4785 الفوائد المنتقاة في شرح صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي ، وعبدالله المشجري.
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، وخميس العميمي. وغيرهم
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم،
بَابُ فَضْلِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ
4785 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ، وَأَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ ، قَالَا : حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِيَانِ ابْنَ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : أَبُو الرَّبِيعِ ، رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي مَخْرَفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ)).
4786 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مَنْ عَادَ مَرِيضًا ، لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ)).
4787 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ((إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا عَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ)).
4788 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، جَمِيعًا عَنْ يَزِيدَ – وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ – حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَبُو قِلَابَةَ ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ ، عَنْ ثَوْبَانَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ((مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ))، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ: ((جَنَاهَا)) حَدَّثَنِي سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
4789 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ ، فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي)).
==========
التمهيد:
“الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، وهكذا نجد المريض ينظر إلى الأصحاء نظرة فاقد النعمة إلى المتمتع بها، وينظر إلى معارفه ومحبيه نظرة أمل في مساعدته أو مواساته أو تخفيف آلامه ولو بكلمة تسأل عن صحته وتشعره بنوع من المشاركة في ابتلائه فما بالك من دعا له. فلا تسأل عن عظيم رجائه بربه أن يتقبل الدعاء .
من هنا شرع الإسلام عيادة المريض وجعلها حقا على المسلم للمسلم إن المريض كثيرا ما يشعر أنه لم يعد له حول ولا قوة، وتكون زيارته وعيادته استجابة لأوامر الله ورسوله لا رغبة في خير دنيوي، ولا رهبة من أذى بشري، ولكنها الرغبة في ثواب الله والعمل على طاعة أوامر الله، فيكون أجره عظيما .
إن المريض في حاجة إلى المواساة والنصيحة والدعوة الصالحة والوعظ والتذكير، وليعلم الزائر أنه يوما ما سيرقد رقدة المريض ويحتاج مثل ما يحتاج والجزاء من جنس العمل فمن عاد المرضى هيأ الله له عند مرضه من يعوده ويواسيه ويساعده وينصح له ويدعو له؛ فإن الله مع المريض وليس جزاء الإحسان إلا الإحسان”.[فتح المنعم].
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته: (عائد المريض) سميت زيارة المريض عيادة لما فيها من التكرار والعود غالبا، وهذا الثواب لا يتوقف على التكرار.
( في مخرفة الجنة حتى يرجع) في رواية ( في خرفة الجنة حتى يرجع ) بضم الخاء وسكون الراء، وفي رواية تفسير خرفة الجنة بجناها مرفوعا هذا التفسير للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي الأدب المفرد هو من تفسير الراوي أبي قلابة، والجنا اسم ما يجتني من الثمر، وقيل: هو الثمرة إذا نضجت شبه ما يحوزه عائد المريض من الثواب بما يحوزه الذي يجتني الثمر، وقيل المراد بالمخرفة هنا الطريق، والمعنى أن العائد يمشي في طريق تؤديه إلى الجنة.
والأول أولى كذا قال الحافظ ابن حجر، وفي كتب اللغة خرف في بستانه بفتح الراء يخرف بضمها خرفا أقام فيه وقت اجتناء الثمر في الخريف، وخرف الزارع الثمر جناه في الخريف، والخرفة ما يجتني من الفواكه في الخريف، والمخرفة البستان والطريق الواضح والسكة بين صفين من النخيل، وجمعها مخارف، وعند البخاري (من عاد مريضا خاض في الرحمة ) أي: طيلة طريقه حتى إذا قعد عند المريض استقر فيها فالمراد من الجنة في حديثنا الرحمة المؤدية إلى الجنة.
( إن الله عز وجل يقول يوم القيامة) (يا ابن آدم مرضت فلم تعدني) ( قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين) ( قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده) ( أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده)
قال الشيخ محمد ابن عثيمين: ” هذا الحديث ليس فيه إشكال في قوله تعالى: ((مرضت فلم تعدني))؛ لأن الله تعالى يستحيل عليه المرض؛ لأن المرض صفة نقص، والله سبحانه وتعالى منزة عن كل نقص، قال الله تبارك وتعالى {سبحان ربك رب العزة عما يصفون}، لكن المراد بالمرض: مرض عبد من عباده الصالحين
ولهذا قال: ((أما إنك لو عدته لوجدتني عنده)) ولم يقل لوجدت ذلك عندي كما قال في الطعام والشراب بل قال: ((لوجدتني عنده)) وهذا يدل على قرب المريض من الله عز وجل ولهذا قال العلماء: إن المريض حري بإجابة الدعاء إذا دعا لشخص أو دعا على شخص. وفي هذا دليل على استحباب عيادة المريض، وأن الله سبحانه وتعالى عند المريض وعند من عاده لقوله لوجدتني عنده، وقد سبق لنا كيف تكون عيادة المريض وما ينبغي أن يقوله له العائد .
يا ابن آدم استطعمتك ((فلم تطعمني)) يعني: طلبت منك طعاما فلم تطعمني، ومعلوم أن الله تعالى لا يطلب الطعام لنفسه لقول الله تبارك وتعالى (….ِ وَهُوَ یُطۡعِمُ وَلَا یُطۡعَمُۗ …)
[سورة الأنعام 14] فهو غني عن كل شيء لا يحتاج لطعام ولا شراب لكن جاع عبد من عباد الله فعلم به شخص فلم يطعمه، قال الله تعالى: ((أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي)) يعني: لوجدت ثوابه عندي مدخرا لك الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وفي هذا دليل على استحباب إطعام الجائع وأن الإنسان إذا أطعم الجائع وجد ذلك عند الله ((يا ابن آدم استسقيتك)) أي: طلبت منك أن تسقيني فلم تسقيني قال ((كيف أسقيك وأنت رب العالمين)) يعني: لست في حاجة إلى طعام ولا شراب، قال: أما علمت أن عبدي فلانا ظمئ أو استسقاك فلم تسقه، أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي، ففيه أيضا دليل على فضيلة إسقاء من طلب منك السقيا وأنك تجد ذلك عند الله مدخرا الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والشاهد من هذا الحديث الجملة الأولى منه وهي قوله (مرضت فلم تعدني ) ففيه دليل على استحباب عيادة المريض والله الموفق “. [شرح رياض الصالحين]
قال شيخ الإسلام في التدمرية ص٧٣: “وهذا صريح في (أن) الله سبحانه وتعالى لم يمرض ولم يجع ولكن مرض عبده وجاع عبده فجعل جوعه ومرضه مرضه مفسرًا ذلك بأنك (لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، ولو عدته لوجدتني عنده) فلم يبق في الحديث لفظ يحتاج إلى تأويل”.
فقه الحديث:- قال النووي اتفق العلماء على فضل عيادة المريض، وجزم بعضهم بالوجوب على ظاهر الأمر بالعيادة؛ فيما رواه البخاري (أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني) ، وفيما رواه البخاري ومسلم ( حق المسلم على المسلم خمس …. )فذكر منها عيادة المريض ، ووقع في بعض روايات مسلم ( خمس تجب للمسلم على المسلم …) فذكرها منها.
قال ابن بطال : يحتمل أن يكون الأمر على الوجوب بمعنى الكفاية كإطعام الجائع وفك الأسير، ويحتمل أن يكون للندب للحث على التواصل والألفة وجزم الداودي بالأول فقال هي فرض يحمله بعض الناس عن بعض.
وقال الجمهور : هي في الأصل ندب وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض، وعن الطبري تتأكد في حق من ترجى بركته وتسن فيمن يراعي حاله، وتباح فيما عدا ذلك، ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب أي: عدم الوجوب العيني.
– قال الحافظ ابن حجر واستدل بقوله (عودوا المريض ) على مشروعية العيادة في كل مريض، واستثنى بعضهم الأرمد لكون عائده قد يرى من الأذى ما لا يراه هو، واستدل بحديث أخرجه البيهقي والطبراني مرفوعا ( ثلاثة ليس لهم عيادة العين أي مرض العين والرمل والضرس). لكن البيهقي صحح أنه موقوف.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
المسألة الأولى (1): فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في عيادة المرضى
وقال ابن القيم – رحمه الله -: “فصل: في هديه صلى الله عليه وسلم في عيادة المرضى
كان صلى الله عليه وسلم يعودُ مَنْ مَرِضَ من أصحابه، وعاد غلاماً كان يَخدِمه مِن أهل الكتاب، وعاد عمَّه وهو مشرك، وعرض عليهما الإِسلام، فأسلم اليهودي، ولم يسلم عمُّه.
وكان يدنو من المريض، ويجلِسُ عند رأسه، ويسألُه عن حاله، فيقول: كيف تجدُك؟
وذكر أنه كان يسأل المريضَ عما يشتهيه، فيقول: (هَل تَشْتَهِي شَيئاً)؟ فإن اشتهى شيئاً وعلِم أنه لا يضرّه، أمر له به.
وكان يمسح بيده اليُمنى على المريض، ويقول: (اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاس، أَذْهِبِ البأْسَ، واشْفِه أَنتَ الشَّافي، لا شِفَاءَ إلا شِفاؤكَ، شِفاءً لا يُغادر سَقَماً).وكان يقول: (امسَح البَأسَ رَبَّ النَاس، بيَدكَ الشِّفَاءُ، لا كَاشفَ له إلاَّ أنت).
وكان يدعو للمريض ثلاثاً كما قاله لسعد: (اللهم اشْفِ سَعْداً، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً).
وكان إذا دخل على المريض يقول له: (لا بَأسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللّه).. وربما كان يقول: (كَفَّارَةٌ وَطَهورٌ).
وكان يَرْقِي مَن به قَرحة، أو جُرح، أو شكوى، فيضِع سبَابته بالأرض، ثم يرفعها ويقول: (بِسْمِ اللّه، تُرْبَةُ أرْضِنا، بِرِيقَةِ بَعضِنا يُشْفى سَقِيمُنَا، بإذْنِ رَبِّنا) هذا في (الصحيحين)، وهو يبطل اللفظة التي جاءت في حديث السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وأنهم لا يرْقُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ فقوله في الحديث: (لا يرقون) غلط من الراوي، سمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول ذلك. قال: وإنما الحديث (هم الذين لا يَسْتَرْقُونَ). قلت: وذلك لأن هؤلاء دخلوا الجنة بغير حساب، لكمال توحيدهم، ولهذا نفى عنهم الاسترقاء، وهو سؤالُ الناس أن يرقوهم. ولهذا قال:(وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، فلكمال توكُّلهم على ربهم، وسُكونهم إليه، وثقتهم به، ورِضاهم عنه، وإنزال حوائجهم به، لا يسألون الناس شيئاً، لا رُقيةً ولا غيرها، ولا يحصُلُ لهم طِيرَةٌ تصدُّهم عما يقصِدونه، فإن الطِّيَرَةَ تَنْقُصُ التوحيد وتُضْعِفُه. قال: والراقي متصدِّق مُحسن، والمسترقي سائل، والنبي صلى الله عليه وسلم رَقَى، ولم يسترق، وقال: (مَنْ اسْتطاع منكم أَنْ يَنْفَعَ أَخاه فَلْيَنْفَعْه).
فإن قيل: فما تصنعون بالحديث الذي في (الصحيحين) عن عائشة رضي اللّه عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا أوى إلى فراشه، جمع كفَّيه ثم نفَث فيهما، فقرأ {قل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَق} [الفلق: 1]، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الناس} [الناس: 1]، ويمسح بهما ما استطاع مِن جسده، ويبدأ بهما على رأسه ووجهه ماَ أقبل من جسده، يفعلُ ذلك ثلاث مرات قالت عائشة: فلما اشتكى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، كان يأمرني أن أفعل ذلك به. ؟
فالجواب: أن هذا الحديث قد روي بثلاثة ألفاظ: أحدها: هذا. والثاني: أنه كان ينفُث على نفسه، والثالث: قالت: كنت أنفُث عليه بهن، وأمسح بيد نفسه لبركتها، وفي لفظ رابع: كان إذا اشتكى، يقرأ على نفسه بالمعوِّذات وينفُث، وهذه الألفاظ يُفسِّر بعضها بعضاً. وكان صلى الله عليه وسلم ينفث على نفسه، وضعفه ووجعُه يمنعه من إمرار يده على جسده كله. فكان يأمر عائشة أن تُمر يده على جسده بعد نفثه هو، وليس ذلك من الاسترقاء في شيء، وهي لم تقل: كان يأمرني أن أرقيه، وإنما ذكرت المسح بيده بعد النفث على جسده، ثم قالت: كان يأمرني أن أفعل ذلك به، أى: أن أمسح جسده بيده، كما كان هو يفعل.
ولم يكن مِن هديه عليه الصلاة والسلام أن يَخُصَّ يوماً من الأيام بعيادة المريض، ولا وقتاً من الأوقات، بل شرع لأمته عيادة المرضى ليلاً ونهاراً، وفي سائر الأوقات. وفي (المسند) عنه: (إذا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ المُسلِمَ مَشَى في خُرفَةِ الجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ، غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإن كَانَ غُدوَةً، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإن كَانَ مَسَاءً، صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ). وفي لفظ (ما مِنْ مُسْلِم يَعُودُ مُسْلِماً إلا بَعَثَ اللَهُ لَه سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يصَلّونَ عَلَيه أَيَّ ساعةٍ مِنَ النَّهار كانت حتَّى يُمْسِيَ، وأيَّ ساعَةٍ مِن الليلِ كانت حتَّى يُصْبِحَ).
وكان يعود من الرمد وغيره. وكان أحياناً يضع يده على جبهة المريض، ثم يمسحُ صدره وبطنه، ويقول: (اللَّهُمَّ اشْفِهِ) وكان يمسح وجهه أيضاً.
وكان إذا يئس من المريض، قال: (إنا للهِ وإنَّا إليه رَاجِعُون). [زاد المعاد في هدي خير العباد].
المسألة الثانية(2): آداب زيارة المريض عيادة المريض، هي: زيارته :
1) حكم عيادة المريض: (سبق ذكر أقوال أهل العلم في فقه الحديث)ذهب بعض العلماء إلى أنها سنة مؤكدة , واختار شيخ الإسلام أنها فرض كفاية، كما في “الاختيارت” (ص 85) , وهو الصحيح . فقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم : (خمس تجب للمسلم على أخيه المسلم : وذكر منها : عيادة المريض ) وفي لفظ : ( حق المسلم على المسلم …) وقال البخاري : ” باب وجوب عيادة المريض وروى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أطعموا الجائع , وعودوا المريض , وفكوا العاني) ” انتهى .
وهذا الحديث يدل على الوجوب , وقد يؤخذ منها أنها فرض كفاية كإطعام الجائع وفك الأسير . ونقل النووي الإجماع على أنها لا تجب . قال الحافظ في الفتح (10/117) : يعني على الأعيان.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في “الشرح الممتع” (5/173) :
” الصحيح أنها واجب كفائي ، فيجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم ” انتهى بتصرف .
2) فضل عيادة المريض:وورد في فضلها أحاديث كثيرة، سبق منها:
1) أحاديث الباب التي في صحيح مسلم.
2) وللترمذي (2008) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ نَادَاهُ مُنَادٍ : أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلا ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي. فيه أنه ينال السعادة والنعيم.
3) وروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ, فَإِذَا جَلَسَ اغْتَمَسَ فِيهَا ) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2504) . فيه: نزول الرحمة والمغفرة.
4) أخرجه أبوداود 3099 و3100 وَأَخْرَجَه التِّرْمِذِيُّ (969) عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ …ِ ) صححه الألباني في صحيح الترمذي . والخريف هو البستان. فيه: صلاة الملائكة له.
قلت سيف بن دوره : على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند
قال أبو داود وأخرجه : أسند هذا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه صحيح.
وعلى فرض ترجيح وقفه فهو في حكم المرفوع فهو على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند وراجع الصحيحة 1367 و 1929 نقل أن الحاكم والبيهقي ذكرا أن له عله في إسناده لكن الحاكم قال إنها غير قادحة . ثم نقل كلام أبي داود السابق ثم ذكر الشيخ الألباني بعض أسانيده.
في الصحيحة 1367 .
ونقل الأرنؤوط في تحقيق سنن ابن ماجه 1442 : أن الدارقطني وقفه العلل 3/267 ، بينما رجح أبوداود رفعه
5) وفي حديث الباب: ((لوجدتني عنده)) وهذا يدل على قرب المريض من الله عز وجل.
وغيرها من الفضائل التي يحس بها من فضل الله عليه بالصحة والعافية.
وليست عيادة المريض خاصة بمن يعرفه فقط، بل هي مشروعة لمن يعرفه ومن لا يعرفه. قاله النووي في “شرح مسلم” .
3) حد المريض الذي تجب عيادته : هو المريض الذي يحبسه مرضه عن شهود الناس, أما إذا كان مريضاً ولكنه يخرج ويشهد الناس فلا تجب عيادته. “الشرح الممتع” (5/171) .
4) عيادة المرأة الأجنبية:
– فيه خلاف، والجمهور على جوازها بشرط التستر وأمن الفتنة ، فلا حرج في عيادة الرجل المرأة الأجنبية ، أو المرأة الرجل الأجنبي عنها ، إذا توفرت الشروط الآتية : التستر، وأمن الفتنة ، وعدم الخلوة.
قال الإمام البخاري : ” باب عيادة النساء الرجال , وعادت أم الدرداء رجلاً من أهل المسجد من الأنصار “. ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها أنها عادت أبا بكر وبلالاً رضي الله عنهما لما مرضا في أول مقدمهم المدينة.
وروى مسلم عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ رضي الله عنهم بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ( انْطَلِقْ بِنَا إلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَزُورُهَا , وَذَهَبَا إلَيْهَا ).
قال ابن الجوزي : ” وَالأَوْلَى حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لا يُخَافُ مِنْهَا فِتْنَةٌ كَالْعَجُوزِ ” انتهى .
5) عيادة الكافر :
– وعيادة المشرك فيها خلاف، قال ابن بطال: إنما تشرع عيادته إذا رجى أن يجيب إلى الدخول في الإسلام فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا.
قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى، وقال الماوردي عيادة الذمي جائزة والقربة موقوفة على نوع حرمة تقترن بها من جوار أو قرابة. والله أعلم. [فتح المنعم، بتصرف يسير]
فلا حرج في عيادة المشرك إذا ترتب على ذلك مصلحة , فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلاماً يهودياً ودعاه إلى الإسلام فأسلم . رواه البخاري (1356) . وحضر النبي صلى الله عليه وسلم موت عمه أبي طالب فدعاه إلى الإسلام فأبى. متفق عليه.
والمصلحة في ذلك قد تكون دعوته إلى الإسلام , أو كف شره أو تأليف أهله ونحو ذلك .. انظر “فتح الباري” (10/125) .
6 – وعيادة الصبيان مشروعة ففيها جبر لخاطر أهليهم
7) هل يكرر العيادة ؟اختار بعض العلماء أنه لا يعوده كل يوم حتى لا يثقل عليه , والصواب أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال , فبعض الناس يستأنس بهم المريض ويشق عليه عدم رؤيتهم كل يوم , فهؤلاء يسن لهم المواصلة ما لم يعلموا من حال المريض أنه يكره ذلك . حاشية ابن قاسم (3/12) .
8 ) ويؤخذ من إطلاقه أيضا عدم التقييد بزمان يمضي من ابتداء مرضه، وهو قول الجمهور وجزم الغزالي في الإحياء بأنه لا يعاد إلا بعد ثلاث، واستند إلى حديث ابن ماجه ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعود مريضا إلا بعد ثلاث )، وهو حديث ضعيف جدا
قال ابوحاتم : باطل.
9) لا يطيل الجلوس عند المريض:
قال: ومن آدابها أن لا يطيل الجلوس حتى يضجر المريض أو يشق على أهله فإن اقتضت ذلك ضرورة فلا بأس.
بل تكون الزيارة خفيفة ، فإن المريض قد تمر به حالات أو أوقات يتألم فيها من المرض ، أو يفعل ما لا يحب أن يطلع عليه أحد , فإطالة الجلوس عنده يوقعه في الحرج .
إلا أنه يعمل في ذلك بقرائن الأحوال , فقد يحب المريض من بعض الناس طول الجلوس عنده. حاشية ابن قاسم (3/12) ، الشرح الممتع (5/174) .
10 ) وفي إطلاق الأحاديث أن العيادة لا تتقيد بوقت دون وقت لكن جرت العادة بها أن تكون في طرفي النهار، ونقل ابن الصلاح عن الفزاري أن العيادة تستحب في الشتاء ليلا وفي الصيف نهارا قال الحافظ ابن حجر وهو غريب.
فلم يرد في السنة ما يدل على تخصيصها بوقت معين , قال ابن القيم : لم يخص صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام , ولا وقتاً من الأوقات بعيادة , بل شرع لأمته ذلك ليلاً ونهاراً , وفي سائر الأوقات اهـ . “زاد المعاد” (1/497) .
وكان بعض السلف يعود المريض في أول النهار أو أول المساء حتى تصلي عليه الملائكة وقتاً أطول , عملاً بالحديث المتقدم : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ , وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إلا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ ).
محققو سنن ابن ماجه قالوا : رجح الدارقطني وقفه 3/267 ، وصحح أبوداود رفعه 3099
لكن يجب مراعاة حال المريض والأرفق به ، فلا ينبغي للزائر أن يختار الوقت الأنسب له، ولو كان في ذلك مشقة على المريض أو على أهله
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَا أَبَا ذَرٍّ، زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا ” رواه الطبراني 10/565 صحيح الترغيب والترهيب 2/350.
وأعله العقيلي وقال : لا يثبت شيء . ورجح أنه من قول عبيد بن عمير لمَّا عاتبته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في قلة الزيارة قال : قول الأول : زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا ( الضعفاء الكبير ترجمة سليمان بن كرز ، وترجمة طلحة بن عمرو الحضرمي )
قال الشاعر :حُسن العيادة يوم بين يومين* * * واقعد قليلاً كمثل اللّحظ بالعين لا تُبرمِنّ عليلاً في مساءلة* * * يكفيك من ذاك تسأله بحرفين
يعني تقول: شفاك الله.
قال بعض الظرفاء لقوم عادوه في مرضه، فأطالوا الجلوس: المريض يعاد، والصحيح يزار.
11) رقية المريض والدعاء له:وينبغي أن يدعو للمريض بما ثبت في السنة : ( لا بأس ، طهور إن شاء الله ) رواه البخاري
ويدعو له بالشفاء ثلاثاً , فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص وقال : ( اللهم اشف سعداً ، ثلاثاً ) رواه البخاري (5659) ومسلم (1628) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسح بيده اليمنى على المريض ويقول : ( أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ , وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي , لا شِفَاءَ إِلا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لا يُغَادِرُ سَقَمًا ) رواه مسلم (2191) .
ولأحمد وأبي داود (3106) أن النَّبِيًّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ : أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ إِلا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ ) صححه الألباني في صحيح أبو داود.
سبق في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1103):روى النسائي رحمه الله : عن محمد بن حاطب، قال: تناولت قدرا فأصاب كفي من مائها فاحترق ظهر كفي، فانطلقت بي أمي إلى النبي صلى الله عليه و سلم، فقال: ((أذهب البأس رب الناس وأحسبه قال واشف أنت الشافي)) ويتفل.
وفي رواية ((أذهب البأس، رب الناس، اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت)).
هذا حديث حسن.
قال الشوكاني رحمه الله: “وهذا الحديث وإن كانت الرقية به لمحروق فإنه لا يدل على أنه لا يُرقى بها إلا المحروق، بل يرقى بها كل من أصيب بشيء كائناً ما كان”.
12 ) الرقية لمن لم يحضر أجله :
ومن كان يحتضر كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأهله : لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب . كما حصل لابنة أو ابن ابنته
و وجد النبي صلى الله عليه وسلم سعدا في غشية فقال : هل قضى
– [عن عائشة أم المؤمنين:] كُنتُ أُعَوِّذُ رسولَ اللهِ ﷺ بدُعاءٍ إذا مرِضَ، كان جِبريلُ يُعوِّذُه به، ويَدْعو له به إذا مرِضَ، قالَتْ: فذَهَبتُ أُعَوِّذُه به: أذْهِبِ الباسَ رَبَّ الناسِ، بيَدِكَ الشِّفاءُ، لا شافيَ إلّا أنتَ، اشْفِ شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا، قالَتْ: فذَهَبتُ أدْعو له به في مَرَضِه الذي تُوفِّيَ فيه، فقال: ارْفَعي عنِّي، قال: فإنَّما كان يَنفَعُني في المُدَّةِ.
شعيب الأرنؤوط (ت ١٤٣٨)، تخريج المسند ٢٦٢٤٣ • صحيح دون قوله: “ارفعي عني، فإنما كان ينفعني في المدة” • أخرجه أحمد (٢٦٢٤٣) واللفظ له، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (٢٠٤٦)، وابن أبي الدنيا في «المرض والكفارات» (١٨٩)
وإن كانت هذه الزيادة ضعيفة لكن التطبيق العملي للنبي صلى الله عليه وسلم يشهد لمعناها فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم لابنته يقول لها 🙁 لله ما أعطى ولله ما أخذ. ….) الحديث في ابن لها يحتضر.
13) تطبيق الصحابة :
روى البخاري في صحيحه عن عبد العزيز بن صهيب، قال: دَخَلْتُ أَنَا وَثَابِتٌ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فَقَالَ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ اشْتَكَيْتُ – أي مرضتُ – فَقَالَ أَنَسٌ: أَلاَ أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ البَاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لاَ شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا».
وروى الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ السَّائِبِ ابْنِ أَخِي مَيْمُونَةَ الْهِلَالِيَّةِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ مَيْمُونَةَ قَالَتْ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي أَلَا أَرْقِيكَ بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: «بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، وَاللَّهُ يَشْفِيكَ، مِنْ كُلِّ دَاءٍ فِيكَ، أَذْهِبْ الْبَاسَ، رَبَّ النَّاسِ، وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إِلَّا أَنْتَ»، وروى الضبي في كتابه الدعاء عن سحيم بن نوفل قال: بينا نحن عند عبد الله – أي ابن مسعود رضي الله عنه إذ جاءت جارية إلى سيدها، وقالت: ما يقعدك؟ قم فابتغِ راقيًا فإن فلانًا قد لَقَعَ فرسَك – أي أصاب فرسك بعين – فتركه يدور كأنه فلك، فقال عبد الله: لا تبغِ راقياً، ولكن ائته، فاتفل في منخره الأيمن أربعًا، وفي الأيسر ثلاثًا، وقل: «بسم الله، لا بأس، أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي لا يكشف الضر إلا أنت»، قال: فما فقمنا من عند عبد الله حتى جاء فقال: قلتُ الذي قلت لي، فلم أبرح حتى أكل وشرب، وراث وبال، قال الحافظ ابن حجر: وحكمه الرفع؛ إذ مثله لا مجال للرأي فيه.
“هذه .. رقية عظيمة تضافر نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواها عنه غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ووصفها غير واحد منهم بأنها رقية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صلوات الله وسلامه عليه إذا عاد مريضًا، أو أُتي له بمريض؛ رقاه بتلك الرقية العظيمة، وكان عليه الصلاة والسلام يرقي نفسه بها،
قال ابن القيم – رحمه الله -: في هذه الرقية توسُّل إلى الله تعالى بكمال ربوبيته ورحمته وأنه وحده الشافي. [زاد المعاد (4/ 188)].
14 ) سبق في كلام الشوكاني أن الرقية ( اللهم رب أذهب البأس. …)، عامة لكل مرض.
فسواء كان مرضًا بدنيًا، أو كان مرضًا نفسيًا”.
“فهذه الرقية العظيمة مشتملة على توسلات عظيمات، والتجاءات مباركات إلى الله سبحانه وتعالى، رب الأرض والسماوات، وأنه الشافي لا شفاء إلا شفاؤه….”. [رقية الرسول صلى الله عليه وسلم، للشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن].
15 – مشروعية الدعاء بالشفاء، والتداوي لرفع البلاء بالرقية الشرعية، مع ما في المرض من كفَّارة ورحمة؛ لأن الدعاء عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى ولا تنافي الثواب والكفَّارة لحصولهما، وكلٌّ من فضل الله تعالى، نزول المرض والصبر عليه والشفاء منه، والداعي بين حسنيين؛ إما نيل مقصوده أو العوض عنه بجلب نفع أو دفع ضر. [ينظر: شرح معاني الآثار (4/329)، وشرح ابن بطال (9/433)، فيض القدير (5/87)، تحفة الأحوذي (10/8).
قال القاضي عياض – رحمه الله -: وترك الاسترقاء أفضل وأعلى عند بعض العلماء والصالحين لما فيه من اليقين أن العبد ما أصابه لم يكن ليخطئه ولا يعدو شيء وقته وهو من كمال التوكل على الله سبحانه. إكمال المعلم (7/100)].
16 – الرقية الشرعية بالآيات والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم سبب لتطييب نفس العليل، وشفائه، وعافيته، ولها آثار عجيبة في الشفاء تتقاعد العقول عن إدراك كنهها، وحصول البرء من المرض بتقدير الله عز وجل ومشيئته وليس في وسع مخلوق تعجيله قبل حينه، وإن لم يكتب للمريض شفاء فإن كل ما يقع من تدبير الطبيب، وخواصّ الدواء لا ينفع ولا ينجع. [ينظر: التمهيد (5/264)، الفتح (10/256)، فيض القدير (5/86)، شرح الزرقاني (4/418)].
17 – من تمام لطف الكريم سبحانه بخلقه أن ابتلاهم بالأدواء، وأعانهم عليها بالأدوية الحسية والمعنوية. [فيض القدير (5/86)].
18 – قال ابن عبد البر والنووي – رحمهما الله -: أجمع العلماء على جواز النفث، واستحبه الجمهور من الصحابة ومن بعدهم التابعين، ونقل القاضي عياض عن بعض علمائه كابن عبدالبر والباجي: أن النفث في الرقية سنَّةٌ، والأخذ بها اقتداءٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم [إكمال المعلم (7/100)، التمهيد (5/279)، المنهاج (14/403)، قال العيني في عمدة القاري (20/24) النفث: إخراج ريح من الفم مع شيء من الريق].
وسئلت عائشة – رضي الله عنها – عن نفث النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية، فقالت: كما ينفث آكل الزبيب. [رواه الحميدي في مسنده (1/114 ح233). وهو صحيح]، وهو يقتضي أن يلقي اليسير من الرِّيق.
19 – قال القاضي عياض – رحمه الله -: فائدة النفث والتفل اليسير – والله أعلم – التبرك بتلك الرطوبة أو الهواء والنَّفَس المباشر للرقية والذكر الحسن والدعاء الطيب، وقد يكون على وجه التفاؤل بزوال ذلك الألم عن المريض وانفصاله عنه، كانفصال ذلك النفث عن فيّ الراقي. [إكمال المعلم (7/101)، المنهاج (14/403)، فتح الباري (10/242)، عمدة القاري (21/262)، الديباج (5/212)].
وقال ابن القيم – رحمه الله -: في النفث سرٌّ عجيب؛ لأن الرقية تخرج من قلبه وفمه، فيكون التأثير بها أقوى نفوذًا وأتمَّ للرقية، واستعانة الراقي بها في إزالة الضرر وإطفاء حرارة الألم كاستعانة تلك النفوس الخبيثة بلسعها وإحراقها وإفسادها. [زاد المعاد (4/181- 182) مختصرًا].
20 – (النَّفْث): النون والفاء والثاء أصل صحيح يدلُّ على خروج شيء من فمٍ وهو أقلُّ من التَّفْل، شبيه بالنفخ، وقيل هو التفل بعينه[معجم مقاييس اللغة (ص1002)، وينظر: لسان العرب (2/196)، الغريب لابن سلام (1/299)، النهاية في غريب الحديث (5/87)]، والصحيح الأول .
21 – المسح باليد اليمنى على الوجع سنة عند الرقية، وهي من التفاؤل بزوال الألم وذهاب المكروه. [شرح ابن بطال (9/433)، إكمال المعلم (7/101)، عمدة القاري (21/262)].
22 -كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء من هذا المرض بعينه؛ لأنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض آخر، وكان يكرر الرقية ليكون أبلغ في الضراعة وأنجع في الاستجابة. [عون المعبود (10/274)، تحفة الأحوذي (10/8)].
23 – فيه لطف النبي صلى الله عليه وسلم ولين جانبه بالمسلمين. حتى مرة طاف بالانصار لمّا انتشرت عندهم الحمى . ودعا الله أن يحول حماها إلى الجحفة .
24 – قال الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله-: الأدلة التي تثبت بها أسماء الله تعالى وصفاته هي كتاب الله تعالى، وسنَّةُ رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تثبت أسماء الله وصفاته بغيرها. اهـ [مجلة البحوث الإسلامية (12/ 209) بحث بعنوان : قواعد في أدلة الأسماء والصفات للشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله- .
وينظر: فتح الباري (10/254)، عون المعبود (10/273)، تحفة الأحوذي (10/8)].
وأثبت هذا الحديث اسم عظيم من أسمائه سبحانه وهو (الشافي) وله أصل في القرآن الكريم وهو قوله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [سورة الشعراء، الآية: 80].
والشافي هو الذي يشفي عباده من الأسقام والأمراض ويعافيهم.[ الحلقة (4)
25 – قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: “كل القرآن شفاء من أوله إلى آخره، وإذا قرأ الفاتحة فهي أعظم سورة في القرآن … كررها كما قرأها الصحابة على اللديغ لما مروا عليه في بعض أحياء العرب قرأ عليه بعض الصحابة بسورة الفاتحة وكررها فشفاه الله، فإذا قرأ سورة الفاتحة وقرأ معها آية الكرسي أو بعض الآيات الأخرى كله طيب، وإذا قرأ قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات كان حسنًا أيضًا من أسباب الشفاء، وكل القرآن شفاء إذا قرأ منه ما يسر الله من البقرة.. من آل عمران.. من النساء.. من المائدة، من بقية القرآن كله شفاء، كما قال الله جل وعلا: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ[فصلت:44]، وقال سبحانه: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[الإسراء:82] يعني: كله شفاء، فإذا تحرى بعض الآيات وقرأها كله طيب، ولكن من أهم ما يقرأ الفاتحة وآية الكرسي، وقل هو الله أحد، وسورة المعوذتين هذه من أهم ما يقرأ على المريض. نعم.[الموقع الرسمي لفضيلته، نور على الدرب الآيات والسور التي يرقى بها المريض].
26) وينبغي أن يسأله عن حاله : كيف حالك ؟ كيف تجدك ؟ ونحو ذلك . فقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . رواه الترمذي (983) وحسنه الألباني .
27) تذكيره بأجر الصبر على المريض :على من يعود مريضاً أن يذكره بالصبر على المرض , وجزاء الصابرين الذي وصفه ربنا في كتابه الكريم فقال : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} سورة البقرة, وعنْ أَبي هُرَيْرَة ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: ((مَا يُصِيبُ الْمسلِمَ مِنْ نَصَب ، وَلاَ وَصَب ، وَلاَ هَمِّ ، وَلاَ حَزن ، وَلاَ أَذىً ، وَلاَ غَمّ ، حَتى الشوْكَةِ يُشَاكُهَا ، إِلا كَفَّرَ اللهِ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ)).
أخرجه أحمد 2/303(8014و”البُخَارِي” 7/148(5641 و 5642) ، و”مسلم” 8/16(6660) .
وعَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ ، أَبِي رَبِيعَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا ابْتَلَى اللَّهُ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ بِبَلاَءٍ فِي جَسَدِهِ ، قَالَ اللَّهُ لِلْمَلَكِ : اكْتُبْ لَهُ صَالِحَ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ ، فَإِنْ شَفَاهُ ، غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ ، غَفَرَ لَهُ ، وَرَحِمَهُ.
– وفي رواية : مَا مِنْ مُسْلِمٍ ابْتَلاَهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ ، إِلاَّ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ ، مَا كَانَ مَرِيضًا ، فَإِنْ عَافَاهُ ، أُرَاهُ قَالَ : عَسَلَهُ ، وَإِنْ قَبَضَهُ ، غَفَرَ لَهُ. أخرجه أحمد 3/148(12531) و”البُخَارِي” ، في (الأدب المفرد) 501.
28) يفسح له في الأمل :
من أهم آداب عيادة المريض أن تفسح له الأمل في الشفاء والمعافاة بإذن الله تعالى , ولا تؤذه بتذكيره بأن فلاناً قد مات بنفس العلة
وحثُّه على تحسينِ الظَّنِّ باللهِ
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي الأَجَلِ فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا وَهُوَ يَطِيبُ بِنَفْسِ الْمَرِيضِ.أخرجه ابن ماجة (1438) والتِّرْمِذِيّ” 2087. وهو ضعيف جدا . قاله الألباني الضعيفة 184
قال محققو سنن ابن ماجه: إسناده تالف بمرة، موسى بن محمَّد بن إبراهيم التيمي منكر الحديث، سأل ابن أبي حاتم أباه – كما في “العلل” له 2/ 241 – عن أحاديث رواها عقبة بن خالد، عن موسى بن محمَّد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، ومن جملتها هذا الحديث، فقال أبو حاتم: هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة، وموصى ضعيف الحديث جدًا.
وأخرجه الترمذي (2218) عن عبد الله بن سعيد الأشج، عن عقة بن خالد السَّكوني، بهذا الإسناد.
29 ) اختيار النصوص المناسبة للحال :
عَنْ أبِي بُرْدَةَ ، وَاصطَحَبَ هُوَ وًيزِيدُ بْنُ أبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ ، فَكانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ ، فَقال لَهُ أَبُو بُرْدَةَ : سَمِعْتُ أبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولً : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ ، أوْ سَافَرَ ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَاكَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا. أخرجه أحمد 4/41، والبخاري 4/7.
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى شَابٍّ ، وَهُوَ فِي الْمَوْتِ ، فَقَالَ : كَيْفَ تَجِدُكَ ؟ قَالَ : وَاللهِ ، يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أَرْجُو اللَّهَ ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ ، فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ ، إِلاَّ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو ، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ.أخرجه “ابن ماجة” 4261 والتِّرْمِذِيّ” 983 و”النَّسائي” ، في “عمل اليوم والليلة” 1062 . وهو في الصحيحة 1051 .
لما طعن عمر جعل يألم، فقال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين، ولئن كان ذاك، لقد صحبت رسول الله فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت أبابكر فأحسنت صحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبت صحبتهم….
وفي البخاري أيضاً من حديث القاسم بن محمد أن عائشة – رضي الله عنها – اشتكت؛ فجاء ابن عباس فقال: (يا أم المؤمنين، تقدمين على فَرَط صدق، على رسول الله وعلى أبي بكر). صحيح البخاري: كتاب المناقب – باب فضل عائشة رضي الله عنها، حديث (3771).
30 ) ولقد لخص ابن حجر آداب عيادة المريض فقال : فِي الْعِيَادَة أَنْ لَا يُطِيل الْعَائِد عِنْد الْمَرِيض حَتَّى يَضْجَرهُ ، وَأَنْ لَا يَتَكَلَّم عِنْده بِمَا يُزْعِجهُ . وَجُمْلَة آدَاب الْعِيَادَة عَشَرَة أَشْيَاء ، وَمِنْهَا مَا لَا يَخْتَصّ بِالْعِيَادَةِ : أَنْ لَا يُقَابِل الْبَاب عِنْد الِاسْتِئْذَان ، وَأَنْ يَدُقّ الْبَاب بِرِفْقٍ ، وَأَنْ لَا يُبْهِم نَفْسه كَأَنْ يَقُول أَنَا ، وَأَنْ لَا يَحْضُر فِي وَقْت يَكُون غَيْر لَائِق بِالْعِيَادَةِ كَوَقْتِ شُرْب الْمَرِيض الدَّوَاء ، وَأَنْ يُخَفِّف الْجُلُوس ، وَأَنْ يَغُضّ الْبَصَر ، وَيُقَلِّل السُّؤَال ، وَأَنْ يُظْهِر الرِّقَّة ، وَأَنْ يُخْلِص الدُّعَاء ، وَأَنْ يُوَسِّع لِلْمَرِيضِ فِي الْأَمَل ، وَيُشِير عَلَيْهِ بِالصَّبْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ جَزِيل الْأَجْر ، وَيُحَذِّرهُ مِنْ الْجَزَع لِمَا فِيهِ مِنْ الْوِزْر . فتح الباري 16/170.
31 ) الدعاء من المريض: يوجه المريض بالدعاء ، لأنه مضطر ودعاءه أسرع إجابة من غيره؛ قال تعالى : ” أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62) سورة النمل.
32) ترغيبُه في الوصيَّةِ
يُستَحَبُّ ترغيبُ المريضِ في الوصِيَّةِ؛ نصَّ عليه الحَنفيَّةُ، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة.
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((ما حقُّ امرئٍ مُسلمٍ له شيءٌ يُوصِي فيه، يَبيتُ ليلَتَينِ إلَّا ووصِيَّتُه مكتوبةٌ عندَه)) أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627).[ [الموسوعة الفقهية، عيادة المريض فضائل وآداب، بتصرف]
33- (منها) : قال القرطبي في فوائده : … إن كان للمريض أهل، فيجب تمريضه على من تجب عليه نفقته، فأمّا من لا يجب ذلك عليه، فمن قام به منهم سقط عن الباقين.انتهى من المفهم .
34 – [تنبيه]: لا يتوقف مشروعيّة عيادة المريض على علمه بعائده، بل تندب عيادته، ولو مُغْفى عليه؛ لأن وراء ذلك جَبْر خاطر أهله، وما يُرجى من بركة دعاء العائد، ووضع يده على بدنه، والنفث عليه عند التعويذ، وغير ذلك، ذكَره في «الفتح» وغيره .
٤ – (ومنها): ما قاله في «الفتح»: قوله -صلى الله عليه وسلم-: «عودوا المريض» يدلّ على مشروعية العيادة لكل مريض، لكن استثنى بعضهم الأرمد؛ لكون عائده قد
يرى ما لا يراه هو، وهذا الأمر خارجيّ قد يأتي مثله في بقية الأمراض؛ كالمُغْمى عليه، وقد عقّبه البخاريّ به.
وقد جاء في عيادة الأرمد بخصوصها حديث زيد بن أرقم قال: عادني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من وجع كان بعيني، أخرجه أبو داود، وصححه الحاكم، وهو عند البخاريّ في «الأدب المفرد»، وسياقه أتمّ.
وأما ما أخرجه البيهقيّ، والطبرانيّ مرفوعًا: «ثلاثة ليس لهم عيادة: العين، والدُّمّل، والضرْس»، فصحح البيهقيّ أنه موقوف على يحيى بن أبي كثير.