4679 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: محمد البلوشي، إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا).
——-‘——‘——-‘
——-‘——‘——-‘
——-‘——‘——-‘
صحيح مسلم
بَابُ مِنْ فَضَائِلِ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
4679 حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ، أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: ((لَا يَدْخُلُ النَّارَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ، الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا)). قَالَتْ: بَلَى، يَا رَسُولَ اللَّهِ فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم/ 71]؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم/ 72].
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
ـ قال ياقوت الحموي: الحديبية: “هي قرية متوسطة ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التي بايع تحتها” معجم البلدان 2/ 229 وكذا قال الحافظ ابن حجر: “هي بئر سمي به المكان”أ. هـ. فتح الباري 5/ 334
وقال الحاكم النيسابوري رحمه الله تعالى: “الحديبية بئر كانت الشجرة بالقرب من البئر ثم إن الشجرة فقدت بعد ذلك فلم توجد وقالوا إن السيول ذهبت بها فقال سعيد بن المسيب سمعت أبي وكان من أصحاب الشجرة يقول قد طلبناها غير مرة فلم نجدها فأما ما يذكره عوام الحجيج أنها شجرة بين منى ومكة فإنه خطأ فاحش”أ. هـ. معرفة علوم الحديث ص/23 – 24.
ـ الشجرة: هي السمرة التي حصلت البيعة تحتها، انظر: صحيح مسلم 3/ 1483.
جاء في مذكرة العقيدة الواسطية: ” أهل بيعة الرضوان:
أهل بيعة الرضوان هم الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية على قتال قريش، وإلا يفروا حتى الموت، وسببها ما أشيع من أن عثمان قتلته قريش حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إليهم للمفاوضة. وسميت ببيعة الرضوان، لأن الله رضي عنهم بها، وعددهم نحو ألف وأربعمائة. والفضيلة التي حصلت لهم هي:
1. رضا الله عنهم: لقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: من الآية 18].
2. سلامتهم من دخول النار: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة [أخرجه مسلم (2496) عن جابر رضي الله عنه]. “.
يقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} [الفتح: 18] هذه البيعة تسمى بيعة الرضوان، أو بيعة الشجرة.
وسيأتي ذكر الآيات التي وردت في فضلهم.
*بوب البخاري -رحمه الله- في كتاب المغازي من صحيحه،*
بَابُ غَزْوَةِ الحُدَيْبِيَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
*وبوب البخاري -رحمه الله- في كتاب الجهاد والسير من صحيحه،*
بَابُ البَيْعَةِ فِي الحَرْبِ أَنْ لاَ يَفِرُّوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى المَوْتِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
=============
وقصتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم في سنة ست من الهجرة رأى في المنام أنه والمسلمين يدخلون المسجد الحرام آمنين، محلقين رءوسهم، ومقصرين، لا يخافون، فأخبر أصحابه، واستعدوا للعمرة، وفي مستهل ذي القعدة خرج في ألف وأربعمائة من المسلمين قاصدين العمرة ومعهم الهدي، حتى وصلوا إلى مشارف مكة عند الحديبية قال الحافظ في الفتح: “والحديبية بالتثقيل والتخفيف لغتان، وأنكر كثير من أهل اللغة التخفيف. وقال أبو عبيد البكري: أهل العراق يثقلون وأهل الحجاز يخففون “.وقال: “قوله: (والحديبية بئر) يشير إلى أن المكان المعروف بالحديبية سمي ببئر كانت هنالك، هذا اسمها ثم عرف المكان كله بذلك”.
وعندها صدهم المشركون، ومنعوهم من دخول مكة، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خراش بن أمية الخزاعي رسولا إلى أهل مكة، وحمله على جمل له، يقال له: الثعلب، يعلمهم أنه ما جاء لقتال، وأنه إنما جاء معتمرا، ثم يعود، فلما أتاهم وكلمهم عقروا جمله، وأرادوا قتله، ثم خلوا سبيله، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عمر ليبعثه، فقال: يا رسول الله، إن القوم قد عرفوا عداوتي لهم، وغلظتي عليهم، وإني لا آمن، وليس بمكة أحد من بني عدي، يغضب لي إن أوذيت، فأرسل عثمان بن عفان، فإن عشيرته بها، وهم يحبونه، فيبلغ ما أردت، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، فأرسله إلى قريش، وقال له: أخبرهم أنا لم نأت لقتال، وإنما جئنا عمارا، وادعهم إلى الإسلام، وأمره صلى الله عليه وسلم أن يبشر رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات، فيبشرهم بالفتح، ويخبرهم أن الله تعالى سيظهر دينه بمكة قريبا، فذهب عثمان رضي الله عنه إلى قريش، فأخبرهم، فقالوا له: إن شئت فطف بالبيت، وأما دخولكم علينا فلا سبيل له، فقال رضي الله عنه: ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتبسوه، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل، فقال عليه الصلاة والسلام: لا نبرح حتى نناجز القوم ونادى مناديه عليه الصلاة والسلام: ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله تعالى فبايعوه، فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه على أن لا يفروا، وعلى الموت أو النصر، كانت هذه البيعة تحت شجرة، فأنزل الله تعالى فيها: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} [الفتح: 10] ونزل: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} ولما علمت قريش بالبيعة خافوا، وأرسلوا عثمان رضي الله عنه.
وكان بعد ذلك صلح الحديبية المشهور.
ولما كان الله قد وعد المؤمنين بأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، ولما كان هؤلاء المبايعون قد باعوا أنفسهم كانت لهم الجنة، وكان قوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل النار – إن شاء الله – من أصحاب الشجرة أحد، أي الذين بايعوا تحتها.
رضي الله عنهم أجمعين.
(لا يدخل النار -إن شاء الله- من أصحاب الشجرة أحد) قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعا، كما صرح به في حديث حاطب السابق، وإنما قال: إن شاء الله للتبرك، لا للشك.
(قالت حفصة: بلى يا رسول الله) قال أهل اللغة: بلى حرف جواب، وتختص بالنفي، وتفيد إبطاله، سواء كان مجردا.
نحو: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى} [التغابن: 7] أو مقرونا بالاستفهام، حقيقيا، أو توبيخا، أو تقديريا.
فمعنى جواب حفصة، رضي الله عنها، هنا أن أصحاب الشجرة يدخلون النار، ولو تحلة القسم، لقوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71].
(فانتهرها)؛ لأن ظاهر جوابها أنها ترد الخبر، فأبانت أنها لا ترد الخبر، وإنما اسشكلت معنى الآية.
فبين صلى الله عليه وسلم أن ورودهم ليس دخولا، وإنما هو قرب، ينجي عنده من ينجي؛ لقوله تعالى: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} [مريم: 72]. [انتظر: المنهاج للنووي، وفتح المنعم. بتصرف]
ثانياً: يؤخذ من الحديث:
1 – فيه منقبة عظيمة لأصحاب شجرة الرضوان.
2 – وفيه جواز المناظرة والاعتراض على وجه الاسترشاد.
3 – وفيه أن ورود النار غير دخولها. قال النووي: والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط، وهو جسر منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها، وينجو الآخرون.
والله أعلم [فتح المنعم].
ثالثًا: ما ورد في أصحاب الشجرة وبيعة الرضوان:
1) حديث الباب: أن الذي شهد الحديبية يكون من أهل الجنة والحديث الذي سبق: فعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو حَاطِبًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ)).
2) ” وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ”
جاء في صحيح البخاري عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمْ الْفَتْحَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا، ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ إِنَّهَا أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا.
مسألة: المراد بالفتح قال الحافظ ابن حجر في الفتح: ” قوله: (ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان) يعني قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} وهذا موضع وقع فيه اختلاف قديم، والتحقيق: أنه يختلف باختلاف المراد من الآيات. فقوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} المراد بالفتح هنا الحديبية؛ لأنها كانت مبدأ الفتح المبين على المسلمين، لما ترتب على الصلح الذي وقع منه الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهما، ثم تبعت الأسباب بعضها بعضا إلى أن كمل الفتح. وقد ذكر ابن إسحاق في المغازي عن الزهري قال: لم يكن في الإسلام فتح قبل فتح الحديبية أعظم منه، وإنما كان الكفر حيث القتال، فلما أمن الناس كلهم كلم بعضهم بعضا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة ولم يكن أحد في الإسلام يعقل شيئا إلا بادر إلى الدخول فيه، فلقد دخل في تلك السنتين مثل من كان دخل في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.
قال ابن هشام: ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف. انتهى.
وهذه الآية نزلت منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في هذا الباب من حديث عمر. وأما قوله تعالى في هذه السورة: (وأثابهم فتحا قريبا) فالمراد بها فتح خيبر على الصحيح؛ لأنها هي التي وقعت فيها المغانم الكثيرة للمسلمين.
وقد روى أحمد وأبو داود والحاكم من حديث مجمع بن حارثة قال: شهدنا الحديبية فلما انصرفنا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا عند كراع الغميم وقد جمع الناس قرأ عليهم (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) الآية فقال رجل: يا رسول الله أو فتح هو؟ قال: أي والذي نفسي بيده إنه لفتح.
ثم قسمت خيبر على أهل الحديبية.
وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن الشعبي في قوله: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: صلح الحديبية، وغفر له ما تقدم وما تأخر، وتبايعوا بيعة الرضوان، وأُطعِمُوا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس وفرح المسلمون بنصر الله.
وأما قوله تعالى: (فجعل من دون ذلك فتحا قريبا) فالمراد الحديبية، وأما قوله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) وقوله صلى الله عليه وسلم ” لا هجرة بعد الفتح ” فالمراد به فتح مكة باتفاق، فبهذا يرتفع الإشكال وتجتمع الأقوال بعون الله تعالى. ” انتهى بتصرف يسير.
رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد أيضاً بلفظ: ((كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه)).
وعند الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: ((كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن بن عوف تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال: دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد ذهباً أو مثل الجبال ذهباً لما بلغتم أعمالهم)).
هذان الحديثان اشتملا على النهي والتحذير من سب الصحابة رضي الله عنهم، وفيهما التصريح بتحريم سبهم، وقد عد بعض أهل العلم سبهم (من المعاصي الكبائر).
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون).
والنهي في هذين الحديثين المتقدمين كان موجهاً من النبي صلى الله عليه وسلم لمن كانت له صحبة متأخرة، أن يسب من كانت له صحبة متقدمة (لامتيازهم عنهم من الصحبة بما لا يمكن أن يشركوهم فيه حتى لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، فإذا كان هذا حال الذين أسلموا بعد الحديبية، وإن كان قبل فتح مكة، فكيف حال من ليس من الصحابة بحال مع الصحابة رضي الله عنهم).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فإن قيل: فلم نهى خالداً عن أن يسب أصحابه إذ كان من أصحابه أيضاً؟ وقال: ((لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)).
قلنا: لأن عبد الرحمن بن عوف ونظراءه هم من السابقين الأولين الذين صحبوه في وقت كان خالد وأمثاله يعادونه فيه، وأنفقوا أموالهم قبل الفتح وقاتلوا وهم أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى، فقد انفردوا من الصحبة بما لم يشركهم فيه خالد ونظراؤه ممن أسلم بعد الفتح الذي هو صلح الحديبية وقاتل، فنهى أن يسب أولئك الذين صحبوه قبله، ومن لم يصحبه قط نسبته إلى من صحبه كنسبة خالد إلى السابقين وأبعد. انتهى
وبينا في شرح حديث أبي سعيد انه لا يجوز سب الصحابة جميعهم. مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم في أبي بكر: دعو لي صاحبي ….. فخصه بالدفاع لتفرده بفضائل. كذلك خص السابقين بمزيد دفاع لتقدمهم في الفضل وإلا كل الصحابة لا يجوز سبهم.
3. مسألة: قال محقق كتاب الطوريات:
ورد بتحديد بألف وأربعمائة، أخرجه البخاري في المغازي: باب غزوة الحديبية 8/ 211 رقم «4154». مطولاً، وفي التفسير: باب قوله:
{إذ يبايعونك تحت الشجرة} 9/ 561 رقم «4840» مختصرا، وفي الأشربة: باب شرب البركة والماء المبارك
11/ 237 رقم «5639» مطولا، ومسلم في الإمارة: باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال
3/ 1483 – 1484، رقم «1856» من طرق عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: «أنتم خير أهل الأرض وكنّا ألف وأربعمائة، لو كنت أبصر لأريتكم مكان الشجرة».
وقد صحّ ذلك أيضا من حديث البراء، ومعقل بن يسار، وسلمة بن الأكوع.
وما ورد بتحديده بألف وخمسمائة: أخرجه البخاري في المناقب: باب علامات النبوّة في الإسلام 7/ 279 رقم «3576» وفي باب المغازي: باب غزوة الحديبية 8/ 209 رقم «4152». ورقم «4153»، مسلم في الإمارة: باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند القتال 3/ 1484 رقم «1856»، من طرق عن جابر بن عبد الله قال: … وفيه: «لو كنّا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة».
وورد بأنهم كانوا ألفا وثلاثمائة: أخرجه مسلم في الإمارة: باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال
3/ 1483 رقم «1857» من قول عبد الله بن أبي أوفى الصحابي الجليل – رضي الله عنه -.
هذا وقد ورد بتحديدهم بأنهم كانوا بضع عشرة مائة. وورد أيضا بأنهم كانوا ألفا وخمسمائة وخمسة وعشرين. وكل هذه الروايات وردت بأسانيد صحيحة. علما بأنه قد ورد في تحديد عددهم بأنهم كانوا سبعمائة. والتحديد بأنهم كانوا ألفا وخمسمائة وأربعين، والتحديد بأنهم كانوا ألفا وسبعمائة. والتحديد بأنهم كانوا ألفا وثمانمائة. ولكنها كلها غير ثابتة لضعف رجال أسانيد تلك الروايات، وأما رواية سبعمائة فلوقوع الوهم فيها، وأن الصحيح أنها من كلام ابن إسحاق، فلا يصار إليها إذاً لمخالفتها النصوص الصحيحة الثابتة. انظر مرويات غزوة الحديبية: 0/ 39 – 53.
وأما الروايات الصحيحة فإنك ترى في ظاهرها إختلافًا، لذلك إختلفت فيها وجهات نظر العلماء إلى قولين:
أ: من قال بالترجيج وهم: الإمام البيهقي والإمام ابن القيم وغيرهما رحمهم الله، حيث رجّحوا رواية ألف وأربعمائة. وأما الإمام ابن حبان فقد رجح رواية ألف وخمسمائة. حيث قال: الصحيح ألف وخمسمائة على ما قاله سعيد ابن المسيّب.
انظر صحيح ابن حبان: 11/ 232، دلائل النبوّة: 2/ 214، زاد المعاد: 3/ 288، فتح الباري: 7/ 440.
ب: وقال الآخرون بالجمع بين الروايات إعمالا بجميع النصوص الصحيحة. حيث قال الإمام النووي بعدما ذكر الروايات الثلاث الأول قال: ويمكن أن يجمع بينهما بأنهم كانوا أربعمائة وكسر، فمن قال: أربعمائة، لم يعتبر الكسر، ومن قال: خمسمائة اعتبره، ومن قال: ألف وثلاثمائة ترك بعضهم لكونه لم يُتْقِن العدّ أو لغير ذلك أهـ شرح النووي علي صحيح مسلم: 13/ 2.
وقال ابن حجر: والجمع بين هذا الاختلاف أنهم كانوا من ألف وأربعمائة، فمن قال: ألفا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال: ألفا وأربعمائة ألغاه، ويؤيّده قوله في الرواية الثالثة من حديث براء «ألفا وأربعمائة أو أكثر»، أما قول عبد الله بن أبي أوفى: ألفا وثلاثمائة، فيمكن حمله على ما اطلع عليه هو، واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة، أو العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك، أو العدد الذي ذكره عدد المقاتل والزيادة عليه من الأتباع، من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم. اهـ فتح الباري: 7/ 440.
4) وصف ذلك العام جاء في صحيح البخاري عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: ((أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟)) قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ: ((أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي، فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا. فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي.
5) ما جاء في عمرة النبي صلى الله عليه وسلم
عن أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ، قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلَّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ؛ عُمْرَةً مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنْ الْجِعْرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ. [صحيح البخاري].
6) أن بعضهم أحرم، ولم يحرم الأخرون
جاء في البخاري: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ. قال الحافظ في الفتح: ” ويستفاد منه أن بعض من خرج إلى الحديبية لم يكن أحرم بالعمرة فلم يحتج إلى التحلل منها “.
7) مما حدث من الكرامات للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم ما رواه البخاري في صحيحه عن الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَنَزَلُوا عَلَى بِئْرٍ فَنَزَحُوهَا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى الْبِئْرَ، وَقَعَدَ عَلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ قَالَ: ((ائْتُونِي بِدَلْوٍ مِنْ مَائِهَا)) فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ، فَدَعَا، ثُمَّ قَالَ: دَعُوهَا سَاعَةً، فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وَرِكَابَهُمْ حَتَّى ارْتَحَلُوا. وروى أيضًا عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ مِنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا لَكُمْ؟)) قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا نَشْرَبُ إِلَّا مَا فِي رَكْوَتِكَ. قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ. قَالَ: فَشَرِبْنَا، وَتَوَضَّانَا. فَقُلْتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
للجمع بين الروايات: قال الحافظ ابن حجر: قوله: (فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه) هذا مغاير لحديث البراء أنه صب ماء وضوئه في البئر فكثر الماء في البئر، وجمع ابن حبان بينهما بأن ذلك وقع مرتين، وسيأتي في الأشربة البيان بأن حديث جابر في نبع الماء كان حين حضرت صلاة العصر عند إرادة الوضوء، وحديث البراء كان لإرادة ما هو أعم من ذلك، ويحتمل أن يكون الماء لما تفجر من أصابعه ويده في الركوة وتوضئوا كلهم وشربوا أمر حينئذ بصب الماء الذي بقي في الركوة في البئر فتكاثر الماء فيها، وقد أخرج أحمد من حديث جابر من طريق نبيح العنزي عنه وفيه ” فجاء رجل بإداوة فيها شيء من ماء ليس في القوم ماء غيره، فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح ثم توضأ فأحسن ثم انصرف وترك القدح، قال فتزاحم الناس على القدح، فقال: على رسلكم، فوضع كفه في القدح ثم قال: أسبغوا الوضوء، قال فلقد رأيت العيون عيون الماء تخرج من بين أصابعه ” ووقع في حديث البراء أن تكثر الماء كان بصب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه في البئر”. انتهى.
قلت سيف: ورد في صحيح مسلم من حديث سلمة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأصابنا جهد …. وفيه: فجاء رجل بإداوة له فيها نطفة فأفرغها في قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه أربع عشرة مائة. . ..
فإن كان ذلك في صلح الحديبية فهو يشهد لحديث نبيح.
وقد نقل ابن حجر أوجه الجمع بين الروايات.
8) ((أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ)) جاء في البخاري عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ: ((أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ)) وَكُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ لَأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ تَابَعَهُ الْأَعْمَشُ سَمِعَ سَالِمًا سَمِعَ جَابِرًا أَلْفًا وَأَرْبَعَ مِائَةٍ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَثَلَاثَ مِائَةٍ وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ الْمُهَاجِرِينَ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
مسألة: فيه إشارة إلى ثلاثة أمور:
قال الحافظ في الفتح:
قوله: (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: أنتم خير أهل الأرض) هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة، فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما، وعند أحمد بإسناد حسن عن أبي سعيد الخدري قال: ” لما كان بالحديبية قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا توقدوا نارا بليل، فلما كان بعد ذلك قال: أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم ” وعند مسلم من حديث جابر مرفوعا ” لا يدخل النار من شهد بدرا والحديبية ” وروى مسلم أيضا من حديث أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” لا يدخل النار أحد من أصحاب الشجرة “.
وتمسك به بعض الفرق في تفضيل علي على عثمان؛ لأن عليا كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت الشجرة، وكان عثمان حينئذ غائبا كما تقدم في المناقب من حديث ابن عمر، لكن تقدم في حديث ابن عمر المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة، ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض.
واستدل به أيضا على أن الخضر ليس بحي؛ لأنه لو كان حيا مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي وهو باطل فدل على أنه ليس بحي حينئذ، وأجاب من زعم أنه حي باحتمال أن يكون حينئذ حاضرا معهم ولم يقصد إلى تفضيل بعضهم على بعض أو لم يكن على وجه الأرض بل كان في البحر، والثاني جواب ساقط، وعكس ابن التين فاستدل به على أن الخضر ليس بنبي فبنى الأمر على أنه حي وأنه دخل في عموم من فضل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشجرة عليهم، وقد قدمنا الأدلة الواضحة على ثبوت نبوة الخضر في أحاديث الأنبياء.
وأغرب ابن التين فجزم أن إلياس ليس بنبي، وبناه على قول من زعم أنه أيضا حي، وهو ضعيف أعني كونه حيا، وأما كونه ليس بنبي فنفي باطل ففي القرآن العظيم (وإن إلياس لمن المرسلين) فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلا وليس بنبي؟.
قوله: (ثمن المهاجرين) بضم المثلثة وسكون الميم وضمها ولم أعرف عدد من كان بها من المهاجرين خاصة ليعرف عدد الأسلميين، إلا أن الواقدي جزم بأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل، فعلى هدا كان المهاجرون ثمانمائة. انتهى بتصرف يسير.
9) جاء في البخاري عَنْ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ مِرْدَاسًا الْأَسْلَمِيَّ يَقُولُ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا.
قال الحافظ: “والغرض منه بيان أنه كان من أصحاب الشجرة، والحفالة بالمهملة والفاء بمعنى الحثالة بالمثلثة، والفاء قد تقع موضع الثاء، والمراد بها الرديء من كل شيء.”.
10) من الأفعال: فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا
جاء في البخاري: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا لَا أُحْصِي كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ حَتَّى سَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا أَحْفَظُ مِنْ الزُّهْرِيِّ الْإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ فَلَا أَدْرِي يَعْنِي مَوْضِعَ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ أَوْ الْحَدِيثَ كُلَّهُ
11) من الأحكام التي أنزلت
جاء في البخاري: عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَىهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ. فَقَالَ: ((أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ؟)) قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ.
وفي رواية: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ
قال الحافظ:
حديث كعب بن عجرة في قصة القمل وحلق رأسه بالحديبية أورده المصنف من وجهين، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
12) ما جاء في تعظيم الصحابة في خدمة أهل بيت أصحاب الشجرة
جاء في صحيح البخاري: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى السُّوقِ فَلَحِقَتْ عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا وَلَا لَهُمْ زَرْعٌ وَلَا ضَرْعٌ وَخَشِيتُ أَنْ تَاكُلَهُمْ الضَّبُعُ وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيْمَاءَ الْغِفَارِيِّ وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ مَعَهَا عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ ثُمَّ قَالَ مَرْحَبًا بِنَسَبٍ قَرِيبٍ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ مَلَأَهُمَا طَعَامًا وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً وَثِيَابًا ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ ثُمَّ قَالَ اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَاتِيَكُمْ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَكْثَرْتَ لَهَا قَالَ عُمَرُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ.
قوله: (بنسب قريب) يحتمل أن يريد قرب نسب غفار من قريش، لأن كنانة تجمعهم.
أو أراد أنها انتسبت إلى شخص واحد معروف. “. انتهى من الفتح.
13) مما ورد في مكان الشجرة
جاء في البخاري: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا.
وورد أيضًا: عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ قُلْتُ مَا هَذَا الْمَسْجِدُ قَالُوا هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَالَ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا فَقَالَ سَعِيدٌ إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ.
قوله: (فقال سعيد) أي ابن المسيب ” إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها وعلمتموها أنتم؟ فأنتم أعلم ” قال سعيد هذا الكلام منكرا، وقوله: ” فأنتم أعلم ” هو على سبيل التهكم.
وروى أيضًا: حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا طَارِقٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا الْعَامَ الْمُقْبِلَ فَعَمِيَتْ عَلَيْنَا.
قوله: (فعميت علينا) أي أبهمت، في رواية عفان ” فعمي علينا مكانها ” وزاد ” فإن كانت بينت لكم فأنتم أعلم “.
وروى أيضًا: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ طَارِقٍ قَالَ ذُكِرَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الشَّجَرَةُ فَضَحِكَ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ شَهِدَهَا.
قال الحافظ: ” قدمت الحكمة في إخفائها عنهم في ” باب البيعة على الحرب ” من كتاب الجهاد عند الكلام على حديث ابن عمر في معنى ذلك، لكن إنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه عرفها معتمدا على قول أبيه إنهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدل على رفع معرفتها أصلا، فقد وقع عند المصنف من حديث جابر الذي قبل هذا ” لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة ” فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ففيه دلالة على أنه كان يعرفها بعينها لأن الظاهر أنها حين مقالته تلك كانت هلكت إما بجفاف أو بغيره، واستمر هو يعرف موضعها بعينه.
ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة فيصلون عندها فتوعدهم، ثم أمر بقطعها فقطعت.”. انتهى.
14) على ماذا بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم
جاء في البخاري: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ. الجمع بين الروايات: قال الحافظ: ” قوله: (على الموت) تقدم الكلام عليه في ” باب البيعة على الحرب ” من كتاب الجهاد، وذكرت كيفية الجمع بينه وبين قول جابر:” لم نبايعه على الموت ” وكذا روى مسلم من حديث معقل بن يسار مثل حديث جابر، وحاصل الجمع أن من أطلق أن البيعة كانت على الموت أراد لازمها لأنه إذا بايع على أن لا يفر لزم من ذلك أن يثبت، والذي يثبت إما أن يغلب وإما أن يؤسر، والذي يؤسر إما أن ينجو وإما أن يموت، ولما كان الموت لا يؤمن في مثل ذلك أطلقه الراوي.
وحاصله أن أحدهما حكى صورة البيعة، والآخر حكى ما تئول إليه.
وجمع الترمذي بأن بعضا بايع على الموت وبعضا بايع على أن لا يفر. “.
15) حق لهم أن يغبطوا جاء في البخاري: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقُلْتُ طُوبَى لَكَ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ.
قال الحافظ ابن حجر: ” قوله: (طوبى لك صحبت النبي صلى الله عليه وسلم) غبطه التابعي بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مما يغبط به، لكن سلك الصحابي مسلك التواضع في جوابه.
وطوبى في الأصل شجرة في الجنة تقدم تفسيرها في صفة الجنة في بدء الخلق، وتطلق ويراد بها الخير أو الجنة أو أقصى الأمنية.
وقيل: هي من الطيب أي طاب عيشكم.
قوله: (إنك لا تدري ما أحدثناه بعده) يشير إلى ما وقع لهم من الحروب وغيرها فخاف غائلة ذلك، وذلك من كمال فضله.
وورد أنهم المقصودون بقوله تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل …. ) وسيأتي ان شاء الله. ض
16) مما ورد في الآيات:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا) قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ قَالَ أَصْحَابُهُ هَنِيئًا مَرِيئًا فَمَا لَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) قَالَ شُعْبَةُ فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ أَمَّا (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ) فَعَنْ أَنَسٍ وَأَمَّا هَنِيئًا مَرِيئًا فَعَنْ عِكْرِمَةَ
الشرح:
قوله: (عن أنس بن مالك (إنا فتحنا لك فتحا مبينا) قال: الحديبية.
سيأتي في آخر المبحث ذكر الآيات في فضل أصحاب الشجرة ومعاني الايات مجموعة في آخر المبحث.
17) أن التابعيين كانوا يعظمون الصحابي الذي حضر بيعة الرضوان وكانوا يذكرونهم بهذا الفضل حتى عند نقل أقوالهم
جاء في البخاري: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ حَدَّثَنَا شَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ هَلْ يُنْقَضُ الْوِتْرُ قَالَ إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَا تُوتِرْ مِنْ آخِرِهِ. وغيرها من الروايات الكثيرة.
18) مشاورة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم بخصوص ما نقل عن كفار قريش (الآداب) جاء في البخاري: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وَثَبَّتَنِي مَعْمَرٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ إِنَّ قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ الْأَحَابِيشَ وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ فَقَالَ أَشِيرُوا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصُدُّونَا عَنْ الْبَيْتِ فَإِنْ يَاتُونَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَإِلَّا تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لَا تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ وَلَا حَرْبَ أَحَدٍ فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ امْضُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ.
19) مما جاء فيما كاتب فيه النبي صلى الله عليه وسلم قريشًا. قال البخاري: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا أَنَّهُ لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لَا يَاتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا فَتَكَلَّمُوا فِيهِ فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى ذَلِكَ كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَاتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ.
20) قال البخاري: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ وَعَنْ عَمِّهِ قَالَ بَلَغَنَا حِينَ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ
—
21. مسائل: مسألة: التفاضل بين الصحابة رضي الله عنهم أهل السنة يثبتون التفاضل بين الصحابة، سواء التفاضل بين أفراد الصحابة رضي الله عنهم أو المفاضلة بين جماعات الصحابة.
وأما المفاضلة بين جماعات الصحابة
لقد دل كتاب الله على تفاضل جماعات الصحابة، فالله عز وجل فضل الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا على الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، والمقصود بالفتح صلح الحديبية. قال سبحانه: (لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد: 10].
وفضل الله السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على من دونهم، فقال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة: 100]. وهذا نص على تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار كما يقول القرطبي. وقد اختلف في تعيين السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار على أقوال:
أحدها: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين.
الثاني: أنهم أهل بيعة الرضوان.
الثالث: أنهم أهل بدر.
الرابع: أنهم جميع الصحابة بلا استثناء وأن الذين اتبعوهم بإحسان هم تابعوهم من غير الصحابة. هذه الأقوال المنقولة عن السلف من الصحابة والتابعين، وزاد المتأخرون قولين:
أحدهما: أنهم السابقون بالموت والشهادة، قال ابن الجوزي: (ذكره الماوردي).
الثاني: أنهم الذين أسلموا قبل الهجرة، قال ابن الجوزي: (ذكره القاضي أبو يعلى). … قال القرطبي: (واتفقوا على أن من هاجر قبل تحويل القبلة فهو من المهاجرين الأولين من غير خلاف بينهم).
والذي أرى في اللفظ دلالة عليه أن المراد بالسابقين الأولين الذين سبقوا إلى الإسلام والهجرة والنصرة, وابتدروا ذلك قبل تمكن الإسلام وتتابع الناس عليه، ولا شك أن أول من يدخل في هؤلاء أوائل من أسلم من المهاجرين كالخلفاء الأربعة ومن الأنصار الذين أسلموا ليلتي العقبة. ولعل جميع من أسلم حتى غزوة الحديبية من السابقين الأولين. ذلك أن صلح الحديبية كان فتحاً للمسلمين، فقد نزل قوله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) [الفتح: 1]. في منصرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية. ولم يكن الصحابة يعدون الفتح إلا الحديبية كما قال البراء رضي الله عنه: (تعدون أنتم الفتح فتح مكة، وقد كان فتح مكة فتحاً، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية). فكان يوم الحديبية فتحاً للإسلام والمسلمين تتابع الناس بعده على الإسلام لما ترتب على الصلح من وقوع الأمن ورفع الحرب وتمكن من يخشى الدخول في الإسلام والوصول إلى المدينة من ذلك كما وقع لخالد وعمرو وغيرهما، ولعله مما يقوي هذا الرأي تفسير جمع من أهل العلم الفتح بالحديبية في قوله: (لا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا) فيستأنس بهذا التفضيل في الآية على أنه للسابقين الأولين، وتفسير العلماء للفتح بالحديبية على أن السابقين هم من أسلم قبل الحديبية. والله أعلم.
ودل كتاب الله على تفضيل المهاجرين على الأنصار فقد قدم الله ذكرهم على ذكر الأنصار في كتابه، قال سبحانه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال: 74]. فقدم ذكر الذين هاجروا على الذين آووا ونصروا. وقال سبحانه: (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ) [التوبة: 117]. فبدأ بذكر المهاجرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم بذكر الأنصار، وقال سبحانه: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 8 – 9]. فبدأ بذكر المهاجرين ثم الأنصار، وأفرد سبحانه ذكر المهاجرين في مواضع من كتابه كقوله: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) [آل عمران: 195]. وقال سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) [التوبة: 20].
وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل: 41 – 42].
قال ابن تيمية رحمه الله في بيان أصول أهل السنة: (ويفضلون من أنفق من قبل الفتح – وهو صلح الحديبية – وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار).وفي عقيدة الإمام أحمد أنه كان يقول: (أفضل الصحابة أهل بيعة الرضوان وخيرهم وأفضلهم أهل بدر، والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وأعيانهم الأربعون أهل الدار، وخيرهم عشرة شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو عنهم راض, وأعيانهم أهل الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمسلمين, وأفضلهم الخلفاء الأربعة).وقد صنف العلماء الصحابة في طبقات اختلفوا في عددها، قال السيوطي في (شرح التقريب) (واختلف في عدد طبقاتهم – (يعني الصحابة) – باعتبار السبق إلى الإسلام, أو الهجرة, أو شهود المشاهد الفاضلة، فجعلهم ابن سعد خمس طبقات, وجعلهم الحاكم اثنتي عشرة طبقة).قال أحمد شاكر رحمه الله: (وزاد بعضهم أكثر من ذلك، والمشهور ما ذهب إليه الحاكم). والمراتب التي جعلها الحاكم للصحابة هي: قوم أسلموا بمكة. أصحاب دار الندوة. المهاجرة إلى الحبشة. أصحاب بيعة العقبة الأولى. أصحاب بيعة العقبة الثانية. أول المهاجرين الذين وصلوا والنبي في قباء قبل أن يدخلوا المدينة ويبنى المسجد. أهل بدر. المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية. أهل بيعة الرضوان. المهاجرة بين الحديبية والفتح. الذين أسلموا يوم الفتح. صبيان وأطفال رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها وعدادهم في الصحابة. ولعل المراتب السبع الأولى هي مراتب السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والله أعلم.
أما الطبقات الخمس التي جعلها ابن سعد في كتابه للصحابة فالأمر فيها ما قاله أحمد شاكر: (لو كان المطبوع كاملا لاستخرجناها منه وذكرناها). وأظن أن الطبقات التي جعلها ابن سعد هي الطبقات التي صنف عليها ابن الجوزي في كتابه (صفة الصفوة) من ترجم له من الصحابة، فإنه قال: (بدأت بذكر العشرة ثم ذكرت من بعدهم على ترتيب طبقاتهم) والطبقات التي ذكرها خمس هي: الطبقة الأولى على السابقة في الإسلام ممن شهد بدراً من المهاجرين والأنصار، وحلفائهم ومواليهم. من لم يشهد بدراً من المهاجرين والأنصار وله إسلام قديم. من شهد الخندق وما بعده. من أسلم عند الفتح وفيما بعد ذلك. الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أحداث الأسنان. وفي المطبوع من (طبقات ابن سعد) ذكر الطبقتين الأوليين على نفس الوصف الذي ذكره ابن الجوزي تماماً. والعلماء وإن أرادوا بهذا التقسيم معرفة الصحابة لا ذكر التفاضل إلا أنهم قد اعتبروا وجوه الفضل والتفاضل في التقسيم، والله أعلم.
القسم الثاني: في ترتيب التفاضل بين جماعات الصحابة – رضي الله عنهم: وقد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب: المذهب الأول: مذهب أهل السنة: ويرى أن أفضل جماعات الصحابة رضي الله عنهم: الخلفاء الأربعة ثم الستة الباقون بعدهم إلى تمام العشرة المبشرين بالجنة. ثم البدريون ثم أصحاب أحد ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية. وممن ذكر ذلك أبو منصور البغدادي حيث قال في (أصول الدين): (أصحابنا مجمعون على أن أفضلهم: الخلفاء الأربعة، ثم الستة الباقون بعدهم إلى تمام العشرة وهم: طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم. ثم البدريون، ثم أصحاب أحد، ثم أهل بيعة الرضوان بالحديبية).كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره.
جاء في عقيدة الإمام أحمد وعلي بن المديني اللتين رواهما اللالكائي بسنده عنهما أنه يلي الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان في الفضل بقية أصحاب الشورى الخمسة: علي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وهما لا يقدمان على علي أحداً بعد الثلاثة بل قالا هذا موافقة لحديث ابن عمر كما تقدم بيانه.
قال ابن تيمية رحمه الله: (ما في أهل السنة من يقول: إن طلحة والزبير وسعداً وعبد الرحمن بن عوف أفضل منه (يعني من علي) – بل غاية ما يقولون السكوت عن التفضيل بين أهل الشورى وهؤلاء أهل الشورى عندهم أفضل السابقين الأولين والسابقون الأولون أفضل من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا)
وقال الإمام أحمد: (ثم من بعد أصحاب الشورى: أهل بدر من المهاجرين ثم أهل بدر من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر الهجرة والسابقة أولاً فأول). وقد نقل جماعة من أهل العلم أن أفضل الصحابة بعد الأربعة بقية العشرة المبشرين بالجنة وهم أصحاب الشورى المذكورون, وسعيد بن زيد, بن عمرو بن نفيل, وأبو عبيدة بن الجراح. ثم من بعد العشرة أهل بدر الذين قال فيهم صلى الله عليه وسلم: ((لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)). وفي لفظ: ((فقد وجبت لكم الجنة)). وجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين – أو كلمة نحوها – قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة)). ثم أهل أحد ثم أهل بيعة الرضوان الذين قال الله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 10]. وقال فيهم: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [الفتح: 18]. وقال فيهم صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل النار، إن شاء الله، من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها)).وقد كانوا أكثر من ألف وأربعمائة صحابي كما في الصحيح. ذكر هذا الترتيب في الفضل بعد العشرة النووي. وابن الصلاح، وابن كثير.
وذكر السفاريني تقديم أهل بيعة الرضوان على أهل أحد بعد أهل بدر وقال: (هو الأصح)، وقال: (لأن الله تعالى قال في أهل بيعة الرضوان: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18]. وقال في أهل غزوة أحد: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) [آل عمران: 155]. وفي الآية الأخرى: (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ) [آل عمران: 152]. فوصفهم في الموضعين بالعفو, ووصف أهل البيعة بالرضى, وهو أعلى وأسنى وأفضل من العفو) قال: (وهذا ظاهر والله تعالى أعلم).
قال بعض العلماء: أن أهل أحد مقدمون على أهل بيعة الرضوان، ومن المعلوم أن من الصحابة من كان من أهل بدر ومن العشرة ومن أهل بيعة الرضوان ومن أهل أحد يعني بعض الصحابة اجتمعت لهم الأوصاف الأربعة وبعضهم لا، لكن أصاب أهل أحد من البلاء والتمحيص والقتل ما لم يكن في بيعة الرضوان، لهذا رجَّح بعض العلماء أهل أحد على أهل بيعة الرضوان، ولكن الذي يظهر القول الأول: أن أهل بيعة الرضوان أفضل. [الموسوعة العقدية – الدرر السنية].
===
الثناء على أهل بيعة الرضوان: في القرآن والسنة:
اشتهرت هذه البيعة “ببيعة الرضوان” وكانت هذه البيعة بمكان يسمى “الحديبية” في شهر ذي القعدة سنة ست من الهجرة بلا خلاف بين علماء المغازي والسير
وأصحاب الحديبة الذين هم أهل بيعة الرضوان ورد في فضلهم نصوص محكمة كثيرة من آيات القرآن والسنة وسبق ذكر كثير من الأحاديث فلنسق هنا الآيات وبعض معانيها وبعض الأحاديث التي لم نذكرها:
1 – قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا
إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً}
ـ قال ابن جرير بعد أن ذكر عدة أقوال في معنى السكينة: “وأولى هذه الأقوال بالصواب بالحق في معنى السكينة ما قاله عطاء بن أبي رباح: ما تسكن إليه النفوس من الآيات التي تعرفونها
في هذه الآية شهادة لهم بحقيقة الإيمان الكامل وإكرامهم بإنزال السكون والطمأنينة في قلوبهم إلى الإيمان بالله ورسوله وإلى الحق الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير: “يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ} أي: الطمأنينة قاله ابن عباس رضي الله عنهما وعنه الرحمة وقال قتادة: الوقار في قلوب المؤمنين، وهم الصحابة رضي الله عنهم يوم الحديبية الذين استجابوا لله ولرسوله وانقادوا لحكم الله ورسوله فلما اطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت زادهم إيماناً مع إيمانهم وقد استدل بها البخاري وغيره من الأئمة على تفاضل الإيمان في القلوب”أ. هـ.
2 – وقال تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً}.
هذه الآية فيها وعيد من الله تعالى لأهل بيعة الرضوان خصوصاً ولجميع المؤمنين والمؤمنات عموماً.
روى البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: {إِنَّ فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} قال: الحديبية قال أصحابه: هنيئاً مريئاً فما لنا فأنزل الله: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}.
وعند الترمذي وأحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} مرجعه من الحديبية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد نزلت علي آية أحب إليّ مما على الأرض” ثم قرأها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فقالوا: هنيئاً مريئاً يا نبي الله قد بين الله لك ماذا يفعل بك فماذا يفعل بنا فنزلت عليه: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} حتى بلغ {فَوْزاً عَظِيماً} قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وفيه عن مجمع بن جارية.
_
فهذا الحديث بين الفضيلة التي تضمنتها الآية التي سيقت قبله لأصحابه بيعة الرضوان.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد قوله تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} أي: ماكثين فيها أبدا {وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} أي: خطاياهم وذنوبهم فلا يعاقبهم عليها بل يعفو ويصفح ويغفر ويستر ويرحم ويشكر {وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً} كقوله ـ جل وعلا ـ {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} 1 الآية أ. هـ.
3 – قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} 3.
وهذه الآية فيها ثناء ومدح عظيم لأهل بيعة الرضوان فقد جعل الله مبايعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم مبايعة له
قال العلامة ابن القيم: “وتأمل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} فلما كانوا يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم ويضرب بيده
على أيديهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السفير بينه وبينهم كانت مبايعتهم له مبايعة لله تعالى، ولما كان سبحانه فوق سماواته على عرشه وفوق الخلائق كلهم كانت يده فوق أيديهم كما أنه سبحانه فوقهم”أ. هـ
وقوله في الآية: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}
روى ابن جرير بإسناده إلى قتادة رحمه الله تعالى: {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} قال: هي الجنة”أ. هـ.
4 – وقال تعالى مخبراً برضاه عنهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَاخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّه عَزِيزاً حَكِيماً} 4.
فقد أخبر تعالى أنه رضي الله عن أولئك الصفوة الأخيار من أهل بيعة الرضوان ومن رضي الله عنه لا يسخط عليه أبداً
وقوله تعالى {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} أي: فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك إذ يبايعونك تحت الشجرة من صدق النية والوفاء بما يبايعونك عليه والصبر معك {فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} أي: فأنزل الطمأنينة والثبات على ما هم عليه من دينهم وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له {وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} وهو فتح خيبر، وأما قوله تعالى: {وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَاخُذُونَهَا} ما حصل من فتوحات.
قال الجصاص بعد قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية
والسبب الذي كانت من أجله بيعة الرضوان ما ذكره الحافظ ابن حجر حيث قال: “والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عثمان ليعلم قريشاً أنه إنما جاء معتمراً لا محارباً، ففي غيبة عثمان شاع عندهم أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ تحت الشجرة على أن لا يفروا وذلك في غيبة عثمان، وقيل: بل جاء الخبر بأن عثمان قتل فكان ذلك سبب البيعة”أ. هـ وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة الذين كانوا معه بالحديبية لما أشيع أن عثمان قد قتل ولم يتخلف عن تلك البيعة إلا الجد بن قيس فإنه اختبأ تحت بطن بعيره
وقد سئل الصحابة رضي الله عنهم على أي شيء كانت بيعتهم فكانت الإجابة بما يلي:
1 – أجاب سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بأنهم بايعوا عل الموت. فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى يزيد بن أبي عبيد قال: قلت لسلمة بن الأكوع على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قال: على الموت.
وروى أيضاً: بإسناده إلى عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: لما كان زمن الحرة أتاه آت فقال له: إن ابن حنظلة يبايع الناس على الموت فقال لا أبايع على ذلك أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2 – وأجاب معقل بن يسار وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم بأنهم بايعوا على عدم الفرار.
روى الإمام مسلم بإسناده إلى معقل بن يسار قال: لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه ونحن أربع عشرة مائة قال: “لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على ألا نفر”.
وروى أيضاً بإسناده إلى جابر بن عبد الله قال: “كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة وقال: بايعناه على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت”
فهذه الأحاديث أوضحت لنا الشيء الذي بايع عليه الصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية إلا أن بعضها تفيد أن البيعة كانت على الموت وبعضها يفيد أنهم بايعوا على عد الفرار، فقد يحس القارئ أن بين هذه الروايات اختلافاً ف الشيء الذي كانت البيعة عليه والواقع أنه لا اختلاف بينها.
فقد قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى: “قد بايعه قوم من أصحابه على الموت، وإنما قالوا: “لا نزال بين يديك حتى نقتل، وبايعه آخرون فقالوا لا نفر”3.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: “لا تنافي بين قوله بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا وليس المراد أن يقع الموت ولا بد”4.
تلك هي البيعة التي استحق بها أصحاب الحديبية رضوان الله تعالى والثناء عليهم بما وقر في قلوبهم من الإيمان والوفاء والصدق وقد رتب تعالى على رضاه عنهم وعلمه بما في قلوبه ما أنعم به عليهم من سكينة وفتح ومغانم فقال تعالى: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِم كَثِيرَةً يَاخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}.
_
3 – أخبر تعالى عن أهل بيعة الرضوان أنه ألزمهم كلمة التقوى التي هي كلمة التوحيد وأنهم كانوا أحق بها وأهلها، قال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّة فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} 1.
فلقد بين تعالى في هذه الآية أنه ألزم الصحابة رضي الله عنهم كلمة التقوى وأكثر المفسرين على أن المراد بكلمة التقوى هي “لا إله إلا الله” وبين أنهم أحق بها من كفار قريش وأنهم كانوا أهلها في علم الله لأن الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الخير ذلك هو الثناء في القرآن على الصحابة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان الحديبية
4 – وروى الإمام مسلم بإسناده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يصعد الثنية نثية 1 المرار فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل” قال: فكان أول من يصعدها خيلنا خيل بني الخزرج ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر”. فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم، قال: وكان رجلاً ينشد ضالة له”2.
ثنية المرار: مهبط الحديبية والمرار: بقلة مرة إذا أكلتها الإبل قلصت عنه مشافرها، معجم البلدان 5/ 92، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم 17/ 126.
5 – روى البخاري بإسناده إلى عثمان بن موهب قال: “جاء رجل من أهل مصر وحج البيت فرأى قوماً جلوساً فقال: من هؤلاء القوم؟ فقالوا: هؤلاء قريش قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر قال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني عنه: فعاب عثمان ….. قال ابن عمر: أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ” وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز من عثمان ببطن مكة لبعثه مكانه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بيده اليمنى: هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال: هذه لعثمان” فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك”
صحيح البخاري 2/ 297.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لعثمان من يده كما ثبت ذلك أيضاً: عن عثمان نفسه فيما رواه البزار بإسناد جيد أنه عاتب عبد الرحمن بن عوف فقال له: لم ترفع صوتك علي؟ فذكر الأمور الثلاثة فأجابه عثمان بمثل ما أجاب؛ به ابن عمر قال في هذه: فشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لي من يميني “أ. هـ.
=
مختلف الحديث:
*قال العثيمين -رحمه الله- في شرح الواسطية:
* قوله: “الشجرة”: كانت موجودة في عهد الرسول عليه الصَّلاة والسلام وعهد أبي بكر رضي الله عنه وأول خلافة عمر، فلما قيل له: إن النَّاس يختلفون إليها -أي: يأتونها- يصلون عندها؛ حتى أمر عمر رضي الله عنه رضي الله عنه بقطعها، فقطعت.
قال في “الفتح”: “وجدته عند ابن سعد بإسناد صحيح، لكن في “صحيح البُخاريّ” (2) عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: رجعنا من العام المقبل -يعني: بعد صلح الحديبية- فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله. وهكذا قال المسيب والد سعيد: فلما خرجنا من العام المقبل؛ نسيناها، فلم نقدر عليها”.
وهذا لا ينافي ما ذكره ابن حجر عن ابن سعد؛ لأنَّ نسيانها لا يستلزم عدمها ولا عدم تذكرها بعد. والله أعلم.
وهذه من حسنات عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لأننا نظن أن هذه الشجرة لو كانت باقية إلى الآن؛ لعبدت من دون الله.
قال ابن حجر:
وسيأتي في المغازي موافقة المسيب بن حزن والد سعيد لابن عمر على خفاء الشجرة وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها وإلى ذلك أشار بن عمر بقوله كانت رحمة من الله أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى
ويحتمل أن يكون معنى قوله رحمة من الله أي كانت الشجرة موضع رحمة الله ومحل رضوانه لنزول الرضا عن المؤمنين عندها.
=============
*قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي -حفظه الله- في شرح كتاب الإيمان الأوسط لابن تيمية:*
الرد على الوعيدية بحديث المغفرة لأهل بيعة الرضوان
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وكذلك ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)، وهذه النصوص تقتضي أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات، ولم يشترط مع ذلك توبة، وإلا فلا اختصاص لأولئك بهذا، والحديث يقتضي المغفرة بذلك العمل.
وإذا قيل: إن هذا لأن أحداً من أولئك لم يكن له إلا صغائر لم يكن ذلك من خصائصه أيضاً، وعلى هذا يستلزم تجويز الكبيرة من هؤلاء المغفور لهم].
هو المرجح العاشر من المرجحات التي تؤيد أن العاصي الذي نفي عنه الإيمان وأثبت له الإسلام عنده أصل الإيمان، وليس منافقاً، وهو ما يسمى بالفاسق الملي، وسبق أن المسألة فيها قولان لأهل العلم أحدهما: أن الذين وصفوا بالإسلام دون الإيمان منافقون، وإسلامهم إسلام في الظاهر، وهذا مذهب البخاري وجماعة، وقول طائفة من أهل السنة ومن أهل الكلام.
القول الثاني: قول جمهور السلف والخلف: أن هؤلاء الذين أثبت لهم الإسلام ونفي عنهم الإيمان ليسوا منافقين، وإنما هم ضعفاء الإيمان معهم أصل الإيمان، ونفي عنهم الإيمان لكونهم قصروا في بعض الواجبات، أو فعلوا بعض المحرمات، وقد ذكر المؤلف مرجحات كثيرة، وهذا المرجح العاشر يدل على أن العاصي إذا نفي عنه الإيمان يبقى معه أصل الإيمان. …..
تتمة شرح الراجحي:
يقول العلماء: أفضل الصحابة الخلفاء الراشدون ثم بقية العشرة المشهود لهم بالجنة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) استدل به المؤلف رحمه الله على أن من وقع في معصية أو في كبيرة يبقى معه أصل الإيمان، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: وهذه النصوص تقتضي أن السيئات مغفورة بتلك الحسنات، والحسنة هي البيعة تحت الشجرة، فتغفر بها السيئات، وكذلك أيضاً شهود بدر.
تنبيه:
في قوله تعالى {ثم نُنَجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} – رقم الآية: 72
في قوله تعالى {جثيا}
في رواية حفص عن عاصم
وقراءة حمزة و الكسائي
*بكسر الجيم*
عند باقي الرواة:
*بضم الجيم*