: 4719 الفوائد المنتقاة على شرح صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
وشارك أحمد بن علي وعبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
——–‘——–‘———‘
——-‘———‘———‘
——-‘——–‘———-‘
قال النووي
(50) – ” بَابُ مُؤَاخَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ”.
قال الإمام مسلم النيسابوري رحمه الله تعالى:
4719 حَدَّثَنِي حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ يَعْنِي ابْنَ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَبَيْنَ أَبِي طَلْحَةَ.
4720 حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، قَالَ: قِيلَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ((لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ؟)) فَقَالَ أَنَسٌ: قَدْ حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ، وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِهِ.
4721 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: حَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ، فِي دَارِهِ الَّتِي بِالْمَدِينَةِ.
4722 حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً)).
==========
وسيكون الحديث من وجوه، كالتالي:
الوجه الأول: شرح وفقه الحديث، وفيه فروع:
الفرع الأول: مدخل
التحالف والتعاهد على الخير عرف قبل الإسلام، وعرفته العرب، قالوا: وأول حلف بمكة حلف الأحابيش، سمي بذلك لتحالفهم عند حبش – جبل على سبعة أميال من مكة، وقيل: لتحبشهم أي: تجمعهم، تحالفوا على أن يكونوا يدا على غيرهم مارسي حبش مكانه، ثم كان حلف قريش وثقيف ودوس على أن لا يعتدي بعضهم على بعض، ثم كان حلف المطيبين وأزد، وفي الحديث: ما شهدت من حلف إلا حلف المطيبين، وما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم.
وفي رواية: شهدت وأنا غلام حلفا مع عمومتي المطيبين ثم كان حلف الفضول – وهم فضل وفضالة ومفضل، وكان حلفهم ألا يعين أحد ظالما، وأن يعان المظلوم، وظهر الإسلام على ذلك، فوقعت المؤاخاة في الإسلام، وهي أحلاف بين أشخاص، وتعاون على البر والتقوى، وقد ضرب الأنصار في ذلك المثل الأعلى، حتى نزل فيهم: {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9].
المؤاخاة بمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد بين المهاجرين وبين الأنصار عقد المؤاخاة في أول الإسلام، وذلك في التناصر.
وكانوا يتوارثون بهذه المؤاخاة دون قراباتهم في أول الأمر، وذلك أن المهاجرين كانوا قد قدموا إلى المدينة، وتركوا كل شيء وراءهم، من أهل ومال وولد، جاء الواحد منهم بثوبه، أو بعض ثوبه، لربما لا يملك إلا إزاراً.
فالنبي صلى الله عليه وسلم من باب المواساة كان يؤاخي بين المهاجرين والأنصار، وكان ابتداء ذلك بعد هجرته صلى الله عليه وسلم ، على ما ذكره بعض المؤرخين وأهل السير كان بعد الهجرة بخمسة أشهر، ثم استمر ذلك إلى أن فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم الفتوح ووسع عليه، ففُتحت بنو قريظة، والنضير، وما إلى ذلك كخيبر.
فكان الرجل يأتي من المهاجرين فيؤاخي النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين رجل من الأنصار، وكان الأنصار في غاية الإيثار، والمحبة لهؤلاء المهاجرين.
وكان الواحد منهم لربما قاسمه ماله، كما هو معروف في خبر سعد بن الربيع مع عبد الرحمن بن عوف، قال سعد بن الربيع لعبد الرحمن بن عوف: أغلى ما أملك زوجتاي، فانظر أطلق واحدة، فإذا انقضت عدتها تزوجتَها. [انظر: صحيح البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب إخاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار (5/ 31)، رقم: (3780).]
وفي المقابل كان المهاجرون في غاية العفاف، فقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك، دُلّني على السوق، وما أخذ منه شيئاً.
وقالوا للأنصار: بل نعمل عندهم.
وهذا الذي حصل من الأنصار أخبر الله تعالى عنه خبراً لا يدخله الكذب بحال من الأحوال {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً [النساء:122]، وهو الذي يعلم ما في النفوس، وما تنطوي عليه القلوب، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ} [الحشر:9]، يعني: من قبل المهاجرين على الأرجح من أقوال المفسرين في معناها، {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، أي: ما كانوا يتبرمون، ولا يستثقلون، {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا}، أي: حسداً مما أوتيه المهاجرون دونهم، وهذه لا تكاد تتحقق إلا لمن وقاه الله شح النفس، فالشح حاضر في النفوس، ولذلك أضافه الله إليها فقال: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، [الحشر:9].
فقال النبي صلى الله عليه وسلم للإنصار لما فتح قريظة: إن شئتم بقوا في أرضكم، يعني: قاسموكم الأموال والعقارات، وقسمتها بينكم، يعني: أرض النضير، لما فتحها الله عليه، وإن شئتم خرجوا من أموالكم وقسمتها بينهم خاصة، وتنفردون أنتم بأموالكم، قالوا: يا رسول الله، بل يبقون في أرضنا وتقسمها بينهم دوننا، يعني: النضير.
الفرع الثاني: شرح وفقه الحديث:
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي عبيدة بن الجراح، وبين أبي طلحة)
، قال ابن عبد البر: كانت المؤاخاة مرتين، مرة بين المهاجرين خاصة بمكة، ومرة بين المهاجرين والأنصار. اهـ.
وهي المقصودة هنا، وكان ابتداؤها بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل: بتسعة أشهر، وقيل: بسنة وثلاثة أشهر، قبل بدر، والتحقيق أن ابتداء المؤاخاة كان أوائل قدومه المدينة، واستمر يجددها بحسب من يدخل في الإسلام، أو يحضر إلى المدينة، والتحقيق أيضا أن بعض المؤاخاة كانت بين المهاجرين، بعضهم مع بعض، وبين بعضهم والأنصار، فعند الحاكم آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان، وفيه آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وابن مسعود وقد ثبت أيضا أن كل واحد من هؤلاء قد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين رجل من الأنصار، ولا مانع في ذلك، والمقصود من المؤاخاة “إرفاق بعضهم ببعض، وتأليف قلوب بعضهم على بعض، وقد يكون البعض أقوى في المال أو العشيرة أو الجاه، فيستعين الأعلى بالأدنى، ويفيد الأدنى من الأعلى”،
قال السهيلي: آخى بين أصحابه، ليذهب عنهم وحشة الغربة، ويأتنسوا من مفارقة الأهل والعشيرة ويشد بعضهم أزر بعض، فلما عز الإسلام، واجتمع الشمل، وذهبت الوحشة، أبطل الإرث بالأخوة، وجعل المؤمنين كلهم إخوة يعني في التواد، وشمول الدعوة اهـ.
وقد ذكر ابن سعد لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين المهاجرين، وآخى بين المهاجرين والأنصار، على المواساة، وكانوا يتوارثون، وكانوا تسعين نفسا، بعضهم من المهاجرين وبعضهم من الأنصار، فلما نزل: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} [الأحزاب: 6] بطلت المواريث بالمؤاخاة، وبقي بها المعاونة والمواساة.
وفي البخاري كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري، دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم …..
(قيل لأنس: بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا حلف في الإسلام؟) الكلام على الاستفهام، مع حذف الأداة، وهي مذكورة في رواية البخاري، والحلف بكسر الحاء وسكون اللام، العهد، وكأن السائل يشير بذلك السؤال إلى رواية.
(فقال أنس: قد حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داره) قال ابن عيينة: حالف بينهم، أي آخى بينهم. اهـ.
فمعنى الحلف في الجاهلية معنى الأخوة في الإسلام، لكنه في الإسلام يجري على أحكام الدين وحدوده، وحلف الجاهلية كان يجري على ما كانوا يضعونه بينهم بآرائهم، فبطل من حلف الجاهلية ما خالف حكم الإسلام، وبقي ما عدا ذلك على حاله، وفي رواية حالف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داره التي بالمدينة وفي بعض النسخ في داري التي بالمدينة وعند البخاري بين قريش والأنصار في داري ولا إشكال، فقد تعددت المؤاخاة كما ذكرنا.
وقد جمع العلماء بين إثبات المحالفة هنا، وبين نفيها في روايه، بلفظ لا حلف في الإسلام فحملوا الحلف المثبت على حلف التناصر في الدين، والتعاون على البر والتقوى، وإقامة الحق، والحلف المنفى على حلف التوارث، والحلف على ما منع الشرع منه، كذا قيل: لكن الحلف المثبت هنا كان يشمل التوارث، فالأولى القول بالنسخ فيما يخص التوارث، فالنفي يراد به التوارث، أي لا توارث بالتآخي، وقد نسخ ما كان في الحلف المثبت.
قال الطبري: ما استدل به أنس على إثبات الحلف، لا ينافي حديث جبير بن مطعم – روايته – في نفيه، فإن الإخاء المذكور كان في أول الهجرة، وكانوا يتوارثون به، ثم نسخ من ذلك الميراث، وبقي ما لم يبطله القرآن، وهو التعاون على الحق، والنصر، والأخذ على يد الظالم، كما قال ابن عباس: إلا النصر والنصيحة والرفادة، ويوصى له، وقد ذهب الميراث. اهـ.
والمراد من قوله وأيما حلف كان في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا قوة أي ما كان من أحلاف الجاهلية موافقا لشريعة الإسلام.
واختلف الصحابة في الحد الفاصل بين الحلف الواقع في الجاهلية، وحلف الإسلام، فقال ابن عباس: ما كان قبل نزول الآية المذكورة جاهلي، وما بعدها إسلامي.
وعن علي: ما كان قبل نزول {لإيلاف قريش} [قريش: 1] جاهلي.
وعن عثمان: كل حلف كان قبل الهجرة جاهلي، وما بعدها إسلامي.
وعن عمر: كل حلف كان قبل الحديبية فهو مشدود، وكل حلف بعدها منقوض.
قال الحافظ ابن حجر: وأظن قول عمر أقواها. [فتح المنعم بتصرف يسير]
الوجه الثاني: يؤخذ من الحديث:
1 – استحباب المؤاخاة، والتحالف على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان.
2 – وفيه منقبة ظاهرة للمهاجرين والأنصار.
3 – الحكمة من المؤخاة: قال الحافظ ابن حجر: لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض، بالمال والعشيرة والقوى، فآخى بين الأعلى والأدنى، ليرتفق الأدنى بالأعلى، ويستعين الأعلى بالأدنى.
(إضافة) ذكر ابن إسحق المؤاخاة، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه – بعد أن هاجر – ((تآخوا.
أخوين. أخوين)): [الحديث: ذكره ابن إسحاق بلاغا، كما في “السيرة”، لابن كثير (2/ 324)، وعنه ابن هشام. وانظر: “جمع الجوامع”، للسيوطي (4/ 459)، والتعليق عليه]:
فكان هو وعلي أخوين، وحمزة وزيد بن حارثة أخوين، وجعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل أخوين، (وتعقبه ابن هشام بأن جعفرا كان يومئذ بالحبشة، ووجهه العماد بن كثير بأنه أرصده لأخوته حتى يقدم، وفي تفسير سنيد: آخى بين معاذ وابن مسعود) وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين وعمر وعتبان بن مالك أخوين، ومصعب بن عمير وأبو أيوب أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر أخوين، وأبو ذر والمنذر بن عمرو أخوين، وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين، وسلمان وأبو الدرداء أخوين.
والله أعلم. [فتح المنعم بتصرف يسير]
4 – وفي الحديثِ: ندبُ معاونةِ الإخوانِ، ودفعُ المشقَّةِ عنهم.
5 – فيه: فضيلةُ المهاجرين وحُسنُ سَمْعِهم وطاعتِهم للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
الوجه الثالث: المسائل المتعلقة بالمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، وفيه مطالب:
لو لم يُشر القرآن الكريم إلى قصّة المؤاخاة التي تمّت بين المهاجرين والأنصار، ولو لم تأتِ النصوص النبويّة الصحيحة والشواهد التاريخيّة الموثّقة لتؤكّد هذه الحادثة، لقلنا إنها قصّةٌ من نسج الخيال، وذلك لأن مشاهدها وأحداثها فاقت كلّ تصوّر، وانتقلت بعالم المثال والنظريات إلى أرض الواقع والتطبيق، وفي ظلّها قدّم الصحابة الكثير من صور التفاني والتضحية على نحوٍ, لم يحدث في تاريخ أمّةٍ, من الأمم، مما يجعلنا بحاجة إلى أن نقف أمام هذا الحدث نتأمّل دروسه، ونستلهم عبره.
كان أوّل عملٍ, قام به النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد بناء المسجد تشريع نظام المؤاخاة
وهذه المؤاخاة أخصّ من الأخوّة العامة بين المؤمنين جميعاً؛ وذلك لأنها أعطت للمتآخيين الحقّ في التوارث دون أن يكون بينهما صلةٍ, من قرابة أو رحم، كما في قوله تعالى: {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: 33].
وقد استمرّ العمل بقضيّة التوارث زمناً، حتى استطاع المهاجرون أن يألفوا المدينة ويندمجوا في المجتمع، وفتح الله لهم أبواب الخير من غنائم الحرب وغيرها ما أغناهم عن الآخرين، فنسخ الله تعالى العمل بهذا الحكم، وأرجع نظام الإرث إلى ما كان عليه، وذلك في قوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله} (الأنفال: 75)، مع بقاء العمل بالنصرة، وتبادل العطايا، وإسداء المشورة والنصيحة، وغيرها من معاني الأخوة.
وتذكر لنا مصادر السيرة أسماء بعض الذين آخى بينهم النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقد آخى بين أبي بكر و خارجة بن زهير، وآخى بين عمر بن الخطاب و عتبان بن مالك، وبين أبي عبيدة بن الجراح و سعد بن معاذ، وبين الزبير بن العوام و سلامة بن سلامة بن وقش، وبين طلحة بن عبيد الله و كعب بن مالك، وبين مصعب بن عمير و أبو أيوب خالد بن زيد رضي الله عنهم أجمعين، وأسماء أخرى بلغت تسعين صحابيّاً.
وعند مراجعة أسماء هؤلاء الصحابة، نجد أن تلك المؤاخاة لم تُقم وزناً للاعتبارات القبلية أو الفوارق الطبقية، حيث جمعت بين القوي والضعيف، والغني والفقير، والأبيض والأسود، والحرّ والعبد، وبذلك استطاعت هذه الأخوّة أن تنتصر على العصبيّة للقبيلة أو الجنس أو الأرض، لتحلّ محلّها الرابطة الإيمانيّة، والأخوّة الدينيّة.
وقد سجّل التاريخ العديد من المواقف المشرقة التي نشأت في ظلّ هذه الأخوة،
بل إن كثيراً من الأنصار عرضوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يقسم الأراضي الزراعيّة بينهم وبين إخوانهم من المهاجرين، ولكنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد أن تقوم هذه المواساة دونما إضرارٍ, بأملاكهم، فأشار عليهم بأن يحتفظوا بأراضيهم مع إشراك إخوانهم المهاجرين في الحصاد، وقد أورث صنيعهم هذا مشاعر الإعجاب في نفوس المهاجرين، حتى إنهم قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله ما رأينا قوما قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلا في كثير منهم، لقد حسبنا أن يذهبوا بالأجر كلّه \”، كما كانت تضحياتهم ومواقفهم النبيلة سبباً في مدح الله لهم بقوله: {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} (الحشر: 9).
وقد حفظ النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا الفضل للأنصار، فمدحهم بقوله: (لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً، لسلكت في وادي الأنصار) رواه البخاري، وبيّن حبه لهم بقوله (الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله) رواه البخاري، ودعا لأولادهم وذرياتهم بالصلاح فقال: (اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأزواج الأنصار، ولذراري الأنصار) رواه أحمد، وآثر الجلوس بينهم طيلة حياته فقال: (لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار) رواه البخاري.
[المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار]
كما سيأتي الإشارة إلى شيء من ذلك.
المطلب الأول: ما ورد في المؤاخاة:
قال الإمام البخاري -رحمه الله-:
باب: كيف آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه، وقال عبد الرحمن بن عوف: آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بيني وبين سعد بن الربيع لما قدمنا المدينة. وقال أبو جحيفة: آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء.
ثم ذكر البخاري حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة، فآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق، فربح شيئاً من أقط وسمن، فرآه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أيام وعليه وضر من صفرة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَهْيم يا عبد الرحمن). قال: يا رسول الله تزوجت امرأة من الأنصار، قال: (فما سقت فيها؟) فقال: وزن نواة من ذهب، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَوْلِم ولو بشاة). [صحيح البخاري (3722)]
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قَالَتِ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ: لاَ فَقَالُوا: تَكْفُونَا المَئُونَةَ، وَنَشْرَكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا. [صحيح البخاري (2228)]
يقول ابن القيم -رحمه الله-: “ثم آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار في دار أنس بن مالك، وكانوا تسعين رجلاً نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، يتوارثون بعد الموت دون ذوي الأرحام إلى حين وقعة بدر، فلما أنزل الله -عز وجل-: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6] رد التوارث إلى الرحم دون عقد الأخوة.
وقد قيل: إنه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية، واتخذ فيها علياً أخاً لنفسه، والثبت الأول، والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام، وأخوة الدار، وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة، بخلاف المهاجرين مع الأنصار، ولو آخى بين المهاجرين كان أحق الناس بأخوته أحب الخلق إليه، ورفيقه في الهجرة، وأنيسه في الغار، وأفضل الصحابة، وأكرمهم عليه: أبو بكر الصديق، وقد قال: (لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام أفضل)) [رواه البخاري ومسلم]، وفي لفظ: (ولكن أخي وصاحبي) وهذه الأخوة في الإسلام وإن كانت عامة كما قال: (وددت أن قد رأينا إخواننا) قالوا: ألسنا إخوانك؟ قال: (أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني) [رواه مسلم]، فللصِّدِّيق من هذه الأخوَّة أعلى مراتبها، كما له من الصحبة أعلى مراتبها، فالصحابة لهم الأخوَّة ومزية الصحبة، ولأتباعه بعدهم الأخوَّة دون الصحبة”. [زاد المعاد (3/ 56)].
لكن ابن حجر تعقب ابن تيمية وابن القيم:
فالمؤاخاة التي لم ينكرها أحد هي المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، وأما ما ورد في غير هذا من المؤاخاة هو الذي فيه الكلام:
أ. المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم.
ب. المؤاخاة التي بين الأنصار.
أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم المؤاخاتين الأخيرتين فقط وليس الأول، وكذلك الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية تكلم عن الروايات التي عن المؤاخاة بين الأنصار فيما بينهم، والمهاجرين فيما بينهم.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) عند حديثه تحت “باب كَيْفَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ”،
قال الحافظ: “وأنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر الرافضي المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي، قال: لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم ولتأليف قلوب بعضهم فلا معنى لمؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري.
وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى فآخى بين الأعلى والأدنى ليرتفق الأدنى بالأعلى ويستعين الأعلى بالأدنى وبهذا تظهر مؤاخاته صلى الله عليه وسلم لعلي لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لأن زيدا مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين، وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة: إن بنت حمزة بنت أخي.
وأخرج الحاكم وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن ابن عباس ” آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وابن مسعود ” وهما من المهاجرين.
قلت: وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك، وقصة المؤاخاة الأولى أخرجها الحاكم من طريق جميع بن عمير عن ابن عمر ” آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان – وذكر جماعة قال – فقال علي: يا رسول الله إنك آخيت بين أصحابك فمن أخي؟ قال أنا أخوك ” وإذا الضم هذا إلى ما تقدم تقوى به، وقد تقدم في ” باب الكفالة ” قبيل كتاب الوكالة الكلام على حديث ” لا حلف في الإسلام ” بما يغني عن الإعادة، وقد سبق كلام السهيلي في حكمة ذلك الميراث، وسيأتي في الفرائد حديث ابن عباس ” كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة “. انتهى المراد.
قلت سيف بن دورة: حديث مؤخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب حكم عليه الألباني بأنه موضوع كما في الضعيفة 351 فيه جميع بن عمير
قال ابن حبان رافضي يضع الحديث. وقال ابن نمير: كان أكذب الناس ثم ساق له هذا الحديث. انتهى
لذا حكم عليه ابن تيمية أنه من الأكاذيب واقره الحافظ الذهبي كما في مختصر منهاج السنة ص317
ولا أدري هل للذهبي تعقبات على ابن تيمية في مختصر منهاج السنة حتى نقول أقره. المهم الذهبي ضعفه في تلخيص المستدرك فقال: فيه جميع بن عمير متهم وإسحاق بن بشر وهو هالك.
وقال محقق مختصر المستدرك في قول الترمذي حسن غريب … لعله حسنه لما له من الشواهد
وذكره ابن عدي في ترجمة جميع وكذلك في ترجمة حكيم بن جبير.
وراجع الضعيفة أيضا 352 أيضا له إسناد موضوع
وضعف الحديث صاحب أنيس الساري 719 وذكر له شواهد من حديث محدوج بن زيد الذهلي وعن زيد بن أبي أوفى وعن علي وضعفها كلها
وفي المستدرك (انما تركتك لنفسي انت وأخي فأنا اخوك فان حاجك احد فقل انا عبدالله واخو رسوله صلى الله عليه وسلم يدعيها احد بعدك إلا كذاب) قال ابن الجوزي في العلل المتناهية
هـذا حديث لا يصح قال يحيى بن معين عمر ليس بشيء وقال الدارقطني متروك
وتضعيف هذا الحديث لا يدفع صحة المؤاخاة بين المهاجرين حيث ذكر زيد في ابنة حمزة قال: ابنة أخي. أخرجه البخاري
وزيد لم يتربى في مكة لكي نقول احتمال أنه أخوه من الرضاعة
وورد في رواية لأحمد (وكان زيد مؤاخيا لحمزة) لكنها من رواية الحكم عن مقسم ولم يصح له إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها.
قال العيني في قول (يا عم) إن قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهو عمها من الرضاعة وإن قالته لزيد فكان مصافيا لحمزة ومؤاخيا له.
وكذلك قلنا في الحديث الذي أخرجه البيهقي 12521 عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير وبين عبدالله بن مسعود انه على شرط الذيل على الصحيح المسند
ويشهد له حديث ابن عباس أيضا على شرط الذيلعلى الصحيح المسند
قال الذهبي في حديث ابن عباس: قد مر مثل هذا من وجه آخر قوي. يقصد حديث أنس
وأثبت المؤاخاتين ابن عبدالبر كما في التمهيد قال: مرة بين المهاجرين خاصة وذلك بمكة ومرة بين المهاجرين والأنصار.
المطلب الثاني: المؤاخاة التي عقدها النبي صلى الله عليه وسلم، ودستور المدينة.
يقول الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية):
(فصل في عقده عليه السلام الألفة بين المهاجرين والأنصار بالكتاب الذي أمر به فكتب بينهم والمؤاخاة التي أمرهم بها وقررهم عليها وموادعته اليهود الذين كانوا بالمدينة)
وكان بها من أحياء اليهود بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة، وكان نزولهم بالحجاز قبل الأنصار أيام بخت نصر حين دوخ بلاد المقدس فيما ذكره الطبري.
ثم لما كان سيل العرم وتفرقت شذر مذر نزل الأوس والخزرج المدينة عند اليهود فحالفوهم، وصاروا يتشبهون بهم لما يرون لهم عليهم من الفضل في العلم المأثور عن الأنبياء لكن منَّ الله على هؤلاء الذين كانوا مشركين بالهدى والإسلام وخذل أولئك لحسدهم وبغيهم واستكبارهم عن اتباع الحق.
وقال الإمام أحمد: حدثنا نصر بن باب، عن حجاج – هو ابن أرطأة – قال: وحدثنا سريج، ثنا عباد، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم، وأن يفدوا عانيهم بالمعروف والإصلاح بين المسلمين.
قال أحمد: وحدثنا سريج، ثنا عباد، عن حجاج، عن الحكم، عن قاسم، عن ابن عباس مثله. تفرد به الإمام أحمد.
وفي (صحيح مسلم) عن جابر: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقولة “. انتهى المقصود.
المطلب الثالث: دستور المدينة، وبعض أسماء المهاجرين والأنصار ممن تآخوا في الله
وأما عن الحلف والمعاهدة التي عقدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه، فيقول عنها أنس بن مالك -رضي الله عنه-: “حالف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار في داري”. [رواه البخاري ومسلم].
وعن تفاصيل هذا الحلف، قال ابن كثير في (البداية والنهاية): يقول محمد بن إسحاق -رحمه الله-: كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه اليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم وشرط لهم: “بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي الأمي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم:
1 – أنهم أمة واحدة من دون الناس.
2 – المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
3 – وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
ثم ذكر كل بطن من بطون الأنصار وأهل كل دار:
4 – وبنو الحارث على ربعتهم حسب المقطع الثالث.
5 – وبنو ساعدة على ربعتهم حسب المقطع الثالث.
6 – وبنوجشم على ربعتهم حسب المقطع الثالث.
-7 – وبنو النجار على ربعتهم حسب المقطع الثالث.
-8 – وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم حسب المقطع الثالث.
-9 – وبنو النبيت على ربعتهم حسب المقطع الثالث.
-10 – وبنو أوس على ربعتهم حسب المقطع الثالث.
إلى أن قال:
-11 – وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أوعقل.
-12 – ولا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
-13 – وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى، دسيسة ظلم أو أثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين وأن أيديهم عليه جميعاً ولو كان ولد أحدهم.
-14 – ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر ولا ينصر كافر على مؤمن.
-15 – وأن ذمة الله واحدة: يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
-16 – وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا تناصر عليهم.
-17 – وإن سلم المؤمنين واحدة: لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
-18 – وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضاً.
-19 – وإن المؤمنين يبيء بعضهم بعضاً بما نال دماءهم في سبيل الله وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.
-20 – وأنه لا يجبر مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن.
-21 – وأنه من اعتبط مؤمناً قتلاً عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وأن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
-22 – وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا ولا يؤويه وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
-23 – وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم.
-24 – وأن اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
-25 – وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين: لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
-26 – وأن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف.
-27 – وأن ليهود بني الحرث مثل ما ليهود بني عوف.
-28 – وأن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
-29 – وأن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف.
-30 – وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.
-31 – وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
-32 – وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم.
-33 – وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف وأن البر دون الإثم.
-34 – وأن موالي ثعلبة كأنفسهم.
-35 – وأن بطانة يهود كأنفسهم.
-36 – وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد وأنه لا ينحجر على ثأر جرح وأنه من فتك نفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم وأن الله على أبر من هذا.
-37 – وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم.
-38 – وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
-39 – وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
-40 – وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
-41 – وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
-42 – وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول الله، وأن الله على اتقى ما في هذه الصحيفة وأبره.
-43 – وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
-44 – وأن بينهم النصر على من دهم يثرب.
-45 – وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم من جان
بهم الذي قبلهم.
-46 – وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البر الحسن من أهل هذه الصحيفة، وأن البر دون الإثم.
-47 – لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم و أثم وأن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
كذا أورده ابن إسحاق بنحوه، وقد تكلم عليه أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتاب (الغريب) وغيره بما يطول.
فصل في مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار [فيه: ذكر بعض نماذج المهاجرين والأنصار ممن تآخوا في الله]
كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} [النساء: 33].
قال البخاري: حدثنا الصلت بن محمد، ثنا أبو أسامة، عن إدريس، عن طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: {ولكل جعلنا موالي}.
قال: ورثة.
{والذين عاقدت أيمانكم} كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت ثم قال: {والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصى له.
وقال الإمام أحمد: قرئ على سفيان: سمعت عاصماً، عن أنس قال: حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في دارنا، قال سفيان: كأنه يقول: آخي.
وقال محمد بن إسحاق: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه من المهاجرين والأنصار، فقال – فيما بلغنا ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل -: ((تآخوا في الله أخوين أخوين)) [الحديث: ذكره ابن إسحاق بلاغا، كما في “السيرة”، لابن كثير (2/ 324)، وعنه ابن هشام. وانظر: “جمع الجوامع”، للسيوطي (4/ 459)، والتعليق عليه]، ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: ((هذا أخي)).
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين، الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعلي بن أبي طالب أخوين، وكان حمزة بن عبد المطلب – أسد الله وأسد رسوله وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم-، وزيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخوين وإليه أوصى حمزة يوم أحد، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين ومعاذ بن جبل أخوين.
قال ابن هشام: كان جعفر يومئذٍ غائباً بأرض الحبشة.
قال ابن إسحاق: وكان أبو بكر وخارجة بن زيد الخزرجي أخوين، وعمر بن الخطاب وعتبان بن مالك أخوين، وأبو عبيدة وسعد بن معاذ أخوين، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين، والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش أخوين.
ويقال: بل كان الزبير وعبد الله بن مسعود أخوين، وعثمان بن عفان وأوس بن ثابت بن المنذر النجاري أخوين، وطلحة بن عبيد الله وكعب بن مالك أخوين، وسعيد بن زيد وأبي بن كعب أخوين، ومصعب بن عمير وأبو أيوب أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة وعباد بن بشر أخوين، وعمار وحذيفة بن اليمان العبسي حليف عبد الأشهل أخوين.
ويقال: بل كان عمار وثابت بن قيس بن شماس أخوين.
قلت: وهذا السند من وجهين.
قال: وأبو ذر برير بن جنادة والمنذر بن عمرو المعنق ليموت أخوين، وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين، وسلمان وأبو الدرداء أخوين، وبلال وأبو رويحة عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي ثم أحد الفزع أخوين.
قال: فهؤلاء ممن سمي لنا ممن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم من أصحابه رضي الله عنهم.
[= التحقيق في بعض ما ذكر =]
قلت: وفي بعض ما ذكره نظر، أما مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم وعلي فإن من العلماء من ينكر ذلك ويمنع صحته ومستنده في ذلك أن هذه المؤاخاة إنما شرعت لأجل ارتفاق بعضهم من بعض وليتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد منهم، ولا مهاجري لمهاجري آخر كما ذكره من مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة، اللهم إلا أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل مصلحة علي إلى غيره فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من صغره في حياة أبيه أبي طالب كما تقدم عن مجاهد وغيره.
وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار، والله أعلم.
وهكذا ذكره لمؤاخاة جعفر ومعاذ بن جبل، فيه نظر، كما أشار إليه عبد الملك بن هشام، فإن جعفر بن أبي طالب إنما قدم في فتح خيبر في أول سنة سبع كما سيأتي بيانه، فكيف يؤاخي بينه وبين معاذ بن جبل أول مقدمه عليه السلام إلى المدينة، اللهم إلا أن يقال: أنه أرصد لأخوته إذا قدم حين يقدم.
وقوله: وكان أبو عبيدة وسعد بن معاذ أخوين يخالف لما رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، ثنا ثابت عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي عبيدة بن الجراح وبين أبي طلحة.
وكذا رواه مسلم منفرداً به عن حجاج بن الشاعر عن عبد الصمد بن عبد الوارث به وهذا أصح مما ذكره ابن إسحاق من مؤاخاة أبي عبيدة وسعد بن معاذ، والله أعلم.
وقال البخاري: باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه.
وقال عبد الرحمن بن عوف: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع لما قدمنا المدينة.
وقال أبو جحيفة: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء رضي الله عنهما: حدثنا محمد بن يوسف، ثنا سفيان عن حميد عن أنس قال: قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله ……
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا حميد عن أنس.
قال: قال المهاجرون: يا رسول الله: ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلاً من كثير، لقد كفونا المؤونة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله.
قال: ((لا! ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم)).
هذا حديث ثلاثي الإسناد على شرط (الصحيحين) ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه، وهو ثابت في (الصحيح).
وقال البخاري: أخبرنا الحكم بن نافع، أخبرنا شعيب، ثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال قالت الأنصار: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل.
قال: ((لا)).
قالوا: أفتكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا تفرد به.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار: ((إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم)).
فقالوا: أموالنا بيننا قطائع.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أو غير ذلك؟)).
قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟
قال: ((هم قوم لا يعرفون العمل، فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر)).
قالوا: نعم!
وقد ذكرنا ما ورد من الأحاديث والآثار في فضائل الأنصار وحسن سجاياهم، عند قوله تعالى: {والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم} الآية “. انتهى المقصود.
فرع: من ذكر المؤاخاة التي كانت في مكة.
مؤاخاة كانت في مكة بين المهاجرين، فقد أشار البلاذري إلى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – آخى بين المسلمين في مكة قبل الهجرة على الحق والمواساة، فآخى بين حمزة وزيد بن حارثة، وبين أبي بكر وعمر، وبين عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال الحبشي، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة، وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وطلحة بن عبيد الله، وبينه وبين علي بن أبي طالب ويعتبر البلاذري (ت276هـ) أقدم من أشار إلى المؤاخاة المكية، وقد تابعه في ذلك ابن عبد البر (ت463هـ) دون أن يصرح بالنقل عنه، كما تابعهما ابن سيد الناس دون التصريح بالنقل عن أحدهما، وقد أخرج الحاكم في المستدرك من طريق جميع بن عمير عن ابن عمر: «آخى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عبد الرحمن بن عوف وعثمان» وعن ابن عباس: «آخى النبي – صلى الله عليه وسلم – بن الزبير وابن مسعود».
وذهب كل من ابن القيم وابن كثير إلى عدم وقوع المؤاخاة بمكة، فقال ابن القيم: «وقد قيل إنه- أي النبي – صلى الله عليه وسلم – آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية، واتخذ فيها عليا أخا لنفسه، والثبت الأول، والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام، وأخوة الدار وقرابة النسب، عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار» أما ابن كثير فقد ذكر أن من العلماء من ينكر هذه المؤاخاة لنفس العلة التي ذكرها ابن القيم.
لم تشر كتب السيرة الأولى المختصة إلى وقوع المؤاخاة بمكة، والبلاذري ساق الخبر بلفظ (قالوا) دون إسناد مما يضعف الرواية، كما أن البلاذري نفسه ضعفه النقاد، وعلى فرض صحة هذه المؤاخاة بمكة فإنها تقتصر على المؤازرة والنصيحة بين المتآخين دون أن تترتب عليها حقوق التوارث. [المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار]
المطلب الرابع: الدروس والعبر والفوائد:
1 – تقديم الآصرة الإيمانية على آصرة النسب والقرابة و الدم، فإن آصرة العقيدة هي أساس الارتباط.
، فقد بين الحق – سبحانه وتعالى – أن ابن نوح وإن كان من أهله باعتبار القرابة لكنه لم يعد من أهله لما فارق الحق وكفر بالله ولم يتبع نبي الله. قال – تعالى -: (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابنِي مِن أَهلِي وَإِنَّ وَعدَكَ الحَقٌّ وَأَنتَ أَحكَمُ الحَاكِمِينَ ` قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِن أَهلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيرُ صَالِحٍ, فَلاَ تَسأَلنِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ) [هود: 45، 46].
وقد حصر الإسلام الأخوة والموالاة بين المؤمنين؛ فقط قال – تعالى -: (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ) [الحجرات: 10].
2 – الحب في الله أساس بنية المجتمع، وضمان الاستقرار.
فقد قال – صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله – تعالى -يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)).
3 – النصيحة بين المتآخين في الله:
فقد كان للمؤاخاة أثر في المناصحة بين المسلمين فقد آخى النبي – صلى الله عليه وسلم – بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، … القصة.
4 – لا ما أثنيتم عليهم ودعوتم الله لهم:
كان الأنصار قد واسوا إخوانهم المهاجرين بأنفسهم وزادوا على ذلك بأن آثروهم على أنفسهم بخير الدنيا، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: (قالت الأنصار للنبي – صلى الله عليه وسلم – أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: «لا» فقالوا: تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا).
فهذا الحديث يفيد أن الأنصار عرضوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يتولى قسمة أموالهم بينهم وبين إخوانهم المهاجرين، وقد كانت أموالهم هي النخيل، فأبى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أمرا تكون فيه المواساة من غير إجحاف بالأنصار، بزوال ملكية أموالهم منهم، فقال الأنصار للمهاجرين: تكفوننا المؤونة- أي العمل في النخيل من سقيها وإصلاحها- ونشرككم في الثمرة، فلما قالوا ذلك رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن هذا الرأي ضمن سد حاجة المهاجرين مع الإرفاق بالأنصار فأقرهم على ذلك فقالوا جميعا: سمعنا وأطعنا.
وقد قام الأنصار بالمؤونة وأشركوا المهاجرين في الثمرة، ولعل المهاجرين كانوا يساعدونهم في العمل، ولكن أكثر العمل عند الأنصار،
وقد أراد النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يكافئ الأنصار على تلك المكارم العظيمة التي قدموها لإخوانهم المهاجرين، فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال: «إمَّا لا، فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم بعدي أثرة)).
5 – الإرث بالمؤاخاة:
لم يعرف تاريخ البشر كله حادثاً جماعياًّ كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم وبهذا البذل السخي. حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الميراث بينهم ثم نسخ.
6 – قيم إنسانية ومبادئ مثالية:
من خلال الروابط الوثيقة التي ألفت بين المهاجرين والأنصار أُرسيت قيم إنسانية واجتماعية ومبادئ مثالية لا عهد للمجتمع القبلي بها
7 – تذويب الفوارق الإقليمية والقبلية:
إن القضاء على الفوارق الإقليمية والقبلية ليست بالأمر الهين في المجتمعات الجاهلية،
إن المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى مثل هذه المؤاخاة.
8 – المؤاخاة بين المسلمين من أسباب التمكين فتوحيد رب العالمين وتحري تحقيق الأخوة بين أفراد المسلمين في الله من أهم أسباب التمكين
قال – تعالى -: (وَإِن يٌّرِيدُوا أَن يَخدَعُوكَ فَإِنَّ حَسبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصرِهِ وَبِالمُؤمِنِينَ ` وَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِهِم لَو أَنفَقتَ مَا فِي الأَرضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَت بَينَ قُلُوبِهِم وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَينَهُم إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 62 – 63].
وقال – تعالى -: (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحُوا بَينَ أَخَوَيكُم وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ) [الحجرات: 10].
ولا يذوق حلاوة الإيمان إلا من أشرب هذه الأخوة، قال – صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر، كما يكره أن يقذف في النار».
إن الأخوة في الله من أهم الأسباب التي تعمل على الصمود في وجه أعتى المحن التي تنزل بالمسلمين، كما أن الفهم المتبادل والكامل للأخوة في الله، من أسباب تماسك صفوف المسلمين وقوتهم، ومن أسباب شموخهم والتمكين لهم. [المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار]
المطلب الخامس: الشاهد من هذا النموذج
يقول العلامة محمود شاكر: أن يشعر المسلم منذ أن يعتنق الإسلام ويدخل الإيمان إلى قلبه أن المسلمين جميعًا أخوة له {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، يرتبط بهم أشد الارتباط، ولا رابطة تجمعه إلى هؤلاء المؤمنين إلا الإسلام، أينما كانت ديارهم، ومهما كانت قومياتهم ولغاتهم، وأنه بدخوله في الإسلام قد اكتسب جنسية جديدة وانتسب إليها، وأنه قد خلع عند عتبتها كل ما كان يحمله من صفات جاهلية أو رواسب قديمة، وأن جميع أتباعها يبادلونه هذا الشعور ويحبون له ما يحبون لأنفسهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” [2]. وأن هذه الرابطة أقوى من رابطة الدم والنسب، وأكثر تمسكا من رابطة الجنس والحسب، وأكثر انسجاما من رابطة اللغة والمصالح الاقتصادية والعلاقات المتبادلة، وأن المسلمين هم إخوته الحقيقيون، لا أشقاؤه إن كانوا يختلفون عنه في العقيدة. [التاريخ الإسلامي، ص (109)]
المطلب السادس: الأخوة معنى جليل نبه على فضله السلف.
فعن مطرف بن عبد اللَّه، قال: ” لقاء إخواني أحب إليَّ من لقاء أهلي؛ أهلي يقولون: يا أبي، يا أبي، وإخواني يدعون اللَّه لي بدعوة، أرجو فيها الخير”.الزهد” للإمام أحمد (ص 296).
وقال أيوب: ” إنه ليبلغني موت الرجل من إخواني، فكأنما سقط عضو من أعضائي “.
وقال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].
فقد كانوا في الجاهلية بينهم الإحن والعداوات والحروب المتواصلة، فألف الله بين قلوبهم بالإسلام، وقذف فيها المحبة، فتحابوا، وتوافقوا، وصاروا إخوانا، متراحمين متناصحين مجتمعين على أمر واحد، قد نظم بينهم، وأزال الاختلاف، وهو الأخوة في الله
قال الشاعر:
وما المرء إلا بإخوانه … كما تقبض الكفُّ بالمعصمِ
ولا خير في الكفِّ مقطوعةً … ولا خير في الساعد الأجذمِ.
)))
(((
)))
(((
______________
*قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:*
(قوله باب الإخاء والحلف)
يستفاد من حديث عبد الرحمن بن عوف أنهم استمروا على ذلك في الإسلام وإلى ذلك الإشارة في حديث جبير بن مطعم وتضمن جواب أنس إنكار صدر الحديث لأن فيه نفي الحلف وفيما قاله هو إثباته ويمكن الجمع بأن المنفي ما كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالما ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ومن التوارث ونحو ذلك والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم والقيام في أمر الدين ونحو ذلك من المستحبات الشرعية كالمصادقة والمواددة وحفظ العهد وقد تقدم حديث بن عباس في نسخ التوارث بين المتعاقدين وذكر الداودي أنهم كانوا يورثون الحليف السدس دائما فنسخ ذلك.
وقال بن عيينة حمل العلماء قول أنس حالف على المؤاخاة.
قلت لكن سياق عاصم عنه يقتضي أنه أراد المحالفة حقيقة إلا لما كان الجواب مطابقا وترجمة البخاري ظاهرة في المغايرة بينهما وتقدم في الهجرة إلى المدينة باب كيف آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه وذكر الحديثين المذكورين هنا أولا ولم يذكر حديث الحلف وتقدم ما يتعلق بالمؤاخاة المذكورة هناك قال النووي المنفي حلف التوارث وما يمنع منه الشرع.
وأما التحالف على طاعة الله ونصر المظلوم والمؤاخاة في الله تعالى فهو أمر مرغب فيه.
—-‘—-‘—-