4760 الفوائد المنتقاة في شرح صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي فيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة .
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——“——-“——-”
——‘——–‘——-”
——”——-‘——–‘
صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب
بَابُ تَفْسِيرِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ.
4760 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ: ((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)).
4761 حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ صَالِحٍ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ ، قَالَ : أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةً مَا يَمْنَعُنِي مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَّا الْمَسْأَلَةُ، كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ، قَالَ: فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ)).
==========
تمهيد:
كان الصَّحابةُ الكِرامُ يَفرَحونَ بِسُؤالِ النَّاسِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وخاصَّةً الغُرباءَ الطَّارئِينَ مِنَ الأعرابِ؛ لأَنَّهم يُحتَملونَ في السُّؤالِ ويُعذَرونَ، ويَستفيدُون هم مِن الجوابِ.
فقد روى الإمامُ مُسلم -رحمهُ الله تعالى- من حديث النَّواسُ بن سمعان -رضي الله عنهُ-، عن النبي -صلَّى الله عليه وسلم- قال: ((البر حُسنُ الخلق، والإثمُ ما حَاكَ في النَّفس)) وجَدْت نفسك تَتَرَدَّد في هذا العمل، اتْرُكُهُ، لا سِيَّما قبل الانهماك في المُباحات والمكرُوهات؛ لأنَّ من يَنْهَمِكْ في المُباحات، ثُمَّ يتجاوزها إلى المكرُوهات قد لا يجد مثل هذا التَّرَدُّد، ولا يَحِيك في نفسِهِ مثل هذا الأمر، وإلاَّ سَوفَ يَجُرُّهُ انهماكُهُ في المباحات والمكروهات إلى ارتكاب المُحرَّمات، كما في حديث النُّعمان: ((الحلالُ بَيِّن والحرامُ بيِّن وبينهما أُمُورٌ مُشتبهات، فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهات اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وعِرْضِهِ، كالرَّاعِي يرعى حول الحِمَى))
وذِكْر القلب في حديث النُّعمان يَدُلُّنا على أَثَرْ المأْكَل والمَشْرَبْ على صلاح القلب وفسادِهِ، واللهُ المستعان، وعن وابصة بن معبد -رضي الله عنه- قال: أتيتُ رسُول الله -صلَّى الله عليه وسلم-، فقال له النبي -عليه الصَّلاة والسلام-: ((جئت تسأل عن البر والإثم؟! قُلتُ: نعم، قال: اسْتَفْتِ قَلْبَكْ))… لكنْ أيُّ قلبٍ يُمكن أنْ يُسْتَفْتَى؟! القلب السَّليم من الشَّهوات والشُّبُهات، مثل هذا القلب السَّليم من الشَّهوات والشُّبُهات يُسْتَفْتَى، ((اسْتَفْتِ قَلْبَكْ، البرُّ ما اطمأنَّت إليه النَّفس، واطمأنَّ إليهِ القلب، والإثمُ ما حاكَ في النَّفس، وتردَّدَ في الصَّدر، وإنْ أفْتَاكَ النَّاسُ وأَفْتَوْكْ)) [رواهُ أحمد والدَّارمي بإسْنَادٍ لا بأسَ بِهِ].
ومن الصعب حصر ما هو بر من الآداب، ومن العسير حصر ما هو إثم وذنب من المعاصي، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مضمون الكلمتين، وكيف يعرف المسلم ما هو بر؟ ليفعله، وما هو إثم ليتجنبه؟ مما لا نص فيه، أو فيه نص مجمل أو مشكل، فوكله صلى الله عليه وسلم إلى قلبه، ليستفتيه حين يشك، فما ضاق به صدرا، وخاف من الناس وعيبهم عليه إذا علموه قد فعله، فهو الإثم، وما اطمأنت إليه النفس، ولم يخش فيه نقد الناس فهو البر، وهو من حسن الخلق. [فتح المنعم، والدرر السنية]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
( عن النواس بن سمعان الأنصاري) قال النووي: هكذا وقع في نسخ صحيح مسلم الأنصاري قال أبو علي الجبائي: هذا وهم، وصوابه الكلابي، فإن النواس كلابي مشهور.
هو: النوّاس – بتشديد الواو، ثم سين مهملة – ابن سمعان بن خالد الكلابيّ، أو الأنصاريّ، الصحابي المشهور، سكن الشام (بخ م ٤) تقدم في «صلاة المسافرين وقصرها» ٤٣/ ١٨٧٦.
ورد أبوه سمعان على النبي ﷺ وزوجه بابنته، وهي الكلابية التي تعوذت من النبي ﷺ، سكن النواس الشام، وهو معدود فيهم، له سبعة عشر حديثًا، روى عنه جُبير بن نُفَير وأبو إدريس الخولاني، ووقع في «صحيح مسلم» نسبته إلى الأنصار، قال المازري والقاضي عياض: والمشهور أنه كلابي ولعله حليف الأنصار.
[تنبيه]: قال الحافظ أبو عليّ الجيّانيّ – رحمه الله -: هكذا نُسب في هذا الإسناد: «الأنصاريّ»، والمشهور فيه: النوّاس الكلابيّ، من بني أبي بكر بن كلاب، إلّا أن يكون حليفًا للأنصار، وهو النوّاس بن سِمْعان بن خالد بن عمرو بن قُرْط بن عبد الله بن أبي بكر بن كلاب، هكذا نسبه المفضّل بن غسّان الغَلابيّ عن يحيى بن معين. انتهى
(«تقييد المهمل» ٣/ ٩٢٠).
[تنبيه]: من لطائف هذا الإسناد:
أنه من سُداسيّات المصنّف – رحمه الله -، وأنه مسلسل بالشاميين من معاوية بن صالح، وشيخه بغداديّ، وابن مهديّ بصريّ، وفيه رواية الابن عن أبيه،
وتابعيّ عن تابعيّ: عبد الرَّحمن عن أبيه.
قوله (سَألْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ البِرِّ والإثْمِ) بكسر الباء، وتشديد الراء، أي عن معناه المراد شرعا وقوله: (قالَ: سَألْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ عَنِ البِرِّ والإثْمِ) قال القرطبيّ – رحمه الله -: أي: عما يَبرّ فاعله، فيلحق بالأبرار، وهم المطيعون لله تعالي، وعما يأثم فاعله،
فيلحق بالآثمين، فأجابه النبيّ ﷺ بجواب جُمليّ أغناه به عن التفصيل، فقال
له: (البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ)؛ يعني: أن حُسن الخُلق أعظم خصال البرّ، كما قال:
«الحج عرفة» (حديث صحيح، رواه أحمد، وأبو داود، والترمذفي، والنسائيّ، وابن ماجة)؛ ويعني بحسن الخلق: الإنصاف في المعاملة، والرّفق في المجادلة، والعدل في الأحكام، والبذل، والإحسان. انتهى[«المفهم» ٦/ ٥٢٢].
وقوله ( البر) أي الذي ذكره الله تعالى في القرآن فقال ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ( المائدة: الآية2) والبر كلمة تدل على كثرة الخير.
( البر حسن الخلق) أي حسن الخلق مع الله، وحسن الخلق مع عباد الله، فأما حسن الخلق مع الله، فأن تتلقي أحكامه الشرعية فعليك أن
تقوم بما أمرت به وتنزجر عما نهيت عنه.
وأيضا حسن الخلق مع الله في أحكامه القدرية، فالإنسان ليس دائما مسرورا حيث يأتيه ما يحزنه في ماله أو في أهله أو في نفسه أو في مجتمعه والذي قدر ذلك هو الله عز وجل فعليك بالرضا والتسليم .
أما حسن الخلق مع الناس:
فمن أجمع ما قيل فيه أنه : بذل الندى وكف الأذى والصبر على الأذى، وطلاقة الوجه.
وهذا هو البر والمراد به البر المطلق، وهناك بر خاص كبر الوالدين مثلا وهو الإحسان إليهما بالمال والبدن والجاه وسائر الإحسان.
وقال النوويّ – رحمه الله -: قال العلماء: البرّ يكون بمعنى الصلة، وبمعنى اللطف، والمبرّة، وحسن الصحبة، والعِشرة، وبمعنى الطاعة، وهذه الأمور هي مجامع حسن الخلق.
قوله (الإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس)
(والإثم) في اللغة: الذنب الذي يستحق العقوبة، وجمعه آثام، يقال: أثم بكسر الثاء، يأثم بفتحها، إذا وقع في الإثم، فهو أثم وآثم. وهو ضد البر؛ لأن الله تعالى قال: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) ( المائدة: الآية2)
والسؤال ليس عن أنواع الإثم، وإنما عن الأوصاف التي يعرف بها الإثم، لتجتنب.
قوله (وكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النّاسُ) قال النوويّ – رحمه الله -: معنى »حاك في صدرك«: أي: تحرّك فيه، وتردّد، ولم ينشرح له الصدر، وحصل في القلب منه الشكّ، وخَوْف كونه ذنبًا (شرح النوويّ ( ١٦/ ١١١).
[وهذا المقياس خاص بصفوة المؤمنين، فغيرهم قد ينشرح صدره للآثام].
وقال ابن منظور: قوله:»ما حكّ في نفسك«: أي: إذا لَمْ تكن منشرح الصدر به، وكان في قلبك منه شيء من الشكّ، والرَّيب، وأوهمك أنه ذنب وخطيئة، ومنه الحديث الآخر:»ما حكّ في صدرك، وإن أفتاك المفتون«، قال الأزهريّ: ومنه حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه -:»الإثم حَوّاز القلوب«(صحيح موقوف)؛ يعني: ما حَزّ في نفسك، وحَكّ فاجتنبه، فإنه الإثم، وإن أفتاك فيه الناس بغيره (راجع:»لسان العرب” ١٠/ ٤١٤).
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: ((والإثم ما حاك في نفسك …)) إلخ؛ وإنما أحاله النبيّ ﷺ على هذا الإدراك القلبيّ؛ لِما عَلِم من جودة فهمه، وحسن قريحته، وتنوير قلبه، وأنه يُدرك ذلك من نفسه، وهذا كما قال في الحديث الآخر:(الإثم حَزّاز القلوب) ؛ يعني به: القلوب المنشرحة للإسلام، المنوّرة بالعلم الذي قال فيه مالك: العلم نور يقذفه الله تعالى في القلب.
وهذا الجواب لا يصلح لغليظ الطبع، قليل الفهم، فإذا سأل عن ذلك مَن قَلَّ فهمه، فصّلت له الأوامر، والنواهي الشرعيّة، وقد قالت عائشة – رضي الله عنها -:(( أمرنا رسول الله ﷺ أن نُنَزّل الناس منازلهم)). انتهى (قال محمد آدم الأثيوبي: إنه حديث مختلَف فيه، والصحيح أنه ضعيف
للانقطاع)، والله تعالى أعلم.
قوله ( أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة) هو معدود في الشاميين،
قال القاضي وغيره: معناه: أنه أقام بالمدينة كالزائر، من غير نقله إليها من وطنه لاستيطانها، وما مَنَعه من الهجرة، وهي الانتقال من الوطن، واستيطان المدينة، إلّا الرغبة في سؤال رسول الله ﷺ عن أمور الدين، فإنه كان سَمَح بذلك للطارئين، دون المهاجرين، وكان المهاجرون يفرحون بسؤال الغرباء الطارئين، من الأعراب، وغيرهم؛ لأنهم يُحتَمَلون في السؤال، ويُعذرون، ويَستفيد المهاجرون الجواب، كما قال أنس – رضي الله عنه – في الحديث الذي ذكره مسلم في «كتاب الإيمان»: «فكان يُعجبنا أن يجيء الرجل العاقل، من أهل البادية، فيسأله، ونحن نسمع»، والله أعلم. انتهى (راجع: «شرح النوويّ» ١٦/ ١١١).
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «أقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالمَدِينَةِ سَنَةً … إلخ» …وهذا يدلّ على أنّ الهجرة ما كانت واجبة على كلّ من أسلم، وقد تقدّم الخلاف في ذلك، وقد بيّن عذره في كونه، لَمْ يلتزم سكنى المدينة …. انتهى كلام القرطبيّ – رحمه الله – (“المفهم” ٦/ ٥٢٢).
والحديث من أفراد المصنّف – رحمه الله تعالى
لمّا أكثر بعض الناس ، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمَّا يفيد وعمَّا لا يفيد، حتى سأل بعضهم عن أبيه الذي مات، أهو في الجنة أم في النار؟ فنزل قوله تعالى { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} [المائدة: 101] فكان خوفهم من الوقوع في المحاذير بسؤالهم مانعا من سؤالهم. [انظر: فتح المنعم، والبحر الثجاج].
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولي): معالم البِرِّ
1 – معنى البِرِّ لغةً واصطلاحًا:
معنى البِرِّ :
البِرُّ: الصِّدق والطَّاعة والخير والفضل، وبَرَّ يَبـَــرُّ، إذا صَلَحَ. وبَرَّ في يمينه يَبَرُّ، إذا صدَّقه ولم يحنث. وبَرَّ رحمه يَبَرُّ، إذا وصله. ويقال: فلان يَبَرُّ ربَّه ويتبرَّره، أي: يطيعه. ورجل بَرٌّ بذي قرابته، وبارٌّ: من قوم بررة وأبرار، والمصدر: البِرُّ، والبَـرُّ: الصَّادق أو التقي وهو خلاف الفاجر، والبِرُّ: ضدُّ العقوق. وبَرِرْتُ والدي بالكسر، أَبَـــرُّهُ برًّا، وقد بَرَّ والده يَبَرُّه ويَبِرُّه بِرًّا… وهو بَـرٌّ به وبارٌّ.. وجمع البَرِّ الأبرار، وجمع البَارِّ البَرَرَةُ ([394] ((لسان العرب)) لابن منظور (4/51)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/43)) .
قال المناوي: (البِرُّ بالكسر أي: التوسُّع في فعل الخير، والفعل المرضِي، الذي هو في تزكية النَّفس… يقال: بَرَّ العبدُ ربَّه. أي: توسَّع في طاعته… وبِرُّ الوالد: التَّوسع في الإحسان إليه، وتحرِّي محابِّه، وتوقِّي مكارهِه، والرِّفقُ به، وضدُّه: العقوق. ويستعمل البِرُّ في الصِّدق؛ لكونه بعض الخير المتوسَّع فيه) (((التوقيف)) (ص 122)) .
قال القاضي المهدي: (والبِرُّ: هو الصِلة، وإسداء المعروف، والمبالغة في الإحسان) (((صيد الأفكار)) للقاضي المهدي (2/302)).
2- الفرق بين البِرِّ وبعض الصفات
– الفرق بين البِرِّ والخير:
(أنَّ البِرَّ مضَمَّن بجعل عاجل قد قُصِد وجه النفع به، فأمَّا الخير فمطلق، حتَّى لو وقع عن سهو لم يخرج عن استحقاق الصِّفة به. ونقيض الخير: الشَّر، ونقيض البِرِّ: العقوق).
– الفرق بين البِرِّ والصلة:
(أنَّ البِرَّ سعة الفضل المقصود إليه، والبِرُّ أيضًا يكون بلين الكلام، وبَرَّ والده إذا لقيه بجميل القول والفعل. قال الرَّاجز:
بُنَيَّ إنَّ البرَّ شيء هيِّن وجهٌ طليق وكلامٌ ليِّن
والصِّلة: البِرُّ المتأصِّل. وأصل الصِّلة: وصلة على فعله، وهي للنَّوع والهيئة، يقال: بارٌّ وصولٌ، أي: يصل برَّه فلا يقطعه. وتواصل القوم: تعاملوا بوصول بِرِّ كل واحد منهم إلى صاحبه. وواصله: عامله بوصول البِرِّ. وفي القرآن: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ [القصص: 51]، أي: كثَّــرْنا وصول بعضه ببعض بالحكم الدَّالة على الرَّشد).
– الفرق بين الصَّدقة والبِرِّ:
(الفرق بين البر وَالصَّدَقَة أنَّك تصَّدَّق على الفقير لسدِّ خلَّته، وتبرُّ ذا الحقِّ لاجتلاب مودَّته، ومن ثمَّ قيل: بِرُّ الوالدين. ويجوز أن يقال: البِرُّ هو: النَّفع الجليل. فيجوز أن يقال: البِرُّ سعة النَّفع. وقيل: البِرُّ الشَّفقة).
– الفرق بين القُرْبَان والبِرِّ:
قال أبو هلال: (إنَّ القُرْبَان: البِرُّ الذي يتقرَّب به إلى الله، وأصله المصدر، مثل الكفران والشُّكران) .[((الفروق اللغوية)) للعسكري (ص 95، 170)]
3- التَّرغيب في البِرِّ
أولًا: التَّرغيب في البِرِّ في القرآن الكريم
– قال تعالى: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177].
(البِرُّ اسم للخير ولكلِّ فعل مُرْضِى، ( أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب )ِ الخطاب لأهل الكتاب؛ لأنَّ اليهود تصلِّى قِبل المغرب إلى بيت المقدس، والنَّصارى قِبل المشرق. وذلك أنَّهم أكثروا الخوض في أمر القبلة حين حوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، وزعم كلُّ واحد من الفريقين أنَّ البِرَّ التوجُّه إلى قبلته، فردَّ عليهم. وقيل: ليس البِرَّ فيما أنتم عليه، فإنَّه منسوخ خارج من البِرِّ، ولكنَّ البِرَّ ما نبيِّنه. )
– قال تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [المائدة: 2].
(قوله جلَّ ذكره:( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)، (البِر) : فعل ما أُمِرْت به، والتَّقوى: ترك ما زُجرت عنه. ويقال: البِرُّ: إيثار حقِّه سبحانه، والتَّقوى: ترك حظِّك. ويقال: البِرُّ: موافقة الشَّرع، والتَّقوى: مخالفة النَّفس. ويقال: المعاونة على البِرِّ بحسن النَّصيحة، وجميل الإشارة للمؤمنين. والمعاونة على التَّقوى بالقبض على أيدي الخطَّائين بما يقتضيه الحال من جميل الوعظ، وبليغ الزَّجر، وتمام المنع على ما يقتضيه شرط العلم. والمعاونة على الإثم والعدوان بأن تعمل شيئًا مما يُقتدى بك لا يرضاه الدِّين، فيكون قولك الذي تفعله، ويُقتدى بك (فيه) سنَّة تظهرها، و(عليك) نبُوُّ وِزْرها. وكذلك المعاونة على البِرِّ والتَّقوى، أي الاتصاف بجميل الخصال على الوجه الذي يُقتدى بك فيه) ((لطائف الإشارات)) للقشيري (1/398-399).
ثانيًا: التَّرغيب في البِرِّ في السُّنَّة النَّبويَّة
– عن الـنَّـوَّاسِ بن سمعانَ رضي الله عنه
قال ابن دقيق العيد: (أمَّا البِرُّ فهو الَّذي يُبِرُّ فاعلَه، ويلحقه بالأبرار، وهم المطيعون لله عزَّ وجلَّ. والمراد بحسن الخلق: الإنصاف في المعاملة، والرِّفق في المحاولة، والعدل في الأحكام، والبذل في الإحسان، وغير ذلك من صفات المؤمنين) (((شرح الأربعين النووية)) لابن دقيق العيد (ص 94)) .
وقال علي القاري: (.. ((فقال: البِرُّ)) أي: أعظم خصاله، أو البِرُّ كلُّه مجملًا ((حسن الخلق)) أي: مع الخلق بأمر الحقِّ أو مداراة الخلق، ومراعاة الحقِّ. قيل: فُسِّر البِرُّ في الحديث بمعان شتى:
ففسَّره في موضع بما اطمأنَّت إليه النَّفس، واطمأنَّ إليه القلب.
وفسَّره في موضع بالإيمان، وفي موضع بما يقرِّبك إلى الله، وهنا بحسن الخلق، وفسَّر حسن الخلق باحتمال الأذى، وقلَّة الغضب، وبسط الوجه، وطيب الكلام، وكلُّها متقاربة في المعنى…
وقال بعض المحققين: تلخيص الكلام في هذا المقام أن يقال: البِرُّ اسمٌ جامعٌ لأنواع الطَّاعات والأعمال المقرِّبات، ومنه بِرُّ الوالدين، وهو استرضاؤهما بكلِّ ما أمكن، وقد قيل: إنَّ البِرَّ من خواصِّ الأنبياء عليهم السلام، أي: كمال البِرِّ. إذ لا يستبعد أن يوجد في الأمَّة من يوصف به، وقد أشار إليهما من أُوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم بقوله: حسن الخلق…) ثم ذكر أغلب ما ذكرناه في معنى البر ( ((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) لعلي القاري (8/3173-3174)).
– وعن ثوبانَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزيد في العمر إلَّا البِرُّ، ولا يردُّ القدر إلَّا الدُّعاء، وإنَّ الرَّجل ليُحْرَم الرِّزق بخطيئة يعملها)) (رواه ابن ماجه (18)، قال البوصيري في ((زوائد ابن ماجه)) (1/13): سألت شيخنا أبا الفضل العراقي -رحمه الله- عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن. وحسنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (18) دون قوله: ((وإن الرجل…)) ).
قال السِّندي في حاشيته: (قوله: ((لا يزيد في العمر إلا البِرُّ)) إمَّا لأنَّ البارَّ ينتفع بعمره وإن قلَّ، أكثر ممَّا ينتفع به غيره وإن كثر، وإما لأنَّه يُزاد له في العمر حقيقة، بمعنى أنَّه لو لم يكن بارًّا لقصر عمره عن القدر الذي كان إذا بَرَّ، لا بمعنى أنَّه يكون أطول عمرًا من غير البارِّ، ثمَّ التفاوت إنَّما يظهر في التَّقدير المعلَّق، لا فيما يعلم الله تعالى أنَّ الأمر يصير إليه. فإنَّ ذلك لا يقبل التَّغير. وإليه يشير قوله تعالى: يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد: 39]) (((حاشية السندي على سنن ابن ماجه)) (1/47)) .
– وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصِّدق؛ فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البِرِّ. وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّة. وما يزال الرجل يصدُق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا. وإيَّاكم والكذب؛ فإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور. وإنَّ الفجور يهدي إلى النَّار. وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتَّى يُكتب عند الله كذابًا)) (رواه البخاري (6094)، ومسلم (2607)).
قال القاري: (.. ((عليكم بالصِّدق)). أي: الزموا الصِّدق، وهو الإخبار على وفق ما في الواقع. ((فإنَّ الصِّدق)). أي: على وجه ملازمته ومداومته. ((يهدي)). أي: صاحبه. ((إلى البِرِّ)). وهو جامع الخيرات من اكتساب الحسنات واجتناب السيئات، ويطلق على العمل الخالص الدَّائم المستمر معه إلى الموت. ((وإنَّ البِرَّ يهدي)). أي: يوصل صاحبه. ((إلى الجنَّة)). أي: مراتبها العالية ودرجاتها) (((مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)) (7/3029)).
4- أقوال السَّلف والعلماء في البِرِّ
– روي عن عيسى ابن مريم -على نبينا وعليه السلام-: (البِرُّ ثلاثة: المنطق والنَّظر والصمت، فمن كان منطقه في غير ذكر فقد لغا، ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها، ومن كان صمته في غير فكر فقد لها)[ ((أدب الدنيا والدين)) للماوردي (ص 100)].
– وقال أبو الدَّرداء: (اعبدوا الله كأنَّكم ترونه، وعُدُّوا أنفسكم في الموتى، واعلموا أنَّ قليلًا يغنيكم، خير من كثير يلهيكم، واعلموا أنَّ البِرَّ لا يبلى، وأنَّ الإثم لا يُنسى).
– وعن أبي الأشهب قال: (سمعت الحسن، يقول: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون: 60]، قال: كانوا يعملون ما عملوا من أنواع البِرِّ، وهم مشفقون أن لا ينجيهم ذلك من عذاب الله).
– وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: (يكفي من الدُّعاء مع البِرِّ مثل ما يكفي الطَّعام من الملح).
– و(قال سليمان بن عبد الملك: يا أبا حازم أيُّ عباد الله أكرم؟ قال: أهل البِرِّ والتَّقوى).
– و(قال داود الطائي: البَرُّ همَّته التَّقوى، فلو تعلَّقت جميع جوارحه بالدُّنيا، لردَّته نيَّته يومًا إلى نيَّةٍ صالحةٍ، وكذلك الجاهل بعكس ذلك).
– وقيل لسفيان بن عيينة: ما السَّخاء؟ قال: (السَّخاء: البِرُّ بالإخوان، والجود بالمال).
– وقال مالك بن دينار: (ما من أعمال البِرِّ شيء إلا دونه عقبة، فإنْ صبر صاحبها أفضت به إلى رَوحٍ، وإنْ جزع رجع).
– وقال ابن حزم: (ينبغي أنْ يرغب الإنسان العاقل في الاستكثار من الفضائل وأعمال البِرِّ التي يستحق من هي فيه الذِّكر الجميل، والثَّناء الحسن، والمدح، وحميد الصِّفة. فهي التي تقرِّبه من بارئه تعالى، وتجعله مذكورًا عنده عزَّ وجلَّ الذِّكر الذي ينفعه، ويحصل على بقاء فائدته، ولا يبيد أبد الأبد).
– وقال ابن عبد البر: (وقالوا: البِرُّ في المساعدة، والمؤانسة، والمؤاخاة).
-عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، قالَ: «لا تَجِدُ شَيْئًا مِنَ البِرِّ يَتْبَعُهُ البِرُّ كُلَّهُ غَيْرَ اللِّسانِ، فَإنَّكَ تَجِدُ الرَّجُلَ يُكْثِرُ الصِّيامَ ويُفْطِرُ عَلى الحَرامِ ويَقُومُ اللَّيْلَ ويَشْهَدُ الزُّورَ بِالنَّهارِ، وذَكَرَ أشْياءَ نَحْوَ هَذا .
ولَكِنْ لا تَجِدُهُ لا يَتَكَلَّمُ إلّا بِحَقٍّ، فَيُخالِفُ ذَلِكَ عَمَلَهُ أبَدًا»
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء ٣/٢٠
وسير أعلام النبلاء
– وقال سهل بن عبد الله: (ليس كلُّ من عمل بطاعة الله صار حبيب الله، ولكن من اجتنب ما نهى الله عنه صار حبيب الله، ولا يجتنب الآثام إلا صدِّيق مقرَّب، وأمَّا أعمال البِرِّ فيعملها البَرُّ والفاجر).
– وقال محمد بن علي التِّرمذي: (ليس في الدُّنيا حِمل أثقل من البِرِّ ؛ لأنَّ من برَّك فقد أوثقك، ومن جفاك فقد أطلقك).
– وقال ابن القيِّم: (إنَّ أعمال البِرِّ تنهض بالعبد، وتقوم به، وتصعد إلى الله به، فبحسب قوَّة تعلُّقه بها يكون صعوده مع صعودها).
5- فوائد البر:
1- البِرُّ طريق موصل إلى الجنَّة:
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (عليكم بالصِّدق؛ فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّة، وإنَّ الرَّجل يَصْدُق حتى يكتب عند الله صِدِّيقًا).
2- من فضائل البِرِّ أنه سبيل للزيادة في العمر.
فعن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يردُّ القضاء إلَّا الدُّعاء، ولا يزيد في العمر إلَّا البِرُّ).
3- البِرُّ من أسباب سعادة المرء في الدَّارين.
4- البِرُّ يؤدِّي إلى نيل محبَّة النَّاس، وإلى الألفة وشيوع روح المحبَّة في المجتمع.
5- بذل البِرِّ يؤكِّد المحبَّة؛ فقد قيل: (أربعة تؤكِّد المحبَّة: حسن البِشْر، وبذل البِرِّ، وقصد الوفاق، وترك النِّفاق).
قال الماورديُّ: (وأما البِرُّ، وهو الخامس من أسباب الألفة؛ فلأنَّه يوصل إلى القلوب ألطافًا، ويثنيها محبَّة وانعطافًا).
6- البِرُّ طريقٌ لراحة البال، واستقرار النَّفس واطمئنانها:
ففي حديث وابصة بن معبد قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((جئتَ تسأل عن البِرِّ والإثم؟ قلت: نعم. قال: استفت قلبك، البِرُّ ما اطمأنَّت إليه النَّفس، واطمأنَّ إليه القلب)).
7- البِرُّ إحدى الصِّفات التي لا تكتمل مكارم الأخلاق إلَّا بها:
عن النَّوَّاس بن سمعانَ رضي الله عنه: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البِرِّ والإثم؟ فقال: البِرُّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطَّلع عليه النَّاس)).
8- أنَّ كلَّ أنواع الخير ينطوي تحت كلمة البِرِّ.
قال ابن القيِّم: (إنَّ أعمال البِرِّ تنهض بالعبد، وتقوم به، وتصعد إلى الله به، فبحسب قوة تعلُّقه بها يكون صعوده مع صعودها).
9- أنَّ البِرَّ يحرس النِّعم ويحصِّنها:
يقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ما نقص مال عبد من صدقة)).
(وقيل: من تلقَّى أوائل النِّعم بالشُّكر، ثم أمضاها في سبل البِرِّ، فقد حرسها من الزَّوال، وحصَّنها من الانتقال).
10- أنَّ البِرَّ والإحسان إلى النَّاس يعطي هيبة تعين على أمور الدُّنيا والدِّين.
فمن أحسن إلى النَّاس عظم في أعينهم، ولقي الاحترام والتوقير، وبادلوه الحبَّ، ممَّا يجعل له مكانته وهيبته في المجتمع، فتعينه تلك المكانة على أموره.
قال الشَّاعر:
أحسِن إلى النَّاس تستعبدْ قلوبهمُ فطالما استعبد الإحسانُ إنسانًا
6- أقسام البِرِّ
البِرُّ ينقسم إلى قسمين:
بِرُّ صِلَة، وبِرُّ معروف.
قال الماورديُّ: (والبِرُّ نوعان: صِلَة، ومعروف.
فأما الصلَة: فهي التَّبرع ببذل المال في الجهات المحدودة لغير عوض مطلوب، وهذا يبعث عليه سماحة النَّفس وسخاؤها، ويمنع منه شحُّها وإباؤها. قال الله تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].
وأما النَّوع الثَّاني من البِرِّ فهو: المعروف، ويتنوع أيضا نوعين: قولًا وعملًا.
فأما القول: فهو طيب الكلام، وحسن البِشْر، والتودُّد بجميل القول، وهذا يبعث عليه حسن الخلق، ورِقَّة الطبع، ويجب أن يكون محدودًا كالسَّخاء؛ فإنَّه إن أسرف فيه كان مَلَقًا مذمومًا، وإن توسط واقتصد فيه كان معروفًا، وبِرًّا محمودًا.
وأمَّا العمل:
فهو بذل الجاه والمساعدة بالنَّفس، والمعونة في النَّائبة، وهذا يبعث عليه حبُّ الخير للنَّاس، وإيثار الصَّلاح لهم. وليس في هذه الأمور سَرَفٌ، ولا لغايتها حَدٌّ، بخلاف النَّوع الأوَّل؛ لأنَّها وإن كثرت فهي أفعال خير تعود بنفعين: نفع على فاعلها في اكتساب الأجر، وجميل الذِّكر، ونفع على المعان بها في التخفيف عنه، والمساعدة له)[((أدب الدنيا والدين)) (183، 201)].
7- صور البِرِّ
البِرُّ لفظةٌ تعمُّ جميع أعمال الإحسان، وتشمل كلَّ خصال الخير، وعلى هذا فللبر أشكال وصور كثيرة، لكنْ من أبرز صور البِرِّ والإحسان:
البِرُّ بالوالدين:
قال الله تعالى مثنيًا على نبيه عيسى عليه السلام: ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا) [مريم: 32].
وقال عن نبيه يحيى عليه السلام:( وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا )[مريم: 14].
وقرن بر الوالدين بتوحيده فقال:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا 23 وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) [الإسراء: 23-24].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)) فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله (ويكاد الإنسان لا يفي والديه حقهما عليه مهما أحسن إليهما، لأنهما كانا يحسنان إليه حينما كان صغيرًا وهما يتمنيان له كل خير، ويخشيان عليه من كل سوء، ويسألان الله له السلامة وطول العمر، ويهون عليهما من أجله كل بذلٍ مهما عظم، ويسهران على راحته دون أن يشعرا بأي تضجر من مطالبه، ويحزنان عليه إذا آلمه أي شيء) (((الأخلاق الإسلامية)) لعبد الرحمن الميداني (2/22)) .
ولا يقتصر بر الوالدين على حال حياتهما، بل يمتد أيضًا إلى ما بعد مماتهما، ففي الحديث ((عن أبي أُسَيْد مالك بن ربيعة السَّاعدي قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذْ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي من بِرِّ أبوي شيء أبرُّهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصَّلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرَّحم التي لا تُوصل إلا بهما، وإكرام صديقهما)) (رواه أبو داود (5142)، وأحمد (3/497) (16103)، (7142). وحسنه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/307)، وقال ابن باز في ((مجموع فتاوى ابن باز)) (25/372): ثابت. وضعفه الألباني في ((ضعيف سنن أبي داود)) (5142)) . وفي الحديث الآخر، حديث ابن عمر: ((مِنْ أبَرِّ البِرِّ، أن يصل الرَّجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يُوَلِّي)) (رواه مسلم (2552)) . فصلة أقارب الميت وأصدقائه بعد موته هو من تمام بِرِّه.
(وإذا قيل: فما هو البِرُّ الذي أمر الله به ورسوله؟ قيل: قد حَدَّه الله ورسوله بحَدٍّ معروف، وتفسير يفهمه كلُّ أحد، فالله تعالى أطلق الأمر بالإحسان إليهما، وذكر بعض الأمثلة التي هي أنموذج من الإحسان ، فكل إحسان قوليٍّ أو فعليٍّ أو بدنيٍّ، بحسب أحوال الوالدين والأولاد والوقت والمكان، فإنَّ هذا هو البِرُّ… فكلُّ ما أرضى الوالدين من جميع أنواع المعاملات العرفيَّة، وسلوك كلِّ طريق ووسيلة ترضيهما، فإنَّه داخل في البِرِّ، كما أنَّ العقوق: كلُّ ما يسخطهما من قول أو فعل. ولكن ذلك مقيد بالطَّاعة لا بالمعصية. فمتى تعذَّر على الولد إرضاء والديه إلا بإسخاط الله، وجب تقديم محبَّة الله على محبَّة الوالدين. وكان اللَّوم والجناية من الوالدين، فلا يلومان إلا أنفسهما) (((بهجة قلوب الأبرار)) للسعدي (216-217)).
8- موانع فعل البِرِّ
1- البعد عن الله سبحانه وتعالى، وكثرة الذُّنوب تحيل بين المرء وبين عمل المعروف والبِرِّ.
2- البخل والشُّحُّ، وحبُّ المال، والحرص عليه، والتعلق به.
3- الحقد، والتَّحاسد، والكراهية تمنع الشخص من الإحسان إلى النَّاس.
4- الجهل بما يرتَّب على عمل البِرِّ من أجر عظيم.
الوسائل المعينة على فعل البِرِّ:
1- طلب رضا الله، فمن أراد التقرُّب إلى الله، فإنَّه سيسعى بكلِّ عمل يوصله إليه، ومن ذلك كلُّ أعمال البِرِّ.
2- تدريب النفس وتعويدها على عمل الصَّالحات، حتَّى وإن دعته نفسه إلى تركها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الصِّدق يهدي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يهدي إلى الجنَّة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق…)).
3- حبُّ النَّاس، والسَّعي للتودُّد إليهم، والتقرُّب منهم، مدعاة للبِرِّ، والإحسان لهم.
4- معالجة النَّفس من مرض البخل والشُّحِّ، ومحاولة تعويدها على الإنفاق في وجوه الخير، وفي مختلف القرب:
قال تعالى:( لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [آل عمران: 92].
5- تقوى الله ومخافته، طريق يجعل الإنسان يسعى لإرضائه جلَّ وعلا: قال تعالى:( وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ) [البقرة: 189].
6- نزع الحقد والغلِّ والحسد وغيرها من الصِّفات القبيحة، والتي تقف حائلًا أمام الإحسان إلى النَّاس وبرِّهم.
9- الحِكَم والأمثال في البِرِّ
– أخ أراد البِرَّ صرحًا فاجتهد.
– البِرُّ أن تعمل في السِّر عمل العلانية.
– خير البِرِّ عاجله.
– برُّ الكريم طبع، وبرُّ البخيل دفعٌ.
– أبرُّ من هرَّة
– خير البِرِّ ما صفا وضفا.
– (سئل بزَرْجَمهر الحكيم: من أولى النَّاس بالسَّعادة؟ فقال: من سلم من الذُّنوب. فقيل له: من أفضل النَّاس عيشًا؟ قال: المجتهد الموَفَّق. قيل له: فما أفضل البِرِّ؟ قال: الورع).
– قال ابن المقفع: (من أفضل البِرِّ ثلاث خصال: الصِّدق في الغضب، والجود في العُسرة، والعفو عند القدرة).
– يقال: (ثلاث من كنوز البِرِّ: كتمان الصَّدقة، وكتمان الوجع، وكتمان المصيبة).
– ويقال: (مكتوب في التوراة: من يزرع البِرَّ يحصد السَّلامة).
– يقال: (سبعة أشياء من كنوز البِرِّ، وكلُّ واحد من ذلك واجب بكتاب الله تعالى.
أولها: الإخلاص في العبادة، لقول الله عزَّ وجلَّ: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء [البينة: 5]،
والثَّاني: بِرُّ الوالدين، لقوله عزَّ وجلَّ: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان: 14]،
والثَّالث: صلة الرَّحم، لقوله عزَّ وجلَّ: وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ [النساء: 1]، والرَّابع: أداء الأمانة، لقوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء: 58] الآية.
والخامس: أن لَّا يطيع أحدًا في المعصية، لقول الله عزَّ وجلَّ: (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ ) آل عمران: 64[،
والسَّادس: أن لَّا يعمل بهوى نفسه، لقول الله عزَّ وجلَّ: ( وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ) النازعات: 40،
والسَّابع: أن يجتهد في الطَّاعة، ويخاف الله تعالى، ويرجو ثوابه، لقوله تعالى:( يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) السجدة: 16]
فالواجب على كلِّ إنسان أن يكون خائفًا باكيًا، فإنَّ الأمر شديد .
– ويقال: (من علامات التَّوفيق ثلاث: دخول أعمال البِرِّ عليك من غير قصد لها، وصرف المعاصي عنك مع الطَّلب لها ، وفتح باب اللَّجَأ والافتقار إلى الله عزَّ وجلَّ في الشِّدَّة والرَّخاء.
ومن علامات الخذلان ثلاث: تعسُّر الخيرات عليك مع الطَّلب لها، وتيسُّر المعاصي لك مع الرَّهَب منها، وغلق باب اللَّجَأ والافتقار إلى الله عزَّ وجلَّ).
– وقالوا: (البِرُّ في المساعدة، والمؤانسة، والمؤاخاة).
10- البِرُّ في واحة الشِّعر
قال شاعر :
واللهُ أنجحُ ما طلبتَ به والبِرُّ خيرُ حقيبةِ الرَّحْلِ
[انظر: موسوعة الأخلاق حيث ذكروا أبيات كثيرة حول هذا المعنى ]
(المسألة الثانية): الإثم والعدوان
الإثم لغة واصطلاحا:
الإثم لغة:
مصدر قولهم: أثم يأثم، وهو مأخوذ من مادّة (أث م) الّتي تدلّ على البطء والتّأخّر، ومن ذلك ناقة آثمة: أي متأخّرة، والإثم مشتقّ من ذلك، لأنّه بطيء عن الخير متأخّر عنه، يقال: أثم فلان: وقع في الإثم أي الذّنب، ويجمع على آثام. والأثام: جزاء الإثم، قال تعالى:( ومَن يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أثامًا ) أراد مجازاة الأثام يعني العقوبة، والأثام والإثام: عقوبة الإثم.
وقال القرطبيّ: الأثام في كلام العرب: العقاب، وقيل: واد في جهنّم جعله الله عقابا للكفرة « تفسير القرطبي (١٣/ ٥١)».
ويقول الرّاغب: الإثم والأثام اسم للأفعال المبطئة عن الثّواب والجمع آثام، وتسمية الكذب والقمار والخمر والمعصية وغير ذلك بالإثم لكونها من جملته، وقال الجوهريّ: الإثم: الذّنب، والأثام جزاء
الإثم، يقال: أثم الرّجل إثما ومأثما، إذا وقع في الإثم فهو آثم وأثيم وأثوم أيضا، يقال: أثمه الله في كذا يأثمه ويأثمه أي عدّه عليه إثما وقيل عاقبه على الإثم فهو مأثوم أي مجزيّ جزاء إثمه، وآثمه: أوقعه في الإثم، وأثّمه أي قال له: أثمت (ورماه بالإثم)، وقد تسمّى الخمر إثما، وتأثّم من كذا: أي تحرّج عنه وكفّ، وقال ابن منظور: تأثّم: تاب من الإثم، واستغفر منه، وهو (أي صيغة التأثّم) على السّلب كأنّه سلبه بالتّوبة والاستغفار أو رام ذلك بهما، وفي حديث معاذ: فأخبر بها عند موته تأثّما أي تجنّبا للإثم، كما يقال أيضا: تأثّم فلان: إذا فعل فعلا خرج به من الإثم، كما يقال تحرّج: إذا فعل ما يخرج به عن الحرج «مقاييس اللغة (١/ ٦٠)، المفردات (ص ٥).، الصحاح (٥/ ١٨٥٨)، ولسان العرب (١/ ٢٨) (ط. دار المعارف)».
الإثم اصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الإثم: ما يجب التّحرّز منه شرعا وطبعا «التعريفات (٧)».
وقال المناويّ: الإثم والأثام: هي الأفعال المبطّئة للثّواب والآثم المتحمّل للإثم «التوقيف (٣٨)».
وقال الكفويّ: الإثم: هو الذّنب الّذي تستحقّ العقوبة عليه، ولا يصحّ أن يوصف به إلّا المحرّم «الكليات للكفوي (٤٠)».
الفرق بين الإثم والذنب والوزر:
قال الكفويّ: إنّ الذّنب هو مطلق الجرم عمدا كان أو سهوا، بخلاف الإثم فإنّه ما يستحقّ فاعله العقاب، فيختصّ بما يكون عمدا.
أمّا الإثم والوزر فهما واحد في الحكم العرفيّ وإن اختلفا في الوضع، فإنّ وضع الوزر للقوّة لأنّه من الإزار، وهو ما يقوّي الإنسان، ووضع الإثم للّذّة وإنّما خصّ به فعل الشّرّ لأنّ الشّرور (في الغالب) ما تكون مستلذّة «المصدر السابق».
العدوان لغة:
مصدر قولنا عدا عليه، وهو مأخوذ من مادّة (ع د و) الّتي تدلّ على تجاوز في الشّيء وتقدّم لما ينبغي أن يقتصر عليه، والعدوان: الظّلم الصّراح، يقال: عدا عليه (عدوانا) واعتدى عليه (اعتداء)، وتعدّى عليه (تعدّيا) كلّه بمعنى واحد. وفي اللّسان: عدا عليه عدوا، وعداء، وعدوّا، وعدوانا، وعدوانا، وعدوى، وتعدّى واعتدى كلّه: ظلمه.
وقد أوضح الرّاغب ارتباط فروع هذه المادّة فقال: العَدْو: التّجاوز ومنافاة الالتئام، فتارة يعتبر (التّجاوز) بالقلب فيقال له: العداوة والمعاداة، وتارة بالمشي فيقال له: العدو، وتارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة فيقال له: العدوان والعدو قال تعالى:( فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (الأنعام/ ١٠٨) أي عدوانا، ومن العدوان المحظور ابتداء قوله تعالى ( ولا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ ) (المائدة/ ٢).
العدوان: هنا هو ظلم النّاس كما يقول القرطبيّ، أو هو تجاوز ما حدّ الله لكم في دينكم وفرض عليكم في أنفسكم « تفسير القرطبي (٦/ ٣٣)، والطبري (٤/ ٤٠٥)»،
ومن العدوان الّذي هو على سبيل المجازاة ويصحّ أن يتعاطى مع من ابتدأ به، قول الله تعالى: ( فَلا عُدْوانَ إلّا عَلى الظّالِمِينَ )(البقرة/ ١٩٣) أي لا سبيل إلّا عليهم، والظّالمون هم المشركون بالله، وذلك على وجه المجازاة لما كان من المشركين من الاعتداء، والمعنى حينئذ: افعلوا بهم مثل الّذي فعلوا بكم، كما يقال: إن تعاطيت منّي ظلما تعاطيته منك، والثّاني: ليس بظلم، « المرجع السابق (٢/ ٢٠٢)»، والعادي: الظّالم، يقال: لا أشمت الله بك عاديك، أي عدوّك الظّالم لك، وقولهم: فلان عدوّ فلان معناه: فلان يعدو على فلان بالمكروه ويظلمه، يقال: عدا عدوا: ظلم وجار، وفي حديث قتادة «أنّه عدي عليه» أي ظلم وسرق ماله، يقال: عدا بنو فلان على بني فلان أي ظلموهم، وعدا الأمر وتعدّاه:
تجاوزه ، وعداه عن الأمر عدوا وعدوانا، وعدّاه:
كلاهما صرفه وشغله، والعداء والعدواء والعادية كلّه:
الشّغل يعدوك عن الشّيء، وتعادى ما بينهم: تباعد، وتعادى القوم عادى بعضهم بعضا من العداوة، والعادي: المعتدي، والمعادي أي المتجاوز الطّور، والعدوّ: ضدّ الصّديق، وقيل: ضدّ الوليّ، يكون للواحد والجمع، والذّكر والأنثى بلفظ واحد وجمعه أعداء ، قال الفيروز آباديّ: وقد يثنّى ويجمع ويؤنّث في بعض اللّغات « مقاييس اللغة (٤/ ٢٤٩)، المفردات للراغب (٣٣٩)، وبصائر ذوي التمييز (٤/ ٣١)، الصحاح (٦/ ٢٤٢١)، لسان العرب (عدو) ٤/ ٢٨٥٠) (ط. دار المعارف)».
العدوان اصطلاحا:
قال المناويّ: العدوان: أسوأ الاعتداء في قول أو فعل أو حال « التوقيف (٢٣٨)».
وقال الكفويّ: تجاوز المقدار المأمور بالانتهاء إليه والوقوف عنده « الكليات (٥٨٤)».
التعاون على الإثم والعدوان اصطلاحا:
أن يعين بعض النّاس بعضا على ترك ما أمر الله بفعله وتجاوز ما حدّ في الدّين وفرض على النّاس في أنفسهم وفي التّعامل مع غيرهم « اقتبسنا هذا التعريف مما ذكره الطبري في تفسير قوله تعالى ( ولا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ ) انظر تفسير الطبريّ (٤/ ٤٠٥)».
الفرق بين الإثم والعدوان:
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: معنى قول الله تعالى ذكره: ( وتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى ولا تَعاوَنُوا عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ ) (المائدة/ ٢). أنّ كلّا منهما (الإثم والعدوان) إذا أفرد تضمّن الآخر، فكلّ إثم عدوان إذ هو فعل ما نهى الله عنه أو ترك ما أمر الله به. فهو عدوان على أمره ونهيه وكذلك كلّ عدوان إثم فإنّه يأثم به صاحبه . هذا ولكن عند اقترانهما يكونان شيئين بحسب متعلّقهما . فالإثم ما كان محرّم الجنس كالكذب والزّنا وشرب الخمر ونحو ذلك.
والعدوان:
ما كان محرّم القدر والزّيادة . فالعدوان تعدّي ما أبيح منه إلى القدر المحرّم كالاعتداء في آخذ الحقّ ممّن هو عليه. إمّا بأن يتعدّى على ماله أو بدنه أو عرضه ، فإذا غصبه خشبة لم يرض عوضها إلّا داره وإذا أتلف عليه شيئا أتلف عليه أضعافه، وإذا قال فيه كلمة قال فيه أضعافها فهذا كلّه عدوان وتعدّ للعدل « التفسير القيم لابن القيم (٢٢٨)».
وقال القرطبيّ: العدوان تجاوز الحدّ ، والظّلم وضع الشّيء في غير موضعه، وقيّد الوعيد بذكر العدوان والظّلم ليخرج منه فعل السّهو والغلط « تفسير القرطبي (٥/ ١٠٣)».
[للاستزادة انظر: نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، وقد ذكروا أدلة الباب]
(المسألة الثالثة): وردت أحاديث في حُسن الخُلُق، ومسألة هل حسن الخلق غريزة، أو مكتسب؟
فمنها: حديث النوّاس بن سِمعان – رضي الله عنه – المذكور في الباب، وحديث:»إن خياركم أحاسنكم أخلاقًا«، رواه البخاريّ، وأخرج أبو يعلى من حديث أنس رفعه:»أكمل
المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا«، وللترمذيّ، وحَسّنه، والحاكم، وصححه، من حديث أبي هريرة، رَفَعه:»إن من أكمل المؤمنين أحسنهم خُلُقًا«، ولأحمد بسند رجاله ثقات، من حديث جابر بن سمرة نحوه، بلفظ:»أحسن الناس إسلامًا«، وللترمذيّ من حديث جابر، رَفَعه:»إن من أحبكم إليّ، وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحسنكم أخلاقًا«، وأخرجه البخاريّ في»الأدب المفرد« من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، ولأحمد، والطبرانيّ،
وصححه ابن حبان، من حديث أبي ثعلبة نحوه، وقال:»أحاسنكم أخلاقًا«، وسياقه أتمّ.
وللبخاريّ في»الأدب المفرد«، وابن حبان، والحاكم، والطبرانيّ، من حديث أسامة بن شَرِيك: «قالوا: يا رسول الله من أحبّ عباد الله إلى الله؟ قال: أحسنهم خُلُقًا»، وفي رواية عنه: «ما خَيْر ما أُعطي الإنسان؟ قال: خُلُق حسن».
وحديثُ أبي الدرداء رفعه: «ما شيء أثقل في الميزان من حُسْن الخلق»، أخرجه البخاريّ في «الأدب المفرد»، وأبو داود، والترمذيّ، وصححه هو وابن حبان، وزاد الترمذيّ فيه، وهو عند البزار: «وأن صاحب حُسْن الخلق ليبلغ درجة صاحب الصوم والصلاة»، وأخرج أبو داود، وابن حبان أيضًا، والحاكم، من حديث عائشة – رضي الله عنها – نحوه، وأخرجه الطبرانيّ في «الأوسط»، والحاكم، من حديث أبي هريرة، وأخرجه الطبرانيّ من حديث أنس نحوه، وأخرج أحمد، والطبرانيّ، من حديث عبد الله بن عمرو، وأخرج الترمذيّ، وابن حبان، وصححاه، وهو عند البخاريّ في «الأدب المفرد» من حديث أبي هريرة: «سئل النبيّ ﷺ عن أكثر ما يدخل الناس الجَنَّة، فقال: تقوى الله، وحسن الخلق»، وللبزار بسند حسن، من حديث أبي هريرة، رفعه: «إنكم لن تَسَعُوا الناس بأموالكم، ولكن يَسَعُهُم منكم بَسْط الوجه، وحُسْن الخُلُق».
مسألة:
قال الحافظ: والأحاديث في ذلك كثيرة، وحَكى ابن بطال تبعًا للطبريّ خلافًا، هل حسن الخلق غريزة، أو مكتسب؟
وتمسَّك من قال: إنه غريزة بحديث ابن مسعود: «إن الله قَسَم أخلاقكم، كما قَسَم أرزاقكم …» الحديث، وهو عند البخاري في «الأدب المفرد».
وقال القرطبيّ في «المفهم»: الخُلُق جِبِلّة في نوع الإنسان، وهم في ذلك متفاوتون، فمن غلب عليه شيء منها، إن كان محمودًا، وإلّا فهو مأمور بالمجاهدة فيه، حتى يصير محمودًا، وكذا إن كان ضعيفًا، فيرتاض صاحبه حتى يقوى. انتهى.
وقد وقع في حديث الأشجّ العَصَريّ عند أحمد، والنسائيّ، والبخاريّ في «الأدب المفرد»، وصححه ابن حبان: «أن النبيّ ﷺ قال: إن فيك لخصلتين، يحبهما الله: الحِلْم، والأناة، قال: يا رسول الله! قدِيمًا كانا فيّ، أو حديثًا؟
قال: قديمًا، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلُقين يحبهما»، فترديده السؤال، وتقريره عليه، يُشعر بأن في الخُلُق ما هو جِبِليّ، وما هو مكتسب. ذكر هذا كلّه في الفتح («الفتح» ١٠/ ٤٥٩).
وقال الحافظ ابن رجب – رحمه الله -: – عند شرح حديث النوّاس – رضي الله عنه – المذكور
هنا -: وقد رُوي هذا الحديث عن النبيّ ﷺ من وجوه متعدّدة، وبعض طرقه جيّدة: فخرّجه الإمام أحمد، وابن حبان في «صحيحه» من طريق يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جدّه ممطور، عن أبي أمامة: «قال: قال رجل: يا رسول الله، ما الإثم؟ قال: إذا حاك في صدرك شيء فَدَعْه»، وهذا إسناد جيّد على شرط مسلم، فإنه خرّج حديث يحيى بن كثير، عن زيد بن سلام، وأثبت أحمد سماعه منه، وأنكره ابن معين.
وخرَّج الإمام أحمد، من رواية عبد الله بن العلاء بن زبر، قال: سمعت مسلم بن مشكم، قال: سمعت أبا ثعلبة الخُشَنِيّ يقول: قلت: يا رسول الله أخبرني ما يَحِلّ لي، وما يحرم عليّ، قال: «البرّ ما سكنت إليه النفس، واطمأنّ إليه القلب، والإثم ما لَمْ تسكن إليه النفس، ولا يطمئن إليه القلب، وإن أفتاك المفتون»، وهذا أيضًا إسناد جيّد،
وعبد الله بن علاء بن زبر ثقةٌ مشهورٌ، وخرّج له البخاريّ، ومسلم بن مشكم ثقةٌ مشهورٌ أيضًا.
…. وقد صحّ عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال: «الإثم حوّاز القلوب»، واحتجّ به الإمام أحمد، ورواه عن جرير، عن منصور، عن محمد بن عبد الرَّحمن، عن أبيه، قال: قال عبد الله: إياكم وحزّاز القلوب، وما حَزّ في قلبك فَدَعْه، قال أبو الدرداء: الخير في طمأنينة، والشرّ في ريبة.. انتهى («جامع العلوم والحكم» لابن رجب ٢/ ٩٥ – ٩٧).[انظر البحر الثجاج للأثيوبي]
(المسألة الرابعة): ذكر الحافظ ابن رجب – رحمه الله – بحثًا نفيسًا يتعلّق بهذه الأحاديث، راجع: «جامع العلوم والحكم» ٢/ ٩٣ – ٩٤.
المسألة الخامسة نقولات أخرى في معنى ( استفت قلبك ). :
قال محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح الأربعين: ” ( الإثم ما حاك في نفسك) أي: تردد وصرت منه في قلق ( ( وكرهت أن يطلع عليه الناس) ) لأنه محل ذم وعيب، فتجدك مترددا فيه وتكره أن يطلع الناس عليك.
وهذه الجملة إنما هي لمن كان قلبه صافيا سليما، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثما ويكره أن يطلع عليه الناس.
قال الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله تعالى: ” الذي اختلف فيه الإنسان يرجع إلى أهل العلم ممن يثق بعلمه ودينه في أمر يعمل به، فإذا أرشده من يثق بعلمه ودينه أخذ به، وأما استفتاء القلب فالمقصود بذلك: أن الإنسان إذا كان سأل عن شيء وأُخبر بأنه حلال، وكان في نفسه شيء منه أو غير مطمئن إليه أو أنه يعلم في هذا الأمر الخاص به ما يجعله غير مطمئن، فإن السلامة في ذلك أن يترك هذا الشيء الذي هو غير مطمئن إليه”[ شرح الأربعين النووية العباد].
ثانيًا:
قال ابن القيم رحمه الله :
“لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه ، وحاك في صدره من قبوله ، وتردد فيها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك) .
فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولا ، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه ، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من نار) .
” انتهى.[“إعلام الموقعين” (4/254)].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“أي : حتى وإن أفتاك مفتٍ بأن هذا جائز ، ولكن نفسك لم تطمئن ولم تنشرح إليه فدعه ، فإن هذا من الخير والبر ، إلا إذا علمت في نفسك مرضا من الوسواس والشك والتردد فلا تلتفت لهذا ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يخاطب الناس أو يتكلم على الوجه الذي ليس في قلب صاحبه مرض” انتهى. [“شرح رياض الصالحين” (2/284)].
(المسألة السادسة): في فوائده:
1- فيه فضيلة للنواس بن سمعان رضي الله عنه.
2- وفيه استفتاء القلب فيما لا نص فيه.
3- والبعد عن كل ما يخاف أن يطلع الناس عليه.
4- وفي الحديثِ: التَّورُّعُ عن الوُقوعِ في الشُّبهاتِ والتَّحرُّزُ للنَّفسِ.
5- القلب السَّليم من الشَّهوات والشُّبُهات يُسْتَفْتَى.
جاء في (جامع العلوم والحكم):
6- الترغيب في حسن الخلق.
7- إن الحق والباطل لا يلتبسان على المؤمن البصير.
8- إن الفتوى لا تزيل الشبهة إذا كان المستفتي ممن شرح الله صدره بنور الإيمان.
9- إن المستفتى يستفتى من هو أعلم منه وأتقى لله.
10 – المعجزة للرسول صلى الله عليه وسلم حيث أخبر وابصة عن ما في نفسه تبل أن يتكلم به.
11- إن الإنسان لا يقدم على شيء لا تطمئن نفسه عليه. انتهى.
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
12 … حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث يتقدم للسائل بما في نفسه ليستريح ويطمئن لقوله ( جئت تسأل عن البر؟) .
13 … جواز حذف همزة الإستفهام إذا دل عليها الدليل، لكن هذا ليس حكما شرعيا إنما هو حكم لغوي.
14 … أن ( نعم) جواب لإثبات ما سئل عنه فقول وابصة رضي الله عنه ( نعم) أي: جئت أسأل عن البر؛ ولهذا لو أجاب الإنسان بها من سأله عن شيء فمعناها إثبات ذلك الشيء.
15 … جواز الرجوع إلى القلب والنفس لكن بشرط أن يكون هذا الذي رجع إلى قلبه ونفسه ممن استقام دينه؛ فإن الله عز وجل يؤيد من علم الله منه صدق النية.
16 … أن الصوفية وأشباههم استدلوا بهذا الحديث على أن الذوق دليل شرعي يرجع إليه؛ لأنه قال: ( استفت قلبك) فما وافق عليه القلب فهو بر.
فيقال: هذا لا يمكن لأن الله تعالى أنكر على من شرعوا دينا لم يأذن به الله، ولا يمكن أن يكون ما أنكره الله حقا أبدا.
ثم إن الخطاب هنا لرجل صحابي حريص على تطبيق الشريعة، فمثل هذا يؤيده الله عز وجل ويهدي قلبه حتى لا يطمئن إلا إلى أمر محبوب إلى الله عز وجل.
17 … أن لا يغتر الإنسان بإفتاء الناس لا سيما إذا وجد في نفسه ترددا؛ فإن كثيراً من الناس يستفتي عالما أو طالب علم فيفتيه ثم يتردد ويشك؛ فهل لهذا الذي تردد وشك أن يسأل عالما آخر؟
الجواب: نعم، بل يجب عليه أن يسأل عالما آخر إذا تردد في جواب الأول.
18 … أن المدار في الشرعية على الأدلة لا على ما أشتهر بين الناس؛ لأن الناس قد يشتهر عندهم شيء ويفتون به وليس بحق، فالمدار على الأدلة الشرعية، والله الموفق.
19 … أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم، يتكلم بالكلام اليسير وهو يحمل معاني كثيرة لقوله ( البر حسن الخلق) كلمة جامعة مانعة.
20… الحث على حسن الخلق وأنك متى أحسنت خلقك فإنك في بر.
فإن قال قائل: وهل البر ينافي الغضب لله عز وجل؟ يعني لو غضبت على إنسان وشددت عليه فهل ذلك ينافي البر وحسن الخلق؟
الجواب: إن ذلك لا ينافي حسن الخلق، بل هذا من حسن الخلق؛ لأن المقصود به التربية والتوجيه، فهو من حسن الخلق؛ ولهذا كان النبي صلي الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه؛ لكن إذا انتهكت محارم الله عز وجل كان أشد الناس فيها .
21… إن المؤمن الذي قلبه صافٍ سليم يحوك في نفسه الإثم وإن لم يعلم أنه إثم
- إن الرجل المؤمن يكره أن يطلع الناس على آثامه؛ لقوله ( ( وكرهت أن يطلع عليه الناس) ) أما الرجل الفاجر المتمرد فلا يكره أن يطلع الناس على آثامه، بل من الناس من يفتخر ويفاخر بالمعصية، انتهى من شرح الأربعين.