467 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري وسلطان الحمادي ومحمد فارح
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
467 – قال الحافظ أبو علي بن السكن كما في “نصب الراية” (ج 1 ص 167): حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَيَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالُوا: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رَأَيْت سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَبُولُ بَوْلَ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ، يَكَادُ أَنْ يَسْبِقَهُ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقُلْت: أَلَا تَنْزِعُ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا، رَأَيْتُ خَيْرًا مِنِّي وَمِنْكَ يَفْعَلُ هَذَا، وَرَأَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ.
قال الزيلعي: قال ابن دقيق العيد: وهذا إسناد على شرط الشَّيخين؛ فيعقوب الدورقي وعبد العزيز وأبوه من رجال الشيخين، وشيوخ ابن السكن هؤلاء ثقات. اهـ
* قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في “المطالب العالية” (ج 2 ص 353) بتحقيق الأخ عبد الله بن عبد المحسن التويجري حفظه الله: وقال ابن أبي شيبة: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم: أنه رأى سهل بن سعد رضي الله عنه بال بول الشيخ الكبير وهو قائم، يكاد يسبقه، ثم توضأ ومسح على الخفين، فقلت: ألا تنزع الخفين؟ قال: [ص: 397] لا؛ رأيت من هو خير مني ومنك مسح [عليها]. يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
قال الحافظ: إسناده صحيحٌ.
———-
بوب عليه مقبل في الجامع:
48 – المسح على الخفين
22 – لبس النعال والخفاف
356 – قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}
مسألة المسح على الخفين تكررت معنا مرات عديدة منها:
مشكل الحديث رقم: {27}
يشكل حديث همام بن الحارث قال رأيت جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى، فسُئل فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل هذا. قال إبراهيم: فكان يعجبهم لأن جريراً كان من آخر من أسلم.
رواه البخاري ومسلم.
مع ما جاء في آية المائدة على قراءة الجر في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ)
و الصحيح المسند 1033
قال أبو بكر ابن أبي شيبة رحمه الله (ج1/ ص175):
حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُد بْنُ عَمْرٍو، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الأَشْجَعِيُّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ.
وفي البخاري:
7 – بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّامِيَّةِ
عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَالَ: يَا مُغِيرَةُ، خُذِ الْإِدَاوَةَ. فَأَخَذْتُهَا، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَارَى عَنِّي، فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ شَامِيَّةٌ، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ كُمِّهَا فَضَاقَتْ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ أَسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ صَلَّى».
و 387،388 – رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري.
بابُ الصَّلاَةِ فِي الخِفافِ.
قال ابن حزم:
[مَسْأَلَة الرجال وَالنِّسَاء فِي أَحْكَام الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ وتوقيت الْمُدَّة]
مَسْأَلَةٌ:
وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ، وَسَفَرُ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَكَذَلِكَ مَا لَيْسَ طَاعَةً وَلَا مَعْصِيَةً، وَقَلِيلُ السَّفَرِ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ عُمُومُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحُكْمِهِ، وَلَوْ أَرَادَ عليه السلام تَخْصِيصَ سَفَرٍ مِنْ سَفَرٍ، وَمَعْصِيَةٍ مِنْ طَاعَةٍ، لَمَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَاهِبُ الرِّزْقِ وَالصِّحَّةِ وَعُلُوُّ الْيَدِ لِلْعَاصِي وَالْمَرْجُوُّ لِلْمَغْفِرَةِ لَهُ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مَنْ فُسَحِ الدِّينِ بِمَا شَاءَ، وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلَا مَعْنَى لِتَفْرِيقِ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ سَفَرِ الطَّاعَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ – لَا مِنْ طَرِيقِ الْخَبَرِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ.
أَمَّا الْخَبَرُ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فَلَوْ كَانَ هَهُنَا فَرْقٌ لَمَا أَهْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا كَلَّفَنَا عِلْمَ مَا لَمْ يُخْبِرْنَا بِهِ، وَلَا أَلْزَمَنَا الْعَمَلَ بِمَا لَمْ يُعَرِّفْنَا بِهِ، هَذَا أَمْرٌ قَدْ أَمِنَّاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ الْمُقِيمَ قَدْ تَكُونُ إقَامَتُهُ إقَامَةَ مَعْصِيَةٍ وَظُلْمٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَعُدْوَانًا عَلَى الْإِسْلَامِ أَشَدَّ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ يُطِيعُ الْمُسَافِرُ فِي الْمَعْصِيَةِ فِي بَعْضِ أَعْمَالِهِ، وَأَوَّلُهَا الْوُضُوءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَسْحُ الْمَذْكُورُ الَّذِي مَنَعُوهُ مِنْهُ، فَمَنَعُوهُ مِنْ الْمَسْحِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ، وَأَمَرُوهُ بِالْغُسْلِ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ أَيْضًا، وَهَذَا فَسَادٌ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا، وَأَطْلَقُوا الْمَسْحَ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي فِي إقَامَتِهِ.
فَإِنْ قَالُوا الْمَسْحُ رُخْصَةٌ وَرَحْمَةٌ، قُلْنَا مَا حَجَرَ عَلَى اللَّهِ التَّرْخِيصَ لِلْعَاصِي فِي بَعْضِ أَعْمَالِ طَاعَتِهِ، وَلَا رَحْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إلَّا جَاهِلٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى، قَائِلٌ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَكُلُّ سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَيَمْسَحُ فِيهِ مَسْحَ سَفَرٍ، وَمَا لَا قَصْرَ فِيهِ فَهُوَ حَضَرٌ وَإِقَامَةٌ، لَا يَمْسَحُ فِيهِ إلَّا مَسْحَ الْمُقِيمِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
[المحلى بالآثار 1/ 333]
قال ابن عثيمين:
يقول ما هي أحكام المسح على الخفين؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الخفين له حكم واحد وهو أن الإنسان إذا لبسهما على طهارة بالماء فإنه يجوز له أن يمسح عليهما لكن بثلاثة شروط:
الشرط الأول: هو ما أشرنا إليه أن يكون قد لبسهما على طهارة بالماء ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (أنه صَبَّ على النبي صلى الله عليه وسلم وضوءه فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم فأهوى المغيرة إلى خفيه لينزعهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) فقوله صلى الله عليه وسلم (فإني أدخلتهما طاهرتين) تعليل لقوله (دعهما) والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً فدل هذا على أنه إذا لبسهما الإنسان على طهارة جاز له المسح وإذا لبسهما على غير طهارة فإنه لا يمسح
الشرط الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر دون الأكبر لحديث صفوان بن عسال (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) فقوله (إلا من جنابة) يدل على أنه لا يجوز مسحهما مع الجنابة بل يجب نزعهما.
الشرط الثالث: أن يكون في المدة المحددة شرعاً وهي للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها للمقيم يوم وليلة تبتدئ من أول مرة مسح وليس من الحدث بعد اللبس وليس من اللبس وذلك لأن النصوص جاءت بأن يمسح يوماً وليلة ولا يتحقق المسح إلا بوجوده فعلاً فالمدة التي تسبق المسح لا تحسب من المدة التي قدرها النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قُدِّرَ أن الرجل توضأ لصلاة الفجر ثم بقي على طهارته وانتقض وضوؤه قبل الظهر بساعتين ثم توضأ لصلاة الظهر ومسح فإن ابتداء المدة يكون من مسحه حين مسح لصلاة الظهر وليس من الحدث الذي سبق الظهر بساعتين فيكمل على هذا المسح يوماً وليلة إن كان مقيماً وثلاثة أيام بلياليهن إن كان مسافراً وقد اشتهر عند بعض الناس أن الإنسان يمسح خمسة أوقات إذا كان مقيماً وهذا ليس بصحيح وإنما يمسح يوماً وليلة كما جاء به النص وهذا يمسح وقد يصلى أكثر من خمس صلوات فلو أنه مسح في الساعة الثانية عشرة ظهراً فلما كان اليوم الثاني مسح في الساعة الثانية عشرة إلا ربعاً ظهراً ثم بقي على طهارته حتى صلى العشاء فإنه في هذه الحالة يكون صلى تسع صلوات ظهر اليوم الأول والعصر والمغرب والعشاء والفجر وظهر اليوم الثاني والعصر والمغرب والعشاء وذلك لأن المدة إذا تمت وقد مسحت قبل أن تتم وبقيت على طهارتك فإن طهارتك لا تنتقض وقول مَنْ قال إن الطهارة تنتقض بتمام المدة لا دليل عليه والأصل بقاء الطهارة حتى يقوم دليل على انتقاضها لأن القاعدة الشرعية أن ما ثبت بدليل لا يرتفع إلا بدليل ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من تمت مدة مسحه انتقضت طهارته فإذا لم يرد ذلك وجب أن يبقى الوضوء على حاله والنبي عليه الصلاة والسلام إنما وقت المسح ولم يوقت الطهارة لو كان النبي صلى الله عليه وسلم وقت الطهارة لكانت الطهارة تنتقض بتمام اليوم والليلة وهو إنما وقت المسح، نعم لو مسح الإنسان بعد تمام المدة ولو ناسياً فإنه يجب
عليه أن يعيد الوضوء وأن ينزع خفيه ويغسل قدميه حتى لو صلى بهذا الوضوء الذي كان بعد تمام المدة ومسح فيه فإنه يجب عليه إعادة الصلاة ولو كان ناسياً، وأما إذا كان مسافراً فإنه يمسح ثلاثة أيام بلياليها ويكون ابتداء المدة كما أسلفت من أول مرة مسح ثم لو مسح (*في الحضر ثم سافر فإنه يتم مسح مقيم) يوماً وليلة أما لو لبس الخفين في الحضر ولم يمسح إلا في السفر فإنه يتم ثلاثة أيام ولو أنه ابتدأ المسح في السفر ثم وصل إلى بلده فإنه لا يمسح إلا مسح مقيم فإن كانت مدة مسح المقيم قد انتهت وجب عليه الخلع وغسل رجله إذا توضأ وإن كانت لم تنته فإنه يتمها على مسح مقيم يوماً وليلة من أول مرة مسح.
(*هذا رأي الشيخ في القديم انظر فتوى 155)
فضيلة الشيخ: لو كان يلبس أكثر من جورب فالحكم يكون على الأعلى حيث لو فسخ الأعلى ينتقض الحكم؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لبس الجوربين فأكثر فإن لبس الثاني قبل أن يحدث فله الخيار بين أن يمسح الأعلى أو الذي تحته لكنه إذا مسح أحدهما تعلق الحكم به.
فضيلة الشيخ: أول مرة يعني أول مسح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا مسح أحدهما أول مرة تعلق الحكم به فلو خلعه بعد مسحه فإنه لابد أن يخلع الثاني عند الوضوء ليغسل قدميه وقال بعض أهل العلم إنه لو لبس جوربين ومسح الأعلى منهما ثم خلعه فله أن يمسح الثاني مادامت المدة باقية لأن هذين الخفين صارا كخفٍ واحدٍ فهو كما لو كان عليه خف له بطانة وظِهَارة فمسح الظِّهارة ثم تمزقت الظِّهارة أو انقلعت فإنه يمسح البطانة لأن الخف واحد قال هؤلاء العلماء رحمهم الله فالخفان الملبوسان كأنهما خف واحد، ولكن الأحوط ما ذكرته آنفاً من أنه إذا مسح الخف الأعلى ثم نزعه فلا بد أن يخلع ما تحته وبناء على ذلك نقول مَنْ لبس جورباً وخفاً يعني كنادر على الشراب وصار يمسح الكنادر فإنه إذا خلع الكنادر بعد مسحها لا يعيد المسح عليها مرة أخرى بل يجب عليه أن يخلعهما عند الوضوء ويخلع الجوارب ليغسل قدميه إلا على القول الثاني الذي أشرت إليه ولكن الأحوط هو القول الأول وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد.
***
[فتاوى نور على الدرب للعثيمين 7/ 2 بترقيم الشاملة آليا]
قال الشيخ الفوزان:
باب في أحكام المسح على الخفين وغيرهما من الحوائل
إن ديننا دين يسر لا دين مشقة وحرج، يضع لكل حالة ما يناسبها من الأحكام مما به تتحقق المصلحة وتنتفي المشقة، ومن ذلك ما شرعه الله في حالة الوضوء، إذا كان على شيء من أعضاء المتوضئ حائل يشق نزعه ويحتاج إلى بقائه: إما لوقاية الرجلين كالخفين ونحوهما، أو لوقاية الرأس كالعمامة، وإما لوقاية جرح ونحوه كالجبيرة ونحوها؛ فإن الشارع رخص للمتوضئ أن يمسح على هذه الحوائل، ويكتفي بذلك عن نزعها وغسل ما تحتها؛ تخفيفا منه سبحانه تعالى على عباده، ودفعا للحرج عنهم.
فأما مسح الخفين أو ما يقوم مقامهما من الجوربين والاكتفاء به عن غسل الرجلين؛ فهو ثابت بالأحاديث الصحيحة المستفيضة المتواترة في مسحه صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، وأمره بذلك، وترخيصه فيه.
قال الحسن: “حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين”.
وقال النووي: “روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة”.
وقال الإمام أحمد: “ليس في نفسي من المسح شيء، فيه أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم “.
وقال ابن المبارك وغيره: “ليس في المسح على الخفين بن الصحابة اختلاف، هو جائز”.
ونقل ابن المنذر وغيره إجماع العلماء على جوازه، واتفق عليه أهل السنة والجماعة؛ بخلاف المبتدعة الذين لا يرون جوازه.
وحكم المسح على الخفين: أنه رخصة، فعله أفضل من نزع الخفين وغسل الرجلين؛ أخذاً برخصة الله عز وجل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلف ضد حالة التي عليه قدماء، بل إن كانتا في الخفين؛ مسح على الخفين، وغن كانتا مكشوفتين؛ غسل القدمين؛ فلا يشرع لبس الخف ليمسح عليه.
ومدة المسح على الخفين بالنسبة للمقيم ومن سفره لا يبيح له القصر يوم وليلة، وبالنسبة لمسافر سفرًا يبيح له القصر ثلاثة أيام بلياليها؛ لما رواه مسلم؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة”.
وابتداء المدة في الحالتين يكون من الحدث بعد اللبس؛ لأن الحدث هو الموجب للوضوء، ولأن جواز المسح يبتدئ من الحدث، فيكون ابتداء المدة من أول جواز المسح، ومن العلماء من يرى أن ابتداء المدة يكون من المسح بعد الحدث.
شروط المسح على الخفين ونحوهما:
1 يشترط للمسح على الخفين وما يقوم مقامها من الجوارب ونحوها أن يكون الإنسان حال لبسهما على طهارة من الحدث؛ لما في الصحيحين وغيرهما؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن أراد نزع خفيه وهو يتوضأ: “دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين”، وحديث: “أمرنا أن نمسح على الخفين إذا نحن أدخلناهما على طهر”، وهذا واضح الدلالة على اشتراط الطهارة عند اللبس للخفين، فلو كان حال لبسهما محدثا؛ لم يجز المسح عليهما.
2 ويشترط أن يكون الخف ونحوه مباحا، فإن كان مغصوبا أو حريراً بالنسبة للرجل؛ لم يجز المسح عليه؛ لأن المحرم لا تستباح به الرخصة.
3 ويشترط أن يكون الخف ونحوه ساتراً للرجل؛ فلا يمسح عليه إذا لم يكن ضافيا مغطيا لما يجب غسله؛ بأن كان نازلاً عن الكعب أو كان ضافيا لكنه لا يستر الرجل؛ لصفائه أو خفته؛ كجورب غير صفيق؛ فلا يمسح على ذلك كله؛ لعدم ستره.
ويمسح على ما تقوم مقام الخفين؛ فيجوز المسح على الجورب الصفيق الذي يستر الرجل من صوف أو غيره؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين، رواه أحمد وغيره وصححه الترمذي، ويستمر المسح عليه إلى تمام المدة؛ دون ما يلبس فوقه من خف أو نعل ونحوه، ولا تأثير لتكرار خلعه ولبسه إذا كان قد بدأ المسح على الجورب.
ويجوز المسح على العمامة بشرطين:
أحدهما: تكون ساترة لما لم تجر العادة بكشفه من الرأس.
الشرط الثاني: أن تكون العمامة محنكة، وهي التي يدار منها تحت الحنك دور فاكثر، أو تكون ذات ذؤابة، وهي التي يرخى طرفها من الخلف؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على العمامة بأحاديث أخرجها غير واحد من الأئمة، وقال عمر: “من لم يطهره المسح على العمامة؛ فلا طهره الله”.
وإنما يجوز المسح على الخفين والعمامة في الطهارة من الحدث الأصغر، وأما الحدث الأكبر؛ فلا يمسح على شيء من ذلك فيه، بل يجب غسل ما تحتهما.
ويمسح على الجبيرة، وهي أعواد ونحوها تربط على الكسر، ويمسح على الضماد الذي يكون على الجرح، وكذلك يمسح على اللصوق الذي يجعل على القروح، كل هذه الأشياء يمسح عليها؛ بشرط أن تكون على قدر الحاجة؛ بحيث تكون على الكسر أو الجرح وما قرب منه مما لا بد منن وضعها عليه لتؤدي مهمتها، فإن تجاوزت قدر الحاجة؛ لزمه نزع ما زاد عن الحاجة.
ويجوز المسح على الجبيرة ونحوها في الحدث الأصغر والأكبر، وليس للمسح عليها وقت محدد، بل يمسح عليها إلى نزعها أو برء ما تحتها؛ لأن مسحها لأجل الضرورة إليها، فيقتدر بقدر الضرورة.
والدليل على مسح الجبيرة حديث جابر رضي الله عنه قال: “خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منا حجر، فشجه في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل، فمات، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أخبر بذلك، فقال “قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا؛ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها”، رواه أبو داود وابن ماجه، وصححه ابن السكن.
محل المسح من هذه الحوائل:
يمسح ظاهر الخف والجورب، ويمسح أكثر العمامة، ويختص ذلك بدوائرها، ويمسح على جميع الجبيرة.
وصفة المسح على الخفين أن يضع أصابع يديه مبلولتين بالماء على أصابع رجليه ثم يمرهما إلى ساقه، يمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى، والرجل اليسرى باليد اليسرى، ويفرج أصابعه إذا مسح، ولا يكرر المسح.
وفقنا الله جميعا للعلم النافع والعمل الصالح.
[الملخص الفقهي 1/ 53]
قال الدبيان:
الخاتمة
أهم النتائج التي توصلت إليها في البحث:
بعد نهاية التطواف في أحكام المسح على الخفين والجوربين والعمامة والجبيرة نخرج من هذا البحث بفوائد منها:
الفائدة الأولى: أن جل مسائل أحكام المسح على الخفين نجد أن قول الجمهور فيها خلاف القول الراجح، مما يؤكد لطالب العلم أن الكثرة لا تدل على الإصابة، فكم من قول تبناه الجمهور، وهو قول ضعيف من جهة الأثر والنظر
الفائدة الثانية: أن مسائل الإجماع في هذا الباب قليلة جدًّا، وذلك لأن أصل الباب، وهو المسح على الخفين أنكره بعض السلف، وبعضهم ادعى أنه منسوخ بآية المائدة.
الفائدة الثالثة: أكثر شروط المسح على الخفين لا دليل عليها من الأثر، ولا من النظر الصحيح.
الفائدة الرابعة: كثرة الأحاديث في المسح على الخفين، بل إن الأحاديث الواردة في المسح على الخفين أعظم بكثير من أحاديث الحيض والاستحاضة والنفاس، وأكثر من أحاديث التيمم، مع أن هذين البابين أهم بكثير من المسح على الخفين، كل ذلك من أجل توكيد المسح على الخفين، ورفع الريبة في حكمهما، والله أعلم.
الفائدة الخامسة: ما رجحته في مباحث هذا الكتاب كالتالي
رجحت جواز المسح على الخفين والجوربين والنعل والعمامة والخمار، كما ملت إلى ترجيح الغسل على المسح من بعض الوجوه.
كما رجحت أن المسح على الخفين رافع للحدث.
وأن من به حدث دائم يحق له المسح كغيره.
وأنه يجوز المسح على الخف المتنجس في استباحة مس المصحف ونحوه مما لا تشترط له الطهارة من النجس، بخلاف الصلاة، فإنه يجب عليه أن يكون طاهرًا في بدنه وثوبه وبقعته، والله أعلم.
ورجحت المسح على الخف المحرم، سواء كان التحريم لحق الله أم لحق الآدمي، وذلك لأن التحريم عائد على أمر خارج عن المسح.
كما رجحت جواز المسح على الخف المخرق، سواء كان الخرق يسيرًا أم كبيرًا ما دام يمكن له أن يلبسه، وينتفع به.
كما رجحت جواز المسح على الجوارب التي تصف البشرة لرقتها، وأنه لا يوجد دليل على اشتراط أن يكون الجورب صفيقًا.
كما بينت ضعف مذهب المالكية في اشتراط كون الخف من جلد.
ورجحت أن يكون لبسه للخف على طهارة مائية، فلو تيمم، ولبس الخف، فإذا وجد الماء وجب خلع الخف، لعود الحدث السابق للبدن.
كما رجحت جواز لبس الخف بعد طهارة إحدى القدمين، وأنه لا يشترط أن تكون القدمان كلتاهما طاهرتين، وإن كان الأحوط مراعاة ذلك.
والمسح على الحائل لا مجال للقياس فيه، فلا يمسح إلا ما ورد به النص من خف وجورب وعمامة، فلا يجوز أن يمسح على القفازين، ولا على ما تطلي به المرأة أظفارها، ونحو ذلك.
كما رجحت بأن نية الوضوء شرط في صحة المسح على الخفين، فلو مسحهما بلا نية لم يصح الوضوء.
وأما صفة المسح فيكفي مسح أكثر ظاهر الخف، وأكره غسل الخف بدلًا من مسحه، ولا يشرع تكرار المسح على الخفين، وأن يبدأ باليمنى حال المسح، وإن بدأ بهما معًا فلا حرج، وأن تبدأ المدة من أول مسح بعد الحدث، وأن الراجح في المسح على الخفين بأنه عبادة مؤقتة، يومً وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ورجحت جواز لبس الخف على الخف، وإذا مسح خفًا تعلق الحكم به، فإذا خلعه، ثم أعاده، لم يمسح عليه إلا إن لبسه على طهارة مائية، ولا تنتقض الطهارة بمجرد خلع الخف.
ورجحت جواز المسح على العمامة، وعلى خمار المرأة، وعلى القلانس، وأن المسح على العمامة لا يشترط أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة، ولا يشترط لبس العمامة على طهارة، ومسحها غير مؤقت على الصحيح، وإذا خلع العمامة لم تبطل طهارته، ولا يشترط استيعاب العمامة بالمسح.
وفي المسح على الجبيرة رجحت أن المسح لم يرد فيه نص مرفوع مع كثرة ما يصيب المسلمين من جراح، وهم أهل جهاد، فلو كان مشروعًا لجاء ما يبين هذا الحكم، خاصة أنه يتعلق بأعظم العبادات العملية، وهي الصلاة، وأن المشروع في الجبيرة أن يعطى الأكثر حكم الكل، فإن كان أكثر الأعضاء سليمًا سقط غسل الباقي، وإن كان أكثر الأعضاء عليه جبيرة شرع التيمم، وسقط الغسل، والله أعلم.
وهذه المسائل التي رجحتها لا تعدو أن تكون فهمًا معرضًا للخطأ والصواب، والتقصير والقصور، وهذا الفهم قد توافقني عليه، وقد تخالفني، ولا يكلف الإنسان إلا بما ظهر له، فإن أصاب فله أجران، وإلا كان له أجر، وهذا من لطف الله سبحانه وتعالى حيث لم يحرم المجتهد إذا أخطأ من الأجر، فهو على النصف من أجر المصيب، وما على الإنسان إلا أن يستفرغ وسعه في البحث والتحري للقول الراجح، وأن يبذل ما يستطيع في فهم النصوص، وأن يتحرى العدل والإنصاف، وأن يكون كالقاضي بين الخصوم، ينظر في حجة كل قول، ويتحرى أقربها للحق والعدل، وأن يبتعد عن التقليد الأعمى، فما وهنت الأمة، ولا ذلت، إلا بتركها الجهاد والاجتهاد في دينها، ففي الجهاد كمال القوة، وفي الاجتهاد كمال العلم والمعرفة. قال سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة: 122].
وفي الختام أسأل الله سبحانه وتعالى بلطفه ورحمته وكرمه وعفوه أن يتجاوز عني، وأن يغفر لي ذنبي كله، وأن يسددني في القول والعمل، وأن يجعل ما علمنا حجة لنا لا علينا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح إنه ولي ذلك والقادر عليه. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
* * *
[موسوعة أحكام الطهارة للدبيان 3/ 459 ط 3]
قال الإتيوبي:
قال القرطبي: أنكر طائفة من أهل البدع المسح على الخفين في السفر والحضر كالخوارج لأنهم لم يجدوه في القرآن على أصلهم وردهم أخبار الآحاد، وأنكرته الشيعة لما روي عن علي أنه كان لا يمسح، وأنكره غير هؤلاء زاعمين أن التمسك بآية الوضوء أولى إما لأنها ناسخة لما تقدمها من جواز المسح الثابت بالسنة وإما لأنها أرجح من أخبار الآحاد، وأما جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى فالمسح عندهم جائز، قال الحسن: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، ثم إنه قد ورد من الأحاديث الصحيحة والمشهورة ما يفيد مجموعها القطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وقد روي عن مالك إنكار المسح على الخفين وليس ذلك بصحيح مطلقًا، وإنما الذي صح عنه من رواية ابن وهب في هذا أنه قال “لا أمسح في حضر ولا سفر” نقلها أبو محمد بن أبي زيد في نوادره وغيره، فظاهر هذا أنه اتقاه في نفسه، وقد روى ابن نافع في المبسوط عن مالك ما يزيل كل إشكال أنه قال له عند موته: المسح على الخفين في الحضر والسفر صحيح يقين ثابت لا شك فيه إلا أني كنت أجد في خاصة نفسي بالطهور ولا أرى من مسح مُقَصِّرًا فيما يجب عليه، وعلى هذا حمل أحمد بن حنبل قول مالك، كما روي عن عمر أنه أمرهم أن يمسحوا أخفافهم وخلع هو وتوضأ وقال: حُبِّب إليَّ الوضوء، ونحوه عن أبي أيوب، قال الشيخ رحمه الله تعالى: وعلى هذا يحمل ما روي عن علي، قال أحمد بن حنبل: فمن ترك ذلك على نحو ما تركه عمر وأبو أيوب ومالك لم أُنْكِره عليه وصلّينا خلفه ولم نَعِبْهُ إلا أن يترك ذلك ولا يراه كما صنع أهل البدع فلا نصلي خلفه.
فأما من أنكر المسح في الحضر وهي أيضًا رواية عن مالك فلأن أكثر أحاديث المسح إنما هي في السفر والصحيح جواز المسح فيه إذ هو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله، وحديث السباطة مما يدل عليه حيث كانت السباطة خلف الحائط بل قد روي في ذلك الحديث عن حذيفة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة .. وذكر الحديث، وقد روى أبو داود عن بلال أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الأسواق لحاجته ثم خرج فتوضأ ومسح على خفيه؛ والأسواق موضع بالمدينة وسيأتي حديث علي في توقيت المسافر والمقيم.
واعلم أن هذا الحديث ـ[عَنْ حُذَيفَةَ؛ قَال: كُنْتُ مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فَانتهى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ. فَبَال قَائِمًا. فَتَنَحَّيتُ. فَقَال: “ادْنُهْ” فَدَنوتُ حَتَّى قلت عِنْدَ عَقِبَيهِ. فَتَوَضَّأَ، فَمَسَحَ عَلَى خُفيهِ]ـ مشتمل على أنواع من الفوائد تقدم بسط أكثرها فيما ذكرناه ونشير إليها ها هنا مختصرة منها: أن فيه إثبات المسح على الخفين، وفيه جواز المسح في الحضر، وفيه جواز البول قائمًا وجواز القرب من البائل، وفيه جواز طلب البائل من صاحبه القرب منه ليستره، وفيه استحباب الستر، وفيه جواز البول بقرب الدُّور، وفيه غير ذلك من الفوائد الفقهية.
[الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 5/ 367]
قال الإمام ابن دقيق العيد: «وقد اشْتَهر جواز المسح على الخفين عند علماء الشريعة، حتى عُدَّ شعاراً لأهل السنة، وعُد إنكاره شعاراً لأهل البدع»
إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (1) / (113)
قال الأثرم: سمعت أحمد بن حنبل وقد قيل له: ما تقول فيما روي عن أبي هريرة، وأبي أيوب، وعائشة في إنكار المسح على الخفين فقال: إنما روي عن أبي أيوب أنه قال: حُبّب إليَّ الغسل ((1)) فإن ذهب ذاهب إلى قول أبي أيوب الأنصاري: حُبّبَ إليَّ الغسل لم أعبْهُ.
قال: إلا أن يترك الرجل المسح ولا يراه كما صنع أهل البدع، فهذا لا يُصلَّى خلفه.
«الاستذكار» (2) / (240).
الجامع لعلوم الإمام أحمد – الفقه (5) / (233)
وقال الإتيوبي أيضا:
“المسألة السابعة”: فيما بقي من الأحكام المستفادة من الحديث:
منها: جواز البول بالقرب من الدار.
ومنها: أن فيه دليلًا على أن مدافعة البول ومصابرته مكروهة لما فيه من الضرر.
ومنها: جواز طلب البائل من صاحبه الماء للوضوء.
ومنها: خدمة المفضول للفاضل ذكر هذه الفوائد في العمدة جـ 3/ ص 11.
ومنها جواز المسح في الحضر قاله في الفتح.
ومنها: دفع أشد المفسدتين بأخفهما والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا، وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم، فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من الضرر، فراعَى أهم الأمرين، وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارَّة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما اهـ فتح جـ 2/ ص 122.
وليس فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول لأن رواية البخاري “فأشار إليَّ” تدل أنه بالإشارة لا بالكلام أفاده الحافظ، وتعقبه البدر العيني بأنه ترده رواية الطبراني التي قدمناها من رواية عصمة بن مالك وفيها فقال “ياحذيفة استرني” فإنها صريحة بالتلفظ. قال: ويمكن أن يجمع بين الروايتين بأن يكون عليه السلام أشار أولا بيده أو برأسه، ثم قال: “استرني” وقال أيضا ما معناه: إنه لا يدل على جواز الكلام وعدمه، إذ إشارته صلى الله عليه وسلم أو قوله “استرني” لم يكن إلا قبل شروعه في البول اهـ.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره العيني من الجمع أخيرًا هو الذي يكون أولى بالاعتماد عليه، والله أعلم.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 1/ 425]
قال عبدالحق الدهلوي:
– باب المسح على الخفين
اعلم أن المسح على الخفين جائز بالسنة، والأخبار فيه مستفيضة حتى قيل: إن من لم يره حقًا كان مبتدعًا، كذا في «الهداية» ((1) / (30)).
، وقد صرح جمع من الحفاظ بأن حديث المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوز الثمانين، منهم العشرة المبشرة، وقال ابن عبد البر: لا أعلم أنه روي عن أحد من فقهاء السلف إنكاره، كذا في (المواهب اللدنية)
«المواهب اللدنية» ((4) / (42)).
ونقل الشُّمُنِّي عن ابن عبد البر أنه قال: روى المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة، وروي عن أبي حنيفة أنه قال: ما قلت بالمسح على الخفين حتى جاءني فيه آثار مثل ضوء الشمس، وقال أبو يوسف: خبر المسح يجوز به نسخ الكتاب لشهرته، وقال الكرخي: أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين، لأن الآثار التي جاءت به في حيز التواتر، وقال الحسن البصري: أدركت سبعين نفرًا من الصحابة رضي الله عنهم كلهم يرون المسح على الخفين.
وروى الجماعة من حديث جرير أنه قال: رأيت رسول اللَّه ? بال ثم توضأ
ومسح على خفيه، قال إبراهيم النخعي: كان يعجبهم هذا؛ لأن جريرًا كان إسلامه بعد نزول سورة المائدة، وقال النسائي: وكان أصحاب عبد اللَّه يعجبهم قول جرير: قبل موت النبي ? بيسير، وقد أمر رسول اللَّه ? المسح على الخفين في غزوة تبوك وهي آخر غزوة غزاها وهو آخر فعله.
وقال ابن المبارك: ليس في المسح على الخفين عندنا خلاف أنه جائز، وإن الرجل ليسألني عن المسح فأرتاب به أن يكون صاحب هوى مع أن بعض العلماء تأول قراءة الجر في قوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: (6)] على ذلك، وقراءة النصب على الغسل، لئلا تخلو إحدى القراءتين عن فائدة.
ثم إن المسح على الخفين رخصة، والعزيمة هو الغسل، قال في (الهداية): من لم ير المسح حقًّا كان مبتدعًا، ولكن من رآه ولم يمسح أخذًا بالعزيمة كان مأجورًا.
وقال في (المواهب): قال ابن المنذر: اختلف العلماء أيهما أفضل، المسح على الخفين أو نزعهما وغسل الرجلين؛ والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض، وقال النووي: مذهب أصحابنا أن الغسل أفضل لكونه الأصل لكن بشرط أن لا يترك المسح.
وقال في (شرح كتاب الخرقي) في مذهب الإمام أحمد: ولقد بالغ إمامنا في كتاب السنة كما هو دأبه، فجعل المسح أفضل من الغسل في رواية، وإليها ميل
الشيخين أخذًا بالرخصة ومخالفةً لشعار أهل البدع المانعين من ذلك، وسوّى بينهما في أخرى لورود الشريعة بهما.
شرح الزركشي على مختصر الخرقي» ((1) / (139))
وقال الفيروزآبادي في (سفر السعادة) ((1)):
سفر السعادة للفيروزابادي (1) / (26) — الفيروزآبادي (ت (817))
باب طهارة حضرة صاحب الرسالة ??فصل تيمم الرسول
فصل
ثبت في الأخبار الصحيحة: أن النبي ? مسح على الخفين في السفر والحضر، ومدة الحضر يوم وليلة، فيما أمر، وثلاثة أيام ولياليها في السفر، وكان يمسح على ظاهر الخف ((3)) وورد في مسح أسفله حديث ضعيف، ولم يثبت في الصحيح، وكان يمسح على الجورب. وحديث الجرموق رواه الترمذي وصححه وضعفه جماعة من الحفاظ، وكان لا يقصد المسح ولا الغسل، لكن إن كان في حالة قصد الوضوء لابسًا، مسح وإلا غسل، ولم يكن يلبس ليمسح ولا ينزع ليغسل، ولما كان للعلماء أقوال في أفضلية المسح أو الغسل بينا ليعلم أن أحسن الأقوال هذا الذي وافق العادة النبوية. انتهى
ثم إنه قد نقل عن مالك إنكار المسح مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته، وقد أشار الشافعي في (الأم) إلى إنكار ذلك على المالكية، والمعروف عندهم الآن قولان: الجواز مطلقًا، وثانيهما للمسافر دون المقيم، وهذا الثاني مقتضى ما في (المدونة)، وبه جزم ابن الحاجب كذا في (المواهب اللدنية).
وقال محمد في (موطئه) ((3)): قال مالك بن أنس: لا يمسح المقيم على الخفين، وعامة هذه الآثار التي روى مالك في المسح إنما هي في المقيم، ثم قال: لا يمسح المقيم.
وقال في (فتح الباري) ((4)): الروايات الصحيحة عن مالك مصرحة بجوازه مطلقًا، وقيل: كان توقف مالك في المسح حال الإقامة في خاصة نفسه، وكان فتواه على الجواز، ومثل هذا يروى عن أبي أيوب الصحابي رضي اللَّه تعالى عنه، انتهى.
وراجع لهذه النقول
لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح لعبد الحق الدهلوي (2) / (242) – (244)
قال اللكنوي:
قوله: وقال مالك بن أنس … إلخ، هذا الذي حكاه عنه إنما هو رواية عنه غير معتمدة، فقد روي عنه في ذلك ثلاث روايات: إحداها: وهي أشد نكارة من إنكار المسح في الحضر والسفر، والثانية: كراهة المسح في الحضر وجوازه في السفر، والثالثة: إجازة المسح في الحضر والسفر، كذا ذكره ابن عبد البر. وذكر العيني نقلًا، عن النووي، أنه رُوي عنه ست روايات: إحداها: لا يجوز المسح أصلًا، ثانيها: يكره، ثالثها: يجوز من غير توقيت وهي المشهورة عند أصحابه، ورابعها: يجوز مؤقتًا، وخامسها: يجوز للمسافر دون المقيم، وسادسها: يجوز لهما. وقال ابن عبد البر: موطأ مالك يشهد للمسح في الحضر والسفر.
قوله: وعامة هذه الآثار … إلخ، ردّ عل مالك بأن أثر ابن عمر وسعد وأنس وعمر التي ذكرها في الموطأ دالّة عل جواز المسح في الحضر، فكيف يجوز إنكاره مع ورودها. واحتج بعض أصحابه بأن المسح شُرع لمشقة السفر وهي مفقودة في الحضر، ورده ابن عبد البر بأن القياس والنظر لا يعرّج عليه مع صحة الأثر. ومنهم من قال: أحاديث المسح في الحضر لا يثبت شيء منها، وفيه مبالغة واضحة.
التعليق الممجد على موطأ محمد (1) / (285) — أبو الحسنات اللكنوي
—-
مسألة:
البول قائمًا.
ومما يدخل في باب المياه والنجاسات آداب قضاء الحاجة وقد يظهر تعارض بعض الأحاديث مع بعضها. ففي البول قائمًا نجد أن أحاديث تبيحه وأخرى تمنعه.
أقوال العلماء في درء التعارض:
(1) – جمع الترمذي بين هذه الأحاديث بأن حمل النبي من البول قائما على التأدب لا على التحريم ”
(2) – ودرأ ابن حبان التعارض بين الحديثين «بأن حدث حذيفة رضي الله عنه كان له سبب، وهو عدم الإمكان من الجلوس، وذاك أن المصطفى –? أتى سباطة قوم، وهي المزبلة، فأراد أن يبول فلم يتهيأ له الإمكان لأن المرء إذا قعد يبول على شيء مرتفع ربما تفشى البول فرجع إليه، فمن أجل عدم إمكانه من القعود لحاجة بال قائمًا.
وعائشة رضي الله عنها لم تكن معه في ذلك الوقت، إنما كانت تراه في البيوت يبول قاعدًا فحكت ما رأت، وأخبر حذيفة بما عاين».
(3) – وكذا درأ ابن قتيبة هذا التعارض بقوله: «لم يبل قائمًا قط في منزله والموضع الذي كانت تحضره عائشة –رضي الله عنها. وبال قائمًا في المواضع التي لا يمكن أن يطمئن فيها، إما للثق في الأرض وطين وقذر.
وكذلك الموضع الذي رأى فيه رسول الله ? حذيفة يبول قائما كان مزبلة لقوم، فلم يمكنه القعود فيه ولا الطمأنينة وحكم الضرورة خلاف حكم الاختيار»
(4) – وذكر الخطابي لبوله –? قائمًا وجوهًا منها:
(1) -أنه لم يجد للقعود مكانا فاضطر إلى القيام إذ كان ما يليه من طرف السباطة مرتفعا عاليًا.
(2) – وقيل: إنه كان برجله جرح لم يتمكن من القعود معه وقد روي ذلك في حديث أبي هريرة-رضي الله عنه أن رسول الله ? بال قائمًا من جرح كان بمأبضه.
(3) -وحدثونا عن الشافعي أنه قال: كانت العرب تستشفي لوجع الصلب بالبول قائمًا. فترى أنه لعلة به إذ ذاك وجع الصلب.
(5) – وقال ابن القيم: والصحيح أنه إنما فعل ذلك-أي البول قائمًا- تنزها وبعدا من إصابة البول، فإنه إنما فعل هذا لما أتى سباطة قوم وهو ملقى الكناسة وتسمى المزبلة، وهي تكون مرتفعة، فلو بال فيها الرجل قاعدا لارتد عليه بوله وهو ? استتر بها وجعلها بينه وبين الحائط فلم يكن بد من بوله قائمًا.
(6) -وذكر النووي الأوجه الثلاثة التي حكاها الخطابي وزاد وجهًا رابعًا عن المارزي والقاضي عياض رحمهما الله وهو أنه بال قائمًا لكونها حالة يؤمن خروج الحدث من السبيل الآخر في الغالب بخلاف حالة القعود، ولذلك قال عمر: البول قائمًا أحصن للدبر. ويجوز وجه خاص أنه-? فعله للجواز في هذه المرة وكانت عادته المستمرة يبول قاعدًا ويدل عليه حديث عائشة –رضي الله عنها قالت: من حدثكم أن النبي –? كان يبول قائمًا فلا تصدقوه ما كان يبول إلا قاعدًا.
رواه أحمد بن حنبل والترمذي والنسائي وآخرون. وإسناده جيد والله أعلم.
وقد روي في النهي عن البول قائمًا أحاديث لا تثبت، ولكن حديث عائشة هذا ثابت فلهذا قال العلماء: يكره البول قائمًا إلا لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم.
قال ابن المنذر في الإشراق: اختلفوا في البول قائمًا فثبت عن عمر ابن الخطاب –رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل بن سعد أنهم بالوا قياما، قال: وروي ذلك عن أنس وعلى وأبي هريرة رضي الله عنه وفعل ذلك بن سيرين وعروة بن الزبير وكرهه بن مسعود والشعبي وإبراهيم بن سعد وكان إبراهيم بن سعد لا يجيز شهادة من بال قائمًا.
وفيه قول ثالث: أنه كان في مكان يتطاير إليه من البول شيء فهو مكروه، فان كان لا يتطاير فلا بأس به، وهذا قول مالك قال بن المنذر: البول جالسا أحب إلى وقائما مباح وكل ذلك ثابت عن رسول الله ? هذا كلام ابن المنذر والله أعلم.
(7) – وأورد السيوطي هذه الأوجه الخمسة، وزاد: «وذكر المنذري وجهًا سادسًا أنه لعله كان فيهما نجاسات رطبة وهي رخوة فخشي أن تتطاير عليه قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي: كذا ولعل القائم أجدر بهذه الخشية على القاعد، قلت مع أنه يؤول إلى الوجه الثالث، وذهب أبو عوانة وابن شاهين إلى أنه منسوخ.
(8) – وذكر ابن حجر الأوجه التي ذكرها النووي وعلق على الوجه الثاني بقوله:» ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والأظهر أنه فعله لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله البول عن قعود. والله أعلم.
وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكًا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ، واستدلا عليه بحديث عائشة الذي قدمناه «ما بال قائمًا منذ أنزل عليه القرآن» وبحديثها أيضًا «من حدثكم أنه كان يبول قائمًا فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدًا»، والصواب أنه غير منسوخ، والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت، وأما في غير البيوت فلم تطلع عليه، وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة، وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن، وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قيامًا، وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، والله أعلم. ولم يثبت عن النبي –? في النهي عنه شيء … ” ((3)).
9 – قال الزركشي: «وجمع بعضهم بين الروايتين لأن النفي في حديث عائشة ورد على صيغة (كان) بمعنى الاستمرار في الأغلب، وحديث حذيفة ليس فيه (كان) فلا يدل على مطلق الفعل ولو مرة».
10 – بعد النظر في أقوال الأئمة في الجمع بين الأحاديث يترجح لدي أن النبي ? إنما بال قائمًا لضرورة وإلا فعادته البول قاعدًا، فمن اضطر إلى البول قائمًا لعلة فلا حرج عليه، ومن لم يكن له علة فيكره له أن يبول قائمًا لأن في ذلك احتمال وصول الرشاش وبعض النجاسة إليه.
والله أعلم.
دفع إيهام تعارض أحاديث الأحكام في كتاب الطهارة (1) / (73) – (75)
11 – قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: والسباطة: المزبلة، والبول فيها لا يكاد يتطاير منه كبير شيء، فلذلك بال قائما صلى الله عليه وسلم. انتهى.
شرح صحيح البخاري – ابن بطال (1) / (335)
12 – وقد بين الإمام النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم، أن الأحاديث الواردة في النهي عن البول قائما ضعيفة، باستثناء حديث عائشة -رضي الله عنها- فقال: ويدل عليه حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما، فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا. رواه أحمد بن حنبل، والترمذي والنسائي وآخرون، وإسناده جيد، والله أعلم. وقد روي في النهي عن البول قائما أحاديث لا تثبت، ولكن حديث عائشة هذا ثابت، فلهذا قال العلماء: يكره البول قائما إلا لعذر، وهي كراهة تنزيه لا تحريم .. انتهى.
شرح النووي على مسلم (3) / (166)
ويجاب عن هذا الحديث أيضا بأن المثبت مقدم على النافي، أو أن عائشة -رضي الله عنها- ربما تكون حكت ما رأته في داخل بيتها، فلا يلزم من ذلك نفي الوقوع مطلقا.
___
مسألة:
إن الأئمة الأعلام من أتباع المذاهب الأربعة وغيرهم اتسعت صدورهم للخلاف بينهم، وكلما”، علا في العلم كعبهم كلما زاد للمخالف عذرهم. وفي ذلك ينقل ابن عبد البر – رحمه الله – في جامع بيان العلم 2/ 80 عن يحيى بن سعيد الأنصاري قوله: “ما برح أولو الفتوى يختلفون، فيحل هذا ويحرم هذا، فلا يرى المحرّم أن المحل هلك لتحليله، ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه” وينقل ابن مفلح في الآداب الشرعية 1/ 186 عن أحمد قوله: “لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهب ولا يشدد عليهم.” ويعقب فيقول: “لا إنكار على من اجتهد فيما يسوغ منه خلاف في الفروع.”
وقد جاء مثل هذا عن جم غفير من أهل العلم.
أما ترك الصلاة وراء أهل القبلة بحجة عدم صحة وضوئهم أو صلاتهم على مذهب المخالف، فلا يعلم باب هو شر من ذلك على المسلمين، وإنه إن فتح فسيأتي على ما بقي من وحدتهم ويشيع
الفرقة بل البغض والتدابر بينهم.
ولما كان خلاف الأئمة في مسائل الوضوء والصلاة كثيرًا، فقد حرصوا على بيان أن شيئًا من ذلك لا ينبغي أن يؤدي إلى الفرقة وترك الائتمام بأهل القبلة. ففي مجموع الفتاوى 20/ 364 أنه قيل لأحمد – رحمه الله –: إن كان الإمام خرج منه الدم ولم يتوضأ هل يصلي خلفه؟ قال: كيف لا أصلي خلف الإمام مالك وسعيد بن المسيب.
وقال القرطبي – رحمه الله – في تفسيره 23/ 375: “كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية وإن كانوا لا يقرأون البسملة لا سراً ولا جهراً وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ فصلى خلفه أبو يوسف ولم يعد”. هذا مع عدم تصحيحهم صلاة من ترك البسملة ونقضهم للوضوء بالاحتجام.
وسئل ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
وَسُئِلَ:
عَنْ أَهْلِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ: هَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ بَعْضِهِمْ خَلْفَ بَعْضٍ؟ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ إنَّهُ لَا يُصَلِّي بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ؟ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ فَهَلْ هُوَ مُبْتَدِعٌ؟ أَمْ لَا؟ وَإِذَا فَعَلَ الْإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ
أَنَّ صَلَاتَهُ مَعَهُ صَحِيحَةٌ وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ خِلَافَ ذَلِكَ. مِثْلَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ تَقِيًّا أَوْ رَعَفَ أَوْ احْتَجَمَ أَوْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ مَسَّ النِّسَاءَ بِشَهْوَةِ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ قَهْقَهَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ أَكَلَ لَحْمَ الْإِبِلِ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ أَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ التَّشَهُّدَ الْآخَرَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ ذَلِكَ فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَالْحَالُ هَذِهِ؟ وَإِذَا شُرِطَ فِي إمَامِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَكَانَ غَيْرُهُ أَعْلَمَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْهُ وَوُلِّيَ. فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَهَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ؟ أَمْ لَا؟.
فَأَجَابَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَعَمْ تَجُوزُ صَلَاةُ بَعْضِهِمْ خَلْفَ بَعْضٍ كَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ مَعَ تَنَازُعِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا. وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ إنَّهُ لَا يُصَلِّي بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ وَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا. وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ: مِنْهُمْ مَنْ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْرَؤُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْهَرُ بِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَجْهَرُ بِهَا وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَقْنُتُ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ وَالْقَيْءِ. وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَمَسِّ النِّسَاءِ بِشَهْوَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي صَلَاتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّي خَلْفَ بَعْضٍ: مِثْلَ مَا كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ لَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَصَلَّى أَبُو يُوسُفَ خَلْفَ الرَّشِيدِ
وَقَدْ احْتَجَمَ وَأَفْتَاهُ مَالِكٌ بِأَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ فَصَلَّى خَلْفَهُ أَبُو يُوسُفَ وَلَمْ يُعِدْ. وَكَانَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالرُّعَافِ فَقِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ الدَّمُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. تُصَلِّي خَلْفَهُ؟ فَقَالَ: كَيْفَ لَا أُصَلِّي خَلْفَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٍ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لَهَا صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يَعْرِفَ الْمَأْمُومُ أَنَّ إمَامَهُ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَهُنَا يُصَلِّي الْمَأْمُومُ خَلْفَهُ بِاتِّفَاقِ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلَافٌ مُتَقَدِّمٌ وَإِنَّمَا خَالَفَ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: فَزَعَمَ
أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْحَنَفِيِّ لَا تَصِحُّ وَإِنْ أَتَى بِالْوَاجِبَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَدَّاهَا وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا وَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنْ يُسْتَتَابَ كَمَا يُسْتَتَابُ أَهْلُ الْبِدَعِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى أَنْ يَعْتَدَّ بِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ? وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ وَأَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْمَفْرُوضِ وَالْمَسْنُونِ بَلْ يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِهَذَا وَاجِبًا لَبَطَلَتْ صَلَوَاتُ أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُمْكِنْ الِاحْتِيَاطُ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِيهِ نِزَاعٌ وَأَدِلَّةُ ذَلِكَ خَفِيَّةٌ وَأَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ الْمُتَدَيِّنُ أَنْ يَحْتَاطَ مِنْ الْخِلَافِ وَهُوَ لَا يَجْزِمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ. فَإِنْ كَانَ الْجَزْمُ بِأَحَدِهِمَا وَاجِبًا فَأَكْثَرُ الْخَلْقِ لَا يُمْكِنُهُمْ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَهَذَا الْقَائِلُ نَفْسُهُ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا تَقْلِيدُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَلَوْ طُولِبَ بِأَدِلَّةِ شَرْعِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ إمَامِهِ دُونَ غَيْرِهِ لَعَجَزَ عَنْ
ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ مِثْلِ هَذَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَيَقَّنَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ عِنْدَهُ: مِثْلَ أَنْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ النِّسَاءَ لِشَهْوَةِ أَوْ يَحْتَجِمَ أَوْ يَفْتَصِدَ أَوْ يَتَقَيَّأَ. ثُمَّ يُصَلِّيَ بِلَا وُضُوءٍ فَهَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا نِزَاعٌ مَشْهُورٌ. فَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ إمَامِهِ. كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ؛ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد؛ بَلْ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ نُصُوصِ أَحْمَد عَلَى هَذَا. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ ? أَنَّهُ قَالَ: {يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ}. فَقَدْ بَيَّنَ ? أَنَّ خَطَأَ الْإِمَامِ لَا يَتَعَدَّى إلَى الْمَأْمُومِ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ سَائِغٌ لَهُ وَأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلَ فَإِنَّهُ مُجْتَهِدٌ أَوْ مُقَلِّدٌ مُجْتَهِدٌ. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ خَطَأَهُ فَهُوَ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ صَلَاتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَاثَمُ إذَا لَمْ يُعِدْهَا بَلْ لَوْ حَكَمَ بِمِثْلِ هَذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ نَقْضُ حُكْمِهِ بَلْ كَانَ يُنْفِذُهُ. وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ قَدْ فَعَلَ بِاجْتِهَادِهِ فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَالْمَأْمُومُ قَدْ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ كَانَتْ صَلَاةُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحَةً وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ أَدَّى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَتْ مُوَافَقَةُ الْإِمَامِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ الْمَأْمُومَ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ خَطَأً مِنْهُ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَعْتَقِدُ أَنَّ
الْإِمَامَ فَعَلَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهُ مَا أَخْطَأَ فِيهِ وَأَنْ لَا تَبْطُلَ صَلَاتُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ خَطَأً وَاعْتَقَدَ الْمَأْمُومُ جَوَازَ
مُتَابَعَتِهِ فَسَلَّمَ كَمَا سَلَّمَ الْمُسْلِمُونَ خَلْفَ النَّبِيِّ ? لَمَّا سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ سَهْوًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَكَمَا لَوْ صَلَّى خَمْسًا سَهْوًا فَصَلَّوْا خَلْفَهُ خَمْسًا كَمَا صَلَّى الصَّحَابَةُ خَلْفَ النَّبِيِّ ? لَمَّا صَلَّى بِهِمْ خَمْسًا فَتَابَعُوهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ صَلَّى خَمْسًا؛ لِاعْتِقَادِهِمْ جَوَازَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْمُخْطِئُ هُوَ الْإِمَامَ وَحْدَهُ. وَقَدْ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ سَلَّمَ خَطَأً لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ إذَا لَمْ يُتَابِعْهُ وَلَوْ صَلَّى خَمْسًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ إذَا لَمْ يُتَابِعْهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ خَطَأً لَا يَلْزَمُ فِيهِ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
مجموع الفتاوى 23/ 374 وما بعدها