظَرَةَ مُغَالِبٍ، ثُمَّ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْإِنْصَافَ لَهُ فِي مُنَاظَرَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحِبَّ صَوَابَ مُنَاظِرِهِ، وَيَكْرَهَ خَطَأَهُ، كَمَا يُحِبُّ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَيَكْرَهُ لَهُ مَا يَكْرَهُ لِنَفْسِهِ، وَيُعْلِمُهُ أَيْضًا: إِنْ كَانَ مُرَادُكَ فِي مُنَاظَرَتِي أَنْ أُخْطِئَ الْحَقَّ، وَتَكُونَ أَنْتَ الْمُصِيبَ وَيَكُونُ أَنَا مُرَادِي أَنْ تُخْطِئَ الْحَقَّ وَأَكُونُ أَنَا الْمُصِيبُ، فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ عَلَيْنَا فِعْلُهُ، لِأَنَّ هَذَا خُلُقٌ لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ مِنَّا، وَوَاجِبٌ عَلَيْنَا أَنْ نَتُوبَ مِنْ هَذَا.
فَإِنْ قَالَ: فَكَيْفَ نَتَنَاظَرُ؟ قِيلَ لَهُ: مُنَاصَحَةً، فَإِنْ قَالَ: كَيْفَ الْمُنَاصَحَةُ؟ أَقُولُ لَهُ: لَمَّا كَانَتْ مَسْأَلَةٌ فِيمَا بَيْنَنَا أَقُولُ أَنَا: إِنَّهَا حَلَالٌ، وَتَقُولُ أَنْتَ: إِنَّهَا حَرَامٌ، فَحُكْمُنَا جَمِيعًا أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا كَلَامَ مَنْ يَطْلُبُ السَّلَامَةَ، مُرَادِي أَنْ يَنْكَشِفَ لِي عَلَى لِسَانِكَ الْحَقُّ، فَأَصِيرَ إِلَى قَوْلِكَ، أَوْ يَنْكَشِفَ لَكَ عَلَى لِسَانِيَ الْحَقُّ، فَتَصِيرَ إِلَى قُولِي مِمَّا يُوَافِقُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَنَا رَجَوْتُ أَنْ تُحْمَدَ عَوَاقِبُ هَذِهِ الْمُنَاظَرَةِ، وَنُوَفَّقَ لِلصَّوَابِ، وَلَا يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَصِيبٌ.
وَمِنْ صِفَةِ هَذَا الْعَالِمِ الْعَاقِلِ إِذَا عَارَضَهُ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ وَالْمُنَاظَرَةِ بَعْضُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ مُنَاظَرَتَهُ لِلْجَدَلِ، وَالْمِرَاءِ وَالْمُغَالَبَةِ، لَمْ يَسَعْهُ مُنَاظَرَتُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ قَوْلَهُ، وَيَنْصُرَ مَذْهَبَهُ، وَلَوْ أَتَاهُ بِكُلِّ حُجَّةٍ مِثْلِهَا يَجِبُ أَنْ يَقْبَلَهَا، لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ، وَنَصَرَ قَوْلَهُ.
وَمَنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ لَمْ تُؤْمَنْ فِتْنَتُهُ، وَلَمْ تُحْمَدْ عَوَاقِبُهُ …
[أخلاق العلماء للآجري ص56]
تنبيه أثر معاذ:
مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَحْبَبْتَ أَخًا فَلَا تُمَارِهْ، وَلَا تُشَارِهْ، وَلَا تُمَازِحْهُ» هو في صحيح الأدب المفرد
وأورد الآجري في الشريعة بَابُ ذَمِّ الْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ
وذكر فيه أحاديث وآثارا كثيرة جدا منها:
113 – وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالْمِرَاءَ، فَإِنَّهَا سَاعَةُ جَهْلِ الْعَالِمِ، وَبِهَا يَبْتَغِي الشَّيْطَانُ زَلَّتَهُ»
114 – وَحَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: كَانَ أَبُو قِلَابَةَ يَقُولُ: ” لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، وَلَا تُجَادِلُوهُمْ، فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَغْمِسُوكُمْ فِي الضَّلَالَةِ، أَوْ يُلْبِسُوا عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ بَعْضَ مَا لُبِّسَ عَلَيْهِمْ
117 – وَحَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، أَيْضًا قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى قَالَ: انْصَرَفَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَوْمًا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَهُو مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِي فَلَحِقَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْجُوَيْرِيَةِ كَانَ يُتَّهَمُ بِالْإِرْجَاءِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ اسْمَعْ مِنِّي شَيْئًا أُكَلِّمُكَ بِهِ وَأُحَاجُّكَ وَأُخْبِرُكَ بِرَايِي قَالَ: فَإِنْ غَلَبْتَنِي؟ قَالَ: إِنْ غَلَبْتُكَ اتَّبَعْتَنِي قَالَ: فَإِنْ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ، فَكَلَّمَنَا فَغَلَبَنَا؟ قَالَ: نَتَّبِعُهُ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: يَا عَبْدَ اللَّهِ، بَعَثَ اللَّهُ عز وجل مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِدِينٍ وَاحِدٍ، وَأَرَاكَ تَنْتَقِلُ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ
قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: مَنْ جَعَلَ دِينَهُ غَرَضًا لِلْخُصُومَاتِ أَكْثَرَ التَّنَقُّلَ
118 – وَحَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بنُ دَاوُدَ الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالَ ثنا مَخْلَدٌ، عَنْ هِشَامٍ يَعْنِي ابْنَ حَسَّانَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، تَعَالَ حَتَّى أُخَاصِمَكَ فِي الدِّينِ، فَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَّا أَنَا فَقَدْ أَبْصَرْتُ دِينِي، فَإِنْ كُنْتَ أَضْلَلْتَ دِينَكَ فَالْتَمِسْهُ
120 – وَحَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ، زِيَادُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ قَالَ لِأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ أَسْأَلُكَ عَنْ كَلِمَةٍ قَالَ: فَوَلَّى أَيُّوبُ، وَجَعَلَ يُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ: وَلَا نِصْفِ كَلِمَةٍ وَلَا نِصْفِ كَلِمَةٍ ”
121 – وَحَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ جَدِّي، أَسْمَاءَ بْنَ خَارِجَةَ يُحَدِّثُ قَالَ: دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَقَالَا: يَا أَبَا بَكْرٍ نُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ؟ قَالَ: لَا قَالَا: فَنَقْرَأُ عَلَيْكَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عز وجل؟ قَالَ: لَا، لَتَقُومَنَّ عَنِّي أَوْ لَأَقُومَنَّ
122 – وَحَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ الْأَنْطَاكِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ يَا مُوسَى لَا تُخَاصِمْ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ يَا مُوسَى لَا تُجَادِلْ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، فَيَقَعْ فِي قَلْبِكَ شَيْءٌ، فَيُرْدِيَكَ فَيُدْخِلَكَ النَّارَ
123 – قَالَ زُهَيْرٌ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رحمه الله يَقُولُ: سَمِعْتُ مَرْوَانَ بْنَ شُجَاعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيَّ يَقُولُ: مَا خَاصَمَ وَرِعٌ قَطُّ فِي الدِّينِ
129 – حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أنا أَبُو الْحَكَمِ قَالَ: أنا مُوسَى بْنُ أَبِي كَرْدَمَ وَقَالَ غَيْرُهُ: ابْنُ أَبِي دَرْمٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: بُلِّغَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ مَجْلِسٍ، كَانَ فِي نَاحِيَةِ بَابِ بَنِي سَهْمٍ، يَجْلِسُ فِيهِ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَيَخْتَصِمُونَ، فَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: انْطَلِقُوا بِنَا إِلَيْهِمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى وَقَفْنَا، فَقَالَ لِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْهُمْ عَنْ كَلَامِ الْفَتَى الَّذِي كَلَّمَ بِهِ أَيُّوبَ عليه السلام وَهُوَ فِي بَلَائِهِ، قَالَ وَهْبٌ: فَقُلْتُ: قَالَ الْفَتَى: يَا أَيُّوبُ أَمَا كَانَ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَذِكْرِ الْمَوْتِ مَا يَكِلُّ لِسَانَكَ وَيَقْطَعُ قَلْبَكَ وَيَكْسِرُ حُجَّتَكَ، يَا أَيُّوبُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِبَادًا أَسْكَنَتْهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ عِيٍّ وَلَا بُكْمٍ، وَإِنَّهُمْ لَهُمُ النُّبَلَاءُ الْفُصَحَاءُ الطُّلَقَاءُ الْأَلِبَّاءُ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ وَأَيَّامِهِ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَلَّتْ أَلْسِنَتُهُمْ وَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ وَأَحْلَامُهُمْ فَرَقًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَيْبَةً لَهُ فَإِذَا اسْتَفَاقُوا مِنْ ذَلِكَ اسْتَبَقُوا إِلَى اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ، لَا يَسْتَكْثِرُونَ لِلَّهِ الْكَثِيرَ وَلَا يَرْضَوْنَ لَهُ بِالْقَلِيلِ يَعُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ مَعَ الظَّالِمِينَ الْخَاطِئِينَ، وَإِنَّهُمْ لَأَنْزَاهٌ، أَبْرَارٌ، أَخْيَارٌ، وَمَعَ الْمُضَيِّعِينَ الْمُفْرِطِينَ، وَإِنَّهُمْ
لَأَكْيَاسٌ أَقْوِيَاءُ، نَاحِلُونَ دَائِبُونَ، يَرَاهُمُ الْجَاهِلُ فَيَقُولُ: مَرْضَى وَلَيْسُوا بِمَرْضَى، وَقَدْ خُولِطُوا وَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ
[الشريعة للآجري 1/ 429]
قال القرطبي في شرح صحيح مسلم:
(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء
[2594] عَن عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَبغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ. رواه أحمد (6/ 55)، والبخاريُّ (2457)، ومسلم (2668)، والترمذيُّ (2976)، والنسائي (8/ 247).
ومن باب: كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء
قوله: إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم) الرواية الخصم – بسكون الصاد – وقد قيده بعضهم بكسرها، وكلاهما اسم للمخاصم، وهذا المبغوض عند الله تعالى هو الذي يُقصد بخصومته: مدافعة الحق، ورده بالأوجه الفاسدة، والشبه الموهمة، وأشد ذلك الخصومة في أصول الدين، كخصومة أكثر المتكلمين المعرضين عن الطرق التي أرشد إليها كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وسلف أمته، إلى طرق مبتدعة، واصطلاحات مخترعة، وقوانين جدلية، وأمور صناعية، مدار أكثرها على مباحث سوفسطائية، أو مناقشات لفظية ترد بشبهها على الآخذ فيها شبه ربما يعجز عنها، وشكوك يذهب الإيمان معها، وأحسنهم انفصالا عنها أجدلهم لا أعلمهم، فكم من عالم بفساد الشبهة لا يقوى على حلها! وكم من منفصل عنها لا يدرك حقيقة علمها! ثم إن هؤلاء المتكلمين قد ارتكبوا أنواعا من المحال لا يرتضيها البُله، ولا الأطفال، لما بحثوا عن تحيز الجواهر، والأكوان والأحوال، …. وكيفية الصفات، ولذلك قال العليم الخبير: {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
ولا تبادر بالإنكار فعل الأغبياء الأغمار؛ فإنك قد حُجبت عن كيفية حقيقة نفسك مع علمك بوجودها، وعن كيفية إدراكاتك، مع أنك تدرك بها. وإذا عجزت عن إدراك كيفية ما بين جنبيك، فأنت عن إدراك ما ليس كذلك أعجز. …. ولو لم يكن في الجدال إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه الضلال، كما قال فيما خرجه الترمذي: ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، وقال: إنه صحيح.
قلت: وقد رجع كثير من أئمة المتكلمين عن الكلام بعد انقضاء أعمار مديدة، وآماد بعيدة، لما لطف الله تعالى بهم، وأظهر لهم آياته، وباطن برهانه، فمنهم: إمام المتكلمين أبو المعالي، فقد حكى عنه الثقات أنه قال: لقد خليت أهل الإسلام وعلومهم، وركبت البحر الأعظم، وغصت في الذي نهوا عنه، كل ذلك رغبة في طلب الحق، وهربا من التقليد، والآن فقد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز، وأختم عاقبة أمري عند الرحيل بكلمة الإخلاص، والويل لابن الجويني. وكان يقول لأصحابه: يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ ما تشاغلت به.
وقال أحمد بن سنان: كان الوليد بن أبان الكرابيسي، خالي، فلما حضرته الوفاة قال لبنيه: تعلمون أحدا أعلم مني؟ قالوا: لا، قال: فتتهموني؟ قالوا: لا، قال: فإني أوصيكم، أفتقبلون؟ قالوا: نعم. قال: عليكم بما عليه أصحاب الحديث، فإني رأيت الحق معهم. وقال أبو الوفا بن عقيل: لقد بالغت في الأصول طول عمري، ثم عدت القهقرى إلى مذهب المكتب.
[المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 6/ 689]
قال ابن رجب:
سُورَةُ الزُّخْرُفِ
قوله تعالى: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
ومما أنكره السلفُ: الجدالُ والخصامُ والمراءُ في مسائلِ الحلالِ والحرامِ، ولم
يكنْ ذلكَ طريقةَ أئمةِ الإسلامِ، وإنَّما أحدثَ ذلكَ بعدَهُم كما أحدَثَهُ فقهاءُ
العراقيينَ في مسائل الخلافِ بين الشافعية والحنفية، وصنفوا كتبَ الخلافِ
ووسَّعُوا البحثَ والجدالَ فيها، وكلُّ ذلك لا أصلَ له وصارَ ذلكَ علمُهُم.
حتى شغَلَهم عن العلِم النافع.
وقد أنكرَ ذلك السلفُ ووردَ في الحديث المرفوع في “السنن “:
” ما ضل قوم بعدَ هدى كانُوا عليه إلا أوتوا الجدلَ “.
ثم قرأ: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58).
وقال بعضُ السلفِ: إذا أرادَ اللَّهُ بعبدٍ خيرًا فتحَ له بابَ العملِ وأغلقَ عنه
باب الجدلِ، وإذا أراد اللَّهُ بعبدٍ شرًّا أغلقَ عنه بابَ العملِ، وفتحَ له بابَ
الجدلِ.
وقال مالكٌ: أدركتُ أهل هذه البلدةِ وإنَّهم ليكرهونَ هذا الإكثارَ الذي
عليه الناسُ اليومَ، يريدُ المسائلَ.
وكان يعيبُ كثرةَ الكلامِ والفُتيا ويقولُ:
يتكلمُ أحدُهُم كأنَّه جمل مغتلم، يقولُ: هو كذا هو كذا، يهدرُ كلامَهُ، وكان يكرهُ الجوابَ في كثرةِ المسائلِ، ويقولُ: قالَ اللَّه عز وجل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)، فلم يأتِهِ في ذلكَ جوابٌ.
وقيل له: الرجلُ يكونُ عالمَا بالسنةِ يجادل عنها، قال: لا، ولكنْ يخبرُ
بالسنةِ، فإمَّا قُبِلَ منه وإلا سكتَ.
وقال: المراءُ والجدال في العلم يذهبُ بنورِ العلم.
وقالَ: المراءُ في العلم يُقَسِّي القلبَ ويورثُ الضغْنَ.
وكان يقول في المسائلِ التي يسأل عنها كثيرًا: لا أدْرِي.
كان الإمام أحمدُ يسلك سبيلَه في ذلك.
وقد وردَ النهيُ عن كثرة المسائلِ وعن أغلوطاتِ المسائلِ، وعن المسائلِ قبلَ
وقوع الحوادِثِ.
[تفسير ابن رجب الحنبلي 2/ 237]
حكم الجدال في الدين
قال رحمه الله تعالى: [والذي نختاره قول أئمتنا:
ترك المراء في الدين، والكلام في الإيمان مخلوق أو غير مخلوق، ومن زعم أن الرسول ? واسط يؤدي وأن المرسل إليهم أفضل فهو كافر بالله].
فقد جاء في بعضها الوعيد، ومن تلك الأحاديث:
(والمراء في الدين كفر) فأصل الجدال في الدين كفر، لكن الجدال يختلف، فإن كان في أصل العقيدة والتوحيد، مع الشك في تلك الأمور فهو كفر وردة، أما إن كان جدالًا في أمور شرعية فهذا هو الذي عليه الوعيد.
وقوله: (والذي نختار قول أئمتنا ترك المراء في
الدين والكلام في الإيمان مخلوق أو غير مخلوق) يعني: يسأل هل الإيمان مخلوق أو غير مخلوق؟ لما في ذلك من الإيهام، وإلا من المعلوم أن أعمال العباد أفعالهم وأقوالهم مخلوقة.
فهو يقول: نختار السكوت عن هذا، وغيره يختار
التفصيل في هذا، ويقول: أعمال العباد مخلوقة، وأما كلام الله فهو منزل غير مخلوق.
شرح الحموية لابن تيمية – الراجحي (9) / (13)
وَأَمَّا ارْتِفَاعُ الْأَصْوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ فَنَاشِئٌ عَنْ
بِدْعَةِ الْجِدَالِ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ قِرَاءَةِ الْعِلْمِ وَإِقْرَائِهِ وَسَمَاعِهِ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَمِنْ آدَابِهِ أَنْ لَا تُرْفَعَ فِيهِ الْأَصْوَاتُ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ؟ فَالْجِدَالُ فِيهِ زِيَادَةُ الْهَوَى، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِي الْأَصْلِ. فَقَدْ جَعَلَ الْعُلَمَاءُ مِنْ عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ تَرْكَ الْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ. وَهُوَ الْكَلَامُ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ فِي الْكَلَامِ فِيهِ. كَالْكَلَامِ فِي الْمُتَشَابِهَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَغَيْرِهِمَا. وَكَمُتَشَابِهَاتِ الْقُرْآنِ. وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: «تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ? هَذِهِ الْآيَةَ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} [آل عمران: (7)] قَالَ: فَإِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمُ الَّذِينَ عَنَى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»
الاعتصام للشاطبي (2) / (586)
الجدال والخصام في الدين
الجدال: مصدر جادل، والجدل منازعة الخصم
للتغلب عليه، وفي القاموس الجدل: اللدد في الخصومة، والخصام: المجادلة فهما بمعنى واحد.
وينقسم الخصام والجدال في الدين إلى قسمين
الأول: أن يكون الغرض من ذلك إثبات الحق
وإبطال الباطل وهذا مأمور به إما وجوبا، أو استحبابا بحسب الحال لقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
الثاني: أن يكون الغرض منه التعنيت، أو الانتصار
للنفس، أو للباطل فهذا قبيح منهي عنه لقوله تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا}. وقوله: {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}.
علامة أهل البدع وذكر بعض طوائفهم
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (5) / (90) — ابن عثيمين (ت (1421))
العقيدة?شرح لمعة الاعتقاد?الجدال والخصام في الدين
أصُول السّنة عندنَا التَّمَسُّك بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب
رَسُول الله ? والاقتداء بهم
وَترك الْبدع وكل بِدعَة فَهِيَ ضَلَالَة وَترك
الْخُصُومَات فِي
الدّين وَالسّنة تفسر الْقُرْآن وَهِي دَلَائِل الْقُرْآن
وَلَيْسَ فِي السّنة قِيَاس وَلَا تضرب لَهَا الْأَمْثَال وَلَا تدْرك
بالعقول وَلَا الْأَهْوَاء إِنَّمَا هُوَ الإتباع وَترك الْهوى
أصول السنة لأحمد بن حنبل (1) / (14)
قال سعيد بن وهف القحطاني:
الفصل الثاني: الخصومات والجدال
المبحث الأول: الجدال بالباطل
الجدل: اللّدد في الخصومة والقدرة عليها، يُقال: جادل مُجادلةً وجدالاً: إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب، والجدال نوعان:
النوع الأول: الجدال المحمود الممدوح: وهو كل جدال أيّد الحق أو أوصل إليه بنية صالحة خالصة وطريق صحيح.
قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. وقال عز وجل: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}.
والمجادلة بالتي هي أحسن هي التي تكون عن علم، وبصيرة، وبحسن الخلق، ولطف، ورفق، ولين، وحسن خطاب، ودعوة إلى الحق، وتحسينه، وردّ الباطل، وبيان قبحه بأقرب طريق موصل إلى ذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المغالبة وحبّ العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق.
النوع الثاني: الجدال المذموم: وهو كل جدال أيد الباطل أو أوصل إليه، أو كان بغير علم وبصيرة.
وهذا النوع هو من أعظم آفات اللسان، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}.
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}.
{وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا}.
{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تعلّموا العلم لتُباهوا به العلماء؛ ولا لتُماروا به السفهاء، ولا لتَخيّروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار)).
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ((لا تعلّموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله، فإنه يدوم ويبقى، وينفد ما سواه)).
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضلّ قومٌ بعد هُدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، ثم تلا: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ})).
وقد ضَمِنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيتاً في الجنة لمن ترك الجدال بالباطل من أجل الله عز وجل فقال عليه الصلاة والسلام: ((أنا زعيم ببيتٍ في رَبَضِ الجنة لمن ترك المراء وإن كان مُحقاً، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خُلُقه))
الأسباب الباعثة على الجدال بالباطل
لا شك أن الأسباب الباعثة على الجدال بالباطل كثيرة، منها:
1 – الغرور، والكبرياء، والخيلاء.
2 – إظهار العلم والفضل.
3 – الاعتداء على الغير بإظهار نقصه، وقصد أذاه.
وعلاج ذلك بالتوبة إلى الله تعالى، وبأن يكسر الكبر الباعث له على إظهار فضله، والعدوان الباعث على احتقار غيره وتنقّصه.
المبحث الثاني: الخصومة والنِّزاع
قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ الله عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَالله لَا يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ الله أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصِمُ)).
والألدُّ: هو شديد اللّدد، كثير الخصومة.
والخَصِمُ الذي يخصم أقرانه ويُحَاجُّهم بالباطل، ولا يقبل الحق.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)). فالشيطان يحرش بين المصلين بالخصومات والشحناء، والحروب، والإغراء بين الناس بأنواع المعاصي والفتن وغيرها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبغض كل جعظريّ، جوَّاظ، سخّاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة)).
الجعظري: الفظُّ الغليظُ المتكبر.
والجوّاظ: الجَموع المَنوع.
والسخّاب: كالصخّاب: كثير الضجيج والخصام المتكبر.
جيفة: أي كالجيفة؛ لأنه يعمل كالحمار طوال النهار لدنياه، وينام طوال ليله كالجيفة التي لا تتحرك.
عالم بأمر الدنيا: أي بما يُبْعِدُهُ عن الله عز وجل من السعي في تحصيلها. جاهل بأمر الآخرة، أي بما يقربه ويدنيه من الآخرة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يحبّ الفاحش المتفحّش))، والفاحش الذي يرسل لسانه بما لا ينبغي، وذو الفحش وهو القبيح في الأقوال والأفعال. والمتفحش: الذي يتكلّف ذلك ويتعاطاه ويستعمله.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هلك المتنطِّعون)) قالها ثلاثاً.
التنطُّع في الكلام: التعمّق فيه والتفاصح: فهم المتعمّقون، الغالون، المتجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تتخلّل البقرة بلسانها)). وهو الذي يظهر التفاصح تَيْهاً على الغير، وتفاصحاً واستعلاءً، ووسيلة إلى الاقتدار على تصغير عظيم، أو تعظيم حقير، أو بقصد تعجيزه، أو تزيين الباطل في صورة الحق أو عكسه، أو يقصد إجلال الحكام له ووجاهته وقبول شفاعته. وهو يتشدّق بلسانه كما تتشدّق البقرة بلسانها.
ووجه الشبه: إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل. وهذا كله ما كان على جهة الإعجاب والتعاظم
المبحث الثالث: علاج الخصومات والغضب
من أسباب السلامة من اللّجاج والخصومات كظم الغيظ، والابتعاد عن الغضب وأسبابه، وعلاج الغضب بالأدوية المشروعة يكون بطريقتين:
الطريقة الأولى: الوقاية، ومعلوم أن الوقاية خير من العلاج، وتحصل الوقاية من الغضب قبل وقوعه باجتناب أسبابه والابتعاد عنها، ومن هذه الأسباب التي ينبغي لكل مسلم أن يُطَهِّرَ نفسه منها: الكِبْر، والإعجاب بالنفس، والافتخار، والتَّيْه، والحِرص المذموم، والمزاح في غير مناسبة، أو الهزل، أو ما شابه ذلك.
الطريقة الثانية: العلاج إذا وقع الغضب، وينحصر في أربعة أنواع كالآتي:
النوع الأول: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
النوع الثاني: الوضوء.
النوع الثالث: تغيير الحالة التي عليها الغضبان، بالجلوس، أو الاضطجاع، أو الخروج، أو الإمساك عن الكلام، أو غير ذلك.
النوع الرابع: استحضار ما ورد في فضل كظم الغيظ من الثواب، وما ورد في عاقبة الغضب من الخذلان العاجل والآجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيِّرهُ من الحور ما شاء)).
[آفات اللسان في ضوء الكتاب والسنة ص65]
قال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى:
” وقد تَحَاجَّ المهاجرون والأنصار، وحَاجَّ عبد الله بن عباس الخوارج بأمر علي بن أبي طالب، وما أنكر أحد من الصحابة قط الجدال في طلب الحق.
وأما التابعون ومن بعدهم فتوسعوا في ذلك فثبت أن الجدال المحمود هو طلب الحق ونصره، وإظهار الباطل وبيان فساده ” انتهى من “الفقيه والمتفقه” (1/ 261).
وفي جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ((1) / (134)) عن مالكٍ قال: «المِراءُ يُقسِّي القلبَ ويُورث الضِّغن».
وقال عمر بن عبد العزيز كما جامع بيان العلم وفضله ((2) / (93)): «مَن جعل دينَه غرَضًا للخصومات أكثرَ التَّنقُّلَ».
وأمَّا المجادلةُ بالتي هي أحسن لإظهار الحقّ وردِّ الباطل فذلك حقٌّ، وقد أمر اللهُ به في قوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقال: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا}.
وقد عقد ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله بابًا مِن (ص (92) (99)) لِما تُكرَه فيه المناظرةُ والجدالُ والمِراءُ، وبابًا من (ص (99) (108)) لإثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجَّة، أورد فيهما جملةً مِن النُّصوص والآثار في ذلك.
قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1) / (182) – (184)