477 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
مسند أبي أمامة الباهلي صُدَيِّ بن عَجْلان
(477) – قال أبو داود (ج (14) ص (103)): حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي أخبرنا أبو عاصم عن أبي خالد وهب عن أبي سفيان الحمصي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا أبا خالد وهب بن خالد الحميري، وقد وثَّقه أبو داود.
وأبو عاصم هو الضحاك بن مَخْلد النبيل، وأبو سفيان الحمصي هو محمد بن زياد الأَلْهَاني، وأبو أمامة هو صدي بن عجلان.
………………… ـ
*دراسة الحديث رواية:*
* قال الشيخ الألباني رحمه الله في *السلسلة الصحيحة* (3382) – (إن أولى الناس بالله؛ من بدأهم بالسّلام).
هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وله عنه طرق:
الأولى: عن أبي خالد وهب عن أبي سفيان الحمصي عن أبي أمامة قال:
قال رسول الله ?: … فذكره.
أخرجه أبو داود ((97) (1) (5))، ومن طريقه البيهقي في «شعب الإيمان» ((6) / (433) / (8787)).
قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أبي خالد وهب
– وهو ابن خالد الحمصي-، وهو ثقة بلا خلاف.
وشيخه أبو سفيان الحمصي؛ اسمه محمد بن زياد الألهاني.
وله عنه طريق آخر مختصر؛ فقال ابن أبي شيبة في «المصنف» ((8) / (435) / (5788)): إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة قال: أمرنا نبينا ? أن نفشي السلام.
ومن طريق ابن أبي شيبة: أخرجه ابن ماجه ((3693))، والطبراني في «المعجم الكبير» ((8) / (131) / (7525))، ورواه من طريقين آخرين عن إسماعيل بن عياش به.
وهذا إسناد شامي صحيح.
وتابعه بقية بن الوليد: حدثني محمد بن زياد به.
أخرجه الطبراني أيضًا ((7524))، وهو صحيح أيضًا
الثانية: عن أبي فروة الرّهاوي يزيد بن سنان عن سُليم بن عامر عن أبي أمامة قال:
قيل: يا رسول الله! الرجلان يلتقيان؛ أيهما يبدأ بالسلام؟ فقال:
«أولاهما بالسلام».
أخرجه الترمذي ((2694))، وقال:
«هذا حديث حسن».
قلت: أي: حسن لغيره؛ لأن أبا فروة هذا متفق على ضعفه. ولذلك قال
الحافظ: «ضعيف»
الثالثة: عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة
مرفوعًا بلفظ:
«من بدأ بالسلام؛ فهو أولى بالله عزوجل ورسوله».
أخرجه أحمد ((5) / (254) و (261) / (264) و (269))، والطبراني في «المعجم» ((8) / (237) / (7814) و (7815))
وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف علي بن يزيد- وهو الألهاني-.
ونحوه- أو خير منه- عبيد الله بن زحر، وقد توبع، فقال بقية بن الوليد: عن إسحاق بن مالك عن يحيى بن الحارث عن القاسم به.
أخرجه الطبراني ((8) / (210) / (7743)).
قلت: بقية مدلس.
وإسحاق بن مالك- وهو الحضرمي- ضعفه الأزدي، وقال ابن القطان:
«لا يعرف».
وذكر له الأزدي هذا الحديث بلفظ:
«البادي بالسلام أولى بالله ورسوله».
(تنبيه) من أوهام الحافظ أنه عزا في «الفتح» ((11) / (16)) حديث الترجمة للترمذي! وقد عرفت أن لفظه مخالف للفظه، وأقر تحسينه دون أن يبين وجهه! ….
*******
* جاء في *مسند أحمد* (22192) – حَدَّثَنَا عَتَّابٌ وَهُوَ ابْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ? قَالَ: «مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ فَهُوَ أَوْلَى بِاللهِ وَرَسُولِهِ»
قال محققو المسند:
حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف جدًا فيه علي بن يزيد الأَلْهاني الدمشقي، وهو واهي الحديث، وعبيد الله بن زحر، وهو ضعيف يعتبر به، لكن قد روي الحديث من وجه آخر صحيح كما سيأتي. عبد الله: هو ابن المبارك المروزي، ويحيى بن أيوب: هو الغافقي المصري، والقاسم: هو ابن عبد الرحمن الدمشقي.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» ((7743))، وفي «الشاميين» ((887))، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» ((212)) من طريق يحيى بن الحارث الذِّماري، وابن عدي في «الكامل» (5) / (1670) من طريق عمر بن موسى بن وجيه الحمصي، كلاهما عن القاسم بن عبد الرحمن، بهذا الإسناد. وفي طريقه
الأول: إسحاق بن مالك الحضرمي شيخ لبقية بن الوليد، قال الأزدي: ضعيف، وقال ابن القطان: لا يعرف، وبقية بن الوليد الكلاعي ضعيف يعتبر به، وفي طريقه الثاني: عمر بن موسى بن وجيه، وهو متروك الحديث.
وأخرجه أبو داود ((5197)) من طريق أبي سفيان محمد بن زياد الأَلْهاني الحمصي، عن أبي أُمامة بلفظ:» إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام «.
وإسناده صحيح.
وأخرجه الترمذي ((2694)) من طريق سليم بن عامر الخبائري، عن أبي أُمامة بلفظ: قيل لرسول الله ?: الرجلان يلتقيان، أيهما يبدأ بالسلام؟ قال:» أَولاهما بالله «. وفي إسناده أبو فَرْوة يزيد بن سنان الرُّهاوي، وهو ضعيف.
وسيأتي بالأرقام ((22252))، ((22279))، ((22317)).
وفي الباب عن جابر بن عبد الله مرفوعًا بلفظ:» ليسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والماشيان أيهما بدأ، فهو أفضل «أخرجه البزار ((2006) – كشف الأستار)، وأبو عوانة في الاستئذان كما في» إتحاف المهرة «(3) / (471)، وابن حبان ((498)) من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عنه، به. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد صرح ابن جريج وأبو الزبير فيه بالتحديث عند البزار. وأخرجه البخاري في» الأدب المفرد” ((983)) و ((994)) من طريق روح بن عبادة ومخلد بن يزيد، عن ابن جريج، به موقوفًا.
* قال محققو *سنن أبي داود* (5197): إسناده صحيح. أبو عاصم: هو الضحاك بن مخلد النبيل، وأبو خالد: هو وَهْب بن خالد الحِمْيري، وأبو سفيان الحِمْصيِ: هو محمَّد بن زياد الألْهاني.
وأخرجه الترمذي ((2889)) من طريق سُليم بن عامر، عن أبي أمامة، بلفظ: قيل لرسول الله ?: الرجلان يلتقيان، أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: «أولاهما بالله». وقال: حديث حسن.
وهو في «مسند أحمد» ((22192)).
قال الطيبي: أي أقرب الناس من المتلاقيين إلى رحمة الله من بدأ بالسلام، وقال افووي في «الأذكار»: وينبغي لكل أحد من المتلاقيين أن يحرص على أن يبتدئ بالسلام لهذا الحديث.
*دراسة الحديث دراية:*
* *التحبير لإيضاح معاني التيسير (6) / (590) — الصنعاني (ت (1182)) *
قال رسول الله ?: إنّ أولي الناس بالله» أي: بإثابته وأجره «من بدأهم بالسلام» فهو أحب إلى الله من المجيب، وإن كان البادئ فاعلًا لمندوب، والمجيب لواجب، فللبادئ مزية ليست للمجيب.
* *شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (4) / (407) *
باب آداب السلام
(857) – وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ? قال يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير متفق عليه وفي رواية البخاري والصغير على الكبير
(858) – وعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي قال قال رسول الله ? إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام رواه أبو داود بإسناد جيد ورواه الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه قيل يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام قال أولاهما بالله تعالى قال الترمذي حديث حسن
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث في شيء من آداب السلام ذكرها النووي رحمه الله تعالى في رياض الصالحين في آداب السلام سبق الكلام على بعضها ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه من الذي يسلم فنقول أولا: خير الناس من يبدأ الناس بالسلام وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق يبدأ من لقيه بالسلام فاحرص على أن تكون أنت الذي تسلم قبل صاحبك ولو كان أصغر منك لأن خير الناس من يبدؤهم بالسلام وأولى الناس بالله من يبدؤهم بالسلام فهل تحب أن تكون أولى الناس عند الله كلنا يحب ذلك إذن فابدأ الناس بالسلام ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الراكب يسلم على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير وذلك لأن الراكب يكون متعلقا فيسلم على الماشي والماشي متعليا على القاعد فيسلم عليه والقليل يسلم على الكثير لأن الكثير لهم حق على القليل والصغير يسلم على الكبير لأن الكبير له حق على الصغير ولكن لو قدر أن القليلين في غفلة ولم يسلموا فليسلم الكثيرون ولو قدر أن الصغير في غفلة فليسلم الكبير ولا تترك السنة وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ليس معناه أنه لو سلم الكبير على الصغير كان حراما ولكن المعنى الأولى أن الصغير يسلم على الكبير فإنه لم يسلم فليسلم الكبير حتى إذا بادرت بالسلام كما قلنا من قبل كان أفضل وأولى الناس بالله من يبدؤهم بالسلام
* *شرح سنن أبي داود للعباد (590) / (13) — عبد المحسن العباد*
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل من بدأ بالسلام.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي حدثنا أبو عاصم عن أبي خالد وهب عن أبي سفيان الحمصي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام)].
أورد أبو داود هذه الترحمة، وهي: باب في فضل من بدأ بالسلام؛ لأن الذي يبدأ بالسلام أفضل من الذي يجيب، وهذه من المسائل التي قالوا فيها: إن السنة أفضل من الواجب؛ لأن السنة البدء بالسلام، ورده واجب، ومع ذلك فالذي يفعل السنة أفضل من الذي يأتي بالواجب، لأن هذا هو الذي بدأ بالخير وبدأ بهذا الدعاء، فيكون أفضل وأولى من غيره.
وقد أورد أبو داود حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام) يعني: من يبدأ إخوانه بالسلام بأن يسبق إلى السلام، ومعلوم أن هذا فيما إذا كانوا متماثلين، أما إذا كان رجل جالسًا وآخر مشى من عنده، فالسنة جاءت بأن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على الجالس، والقائم على القاعد. انتهى
صار البادئ بالسلام أولى بالله لما صنع من المبادرة إلى طاعة الله والمسارعة إليها. وروى البيهقي في «شعب الإِيمان» عن ابن مسعود يرفعه: «إذا مر الرجل بالقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل لأنه ذكرهم السلام وإن لم يردوا عليه رد عليه ملأ خير منهم وأطيب».
——
بوب عليه أبو داود:
144 – باب فضل مَن بدأ السلامَ
بوب عليه مقبل في الجامع:
33 – فضل الباديء بالسلام
قال عبدالحق الإشبيلي:
باب في السلام والاستئذان
مسلم، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا وَلَا تُومِنُوا حَتَّى تَحَابوا، أَوَلَا أَدُلكمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَام بَيْنَكُمْ”.
وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ” قالوا: يا رسول الله ما لنا بدٌّ من مجالسنا نتحدث فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فَإذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ” قالوا: وما حقه؟ قال: “غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالأَمْرُ بِالْمِعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ”.
وعن أبي هريرة أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَعَلَيْكَ السَّلَامُ. . . . .” وذكر الحديث.
النسائي، عن جابر بن سليم قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله، فقال: “عَلَيْكُمُ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيتِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا” أي هكذا فقل.
البخاري، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلى الْكَثيرِ”.
وفي طريق آخر: “يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ”.
الترمذي، عن فضالة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْقَائِمِ”.
البزار، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: “يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلى الْقَاعِدِ، وَالْمَاشِيانِ أَيُّهُمَا بَدَأَ فَهُوَ أَفْضَلُ”.
أبو داود، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ”.
مسلم، عن أنس أنه كان يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بصبيان فسلم عليهم.
النسائي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُسَلِّمْ، وَإِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الأولَى بِأحَقَّ مِنَ الثَّانِيَةِ”.
أبو داود، عن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا انْتَهَى أَحَدكُمْ إِلَى الْمَجْلِسِ فَلْيسَلِّمْ، فَإِذَا أَرادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيسَلِّمْ فَلَيْسَتِ الأُولى بِأَحَقَّ مِنَ الآخِرَةِ”.
وعن سعيد بن خالد الخزاعي عن عبد الله بن المفضل قال: أخبرنا عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يُجْزِئُ عَنِ الْجَمَاعَةِ إِذَا مَرُّوا أَنْ يُسَلَّمَ أَحَدُهمْ، وَيُجْزِئُ عَنِ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدَّ أَحَدُهُمْ”.
يرويه عبد الله بن المفضل عن عبيد الله بن أبي رافع هكذا، ويقال: إنه لم يسمع منه بينه وبينه رجلًا في غير ما حديث. وقد ذكر سعيد السماع في هذا الحديث، ورأيت تضعيف سعيد هذا عن أبي زرعة وأبي حاتم.
الطحاوي، عن أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون فإذا لقيتهم شجرة أو أكمة تفرقوا يمينًا وشمالًا، وإذا التقوا من وراءها سلم بعضهم على بعض.
أبو داود، عن أبي هريرة قال: إذا لقي أحدكم صاحبه فليسلم عليه، فإن حال بينهما شجرة أو جدار ثم لقيه فليسلم عليه أيضًا.
رفعه بإسناد آخر عن أبي هريرة إلى النبي- صلى الله عليه وسلم.
الترمذي، عن عبد الحميد بن بهرام أنه سمع شهر بن حوشب يقول: سمعت أسماء بنت يزيد تحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يومًا وعصبة من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم، وأشار عبد الحميد بيده.
شهر بن حوشب وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، وكان البخاري يقوي أمره ويقول: هو حسن الحديث، وكذا قال أبو زرعة لا بأس بحديثه.
وشهر بن حوشب تركه شعبة ويحيى بن سعيد وتكلم فيه ابن عون ثم روى عن رجل عنه.
وقال النضر: إن شهرًا تركوه أي طعنوا فيه، وإنما طعنوا فيه لأنه كان ولي أمر السلطان، وأحسن حديثه ما كان عن عبد الحميد عنه.
ذكر ذلك الترمذي وابن أبي حاتم وغيرهما.
الترمذي، أخبرنا قتيبة أخبرنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ إِشَارةٌ بِالأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الإِشَارَة بِالأَكُف” (3).
قال أبو عيسى: هذا حديث إسناده ضعيف.
وروى ابن المبارك هذا الحديث عن ابن لهيعة ولم يرفعه.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ”.
وبإسناد هذا الحديث عن جابر أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم: “لَا تَدْعوا أَحَدًا إِلَى الطَّعَامِ حَتَّى يُسَلِّمَ” (1).
إسناده ضعيف ضعفه الترمذي، وغيره من أجل رواته عنبسة بن عبد الرحمن.
ويرويه عنبسة أيضًا عن محمد بن زاذان وهو منكر الحديث.
وأحسن من هذا ما ذكره أبو أحمد من حديث عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“السَّلَامُ قَبْلَ السُّؤَالِ، فَمَنْ بَدَأَ مِنْكُمْ بِالسُّؤَالِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ”.
وذكر الترمذي أيضًا عن المقدام بن الأسود في حديث قال: فَيَجيءُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان”.
وذكره مسلم.
قال أبو عيسى فيه: حديث حسن صحيح.
الترمذي، عن حنظلة بن عبيد الله عن أنس بن مالك قال: قال رجل: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: “لَا” قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: “لَا” قال: أفيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: “نَعَمْ”.
وحنظلة بن عبيد الله هذا يروي مناكير وهذا الحديث مما أنكر عليه، وكان قد اختلط.
وقال أبو عيسى في حديثه هذا: حديث حسن.
وذكر الدارقطني عن عمرة عن عائشة قالت: لما قدم جعفر من أرض الحبشة خرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعانقه.
هذا في إسناده أبو قتادة الحراني.
وقد روي عنها من طريق آخر فيها محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمر.
قال: وكلاهما غير محفوظ وهما ضعيفان.
أبو داود، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير قال: بينما هو يحدث القوم وكان فيه مزاح يضحكهم، فطعنه النبي صلى الله عليه وسلم في خاصرته بالعود فقال: أصبرني، قال: “اصْطَبِرْ” قال: إنك عليك قميصًا وليس عليّ قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل يقبل كشحه، قال: إنما أردت هذا يا رسول الله (3).
اصبرني أقدني واصطبر استقد.
أبو داود، عن عبد الله بن عمر. . . . . وذكر قصته قال: فدنونا يعني من النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده (4).
في إسناده يزيد بن أبي زياد الكوفي ولا يحتج به.
الترمذي، عن صفوان بن عسال قال: قال يهوديٌّ لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال صاحبه: لا تقل نبي إنه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسع آيات بينات فقال لهم: “لَا تُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرقُوا وَلَا تزَنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلى ذِي سُلْطانٍ لِيَقْتُلَهُ، وَلَا تَسْحَرُوا وَلَاتأكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا مُحْصَنَةً وَلَا تُوَلُوا الفِرَارَ يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصةً لْيَهُودَ أَلَّا تَعْتَدُوا فِي السَّبْتِ” قال: فقبلوا يده ورجله وقالوا: نشهد أنك نبي قال: “فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتبعُونِي؟ ” قالا: إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبيٌّ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود.
قال: حديث حسن صحيح.
البخاري، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ” قالت: قلت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ترى ما لا نرى. تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
النسائي، عن عمران بن حصين قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” عَشْر” ثم جلس ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “عِشْرُونَ” ثم جلس وجاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: “ثَلَاثُونَ”.
البخاري، عن كعب بن مالك. . . . . . وذكر حديثه وقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا، حتى كملت خمسون ليلة. وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن بتوبة الله علينا حتى صلى الفجر.
الترمذي، عن أسامة بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بمجلس فيه أخلاط من المشركين واليهود فسلم عليهم.
قال: هذا حديث حسن صحيح.
مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تَبْدَأُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقِ فَاضْطَروهُ إِلَى أَضْيَقِهِ”.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدهُمْ: السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُلْ: وَعَلَيْكَ”.
وعن عروة عن عائشة قالت: استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ” قالت: ألم تسمع ما قالوا؟! قال: “قَدْ قُلْتُ وَعَلَيْكُمْ”.
وفي رواية: “قَدْ قُلْتُ عَلَيْكُمْ” بغير واو.
الترمذي، عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتِقَيَانِ فَيتصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا”.
وذكر أبو أحمد من حديث إبراهيم بن هانئ وهو مجهول عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ صَافَحَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَلْيتوَضَّأ أَوْ لِيَغْسِلْ يَدَهُ”.
رواه عن إبراهيم بقية بن الوليد وليس بابراهيم بن هانئ النيسابوري نزيل بغداد، ذلك ثقة معروف.
وذكر أبو أحمد أيضًا من حديث عنبسة بن سعيد القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم مس يهوديًا فتوضأ.
هذا مختصر، وعبسة بن سعيد هذا أخو أبو ربيع السمان كان صدوقًا وكان لا يحفظ.
مسلم، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا في مجلس عند أبي بن كعب، فأتى أبو موسى الأشعري مغضبًا حتى وقف فقال: أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “الاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإنْ أُذِنَ لَكَ وإِلَّا فَارْجِعْ”؟ قال أبي: وما ذاك؟ قال: استأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لي فرجعت، ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أني جئت أمس فاستأذنت ثلاثًا ثم انصرفت، فقال: قد سمعناك ونحن يومئذ على شغل، فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك، قال: استأذنت كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتيني بمن يشهد لك على هذا، قال أبيّ: فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنًا، قم يا أبا سعيد، فقمت حتى أتيت عمر فقلت: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا.
الترمذي، عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأٍ وضغابيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال: فدخلت ولم أسلم ولم أستأذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ارْجِعْ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ”. وذلك بعدما أسلم صفوان.
قال: حديث حسن غريب.
وذكر أبو أحمد بن عدي من حديث جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأذن لمن لم يبدأ بالسلام.
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لَا تأذَنُوا لِمَنْ لَا يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ”.
هذا والذي قبله من فعل النبي صلى الله عليه وسلم يرويهما إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف يكتب حديثه مع ضعفه.
مالك، عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله رجل فقال: يا رسول الله أستاذن على أمي؟ فقال: “نَعَمْ” فقال الرجل: إني معها في البيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اسْتَأذِنْ عَلَيْهَا، فقال الرجل إني خادمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اسْتَأذِنْ عَلَيْهَا” أتَحِب أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ ” قال: لا، قال: “فَاسْتَأذِنْ عَلَيْهَا”.
هكذا رواه مرسلًا عن عطاء.
أبو داود، عن عبد الله بن بسر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر فيقول: “السَّلَامُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ”. وذلك أن الدور لم يكن عليها ستور يومئذ.
وذكر أبو أحمد بن عدي عن خارجة بن مصعب عن عبد الحميد بن سهيل عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَابِ سِتْرٌ وَلَا بَابٌ فَلَا بَأسَ أَنْ يَطلعَ فِي الدَّارِ”.
خارجة هذا يكتب حديثه، وقد تركه أحمد بن حنبل، ومرة قال فيه ابن معين كذاب ومرة قال: ليس بثقة.
وقال مسلم بن الحجاج: سمعت يحيى بن يحيى وسئل عن خارجة بن مصعب فقال: خارجة عندنا مستقيم الحديث ولم نكن ننكر من حديثه إلا ما كان يدلس فيه غِياث بن إبراهيم، فإنا كنا قد عرفنا تلك الأحاديث فلا يعرض لها.
أبو داود، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “رَسُولُ الرَّجُلِ إِلَى الرَّجُلِ إِذْنُه” (2).
البخاري، عن أبي هريرة قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد لبنًا في قدح، فقال: “أَبَا هُرَيْرَةَ الْحَقْ أَهْلَ الصُّفَةِ فَادْعُهُمْ إِليَّ”، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا فأذنوا فدخلوا.
مسلم، عن جابر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدعوت فقال: “مَنْ هَذَا؟ ” قلت: أنا، فخرج وهو يقول: “أَنَا أَنَا”.
وفي رواية كأنه كره ذلك.
وعن سهل بن سعد أن رجلًا اطلع في جحر في باب النبي صلى الله عليه وسلم. ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مِدْرى يحك به رأسه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُني لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَينكَ”. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّمَا جُعِلَ الأذْنُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ”.
وعن أنس بن مالك أن رجلًا اطلع من بعض حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقام إليه بمشقص أو مشاقص، فكأني انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختله ليطعنه.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: “مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَؤُوا عَيْنَهُ”.
وذكر العقيلي عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدَّارُ حَرَمٌ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْكَ حَرَمَكَ فَاقْتُلْهُ”.
وفي إسناد هذا الحديث محمد بن كثير القصاب البصري وهو ضعيف.
[الأحكام الوسطى 4/ 210]
قال النووي:
(باب في السلام)
وأحكامه وآدابه والاستئذان وتشميت العاطس والمصافحة والمعانقة وتقبيل اليد والرجل والوجه
وما يتعلق بها كله وأشباهه وذكر القاضي حسين والمتولي والشاشي هذا الباب هنا وذكره أكثر الأصحاب في أول كتاب السير فرأيت تقديمه أحوط وقد ذكرت هذا كله مبسوطا بأدلته وفروعه في كتاب الأذكار وأذكر هنا مقاصد مختصرة إن شاء الله تعالى وفيه فصول
* (الأول) في فضل السلام وإفشائه قال الله تعالى (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) وقال تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) وقال تعالى (إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير قال ” تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ” رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” خلق الله آدم طوله ستون ذراعا فلما خلقه قال له اذهب فسلم علي اولئك نفر من الملائكة جلوس فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال السلام عليكم فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه رحمة الله ” رواه البخاري ومسلم وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال ” أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلام وإبرار القسم ” رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة قال ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا اولا ادلكم علي شئ إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ” رواه مسلم وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال ” سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ” رواه الدارمي والترمذي وقال حديث صحيح وقال البخاري في صحيحه قال عمار ” ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان الإنصاف من نفسك وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار ” وروينا هذا في غير البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الباب أحاديث كثيرة مشهورة
(الفصل الثاني في صفة السلام وأحكامه) وفيه مسائل:
(إحداها) إبداء السلام سنة مؤكدة قال أصحابنا هو سنة على الكفاية فإذا مرت جماعة بواحد أو بجماعة فسلم أحدهم حصل أصل السنة وأما جواب السلام فهو فرض بالإجماع فإن كان السلام على واحد فالجواب فرض عين في حقه وإن كان على جمع فهو فرض كفاية فإذا أجاب واحد منهم أجزأ عنهم وسقط الحرج عن جميعهم وإن أجابوا كلهم كانوا كلهم مؤدين للفرض سواء ردوا معا أو متعاقبين فلو لم يجبه أحد منهم أثموا كلهم ولو رد غير الذين سلم عليهم لم يسقط الفرض والحرج عن الباقين
(الثانية) قال أصحابنا يشترط في ابتداء السلام وجوابه رفع الصوت بحيث يحصل الاسماع وينبغي أن يرفع صوته رفعا يسمعه المسلم عليهم والمردود عليهم سماعا محققا ولا يزيد في رفعه على ذلك فإن شك في سماعهم زاد واستظهر وإن سلم على أيقاظ عندهم نيام خفض صوته بحيث يسمعه الأيقاظ ولا يستيقظ النيام ثبت ذلك عن صحيح مسلم عن فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية المقداد رضي الله عنه
(الثالثة) قال أصحابنا يشترط كون الجواب متصلا بالسلام الاتصال المشترط بين الإيجاب والقبول في العقود
(الرابعة) يسن بعث السلام إلى من غاب عنه وفيه أحاديث صحيحة ويلزم الرسول تبليغه لأنه أمانة وقد قال الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات الي اهلها) وإذا ناداه من وراء حائط أو نحوه فقال السلام عليك يا فلان أو كتب كتابا وسلم فيه عليه أو أرسل رسولا وقال سلم على فلان فبلغه الكتاب والرسول وجب عليه رد الجواب على الفور صرح به أصحابنا منهم أبو الحسن الواحدي المفسر في كتابه البسيط والمتولي والرافعي وغيرهم ويستحب أن يرد على الرسول معه فيقول وعليك وعليه السلام ورحمة الله وبركاته وفيه حديث في سنن أبي داود إسناده ضعيف لكن أحاديث الفضائل يعمل فيها بالضعيف كما سبق بيانه في مقدمة هذا الشرح
(الخامسة) إذا سلم على أصم أتى باللفظ لقدرته ويشير باليد ليحصل الإفهام فإن لم يضم الإشارة إلى اللفظ لم يستحق جوابا وكذا في جواب سلام الاصم يجب الجمع بين اللفظ والإشارة ذكره المتولي وغيره
(السادسة) سلام الأخرس بالإشارة معتد به وكذا جوابه ولا تجزئ الإشارة في حق الناطق لا سلاما ولا جوابا وأما إذا جمع بين اللفظ والإشارة فحسن وسنة فقد ثبت عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت ” مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد يوما وعصبة من النساء قعود فألوى بيده للتسليم ” رواه الترمذي وقال حديث حسن ورواه أبو داود وفي روايته فسلم علينا ومعناه أنه جمع اللفظ والإشارة (وأما) الحديث الوارد في كتاب الترمذي في النهي عن الإشارة
إلى السلام بالأصبع أو الكف (فضعيف) ضعفه الترمذي وغيره ولو صح لحمل على الاقتصار على الإشارة
(السابعة) في كيفية السلام وجوابه قال صاحب الحاوى المتولي وغيرهما أكمله أن يقول البادئ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وقال جماعة يقول البادئ السلام عليكم ورحمة الله فقط ليتمكن المجيب أن يجيب بأحسن منها وقد قال الله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) ولا يمكنه أحسن منها إلا إذا حذف البادئ وبركاته والأول أصح لحديث عمران بن حصين قال ” جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم فرد عليه ثم جلس فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله فرد عليه فجلس فقال عشرون ثم جاء آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فرد عليه وجلس فقال ثلاثون ” رواه الدارمي وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وفي رواية لأبي داود زيادة على هذا من رواية معاذ ابن أنس قال ثم أتى آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته فقال أربعون وقال هكذا تكون الفضائل.
* وأما أقل السلام ابتداء كأن يقول السلام عليكم أو عليك إن كان وحده أو سلام عليكم أو عليك ولو قال عليكم السلام فوجهان
(أحدهما)
أنه ليس بتسليم وبه قطع المتولي
(والثاني)
وهو الصحيح أنه تسليم يجب فيه الجواب وبه قطع الواحدي وإمام الحرمين وغيرهما ولكن يكره الابتداء به صرح بكراهته الغزالي في الاحياء ودليله الحديث الصحيح عن أبى جرئ بضم الجيم تصغير جرو رضي الله عنه قال ” قلت عليك السلام يا رسول الله قال لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى ” رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة قال الترمذي حديث حسن صحيح قال أصحابنا يستحب إذا سلم على واحد أن يكون بصيغة الجمع فيقول السلام عليكم خطابا له ولملائكته واتفقوا على أنه لو قال السلام عليكم أو سلام عليك كفى وصفة الجواب أن يقول وعليكم السلام أو وعليك السلام إن كان واحدا فلو ترك واو العطف فقال عليكم السلام فوجهان (الصحيح) المنصوص في الأم وبه قطع إمام الحرمين والغزالي والجمهور تجزئه لقوله تعالى (قالوا سلاما قال سلام) ولحديث أبي هريرة السابق في الفصل الأول فإن الله تعالى قال هي تحيتك وتحية
ذريتك واتفق أصحابنا على أنه لو قال في الجواب عليكم فقط لم يكن جوابا ولو قال وعليكم بالواو فوجهان
(أحدهما)
وهو اختيار إمام الحرمين ليس بجواب لأنه ليس فيه ذكر السلام
(والثاني) أنه جواب العطف ويدل عليه حديث أبي هريرة في قصة إسلامه قال ” كنت أول من حيى النبي صلي الله عليه وسلم بتحية السلام فقال عليك ورحمة الله ” رواه مسلم هكذا من غير ذكر الاسلام ولو قال المجيب السلام عليكم أو سلام عليكم كان جوابا بلا خلاف والألف واللام أفضل قال الواحدي أنت في تعريف السلام وتنكيره مخير
* (فرع)
لو تلاقا رجلان فسلم كل واحد على صاحبه دفعة واحدة ثم صار كل واحد مبتدئا بالسلام لا مجيبا فيجب على كل واحد جواب صاحبه بعد ذلك بلا خلاف صرح به القاضي حسين والمتولي والشاشي وغيرهم ولو وقع كلام أحدهما بعد الآخر قال القاضي والمتولي هو كوقوعهما معا فيجب على كل واحد جواب الآخر وأنكر الشاشي هذا وقال هذا اللفظ يصح جوابا فإذا وقع متأخرا كان جوابا ولا يجب الجواب بعده على واحد منهما وهذا الذي قاله الشاشي هو الصحيح قال الله تعالي (قالوا سلاما قال سلام)
* (فرع)
إذا تلاقيا فقال البادئ وعليكم السلام قال المتولي لا يكون ذلك سلاما فلا يستحق جوابا لأنه لا يصلح للابتداء.
(الثامنة) لو سلم عليه جماعة متفرقين فقال وعليكم السلام وقصد الرد على جميعهم أجزأه وسقط عنه فرض الجميع كما لو صلى على جنائز صلاة واحدة ذكره المتولي والرافعي
(التاسعة) قال المتولي وغيره يكره أن يخص طائفة من الجمع بالسلام إذا أمكن السلام على جميعهم لأن مقصود السلام المؤانسة وفي تخصيص البعض إيحاش وربما أورث عداوة
(العاشرة) قال الماوردي في الحاوي إذا مشى في السوق والشوارع المطروقة كثيرا ونحو ذلك مما يكثر فيه المتلاقون فإن السلام هنا يختص ببعض الناس لأنه لو سلم على كل من لقيه اشتغل عن كل منهم وخرج عن العرف قال وإنما يقصد بهذا السلام جلب مودة أو دفع مكروه
(الحادية عشرة) إذا دخل على جماعة قليلة يعمهم سلام واحد اقتصر على سلام واحد على جميعهم وما زاد من تخصيص بعضهم فهو أدب ويكفي أن يرد منهم واحد فمن زاد فهو أدب قال فإن كانوا جمعا لا ينتشر فيهم السلام الواحد كالجامع والمجالس الواسعة الحفلة فسنة السلام أن يبدأ به الداخل أول دخوله إذا وصل القوم ويكون مؤديا سنة السلام في حق كل من سمعه ويدخل في فرض كفاية الرد كل من سمعه فإن أراد الجلوس فيهم سقط عنه سنة السلام على الباقين الذين لم يسمعوه وإن أراد أن يتجاوزهم ويجلس فيمن لم يسمعوا سلامه المتقدم فوجهان
(أحدهما)
أن سنة السلام حصلت بسلامه على أولهم لأنهم جمع واحد فعلى هذا إن أعاد السلام عليهم كان أدبا قال وعلى هذا يسقط متى رد عليه واحد من أهل المسجد وإن لم يسمعه سقط الحرج عن جميع من فيه
(والثاني)
أنها باقية لم تحصل لأنهم لم يسمعوه فعلى هذا لا يسقط فرض الرد عن الأولين برد واحد ممن لم يسمع ولعل هذا الثاني أصح وقد ثبت في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثا حتى تفهم عنه وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثا ” وهذا الحديث محمول على ما إذا كان الجمع كثيرا وقيل محمول على السلام مع الاستئذان كما سنوضحه قريبا إن شاء الله تعالى
(الثانية عشرة) إذا سلم على إنسان ثم فارقه ثم لقيه على قرب أو حال بينهما شئ ثم اجتمعا فالسنة أن يسلم عليه وهكذا لو تكرر ذلك ثالثا ورابعا وأكثر سلم عند كل لقاء وإن قرب الزمان اتفق عليه أصحابنا لحديث أبي هريرة في قصة المسئ صلاته ” أنه صلى في جانب المسجد ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم حتى فعل ذلك ثلاث مرات ” رواه البخاري ومسلم وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه فإن حال بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه ” رواه أبو داود وعن أنس قال ” كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتماشون فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة فتفرقوا يمينا وشمالا ثم التقوا من ورائهما سلم بعضهم على بعض ” رواه ابن السني
(الثالثة عشرة) السنة أن يبدأ بالسلام قبل كل كلام والأحاديث الصحيحة المشهورة وعمل الأمة على وفق هذا من المشهورات فهذا هو المعتمد في المسألة (وأما) حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” السلام قبل الكلام ” فضعيف رواه الترمذي وقال هو حديث منكر
(الرابعة عشرة) يستحب لكل واحد من المتلاقين أن يحرص على الابتداء بالسلام لقوله صلى الله عليه وسلم ” وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ” وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أولى الناس بالله من بدأهم السلام ” رواه أبو داود بإسناد حسن ورواه الترمذي وقال في روايته ” قيل يا رسول الله الرجلان يلتقيان أيهما يبدأ بالسلام قال أولاهما بالله تعالى ” قال الترمذي حديث حسن
(الخامسة عشر) السنة أن يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والصغير على الكبير والقليل على الكثير فلو ابتدأ الماشي بالسلام على الراكب أو القاعد على الماشي أو الكبير على الصغير أو الكثير على القليل لم يكره لكنه خلاف الأولى صرح بعدم كراهته المتولي وآخرون لأنه ترك حقه وهذا الاستحباب فيما إذا تلاقيا أو تلاقوا في طريق فأما إذا ورد على قاعد أو قوم فإن الوارد يبدأ بالسلام سواء كان صغيرا أو كبيرا قليلا أو كثيرا ودليل هذه المسألة حديث أبي هريرة قال ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير ” رواه البخاري ومسلم وفي رواية للبخاري يسلم الصغير على الكبير
(السادسة عشرة) حكى الرافعي في السلام بالعجمية ثلاثة أوجه (أحدها) لا يجزئ (والثاني) يجزئ (والثالث) إن قدر على العربية لم يجزئه وإلا فيجزئه والصحيح بل الصواب صحة سلامه بالعجمية ووجوب الرد عليه إذا فهمه المخاطب سواء عرف العربية أم لا لأنه يسمى تحية وسلاما وأما من لا يستقيم نطقه بالسلام فيسلم كيف أمكنه بالاتفاق لأنه ضرورة
(السابعة عشرة) السنة إذا قام من المجلس وأراد فراق الجالسين أن يسلم عليهم للحديث الصحيح عن أبي هريرة قال ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الأخرى ” رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد حسنة قال الترمذي حديث حسن فهذا هو الصواب (وأما قول) القاضي حسين والمتولي جرت عادة بعض الناس بالسلام عند مفارقة القوم وذلك دعاء مستحب جوابه ولا يجب لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا عند الانصراف (فظاهره) مخالف للحديث المذكور وقد قال الشاشي هذا الذي قالاه فاسد لأن السلام سنة عند الانصراف كما هو سنة عند اللقاء
(الثامنة عشرة) يسن السلام على الصبي والصبيان لحديث أنس رضي الله عنه ” أنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ” رواه البخاري ومسلم وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ” مر على غلمان يلعبون فسلم عليهم ” رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم وفي رواية ابن السني وغيره قال ” السلام عليكم يا صبيان ” وإذا سلم على صبي قال المتولي وأصحابنا لا يلزمه الجواب لأنه ليس مكلفا ولكن يستحب له الجواب ولو سلم على جماعة فيهم صبي فرد الصبي ولم يرد أحد من البالغين قال القاضي حسين والمتولي والرافعي وغيرهم لا يسقط الفرض عنهم بجوابه لأن الجواب فرض والصبي ليس من أهل الفرض وقال الشاشي يسقط به كما يصح أذ انه للرجل ويحصل به اداء الشعار وهذا الخلاف شبيه بالخلاف في سقوط الفرض بصلاته على الميت لكن الأصح المنصوص سقوطه في صلاة الميت والأصح هنا خلافه ولو سلم صبي على بالغ قال القاضي والمتولي والرافعي في وجوب الرد عليه وجهان بناءا على صحة إسلامه (والصحيح) وجوب الرد لعموم قول الله تعالى (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) قال الشاشي هذا البناء المذكور فاسد وهو كما قال
(التاسعة عشرة) سلام النساء على النساء كسلام الرجال على الرجال في كل ما سبق قال أصحابنا ولو سلم رجل على امرأة أو امرأة على رجل فإن كان بينهما محرمية أو زوجية أو كانت أمته كان سنة ووجب الرد وإلا فلا يجب إلا أن تكون عجوزا خارجة عن مظنة الفتنة قال المتولي وإذا سلم على شابة أجنبية لم يجز لها الرد ولو سلمت عليه كره له الرد عليها ولو كان النساء جمعا فسلم عليهن الرجل أو كان الرجال جمعا كثيرا فسلموا على المرأة الواحدة فهو سنة إذا لم يخف عليه ولا عليهن ولا عليها فتنة لحديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت ” مر علينا النبي صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلم علينا ” رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال ” كانت فينا امرأة وفي رواية كانت لنا عجوز تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شغير فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا ” رواه البخاري: وتكركر تطحن – وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت ” أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو يغتسل وفاطمة تستره فسلمت وذكرت تمام الحديث ” رواه مسلم
(العشرون) في السلام على المبتدع والفاسق المجاهر بفسقه ومن ارتكب ذنبا عظيما ولم يتب منه وجهان حكاهما الرافعي (أحدهما) مستحب لأنه مسلم (وأصحهما) لا يستحب بل يستحب أن لا يسلم عليه وهذا مذهب ابن عمر والبخاري صاحب الصحيح
* واحتج البخاري للمسألة في صحيحه بحديث كعب بن مالك حين تخلف هو ورفيقان له عن غزوة تبوك قال ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا قال وكنت أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه فأقول هل حرك شفتيه برد السلام أم لا ” رواه البخاري ومسلم قال البخاري وقال عبد الله بن عمر لا تسلموا على شربة الخمر قال البخاري وغيره ولا يرد السلام على أحد من هؤلاء ودليله حديث كعب فإن اضطر إلى السلام على الظلمة بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة في دين أو دينا إن لم يسلم عليهم سلم عليهم وقال ابن العربي المالكي ينوي حينئذ أن السلام اسم من أسماء الله تعالى ومعناه الله رقيب عليكم
(الحادية والعشرون) إذا سلم مجنون أو سكران هل يجب الرد عليهما فيه وجهان حكاهما الرافعي (أصحهما) أنه لا يجب لأن عبارة المجنون ساقطة وكذا عبارة السكران في العبادات
(الثانية والعشرون) لا يجوز السلام على الكفار هذا هو المذهب الصحيح وبه قطع الجمهور وحكى الماوردي في الحاوي فيه وجهين
(أحدهما) هذا
(والثاني) يجوز ابتداؤهم بالسلام لكن يقول السلام عليك ولا يقل عليكم وهذا شاذ ضعيف وإذا سلم الذمي على مسلم قال في الرد وعليكم ولا يزيد على هذا هذا هو الصحيح وبه قطع الجمهور حكى صاحب الحاوي وجها آخر أنه يقول وعليكم السلام ولكن لا يقول ورحمة الله وهذا شاذ ضعيف ودليل المذهب في المسألتين حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ” رواه مسلم وعن أنس رضي الله عنه قال ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
” إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ” رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك ” رواه البخاري
* (فرع)
لو سلم مسلم على من ظنه مسلما فبان كافرا قال المتولي وغيره يستحب أن يسترد سلامه فيقول له رد علي سلامي أو استرجعت سلامي والمقصود إيحاشه وأنه لا مؤالفة بينهما قال وروى ذلك عن ابن عمر وفى الموطأ عن مالك أنه لا يسترده واختاره ابن العربي المالكي
(فرع)
لو مر بمجلس فيه كفار ومسلمون أو مسلم واحد أستحب أن يسلم عليهم ويقصد المسلمون أو المسلم لحديث أسامة رضي الله عنه ” أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ” رواه البخاري ومسلم
* (فرع)
إذا كتب إلى كافر كتابا فيه سلام أو نحوه فالسنة أن يكتب نحو ما ثبت في الصحيحين في حديث أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى هرقل ” من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى ”
* (فرع)
إذا أراد تحية ذمي بغير السلام قال المتولي والرافعي له ذلك بأن يقول هداك الله أو أنعم الله صباحك وهذا لا بأس به إن احتاج إلى تحيته لدفع شره أو نحوه فيقول صبحك الله بالخير أو بالسعادة أو بالعافية أو بالمسرة ونحوه فان لم يحتج فالاختيار أن لا يقول شيئا فإن ذلك بسط وإيناس وإظهار مودة وقد أمرنا بالإغلاظ عليهم ونهينا عن ودهم
(الثالثة والعشرون) قال أصحابنا إن سلم في حالة لا يشرع فيها السلام لم يستحق جوابا قالوا فمن تلك الأحوال أنه يكره السلام على مشتغل ببول أو جماع ونحوهما ولا يستحق جوابا ويكره جوابه ومن ذلك من كان نائما أو ناعسا أو في حمام واتفقوا أنه لا يسلم على من في الحمام وغيره ممن هو مشتغل بما لا يؤثر السلام عليه في حاله وأما المشتغل بالأكل فقال الشيخ أبو محمد والمتولي لا يسلم عليه قال إمام الحرمين هذا محمول على ما إذا كانت اللقمة في فيه وكان يمضي زمان في المضغ والابتلاع ويعسر الجواب في الحال قال فأما إن سلم بعد الابتلاع وقبل وضع لقمة أخرى فلا يتوجه المنع أما المصلي قال الغزالي لا يسلم عليه وقال المتولي والجمهور لا منع من السلام عليه لكن لا يستحق جوابا لا في الحال ولا بعد الفراغ من الصلاة لا باللفظ ولا بالإشارة ويستحب أن يرد في الصلاة بالإشارة نص عليه الشافعي في القديم ولم يخالفه في الجديد وحكى الرافعي وجها أنه يجب الرد بالإشارة في الحال ووجها أنه يجب الرد بعد الفراغ باللفظ والصحيح أنه لا يجب الرد مطلقا فإن رد في الصلاة فقال وعليكم السلام بطلت إن علم تحريمه وإلا فلا في الأصح وإن قال وعليه لم تبطل وقد سبقت المسألة في آخر باب ما يفسد الصلاة مبسوطة وأما الملبي بالحج أو العمرة فيكره السلام عليه فإن سلم رد عليه لفظا نص عليه الشافعي والأصحاب والسلام على المؤذن ومقيم الصلاة في معنى السلام على الملبي. والسلام في حال الخطبة سبق بيانه أما المشتغل بقراءة فقال الواحدي الأولى ترك السلام عليه قال فإن سلم كفاه الرد بالإشارة وإن رد باللفظ استأنف الاستعاذة ثم قرأ وهذا الذي قاله ضعيف والمختار أنه يسلم عليه ويجب الرد باللفظ ولو رد السلام في حال الأذان والإقامة والأكل لم يكره وفي الجماع والبول كره
(الرابعة والعشرون) يستحب لمن دخل بيته أو بيتا غيره أو مسجدا وليس فيه أحد أن يسلم فيقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته قال الله تعالى (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) والمسألة ذكرتها في كتاب الأذكار
(الخامسة والعشرون) إذا مر بإنسان أو جمع وغلب على ظنه أنه لو سلم لم يرد عليه استحب له السلام ولا يترك هذا الظن لأنه مأمور بالسلام لا بالرد ولأنه قد يخطي الظن فيرد عليه (فإن قيل) هذا سبب لإدخال الإثم على الممرور به (قلنا) هذا خيال باطن فإن الوظائف الشرعية لا تترك بهذا الخيال والتقصير هنا هو من الممرور عليهم ويختار لمن سلم ولم يرد عليه أن يبرأ المسلم عليه من الجواب والأحسن أن يقول له إن أمكن له رد السلام فإنه واجب عليك
(السادسة والعشرون) قال المتولي وغيره التحية بالطلبقة وهي أطال الله بقاءك باطلة لا أصل لها وقد نص جماعة من السلف على كراهة أطال الله بقاك وقال بعضهم هي تحية الزنادقة
(السابعة والعشرون) قال المتولي وغيره وأما التحية عند خروجه من الحمام بقوله طاب حمامك فنحوه فلا أصل لها وهو كما قالوا فلم يصح في شئ لكن لو قال لصاحبه حفظا لوده أدام الله لك النعيم ونحوه من الدعاء فلا بأس إن شاء الله تعالى قال المتولي وروي أن عليا قال لرجل خرج من الحمام ” طهرت فلا نجست ”
(الثامنة والعشرون) إذا ابتدأ المار فقال صبحك الله بخير أو بالسعادة أو قواك الله أو حياك الله أو لا أوحش الله منك ونحوها من ألفاظ أهل العرف لم يستحق جوابا لكن لو دعى له قبالة دعائه كان حسنا لا أن يريد تأديبه أو تأديب غيره لتخلفه وإهماله السلام فيسكت
[المجموع شرح المهذب 4/ 593 ط المنيرية]
قال الشيخ ابن باز:
285 من: (باب آداب السلام)
فهذه الأحاديث في بيان آداب السلام، وما ينبغي في شأن المُسَلِّم والمُسَلَّم عليه:
يقول ?: ليُسَلّم الصغيرُ على الكبير، والمارُّ على القاعد، والراكبُ على الماشي، والقليلُ على الكثير هذا من آداب السلام: كون الراكب يبدأ بالسلام على الماشي، والمار يبدأ بالسلام على القاعد، والقليل يبدأ بالسلام على الكثير، والصغير يبدأ بالسلام على الكبير، ولو عكس فازوا بالأفضلية، فمَن بدأ فاز بالأفضلية، كما قال صلى الله عليه وسلم: أولى الناس بالله مَن بدأهم بالسلام، فالذي يبدأ بالسلام قد فاز بالأفضلية.
ولكن السنة لهؤلاء الذين بيَّنهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يبدؤوا: وهو الراكب على الماشي، والمار على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير، هم الذين يبدؤون، لكن لو عكس: فبدأ الماشي على الراكب، والكثير على القليل، والكبير على الصَّغير؛ فاز بالأفضلية: أولى الناس بالله مَن بدأهم بالسلام. فالذي يبدأ بالسلام قد فاز بالأفضلية.
ولكن السنة لهؤلاء الذين بيَّنهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يبدؤوا: وهو الراكب على الماشي، والمار على القاعد، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير، هم الذين يبدؤون، لكن لو عكس: فبدأ الماشي على الراكب، والكثير على القليل، والكبير على الصَّغير؛ فاز بالأفضلية: أولى الناس بالله مَن بدأهم بالسلام.
وفي الحديث الصحيح في “الصحيحين”: عن أبي أيوب: وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، ولا يحل التَّهاجر، يقول ?: لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، يلتقيان، فيُعرض هذا، ويُعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
والمقصود من هذا الحثّ على التعارف، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالخير، والتحاب في الله؛ لأن بدء السلام من أسباب التآلف والتَّعارف، كما قال ? لما سُئِلَ: أي الإسلام أفضل؟ قال: أن تُطعم الطعام، وتقرأ السلام على مَن عرفتَ ومَن لم تعرف، وقال ?: والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابّوا، أَوَلَا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحابَبْتُم؟ أفشوا السلامَ بينكم، فإفشاء السلام من أسباب المحبة والتَّآلف والتَّعاون على الخير والتواصي بالحق، أما ترك السلام فهو من أسباب التَّهاجر، ومن أسباب الوحشة.
فتاوى ودروس الشيخ ابن باز رحمه الله