4687 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-‘——-‘——-‘
صحيح مسلم
بَابُ مِنْ فَضَائِلِ الْأَنَصَارِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ
4687 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ – وَاللَّفْظُ لِإِسْحَاقَ – قَالَا: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: فِينَا نَزَلَتْ: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} بَنُو سَلِمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ، وَمَا نُحِبُّ أَنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}.
4688 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ، وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ.
وحَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
4689 حَدَّثَنِي أَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَنَسًا، حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اسْتَغْفَرَ لِلْأَنْصَارِ، قَالَ: وَأَحْسِبُهُ قَالَ: وَلِذَرَارِيِّ الْأَنْصَارِ، وَلِمَوَالِي الْأَنْصَارِ لَا أَشُكُّ فِيهِ.
4690 حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ – وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ -، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ ابْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى صِبْيَانًا وَنِسَاءً مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْثِلًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ. يَعْنِي الْأَنْصَارَ.
4691 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَخَلَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
حَدَّثَنِيهِ يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
4692 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ – وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى – قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ الْأَنْصَارَ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَإِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ.
==========
سيكون الحديث في هذا الدرس عن النقاط التالية:
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
– سبق أن أورد الإمام مسلم رحمه الله ما يتعلق بفضائل الأشعريين، وهذا يدخل في المفاضلة بين جماعات الصحابة وسيذكر جملة من ذلك – وهي من المسائل العقدية المشهورة عند أهل السنة-،بعد أن ذكر جملة من فضائل أفراد الصحابة رضي الله عنهم، وسيذكر بعض القبائل – إن شاء الله تعالى – كذلك.
من هم الأنصار؟
قال السفاريني رحمه الله تعالى: ” (وأنصاره) جمع ناصر كأصحاب وصحاب أو جمع نصير كشريف وأشراف، والضمير في: أنصاره راجع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.
والمراد بهم: الأوس والخزرج وحلفاؤهم ومن والاهم وكانوا قبل ذلك يعرفون ببني قيلة بقاف مفتوحة وتحتانية وهى الأم التي تجمع القبيلتين، فسماهم النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- الأنصار، فصار ذلك علمًا عليه، وأطلق أيضًا على أولادهم وحلفائهم ومواليهم وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ومن معه والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم فكان صنيعهم لذلك موجبًا لمعاداتهم لجميع الفرق والقبائل من عرب وعجم.
تنبيه: ورد في الحديث مولى القوم منهم.
وحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة الدنيا فاستجابوا: كما في الصحيحين
1 – حديث عمرو بن عوف الأنصاري، وكان شهد بدرًا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين ليأتي بجزيتها، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو صالح أهل البحرين، وأمَّر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافت صلاة الصبح مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما صلى بهم الفجر انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رآهم، وقال: أظنكم قد سمعتكم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء؟ قالوا: أجل يا رسول الله، قال: فأبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم. وهذا الحديث قد أخرجه الإمام البخاري-رحمه الله تعالى- في كتاب الجزية من صحيحه، وكذلك في كتاب الرقاق، وأخرجه الإمام مسلم-رحمه الله-، فهو حديث صحيح [رواه البخاري: 3158، 4015، 6425، ومسلم: 7614].
لذا لما اجتمع الأنصار يتشاورون في ترك الجهاد وإصلاح المال حذرهم ربهم من ترك نصرتهم
فأخرج أبوداود 2512 عن أسلم أبي عمران، قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس: مه مه لا إله إلا الله يلقي بيديه إلى التهلكة. فقال أبو أيوب: «إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه، وأظهر الإسلام، قلنا لهم: نقيم في أموالنا، ونصلحها، فأنزل الله عز وجل (وأنفقوا في سبيل الله، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد» قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية.
وهو في الصحيح المسند 315
وروى – الامام احمد رحمه الله {ج3ص216}:عن عبيد الله بن أبي بكر عن أبيه عن جده قال صلى الله عليه وسلم أتت الأنصار النبي صلى الله عليه و سلم بجماعتهم فقالوا إلى متى ننزع من هذه الآبار فلو أتينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا الله لنا ففجر لنا من هذه الجبال عيونا فجاؤوا بجماعتهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم فلما رآهم قال مرحبا وأهلا لقد جاء بكم إلينا حاجة قالوا أي والله يا رسول الله فقال انكم لن تسألوني اليوم شيئا الا أوتيتموه ولا أسأل الله شيئا الا أعطانيه فأقبل بعضهم على بعض فقالوا الدنيا تريدون فاطلبوا الآخرة فقالوا بجماعتهم يا رسول الله أدع الله لنا أن يغفر لنا فقال اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار قالوا يا رسول الله وأولادنا من غيرنا قال وأولاد الأنصار قالوا يا رسول الله وموالينا قال وموالي الأنصار.
هذا حديث حسن
وهو في الصحيح المسند 27
وفي رواية لأحمد 13269 ولكنائن الأنصار
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه.
وفي غزوة أحد تقدم عدد من الأنصار يدافعون عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: ما أنصفنا إخواننا.
فأخرج الإمام مسلم
1789 (100) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ: ” مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ ” أَوْ: ” هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ ” فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضًا، فَقَالَ: ” مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ ” أَوْ: ” هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ ” فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِبَيْهِ: ” مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا ”
وأصيب من الأنصار يوم أحد كثر
النبي صلى الله عليه وسلم يتعهد زيارت؛ الأنصار: يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم
وكان يزورهم في مسجد بني عمرو بن عَوْف فكانوا يسلمون عليه ويرد عليهم إشارة وهو في الصلاة.
النساء من الأنصار ينصرن الدين جهدهن:
وكانت أم سليم تقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بنا نسوة من الأنصار نسقي الماء ونداوي الجرحى.
وكل الفضائل لاعيان الأنصار هي فضيلة للأنصار
التسمية بالأنصار:
وفي صحيح البخاري عن غيلان بن جرير قال: قلت لأنس رضي اللَّه عنه: أرأيت اسم الأنصار أكنتم تسمون به أم سماكم اللَّه تبارك وتعالى به؟ قال: بل سمانا اللَّه عز وجل، وقال غيلان كنا ندخل على أنس فيحدثنا بمناقب الأنصار ومشاهدهم ويقبل عليَّ أو على رجل من الأزد ويقول: فعل قومك يوم كذا كذا وكذا” [البخاري في كتاب مناقب الأنصار باب مناقب الأنصار (ج 7/ 137) رقم (3776)]
قال الحافظ ابن حجر (1/ 119) في “فتح الباري لشرح البخاري”: أول تلقيب الأنصار بهذا اللقب كان ليلة العقبة لما توافقوا مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عند عقبة منى في الموسم [فتح الباري (ج 7/ 261)] كما في السيرة النبوية.
يحبون أن يكونوا اصفياء النبي صلى الله عليه وسلم:
وأخرج البخاري عن زيد بن أرقم قال: قالت الأنصار: ((يا نبي اللَّه لكل نبي أتباع وإنا قد أتبعناك فادع اللَّه أن يجعل أتباعنا منا فدعا به)). وفي رواية فقال: ((اللهم اجعل أتباعهم منهم)). [البخاري (ج 7/ 143) رقم (3787 – 3788) في مناقب الأنصار باب أتباع الأنصار].
وفي رواية عند البخاري مر أبو بكر والعباس رضي اللَّه عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- منا فدخل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبره قال: فخرج النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد عصب على رأسه حاشية برد قال فصعد النبي المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم -فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: “أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم”. انتهى من كتاب [لوائح الأنوار السنية ولواقح الأفكار السنية، ص (82 – 85)، بتصرف].
الأنصار اسم للأوس والخزرج من أهل المدينة ومواليهم وحلفائهم، سماهم بهذا اللقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم آووه ونصروه، وهم {والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} [الحشر: 9].
لقد كانوا قبل الإسلام في فرقة وحروب، وآخر حروبهم قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى مدينتهم بخمس سنين، فيما عرف بيوم بعاث، وكانت معارك ضارية، قتل فيها رؤساء كل من الفريقين وعدد كبير جدا من أشرافهم.
فلما هداهم الله بالإسلام صاروا أحبة كالجسد الواحد، بل صاروا يؤثرون غيرهم على أنفسهم، إذ يقول {{واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها}} [آل عمران: 103] وقد ساق الإمام مسلم مجموعة من الأحاديث في مناقبهم وفضائلهم، سنعرض لها بالشرح، وساق الإمام البخاري مجموعة أخرى نضمها إلى مجموعة مسلم، لتكتمل صورة الفضائل، أو لنقدم طائفة أكبر منها. ثم نضيف أحاديث من كتاب فضائل الصحابة القسم الخاص بفضائل الأنصار كالزوائد لما جمعنا ثم نردف ذلك بفضائل الأنصار من كتب ابن تيمية:
1 – أخرج البخاري موقف الأنصار من المهاجرين، وأنهم نزلوا لهم عن نصف أموالهم، قال: لما قدم المسلمون المدينة آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين عبد الرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع، وكان كثير المال، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالا، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك، فسمها لي، فأطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، قال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك.
أين سوقكم؟ فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدو أي حتى صار من الأغنياء.
2 – وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا المهاجرين مثلها، قال: إما لا، فاصبروا حتى تلقوني وموعدكم الحوض، فإنكم ستلقون بعدي أثرة.
وراجع علل الدارقطني 2634 حيث رجح رواية من رواه عن يحيى بن سعيد عن أنس
3 – وكانت الأنصار يوم الخندق تقول:
نحن الذين بايعوا محمدا
على الجهاد ما حيينا أبدا
4 – وأخرج قصة رجل من الأنصار انطلق بضيف إلى امرأته، فقال لها: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، وجعلا يريان الضيف أنهما يأكلان في الظلام، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ضحك الله الليلة من فعالكما.
5 – وأخرج قصة توزيع غنائم حنين، وموقف الأنصار، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم: لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا – وفي رواية لو شئتم لقلتم، فصدقتم وصدقتم، أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فواسيناك.
قالوا: المنة علينا لله ورسوله، فقال: ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير، وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار، والناس دثار.
قالوا: يا رسول الله. قد رضينا.
وفي حديث أبي هريرة المحيا محياكم والممات مماتكم أخرجه مسلم
6 – وقال النبي صلى الله عليه وسلم: آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار.
7 – وقال صلى الله عليه وسلم: الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله. رضي الله عنهم أجمعين.
قال ابن تيمية: وذكر لهم سبحانه وتعالى في سورة براءة وغيرها من العلامات والصفات ما لا يتسع هذا الموضع لبسطه بل لو قال كنا نعرف المنافقين ببغض علي لكان متوجها كما أنهم يعرفون ببغض الأنصار بل وببغض أبي بكر وعمر وببغض هؤلاء فإن كل من أبغض ما يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم يحبه ويواليه وأنه كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم. ويواليه كان بغضه شعبه من شعب النفاق والدليل يطرد ولا ينعكس ولهذا كان أعظم الطوائف نفاقا المبغضين لأبي بكر لأنه لم يكن في الصحابة أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم منه ولا كان فيهم … (أحكام المرتد)
8. وفي حديث عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضر امرأة نزلت بين بيتين من الأنصار أو نزلت بين ابويها. أخرجه أحمد
9. وفي حديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه الأنصار أعفة صبر والناس تبع لقريش في هذا الأمر مؤمنهم تبع لمؤمنهم وفاجرهم تبع لفاجرهم. وفيه يزيد بن وديعة لكن له طرق وهو الحديث التالي
10. وقال لاسيد بن حضير وانتم معشر الأنصار فجزاكم الله خيرا فإنكم ما علمتكم أعفة صبر وسترون بعدي أثرة في الأمر والعيش فاصبروا حتى تلقوني على الحوض
صححه جامع فضائل الصحابة رسالة دراسات عليا بالشواهد
11. وعائشة قالت ما رأيت أطوع من نساء الأنصار لما أنزل الله الحجاب شققن مروطهن
12. وقالوا في السقيفة نعوذ بالله ان نتقدم على أبي بكر
13. وكان عمر يستشير الأنصار كما يستشير المهاجرين كما حصل في وباء الطاعون
14. وقالت الأنصار مرة في غزاة وأصاب الناس جوع ألا ننحر نواضحنا فنطعمها الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم من كان عنده فضل طعام فليجئ به فدعا بالبركة. …
ثم وقفنا على رسالة في فضائل الصحابة. فاضفنا منها هذه الأحاديث في فضائل الأنصار واقتصرت على ما صححه صاحب الرسالة دون ما ضعفه:
15 – عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحسنت الأنصار في قصة ذكرها أخرجه البخاري ومسلم
16 – عن خولة بنت قيس قالت جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقلت إنك تحدث أن لك حوضا قال: نعم وأحب من يرده قومك وصححه الألباني
17 – عن أنس جمع القرآن أربعة كلهم من الأنصار .. …… أخرجه البخاري
وفي رواية مطولة افتخر الحيان الأوس والخزرج فقالت الأوس: منا من اهتز له عرش الرحمن …….
18 – وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال جزاكم الله خيرا معشر الأنصار لا سيما آل عمرو بن حرام وسعد بن عبادة
19 – عن أنس أن المهاجرين قالوا: ذهبت الأنصار بالأجر كله فقال صلى الله عليه وسلم.: لا ما دعوتم لهم و أثنيتم عليهم
20 – وورد عن عدة من الصحابة أنهم اشترطوا الجنة يعني للنصرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذلكم لكم.
21 – وحديث من أخاف هذا الحي من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين وأشار إلى جنبيه. حسنه جامع فضائل الصحابة
22) عن أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام مر ببعض المدينة، فإذا هو بجوار بنات صغيرات يضربن بدفهن، ويتغنين، ويقلن: نحن جوار من بني النجار *** يا حبذا محمد من جار
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يعلم الله إني لأحبكن)). [رواه ابن ماجه: 1899، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 3154]. فكما تظهرن الحب لي أنا كذلك. فهذا يدل على مكانتهم في قلبه صلى الله عليه وسلم، ويحبهم،
23) دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالمغفرة والصلاح، وأن يكرمهم الله تعالى.
قال البخاري -رحمه الله- (ج7 ص118): حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا أبو إياس معاوية بن قرة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا عيش إلا عيش الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة».وعن قتادة، عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مثله، وقال: «فاغفر للأنصار».
حدثنا آدم، حدثنا شعبة، عن حميد الطويل، سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما حيينا أبدا.
فأجابهم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فأكرم الأنصار والمهاجرة.
24 – و قال صلى الله عليه وسلم. (قال: الناس يكثرون يعني المسلمون وسيقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام)
سيكثرون بدخول قبائل العرب في الإسلام، والفرس، والروم، والأعاجم، فتصبح الأنصار أقلية، هذا معنى.
المعنى الثاني: أن الأنصار فعلا سيقلون في التوالد، يعني لن يتسع نسلهم، ولن ينتشر ويكثر، كما انتشر وكثر نسل كثيرين وآخرين من العرب، وقد وقع كما أخبر.
حتى قال ابن حجر رحمه الله قال: “الموجودون الآن -هو يتكلم عن وقته- من ذرية علي بن أبي طالب ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه، قال: وقس على ذلك، ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم، يعني من الأوس والخزرج بغير برهان”. [فتح الباري: 7/ 122].
وقوله: حتى يكونوا كالملح في الطعام: يعني في القلة؛ لأن الملح، كم يكون من الطعام؟ قليل.
وفي الحديث: دلالة على عظم مكانة الأنصار رضي الله عنهم حيث كان من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه، وقبل موته بهذا.
طلب منا نحوهم: حبهم، وإكرامهم، والتجاوز عنهم رضي الله عنهم.
[وانظر: الإلحاد الخميني للوادعي، عقد فصلا في فضائل الصحابة رضي الله عنهم وأورد فيه النصوص].
—–
وهذه مقتطفات لفضائل الأنصار من كتب ابن تيمية:
25 – وذكر ابن تيمية في أحكام المرتد أنه لم يرتد المهاجرون والأنصار 3/ 54
26 – ذكر ابن تيمية في أحكام المرتد أن عمر أتي برجل يهجو الأنصار فقال: لولا أن له صحبة لكفيتكموه رواه ابوذر الهروي.
27 – وذكر ابن تيمية عن أبي عقبة وكان مولى من أهل فارس قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحدا فضربت رجلا من المشركين فقلت: خذها مني وأنا الغلام الفارسي. فالتفت إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلا قلت: خذها وأنا الغلام الأنصاري
حضه النبي صلى الله عليه وسلم. للانتساب للأنصار وإن كان بالولاء وكان إظهار هذه النسبة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. من الانتساب الى فارس بالصراحة وهي نسبة حق ليست محرمة ويشبه والله أعلم أن النفس تحامي عن الجهة التي تنتسب اليها. انتهى من اقتضاء الصراط
28 – نقل ابن تيمية في الاستقامة أن حسان بن ثابت قال في الأنصار:
لا فخر إن هم اصابوا من عدوهم.
وان اصيبوا فلا خور ولا هلع.
29 – قال ابن تيمية: والمهاجرون أيضا نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نصرت الأنصار لكن لما كان لهم اسم يخصهم وهو المهاجرون وهو أفضل الاسمين خص الأنصار بهذا الاسم والمهاجرون والأنصار أفضل ممن آمن بموسى ومن آمن بعيسى عند المسلمين. الجواب الصحيح.
30 – قال ابن تيمية: وكان للأنصار جيران من اليهود يخبرونهم عن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم دافع لايمانهم فآمنوا من غير رغبة ولا رهبة. الجواب الصحيح
31 – كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعثهم بعوث ففي صحيح البخاري عن البراء بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافع اليهودي رجالا من الأنصار وأمَّر عليهم عبدالله بن عتيك. …. الجواب الصحيح
32 – وفي غزوة الطائف ولى المسلمون فأمر العباس ينادي يا أصحاب الشجرة فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوه عطفة البقر على أولادها يا لبيك يا لبيك قال: فاقتتلوا والكفار والدعوة في الأنصار يقولون يا معشر الأنصار ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج. … الجواب الصحيح
33 – نقل ابن تيمية أن ابن عمر كان يتحرى في سفره النزول في مكان النبي صلى الله عليه وسلم فمن الناس من رخص في ذلك ومنهم من منع لأنه انفرد به ابن عمر. والخلفاء الراشدون والاكابر من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يكونوا يفعلون ذلك. الرد على الاخنائي
34 – قال ابن تيمية:
فالمنة على جميع المؤمنين عربهم وعجمهم سابقهم ولاحقهم. والرسول منهم لأنه إنسي مؤمن. وهو من العرب أخص لكونه عربيا جاء بلسانهم وهو من قريش أخص. والخصوص يوجب قيام الحجة لا يوجب الفضل إلا بالإيمان والتقوى لقوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. ولهذا كان الأنصار أفضل من الطلقاء من قريش وهم ليسوا من ربيعة ولا مضر بل من قحطان. وأكثر الناس على أنهم من ولد هود ليسوا من ولد إبراهيم. وقيل إنهم من ولد إسماعيل لحديث أسلم لما قال {ارموا فإن أباكم كان راميا} وأسلم من خزاعة وخزاعة من ولد إبراهيم. وفي هذا كلام ليس هذا موضعه إذ المقصود أن الأنصار أبعد نسبا من كل ربيعة ومضر مع كثرة هذه القبائل. ومع هذا هم أفضل من جمهور قريش إلا من السابقين الأولين من المهاجرين وفيهم قرشي وغير قرشي. ومجموع السابقين ألف وأربعمائة غير مهاجري الحبشة. … مجموع الفتاوى 16/ 191
35 – قال ابن تيمية:
وسئل شيخ الإسلام – رحمه الله -:
عن ” صحة أصول مذهب أهل المدينة ” ومنزلة مالك المنسوب إليه مذهبهم في الإمامة والديانة؛ وضبطه علوم الشريعة عند أئمة علماء الأمصار وأهل الثقة والخبرة من سائر الأعصار؟
فأجاب – رضي الله عنه -:
الحمد لله، مذهب أهل المدينة النبوية – دار السنة ودار الهجرة ودار النصرة إذ فيها سن الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم سنن الإسلام وشرائعه وإليها هاجر المهاجرون إلى الله ورسوله وبها كان الأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم – مذهبهم في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم أصح مذاهب أهل المدائن الإسلامية شرقا وغربا؛ في الأصول والفروع. وهذه الأعصار الثلاثة هي أعصار القرون الثلاثة المفضلة؛ التي …… مجموع الفتاوى 20/ 294.
36 – وكانوا يبادرون في مواطن الشجاعة فبرزوا للمبارزة لما طلب المشركون ذلك. منهاج السنة 8/ 95
37 – اختيار الأنصار لأبي بكر خليفة يدل على أنهم أبعد الناس عن الهوى. وإلا لو اتبعوا هواهم فاختيار علي أوفق لها. منهاج 7/ 457
38 – قال النبي صلى الله عليه وسلم إن أسلم وغفار ومزينة وجهينة وقريشا والأنصار ليس لهم مولى دون الله ورسوله. منهاج السنة 7/ 323
شرح الحديث وفقهه:
(فينا نزلت {{إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا}}) هذه الآية (122) من سورة آل عمران، والطائفتان هم بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وكانا جناحي العسكر يوم أحد، ومعنى {{تفشلا}} تجبنا، والفشل في الرأي العجز، وفي البدن الإعياء، وفي الحرب الجبن، وهمهم بالفشل كان بعد الخروج من المدينة، حين رجع عبد الله بن أبي بمن معه من المنافقين، إذ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بألف، فرجع عنه عبد الله بن أبي بثلاثمائة رجل، مغاضبا، بحجة أنه لم يؤخذ برأيه، حين أشار بالقعود في المدينة، والقتال فيها إن نهض إليهم العدو، وكان رأيه هذا قد وافق رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى ذلك أكثر الأنصار، لما رجع ابن أبي بثلث الجيش، حدث في نفس الطائفتين، وخطر ببالهم أن يرجعوا، فعصمهم الله، وذم بعضهم بعضا، ونهضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم.
{{والله وليهما}} أي حافظ قلوبهما عن تحقيق هذا الهم.
(بنو سلمة وبنو حارثة) بالرفع، خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: الطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة، وفي رواية نحن الطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة، وفي رواية للبخاري بني سلمة وبني حارثة بالجر على البدلية من الضمير في فينا أي في قومه، بني سلمة وفي أقاربهم بني حارثة.
والأوس والخزرج أمهما واحدة، تدعى قيلة، وأبوهم واحد، يدعى حارثة بن عمرو بن عامر، الذي تجتمع إليه أنساب الأزد، وسلمة بفتح السين وكسر اللام.
(وما نحب أنها لم تنزل، لقول الله تعالى {{والله وليهما}}) ونفي النفي إثبات، أي نحب أنها نزلت، ولا نكره، أن وصفنا بالهم بالفشل، أي إن الآية وإن كان ظاهرها غضا من الطائفتين، لكن في آخرها غاية الشرف لهما، إذ الولي هنا الناصر، ومن ينصره الله، ويدفع عنه ما وقع منه من الهم بالمعصية فهو من حزب الله وأوليائه، ولا يضره ما وقع له من وسوسة لم تستقر.
—
قوله (اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار) وفي الرواية الثالثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للأنصار، ولذراري الأنصار، ولموالي الأنصار وعند البخاري قالت الأنصار: يا رسول الله، لكل نبي أتباع، وإنا قد اتبعناك، فادع الله أن يجعل أتباعنا منا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل أتباعهم منهم قال العلماء: يدخل في أتباع الأنصار ذراريهم ومواليهم وحلفاؤهم.
والأنصار اسم إسلامي، سمى به النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج وحلفاءهم، وفي البخاري عن غيلان ابن جرير قلت لأنس: أرأيت اسم الأنصار.
كنتم تسمون به؟ أم سماكم الله؟ قال: بل سمانا الله وهم المقصودون بقوله تعالى {{والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا}}
—
قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيانا ونساء مقبلين من عرس) غلب الذكور على الإناث، فقال مقبلين.
قوله (فقام النبي صلى الله عليه وسلم ممثلا) بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر الثاء من أمثل الرباعي، ومعناه قائما منتصبا، والذي ذكره أهل اللغة: مثل الرجل، بفتح الميم وضم الثاء، ثلاثي، مثولا، إذا انتصب قائما، قال النووي: وبفتح الثاء مع ضم الميم الأولى وسكون الثانية.
كذا روي بالوجهين وهما مشهوران.
قال القاضي: جمهور الرواة بالفتح، قال: وصححه بعضهم، قال: ولبعضهم هنا وفي البخاري بالكسر، قال: وعند بعضهم مقبلا وللبخاري في كتاب النكاح ممتنا بضم الميم الأولى وسكون الثانية وفتح التاء بعدها نون، من المنة، أي متفضلا عليهم، قال: واختار بعضهم هذا، وضبطه بعض المتقنين ممتنا بضم الميم الأولى وسكون الثانية وكسر التاء وتخفيف النون، أي قياما طويلا، قال القاضي: والمختار ما قدمناه عن الجمهور.
قوله (اللهم. أنتم من أحب الناس إلي) اللهم منادى قصد به الدعاء، أي يا رب.
هؤلاء وقومهم من أحب الناس إلي، لما قدموه خدمة للإسلام، فأحبهم.
فيجوز مثل هذا الأسلوب للدعاء.
قوله (جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخلا بها) قال النووي: هذه المرأة إما محرم له، كأم سليم وأختها، وإما المراد من الخلوة خلوة صوت وكلام، بمعنى أنها سألته سؤالا بحضرة ناس، ولم تكن خلوة مطلقة، حتى تشمل الخلوة المنهي عنها.
اهـ.
وقال المهلب: لم يرد أنس أنه خلا بها، بحيث غاب عن أبصار من كان معه، وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها، ولا ما دار بينهما من الكلام، ولهذا سمع أنس آخر الكلام، فنقله، ولم ينقل ما دار بينهما، لأنه لم يسمعه.
وفي البخاري (جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعها صبي لها) وفي رواية له (معها أولادها) وفي رواية له (معها أولاد لها).
(وقال: والذي نفسي بيده، إنكم لأحب الناس إلي) الظاهر أن وقال … معطوف على محذوف، أي أجابها على سؤالها وقال … والظاهر أن سؤالها كان يستدعي تطييب قلبها، والخطاب في إنكم لها ولقومها الأنصار، وهو على طريق الإجمال، أي مجموعكم أحب إلي من مجموع غيركم، فلا يعارض حديث من أحب الناس إليك؟ قال: أبو بكر.
(ثلاث مرات) معمول لقال، وكررها للتأكيد، ولزيادة التطييب، وفي رواية للبخاري مرتين.
(إن الأنصار كرشي وعيبتي) الكرش بكسر الكاف وسكون الراء، وبفتح الكاف وكسر الراء، وهو بالأخير في الرواية، معدة الإنسان، وما هو بمنزلتها لكل مجتر، والعيبة بفتح العين، وعاء من خوص أو جلد، أو نحوهما، منه ما يعد لنقل الزرع والمحصول، ومنه ما يعد لحفظ المتاع النفيس، وهو المراد هنا، قال النووي: قال العلماء: معناه جماعتي وخاصتي الذين أثق بهم، وأعتمدهم في أموري، قال الخطابي: ضرب مثلا بالكرش، لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون به بقاؤه، وبالعيبة لأنهم أهل سره وخفي أحواله. اهـ، وقال بعضهم: الكرش أمر باطن، والعيبة أمر ظاهر، فكأنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنة والظاهرة.
قال في النهاية: “قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: ((كرشي وعيبتي)) أراد أنهم بطانته وموضع سره وأمانته، والذي يعتمد عليهم في أموره، واستعار الكرش والعيبة لذلك لأن المجتر يجمع علفه في كرشه، والرجل يضع ثيابه في عيبته وقيل: أراد بالكرش الجماعة أي جماعتي وصحابتي، يقال عليه كرش من الناس أي جماعة، والعرب تكنى عن القلوب والصدور بالعياب لأنها مستودع السرائر كما أن العياب مستودع الثياب”. [لنهاية لابن الأثير (3/ 327، 4/ 163 – 164)].
وفي القاموس: “والعيبة -أي بفتح العين المهملة وسكون التحتية وفتح الموحدة فهاء تأنيث-: زنبيل من أدم وما يجعل فيه الثياب، ومن الرجل موضع سره” انتهى. [القاموس (1/ 113) (عيب)].
وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك على المنبر في مرضه الذي مات فيه …… وفيه (فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) وفي رواية له (فحمد الله وأثنى عليه)، ثم قال: أما بعد.
أيها الناس. إن الناس يكثرون، وتقل الأنصار، حتى يكونوا كالملح في الطعام، فمن ولي منكم أمرا، يضر فيه أحدا، أو ينفعه، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم.
(وإن الناس سيكثرون، ويقلون) فيه عود الضميرين على مرجعين مختلفين، مذكور أحدهما، والمراد من الناس غير الأنصار، أي فإن غير الأنصار سيكثرون، فتدخل قبائل العرب والعجم في الإسلام، فيكونون أبدا مهما كثر تناسلهم قليلين بالنسبة إلى غيرهم.
(فاقبلوا من محسنهم، واعفوا عن مسيئهم) أي فاقبلوا من محسنهم إحسانه، واشكروه عليه، وجازوه الإحسان بالإحسان، واعفوا عن إساءة المسيء منهم، فلا تعاقبوه على إساءته، اللهم إلا إذا اقتضت الإساءة حدا من حدود الله.
===
===
===
قوله (خير دور الأنصار) أي خير قبائل الأنصار، وكانت كل قبيلة منهم تسكن محلة، فتسمى تلك المحلة دار بني فلان، ولهذا جاء في كثير من الروايات بنو فلان، من غير ذكر الدار.
وفي الرواية العاشرة أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو في مجلس عظيم من المسلمين.
(بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير) بنو النجار هم من الخزرج، والنجار هو تيم الله، وسمي بذلك لأنه ضرب رجلا، فنجره، فقيل له النجار، وهو ابن ثعلبة بن عمرو من الخزرج، وهم أخوال جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن والدة عبد المطلب منهم، وعليهم نزل صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، فلهم مزية على غيرهم.
(ثم بنو عبد الأشهل) وهم من الأوس، وهو عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج الأصفر، ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة، وهم رهط سعد بن معاذ.
بهذا الترتيب في الرواية السابعة والتاسعة، وبالتعبير بـ ثم أما في الرواية الثامنة وفي رواية للبخاري فبالترتيب نفسه، لكن بالواو، فاستنبط منه بعضهم أن الواو قد تأتي للترتيب، والحق أن الترتيب هنا يؤخذ من التقديم والتأخير، لا من الواو، ولا إشكال في هذه الرواية، لكن الإشكال في الرواية العاشرة، ولفظها بنو عبد الأشهل.
قالوا: ثم من يا رسول الله؟ قال: ثم بنو النجار وقد رجح العلماء الرواية السابعة والتاسعة على الرواية العاشرة بأن العاشرة اختلف على ابن أبي سلمة في إسناده، هل شيخه فيها أبو أسيد أو أبو هريرة، واختلف في متنه.
هل قدم عبد الأشهل على بني النجار؟ أو بالعكس.
قاله: الحافظ ابن حجر.
ثم بنو الحارث بن الخزرج أي الأكبر، أي ابن عمرو بن مالك بن الأوس بن حارثة.
ثم بنو ساعدة وهم الخزرج أيضا، وساعدة هو ابن كعب بن الخزرج الأكبر.
وفي كل دور الأنصار خير.
خير الأولى، التي في قوله خير دور الأنصار اسم تفضيل بمعنى أفضل، وخير الثانية، التي في قوله وفي كل دور الأنصار خير اسم، أي فضل، وتتفاوت مراتبه.
(فقال سعد) بن عبادة، كما صرح به في الرواية التاسعة، وهو من بني ساعدة.
أن سعدا رجع عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين ما في البخاري عن أبي حميد، وفي رواية عن أبي حميد أو أبي أسيد قال فأدرك سعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله.
خيرت دور الأنصار، فجعلتنا آخرا؟ فقال: أوليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار؟
قال الحافظ ابن حجر: ويمكن الجمع بأنه رجع حينئذ عن قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك خاصة، ثم إنه لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت آخر، ذكر له ذلك، أو الذي رجع عنه أنه كان قد أراد أن يورده مورد الإنكار، والذي صدر منه ورد مورد المعاتبة المتلطفة،
وأبو حميد وأبو أسيد كلاهما ساعدي من قبيلة سعد بن عبادة، لكنهما لم يغضبا غضبته، بل رويا الحديث على الرغم من أنه يؤخر قبيلتهم، بل يقول أبو أسيد: والله.
لو كنت مؤثرا بها أحدا لآثرت بها عشيرتي.
ويقول في الرواية التاسعة: أتهم أنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لو كنت كاذبا لبدأت بقومي، بني ساعدة.
ولعل سعدا يرى أنه رئيس وزعيم بني ساعدة، وعليه أولا تقع مسئولية الدفاع عنهم.
(عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي في سفر) سبق الكلام عن جرير في باب خاص من فضائله، قبل اثني عشر بابا، وهو يمني، وأنس أنصاري، من بني النجار.
(فكان يخدمني) حبا في الأنصار، وتقديرا لهم، لما لهم من فضائل في الإسلام. [انتظر: المنهاج للنووي، وفتح المنعم بتصرف]
ثانياً: يؤخذ من الحديث
1 – من الروايات جواز تفضيل القبائل والأشخاص، لكن بغير مجازفة ولا هوى، ولا يكون هذا من قبيل الغيبة المحرمة.
2 – أنه لا غضاضة من ذكر تقصير الإنسان في جانب الله، ما دام قد عفي عنه.
3 – وأن التقصير لا يمنع من ولاية الله للمقصر.
4 – وإكرام المحسن وتكريمه.
5 – وفيها فضيلة ظاهرة لقبيلتي بني سلمة وبني حارثة من الأنصار.
6 – أن صلاح الآباء ينفع الذرية والأتباع.
7 – إخبار من تحبه أنك تحبه.
8 – والقيام والاهتمام بمن تحب.
9 – جواز أن يخلو المسلم بالمرأة عن الناس، بحيث لا يسمع كلامهما، إذا كان مما يخافت به، كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بينهم، وقد سبق عند مسلم عن أنس أن امرأة كان في عقلها شيء، قالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقال: يا أم فلان، انظري أي السكك شئت، حتى أقضي لك حاجتك.
10 – وفيه سعة حلمه وتواضعه صلى الله عليه وسلم، وصبره على قضاء حوائج الصغير والكبير.
11 – وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرا لا يقدح في الدين، عند أمن الفتنة، قال الحافظ ابن حجر: يفضل البعد عن ذلك: ولكن الأمر كما قالت عائشة: وأيكم يملك أربه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك أربه.
12 – ومن قوله والذي نفسي بيده كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم؟.
13 – وجواز الحلف من غير استحلاف، وقال قوم: يكره، لقوله تعالى {{ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم}} [البقرة: 224] ويحمل ما ورد من ذلك على ما إذا كان في طاعة، أو دعت إليها حاجة، كتأكيد أمر أو تعظيم من يستحق التعظيم.
14 – وفيه أن حب الأنصار من الدين والإيمان.
15 – وفيه استطابة القلوب.
16 – تواضع رضي الله عنه وفضيلته.
17 – وإكرامه للنبي صلى الله عليه وسلم.
18 – وإحسانه إلى من ينتسب إلى من أحسن إليه صلى الله عليه وسلم.
19 – وفيه إكرام الأنصار، والله أعلم. [فتح المنعم].
======
======
ثالثًا: الأنصار والمدينة، والحديث سيكون في مدخلين:
المدخل الأول: المفاضلة بين جماعات الصحابة.
إن التفاضل بين الصحابة رضي الله عنهم من المسائل العقدية عند أهل السنة والجماعة، وقد دلت عليها الأدلة المعتبرة، وأن التفاضل واقع بين أفراد الصحابة، وبين جماعتهم.
والذي يعنينا هنا: المفاضلة بين جماعات الصحابة، والحديث سيكون باختصار في فرعين:
الفرع الأول: أوجه التفاضل بين الصحابة
لقد دل الكتاب والسنة على أوجه حكما بها في المفاضلة بين الصحابة، وجماع هذه الأوجه هو ما سلف من كل واحد منهم من أعمال البر والطاعات التي تتفاضل منزلتها عند الله.
فمن أوجه التفاضل بينهم: السبق إلى الإسلام فالسابق إلى الإسلام أفضل من المسبوق، أفاده قوله سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: 100].
ومن أوجه التفاضل بينهم: الإنفاق والجهاد قبل الفتح فمن أنفق من قبل الفتح وقاتل أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، أفادته آية (سورة الحديد).
ومن أوجه التفاضل بينهم: شهود بدر كما أفاده قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعل الله أن يكون اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).
ومن أوجه التفاضل بينهم: شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة فمن شهد له بها أفضل.
ومن أوجه التفاضل: شهود بيعة الرضوان فمن شهدها أفضل.
ومن أوجه التفاضل: بينهم تخصيص الرسول صلى الله عليه وسلم أحدهم بمنقبة.
وغير ذلك من وجوه التفاضل بينهم رضوان الله عليهم، و … كون المفضول قد يختص بفضيلة لا توجد في الفاضل إلا أن ذلك لا يقتضي تفضيله بها مطلقاً، فعثمان بن عفان رضي الله عنه لم يحضر بدرا، ولكنه أفضل بعد أبي بكر وعمر من جميع الصحابة من حضر بدراً ومن لم يحضر.
الفرع الثاني: المفاضلة بين جماعات الصحابةلقد دل كتاب الله على تفاضل جماعات الصحابة، فالله عز وجل فضل الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، والمقصود بالفتح صلح الحديبية. قال سبحانه: لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد: 10].
وفضل الله السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على من دونهم، فقال سبحانه: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: 100]. وهذا نص على تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كما يقول القرطبي. وقد اختلف في تعيين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على أقوال:
أحدها: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين.
الثاني: أنهم أهل بيعة الرضوان.
الثالث: أنهم أهل بدر.
الرابع: أنهم جميع الصحابة بلا استثناء وأن الذين اتبعوهم بإحسان هم تابعوهم من غير الصحابة.
هذه الأقوال المنقولة عن السلف من الصحابة والتابعين، وزاد المتأخرون قولين:
أحدهما: أنهم السابقون بالموت والشهادة، قال ابن الجوزي: (ذكره الماوردي).
الثاني: أنهم الذين أسلموا قبل الهجرة، قال ابن الجوزي: (ذكره القاضي أبو يعلى).
قال القرطبي: (واتفقوا على أن من هاجر قبل تحويل القبلة فهو من المهاجرين الأولين من غير خلاف بينهم). والذي أرى في اللفظ دلالة عليه أن المراد بالسابقين الأولين الذين سبقوا إلى الإسلام والهجرة والنصرة, وابتدروا ذلك قبل تمكن الإسلام وتتابع الناس عليه، ولا شك أن أول من يدخل في هؤلاء أوائل من أسلم من المهاجرين كالخلفاء الأربعة ومن الأنصار الذين أسلموا ليلتي العقبة. ولعل جميع من أسلم حتى غزوة الحديبية من السابقين الأولين. ذلك أن صلح الحديبية كان فتحاً للمسلمين، فقد نزل قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا [الفتح: 1]. في منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية. ولم يكن الصحابة يعدون الفتح إلا الحديبية كما قال البراء رضي الله عنه: (تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية). فكان يوم الحديبية فتحاً للإسلام والمسلمين تتابع الناس بعده على الإسلام لما ترتب على الصلح من وقوع الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد وعمرو وغيرهما، ولعله مما يقوي هذا الرأي تفسير جمع من أهل العلم الفتح بالحديبية في قوله: لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا فيستأنس بهذا التفضيل في الآية على أنه للسابقين الأولين، وتفسير العلماء للفتح بالحديبية على أن السابقين هم من أسلم قبل الحديبية. والله أعلم.
ودل كتاب الله على تفضيل المهاجرين على الأنصار فقد قدم الله ذكرهم على ذكر الأنصار في كتابه، قال سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 74]. فقدم ذكر الذين هاجروا على الذين آووا ونصروا.
وقال سبحانه: لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة: 117]. فبدأ بذكر المهاجرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم بذكر الأنصار، وقال سبحانه: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 8 – 9]. فبدأ بذكر المهاجرين ثم الأنصار، وأفرد سبحانه ذكر المهاجرين في مواضع من كتابه كقوله: فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ [آل عمران: 195]. وقال سبحانه: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [التوبة: 20].
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل: 41 – 42].
قال ابن تيمية رحمه الله في بيان أصول أهل السنة: (ويفضلون من أنفق من قبل الفتح – وهو صلح الحديبية – وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار).
وفي عقيدة الإمام أحمد أنه كان يقول: (أفضل الصحابة أهل بيعة الرضوان وخيرهم وأفضلهم أهل بدر، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وأعيانهم الأربعون أهل الدار، وخيرهم عشرة شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو عنهم راض, وأعيانهم أهل الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمسلمين, وأفضلهم الخلفاء الأربعة).
وقد صنف العلماء الصحابة في طبقات اختلفوا في عددها، قال السيوطي في (شرح التقريب) (واختلف في عدد طبقاتهم – (يعني الصحابة) – باعتبار السبق إلى الإسلام, أو الهجرة, أو شهود المشاهد الفاضلة، فجعلهم ابن سعد خمس طبقات, وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة).
قال أحمد شاكر رحمه الله: (وزاد بعضهم أكثر من ذلك، والمشهور ما ذهب إليه الحاكم).
والمراتب التي جعلها الحاكم للصحابة هي:
قوم أسلموا بمكة.
أصحاب دار الندوة.
المهاجرة إلى الحبشة.
أصحاب بيعة العقبة الأولى.
أصحاب بيعة العقبة الثانية.
أول المهاجرين الذين وصلوا والنبي في قباء قبل أن يدخلوا المدينة ويبنى المسجد.
أهل بدر.
المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية.
أهل بيعة الرضوان.
المهاجرة بين الحديبية والفتح.
الذين أسلموا يوم الفتح.
صبيان وأطفال رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها وعدادهم في الصحابة.
ولعل المراتب السبع الأولى هي مراتب السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والله أعلم.
أما الطبقات الخمس التي جعلها ابن سعد في كتابه للصحابة فالأمر فيها ما قاله أحمد شاكر: (لو كان المطبوع كاملا لاستخرجناها منه وذكرناها). وأظن أن الطبقات التي جعلها ابن سعد هي الطبقات التي صنف عليها ابن الجوزي في كتابه (صفة الصفوة) من ترجم له من الصحابة، فإنه قال: (بدأت بذكر العشرة ثم ذكرت من بعدهم على ترتيب طبقاتهم)، والطبقات التي ذكرها خمس هي:
الطبقة الأولى على السابقة في الإسلام ممن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار، وحلفائهم ومواليهم.
من لم يشهد بدراً من المهاجرين والأنصار وله إسلام قديم.
من شهد الخندق وما بعده.
من أسلم عند الفتح وفيما بعد ذلك.
الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحداث الأسنان.
وفي المطبوع من (طبقات ابن سعد) ذكر الطبقتين الأوليين على نفس الوصف الذي ذكره ابن الجوزي تماماً. والعلماء وإن أرادوا بهذا التقسيم معرفة الصحابة لا ذكر التفاضل إلا أنهم قد اعتبروا وجوه الفضل والتفاضل في التقسيم، والله أعلم.
القسم الثاني: في ترتيب التفاضل بين جماعات الصحابة – رضي الله عنهم:
وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: مذهب أهل السنة:
ويرى أن أفضل جماعات الصحابة رضي الله عنهم: الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون بعدهم إلى تمام العشرة المبشرين بالجنة.
ثم البدريون ثم أصحاب أحد ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية.
وممن ذكر ذلك أبو منصور البغدادي حيث قال في (أصول الدين):
(أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم: الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون بعدهم إلى تمام العشرة وهم: طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم.
ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية).
كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره.
جاء في عقيدة الإمام أحمد وعلي بن المديني اللتين رواهما اللالكائي بسنده عنهما أنه يلي الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان في الفضل بقية أصحاب الشورى الخمسة: علي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، وهما لا يقدمان على علي أحداً بعد الثلاثة بل قالا هذا موافقة لحديث ابن عمر كما تقدم بيانه.
قال ابن تيمية رحمه الله: (ما في أهل السنة من يقول: إن طلحة والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف أفضل منه (يعني من علي) – بل غاية ما يقولون السكوت عن التفضيل بين أهل الشورى وهؤلاء أهل الشورى عندهم أفضل السابقين الأولين والسابقون الأولون أفضل من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا)، والحاصل أن بقية أصحاب الشورى الذين جعل عمر رضي الله عنه فيهم الأمر من بعده يختارون أحدهم أفضل الصحابة بعد علي رضي الله عنه عند أهل السنة والجماعة، وقال الإمام أحمد: (ثم من بعد أصحاب الشورى: أهل بدر من المهاجرين ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر الهجرة والسابقة أولاً فأول). وقد نقل جماعة من أهل العلم أن أفضل الصحابة بعد الأربعة بقية العشرة المبشرين بالجنة وهم أصحاب الشورى المذكورون, وسعيد بن زيد, بن عمرو بن نفيل, وأبو عبيدة بن الجراح. ثم من بعد العشرة أهل بدر الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: ((لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)). وفي لفظ: ((فقد وجبت لكم الجنة)). وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين – أو كلمة نحوها – قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة)). ثم أهل أحد ثم أهل بيعة الرضوان الذين قال الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 10]. وقال فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18].
وقال فيهم صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل النار، إن شاء الله، من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها)).
وقد كانوا أكثر من ألف وأربعمائة صحابي كما في الصحيح.
ذكر هذا الترتيب في الفضل بعد العشرة النووي. وابن الصلاح، وابن كثير. وذكر السفاريني تقديم أهل بيعة الرضوان على أهل أحد بعد أهل بدر وقال: (هو الأصح)، وقال: (لأن الله تعالى قال في أهل بيعة الرضوان: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18]. وقال في أهل غزوة أحد: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ [آل عمران: 155]. وفي الآية الأخرى: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ [آل عمران: 152]. فوصفهم في الموضعين بالعفو, ووصف أهل البيعة بالرضى, وهو أعلى وأسنى وأفضل من العفو) قال: (وهذا ظاهر والله تعالى أعلم).
قال بعض العلماء: أن أهل أحد مقدمون على أهل بيعة الرضوان، ومن المعلوم أن من الصحابة من كان من أهل بدر ومن العشرة ومن أهل بيعة الرضوان ومن أهل أحد يعني بعض الصحابة اجتمعت لهم الأوصاف الأربعة وبعضهم لا، إذا قلنا: إن أهل أحد مقدمون على أهل بيعة الرضوان، أيهم أكثر؟
أهل بيعة الرضوان لأن أهل بيعة الرضوان ألف وأربعمائة وأهل أحد نحو سبعمائة نفر لكن أصابهم من البلاء والتمحيص والقتل ما لم يكن في بيعة الرضوان، لهذا رجَّح بعض العلماء أهل أحد على أهل بيعة الرضوان، ولكن الذي يظهر القول الأول: أن أهل بيعة الرضوان أفضل.
[انظر: الموسوعة العقدية، وقد ذكروا المصادر].
=====
=====
المدخل الثاني: بدء إسلام الأنصار رضي الله عنهم
قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية): ” باب بدء إسلام الأنصار رضي الله عنهم
قال ابن إسحاق: فلما أراد الله إظهار دينه وإعزاز نبيه، وإنجاز موعده له، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار، فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كل موسم، فبينا هو عند العقبة لقي رهطاً من الخزرج أراد الله بهم خيراً.
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن أشياخ من قومه قالوا: لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: ((من أنتم؟))
قالوا: نفر من الخزرج.
قال: ((أمن موالي يهود؟))
قالوا: نعم! قال: ((أفلا تجلسون أكلمكم؟))
قالوا: بلى.
فجلسوا معه فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن.
قال: وكان مما صنع الله بهم في الإسلام أن يهود كانوا معهم في بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا قد غزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا: إن نبياً مبعوث الآن قد أظل زمانه نتبعه نقتلكم معه قتل عاد وإرم. (ج/ص: 3/ 182)
فلما كلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ودعاهم إلى الله.
قال بعضهم لبعض: يا قوم تعلمون والله إنه النبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: إنا قد تركنا قومنا ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، وعسى أن يجمعهم الله بك فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك.
ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم قد آمنوا وصدقوا.
قال ابن إسحاق: وهم فيما ذكر لي ستة نفر كلهم من الخزرج وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار.
قال أبو نعيم: وقد قيل: إنه أول من أسلم من الأنصار من الخزرج.
ومن الأوس: أبو الهيثم بن التيهان.
وقيل: إن أول من أسلم: رافع بن مالك، ومعاذ بن عفراء والله أعلم.
وعوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار – وهو ابن عفراء – النجاريان، ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الزرقي، وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج السلمي.
ثم من بني سواد، وعقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام بن كعب بن سلمة السلمي أيضاً، ثم من بني حرام، وجابر بن عبد الله بن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة السلمي أيضاً، ثم من بني عبيد رضي الله عنهم.
وهكذا روي عن الشعبي والزهري وغيرهما: أنهم كانوا ليلتئذٍ ستة نفر من الخزرج.
وذكر موسى بن عقبة فيما رواه عن الزهري، وعروة بن الزبير: أن أول اجتماعه عليه السلام بهم كانوا ثمانية وهم: معاذ بن عفراء، وأسعد بن زرارة، ورافع بن مالك، وذكوان – وهو ابن عبد قيس -، وعبادة بن الصامت، وأبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة، وأبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة.
فأسلموا وواعدوه إلى قابل. (ج/ص: 3/ 183)
فرجعوا إلى قومهم فدعوهم إلى الإسلام، وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن عفراء ورافع بن مالك: أن ابعث إلينا رجلاً يفقهنا.
فبعث إليهم مصعب بن عمير فنزل على أسعد بن زرارة وذكر تمام القصة كما سيوردها ابن إسحاق أتم من سياق موسى بن عقبة. والله أعلم “. انتهى من النهاية.
الاتصال بالأنصار ودعوتهم ذكر جابر بن عبد الله الأنصاري: “مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة وفي المواسم بمنى يقول: من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟ حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر – كذا قال – فيأتيه قومه فيقولون: أحذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام”.
[مسند أحمد 3/ 322 – 323، 339 – 340 بإسناد حسن كما يقول الحافظ ابن حجر (فتح الباري 7/ 212). مستدرك الحاكم 2/ 624 – 625 وصححه وأقره الذهبي والسيرة النبوية لابن كثير 2/ 196 وقال: “هذا إسناد جيد على شرط مسلم ولم يخرجوه”].
وكانت الاتصالات الأولى بالأنصار في مواسم الحج والعمرة [الحاشية: أما قصة إسلام رفاعة بن رافع الزرقي ومعاذ بن عفراء بمكة قبل قدوم الستة من الأنصار فإسنادها فيه يحيى بن محمد الشجري ضعيف وكان ضريراً يتلقن (مستدرك الحاكم 4/ 149.
وللسيوطي: الخصائص الكبرى 1/ 300)]
فقد “قدم سويد بن الصامت الأنصاري مكة حاجاً أو معتمراً، فتصدَّى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به فدعاه إلى الإسلام فقال له سويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي؟
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما الذي معك؟
قال: مجلة لقمان – يعني حكمة لقمان.
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعرضها علىّ، فعرضها عليه. فقال له: إنَّ هذا الكلام حسن، والذي معي أفضل من هذا؛ قرآن أنزله الله تعالى علي، وهو هدى ونور، فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، ودعاه إلى الإسلام. فلم يبعد منه وقال: إن هذا القول حسن. ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتله الخزرج، فإن كان رجال من قومه ليقولون: إنا لنراه قد قتل وهو مسلم وكان قتله يوم بعاث” [سيرة ابن هشام 2/ 34 بإسناد حسن من رواية عاصم بن عمر بن قتادة ثقة (ت 120 هـ) يرويه عن أشياخ من قومه الأنصار]. وعلى أية حال فلا توجد دلائل على قيام سويد ابن الصامت بالدعوة إلى الإسلام وسط قومه.
وقبل يوم بعاث بيسير – وهو اليوم الذي جرت فيه وقعة بين الأوس والخزرج انتصر فيها الأوس بعد قتل الكثير من الطرفين وفيهم من أكابرهم، وذلك قبل الهجرة بخمس سنين -. [فتح الباري 7/ 111 أرخ ابن سعد الوقعة بثلاث سنين قبل الهجرة (الطبقات 1/ 219)]
سعى الأوس لمحالفة قريش على الخزرج الذين كانوا أكثر منهم عدداً، فقدم أبو الحيسر أنس بن رافع في وفد من بني عبد الأشهل لهذا الغرض، فسمع بهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فجاءهم ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن. فقال أحدهم وهو إياس بن معاذ – وكان غلاماً حدثاً -: “أي قوم! هذا والله خير مما جئتم له. فانتهره أبو الحيسر فصمت، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، ورجعوا إلى المدينة، وجرت الحرب بين الأوس والخزرج يوم بعاث، ثم مات إياس بن معاذ، وكان قومه يسمعونه يهلل الله تعالى ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكون أنه قد مات مسلمًا، فقد استشعر الإسلام في لقائه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس. [سيرة ابن هشام 2/ 63، 37 بإسناد حسن، وقال ابن حجر إنه من صحيح حديث ابن إسحاق (الإصابة 1/ 146) ومسند أحمد 5/ 427 من طريق ابن إسحاق أيضاً].
وإذا كان الرجلان من الأوس اللذان استشعرا الإسلام لم تذكر المصادر قيامهما بالدعوة في وسط قومهما، فإن البداية المثمرة للاتصال بالأنصار كانت مع وفد من الخزرج في موسم الحج عند عقبة منى.
قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنتم؟
قالوا: نفر من الخزرج.
قال: أمن موالي يهود؟
قالوا: نعم
قال: أفلا تجلسون أكلمكم؟
قالوا: بلى. فجلسوا معه، فدعاهم إلى الله عز وجل وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن .. .
[سيرة ابن هشام 2/ 37 – 39 بإسناد حسن.
ولم تذكر المصادر وقوع البيعة منهم، ومع ذلك فقد عدَّها بيعة من ذكر وقوع ثلاث بيعات عند عقبة منى وهم ابن عبد البر (الدرر67) وابن سيد الناس (عيون الأثر 1/ 156) والصالحي (3/ 267). أما ابن إسحاق وابن سعد والطبري فلم يعدوها بيعة].
وذكر ابن إسحاق إسلامهم وقيامهم بالدعوة في المدينة [المصدر السابق بدون إسناد]- ولعل استشعار الأنصار لحاجتهم إلى عقيدة تربط بينهم بعد التمزق والعداوة التي خلفتها وقعة بعاث قبل سنتين فقط من هذا اللقاء، لعل ذلك كان سبباً هيأه الله تعالى لإسلامهم، و- كذلك فإن مقتل رؤسائهم في بعاث خفف من التزاحم على الزعامة والأنفة من الدخول في الإسلام خوف فقدان السلطان والزعامة، – وكذلك فإن الأنصار كانوا يجاورون يهود -وهم أهل كتاب-، فكانوا يعرفون قضايا الوحي والنبوة والبعث والجنة والنار فلا شك أن أذهانهم كانت مهيئة لفهم الإسلام أكثر من سواهم.
[بيعة العقبة الأولى]:
وقد جرت بيعة العقبة الأولى في العام التالي على لقاء وفد الخزرج، حيث حضر اثنا عشر رجلاً؛ عشرة من الخزرج واثنان من الأوس، مما يشير إلى أن نشاط وفد الخزرج الذين أسلموا في العام الماضي تركز على وسطهم القبلي بالدرجة الأولى لكنهم تمكنوا بنفس الوقت من اجتذاب رجال من الأوس، وكان ذلك بداية ائتلاف القبيلتين تحت راية الإسلام.
إن مصدر المعلومات الصحيحة الرئيسي عن بيعة العقبة الأولى هو عبادة بن الصامت الخزرجي – وهو شاهد عيان مشارك بالبيعة – وقد جاءت روايته في الصحيحين: وسيرة ابن إسحاق، لكنها عند ابن إسحاق أوضح وأكمل ونصها كما يلي.
قال عبادة بن الصامت: “كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثنى عشر رجلاً، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء – وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب: على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفترته من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء غفر وإن شاء عذب”. [سيرة ابن هشام 2/ 41، 42 بإسناد صحيح لغيره فإن حديث عبادة بن الصامت في صحيح البخاري قريب من سياق ابن إسحاق (فتح الباري 1/ 66 وصحيح مسلم 3/ 1333].
والمقصود أنهم بايعوا على وفق بيعة النساء التي نزلت بها الآية {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} الممتحنة 12، بعد صلح الحديبية. حيث لم يرد في بيعة العقبة الأولى ذكر القتال.
ومعنى ذلك أن عبادة حدث بهذا النص بعد نزول الآية فشبه بيعة العقبة الأولى ببيعة النساء. ويلاحظ أن نص البيعة يكل معاقبة الجرائم إلى الله تعالى في الآخرة لعدم تشريع الحدود الإسلامية مما يؤكد قدم النص وأنه يخص بيعة العقبة الأولى.
ولما انجزت بيعة العقبة الأولى، وعاد الأنصار إلى المدينة بعث رسول الله معهم مصعب بن عمير، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام ويفقههم في الدين. فقام بمهمته خير قيام وانتشر على يديه الإسلام، ورجع إلى مكة قبل بيعة العقبة الثانية. [سيرة ابن هشام 1/ 438].
قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية):
قال ابن إسحاق: فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثني عشر رجلاً.
وهم: أبو أمامة أسعد بن زرارة المتقدم ذكره، وعوف بن الحارث المتقدم، وأخوه معاذ – وهما ابنا عفراء -، ورافع بن مالك المتقدم أيضاً، وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق الزرقي.
قال ابن هشام: وهو أنصاري مهاجري.
وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج، وحليفهم أبو عبد الرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم البلوي، والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن يزيد بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج العجلاني، وعقبة بن عامر بن نابي المتقدم، وقطبة بن عامر بن حديدة المتقدم، فهؤلاء عشرة من الخزرج.
ومن الأوس: اثنان، وهما: عويم بن ساعدة، وأبو الهيثم مالك بن التيهان.
قال ابن هشام: التيهان يخفف ويثقل كميت وميت.
قال السهيلي: أبو الهيثم بن التيهان: اسمه مالك بن مالك بن عتيك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعون بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس.
قال: وقيل: إنه أراشي.
وقيل: بلوي.
وهذا لم ينسبه ابن إسحاق ولا ابن هشام.
قال: والهيثم فرخ العقاب، وضرب من النبات، والمقصود: أن هؤلاء الاثني عشر رجلاً شهدوا الموسم عامئذٍ وعزموا على الاجتماع برسول الله صلى الله عليه وسلم فلقوه بالعقبة فبايعوه عندها بيعة النساء، وهي: العقبة الأولى. (ج/ص: 3/ 184) “. انتهى من النهاية.
[بنود بيعة العقبة الأولى] فإذا حكا لنا عبادة بن الصامت قصة البيعة، وكان من الذين شاركوا في هذه البيعة الهامة في تاريخ الإسلام، يقول عبادة: كنت فيمن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلاً، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، عرفت بذلك لأنها لم يشترط فيها جهاداً ولا حرباً.
وكانت بنود البيعة كالتالي: البند الأول: على أن لا نشرك بالله. البند الثاني: ولا نسرق. البند الثالث: ولا نزني. البند الرابع: ولا نقتل أولادنا. البند الخامس: ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا. البند السادس: ولا نعصيه في معروف.
هذه هي الشروط التي على الصحابة.
والجزاء: (فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم من ذلك شيئاً فأمركم إلى الله عز وجل، إن شاء عذبكم وإن شاء غفر لكم).
وجاء في (الرحيق المختوم): ” قد ذكرنا أن ستة نفر من أهل يثرب أسلموا في موسم الحج سنة 11 من النبوة، ووعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبلاغ رسالته في قومهم.
وكان من جراء ذلك أن جاء في الموسم التالي ـ موسم الحج سنة 12 من النبوة، يوليو سنة 621م ـ اثنا عشر رجلًا، فيهم خمسة من الستة الذين كانوا قد التقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في العام السابق ـ والسادس الذي لم يحضر هو جابر بن عبد الله بن رِئاب ـ وسبعة سواهم، وهم:
1 ـ معاذ بن الحارث، ابن عفراء من بني النجار [من الخزرج]
2 ـ ذَكْوَان بن عبد القيس من بني زُرَيْق. [من الخزرج]
3 ـ عبادة بن الصامت من بني غَنْم [من الخزرج]
4 ـ يزيد بن ثعلبة من حلفاء بني غنم [من الخزرج]
5 ـ العباس بن عُبَادة بن نَضْلَة من بني سالم [من الخزرج]
6 ـ أبو الهَيْثَم بن التَّيَّهَان من بني عبد الأشهل [من الأوس].
7 ـ عُوَيْم بن ساعدة من بني عمرو بن عَوْف [من الأوس].
الأخيران من الأوس، والبقية كلهم من الخزرج.
التقى هؤلاء برسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة بمنى فبايعوه بيعة النساء، أي وفق بيعتهن التي نزلت بعد الحديبية.
روى البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفي منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا، فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله، فأمره إلى الله؛ إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه). قال: فبايعته ـ وفي نسخة: فبايعناه ـ على ذلك.
سفير الإسلام في المدينة:
وبعد أن تمت البيعة وانتهى الموسم بعث النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء المبايعين مُصْعَب بن عُمَيْر العبدرى رضي الله عنه. “.انتهى.
====
====
====
[بيعة العقبة الثانية]
ولما انتشر الإسلام في المدينة، واطمأن المسلمون المهاجرون بين إخوانهم الأنصار، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة يلاقي عنت قريش وأذاها الذي كان يشتد على مر الأيام، قدم وفد من الأنصار في موسم الحج فبايعوا بيعة العقبة الثانية.
قال جابر بن عبد الله الأنصاري: “فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف، فرحل إليه منا سبعون رجلاً حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله نبايعك.
قال: تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة.
قال: فقمنا إليه فبايعناه. وأخذ بيده أسعد من زرارة – وهو من أصغرهم – فقال: رويدا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف. فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله.
قالوا: أمط عنا يا أسعد، فو الله لا ندع هذه البيعة أبداً ولا نسلبها.
قال: فقمنا إليه فبايعناه، فأخذ علينا وشرط، ويعطينا على ذلك الجنة.
“وقد نظر العباس في وجوه وفد الأنصار ثم قال: هؤلاء قوم لا أعرفهم، هؤلاء أحداث. مما يدل على غلبة الشباب على الوفد. [مسند أحمد 3/ 322 – 323، 339 – 340 بإسناد حسن ومستدرك الحاكم 2/ 624 – 625 وصححه وأقره الذهبي. والسيرة النبوية لابن كثير 2/ 196 وصححه على شرط مسلم ويرى ابن حجر أن فيه علة تدليس أبي الزبير وقد عنعن. ويقول: فعل تصحيحه أو تحسينه بالنظر لشواهده (فتح الباري 7/ 222 – 223].
وهكذا بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة والنصرة والحرب لذلك سماها عبادة بن الصامت بيعة الحرب. [سيرة ابن هشام 2 – 63 ومسند أحمد 5/ 316 بإسناد صحيح لغيره].
وتقِّدم رواية الصحابي كعب بن مالك الأنصاري- وهو أحد المبايعين في العقبة الثانية – تفاصيل مهمة؛ قال: “خرجنا في حجاج قومنا من المشركين، وقد صلينا وفقهنا … ثم خرجنا إلى الحج، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة من أوسط أيام التشريق … وكنا نكتم من معنا من المشركين أمرنا … فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعين رجلاً، ومعنا امرأتان من نسائنا: نسيبة بنت كعب .. ، وأسماء بنت عمرو … فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس ابن عبد المطلب – وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له – فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبد المطلب “فبين أن الرسول في منعة من قومه بني هاشم ولكنه يريد الهجرة إلى المدينة، ولذلك فإن العباس يريد التأكد من حماية الأنصار له وإلا فليدعوه. فطلب الأنصار أن يتكلم رسول الله فيأخذ لنفسه ولربه ما يحب من الشروط.
“فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، دعا إلى الله ورغَّب في الإسلام، ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.
فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق، لنمنعنَّك مما نمنع منه أُزرنا فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أهل الحرب، وأهل الحلقة، ورثناها كابراً عن كابر” فقاطعه أبو الهيثم بن التيهان متسائلاً: “يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالاً وإنا قاطعوها (يعني اليهود) فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: بل الدم بالدم والهدم بالهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم”.
ثم قال: أَخْرِجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم. فأخرجوا منهم اثني عشر نقيباً، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس”
وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم منهم الانصراف إلى رحالهم، وقد سمعوا الشيطان يصرخ منذراً قريشاً، فقال العباس بن عبادة بن نضلة: والله الذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلنَّ على أهل منى غداً بأسيافنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم”.
رجعوا إلى رحالهم، وفي الصباح جاءهم جمع من كبار قريش، يسألونهم عما بلغهم من بيعتهم للنبي ودعوتهم له للهجرة، فحلف المشركون من الخزرج والأوس بأنهم لم يفعلوا والمسلمون ينظرون إلى بعضهم! [سيرة ابن هشام 1/ 439 – 443، 447 – 448 بإسناد حسن، وقد صححه ابن حبان كما في فتح الباري 7/ 221.
وأخرجه أحمد في مسنده 3/ 460 من طريق ابن إسحق أيضاً وفي فضائل الصحابة 2/ 923 مختصراً.
ووقع في سند ابن إسحاق مرة ذكر الزهري واسطةً لتحميله عن معبد بن كعب، وهو وهم سلك فيه الراوي الجادة (سيرة ابن هشام تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد 2/ 47 ووقع في ط.
السقا بالاستناد إلى أصلين دون ذكر الزهري (سيرة ابن هشام 1/ 447) وكذلك في فتح الباري 7/ 221، وابن إسحاق يروي مباشرة عن معبد بن كعب ولا يحتاج إلى واسطة].
وهكذا مرت البيعة بسلام وعاد الأنصار إلى المدينة.
ينتظرون هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم بتلهف كبير. [انظر: كتاب السيرة النبوية الصحيحة للعمري، بتصرف]
=====
=====
=====
رابعا: هل صحيح أن يثرب كان اسما للمدينة ثم نهي عن استعماله؟ أولا:
” يثرب ” كان اسماً للمدينة النبوية في الجاهلية. فعَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ) رواه البخاري (3622)، ومسلم (2272).
قال النووي رحمه الله تعالى:
” وأما ” يثرب ” فهو اسمها في الجاهلية، فسماها الله تعالى المدينة، وسماها رسول الله طيبة وطابة ” انتهى من ” شرح صحيح مسلم ” (15/ 31).
فبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم صارت تسمى المدينة.
ومن ذلك قول الله تعالى: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ) التوبة /120.
وسميت طيبة وطابة.
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (إِنَّ اللهَ تَعَالَى سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةَ) رواه مسلم (1385).
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهَا طَيْبَةُ – يَعْنِي الْمَدِينَةَ -، وَإِنَّهَا تَنْفِي الْخَبَثَ، كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ) رواه البخاري (4589)، ورواه مسلم (1384) واللفظ له.
ثانيا:
ينبغي للمسلم أن يسمي المدينة بهذا الاسم (المدينة، أو طيبة، أوطابة) فهي الأسماء الشرعية لها.
وقد ورد في السنة ما يشير إلى النهي عن تسميتها بـ ” يثرب “.
عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَاكُلُ القُرَى، يَقُولُونَ يَثْرِبُ، وَهِيَ المَدِينَةُ) رواه البخاري (1871)، ومسلم (1382).
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
” وفي هذا الحديث دليل على كراهية تسمية المدينة بيثرب على ما كانت تسمى في الجاهلية ” انتهى من ” التمهيد ” (23/ 171).
قال القرطبي رحمه الله تعالى:
” (يقولون: يثرب، وهي المدينة)؛ أي: تسميها الناس: يثرب، والذي ينبغي أن تُسمَّى به: المدينة. فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك الاسم، على عادته في كراهة الأسماء غير المستحسنة، وتبديلها بالمستحب منها؛ وذلك: أن يثرب لفظ مأخود من الثرب، وهو الفساد، والتثريب: وهو المؤاخذة بالذنب. وكل ذلك من قبيل ما يكره، وقد فهم العلماء من هذا: منع أن يقال: يثرب. حتى قال عيسى بن دينار: مَن سمَّاها يثرب كُتِبت عليه خطيئة. فأما قوله تعالى: (يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا) الأحزاب (13)، هو حكاية عن قول المنافقين، وقيل: سُميت: يثرب بأرض هناك، المدينة ناحية منها. وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم: طيبة، وطابة، من الطيب ” انتهى. [“المفهم” (3/ 498). السؤال (228126)].
====
====
====
خامسا: صفات الأنصار:
أما في صفاتهم:
سادسًا: صفات الأنصار:
فقد وَصَفَهُمُ اللهُ -تعالى- لنا بالصِّفاتِ التي تحقَّقوا فيها, ثمَّ شَهِدَ لهم بالفلاحِ, فقال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: ” قال تعالى مادحاً للأنصار ومبيناً فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حسدهم وإيثارهم مع الحاجة، فقال تعالى: {والذين تبؤأوا الدار والإيمان من قبلهم} أي سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين وآمنوا قبل كثير منهم،
وقوله تعالى: {يحبون من هاجر إليهم} أي من كرمهم وشرف أنفسهم، يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم، روى الإمام أحمد، عن أنَس قال، قال المهاجرون: يا رسول اللّه ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم، أحسن مواساة في قليل ولا أحسن بذلاً في كثير، لقد كفونا المؤنة وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال: (لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم اللّه لهم) “”أخرجه أحمد في المسند””.
ودعا النبي صلى اللّه عليه وسلم الأنصار أن يقطع لهم البحرين، قالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها، قال: (إما لا، فاصبروا حتى تلقوني فإنه سيصيبكم أثرة) “”أخرجه البخاري””. وقال البخاري، عن أبي هريرة قال، قالت الأنصار: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: (لا)، فقالوا: أتكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة؟ قالوا سمعنا وأطعنا، {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا} أي ولا يجدون في أنفسهم حسداً للمهاجرين، فيما فضلهم اللّه به من المنزلة والشرف والتقديم في الذكر والرتبة، قال الحسن البصري {ولا يجدون في صدورهم حاجة} يعني الحسد {مما أوتوا} قال قتادة: يعني فيما أعطي إخوانهم، وقال عبد الرحمن بن زيد في قوله تعالى: {ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا} يعني مما أوتوا المهاجرون، قال: وتكلم في أموال بني النضير بعض من تكلم في الأنصار فعاتبهم اللّه في ذلك فقال تعالى: {وما أفاء اللّه على رسوله فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء واللّه على كل شيء قدير} قال، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ (إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم)، فقالوا: أموالنا بيننا قطائع، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أو غير ذلك؟) قالوا: وما ذاك يا رسول اللّه؟ قال: (هم قوم لا يعرفون العمل فتكفونهم وتقاسمونهم الثمر)، فقالوا: نعم يا رسول اللّه، وقوله تعالى: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} يعني حاجة، أي يقدموا المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدأون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك. وقد ثبت في الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (أفضل الصدقة جهد المقل)،