4755 . 4756 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وموسى الصومالي ، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——‘——–‘
——-‘——‘——–‘
——-‘——‘——–‘
صحيح مسلم
46 – كتاب البر والصلة والآداب
باب رَغِمَ أنْفُ مَن أدْرَكَ أبَويهِ، أوْ أحَدَهُما عِنْدَ الكِبَرِ، فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ.
4755 حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُ ، قِيلَ : مَنْ ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ
4756 حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ سُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَغِمَ أَنْفُهُ ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ قِيلَ : مَنْ ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ ، حَدَّثَنِي سُهَيْلٌ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : رَغِمَ أَنْفُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ
==========
تمهيد:
((مِنْ آدَابِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ: تَوْقِيرُ الْكَبِيرِ، ومن ذلك توقير الوالدين، وخاصة عند الكبر)) يُوصِينا النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دائمًا وأبدًا بما يَنفعُنا في دُنيانا وأُخْرانا، ومِن وَصاياه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمُ ما في هذا الحديثِ، وهي الوصيَّةُ بِالوالدَيْنِ.
وإِنَّ مِنْ مُقْتَضَى حُسْنِ الْخُلُقِ وَالرَّحْمَةِ أَنْ يُوَقِّرَ الصَّغِيرُ الْكَبِيرَ، لِوُجُودِ حُسْنِ الْخُلُقِ لَدَيْهِ، وَأَنْ يَرْحَمَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ؛ لِأَنَّ الْكَبِيرَ قَدْ عَقَلَ مَا لَا يَعْقِلُ الصَّغِيرُ، وَعَلِمَ مَا لَا يَعْلَمُ الصَّغِيرُ، فَتَرَاهُ يَرْحَمُ الصَّغِيرَ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِ، سَوَاءٌ بِالتَّعْلِيمِ، أَوْ بِمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِفَكِّ كُرْبَتِهِ، وَعَدَمِ مُؤَاخَذَتِهِ إِنْ زَلَّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
لَقَدْ أَعْطَى الْإِسْلَامُ الْكَبِيرَ حَقَّهُ مِنَ الشَّرَفِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّوْقِيرِ؛ لِمَا خُصَّ بِهِ مِنَ السَّبْقِ فِي الْوُجُودِ وَتَجْرِبَةِ الْأُمُورِ.
وَإِجْلَالُ الْكَبِيرِ هُوَ حَقُّ سِنِّهِ؛ لِكَوْنِهِ تَقَلَّبَ فِي الْعُبُودِيَّةِ لِلهِ فِي أَمَدٍ طَوِيلٍ، وَرَحْمَةُ الصَّغِيرِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى رفَعَ عَنْهُ التَّكْلِيفَ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا، فَلَيْسَ مِنَّا». وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا وهو في الصحيح المسند 783
قَوْلُهُ ﷺ: «فَلَيْسَ مِنَّا»؛ أَيْ: لَيْسَ عَلَى سُنَّتِنَا، أَوْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ مِنَّا.
*مِنْ مَظَاهِرِ احْتِرَامِ الْكَبِيرِ: التَّوْسِعَةُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ.
مِنْ إِجْلَالِ الْكَبِيرِ: التَّوْسِعَةُ لِلْقَادِمِ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ إِذَا أَمْكَنَ التَّوْسِيعُ لَهُ، سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ أُمِرَ بِإِكْرَامِهِ مِنَ الشُّيُوخِ سَوَاءٌ كَانَ ذَا شَيْبَةٍ، أَوْ ذَا عِلْمٍ، أَوْ لِكَوْنِهِ كَبِيرَ قَوْمٍ.
وَمِنْ حُقُوقِ كِبَارِ السِّنِّ -الْمُسِنِّينَ- فِي دِينِ الْإِسْلَامِ: إِكْرَامُهُمْ، وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ، وَالرِّفْقُ بِهِمْ؛ فَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: «إِنَّ مِنَ إِجْلَالِ اللهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ، غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ». وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ، أَخْرَجَهُ -أَيْضًا- أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا.
قلت سيف بن دورة : له شواهد راجع تحقيق سنن أبي داود ط الرسالة .
«إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ»؛ أَيْ: مِنْ تَبْجِيلِهِ وَتَعْظِيمِهِ -جَلَّ وَعَلَا-.
«إِكْرَامَ ذَيِ الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ»: تَعْظِيمَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ فِي الْإِسْلَامِ بِتَوْقِيرِهِ فِي الْمَجَالِسِ، وَالرِّفْقِ بِهِ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ كَمَالِ تَعْظِيمِ اللهِ تَعَالَى؛ لِحُرْمَةِ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ عِنْدَ اللهِ.
فَالَّذِي يَتَدَبَّرُ مُتَأَمِّلًا يَرَى أَهَمِّيَّةَ هَذِهِ الْمَعْطُوفَاتِ فِي الْأَحَادِيثِ، وَيَعْلَمُ سُمُوَّ مَنْزِلَتِهَا؛ فَإِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ -تَعَالَى- ومِنْ تَعْظِيمِهِ أَنْ يَعْرِفَ الْمَرْءُ حَقَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْهِ.
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: تَأْكِيدٌ نَبَوِيٌّ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى تَوْقِيرِ الْكِبَارِ، وَإِجْلَالِهِمْ، وَالِاعْتِرَافِ بِحُقُوقِهِمْ، وَالْمُعَامَلَةِ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ.
وَفِيهَا: بَيَانُ فَضِيلَةِ وَأَسَاسِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ، مَعَ بَيَانِ الْخَيْرِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَيْهِ هَذَا الْمُجْتَمَعُ الْفَاضِلُ؛ لِأَنَّ خَلَلًا عَظِيمًا جِدًّا يَحْدُثُ فِي مُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَمَا لَا يُعْرَفُ لِلْكَبِيرِ حَقُّهُ، وَالنَّبِيُّ ﷺ شَدَّدَ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.
*وَمِنْ حُقُوقِ كِبَارِ السِّنِّ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ: أَنْ نُقَدِّمَهُمْ عِنْدَ الْكَلَامِ؛ فَالْبَدْءُ بِالْكَلَامِ لِلْأَكْبَرِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِكْرَامِ، إِلَّا إِذَا كَانَ الصَّغِيرُ أَعْلَمَ وَأَقْدَرَ مِنَ الْكَبِيرِ عَلَى الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ.[ الْآدَابُ وَالْحُقُوقُ الْعَامَّةُ لِلْمُجْتَمَعِ وَأَثَرُهَا فِي رُقِيِّهِ وَبِنَاءِ حَضَارَتِهِ]
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -؛ (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ)؛ أنه (قالَ: (رَغِمَ أنْفُ) بترك التنوين؛ لإضافته إلى «من أدرك … إلخ» مقدّرًا، وفي الرواية التالية: «رغم أنفه … إلخ».
قال أهل اللغة: معناه ذَلّ، وقيل: كَرِهَ، وخَزِي، وهو بفتح الغين
المعجمة، وكسرها، وهو الرُّغم، بضم الراء، وفتحها، وكسرها، وأصله: لَصِقَ أنفه بالرُّغام، وهو ترابٌ مختلط برَمْل، وقيل: الرَّغْم: كلُّ ما أصاب الأنف مما يؤذيه، وفيه الحثّ على برّ الوالدين، وعِظَم ثوابه، ومعناه: أن برّهما عند كِبَرهما، وضَعْفهما، بالخدمة، أو النفقة، أو غير ذلك سبب لدخول الجَنَّة، فمن قَصّر في ذلك فاته دخول الجَنَّة، وأرغم الله تعالى أنفه، قاله النوويّ – رحمه الله – [«شرح النوويّ» ١٦/ ١٠٨ – ١٠٩].
وقال المناويّ – رحمه الله -: قوله: «رغم أنف رجل»: أي: إنه مدعوّ عليه، أو
مُخْبَر عنه بلزوم ذلّ وصغار لا يطاق. انتهى [«فيض القدير شرح الجامع الصغير» للمناويّ ٤/ ٣٤].
وقال الفيّوميّ – رحمه الله -: الرَّغامُ بالفتح: التراب، ورَغَمَ أنفه رَغْمًا، من باب
قَتَل، ورَغِمَ، من باب تَعِبَ لغةٌ، كناية عن الذلّ، كأنه لَصِق بالرَّغامِ هوانًا، ويتعدى بالألف، فيقال: أرْغَمَ الله أنفه، وفعلتُهُ عَلى رُغْمِ أنفه بالفتح،
والضم: أي: على كُرْهٍ منه، وراغَمْتُهُ: غاضبته، وهذا تَرْغِيمٌ له: أي:
إذلالٌ، وهذا من الأمثال التي جرت في كلامهم بأسماء الأعضاء، ولا يريدون
أعيانها، بل وضعوها لِمعانٍ غير معاني الأسماء الظاهرة، ولاحظّ لظاهر
الأسماء من طريق الحقيقة، ومنه قولهم: كلامه تحت قدميَّ، وحاجته خلف
ظهري، يريدون الإهمال، وعدم الاحتفال. انتهى [«المصباح المنير» ١/ ٢٣١ – ٢٣٢].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «رغم أنفه … إلخ» يقال: بكسر الغين،
وفتحها، لغتان، والرغم: بفتح الراء، وكسرها، وضّها، ومعناه: لَصِق بالرَّغام – بفتح الراء -: وهو التراب، وأرغم الله أنفه؛ أي: ألصقه به، وهذا من النبيّ ﷺ دعاءٌ مؤكّد على من قصّر في برّ أبويه، ويحْتَمِل وجهين:
أحدهما: أن يكون معناه: صرعه الله لأنفه، فأهلكه، وهذا إنما يكون في حقّ من لَمْ يقم بما يجب عليه من بِرّهما.
وثانيهما: أن يكون معناه: أذله الله تعالى؛ لأنّ من أُلْصِق أنفه الذي هو أشرف أعضاء الوجه بالتراب الذى هو موطئ الأقدام وأخسّ الأشياء، فقد انتهى من الذّلّ إلى الغاية القصوي، وهذا يَصلُح أن يُدْعى به على من فَرّط في متأكدات المندوبات، ويصلح لمن فَرّط في الواجبات، وهو الظاهر، وتخصيصه عند الكِبَر بالذِّكر، وإن كان برّهما واجبًا على كلّ حال، إنما كان ذلك؛ لشدّة حاجتهما إليه، ولضَعْفهما عن القيام بكثير من مصالحهما، وليبادر الولدُ اغتنام فرصة برّهما؛ لئلا تفوته بموتهما، فيندم على ذلك. انتهى [»المفهم«٦/ ٥١٨].
قالَ الطِّيبِيُّ ثُمَّ عَطَفَ عَلى (أدْرَكَ) أيْ: (ثُمَّ): بَعْدَ إدْراكِهِ ما ذُكِرَ وإمْهالِهِ مُدَّةً يَسَعُ فِيها قَضاءَ حُقُوقِهِما وأداءَ بَرِّهِما، و«أو» هنا للتقسيم، لا للشكّ.
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «أحدهما، أو كليهما» كذا الروايات الصحيحة بنصب «أحدهما، أو كليهما»؛ لأنّه بدلٌ من والديه المنصوب بـ «أدرك»، وقد وقع في بعض النُّسخ: «أحدُهما، أو كلاهما» مرفوعين على الابتداء، ويُتكلّف لهما إضمار الخبر، والأول أولى. انتهى [»المفهم” ٦/ ٥١٩].
وإنما قيّد بقوله: «عند الكبر» مع أن خدمة الأبوين ينبغي المحافظة عليها في كلّ زمن؛ لشدة احتياجهما إلى البرّ والخدمة في تلك الحالة، قاله المناويّ – رحمه الله –[»فيض القدير«٤/ ٣٤].
(فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ )؛ لعقوقه لهما، وتقصيره في حقهما، وهو إسناد مجازيّ؛ يعني: ذلّ، وخسر … وتعظيمهما مستلزم لتعظيم الله تعالي، ولذلك قَرَن تعالى الإحسان إليهما، وبرّهما بتوحيده، وعبادته، فمن لَمْ يغتنم الإحسان إليهما، سيما حال كبرهما، فجدير بأن يهان، ويحقّر شأنه [«فيض القدير شرح الجامع الصغير» للمناويّ ٤/ ٣٤].
وجاء في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح:
(لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ): بِصِيغَةِ المَعْلُومِ مِنَ الدُّخُولِ أيْ: لَمْ يَدْخُلْها بِسَبَبِ عُقُوقِهِما والتَّقْصِيرِ فِي حُقُوقِهِما. وقالَ النَّوَوِيُّ: مَعْناهُ أنَّ بِرَّهُما عِنْدَ كِبَرِهِما وضَعْفِهِما بِالخِدْمَةِ والنَّفَقَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَمَن قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فاتَهُ دُخُولُ الجَنَّةِ. وقالَ الطِّيبِيُّ، (ثُمَّ) فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ اسْتِبْعادِيَّةٌ يَعْنِي: ذَلَّ وخابَ وخَسِرَ مَن أدْرَكَ تِلْكَ الفُرْصَةَ الَّتِي هِيَ مُوجِبَةٌ لِلْفَلاحِ والفَوْزِ بِالجَنَّةِ، ثُمَّ لَمْ يَنْتَهِزْها، وانْتِهازُها هُوَ ما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا إمّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما﴾ [الإسراء ٢٣] إلى قَوْلِهِ: ﴿وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء ٢٤]، فَإنَّهُ دَلَّ عَلى الِاجْتِنابِ عَنْ جَمِيعِ الأقْوالِ المُحَرَّمَةِ، والإتْيانِ بِجَمِيعِ كَرائِمِ الأقْوالِ والأفْعالِ مِنَ التَّواضُعِ والخِدْمَةِ والإنْفاقِ عَلَيْهِما، ثُمَّ الدُّعاءُ لَهُما فِي العاقِبَةِ. …..
والحديث رَواهُ التِّرْمِذِيُّ والحاكِمُ عَنْهُ بِلَفْظِ: ««رَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، ورَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضانُ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أنْ يُغْفَرَ لَهُ، ورَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ أدْرَكَ عِنْدَهُ أبَواهُ الكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الجَنَّةَ»»”.
وهو في الصحيح المسند 1282
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «ثم لَمْ يدخل الجَنَّة» معناه: دخل النار؛
لانحصار منزلَتَي الناس في الآخرة بين جنة ونار، كما قال تعالى: ﴿فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ﴾ [الشورى ٧]، فمن قيل فيه: لَمْ يدخل النار منهم: إنه في الجَنَّة، وبالعكس، و«أو» المذكورة هنا للتقسيم، ومعناه: أن المبالغة في برّ أحد الأبوين عند عدم الآخر يُدخل الولد الجَنَّة، كالمبالغة في برّهما معًا؛ ويعني بهذه المبالغة: المبرّة التي تتعيّن لهما في حياتهما، وقد يتعيّن لهما أنواعٌ من البرّ بعد موتهما؛ كما قد فَعَل عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – مع الأعرابيّ الذي وصَله بالعمامة والحمار، ثم ذكر ما سمعه من النبيّ ﷺ في ذلك .
قال الصنعاني -رحمه الله- في التنوير شرح الجامع: … قيل النبي – صلى الله عليه وسلم – أرسل رحمة للعالمين وكان رءوفاً رحيماً فدعاؤه هذا على من أمن ببعد الرحمة ولعله فيمن اشتغل بشهواته عن مرضات ربه بعد أن دله – صلى الله عليه وسلم – على سبيل الفلاح فتجافى عنه فكأنه أبى إلا النار حيث لم يعظم من أرسل رحمة للعالمين بالصلاة عليه ولم يقم بتعظيم شهر يفتح الله أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران واستخف بحق والديه فلم يقم به فحق لهؤلاء أن يطهروا بالنار إن لم يدركهم اللطف. انتهى مع اختصار
وقال ابن هبيرة رحمه الله في الإفصاح عن معاني الصحاح:
في هذا الحديث من الفقه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كرر ذكر إرغام الأنف ثلاثا لمن أدرك أبويه أحدهما فلم يدخل الجنة؛ لأنه قد وجد بوجودهما أو وجود أحدهما بابا مفتوحا إلى الجنة يدخل منه، وهو برهما، أو بر أحدهما؛ فإذا لم يفعل استحق دعاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ وكان قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – رغم أنفه ثلاث مرات كل واحدة منهن في جواب إخلاله بحال توجب عليه برهما؛ الأول: وصية الله إياه في الإحسان إليهما، والثانية: مكافأتهما في إحسانهما إليه، والثالثة: عدم رحمتهما مع الكبر. انتهى مع إختصار
ولا خلاف في أن عقوق الوالدين محرّم، وكبيرة من الكبائر، وقد دلّ
على هذا الكتابُ في غير موضع، وصحيح السُّنَّة؛ كما روى النسائيّ، والبزار، من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – عن النبيّ ﷺ قال: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والديّوثُ، والمرأة المتَرَجِّلة، تشبّه بالرجال، وثلاثة لا يدخلون الجنّة: العاقّ لوالديه، والمنّان عطاءه، ومدمن الخمر» [حديث صحيح].
وعقوق الوالدين: مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما،
كما أن برّهما: موافقتهما على أغراضهما الجائزة لهما، وعلى هذا إذا أمرا، أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه إذا لَمْ يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المباحات في أصله، وكذلك إذا كان من قبيل المندوبات، وقد ذهب بعض الناس إلى أن أمرهما بالمباح يصيّره في حقّ الولد مندوبًا إليه، وأمْرهما بالمندوب يزيده تأكيدًا في ندبيّته، والصحيح الأول؛ لأنّ الله تعالى قد قَرَن طاعتهما، والإحسان إليهما بعبادته وتوحيده،
فقال – عَزَّوَجَلَّ -: ﴿وقَضى رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا إلّا إيّاهُ وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ الآية [الإسراء ٢٣]، وقال: ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ الآية [العنكبوت ٨] في غير ما موضع، وكذلك جاءت في السُّنَّة أحاديث كثيرة تقتضي لزوم طاعتهما فيما أمرا به، فمنها: ما رواه الترمذيّ عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: كان تحتي امرأة أحبّها، وكان أبي يكرهها، فأمرني أن أطلّقها، فأبيت، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ، فقال: «يا عبد الله بن عمر طلّق امرأتك»، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
فإن قيل: فكيف يرتفع حكم الله الأصلي بحكم غيره الطارئ؟
فالجواب: أنه لَمْ يرتفع حكم الله بحكم غيره، بل بحكمه، وذلك أنه لما أوجب علينا طاعتهما، والإحسان إليهما، وكان من ذلك امتثال أمرهما، وجب ذلك الامتثال؛ لأنَه لا يحصل ما أمرنا الله به إلّا بذلك الامتثال، ولأنهما إن خولفا في أمرهما حصل العقوق الذي حرّمه الله تعالي، فوجب أمرهما على كلّ حال بإيجاب الله تعالى. انتهى [«المفهم» ٦/ ٥٢٠ – ٥٢١]، والله تعالى أعلم.[البحر الثجاج]
تنبيه : هذا الأب الذي يطاع في طلاق المرأة إذا كان له ملحظ معتبر على الزوجة.
وإذا كان الوالد في حال الكبر، فهذا باب واسع للإنسان من أجل مزيد من التقرب إلى الله بهذه الطاعات التي هي من أجل الطاعات وأفضل القربات.
فحاجات هذا الوالد الكبير كثيرة، وكلما كان الأمر أشق كلما كان الأجر فيه أعظم من جهة الغالب، أو الجنس، أو من جهة العموم، وإن لم يكن ذلك مطرداً في كل الجزئيات، لكن الأجر على قدر المشقة، بحيث إن الإنسان لا يقصد المشقة ولا يطلبها، ولكنها المشقات العارضة التي لا يمكن التخلص منها دون أن يتطلبها المكلف، كما قال النبي ﷺ لعائشة -رضي الله تعالى عنها: إن أجرك على قدر نصَبك[انظر: صحيح مسلم .
فالوالد الكبير يحتاج إلى مزيد من الجهد في البر أكثر من الوالد الشاب، لربما يكون الوالد أقوى من الولد في فترة شبابه وقوته، ولا يحتاج إلى الولد في شيء من الأشياء، إنما هو طِيب المعشر والكلام الحسن، والتأدب في العبارة، والاستئذان، والوقوف عند أمره وترك ما يسخطه فحسب، لكن والده لا يفتقر إليه بشيء بل هو مسدد لجميع حاجات الولد، هو الذي يرعاه، لكن إذا كان الوالد كبيراً يحتاج إلى من يقوم عليه:
– فلربما تكثر مواعيده في المستشفى فيرتبط الولد .
– يحتاج هذا الوالد لربما إلى تعاهد أيضاً حتى في حاجاته الخاصة،
– يحتاج إلى تعاهد أيضاً في أكله وفي عبادته،
وفي كل شأن من شئونه،
– بل يحتاج إلى شيء من المباسطة في الحديث، فالكبير يضجر كأنه في سجن – لكن الإنسان قد لا يشعر بهذا، فليست المسألة ساعة أو ساعتين، ويومًا أو يومين، من أجل أن يقال: والله زاره فلان وجلس معه فلان، القضية تستمر سنين،
وهذا الأب إذا زاره فلان وفلان يوماً أو يومين سيبقى مددًا طويلة جداً، سنوات، لربما كان منسيًّا، ولربما نسيه أولاده وهم معه في بيته، لا يجلسون معه، لا يتحدثون معه، بحجة أنهم في أشغالهم، وهذا الأب موفَّر له كل ما يحتاج إليه بزعمهم، والواقع أنه يشعر أنه في كل يوم يموت عدة مرات، ويسأم تكاليف الحياة، الأيام تكون طويلة جداً بالنسبة إليه، ولربما من كثرة جلوسه في بيته وهو لا يتحرك كما هو معروف فإن الإنسان إذا كان بهذه المثابة يكون عنده شيء من الإشباع الكثير من جهة الراحة فلا ينام، لا يأتيه النوم، يصابح الصبح وهو ينظر ببطء إلى عقارب الساعة تتحرك ببطء شديد.
أنت أيها الشاب لربما بمجرد ما تضع رأسك على الوسادة تنام، وتستيقظ بصعوبة لربما لصلاة الفجر، ولا تشعر بالليل إلا كأنه لحظة، بينما من جرب وعرف وأصيب بالأرق، أو بمرض يسهره، أو نحو ذلك فإنه لا يأتيه الصبح إلا وقد كادت أن تخرج روحه،
فهذه أمور يحتاج الإنسان أن يشعر بها، يحتاج أن تكون عنده مشاعر حية من أجل أن يشعر بمشاعر أبويه .
– هذا الأب أحياناً قد لا ينام؛ لأن الكبير يكون حساساً أكثر من الشاب القوي، فقد يقول لك كلمة أو لأخيك أو نحو ذلك فيبدأ يحسبها، لربما أغضبته، لربما جرحته، فيبدأ يشعر بالخوف أنه وقع في نفسك شيء بسبب ذلك فلا ينام تلك الليلة، أو لربما وقع في نفسه شيء بسبب ما سمعه منك أو من أحد من الناس فيبقى يتقلب ليلة بسبب هذا،
وهكذا الكبير يحتاج إلى مزيد من الرعاية، ولهذا قال النبي ﷺ لما عظمت المشقة: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة، هذا سبيل لدخول الجنة، وهذه غنيمة عظيمة جدًّا، وهي من أعظم ما يُزدرع للآخرة.
فعلى الإنسان أن يستغلها، لا أن يشعر أن هذا الوالد لربما يكون عبئاً وشغلاً شاغلاً يشغله ويقطعه عن حاجاته ومصالحه، هذه أعظم الحاجات والمصالح، هذا أفضل لك من قيام الليل وصيام النهار، تسهر عنده تجلس معه ساعة تباسطه فيها أفضل لك عند الله -عز وجل- من قضاء هذه الساعة في ركعات تركعها،
فالوالد حقه عظيم، ونحن حينما نمضي الساعات الطوال مع من نأنس معهم من أصحابنا قد لا نشعر بالوقت . وقد يذهب هذا الوالد أو تذهب هذه الوالدة، ثم بعد ذلك يتندم الإنسان ويفوته هذا الباب من أبواب الجنة، فيكون كما قال النبي ﷺ: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، ثلاث مرات للتأكيد.[شرح رياض الصالحين]
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولي): فصل: فضل بر الوالدين:
سبق في الأبواب السابقة ذكر النصوص حول فضل بر الوالدين.
(المسألة الثانية): فصل: تنبيه على مضار التربية السيئة: عقوق الوالدين:
الآباء الذين لم يعتنوا بتربية أولادهم التربية الإسلامية سوف يجدون ما قدموا لأنفسهم في حياتهم وبعد وفاتهم، إلا من عصم الله ورحم، ففي الدنيا العقوق وعدم البر والصلة، وفي الآخرة يكون هذا الأب مسؤولًا أمام الخالق تبارك وتعالى عن الإهمال الذي قام به نحو أولاده، وكذلك إذا توفي الوالد وخلَّف أولادًا فسّاقًا فإنه لا ينتفع منهم بعد موته؛ لأنهم قد لا يبتعدون عن الجرائم والآثام، فإذا فعلوا ذلك فيستبعد أن يدعوا لوالديهم، والصلاح شرط لقبول العمل وإيصاله إلى والد الولد «ولدٌ صالحٌ يدعو له».
[انظر: الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة ١/١٨٩].
المسألة الثالثة :
آثار عن السلف في بر الوالدين :
. قال سعيد بن جبير: لدغتني عقرب، فأقسمت علي أمي أن أسترقي، فأعطيت الراقي يدي التي لم تلدغ، وكرهت أن أحنثها. سير أعلام النبلاء (4 /333)
. ان حيوة بن شريح- وهو أحد أئمة المسلمين- يقعد في حلقته يعلم الناس، فتقول له أمه: “قم يا حيوة، فألق الشعير للدجاج، فيقوم ويترك المجلس ويفعل ما أمرته أمه!!”
- قال الحسن البصري -رحمه الله-: لرجل: تعشَّ العشاء مع أمك تقرُّ به عينُها أحبُّ إليّ من حجة تطوُّعاً. بر الوالدين لابن الجوزي (ص 4)
. قال المأمون : لم أرَ أبرَّ من الفضل بن يحيي بأبيه، بلغ من برِّه بأبيه أن يحيي كان لا يتوضأ إلا بالماء الحارِّ، وكانا في السجن معًا، فمنعهما السجَّان من إدخال الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيي مضجعه إلى قمقم -إناء صغير من نحاس- كان بالسجن، فملأه بالماء، وأدناه من المصباح، فلم يزل قائمًا وهو في يده حتى أصبح . وحُكي أن السجَّان فطن لحيلة الفضل في تسخين الماء لأبيه، فمنعهما من المصباح في الليلة القابلة، فأخذ الفضل الإناء مملوءًا معه إلى فراشه، وألصقه بأحشائه، حتى أصبح وقد فتر الماء .
. وعن بكر بن عباس قال : بينما كنت مع منصور في مجلسه جالسًا، إذ صاحت به أُمُّه -وكانت فظة غليظة- فقالت : يا منصور ! يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى ؟ وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها .
. وقال سعيد بن عامر: بات أخي عمر يصلي , وبت أغمز قدم أمي , وما أحب أن ليلتي بليلته.
. قال ابن عباس : مامن مؤمن له أبوان فيصبح ويمسي وهو محسن إليهما إلا فتح الله له بابين من الجنة
. وقيل أن بندار جمع حديث البصرة , ولم يرحل براً بأمه , ثم رحل بعدها.
. قيل أراد أحمد الأبار الرحلة إلى قتيبة , فلم تأذن له أمه , ثم ماتت فخرج , فلما وصل إلى بلخ مات قتيبه , فكانوا يعزونه على هذا ,فقال: هذا ثمرة العلم , إني أخترت رضى الوالده
. وقال سفيان بن عيينه في قوله عزوجل:(( أن اشكر لي ولوالديك )) من صلى الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه عقبهما فقد شكرهما.
. عن أبي حازم: أن أباهريرة لم يحج حتى ماتت أمه.
. وسئل الحسن عن بر الوالدين؟ فقال: أن تبذل لهما ماملكت , وتطيعهما مالم تكن معصية.
. وسئل عطاء أن رجلاً أقسمت عليه أمه أن لايصلي إلا الفريضة ولايصوم إلا شهر رمضان؟ قال: يطيعها.
. أراد كهمس العابد: قتل عقرب , فدخلت جحر فأدخل أصابعه خلفها فلدغته , فقيل له بذلك: قال: خفت أن تخرج , فتجيء إلى أمي تلدغها
. قال حميد: لما ماتت أم أياس بن معاوية: بكى , فقيل له: مايبكيك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة , وأُغلق أحدهما.
. قال عمر بن عبدالعزيز: لأبن مهران , لاتصاحب عاقاً، فإنه لن يقبلك وقد عق والديه. ( لأن حقهما أوجب حقاً منه عليه ).
. رأى ابن عمر رجلاً يطوف بالكعبة حاملا أمه على رقبته , فقال: يا ابن عمر أترى أني جزيتها؟ قال: لا , ولا بطلقة واحدة , ولكنك أحسنت والله يثيبك على القليل الكثير.
. قال ابن محيريز: من دعا أباه باسمه أو كنيته فقد عقه , إلا أن يقول: يا أبتِ
. وكان حارثة بن النعمان: يطعم أمه بيده ولم يستفهمها كلاماً قط تأمر به حتى يسأل من عنده بعد أن تخرج: ماذا قالت أمي؟.
. وكان أبوهريرة إذا أراد أن يخرج من بيته وقف على باب أمه فقال: السلام عليك يا أماه ورحمة الله وبركاته , فتقول: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته , فيقول: رحمك الله كما ربيتيني صغيراً , فتقول: رحمك الله كما بررتني كبيراً وإذا أراد أن يدخل صنع مثله.
. وقال الحسن: دعاء الوالدين للولد نجاة، ودعاؤهما عليه أستئصال وبوار.
. قال كعب: من البر أن تبر من كان أبواك يبرانه. وسئل الحسن في الرجل تقول له أمه أفطر؟ قال: ليفطر وليس عليه قضاء , وله أجر الصوم والبر.
وقال عامر بن عبدالله بن الزبير: مات أبي، فما سألت الله – حولاً – إلا العفو عنه.
وقال ابن عباس: من نظر إلى أباه شزرا فقد عقه.
(المسألة الرابعة ): في فوائده:
١ – (منها): معنى الحديث: أن برّهما عند كِبَرهما، وضَعْفهما، بالخدمة، أو النفقة، أو غير ذلك سبب لدخول الجَنَّة، فمن قَصّر في ذلك فاته دخول الجَنَّة، وأرغم الله تعالى أنفه، قاله النوويّ – رحمه الله -.[وانظر ايضًا: إكمال المعلم بفوائد مسلم ٨/١٤].
2 – (منها): بيان تأكّد حقوق الوالدين، ولا سيّما بعد كبرهما، وقد قرنه الله تعالى بعبادته، فقال – عَزَّوَجَلَّ -: ﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ الآية [النساء ٣٦].
3 – (ومنها): بيان تحريم عقوقهما، وأنه من كبائر الذنوب.
٣ – (ومنها): بيان شدّة اهتمام النبيّ ﷺ بتعليم أمته، فكان يبدؤهم ببيان الإحكام، وإن لَمْ يسألوه.
4 – (ومنها): بيان أن من لَمْ يَقُم بحقوق والديه يُحرم من دخول الجنّة، فهما سببان له في دخولها، أو حرمانها، والله تعالى أعلم.
5 – (ومنها): الحثّ على برّ الوالدين، وعِظَم ثوابه.
6 – (ومنها): فيه: البشارة لمن بر بوالديه بدخول الجنة، خصوصا عند كبرهما وضعفهما.[ تطريز رياض الصالحين]
7 – (ومنها): من لطائف هذا الإسناد:
الحديث الأول: أنه من خماسيّات المصنف -رحمه الله-، وفيه رواية الابن عن أبيه، وفيه أبو هريرة – رضي الله عنه – رأس المكثرين السبعة.
8- غفلة المسلمين عن أخلاق دينهم.
9- صور من ازدراء الصغار للكبار.
10- تأكد احترام ذي الشيبة من ذوي الأرحام.
11- تربية الأبناء على احترام الكبير.
12- خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم.
13- حثُّ الإسلام على احترام الكبار.
12- تحذير الشابّ من الاغترار بقوته وفتوَّته.