4745 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح مسلم، بَابُ ذِكْرِ كَذَّابِ ثَقِيفٍ وَمُبِيرِهَا.
4745 حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ يَعْنِي ابْنَ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيَّ، أَخْبَرَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ، رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ، وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتَ، مَا عَلِمْتُ، صَوَّامًا، قَوَّامًا، وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا وَاللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ أَشَرُّهَا لَأُمَّةٌ خَيْرٌ، ثُمَّ نَفَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَأُنْزِلَ عَنْ جِذْعِهِ، فَأُلْقِيَ فِي قُبُورِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَاتِيَهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُولَ: لَتَاتِيَنِّي أَوْ لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ مَنْ يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ، قَالَ: فَأَبَتْ وَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَا آتِيكَ حَتَّى تَبْعَثَ إِلَيَّ مَنْ يَسْحَبُنِي بِقُرُونِي، قَالَ: فَقَالَ: أَرُونِي سِبْتَيَّ فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ أَنَا، وَاللَّهِ ذَاتُ
النِّطَاقَيْنِ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَطَعَامَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ، أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا، أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكَ إِلَّا إِيَّاهُ، قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا.
==========.
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
(رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة) العقبة المرقى الصعب من الجبال، والمراد من المدينة هنا مكة، أي رآه مصلوبا، منكسا، رأسه إلى أسفل، على قمة جبل في مكة.
(فجعلت قريش تمر عليه والناس) من غير قريش، منهم من يدعو له ويترحم عليه.
(حتى مر عليه عبد الله بن عمر، فوقف عليه) أي على الأرض القريبة منه.
(فقال: السلام عليك: أبا خبيب) بضم الخاء وفتح الباء، مصغر، ناداه بكنيته، كني بأكبر أبنائه وكانت له كنية أخرى، هي أبو بكر.
(أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا) قالها ثلاثا، والمشار إليه أسباب هذا الصلب، وهو مقاتلة الجبارين، والوقوف أمامهم.
(أما والله إن كنت ما علمت، صواما، قواما، وصولا للرحم) إن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير محذوف، أي إن الحال والشأن والحقيقة، والجملة خبرها، ووصولا اسم مبالغة لاسم الفاعل، أي كثير الوصل للرحم، قال القاضي: وهو أصح من قول بعض الإخباريين، ووصفه بالإمساك.
وقد عده صاحب الكتاب الأجود فيهم – أي في الأجودين، وهو المعروف من أحواله.
اهـ.
أي هذا الوصف، وأنه وصول للرحم كريم، أصح من وصف بعض المؤرخين له بالبخل، والإمساك، وفي الاستيعاب لابن عبد البر: قال علي بن زيد بن الجدعاني: كان عبد الله بن الزبير كثير الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدات، والأمهات والخالات، إلا أنه كانت فيه خلال، لا تصلح معها الخلافة، لأنه كان بخيلا، ضيق العطاء.
(أما والله لأمة أنت أشرها لأمة خير) الأفصح أن يقال: شرها، قال النووي: هكذا هو في كثير من نسخنا لأمة خير وكذا نقله القاضي عن جمهور رواة مسلم، وفي أكثر نسخ بلادنا لأمة سوء، ونقله القاضي عن رواية السمرقندي. قال: وهو خطأ وتصحيف. اهـ.
والمعنى: إن أعداءك يقولون عنك: إنك أكثر الأمة شرا، وحقيقتك أنك من أحسنها، فإذا كنت شرا كانت الأمة كلها خيرا.
والمعنى ليس فاسدا على الرواية الأخرى، أي: إذا كنت شرا فالأمة كلها شر وسوء، لأنك من أحسنها.
(ثم نفذ عبد الله بن عمر) بفتح النون والفاء بعدها ذال، أي مضى وذهب لحاله.
(فبلغ الحجاج) بن يوسف بن أبي عقيل الثقفي، الأمير المشهور الظالم المبير، وقع ذِكره في الصحيحين وغيرهما، وليس بأهل أن يروي عنه، ولي إمارة العراق عشرين سنة، ومات سنة خمس وتسعين (موقف عبد الله بن عمر، وقوله) فخشي تأثير هذا القول في المسلمين، وخشي احتمال غضبتهم للمصلوب.
(فأرسل إليه) أي إلى ابن الزبير.
(فأنزل عن جذعه) المصلوب عليه، وفي الاستيعاب لابن عبد البر: قال أبو عمر: رحل عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان، فرغب إليه في إنزاله من الخشبة، فأسعفه، فأنزل.
(فألقي في قبور اليهود) [أي: في المكان الذي يُدفن فيه اليهود، وهو الحجون]، وفي الاستيعاب عن ابن أبي مليكة، قال: كنت أول من بشر أسماء بنزول ابنها عبد الله بن الزبير من الخشبة، فدعت بمركن وشب يمان، وأمرتني بغسله، فكنا لا نتناول عضوا إلا جاء معنا، فكنا نغسل العضو، ونضعه في أكفانه، ونتناول العضو الآخر الذي يليه، فنغسله، ثم نضعه في أكفانه، حتى فرغنا منه، ثم قامت، فصلت عليه.
قلت سيف بن دورة: ذكره الخطيب في المتفق والمفترق بنحوه وفيه مفضل بن فضالة ونصر بن حماد ضعفاء ومحمد بن الجهم مجهول
قال ابن عبدالبر: وروى سعيد بن عامر عن أبي عامر الخزاز عن أبي مليكة قال: كنت أول من بشر أسماء. ….
وهو في تاريخ البخاري الأوسط وابوعامر صالح بن رستم صدوق كثير الخطأ. وقال الذهبي لينه ابن معين ووثقه أبوداود.
(ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر، فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول: لتأتيني، أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك – أي يجرك بضفائر شعرك – فأبت، وقالت: والله لا آتيك حتى تبعث إليَّ من يسحبني بقروني.
قال: فقال: أروني سبتي – بكسر السين وإسكان الباء وفتح التاء وتشديد الياء، تثنية سبت، وهي النعل التي لا شعر عليها، فأخذ نعليه، ثم انطلق يتوذف – بفتح الواو والذال المشددة – أي يسرع، وقيل: يتبختر – حتى دخل عليها، فقال: كيف رأيتني فعلت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك.
بلغني أنك تقول له – ساخرا – يا بن ذات النطاقين، أنا والله ذات النطاقين، أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه) والنطاق – بكسر النون، قال العلماء: النطاق أن تلبس المرأة ثوبها، ثم تشد وسطها بشيء، وترفع وسط ثوبها، وترسله على الأسفل، تفعل ذلك عند معاناة الأشغال، لئلا تعثر في ذيلها، قيل: سميت أسماء ذات النطاقين، لأنها كانت تطارف نطاقا فوق نطاق.
والأصح أنها سميت بذلك لأنها شقت نطاقها الواحد نصفين، فجعلت أحدهما نطاقا صغيرا، واكتفت به، والآخر لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه، كما صرحت به في هذا الحديث هنا.
ولفظ البخاري أوضح من لفظ مسلم، ولفظ البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: وصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين. وفي رواية: ذات النطاق.
وَقَوْلِهَا {فَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقِ}.
كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُنَا، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ {ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ}
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ {صَنَعْت سُفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ فَلَمْ يَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلَا لِسِقَائِهِ مَا يَرْبِطُهُمَا بِهِ فَقُلْت لِأَبِي بَكْرٍ، وَلَا وَاَللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إلَّا نِطَاقِي قَالَ فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِي بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ، وَبِوَاحِدٍ السُّفْرَةَ فَفَعَلْت فَلِذَلِكَ سُمِّيت ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ}.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي سَبَبِ تَلْقِيبِ أَسْمَاءَ بِنْتِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، وَقِيلَ بَلْ لِأَنَّ {النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا قَدْ أَعْطَاك اللَّهُ بِهِمَا نِطَاقَيْنِ فِي الْجَنَّةِ}.حَكَاهُ فِي الْمَشَارِقِ.
قلت سيف بن دورة:
وعزاه لصاحب المشارق العراقي في طرح التثريب. وهو في المشارق للقاضي عياض 2/ 11 … بغير إسناد
وذكره صاحب الدرة الثمينة بغير إسناد كذلك … وهو متوفى 643
وهو في تاريخ دمشق 40/ 239 بإسناده لكن من كلام الزبير بن بكار. وكذلك المزي في تهذيب الكمال جعله من قول الزبير بن بكار.
وَقِيلَ: كَانَ لَهَا نِطَاقَانِ تَلْبَسُ أَحَدَهُمَا، وَتَحْمِلُ فِي الْآخَرِ الزَّادَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُمَا فِي الْغَارِ حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ.
قَالَ فِي الْمَشَارِقِ وَمَا فَسَّرَتْ بِهِ هِيَ نَفْسَهَا خَبْرُهَا: فَإِنَّهُ أَوْلَى مَا قِيلَ انْتَهَى.
(فَإِنْ قُلْت) كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي أَنَّهَا اسْتَعْمَلَتْ فِي حَاجَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّقَّيْنِ مَعًا أَحَدُهُمَا فِي السُّفْرَةِ، وَالْآخَرُ فِي السِّقَاءِ أَوْ اسْتَعْمَلَتْ فِي حَاجَتِهِ أَحَدَهُمَا فَقَطْ، وَأَبَقْت الْآخَرَ لِنَفْسِهَا.
(قُلْت) الَّذِي يَنْبَغِي تَقْدِيمُهُ الرِّوَايَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا لَهُمَا فِي حَاجَتِهِ فَإِنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَهِيَ مُخْبِرَةٌ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا بِخِلَافِ الْآخَرِ فَإِنَّ النَّاقِلَةَ لَهُ عَائِشَةُ، وَكَانَتْ إذْ ذَاكَ صَغِيرَةً وَغَيْرَ صَاحِبَةِ الْقَضِيَّةِ، وَأَمَّا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ أَسْمَاءَ الْمُوَافِقَةُ لِذَلِكَ فَقَالَتْهَا فِي آخِرِ عُمْرِهَا وَحُزْنِهَا عَلَى وَلَدِهَا وَغَيْظِهَا مِنْ الْحَجَّاجِ فَاَلَّذِي قَالَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الضَّبْطِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ “. انتهى.
قلت سيف بن دورة: أو نقول أولا استعملت أحدهما ثم احتاجت الآخر أيضا لطعامهما.
تنبيه بوب عليه ابن خزيمة التزود في السفر.
(أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا) بضم الميم وكسر الباء، وهو المهلك.
(فأما الكذاب فرأيناه) تعني به المختار بن أبي عبيد الثقفي، وكان شديد الكذب، ومن أقبح كذبه أنه ادعى أن جبريل عليه السلام يأتيه، قال النووي: واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا المختار بن أبي عبيد.
قال النوويّ: واتفق العلماء على أن المراد بالكذاب هنا: المختار بن
أبي عبيد، وبالمبير: الحجاج بن يوسف، والله أعلم (وأمّا المُبِيرُ فَلا إخالُكَ) بفتح الهمزة، وكسرها، وهو أشهر، ومعناه: وما
أظنّك، وقال القرطبيّ: كسر همزة «إخالك» لغة فصيحة، والفتح الأصح
والقياس. (إلّا إيّاهُ) قال القرطبيّ: وكذلك كان الحجاج؛ فإنه رُوي أنه
أُحصي من قتله الحجاج صبرًا، فوجدوهم ثلاثين ألفًا، وأما من قُتل في
الحروب فلم يحصوا،
وأما الكذاب فهو: المختار بن أبي عبيد الثقفيّ، فإنّه ادَّعى النبوة، وتبعه
على ذلك خلق كثير حتى قتله الله تعالى كما تقدم. انتهى.
(قالَ) أبو نوفل: (فَقامَ) الحجّاج (عَنْها)؛ أي: عن مجلس أسماء – رضي الله عنهما -،
(ولَمْ يُراجِعْها)؛ أي: لم يردّ عليها شيئا مما قالته؛ لأنه يرى أنها صادقة فيما
أخبرت به عن النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، وعن شأنها المتعلّق بنطاقها.
وقال القرطبيّ: قوله: «فلم يراجعها» قد حُكي عنه أنه قال: اللَّهُمَّ مبيرٌ،
لا كذّاب. انتهى [«المفهم» (6) / (505)]، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج ((40) / (196))] [انظر: فتح المنعم، طرح التثريب، وغيرهما بتصرف يسير].
قلت سيف بن دورة: اللهم مبير لا كذاب أخرجه الطبراني في الكبير 214 وفيه عبدالله بن محمد بن يحيى بن عروة صاحب بلايا ويروي الموضوعات عن الأثبات.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولي): تراجم
الترجمة الأولى: ترجمة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما
الاسم والنسب:
هي: أسماء بنت أبي بكر (عبدالله بن أبي قحافة عثمان)، وأمها: هي قُتيلة بنت عبد العزى العامرية.
كنيتها: أم عبدالله، وهي أخت أم المؤمنين عائشةَ لأبيها، كانت أسماء أكبر من عائشة بعشر سنوات؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ289: 278).
إسلام أسماء:
أسلمت أسماء – قديمًا – بمكة في أول الإسلام، بعد سبعة عشر نَفْسًا؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ 8صـ352).
ذات النطاقين: سبق بيانه
صبر أسماء على الأذى من أجل الإسلام:
قالت أسماء بنت أبي بكر: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبي بكر؟ قالت: قلت: لا أدري والله أين أبي، قالت: فرفع أبو جهل يده، وكان فاحشًا خبيثًا، فلطم خدِّي لطمةً طَرَحَ منها قرطي، ثم انصرفوا، فمكثنا ثلاثَ ليالٍ، وما ندري أين وجهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، حتى أقبَلَ رجل من الجنِّ من أسفل مكَّة، يتغنَّى بأبياتٍ من شعر غناء العرب، وإنَّ الناس ليتَّبعونه، يسمعون صوته وما يرونه، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول:
جزى الله ربُّ الناس خيرَ جزائه
رفيقينِ حلَّا خيمتي أم معبدِ
هما نزلا بالبرِّ ثم تروَّحا
فأفلَحَ مَن أمسى رفيق محمدِ
(سيرة ابن هشام جـ1 صـ487).
ذكره في حلية الأولياء عن ابن إسحاق قال حدَّثت عن أسماء بدون الشعر. وعزاه صاحب أنيس الساري لابن هشام وأبو بكر الشافعي عن إبراهيم بن سعد الزهري عن ابن إسحاق حدِّثت عن أسماء به وقال إسناده ضعيف لانقطاعه. وذكره علي حشيش في قصص لا تثبت. ثم ذكر سند آخر وفيه شعر الجن وفيه ذكر ألعنكبوت واعلها كذلك
هجرة أسماء: هاجرت أسماء وزوجها الزبير، وهي حامل متمٌّ بولدها عبدالله، فوضَعَتْه بقُباء، أول مَقدَمِهم المدينة، ثم ولدت للزبير بعد ذلك عروة، والمنذر، وعاصمًا، والمهاجر، وخديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة، ثم طلَّقها الزبير بن العوام، فكانت عند ابنها عبدالله؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ196).
تكريم النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء:
روى البخاري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: أنها حملت بعبدالله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متمٌّ، فأتيت المدينة فنزلت قباء، فولدتُ بقباء، ثم أتيتُ به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فوضَعْته في حجره، ثم دعا بتمرةٍ فمَضَغَها، ثم تفل في فيه، فكان أولَ شيء دخل جوفه ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنَّكه بالتمرة، ثم دعا له فبرَّك عليه، وكان أول مولود وُلد في الإسلام، ففرحوا به فرحًا شديدًا؛ لأنهم قيل لهم: إنَّ اليهود قد سحَرَتكم فلا يولد لكم؛ (البخاري حديث: 5469).
علم أسماء:
روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ثمانيةً وخمسين حديثًا، اتفق لها البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثًا، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بأربعة؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ296).
حدَّث عنها: ابناها (عبدالله، وعروة)، وحفيدها (عبدالله بن عروة)، وحفيده (عباد بن عبدالله)، وابن عباس، وأبو واقد الليثي، وصفية بنت شيبة، ومحمد بن المنكدر، ووهب بن كيسان، وأبو نوفل معاوية بن أبي عقرب، والمطلب بن عبدالله بن حنطب، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، ومولاها؛ عبدالله بن كيسان، وابن أبي مليكة، وابن ابن ابنها (عباد بن حمزة بن عبدالله بن الزبير) وعدة؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ288).
أسماء تصف صلاة الكسوف:
روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى صلاةَ الكسوف، فقام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد، فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد، فأطال السجود، ثم قام، فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام، ثم ركع، فأطال الركوع، ثم رفع، فسجد، فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد، فأطال السجود، ثم انصرف؛ (البخاري حديث: 745).
جهاد أسماء:
شهدت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها موقعة اليرموك مع ابنها وزوجها؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ 8 صـ352).
نزول القرآن في شأن أسماء:
قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
روى ابن جرير الطبري (رحمه الله) عن عبدالله بن الزبير، عن أبيه، قال: نزلت في أسماء بنت أبي بكر، وكانت لها أمٌّ في الجاهلية يقال لها: قتيلة بنت عبدالعزى، فأتتها بهدايا وصِنَابٍ وأقط وسمن، فقالت: لا أقبل لك هديةً، ولا تدخلي عليَّ حتى يأذن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَرْت ذلك عائشةُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8]؛ (تفسير ابن جرير الطبري جـ25 صـ610).
ذكره جامع تفسير ابن سعد وعزاه للطبري والطيالسي 1639 وأحمد 4/ 4 (16111) والبزار 2208 وابن عدي في الكامل 6/ 2359 … من طريق مصعب بن ثابت عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قدمت قتيلة بنت عبدالعزى. …..
وقال ضعيف بسبب مصعب لين الحديث ثم ذكر أن البخاري ومسلم اخرجوه بنحوه وان أسماء هي السائلة وهو الحديث التالي
روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قلت: وهي راغبة أفَأَصِل أمِّي؟ قال: ((نعم، صلِّي أمَّكِ))؛ (البخاري حديث 2620 / مسلم حديث 1003).
وأخرجه الحميدي 320 وفيه قال سفيان: وفيها نزلت: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم) الآية … وذكر الدارقطني الخلاف على ابن عيينة ورجح رواية الحميدي ومن تابعه العلل 4045
قال ابن حجر العسقلاني: وهي راغبة؛ أي: طالبة في برِّ ابنتها لها، خائفة مِن ردِّها إياها خائبةً؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني جـ5 صـ277).
نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء:
روى أبو داود عن عبدالله بن أبي مُلَيْكَة قال: حدثتني أسماء بنت أبي بكر، قالت: قلت: يا رسول الله، ما لي شيء إلا ما أدخل عليَّ الزبير بيتَه، أفأُعطي (أي: أتصدَّق) منه؟ قال: ((أَعطي، ولا توكي (لا تدَّخري وتمنعي ما في يدك عن الصدقة)، فيوكى عليك – ينقطع الرزق عنك))؛
أخرجه البخاري 1434 ومسلم 2342
شهادة أسماء:
روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: “رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائمًا مسندًا ظهرَه إلى الكعبة يقول: يا معاشر قريش، والله ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يُحْيي الموءودة (يستنقذها مِن دفنها في التراب وهي حيَّة)، يقول للرجل – إذا أراد أن يقتل ابنته -: لا تقتلها؛ أنا أكفيكها مؤنتَها، فيأخذها فإذا ترَعْرَعت (نشأت وشبَّت) قال لأبيها: إن شئت دفعتها إليك، وإن شئت كفيتك مؤنتها”؛ (البخاري حديث: 3828).
#####
أسماء الزوجة الصالحة:
1 – روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: تزوَّجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح (بعير يُستقَى عليه) وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء، وأخرز (أخيط) غَرْبَه (الدلو الكبير) وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكُنَّ نسوةَ صدقٍ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطَعَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثُلُثَيْ فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني ثم قال: ((إخ إخ))؛ ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبيرَ وغَيْرَتَه، وكان أغيرَ الناس، فعرَف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييتُ فمضى، فجئت الزبير فقلت: لقيني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه وعرفت غيرَتَك، فقال: والله لحملُك النوى كان أشدَّ عليَّ مِن ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس (ترويضها وتدريبها)، فكأنما أعتَقَني؛ (البخاري حديث: 5224/مسلم حديث: 2182).
2 – قال عكرمة: كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تحت الزبير بن العوام، وكان شديدًا عليها، فأَتَتْ أباها فشَكَت ذلك إليه، فقال: يا بنيَّة اصبري؛ فإنَّ المرأة إذا كان لها زوجٌ صالح ثم مات عنها فلم تزوَّج بعده، جُمع بينهما في الجنة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ197).
قلت سيف بن دورة: قلنا في حديث خطبة معاوية لام الدرداء فأبت أن تزوجه وقالت سمعت أبا الدرداء يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة في آخر ازواجها أو قال: لآخر ازواجها ولست أريد بأبي الدرداء بدلا. على شرط الذيل على الصحيح المسند. وذكر الألباني انه يشهد له موقوف أبي بكر الصديق وموقوف حذيفة.
وقال عن موقوف أبي بكر رجاله ثقات إلا أن فيه إرسالا لأن عكرمة لم يدرك أبا بكر إلا أن يكون تلقاه من أسماء … أما موقوف حذيفة ففيه أبي إسحاق السبيعي اختلط. انتهى من الصحيحة
صبر أسماء على الجوع:
روى الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: كنت مرَّةً في أرضٍ قَطَعَها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم لأبي سلمة والزبير من أرض النضير، فخرج الزبير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنا جار من اليهود، فذبح شاةً فطبخت فوجدت رِيحَها، فدخلني من ريح اللحم ما لم يدخلني من شيء قط، وأنا حاملٌ بابنةٍ لي تُدعَى خديجة، فلم أصبر فانطلقت فدخلت على امرأته أقتبس منها نارًا لعلَّها تطعمني، وما لي من حاجةٍ إلى النار، فلما شممت ريحَه، ورأيته ازددت شرًّا، فأطفأته، ثم جئت الثانية أقتبس مثل ذلك، ثم الثالثة فلما رأيت ذلك قعدت أبكي وأدعو الله، فجاء زوج اليهودية فقال: أدخَلَ عليكم أحد؟ قالت: لا إلا العربية أَتَتْ تقتبس نارًا، فقال: فلا آكل منها أبدًا أو ترسلي منها إليها، فأرسلَت إليَّ بقَدْحَةٍ (عرقة)، ولم يكن في الأرض شيء أعجب إليَّ من تلك الأَكْلَة؛ (معجم الطبراني الكبير جـ24 صـ103).
قلت سيف بن دورة: فيه ابن لهيعة والراوي عنه يحيى بن بكير فليس من العبادلة. وبعض أهل العلم يضعفه مطلقا وبقية رجاله ثقات
إنفاق أسماء في سبيل الله:
1 – قال عبدالله بن الزبير: ما رأيت امرأةً قط أجوَدَ من عائشة وأسماء؛ وجودهما مختلف: أمَّا عائشة، فكانت تجمع الشيء إلى الشيء، حتى إذا اجتمع عندها وضَعَتْه مواضعَه، وأمَّا أسماء، فكانت لا تدَّخر شيئًا لغدٍ؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ292).
2 – كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تمرِّض المرضى، وتعتق كلَّ مملوكٍ لها؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ198).
3 – كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تقول لبناتها ولأهلها: أنفِقن وتصدَّقن، ولا تنتظرن الفضل؛ فإنكنَّ إن انتظرتن الفضلَ لم تفضلن شيئًا، وإن تصدقتنَّ لم تجدن فَقْدَه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ198).
ورع أسماء:
1 – قدم المنذر بن الزبير من العراق، فأرسل إلى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بكسوةٍ من ثياب مروية وقُوهيَّة رقاق عتاق بعد ما كفَّ بصرُها، قال: فلمَسَتْها بيدها، ثم قالت: أف! ردُّوا عليه كسوته، قال: فشق ذلك عليه، وقال: يا أمَّهْ، إنَّه لا يشف، قالت: إنها إن لم تشف فإنها تصف، قال: فاشترى لها ثيابًا مرويةً وقوهيةً فقَبِلَتْها وقالت: مثل هذا فاكسُني؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ199).
قلت سيف بن دورة: صححه الألباني
2 – قال الركين بن الربيع: دخلت على أسماء بنت أبي بكر وهي عجوز كبيرة عمياء، فوجدتها تصلِّي وعندها إنسان يلقِّنها: قومي، اقعدي، افعلي؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد جـ8 صـ198).
قلت سيف بن دورة: هو من طريق شريك عن الركين بن الربيع عنها
أسماء صاحبة المبادئ:
1 – قال عروة بن الزبير: دخلت أنا وأخي عبدالله قبل أن يُقتَل على أمِّنا بعشر ليالٍ وهي وجعة، فقال عبدالله: كيف تجدينك؟ قالت: وجعة، قال: إنَّ في الموت لعافيةً، قالت: لعلك تشتهي موتي؛ فلا تفعل، وضحكَتْ، وقالت: والله، ما أشتهي أن أموت حتى تأتي على أحد طرفيك: إمَّا أن تُقتَل فأحتسبك؛ وإمَّا أن تظفر فتقرَّ عيني، إياك أن تُعرَضَ على خُطة فلا تُوافِق، فتَقْبَلَها كراهيةَ الموت، قال: وإنما عنى أخي أن يُقتل، فيحزنها ذلك؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ293).
2 – دخل عبدالله بن الزبير على أمِّه (أسماء بنت أبي بكر) حين رأى من الناس ما رأى من خذلانهم، فقال: يا أمَّهْ، خذَلَني الناس حتى ولدي وأهلي، فلم يبق معي إلا اليسير ممن ليس عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: أنت والله يا بُني أعلمُ بنفسك، إن كنت تعلم أنك على حقٍّ وإليه تدعو، فامضِ له؛ فقد قُتِلَ عليه أصحابُك، ولا تمكِّن من رقبتك يتلعَّب بها غلمانُ أميَّة، وإن كنت إنما أردت الدنيا، فبئس العبد أنت! أَهْلَكْت نَفْسَك، وأهلكت مَن قُتِلَ معك، وإن قلتَ: كنت على حقٍّ فلما وَهَن أصحابي ضعفتُ، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، وكم خلودك في الدنيا! القتل أحسنُ، فدنا ابن الزبير فقبَّل رأسَها، وقال: هذا والله رأيي، والذي قمت به داعيًا إلى يومي هذا، ما ركنت إلى الدنيا، ولا أحببت الحياةَ فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضبُ لله أن تستحلَّ حُرَمُه، ولكني أحببت أن أعلم رأيك، فزِدْتِني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمَّه فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلِّمي الأمر لله، فإن ابنك لم يتعمَّد إتيانَ منكرٍ، ولا عملًا بفاحشة، ولم يجُر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمَّد ظلمَ مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلمٌ عن عمالي فرضيت به بل أنكَرْتُه، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي، اللهمَّ إني لا أقول هذا تزكيةً مني لنفسي، أنت أعلم بي، ولكن أقوله تعزيةً لأمِّي لتسلو عني، فقالت أمُّه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنًا إن تقدَّمتني، وإن تقدمتُك ففي نفسي، اخرُج حتى أنظر إلى ما يصير أمرك، قال: جزاك الله يا أمه خيرًا، فلا تدَعي الدعاء لي قبل وبعد، فقالت: لا أَدَعُه أبدًا، فمَن قُتل على باطلٍ فقد قُتلت على حقٍّ، ثم قالت: اللهمَّ ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبرَّه بأبيه وبي، اللهمَّ قد سلَّمته
لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبدالله ثوابَ الصابرين الشاكرين؛ (تاريخ الطبري جـ6 صـ189: 188).
قلت سيف بن دورة: هو من طريق محمد بن عمر عن أبي الزناد عن مخرمه بن سليمان به
3 – دخل عبدالله بن عمر بن الخطاب على أسماء بنت أبي بكر وابنُها مصلوب، فقال لها: “إنَّ هذا الجسد ليس بشيء، وإنما الأرواح عند الله، فاتقي الله واصبري، فقالت: وما يمنعني من الصبر وقد أُهدي رأسُ يحيى بن زكريا إلى بغيٍّ من بغايا بني إسرائيل؟ “؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ8 صـ352).
قلت سيف بن دورة: ذكره ابن كثير بلفظ (قيل) الدالة على التضعيف أو عدم الإسناد.
أسماء تتصدَّى للحجَّاج بن يوسف:
1 – روى مسلم عن أبي نوفل، رأيت عبدالله بن الزبير على عقبة المدينة، قال: فجعلت قريش تمرُّ عليه والناس حتى مرَّ عليه عبدالله بن عمر، فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا خبيب …..
وفاة أسماء بنت أبي بكر:
روى الحاكم عن مصعب بن عبدالله بن الزبير، قال: “ماتت أسماء بنت أبي بكر بعد قتل ابنها عبدالله بن الزبير بليالٍ، وكان قتله يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلةً خَلَت من جمادى الأولى سنة ثلاثٍ وسبعين”؛ (مستدرك الحاكم جـ4 صـ72).
كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها خاتمةَ مَن مات من المهاجرين والمهاجرات؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ2 صـ296).
بلغت أسماء بنت أبي بكر من العمر مائة سنة ولم يسقط لها سنٌّ، ولم يُنكَر لها عقلٌ رحمها الله تعالى؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ8 صـ352). [ترجمة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها].
====
====
====
الترجمة الثانية: ترجمة عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما
الاسم والنسب:
هُوَ: عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ بنِ العَوَّامِ بنِ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيُّ بْنِ أَسَدِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبِ بنِ مُرَّةَ.
أم عبد الله بن الزبير:
هي: أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، أُخْتُ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيْقِ، زَوجَة النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. سبق ذكر ترجمتها رضي الله عنها.
كنية ابن الزبير: أَبُو بَكْرٍ، أو أَبُو خُبَيْبٍ. (الاستيعاب لابن عبد البر جـ2صـ292)
ميلاد عَبْد اللهِ:
وُلِدَ عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، في السَنَةِ الأُولىِ مِن الهجرة، كَانَ أَوَّلَ مَولُودٍ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالمَدِيْنَةِ. (الاستيعاب لابن عبد البر جـ2صـ293)
تسمية النبي صلى الله عليه وسلم لابن الزبير:
روى مسلمٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَا: خَرَجَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ حِينَ هَاجَرَتْ وَهِيَ حُبْلَى بِعَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَدِمَتْ قُبَاءً، فَنُفِسَتْ بِعَبْدِ اللهِ بِقُبَاءٍ، ثُمَّ خَرَجَتْ حِينَ نُفِسَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُحَنِّكَهُ «فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا، فَوَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ» قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَكَثْنَا سَاعَةً نَلْتَمِسُهَا قَبْلَ أَنْ نَجِدَهَا، «فَمَضَغَهَا. ثُمَّ بَصَقَهَا فِي فِيهِ، فَإِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ بَطْنَهُ لَرِيقُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، ثُمَّ قَالَتْ أَسْمَاءُ: «ثُمَّ مَسَحَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَسَمَّاهُ عَبْدَ اللهِ، ثُمَّ جَاءَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ، لِيُبَايِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ الزُّبَيْرُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَىهُ مُقْبِلًا إِلَيْهِ، ثُمَّ بَايَعَهُ.» (مسلم حديث2146).
أولاد عبد الله بن الزبير:
رزق اللهُ تعالى عبدَ الله بنَ الزبير، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بأربَعَة عَشَرَ رَجُلاً وخمسِ نِسْوَةٍ: وهم خبُيباً، وحمزة، وعباداً، وثابتاً، وأمهم: تماضر بنت منظور. وهاشماً. وقيساً، وعروة، والزبير. وأمهم: زجلة بنت منظور. وعامراً. وموسى. وأم حكيم. وفاطمة. وفاختة. وأمهم: حنتمة بنت عبد الرحمن بن الحارث بن المغيرة. وأبا بكر. وأمه: ريطة بنت عبد الرحمن بن الحارث، وبَكراً، ورقية. وأمهما: عائشة بنت عثمان بن عفان.
وعبد الله، وأمه أم ولد (أي جارية). وبَكراً آخر. وأمه: نفيسة، وهي أمُّ الحسَن بنتُ الحسَنِ بْنِ عَلي بْنِ أبي طالب. (متمم طبقات الصحابة لابن سعد جـ2صـ31: 30)
علم عبد الله بن الزبير:
روى عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً. اتَّفَقَ لَهُ الشيخانِ عَلَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِسِتَّةِ أَحَادِيْثَ، وَمُسْلِمٌ: بِحَدِيْثَيْنِ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَيْضاً عَنْ: أَبِيْهِ، وَجَدِّهِ لأُمِّهِ؛ الصِّدِّيْقِ، وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ، وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ، وَعَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِم.
وَرَوَى عَنْ عَبْد الله ِ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَخُوْهُ؛ عُرْوَةُ الفَقِيْهُ، وَابْنَاهُ عَامِرٌ وَعَبَّادٌ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ مُحَمَّدُ بنُ عُرْوَةَ، وَعَبِيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَطَاوُوْسٌ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَأَبُو الزُّبَيْرِ المَكِّيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ، وَوَهْبُ بنُ كَيْسَانَ، وَسَعِيْدُ بنُ مِيْنَاءَ، وَحَفِيدَاهُ: مُصْعَبُ بنُ ثَابِتِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَيَحْيَى بنُ عَبَّادِ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَهِشَامُ بنُ عُرْوَةَ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ بنِ الزُّبَيْرِ، وَآخَرُوْنَ. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ364: 363).
روى أبو داودَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ، فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 946)
عبادة عبد الله بن الزبير:
(1) قَالَتْ أُمُّ جَعْفَرٍ بِنْتُ النُّعْمَانِ، سَلَّمَتُ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَذُكِرَ عِنْدَهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَتْ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَوَّامَ اللَّيْلِ، صَوَّامَ النَّهَارِ، وَكَانَ يُسَمَّى: حَمَامَةُ الْمَسْجِدِ ” (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ335)
قلت سيف بن دورة: ذكر الذهبي سنده في سيره أعلام النبلاء وفيه روايتان لم أجد تراجم لهم.
(2) قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: ” صِفْ لي عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ. قُلْتُ: لَوْ رَأَيْتَهُ مَا رَأَيْتَ مُنَاجِيًا مِثْلَهُ، وَلَا مُصَلِّيًا مِثْلَهُ. (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ335)
(3) قَالَ مُجَاهِدُ بنُ جبر: ” كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ عُودٌ، وَكَانَ يَقُولُ: ذَلِكَ مِنَ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ ” (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ335)
(4) وَقَالَ مُجَاهِدُ بنُ جبر ٍأيضاً: مَا كَانَ بَابٌ مِنَ العِبَادَةِ يَعْجِزُ عَنْهُ النَّاسُ إِلاَّ تَكَلَّفَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَلَقَدْ جَاءَ سَيْلٌ طَبَّقَ البَيْتَ، فَطَافَ سِبَاحَةً. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ28صـ178)
(5) روى ابْنُ أبي شَيْبَةَ عَنْ أبي إِسْحَاقَ السَّبِيْعِيُّ قَالَ: «مَا رَأَيْتُ سَجْدَةً أَعْظَمَ مِنْ سَجْدَتِهِ»، يَعْنِي ابْنَ الزُّبَيْرِ. (مصنف ابن أبي شيبة جـ7صـ142 رقم34826)
(6) روى ابْنُ أبي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ: «دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مُوَاصِلٌ (أي الصيام) لِخَمْسَ عَشْرَةَ.» (مصنف ابن أبي شيبة جـ7صـ143 رقم34828) قلت سيف بن دورة: وسنده صحيح.
(7) قَالَ عَمْرَو بْنُ دِينَارٍ: «مَا رَأَيْتُ مُصَلِّيًا قَطُّ أَحْسَنَ صَلَاةً مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ» (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ335)
—-
جهاد عبد الله بن الزبير:
شَهِدَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، اليرموكَ مَعَ أبيه الزُّبَيْرِ، وشَهِدَ فَتحَ إفريقية، وكان البشير بالفتح إلى عثمان بن عفان. (الإصابة لابن حجر العسقلاني جـ2صـ303)
روى البخاريُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ اليَرْمُوكِ: أَلَا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَقَالَ: ” إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ (أَيِ اخْتَلَفْتُمْ ولم تشدوا معي)، فَقَالُوا: لاَ نَفْعَلُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ، فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلًا، فَأَخَذُوا بِلِجَامِهِ، فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ، بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ عُرْوَةُ: «كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ» قَالَ عُرْوَةُ: «وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ، وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلًا. (البخاري حديث: 3975).
قَالَ الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله): قَوْلُهُ (وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلًا) وكَأَنَّ الزُّبَيْرَ آنَسَ مِنْ وَلَدِهِ عَبْدَ اللَّهِ شَجَاعَةً وَفُرُوسِيَّةً فَأَرْكَبَهُ الْفَرَسَ وَخَشِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَهْجِمَ بِتِلْكَ الْفَرَسِ عَلَى مَا لَا يُطِيقُهُ فَجَعَلَ مَعَهُ رَجُلًا لِيَامَنَ عَلَيْهِ مِنْ كَيْدِ الْعَدُوِّ إِذَا اشْتَغَلَ هُوَ عَنْهُ بِالْقِتَالِ. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ7صـ350).
قَالَ الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله) أيضاً: وروى عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ فِي الْجِهَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِيهِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَلَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ حَمَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَجَعَلَ يُجْهِزُ عَلَى جَرْحَاهُمْ. وَقَوْلُهُ (يُجْهِزُ) أَيْ يُكْمِلُ قَتْلَ مَنْ وَجَدَهُ مَجْرُوحًا وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ قَلْبِهِ وَشَجَاعَتِهِ مِنْ صِغَرِهِ. (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ7صـ350)
قلت سيف بن دورة: هو على شرك الذيل على الصحيح المسند.
لم أجده في كتاب الجهاد لابن المبارك
ثم اوقفني عليه صاحبيَّ ابوصالح حازم وأحمد بن علي؛ لكنه معزوا إلى البيهقي في السنن الكبرى 18167 من طريق ابن المبارك. فقد يكون سقط من مطبوع كتاب الجهاد لابن المبارك.
ووجدت في السيرة لأبي إسحاق الفزاري
149 – نا الفزاري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: لما كان يوم اليرموك قالوا للزبير: يا أبا عبد الله احمل قال: «إني إن حملت كذبتم قالوا: لا نفعل قال:» بلى والله لنفعلن «ثم حمل ما معه أحد من الناس حتى خرق المشركين، ثم وقف، ثم حمل الثانية فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين في عاتقه، وانفلت عبد الله بن الزبير الذي كان يحفظه وهو ابن عشر سنين فجعل يذفف على الجرحى
هكذا مرسل لكن في الغالب أن عروة من عبدالله بن الزبير كما سبق في كتاب الجهاد لابن المبارك
وفي الفوائد المعللة: (177) – حدثنا يحيى ثنا هشام بن يوسف عن معمر عن هشام بن عروة قال كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف إحداهن في عاتقه إن كنت لأدخل أصابعي فيها ضرب ثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك. قال عروة قال عبد الملك بن مروان حين قتل عبد الله بن الزبير يا عروة هل تعرف سيف الزبير قال قلت نعم قال فما فيه قال قلت فيه فلة فلها يوم بدر قال صدقت فاستلها فرآها فيه فقال بهن فلول من قراع الكتايب ثم أغمده ثم رده علي قال هشام فأقمناه بيننا بثلاثة آلاف فأخذه بعضنا ولوددت أني كنت أخذته.
وهذا كذلك يحتمل أن يكون على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند فهشام في الغالب أخذ ذلك من أبيه عروة
شجاعة عبد الله بن الزبير:
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ (وذلك عند غَزْوَةِ إِفْرِيقِيَّةَ): هَجَمَ عَلَيْنَا جُرْجِيْرُ (قائد البربر) فِي مُعَسْكَرِنَا فِي عِشْرِينَ وَمِائَةِ ألف، فأحاطوا بنا، وَنَحْنُ فِي عِشْرِينَ أَلْفًا. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَدَخَلَ فُسْطَاطًا لَهُ فَخَلا فِيهِ، وَرَأَيْتُ أَنَا غرَّةً (أي غَفْلَةً) مِنْ جُرْجِيْرَ بَصُرْتُ بِهِ خَلْفَ عَسَاكِرِهِ عَلَى بِرْذَوْنٍ (دابة مثل الخيل) أَشْهَبَ، مَعَهُ جَارِيَتَانِ تُظَلِّلانِ عَلَيْهِ بِرِيشِ الطَّوَاوِيسِ، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ جُنْدِهِ أَرْضٌ بَيْضَاءَ لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ، فَخَرَجْتُ إِلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ فَنَدَبَ لِي النَّاسَ، فَاخْتَرْتُ مِنْهُمْ ثَلاثِينَ فَارِسًا. وَقُلْتُ لِسَائِرِهِمْ: الْبثوا عَلَى مَصَافِّكُمْ، وَحملت فِي الْوَجْهِ الّذي رأيت فيه جُرْجِيْرَ وقلت لأصحابي: احموا لي ظهري، فو الله مَا نشبتُ أنْ خَرَقْتُ الصَّفَ إِلَيْهِ فَخَرَجْتُ صَامِدًا لَهُ، وَمَا يَحْسِبُ هُوَ وَلا أَصْحَابُهُ إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه فَعَرَفَ الشَّرَّ، فَوَثَبَ عَلَى بِرْذَوْنِهِ وَوَلَّى مُدْبِرًا، فَأَدْرَكْتُهُ ثُمَّ طَعَنْتُهُ، فَسَقَطَ، ثُمَّ دَفَفْتُ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ، وَنَصَبْتُ رَاسَهُ عَلَى رُمْحٍ وَكَبَّرْتُ، وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ، فَهَرَبَ أَصْحَابُ جُرْجِيْرَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَنَحَنا اللهُ أَكْتَافَهُم (أي نصرنا عليهم). (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ28صـ181) (تاريخ الإسلام للذهبي جـ3صـ319: 318)
قلت سيف بن دورة: ذكر ابن عساكر سنده من طريق الزبير بن بكار قال وحدثني عمي مصعب بن عبدالله قال غزا عبدالله بن الزبير إفريقية مع عبدالله بن سعد بن أبي السرح العامري فحدثني الزبير بن خبيب وأبي عبدالله بن مصعب قالا قال عبدالله بن الزبير هجم علينا جرجير. ….. فذكر القصة
وفي كتاب سيرة عثمان ذكر خطة أخرى:
وهي إن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن سعد: إن أمرنا يطول مع هؤلاء وهم في أمداد متصلة وبلاد هي لهم ونحن منقطعون عن المسلمين وبلادهم، وقد رأيت أن نترك غدا جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأهبين ونقاتل نحن الروم في باطن العسكر إلى أن يضجروا ويملوا, فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون ركب من كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال وهم مستريحون ونقصدهم على غرة، فلعل الله ينصرنا عليهم، فأحضر جماعة من أعيان الصحابة واستشارهم فوافقوه على ذلك، فلما كان الغد فعل عبد الله ما اتفقوا عليه، وأقام جميع شجعان المسلمين في خيامهم وخيولهم عندهم مسرجة، ومضى الباقون فقاتلوا الروم إلى الظهر قتالا شديدا، فلما أذن بالظهر همَّ الروم بالانصراف على العادة فلم يمكنهم ابن الزبير وألح عليهم بالقتال حتى أتعبهم، ثم عاد عنهم والمسلمون؛ فكل الطائفتين ألقى سلاحه ووقع تعبا، فعند ذلك أخذ عبد الله بن الزبير من كان مستريحا من شجعان المسلمين وقصد الروم فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم وحملوا حملة رجل واحد وكبروا فلم يتمكن الروم من لبس سلاحهم حتى غشيهم المسلمون، وقتل جرجير، قتله ابن الزبير، وانهزم الروم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأخذت ابنة الملك جرجير سبية، ونازل عبد الله بن سعد المدينة وحاصرهم حتى فتحها، ورأى فيها من الأموال ما لم يكن في غيرها، فكان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار وسهم.
فقد تكون هذه الخطة الأكبر والأولى خطة لقتل جرجير
اشتراك عبد الله بن الزبير في جمع القرآن:
روى البخاريُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّان، دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ العَاصِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي المَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ القُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: «إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ القُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ، فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ فَفَعَلُوا ذَلِكَ.» (البخاري حديث: 3506)
منزلة عبد الله بن الزبير عند أم المؤمنين عائشة:
(1) قَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أُخِذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ وَسَطَ الْقَتْلَى يَوْمَ مَوْقِعَةِ الْجَمَلِ، وَبِهِ بِضْعٌ وَأَرْبَعُونَ ضَرْبَةً وَطَعْنَةً. (تاريخ الإسلام للذهبي جـ5صـ441)
(2) وقَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: أَعْطَتْ عَائِشَةُ لِلَّذِي بَشَّرَهَا أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمْ يُقْتَلْ، يَوْمَ مَوْقِعَةِ الْجَمَلِ، عَشْرَةَ آلافِ دِرْهَمٍ. (تاريخ الإسلام للذهبي جـ5صـ441)
(3) وقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحبَّ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ رَسُوْلِ اللهِ، صلى الله عليه وسلم، مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَبَعْدَهُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ28صـ179)
أقوال السلف في عبد الله بن الزبير:
سوف نذكر بعضاً من أقوال سلفنا الصالح في عبد الله بن الزبير، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
(1) قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: ذُكِرَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ، عَفِيْفٌ فِي الإِسْلاَمِ، أَبُوْهُ الزُّبَيْرُ، وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ، وَجَدُّهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّتُهُ خَدِيْجَةُ، وَخَالَتُهُ عَائِشَةُ، وَجَدَّتُهُ صَفِيَّةُ. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ28صـ166)
(2) قَالَ عُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ لاَ يُنَازَعُ فِي ثَلاَثَةٍ: شَجَاعَةٍ، وَلاَ عِبَادَةٍ، وَلاَ بَلاغَةٍ. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ28صـ179)
(3) وروى عيسى عن ابن القاسم عن مَالكُ بْنُ أَنَس: عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ أَفْضَلُ مِنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَكَانَ أَوْلَى بِالأَمْرِ مِنْ مَرْوَانَ وَمِنَ ابْنِهِ، عَبْد الْمَلِكِ بْن مَرْوَان. (الاستيعاب لابن عبد البر جـ2صـ298)
(4) قال الإمامُ الذهبي (رحمه الله): كَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَبِيْراً فِي العِلْمِ، وَالشَّرَفِ، وَالجِهَادِ، وَالعِبَادَةِ. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ364)
خلافة عبد الله بن الزبير:
لَمَّا مَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَابْنُهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ مِنْ بَعْدِهِ قَرِيبًا، بايعَ أهل الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، على الخلافةِ ..
وحَجَّ بالناسِ ثماني حِجَج، وَكَانَتْ وِلَايَةُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ، وَلَكِنْ عَارَضَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فِي ذَلِكَ وأخذ الشام ومصر مِنْ نُوَّابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، ثُمَّ جَهَّزَ السَّرَايَا إلى العراق، ومات وتولى بعده عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ فقتل مصعبَ بن الزبير بالعراق وأخذها. (الاستيعاب لابن عبد البر جـ2صـ: 294: 293) (البداية والنهاية لابن كثير جـ8 صـ344)
محاصرة مكة:
ما زالت الحروب بين ابن الزبير والامويين منذ تولي مروان إلى أن أرسلَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ جَيْشَاً كبيراً بقيادةِ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ إلى مكة لمحاربة عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. فحَاصَرَ الْحَجَّاجُ مَكَّةَ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، وَسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. وَنَصَبَ الْحَجَّاجُ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ; حَتَّى يَخْرُجُوا إِلَى الْأَمَانِ وَالطَّاعَةِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ، وَكَانَ مَعَ الْحَجَّاجِ خَلْقٌ قَدِمُوا عَلَيْهِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَجَعَلُوا يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ، فَقَتَلُوا خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ مَعَهُ خَمْسُ مَجَانِيقَ، فَأَلَحَّ عَلَيْهَا بِالرَّمْيِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَحَبَسَ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ فَجَاعُوا، وَكَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَجَعَلَتِ الْحِجَارَةُ تَقَعُ فِي الْكَعْبَةِ. وَمَا زَالَ أَهْلُ مَكَّةَ يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجَّاجِ بِالْأَمَانِ، وَيَتْرُكُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَرِيبٌ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ، فَأَمَّنَهُمْ، وَقَلَّ أَصْحَابُ ابْنِ الزُّبَيْرِ جِدًّا، حَتَّى خَرَجَ إِلَى الْحَجَّاجِ حَمْزَةُ وَخُبَيْبٌ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا أَمَانًا مِنَ الْحَجَّاجِ فَأَمَّنَهُمَا. (البداية والنهاية لابن كثير جـ8صـ335: 334)
الثبات على الحق:
دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ فَشَكَا إِلَيْهَا خِذْلَانَ النَّاسِ لَهُ، وَخُرُوجَهُمْ إِلَى الْحَجَّاجِ حَتَّى أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلَّا الْيَسِيرُ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ صَبْرُ سَاعَةٍ، وَالْقَوْمُ يُعْطُونَنِي مَا شِئْتُ مِنَ الدُّنْيَا، فَمَا رَايُكِ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، أَنْتَ أَعْلَمُ بِنَفْسِكَ ; إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ وَتَدْعُو إِلَى حَقٍّ فَاصْبِرْ عَلَيْهِ، فَقَدْ قُتِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُكَ، وَلَا تُمَكِّنْ مِنْ رَقَبَتِكَ، يَلْعَبْ بِهَا غِلْمَانُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا أَرَدْتَ الدُّنْيَا فَلَبِئْسَ الْعَبْدَ أَنْتَ ; أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ وَأَهْلَكْتَ مَنْ قُتِلَ مَعَكَ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى حَقٍّ فَمَا وَهَنَ الدِّينُ، وَإِلَى كَمْ خُلُودُكُمْ فِي الدُّنْيَا؟ الْقَتْلُ أَحْسَنُ. فَدَنَا مِنْهَا، فَقَبَّلَ رَاسَهَا، وَقَالَ: هَذَا وَاللَّهِ رَايِي.
ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَكَنْتُ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا أَحْبَبْتُ الْحَيَاةَ فِيهَا، وَمَا دَعَانِي إِلَى الْخُرُوجِ إِلَّا الْغَضَبُ لِلَّهِ أَنْ تُسْتَحَلَّ حُرْمَتُهُ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ رَايَكِ، فَزِدْتِينِي بَصِيرَةً مَعَ بَصِيرَتِي، فَانْظُرِي يَا أُمَّاهُ، فَإِنِّي مَقْتُولٌ مِنْ يَوْمِي هَذَا، فَلَا يَشْتَدُّ حُزْنُكِ، وَسَلِّمِي لِأَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ ابْنَكِ لَمْ يَتَعَمَّدْ إِتْيَانَ مُنْكَرٍ، وَلَا عَمِلَ بِفَاحِشَةٍ قَطُّ، وَلَمْ يَجُرْ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَلَمْ يَغْدُرْ فِي أَمَانٍ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ ظُلْمَ مُسْلِمٍ وَلَا مُعَاهَدٍ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي ظُلْمٌ عَنْ عَامِلٍ فَرَضِيتُهُ؛ بَلْ أَنْكَرْتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي آثَرُ مِنْ رِضَا رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَقُولُ هَذَا تَزْكِيَةً لِنَفْسِي، اللَّهُمَّ أَنْتِ أَعْلَمُ بِي مِنِّي وَمِنْ غَيْرِي، وَلَكِنِّي أَقُولُ ذَلِكَ تَعْزِيَةً لِأُمِّي لِتَسْلُوَ عَنِّي. فَقَالَتْ أُمُّهُ: إِنِّي لَأَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ عَزَائِي فِيكَ حَسَنًا إِنْ تَقَدَّمْتَنِي، أَوْ تَقَدَّمْتُكَ فَفِي نَفْسِي، اخْرُجْ يَا بُنَيَّ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمْرُكَ. فَقَالَ: جَزَاكِ اللَّهُ يَا أُمَّهْ خَيْرًا، فَلَا تَدَعِي الدُّعَاءَ قَبْلُ وَبَعْدُ لِي. فَقَالَتْ: لَا أَدَعَهُ أَبَدًا، فَمَنْ قُتِلَ عَلَى بَاطِلٍ فَلَقَدْ قُتِلْتَ عَلَى حَقٍّ.
ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ طُولَ ذَلِكَ الْقِيَامِ فِي اللَّيْلِ الطَّوِيلِ، وَذَلِكَ النَّحِيبِ، وَالظَّمَأِ فِي هَوَاجِرِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ، وَبِرَّهُ بِأَبِيهِ وَبِي، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ سَلَّمْتُهُ لِأَمْرِكَ فِيهِ، وَرَضِيتُ بِمَا قَضَيْتَ، فَقَابِلْنِي فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِثَوَابِ الصَّابِرِينَ الشَّاكِرِينَ، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: ادْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ. فَدَنَا مِنْهَا فَقَبَّلَتْهُ، ثُمَّ أَخَذَتْهُ إِلَيْهَا فَاحْتَضَنَتْهُ لِتُوَدِّعَهُ، وَاعْتَنَقَهَا لِيُوَدِّعَهَا. وَكَانَتْ قَدْ أَضَرَّتْ فِي آخِرِ عُمْرِهَا. (البداية والنهاية لابن كثير جـ8صـ335)
وفاة عبد الله بن الزبير:
قَتَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وصَلَبَهُ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ، السابع عشر من جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِنْ الهجرة. وَكَانَ عُمْرُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، اثنينِ وَسَبْعِينَ سنة. (البداية والنهاية لابن كثيرجـ8صـ344).
روى الطبرانيُّ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَرْمَلَةَ قَالَ: قَدِمْتُ مَكَّةَ بَعْدَمَا صُلِبَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَكَلَّمَتُ أُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الْحَجَّاجَ بن يوسف الثقفي، فَقَالَتْ: أَمَا آنْ لِهَذَا الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ؟ قَالَ: الْمُنَافِقُ، قَالَتْ: لَا وَاللهِ مَا كَانَ مُنَافِقًا، وَلَقَدْ كَانَ صَوَّامًا قِوَامًا، قَالَ: اسْكُتِي فَإِنَّكِ عَجُوزٌ قَدْ خَرِفْتِ، قَالَتْ: مَا خَرِفْتُ، مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَخْرُجُ مِنْ ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ ((المهْلِكُ)» فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَقَدْ رَأَيْنَاهُ تَعْنِي الْمُخْتَارَ (أي المختار بن أبي عبيد الثقفي)، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَأَنْتَ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: مُبِيرُ الْمُنَافِقِينَ. (معجم الطبراني الكبير جـ24صـ101 حديث: 272)
قلت سيف بن دورة: عزاه الألباني في الصحيحة 3538 … في تخريج حديث (أن في ثقيف كذابا ومبيرا) الذي أخرجه مسلم … : وبلفظ ( ….. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: مُبِيرُ الْمُنَافِقِين) … اخرجه البيهقي في دلائل النبوة وقال الألباني: وابوالمحياة ثقة. لكن لم أعرف أمه.
وهو في الدلائل من طريق الحميدي ثنا سفيان بن عيينة ثنا ابوالمحيا عن أمه قالت لما قتل الحجاج بن يوسف عبدالله بن الزبير. …
لكن في الطبراني 272 هو من طريق أبي المحياة عن أبيه يعلى بن حرملة قال: قدمت مكة بعدما صلب أو قتل ابن الزبير. ….
وكذلك عزاه ابن حجر في الاتحاف للحميدي وفيه عن سفيان عن أبي المحيا عن أبيه
أما في أخبار مكة للفاكهي 1674 ثنا محمد بن أبي عمر ثنا سفيان عن أبي المحياة عن أمه قالت لما قتل الحجاج بن يوسف عبدالله بن الزبير. ….
وأبوه يعلى بن حرملة ترجم له البخاري ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. انتهى المقصود
وذَهَبَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْر إِلَى عَبْد الْمَلِكِ بْن مَرْوَان، وطَلَبَ مِنْه إنزال عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ من الخشبة التي صُلِبَ عَليها، فوافق، فأُنزلَ.
قتل مع ابْن الزُّبَيْر مائتان وأربعون رجلاً، إن منهم لمن سال دمه فِي جوف الكعبة.
قَالَ ابنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: كُنْتُ أَوَّلُ مَنْ بَشَّرَ أَسْمَاءَ بِنُزُولِ ابْنِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِنَ الْخَشَبَةِ، فَدَعَتْني وَأَمَرَتْنِي بِغَسْلِهِ، فَكُنَّا لا نَتَنَاوَلُ عُضْوًا إِلا جَاءَ مَعَنَا، فكنا نغسل العضو ونضعه في أكفانه، ونتناول الْعُضْوَ الآخَرَ، حَتَّى فَرَغْنَا مِنْهُ، ثُمَّ قَامَتْ فَصَلَّتْ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ تَقُولُ قَبْلَ ذَلِكَ: اللَّهمّ لا تمتني حتى تقرّ عيني بحثته، فَمَا أَتَتْ عَلَيْهَا جُمْعَةٌ حَتَّى مَاتَتْ. (الاستيعاب لابن عبد البر جـ2صـ297)
الوفاء في أسمى معانيه:
(1) روى مسلمٌ عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ، رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ (أي بعد وفاته) عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ، وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ، أَبَا خُبَيْبٍ ….
(2) قَالَ نَافِعٌ: سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ التَّكْبِيرَ فِيمَا بَيْنَ المَسْجَدِ إِلَى الحَجُوْنِ (مكان بمكة) حِيْنَ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: لَمَنْ كَبَّرَ حِيْنَ وُلِدَ أَكْثَرُ وَخَيْرٌ مِمَّنْ كَبَّرَ لِقَتْلِهِ. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ378)
قلت سيف بن دورة: هو من طريق الواقدي. وهو في طبقات ابن سعد
(3) قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَكَثَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ الله بْنُ الزُّبَيْرِ بَعْدَ قَتْلِ أَبِيهِ حَوْلاً لا يَسْأَلُ أَحَدًا لِنَفْسِهِ شَيْئًا إِلا الدُّعَاءَ لأَبِيهِ. (الاستيعاب لابن عبد البر جـ2صـ298)
قبس من كلام عبد الله بن الزبير:
(1) قَالَ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بِمَوْعِظَةٍ قَالَ فِيها: «إِنَّ لِأَهْلِ التَّقْوَى عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا، وَيَعْرِفُونَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، مِنْ صَبْرٍ عَلَى الْبَلَاءِ، وَرِضًى بِالْقَضَاءِ، وَشُكْرِ النَّعْمَاءِ، وَذُلٍّ لِحُكْمِ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا الْإِمَامُ كَالسُّوقِ مَا نَفَقَ فِيهَا حُمِلَ إِلَيْهَا، إِنْ نَفَقَ الْحَقُّ عِنْدَهُ حُمِلَ إِلَيْهِ وَجَاءَهُ أَهْلُ الْحَقِّ، وَإِنْ نَفَقَ الْبَاطِلُ عِنْدَهُ جَاءَهُ أَهْلُ الْبَاطِلِ وَنَفَقَ عِنْدَهُ» (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ1صـ336)
(2) روى ابْنُ أبي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: (خُذِ الْعَفْوَ) (الأعراف: 199)، قَالَ: «مَا مَرَّ بِهِ مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ، وَاللَّهِ لَآخُذَنَّ بِهِ فِيهِمْ مَا صَحِبْتُهُمْ (يعني رعيته)» (مصنف ابن أبي شيبة جـ7صـ143 رقم34827) [ترجمة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما]
(المسألة الثانية): في فوائده:
1 – في الحديث استحباب السلام على الميت في قبره وغيره.
2 – وتكرير السلام ثلاثا كما كرر ابن عمر.
3 – وفيه الثناء على الموتى بجميل صفاتهم المعروفة.
4 – وفيه منقبة لابن عمر لقوله الحق.
5 – وفي كلام ابن عمر إبطال الإشاعة الكاذبة التي اختلقها الحجاج، بأن عبد الله بن الزبير عدو الله وظالم.
قال النووي: ومذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوما، وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه.
6 – وفيه شجاعة أسماء وقوة حجتها وكلامها وقوة شخصيتها.
والله أعلم. [فتح المنعم بتصرف]