(475) و (476) و (477) و (478) و (479) و (480) و (481) و (482) و (483) و (484) و (485) … عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘-
باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها وفضل الفقر
(475) – وعن النُّعْمَانِ بنِ بَشيرٍ، رضي الله عنه، قالَ: ذَكَر عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب، رضي الله عنه، مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَل مَا يمْلأُ بِهِ بطْنَهُ. رواه مسلم.
«الدَّقَلُ» بفتح الدال المهملة والقاف: رَدِئُ التَّمْرِ.
و في رواية النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: أَلَسْتُمْ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ.
(ذَكَر عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب، رضي الله عنه، مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا،)، (ما فتح عليهم من الدنيا)
في طعام وشراب ما شئتم)
قال الطيبي: صفة مصدر محذوف أي لستم منغمسين في طعام وشراب مقدار ما شئتم من التوسعة والإفراط فيه، فما موصولة ويجوز أن تكون مصدرية والكلام فيه تعيير وتوبيخ ولذلك تبعه بقوله
(لقد رأيت نبيكم)
وأضافه إليهم للإلزام حين لم يقتدوا به عليه السلام في الإعراض عن الدنيا ومستلذاتها وفي التقليل لمشتهياتها من مأكولاتها ومشروباتها ثم رأيت إن كان بمعنى النظر
(يظل اليوم يَلْتَوِي)؛ أي: يتقلّب ظهرًا لبطن من الجوع، (مَا يَجِدُ دَقَلًا) بفتحتين رديء التمر، (يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ) الشريف صلى الله عليه وسلم،
مما يعين على الزهد عند انفتاح الدنيا تذكر سير الزاهدين.
وفي الصحيحن ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يوميين متتابعين حتى قبض.
روى البزار عن عبد الله بن مسعودٍ قال:
نَظرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الجوعِ في وجوهِ أصْحابِهِ، فقال:
“أبشِروا، فإنَّه سيأتي عليكُمْ زَمانٌ يُغْدَى على أحدِكمْ بالقَصْعَةِ مِنَ الثريدِ ويراحُ عليه بِمثْلِها”.
قالوا: يا رسولَ الله! نحنُ يومَئذٍ خير؟ قال:
“بلْ أنْتُم اليومَ خيرٌ منكم يومَئذٍ”. (صحيح الترغيب)
(476) -وعن عائشةَ، رضي الله عنه، قالت: تُوفِّيَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَمَا في بَيْتي مِنْ شَيْءٍ يَاكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعيرٍ في رَفٍّ لي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَال علَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ. متفقٌ عليه.
«شَطْرُ شَعيرٍ» أَي شَيْء مِنْ شَعيرٍ. كَذا فسَّرهُ التِّرمذيُّ.
قوله: (يأكله ذو كبد) شمل جميع الحيوان وانتفى جميع المأكولات. (فتح الباري)
قال القاضي: قال ابن أبي حازم: معناه: نصف وسق، (شرح مسلم للنووي)
قوله: (إلا شطر شعير) المراد بالشطر هنا البعض، والشطر يطلق على النصف وعلى ما قاربه، وعلى الجهة وليست مرادة هنا، ويقال: أرادت نصف وسق. (ابن ججر)
قال ابن علان: “) لا يخفى ما اشتمل عليه هذا الخبر من مزيد إعراضه عن الدنيا بالمرة وعدم النظر إليها، لأنه إذا كان هذا حالها وهي أحب أمهات المؤمنين إليه وقد دانت له الأرض شرقا وغربا وجيء بثمراتها فضة وذهبا ولم يوجد عندها إلا ما ذكر ففيه أعظم دليل على مزيد إعراضه عنها ” (دليل الفالحين)
قوله: (في رف لي) قال الجوهري: الرف شبه الطاق في الحائط، وقال عياض: الرف خشب يرتفع عن الأرض في البيت يوضع فيه ما يراد حفظه، قلت: والأول أقرب للمراد. (فتح الباري)
قوله: (فأكلت منه حتى طال علي فكلته) بكسر الكاف ففني أي فرغ، قال ابن بطال: حديث عائشة هذا في معنى حديث أنس في الأخذ من العيش بالاقتصاد وما يسد الجوعة. قلت: إنما يكون كذلك لو وقع بالقصد إليه، والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤثر بما عنده، فقد ثبت في الصحيحين أنه كان إذا جاءه ما فتح الله عليه من خيبر وغيرها من تمر وغيره يدخر قوت أهله سنة، ثم يجعل ما بقي عنده عدة في سبيل الله تعالى، ثم كان مع ذلك إذا طرأ عليه طارئ أو نزل به ضيف يشير على أهله بإيثارهم، فربما أدى ذلك إلى نفاد ما عندهم أو معظمه. (فتح الباري)
وأما قولها: ” فكلته ففني ” قال ابن بطال: فيه أن الطعام المكيل يكون فناؤه معلوما للعلم بكيله، وأن الطعام غير المكيل فيه البركة لأنه غير معلوم مقداره، قلت: في تعميم كل الطعام بذلك نظر، والذي يظهر أنه كان من الخصوصية لعائشة ببركة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع مثل ذلك في حديث جابر. (فتح الباري)
قال القاضي: وفى هذا الحديث أن البركة أكثر ما تكون فى المجهولات والمبهمات، وأما الحديث الآخر: ” كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه “، فقالوا: المراد: أن يكيله منه لأجل إخراج النفقة منه، بشرط أن يبقى الباقى مجهولا، ويكيل ما يخرجه؛ لئلا يخرج أكثر من الحاجة أو أقل.
وقد استشكل هذا النهي مع الأمر بكيل الطعام وترتيب البركة على ذلك كما تقدم في البيوع من حديث المقدام بن معديكرب بلفظ: ” كيلوا طعامكم يبارك لكم فيه “، وأجيب بأن الكيل عند المبايعة مطلوب من أجل تعلق حق المتبايعين، فلهذا القصد يندب، وأما الكيل عند الإنفاق فقد يبعث عليه الشح؛ فلذلك كره، ويؤيده ما أخرجه مسلم من طريق معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر: ” أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو لم تكله لأكلتم منه ولقام لكم. قال القرطبي: سبب رفع النماء من ذلك عند العصر والكيل والله أعلم الالتفات بعين الحرص مع معاينة إدرار نعم الله ومواهب كراماته وكثرة بركاته، والغفلة عن الشكر عليها والثقة بالذي وهبها والميل إلى الأسباب المعتادة عند مشاهدة خرق العادة، (فتح الباري)
ويستفاد منه أن من رزق شيئا أو أكرم بكرامة أو لطف به في أمر ما فالمتعين عليه موالاة الشكر ورؤية المنة لله تعالى، ولا يحدث في تلك الحالة تغييرا والله أعلم. (فتح الباري)
قال ابن باز: “هذا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي بشيء من شعير اقترضه لأهله،،،؛،وليس بيت أهله إلا شيء من شعير عليه الصلاة والسلام، فلنا فيهم أسوة،،،، فلا يجوز أن يحتج بالفقر على ترك ما أوجب الله، أو فعل ما حرم الله، أو ظلم عباد الله، فالعبد يصبر ويطلب الرزق ويأخذ بأسباب كسب الرزق الحلال ويستعين بذلك على طاعة الله (ابن باز)
(477) -وعن عمرو بنِ الحارِث أَخي جُوَيْرِية بنْتِ الحَارثِ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، قَالَ: مَا تَرَكَ رسولُ اللَّه ?، عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَلاَ عَبْدًا، وَلا أَمَةً، وَلا شَيْئًا إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتي كَان يَرْكَبُهَا، وَسِلاحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لابْنِ السَّبيِلِ صَدَقَةً «رواه البخاري.
(مَا تَرَكَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا)، دنيار
قوله: (ولا عبدا ولا أمة) أي في الرق، وفيه دلالة على أن من ذكر من رقيق النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأخبار كان إما مات وإما أعتقه، واستدل به على عتق أم الولد بناء على أن مارية والدة إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأما على قول من قال إنها ماتت في حياته صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه.
قال العيني: “أَي: فِي الرّقية، لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عبيد وإماء، وَقد ذكرنَا فِي (تاريخنا الْكَبِير): أَنه كَانَ لَهُ عبيد مَا ينيف على سِتِّينَ، وَكَانَت لَهُ عشرُون أمة، فَهَذَا يدل على أَن مِنْهُم من مَاتَ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهُم من أعتقهم وَلم يبْق بعده عبد وَلَا أمة، وَهُوَ فِي الرّقية”
قوله: (ولا شيئا) في رواية الكشميهني ” ولا شاة ” والأول أصح، وهي رواية الإسماعيلي أيضا من طريق زهير، نعم روى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق مسروق عن عائشة قالت: ” ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم درهما ولا دينارا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء “.
قوله: (إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة)
قال العيني: ” (إلاَّ بغلته الْبَيْضَاء)، إعلم أَنه كَانَت لَهُ، صلى الله عليه وسلم، سِتّ بغال: بغلة شهباء: يُقَال لَهَا الدلْدل، أهداها لَهُ الْمُقَوْقس. وَبغلة يُقَال لَهَا فضَّة، أهداها لَهُ فَرْوَة بن عَمْرو الجذامي، فَوَهَبَهَا لأبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَبغلة بعثها صَاحب دومة الجندل. وَبغلة أهداها لَهُ ابْن الْعلمَاء ملك أَيْلَة، وَيُقَال لَهَا: إيلية، وَقَالَ مُسلم: كَانَت بَيْضَاء. وَبغلة أهداها لَهُ النَّجَاشِيّ. وَبغلة أهداها لَهُ كسْرَى، وَلَا يثبت ذَلِك، وَلم يكن فِيهَا بَيْضَاء، إلاَّ الأيلية، وَلم يذكر أهل السّير بغلة بقيت بعده، صلى الله عليه وسلم، إلاَّ الدلْدل.”
البغلة أهداها له رفاعة الضبيبي من لخم وقيل فروة بن نفاثة، وإنما اسها دلدل وليس له بغلة غيرها (ابن علان)
الصدقة ففي رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق في أواخر المغازي ” وأرضا جعلها لابن السبيل صدقة ”
فيه أن السلاح والمركوب لابد منه للإنسان.
قال ابن حجر:
” وأخرج أبو داود في «الزّهد» بسند صحيح عن هشام بن عروة: أخبرني أبي، قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألف درهم. قال عروة: وأخبرتني عائشة أنه مات وما ترك دينارا ولا درهما.
“الإصابة في تمييز الصحابة” (6) / (275)
قال ابن باز: “ليس في بيته شيء ليس عنده شيء سوى بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه الذي أعده للجهاد وأرض جعلها صدقة عليه الصلاة والسلام وكانت هذه الأرض يتولاها ولاة الأمر في فدك وفي بني النضير لإنفاقها في حاجات المسلمين ومصالح المسلمين”
لا يخالف الحديث السابق، قال ابن حجر: ” لأن مراده بالشيء المنفي ما تخلف عنه مما كان يختص به، وأما الذي أشارت إليه عائشة فكان بقية نفقتها التي تختص بها فلم يتحد الموردان. ” (ابن حجر)
(478) – وعن خَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ، قَالَ هَاجَرْنَا مَعَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نَلْتَمِسُ وَجهَ اللَّه تَعَالَى فَوَقَعَ أَجْرُنا عَلى اللَّه، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يأْكُلْ مِنْ أَجرِهِ شَيْئًا. مِنْهُم مُصْعَبُ بن عَمَيْر، رضي الله عنه، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنا بهَا رَاسَهُ، بَدَتْ رجْلاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ، بَدَا رَاسُهُ، فَأَمَرَنا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، أَنْ نُغَطِّيَ رَاسَهُ، وَنَجْعَلَ عَلى رجْليهِ شَيْئًا مِنَ الإِذْخِرِ، ومِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ. فَهُوَ يَهدبُهَا، متفقٌ عَلَيْهِ.
» النَّمِرَةُ «:كسَاء مُلَوَّنٌ منْ صُوفٍ. وَقَوْلُه:» أينَعَت «أَيْ: نَضَجَتْ وَأَدْرَكَتْ. وقوله:» يَهْدِبُهَا «هو بفتح الباءِ وضم الدال وكسرها. لُغَتَان. أَيْ: يَقْطِفُهَا وَيجْتَنِيهَا وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ لمَا فَتَحَ اللَّه تَعَالى عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَكنُوا فيهَا.
مر معنا شيء من فوائد هذا الحديث في باب فضل البكاء من خشية الله، حديث عبدالرحمن بن عوف عندنا تذكر مصعب بن عمير، ترك الطعام وكان صائما.
قوله: (هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة) أي بأمره وإذنه، أو المراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه حسا إلا الصديق وعامر بن فهيرة. (فتح الباري)
قوله: (فوجب أجرنا على الله)
قوله: (أجرنا على الله) أي إثابتنا وجزاؤنا. (فتح الباري)
قال ابن عثيمين: “نحن لا نوجب على الله بعقولنا والعقل لا يوجب على الله شيئا، لأنه مخلوق ناقص فلا يوجب على الكامل الأزلي الأبدي شيئا، فإذا وجب فعل الأصلح فإنما الذي أوجبه على نفسه من؟ الله، قال الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة} كتب عليه هو الذي أوجب، وقال: {إن علينا للهدى} فأوجب على نفسه أن يهدي الناس ويدلهم
إذا نحن نقول: إذا ثبت أن هذا هو الأصلح فقد وجب على الله بمقتضى حكمته وإيجابه نفسه لا بمقتضى عقولنا وإيجابنا عليه، وبهذا ننفك عن قول المعتزلة الذين يرون أن العقل هو الذي يوجب الشيء، أو الذي يمنع الشيء، أو الذي يقبح الشيء، أو الذي يحسن الشيء”
(تفسير سورة آل عمران لابن عثيمين)
قوله: (فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا)
معناه: لم يوسع عليه الدنيا، ولم يعجل له شيء من جزاء عمله. (شرح مسلم للنووي)
قال ابن حجر:” قوله: (لم يأكل من أجره شيئا)؛ كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح، وكأن المراد بالأجر ثمرته، فليس مقصورا على أجر الآخرة. (فتح الباري)
(لم يأكل) أي لم يصب، وعبر عنها بالأكل لأنه المقصود من إصابة المال. (دليل الفالحين لابن علان)
قال ابن حجر: “منهم من مات قبل الفتوح كمصعب بن عمير، ومنهم من عاش إلى أن فتح عليهم ثم انقسموا، فمنهم من أعرض عنه وواسى به المحاويج أولا فأولا؛ بحيث بقي على تلك الحالة الأولى، وهم قليل منهم أبو ذر وهؤلاء ملتحقون بالقسم الأول، ومنهم من تبسط في بعض المباح فيما يتعلق بكثرة النساء والسراري أو الخدم والملابس ونحو ذلك، ولم يستكثر وهم كثير ومنهم ابن عمر، ومنهم من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة وهم كثير أيضا منهم عبد الرحمن بن عوف، وإلى هذين القسمين أشار خباب، فالقسم الأول وما التحق به توفر له أجره في الآخرة، والقسم الثاني مقتضى الخبر أنه يحسب عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثوابهم في الآخرة … ومن ثم آثر كثير من السلف قلة المال وقنعوا به؛ إما ليتوفر لهم ثوابهم في الآخرة، وإما ليكون أقل لحسابهم عليه. (فتح الباري)
قوله: (منهم مصعب بن عمير) بصيغة التصغير هو ابن هشام بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي. يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي، وكان يكنى أبا عبد الله، من السابقين إلى الإسلام وإلى هجرة المدينة. قال البراء: أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم وكانا يقرئان القرآن … وذكر ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسله مع أهل العقبة الأولى يقرئهم ويعلمهم، وكان مصعب وهو بمكة في ثروة ونعمة فلما هاجر صار في قلة “. (فتح الباري)
قال ابن بطال: ليس في حديث خباب تفضيل الفقير على الغني، وإنما فيه أن هجرتهم لم تكن لدنيا يصيبونها ولا نعمة يتعجلونها وإنما كانت لله خالصة؛ ليثيبهم عليها في الآخرة، فمن مات منهم قبل فتح البلاد توفر له ثوابه، ومن بقي حتى نال من طيبات الدنيا خشي أن يكون عجل لهم أجر طاعتهم، وكانوا على نعيم الآخرة أحرص (فتح الباري)
قوله: (قتل يوم أحد) أي: شهيدا، وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، ثبت ذلك في مرسل عبيد بن عمير بسند صحيح عند ابن المبارك في كتاب الجهاد. (فتح الباري)
قوله: (فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة) هي كساء، وفيه دليل على أن الكفن من رأس المال، وأنه مقدم على الديون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتكفينه في نمرته، ولم يسأل هل عليه دين مستغرق أم لا؟ ولا يبعد من حال من لا يكون عنده إلا نمرة أن يكون عليه دين. واستثنى أصحابنا من الديون الدين المتعلق بعين المال، فيقدم على الكفن، وذلك كالعبد الجاني والمرهون، والمال الذي تعلقت به زكاة، أو حق بائعه بالرجوع بإفلاس ونحو ذلك. (شرح مسلم للنووي)
قوله: (وترك نمرة) بفتح النون وكسر الميم ثم راء هي إزار من صوف مخطط أو بردة. (فتح الباري)
قوله صلى الله عليه وسلم: (ضعوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من الإذخر) هو بكسر الهمزة والخاء، وهو حشيش معروف طيب الرائحة. وفيه دليل على أنه إذا ضاق الكفن عن ستر جميع البدن ولم يوجد غيره جعل مما يلي الرأس، وجعل النقص مما يلي الرجلين ويستر الرأس، فإن ضاق عن ذلك سترت العورة، فإن فضل شيء جعل فوقها، فإن ضاق عن العورة سترت السوأتان؛ لأنهما أهم وهما أصل في العورة. وقد يستدل بهذا الحديث على أن الواجب في الكفن ستر العورة فقط، ولا يجب استيعاب البدن عند التمكن. فإن قيل: لم يكونوا متمكنين من جميع البدن لقوله: ” لم يوجد له غيرها “، فجوابه: أن معناه: لم يوجد مما يملك الميت إلا نمرة، ولو كان ستر جميع البدن واجبا لوجب على المسلمين الحاضرين تتميمه إن لم يكن له قريب تلزمه نفقته، فإن كان وجب عليه. فإن قيل: كانوا عاجزين عن ذلك؛ لأن القضية جرت يوم أحد، وقد كثرت القتلى من المسلمين واشتغلوا بهم وبالخوف من العدو وغير ذلك، فجوابه: أنه يبعد من حال الحاضرين المتولين دفنه ألا يكون مع واحد منهم قطعة من ثوب ونحوها. والله أعلم. (شرح مسلم للنووي)
قال ابن بطال: في الحديث ما كان عليه السلف من الصدق في وصف أحوالهم. وفيه أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار. وفيه أن الكفن يكون ساترا لجميع البدن، وأن الميت يصير كله عورة، ويحتمل أن يكون ذلك بطريق الكمال. (فتح الباري)
قوله: (منا من أينعت له ثمرته) أي: أدركت ونضجت. (شرح مسلم للنووي)
قال ابن بطال: “وفى هذا الحديث أن الصبر على مكابدة الفقر وصعوبته من منازل الأبرار ودرجات الأخيار” (شرح البخاري لابن بطال)
قوله: (فهو يهدبها) هو بفتح أوله وبضم الدال وكسرها، أي يجتنيها. يقال: ينع الثمر وأينع ينعا وينوعا فهو يانع. وهدبها يهدبها إذا جناها، وهذا استعارة لما فتح عليهم من الدنيا.
(وَهَذِهِ اسْتِعَارَةٌ لمَا فَتَحَ اللَّه تَعَالى عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا وَتَمَكنُوا فيهَا.) قال ابن علان: “أي جملة قوله أينعت الخ استعارة تمثيلية. شبه حالهم في تمكنهم من الدنيا التي فتح عليهم بها وتمكنوا منها بتمكن ذي الثمرة النضيجة من قطفها واجتنائها ويحتمل أن يكون استعير يهدبها لمعنى التمكن منها فتكون استعارة تبعية، شبه التمكن من الدنيا بالهدب وهو القطف للثمرة بجامع سهولة الوصول في كل، فأطلق اسم المشبه على المشبه به استعارة مصرحة مرشحة بقوله أينعت، ثم سرت الاستعارة منه إلى الفعل، والله أعلم.”
(479) – وعن سهل بن سعد الساعدي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء”
رواه الترمذي. وقال حديث حسن صحيح.
قال الألباني في هداية الرواة:” في إسناده كذاب لكن الحديث بمجموع طرقه صحيح كما حققته في الصحيحة”
في تخريج نضرة النعيم:” قال -شيخنا الشيخ- سيف وصاحبه: أخرجه العقيلي وابن عدي من حديث سهل بن سعد فيما أنكر على عبدالحميد بن سليمان، وقال العقيلي: تابعه زكريا بن منظور وهو دونه. انتهى وأخرجه الخطيب في تاريخه من حديث ابن عمر وقال غريب جدا من حديث مالك.
جاء في رواية عند ابن ماجه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ، فَإِذَا هُوَ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ شَائِلَةٍ بِرِجْلِهَا، فَقَالَ: ” أَتُرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى صَاحِبِهَا؟ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا قَطْرَةً أَبَدًا “.
شائلة: رافعة رجلها من الانتفاخ
قوله: (تعدل) بفتح التاء وكسر الدال أي تزن وتساوي (تحفة الأحوذي المباركفوري)
(عند الله جناح بعوضة) هو مثل للقلة والحقارة. والمعنى أنه لو كان لها أدنى قدر. (تحفة الأحوذي للمباركفوري)
(ما سقى كافرا منها) أي من مياه الدنيا (تحفة الأحوذي للمباركفوري)
(شربة ماء) أي يمتع الكافر منها أدنى تمتع، فإن الكافر عدو الله والعدو لا يعطى شيئا مما له قدر عند المعطي، فمن حقارتها عنده لا يعطيها لأوليائه كما أشار إليه حديث: ” إن الله يحمي عبده المؤمن عن الدنيا كما يحمي أحدكم المريض عن الماء “. (تحفة الأحوذي)
قال ابن علان:” وفي «الديباجة»: هو أن الله تعالى لم يجعلها مقصودة لنفسها بل جعلها طريقًا موصلة إلى ما هو المقصود لنفسه، وأنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء وإنما جعلها دار انتقال وارتحال، وأنه تعالى ملّكها في الغالب للكفار والفساق، وحمى منها الأنبياء ووراثهم، ويكفيك حديث الباب في هوانها عند الله وصغرها وحقرها وذمها وبغضها وبغض أهلها والمحبين لها” (دليل الفالحين)
قال ابن باز عن الدنيا في تعليقه على هذه الحديث:” لكنها حقيرة عند الله ليست لها قيمة، إلا من عمَّرها بطاعة الله لأنها دار زائلة، دار فانية أعدت للزوال لا للبقاء، وإنما هي دار من لا خلاق له ولا دين له ولا عاقبة له، وأما المؤمن فإنه يتخذها طريقاً للآخرة ومطية للآخرة ومعملاً للآخرة” (شرح رياض الصالحين لابن باز)
(480) – وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ألا إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله تعالى، وما والاه وعالما ومتعلما “.
رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
قال الألباني في هداية الرواة: ” هو حديث حسن وهو مخرج في الصحيحة (2797) ”
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ألا “): للتنبيه (مرقاة المفاتيح للقاري) قال ابن علان: “بفتح الهمزة وتخفيف اللام حرف استفتاح يؤتى به لتأكيد ما بعده وليتوجه السامع له” (دليل الفالحين)
(” إن الدنيا ملعونة “) أي: مبعودة من الله لكونها مبعدة عن الله (مرقاة المفاتيح)
قال ابن علان: “إن الدنيا ملعونة) أي مبغوضة ساقطة فعبر عنه بذلك لأن من لازم المبغوض الساقط الإبعاد”
(” ملعون ما فيها “) أي: مما يشغل عن الله. (مرقاة المفاتتيح)
(” إلا ذكر الله “) بالرفع، وفي نسخة بالنصب وهو استثناء منقطع. (مرقاة المفاتيح)
(” وما والاه “) أي: أحبه الله من أعمال البر وأفعال القرب، أو معناه ما والى ذكر الله أي: قاربه من ذكر خير أو تابعه من اتباع أمره ونهيه، لأن ذكره يوجب ذلك. قال المظهر أي: ما يحبه الله في الدنيا والموالاة المحبة بين اثنين، وقد تكون من واحد، وهو المراد هنا يعني ملعون ما في الدنيا إلا ذكر الله، وما أحبه الله مما يجري والدنيا وما سواه ملعون. وقال الأشرف: هو من الموالاة وهي المتابعة، ويجور أن يراد بما يوالي ذكر الله تعالى طاعته واتباع أمره واجتناب نهيه.
قال ابن علان:” (إلاّ ذكر الله وما والاه) أي وما أدناه مما أحبه الله تعالى، والولي: القرب والدنو، والمعنى: الدنيا ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما قاربه من الطاعة الموصلة لمرضاته ”
قال المناوي: قوله ملعونة أي متروكة مبعدة متروك ما فيها أو متروكة الأنبياء والأصفياء كما في خبر: لهم الدنيا ولنا الآخرة.
وقال: الدنيا ملعونة لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذتها فأمالتها عن العبودية إلى الهوى وقال بعد ذكر قوله وعالما أو متعلما: أي هي وما فيها مبعد عن الله إلا العلم النافع الدال على الله فهو المقصود منها، فاللعن وقع على ما غر من الدنيا لا على نعيمها ولذتها، فإن ذلك تناوله الرسل والأنبياء انتهى (تحفة الأحوذي)
(” وعالم أو متعلم “): أو بمعنى الواو أو للتنويع، فيكون الواوان بمعنى ” أو “.
المعنى بالعالم والمتعلم العلماء بالله الجامعون بين العلم والعمل، فيخرج منه الجهلاء والعالم الذي لم يعمل بعلمه، ومن تعلم علم الفضول وما لا يتعلق بالدين.
قال القاري: “وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ رَاسُ كُلِّ عِبَادَةٍ وَرَاسُ كُلِّ سَعَادَةٍ، بَلْ هُوَ كَالْحَيَاةِ لِلْأَبْدَانِ وَالرُّوحِ لِلْإِنْسَانِ، وَهَلْ لِلْإِنْسَانِ عَنِ الْحَيَاةِ غِنًى، وَهَلْ لَهُ عَنِ الرُّوحِ مَعْدَلٌ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ بِهِ بَقَاءُ الدُّنْيَا وَقِيَامُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. رَوَيْنَا عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ» ” فَالْحَدِيثُ إِذًا مِنْ بَدَائِعِ الْحِكَمِ، وَجَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي خُصَّ بِهَا هَذَا النَّبِيُّ الْمُكَرَّمُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ دَلَّ بِالْمَنْطُوقِ عَلَى جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ، وَبِالْمَفْهُومِ عَلَى رَذَائِلِهَا. ” (مرقاة المفاتتيح)
قال القرطبي: “ولا يفهم من هذا الحديث إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقا؛ … أن المباح لعنه من الدنيا ما كان منها مبعدا عن الله، وشاغلا عنه، كما قال بعض السلف: كل ما شغلك عن الله تعالى من مال وولد فهو عليك مشؤوم، وهو الذي نبه الله على ذمه بقوله تعالى: {أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ فِي الأَموَالِ وَالأَولادِ} وأما ما كان من الدنيا يقرب إلى الله تعالى، ويعين على عبادة الله تعالى، فهو المحمود بكل لسان، والمحبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يسب، بل يرغب فيه، ويحب، وإليه الإشارة بالاستثناء حيث قال: إلا ذكر الله، وما والاه، أو عالم أو متعلم … (المفهم)
قال ابن تيمية: “فأيّ شيء قصدَه العبدُ وتوجَّه إليه بقلبِه أو رَجَاه أو خافَه أو أحبَّه أو توكَّل عليه أو والاه، فإنّ ذلك هالكٌ مُهلِلك، ولا ينفعُه إلاّ ما كان لله.” (جامع المسائل لابن تمية)
قال ابن القيم: ” وَلما كَانَت الدُّنْيَا حقيرة عِنْد الله لاتساوي لَدَيْهِ جنَاح بعوضة كَانَت وَمَا فِيهَا فِي غَايَة الْبعد مِنْهُ وَهَذَا هُوَ حَقِيقَة اللَّعْنَة وَهُوَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خلقهَا مزرعة للآخرة ومعبرا اليها يتزود مِنْهَا عبَادَة اليه فَلم يكن يقرب مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ متضمنا لاقامة ذكره ومفضيا الى محابه وهوالعلم الَّذِي بِهِ يعرف الله ويعبد وَيذكر ويثنى عَلَيْهِ ويمجد وَلِهَذَا خلقهَا وَخلق اهلها كَمَا قَالَ تَعَالَى وَمَا خلقت الْجِنّ والانس الا ليعبدون {وَقَالَ} الله الَّذِي خلق سبع سموات وَمن الارض مِثْلهنَّ يتنزل الامر بَينهُنَّ لِتَعْلَمُوا ان الله على كل شَيْء قدير وان الله قد احاط بِكُل شَيْء علما فتضمنت هَاتَانِ الايتان انه سُبْحَانَهُ إِنَّمَا خلق السَّمَوَات والارض وَمَا بَينهمَا ليعرف باسمائه وَصِفَاته وليعبد فَهَذَا الْمَطْلُوب وَمَا كَانَ طَرِيقا اليه من الْعلم والتعلم فَهُوَ الْمُسْتَثْنى من اللَّعْنَة” (مفتاح دار السعادة ابن القيم)
قال ابن رجب: ” فالدنيا وكل ما فيها ملعونة. أي: مُبْعَدَةٌ عن الله؛ لأنها تشغل عنه، إلا العلم النافع الدالِّ على الله، وعلى معرفته وطلب قربه، ورضاه، وذكرَ الله، وما والاه مما يقرّب من الله. فهذا هو المقصود من الدنيا.
فإن الله إنما أمر عباده بأن يتقوه ويطيعوه، ولازم ذلك دوامُ ذكره؛ كما قال ابن مسعود: «تقوى الله حقَّ تقواه أن يُذْكَر فلا ينسى».
وإنما شرع الله إقام الصلاة لذكره، وكذلك الحج والطواف.
وأفضل أهل العبادات أكثرهم لله ذكرًا فيها.
فهذا كله ليس من الدنيا المذمومة، وهو المقصود من إيجاد الدنيا وأهلها كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
(جامع العلوم والحكم لابن رجب)
قال ابن باز: “ملعونة؛ يعني مذمومة اللعن الدم، كما قال جل وعلا ون شجَرَتَ الرَّقُومِ طَعَامُ الْأَنيم) (الدخان: (43)، (144) ذنها وعابها وسميت ملعونة لأنه ذمها وعابها، فهكذا الدنيا مذمومة لمن اغتر بها ولمن مال من إليها، وركن إليها معنى الحديث أنها مذمومة عند الله، حقيرة عند الله، إلا ذكر الله وطاعة الله فيها وما والاه ذلك الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة التي يتخلق بها المؤمنون ويعمل بها المسلمون، وهكذا بوجه أخص أهل العلم والإيمان وطلاب العلم الذين يطلبون مرضاة الله ويعملون لطاعة الله ويتفقهون في دين الله هؤلاء غير مذمومين أهل الذكر والإيمان والتقوى والعلماء الصادقون، والطلبة المتعلمون المتفقهون في دين الله الذين يتعلمون للآخرة ويطلبون الفقه في الدين حتى يستعينوا بها على طاعة الله وما سوى ذلك فهو مذموم، مذموم ما فيها من زهرتها وزينتها التي اغتر بها أكثر الخلق. هذا مذموم عند الله لك وهذا معنى اللعن، لعن فلان؛ أي: دم فلان، فيكون اللعن بالكلام لعن الله فلاناً، ويكون اللعن بالذم والعيب فالدنيا مذمومة معيبة إلا من رزق فيها الخير إلا من استعملها في طاعة الله إلا من استغلها في الخير (راجع كلام ابن باز)
فيه حقارة الدنيا وحقارة ما فيها.
(481) – -وعن عَبْدِ اللَّه بنِ مسعودٍ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:» لا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيا «.
رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
قال محققو المسند: “إسناده ضعيف، المغيرة بن سعد بن الأخرم لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، وأبوه سعد بن الأخرم مختلف في صحبته، وقد ذكره البخاري وأبو حاتم في التابعين”
الحديث صححه الألباني في الصحيحة (12)
(وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” «لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ» “): وَهِيَ الْبُسْتَانُ وَالْقَرْيَةُ وَالْمَزْرَعَةُ. وَفِي النِّهَايَةِ: الضَّيْعَةُ فِي الْأَصْلِ الْمَرَّةُ مِنَ الضَّيَاعِ، وَضَيْعَةُ الرَّجُلِ مَا يَكُونُ مِنْهُ مَعَاشُهُ كَالضَّيْعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. (مرقاة المفاتيح للقاري)
وفي القاموس المحيط الضَّيْعَةُ الْعَقَارُ وَالْأَرْضُ الْمُغَلَّةُ.
قال ابن الأثير:” الضَّيعة: هاهنا: المعيشة والحرفة التي يعود الإنسان بحاصلها على نفسه.” (جامع الأصول)
” فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا “) أَيْ: فَتَمِيلُوا إِلَيْهَا عَنِ الْأُخْرَى، وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِهَا وَبِأَمْثَالِهَا مِمَّا يَكُونُ مَانِعًا عَنِ الْقِيَامِ بِعِبَادَةِ الْمَوْلَى، وَعَنِ التَّوَجُّهِ كَمَا يَنْبَغِي إِلَى أَمْرِ الْعُقْبَى. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَعْنَى لَا تَتَوَغَّلُوا فِي اتِّخَاذِ الضَّيْعَةِ فَتُلْهُوَا بِهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. قَالَ تَعَالَى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: (37)] الْآيَةَ. (مشكاة المصابيح للقاري)
قال ابن حجر في شرحه لحديث أنس: “وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ وَالْحَضُّ عَلَى عِمَارَةِ الْأَرْضِ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ اتِّخَاذُ الضَّيْعَةِ وَالْقِيَامُ عَلَيْهَا وَفِيهِ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُتَزَهِّدَةِ وَحُمِلَ مَا وَرَدَ مِنَ التَّنْفِيرِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا إِذَا شَغَلَ عَنْ أَمْرِ الدِّينِ فَمِنْهُ حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا” (فتح الباري)
قال القرطبي في تعليقه على حديث مَا مِن مُسلِمٍ يَغرِسُ غَرسًا إِلَّا كَانَ مَا أُكِلَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةٌ: “وفيه دليل: على أن الغراس، واتخاذ الضياع مباح، وغير قادح في الزهد، وقد فعله كثير من الصحابة. وقد ذهب قوم من المتزهدة: إلى أن ذلك مكروه وقادح. ولعلّهم تمسكوا في ذلك بما قد خرَّجه الترمذي من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا الضيعة، فتركنوا إلى الدنيا) من حديث ابن مسعود، وقال فيه: حديث حسن.
والجواب: أن هذا النهي محمول على الاستكثار من الضياع والانصراف إليها بالقلب الذي يفضي بصاحبه إلى الركون للدنيا. فأما إذا اتخذها غير مستكثر، وقلل منها، وكانت له كفافًا وعفافًا فهي مباحة، غير قادحة في الزهد، وسبيلها كسبيل المال الذي استثناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إلا من أخذه بحقه، ووضعه في حقه) فأمَّا لو غرس، واتخذ الضيعة ناويًا بذلك معونة المسلمين، وثواب ما يؤكل ويتلف له منها، ويفعل بذلك معروفًا، فذلك من أفضل الأعمال، وأكرم الأحوال”
جاء عند أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من أحبَّ دُنياه؛ أضرَّ بآخرته، ومن أحبَّ آخرتَه؛ أضرَّ بدُنياه، فآثِروا ما يبقى على ما يفْنى”.
الألباني رحمه ذكر الحديث في الضعيفة ثم وجد له شاهدا فنقله إلى الصحيحة.
قال ابن عثيمين: “والحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يكون زهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة، وأن الله إذا رزقه مالًا فليجعله عونًا على طاعة الله، وليجعل الدنيا في يده لا في قلبه، حتى يربح بالدنيا والآخرة (وَالْعَصْرِ (إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر: (1) – (3)).” (شرح رياض الصالحين) (1)
اصل الاتخاذ لا حرج فيه، الخطأ في التعلق،
فيه النهي عن التعلق بالدنيا.
(482) – وعن عبدِ اللَّه بنِ عمرو بنِ العاصِ رضي الله عنه، قال: مَرَّ عَلَيْنَا رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وَنحنُ نُعالجُ خُصًّا لَنَا فَقَالَ:» مَا هَذَا؟ «فَقُلْنَا: قَدْ وَهِي، فَنَحْنُ نُصْلِحُه، فَقَالَ:» مَا أَرَى الأَمْرَ إِلاَّ أَعْجَلَ مِنْ ذلكَ «.
رواه أَبو داود، والترمذيُّ بإِسناد البخاريِّ ومسلم، وقال الترمذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
قال محققو المسند: “إسناده صحيح على شرط الشيخين”
صححه الألباني في صحيح الترغيب
قَوْلُهُ (وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصًّا لَنَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْخُصُّ بِالضَّمِّ الْبَيْتُ مِنَ الْقَصَبِ أَوِ الْبَيْتُ يُسْقَفُ بِخَشَبَةٍ كَالْأَزَجِ جَمْعُهُ خِصَاصٌ وَخُصُوصٌ انْتَهَى
وَقَالَ فِيهِ الْأَزَجُ مُحَرَّكَةٌ ضَرْبٌ مِنَ الْأَبْنِيَةِ
وَالْمَعْنَى نُصْلِحُ بَيْتًا لَنَا.
وَفِي رِوَايَةٍ وَأَنَا أُطَيِّنُ حَائِطًا لِي أَنَا وَأُمِّي. (تحفة الأحوذي) فيه عمل النساء مع الرجال في إصلاح البيت.
(قَدْ وَهِيَ) أَيْ ضَعُفَ قَالَ فِي الصُّرَاحِ وَهِيَ ضَعِيفٌ شدن ونزديك شدن ديواربافتادن
وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ
الْوَهْيُ الشَّقُّ فِي الشَّيْءِ جَمْعُهُ وُهِيٌّ وَأَوْهِيَةٌ وَهَى كَوَعَى وَوَلِيَ تَخَرَّقَ وَانْشَقَّ وَاسْتَرْخَى رِبَاطُهُ (تحفة الأحوذي)
فنحن نصلحه (نُصْلِحُهُ) أَيْ: خَوْفًا مِنْ فَسَادِهِ، أَوْ زِيَادَةً عَلَى اسْتِحْكَامِهِ وَاسْتِبْدَادِهِ. (القاري)
(فَقَالَ مَا أَرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ مَا أَظُنُّ. (تحفة الأحوذي)
(ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك) أَيِ: الْأَمْرُ الَّذِي يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُعَمِّرَهُ، وَعَلَى تَعْمِيرِ بِنَاءِ الْقُدَمَاءِ نَعْتَبِرُهُ أَعْجَلَ مِمَّا ذَكَرْتَهُ مِنْ أَنْ تُصْلِحَهُ وَتُعَمِّرَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ عِمَارَتَهُ لَمْ تَكُنْ ضَرُورِيَّةً، بَلْ كَانَتْ نَاشِئَةً عَنْ أَمَلٍ فِي تَقْوِيمِهِ، أَوْ صَادِرَةً عَنْ مَيْلٍ إِلَى زِينَتِهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ: كَوْنُنَا فِي الدُّنْيَا كَعَابِرِ سَبِيلٍ، أَوْ رَاكِبٍ مُسْتَظِلٍّ تَحْتَ شَجَرَةٍ أَسْرِعُ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنِ اشْتِغَالِكَ بِالْبِنَاءِ. وَقَالَ شَارِحٌ أَيِ: الْأَجَلُ أَقْرَبُ مِنْ تَخَرُّبِ هَذَا الْبَيْتِ أَيْ: تُصْلِحُ بَيْتَكَ خَشْيَةَ أَنْ يُهْدَمَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، وَرُبَّمَا تَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُهْدَمَ فَإِصْلَاحُ عَمَلِكَ أَوْلَى مِنْ إِصْلَاحِ بَيْتِكَ. (القاري)
قال المباركفوري:” (الْأَمْرَ) أَيِ الْأَجَلَ (إِلَّا أَعْجَلَ مِنْ ذلك) وفي رِوَايَةٍ قَالَ الْأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ الْأَجَلُ أَقْرَبُ مِنْ تَخَرُّبِ هَذَا الْبَيْتِ أَيْ تُصْلِحُ بَيْتَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْهَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ وَرُبَّمَا تَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَنْهَدِمَ فَإِصْلَاحُ عَمَلِكَ أَوْلَى مِنْ إِصْلَاحِ بَيْتِكَ. (تحفة الأحوذي المباركفوري)
فيه جواز اصلاح البيت اذا احتاج لذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم ذلك، وإنما حثهم على الاشتغال بالآخرة.
قال ابن القيم بعد أن ذكر الحديث: “وَقِصَرُ الْأَمَلِ بِنَاؤُهُ عَلَى أَمْرَيْنِ: تَيَقُّنِ زَوَالِ الدُّنْيَا وَمُفَارَقَتِهَا، وَتَيَقُّنِ لِقَاءِ الْآخِرَةِ وَبَقَائِهَا وَدَوَامِهَا، ثُمَّ يُقَايِسُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَيُؤْثِرُ أَوْلَاهُمَا بِالْإِيثَارِ.”
(183) – وعن كَعْبِ بنِ عِيَاض، قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقُولُ: “إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فتنةً، فِتنَةُ أُمَّتي المَالُ” رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
صححه الألباني في صحيح الترمذي 2336
قال الشيخ مقبل: ” هو حديث حسنٌ، وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها.” (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين حديث 1093)
قال محققو المسند:” حديث صحيح
(إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً “): وَهِيَ مَا تُوقِعُ أَحَدًا فِي الضَّلَالَةِ وَالْمَعْصِيَةِ. (مرقاة المفاتيح للقاري)
قال الراغب: “أصل الفَتْنِ: إدخال الذّهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الإنسان النار.
قال تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ
[الذاريات/ (13)]، ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ
وتارة يسمّون ما يحصل عنه العذاب فيستعمل فيه. نحو قوله: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا
[التوبة/ (49)]، وتارة في الاختبار نحو: وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا
[طه/ (40)]، وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدّة ورخاء، وهما في الشّدّة أظهر معنى وأكثر استعمالا، وقد قال فيهما: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً”
(” وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ “): لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِحُصُولِ الْمَنَالِ وَمَانِعٌ عَنْ كَمَالِ الْمَآلِ. (مرقاة المفاتيح للقاري)
قال المباركفوري: ” (وفتنة أمتي المال) أي اللهو به لأنه يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الآخرة” (تحفة الأحوذي)
روى ابن حبان عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَلَا إِنَّ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ أَهْلَكَا مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَهُمَا مهلكاكم) صححه الالباني
وروى البزار عن ابن عمر قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئْبانِ ضارَيانِ في حَظيرَةٍ يَاكلانِ ويُفْسِدانِ؛ بأضَرَّ فيها مِنْ حُبِّ الشرفِ وحُبِّ المالِ في دينِ المَرْءِ المسْلِمِ». (صحيح الترغيب)
قال ابن تيمية: “يَنْبَغِي لَهُ أَن يَاخُذ المَال بسخاوة نفس ليبارك لَهُ فِيهِ وَلَا يَاخُذهُ بإشراف وهلع بل يكون المَال عِنْده بِمَنْزِلَة الْخَلَاء الَّذِي يحْتَاج اليه من غير أَن يكون لَهُ فِي الْقلب مكانة وَالسَّعْي فِيهِ اذا سعى كاصلاح الْخَلَاء” (مجموع التفاوى)
قال ابن باز:” المال والأولاد فتنة إلا لمن رزقه الله فيها النجاح، فهي اختبار وامتحان، فمن نجح في هذه الفتنة واستعان بماله وأولاده على طاعة الله نجح، ومن شغل بهذا المال وبالأولاد عن طاعة الله، وعن حق الله، وآثر الدنيا على الآخرة هلك” (شرح رياض الصالحين)
(184) – عن عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ رضي الله عنه، أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “لَيْسَ لابْن آدَمَ حَقٌّ في سِوى هَذِهِ الخِصَال: بَيْتٌ يَسْكُنُهُ، وَثَوْبٌ يُوَارِي عَوْرَتَهُ وَجِلْفُ الخُبز، وَالمَاءِ ” رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.
قَالَ الترمذي: سمعتُ أَبَا داوُدَ سلَيمَانَ بنَ سَالمٍ البَلْخِيَّ يقولُ: سَمِعْتُ النَّضْر بْنَ شُمَيْلٍ يقولُ: الجلفُ: الخُبزُ لَيْس مَعَهُ إِدَامٌ. وقَالَ: غيرُهُ: هُوَ غَلِيظُ الخُبْزِ. وقَالَ الرَّاوِي: المُرَادُ بِهِ هُنَا وِعَاءُ الخُبزِ، كالجَوَالِقِ وَالخُرْجِ، واللَّه أعلم.
وقال ابن الجوزي في ” العلل ” بعد أن أخرجه من طريق ” المسند “: هذا حديث لا يصح.
الحديث ضعفه الألباني في الضعيفة. حيث قال منكر
وفي تحقيق المسند (440): إسناده ضعيف ولا يصحُّ عن النبي ?
ونقل الحافظان مغلطاي وابن حجر عن زكريا الساجي قوله: قال أحمد: روى عن الحسن، عن حمران، عن عثمان حديثًا منكرًا – يعني هذا الحديثَ -، وذكر الأثرمُ عن أحمد علته، فقال: سُئِلَ أحمد عن حريث، فقال: هذا شيخ بصري روى حديثًا منكرًا عن الحسن عن حمران عن عثمان، وذكر الحديث وقال: قلت: قتادة يخالفه؟ قال:
نعم، سعيد عن قتادة، عن الحسن، عن حُمران، عن رجل من أهل الكتاب، قال أحمد:
حدثناه روح، قال: حدثنا سعيد، يعني عن قتادة، به.
وذكر ابن قدامة في» المنتخب «(10) / (1) / (2) عن حنبل قال: سألت أبا عبد الله عن حريث بن السائب، قال: ما كان به بأس، إلا أنه روى حديثًا منكرًا عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هو عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني هذا الحديث -.
وقال الدارقطني في» العلل «(3) / (29) – ونقله عنه ابن الجوزي في» العلل المتناهية «(2) / (799)، والضياء في» الأحاديث المختارة «(1) / (121) -: وهم حريث في هذا الحديث، والصواب: عن الحسن، عن حمران، عن بعض أهل الكتاب (وقد تحرف في المطبوع من علل الدارقطني إلى: أهل البيت).
وقال ابن الجوزي في» العلل «بعد أن أخرجه من طريق» المسند «: هذا حديث لا يصح.
يشهد له ما رواه أحمد عن أبي عسيبٍ قال:
خَرَج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لَيْلًا فَمرَّ بي فَدعاني، فخَرجْتُ إليه، ثمَّ مَرَّ بأبي بَكْرٍ رضي الله عنه فدعَاهُ، فخرَج إلَيْهِ، ثُمَّ مَرَّ بعُمَر رضي الله عنه فدَعاهُ، فَخرَج إلَيْهِ، فانْطَلقَ حتَّى دخَل حائِطًا لِبَعْضِ الأَنْصارِ، فقالَ لِصاحِبِ الحائِطِ: أطْعِمْنا [بسرًا]، فجاءَ بعذْقٍ فَوضَعَهُ، فأَكَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ، ثُمَّ دَعا بِماءٍ بارِدٍ فشَرِبَ، فقال: “لتُسْأَلنَّ عن هذا يوم القيامَةِ”.
قال: فأخَذَ عُمرُ رَحمةُ الله العِذْقَ فَضَرب بِه الأَرْضَ، حتَّى تَناثَر البُسْرُ قِبَلَ رَسولِ الله صلى الله عليه؛ ثمَّ قالَ: يا رسول الله! إنَّا لَمسؤولونَ عَنْ هذا يومَ القِيامَةِ؟ قال:
“نَعمْ، إلا مِنْ ثَلاثٍ: خِرْقَةٍ كَفَّ بها [الرجلُ] عَوْرَتَهُ، أوْ كِسْرَةٍ سَدَّ بها جَوْعَتَهُ، أوْ جُحْرٍ يَتدخَّلُ فيه مِنَ الحَرَّ والقَرِّ”.
حسنه الألباني في صحيح الترغيب.
قَوْلُهُ (لَيْسَ لِابْنِ آدَمَ حَقٌّ) أَيْ حَاجَةٌ
وَقَالَ الْقَاضِي أَرَادَ بِالْحَقِّ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ لِافْتِقَارِهِ إِلَيْهِ وَتَوَقُّفِ تَعَيُّشِهِ عَلَيْهِ وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْحَقِيقِيُّ مِنَ الْمَالِ
وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَبِعَةُ حِسَابٍ إِذَا كَانَ مُكْتَسَبًا مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ انْتَهَى
(فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ) الطيبي:”الْمُرَادُ بِهَا ضَرُورِيَّاتُ بَدَنِهِ المعين عَلَى دِينِهِ”
(بَيْتٍ يَسْكُنُهُ) أَيْ مَحَلٍّ يَاوِي إِلَيْهِ دَفْعًا لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ (وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ) أَيْ يَسْتُرُهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ
(وَجِلْفِ الْخُبْزِ) بِكَسْرِ جِيمٍ وَسُكُونِ لَامٍ وَيُفْتَحُ
فَفِي النِّهَايَةِ الْجِلْفُ الْخُبْزُ وَحْدَهُ لَا أُدْمَ مَعَهُ
وَقِيلَ الْخُبْزُ الْغَلِيظُ الْيَابِسُ وَيُرْوَى بِفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ جَلْفَةٍ وَهِيَ الْكِسْرَةُ مِنَ الْخُبْزِ و
قال الهروي الجلف ها هنا الظَّرْفُ مِثْلُ الْخُرْجِ وَالْجُوَالِقِ يُرِيدُ مَا يُتْرَكُ فِيهِ الْخُبْزُ انْتَهَى
وَفِي الْغَرِيبَيْنِ قَالَ شِمْرٌ عن بن الْأَعْرَابِيِّ الْجِلْفُ الظَّرْفُ مِثْلُ الْخُرْجِ وَالْجُوَالِقِ
قَالَ الْقَاضِي ذَكَرَ الظَّرْفَ وَأَرَادَ بِهِ الْمَظْرُوفَ أَيْ كِسْرَةُ خُبْزٍ وَشَرْبَةُ مَاءٍ انْتَهَى
وَالْمَقْصُودُ غَايَةُ الْقَنَاعَةِ وَنِهَايَةُ الْكِفَايَةِ وَالْمَاءِ.
الإنسان إنما حاجته فيما يستر عورته وفيما يؤويه وفيما يقيم أوده من الطعام والشراب، أما التكاثر فليس ذلك من حاجته إلا بنية صالحة، إذا طلب الزيادة بنية صالحة ليجود بها على عباد الله وينفق ويحسن، فهذا مطلوب ومأجور على ذلك”
قال ابن باز: ”
روى أبو داود وهو في الصحيحة عن أنس رضي الله عنه:
أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يومًا ونحن معه، فرأى قبةً مشرفةً، فقال:
“ما هذه؟ “.
قال أصحابُه: هذه لفلان -رجلٌ من الأنصار-، فسكتَ وحملها في نفسِهِ، حتى إذا جاءَ صاحبُها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وسلَّمَ عليه في الناسِ، فأعرضَ عنه، صنعَ ذلك مرارًا، حتى عرفَ الرجلُ الغضبَ فيه، والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إنِّي لأنكرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: خرج فرأى قبتَكَ، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرضِ، فخرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلم يرَها، قال:
“ما فعلتِ القبةُ؟ “.
قالوا: شكا إلينا صاحبُها إعراضَكَ عنه فأخبرناه، فهدمها، فقال:
“أمَا إنَّ كلَّ بناءٍ وبالٌ على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا”
أي ما لا بد منه.
وروى البخاري في صحيحه عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى خَبَّابٍ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ أَصْحَابَنَا الَّذِينَ سَلَفُوا، مَضَوْا وَلَمْ تَنْقُصْهُمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّا أَصَبْنَا مَا لَا نَجِدُ لَهُ مَوْضِعًا إِلَّا التُّرَابَ، وَلَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ، ثُمَّ أَتَيْنَاهُ مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ يَبْنِي حَائِطًا لَهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمَ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُنْفِقُهُ، إِلَّا فِي شَيْءٍ يَجْعَلُهُ فِي هَذَا التُّرَابِ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ: أنه لَا يُؤْجَرُ إِذَا أَنْفَقَ فِي التُّرَابِ فَضْلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْبِنَاءِ.
واعلم أن المراد من هذا الحديث والذي قبله –
والله أعلم – إنما هو صرف المسلم عن الاهتمام بالبناء وتشييده فوق حاجته، وإن مما لا شك فيه أن الحاجة تختلف باختلاف عائلة الباني قلة وكثرة، ومن يكون مضيافا، ومن ليس كذلك، فهو من هذه الحيثية يلتقي تماما مع الحديث الصحيح: فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان». رواه
مسلم ((6) / (146)) وغيره، وهو مخرج في «صحيح أبي داود».
ولذلك قال الحافظ بعد أن ساق حديث الترجمة وغيره: «وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه
، مما لابد منه للتوطن وما يقي البرد والحر».
ثم حكى عن بعضهم ما يوهم أن في البناء كله الإثم! فعقب عليه الحافظ بقوله: ” وليس كذلك، بل فيه التفصيل، وليس كل ما زاد منه على الحاجة يستلزم الإثم .. فإن في بعض البناء ما يحصل به الأجر، مثل الذي يحصل به النفع لغير الباني، فإنه يحصل للباني به الثواب،
والله سبحانه وتعالى أعلم
(485) – وعنْ عبْدِ اللَّه بنِ الشِّخِّيرِ”بكسر الشين والخاءِ المشددةِ المعجمتين” أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وهُوَ يَقْرَأُ: {أَلهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قَالَ: “يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي، مَالي، وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلت فَأَفْنيْتَ، أَو لبِستَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضيْتَ؟ ” رواه مسلم.
جاء في رواية أيضا عند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِي مَالِي. إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى. وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ “.
وهذا الحديث فيه حال الإنسان مع المال.
ذلك: أَلْهَنكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ [التكاثر: (1)، (2)]؛ مر معنا بيانها
قال ابن باز: “ألهاكم التكاثر في الأموال والأولاد عن الإعداد للآخرة وعن القيام بحق الله، هذا هو المذموم أن يلتهي ويشتغل بالتكاثر في الأموال والجاه، ونحو ذلك عما يجب عليه وهكذا يقول سبحانه: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَسِرُونَ} [المنافقون: (9)]، فالإنسان يذم على قصد التكاثر والرغبة في المال على وجه يفاخر به أو يشتغل به عن الآخرة، أو نحو ذلك مما يصده عن الحق، أما إذا طلب المال من طريق الحلال ليكسب به الأعمال الصالحات، وينفقه في وجوه الخير ويساعد على مشاريع الخير فهذا مطلوب ومشكور صاحبه. (شرح رياض الصالحين لابن باز)
قَالَ) صلى الله عليه وسلم: (“يَقُولُ ابْنُ آدَمَ) أراد النبيّ صلى الله عليه وسلم بهذا تفسير هذه الآية الكريمة، فبيّن أن المراد بالتكاثر هو التكاثر في الأموال، وللمفسّرين أقوال في معناها، ولكن هذا التفسير هو الصواب المقدّم على غيره؛ لأن الله تعالى جعل بيان كتابه إليه صلى الله عليه وسلم، حيث قال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: (44)].
وفي “صحيح البخاريّ” من طريق ابن شهاب، قال: أخبرني أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو أن لابن آدم واديًا من ذهب، أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب”.
قال: وقال لنا أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أُبَيّ، قال: كنا نَرَى هذا من القرآن، حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ((1))}.
قال ابن العربيّ: وهذا نصّ صحيح مَلِيحٌ، غاب عن أهل التفسير، فجهِلُوا، وجَهَّلُوا، والحمد لله على المعرفة.
ذكر طلاب العلم أثناء إلقاء الدرس: لعل أراد النبي صلى الله عليه وسلم بعض أفراد العموم.
قال ابن علان:” (يقول ابن آدم) أتى بصيغة المضارع إيماء إلى أن هذا القول ديدنه ودأبه بحسب طبعه” (دليل الفالحين)
(مَالِي مَالِي)؛ أي: يغترّ بنسبة المال إليه، وكونه في يديه، حتّى ربّما يعجب به، ويفخر به، ولعلّه ممن تعب هو في جَمْعه، ويصل غيرُه إلى نفعه، (البحر المحيط)
(مالي مالي) أي مالي هو الذي أعتني به وأهتم، فالتكرار لفظًا للتعظيم والاهتمام. (دليل الفالحين)
ثم أخبر صلى الله عليه وسلم بالأوجه التي ينتفع فيها صاحب المال بماله، فـ (قَالَ) صلى الله عليه وسلم (وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ) هذا خطاب لكلّ من يصلح له الخطاب، مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ، فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ، فَأَبْلَيْتَ) إنكار منه صلى الله عليه وسلم على ابن آدم بأن ماله هو ما انتفع به في الدنيا بالأكل، أو اللبس، أو في الآخرة بالتصدّق، وأشار بقوله: “فأفنيت”، “فأبليت” إلى أن ما أكل، أو لبس، فهو قليل الجدوى، لا يرجع إلى عاقبة. قاله السنديّ،
(أَوْ تَصَدَّقْتَ، فَأَمْضَيْتَ؟ “)؛ أي: أردت التصدّق، فأمضيتَ ذلك، أو تصدّقت، فقدّمت لآخرتك.
قال ابن علان:” وملخصه: ما لك من دنياك إلا ما انتفعت به في دنياك بأن أكلت أو لبست أو أخرت بأن تصدقت، وما عدا ذلك من باقي المال فإنما أنت فيه بمنزلة الخادم الخازن لغيره كما تقدم في حديث «أيكم مال وارثه أحبّ إليه من ماله» ففيه تحريض على الزهد عن جمع الدنيا والعروض عنها وتحرض على الاقتصار على ما تدعو إليه ضرورة الحياة وادخار ما عداه عندالله، وما أحسن قول بعضهم: اجعل ما عندك ذخيرة لك عند الله واجعل الله ذخيرة لأولادك” (دليل الفالحين)
قال ابن عثيمين: “فالإنسان ما لَه إلا هذه الأشياء، إما أن يأكل طعامًا وشرابًا، وإما أن يلبس من أنواع اللباس، وإما أن يتصدق، والباقي له هو ما يتصدق به، أما ما يأكله ويلبسه؛ فإن كان يستعين به على طاعة الله؛ كان خيرًا له، وإن كان يستعين به على معصية الله وعلى الأشر والبطر؛ كان محنة عليه والعياذ” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين)