466 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: عبدالله الديني ومحمد فارح
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(466) – قال أبو داود (ج (12) ص (120)): حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا طلق بن غنام حدثنا عبد السلام بن حفص حدثنا أبو حازم عن سهل بن سعد: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن رجلًا أتاه فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له فبعث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها.
هذا حديث حسنٌ.
…………………………….
قال العباد: [باب إذا أقر الرجل بالزنا ولم تقر المرأة]
، أي: ما حكم ذلك؟ ومعلوم أن الرجل إذا أقر بالزنا فإنه يؤاخذ بإقراره، وأما المرأة التي زعم أنه زنى بها ف? تؤاخذ بإقراره؛ ?ن هـذه دعوى منه عليها، و? يعول على تلك الدعوى إ? إذا أقرت أو وجد شهود أربعة يشهدون بذلك، فتكون البينة قامت عليها، وقد أورد أبو داود حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه
[(أن رج? أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماهـا له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها)]
فهذا رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واعترف بأنه زنى بامرأة وسماهـا، فأرسل إليها فأنكرت، فجلده الحد وتركها؛ ?نها ما ثبت عليها زنا ? بإقرار و? بشهادة، وعلى هـذا فتكون دعوى الزاني بأنه زنى بامرأة معينة غير مقبولة، و? يقبل اتهامه لها، و? يثبت عليها ذلك إ? إذا اعترفت أو شهد الشهود، ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم عليه الحد وتركها، فلم يقم عليها الحد؛ ?نه لم يثبت عليها الزنا، وأما هـو فقد ثبت عليه الزنا بإقراره فأخذ بذلك وعوقب عليه.
وقد سبق فيما يتعلق بقصة العسيف ما يدل على ذلك؛ ?نه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن ابني كان عسيفا على هـذا فزنى بامرأته)، فحكم عليه بجلد مائة وتغريب عام، وأما هـي فلم يعتبر ذلك الشيء الذي نسب إليها، وإنما أرسل أنيسا ا?سلمي ليسألها عما نسب إليها، فإن اعترفت أقام عليها الحد، فذهـب إليها فأقرت، فرجمها، حيث قال: (واغد يا أنيس! إلى امرأة هـذا فإن اعترفت فارجمها)، إذا: مجرد حصول التهمة من شخص ?مرأة ? يثبت عليها ذلك إ? بحصول البينة أو ا?قرار منها.
وأما مسألة أنه قذفها فهل يقام عليه حد؟ نعم هـو قذفها، فإذا طلبت فإنه يقام عليه حد القذف مع حد الزنا، وإن لم تطالب فإنه ? يقام عليه شيء؛ ?ن هذا حق لها.
ويعتبر حد الزنا شيئا وحد القذف شيئا آخر، وكل واحد مستقل ف? يدخل واحد في ا?خر، فلو أن إنسانا زنى وهـو بكر وقذف امرأة ووجب عليه حدان، ف? يقال: إنه يجلد مائة وتغني عن الثمانين، وإنما هـذه مستقلة وهـذه مستقلة.
وهـل يندب لمن أقر بالزنا ذكر من زنى بها أو الستر عليها؟
? يندب له ذلك، ولكنه إذا سئل يجيب. (شرح سنن ابي داود)
يشترط لإقامة حد الزنا: ثبوته، وذلك إما بشهادة أربعة رجال، أو بالإقرار، أو بظهور الحمل مع انتفاء الشبهة وانتفاء دعوى الغصب والإكراه على الراجح.
والدليل على اشتراط أربعة شهود: قوله تعالى: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) النساء/15، وقوله: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) النور/4، وقوله: (لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النور/13.
وروى مسلم (1498) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا أَؤُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ: (نَعَمْ).
وثبوت الزنا بشهادة الشهود أمر متعذر؛ لأنه من الصعب أن يوجد أربعة يشهدون وقوع إيلاج الفرج في الفرج.
ولهذا قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولم يثبت الزنا بطريق الشهادة من فجر الإسلام إلى وقته، وإنما ثبت بطريق الإقرار؛ لأن الشهادة صعبة، كما سيتبين إن شاء الله ” انتهى من “الشرح الممتع” (14/ 257).
ثم قال: ” فلو قالوا: رأيناه عليها متجردين، فإن ذلك لا يقبل حتى لو قالوا: نشهد بأنه قد كان منها كما يكون الرجل من امرأته، فإنها لا تكفي الشهادة، بل لا بد أن يقولوا: نشهد أن ذكره في فرجها، وهذا صعب جدا، مثلما قال الرجل الذي شُهِدَ عليه في عهد عمر: لو كنت بين أفخاذنا لم تشهد هذه الشهادة، وأظن هذا لا يمكن، ولكن لا أدري هل يمكن بالوسائل الحديثة أم لا كالتصوير؟ الظاهر أنه لا يمكن أيضاً؛ لأن الذي تدركه الصورة تدركه العين، فإذا لم تدركه العين لم تدركه الصورة، ولهذا يقول شيخ الإسلام: إنه لم يثبت الزنا عن طريق الشهادة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهده، وإذا لم يثبت من هذا الوقت إلى ذاك الوقت، فكذلك لا نعلم أنه ثبت بطريق الشهادة إلى يومنا هذا؛ لأنه صعب جدا.
فلو شهد الأربعة بأنهم رأوه كما يكون الرجل على امرأته، فإنه لا يحد للزنا، ولكن هل نقول: إن هذه تهمة قوية بشهادة هؤلاء الشهود العدول، فيعزر؟ نعم، فإذا لم يثبت الزنا الذي يثبت به الحد الشرعي، فإنه يعزر لأجل التهمة ” انتهى من “الشرح الممتع” (14/ 271).
قال الشنقيطي في اضواء البيان:
فروع تتعلق بهذه المسألةالفرع
الأول: أجمع العلماء: على أن الرجم لا يكون إلا على من زنى، وهو محصن. ومعنى الإحصان: أن يكون قد جامع في عمره، ولو مرة واحدة في نكاح صحيح، وهو بالغ عاقل حر، والرجل والمرأة في هذا سواء، وكذلك المسلم، والكافر، والرشيد، والمحجور عليه لسفه، والدليل على أن الكافر إذا كان محصناً يرجم الحديث الصحيح الذي ثبت فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم يهوديين زنيا بعد الإحصان وقصة رجمهما مشهورة مع صحتها كما هو معلوم. الفرع الثاني: أجمع أهل العلم على أن من زنى، وهو محصن يرجم، ولم نعلم بأحد من أهل القبلة خالف في رجم الزاني المحصن، ذكراً كان أو أنثى إلا ما حكاه القاضي عياض وغيره عن الخوارج، وبعض المعتزلة كالنظام وأصحابه. فإنهم لم يقولوا بالرجم، وبطلان مذهب من ذكر من الخوارج، وبعض المعتزلة واضح من النصوص الصحيحة الصريحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعده كما قدمنا من حديث عمر المتفق عليه، وكما سيأتي إن شاء الله.
الفرع الثالث: أجمع العلماء على أن الزاني ذكراً كان أو أنثى، إذا قامت عليه البينة، أنهم رأوه أدخل فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة: أنه يجب رجمه إذا كان محصناً، وأجمع العلماء أن بينة الزنى، لا يقبل فيها أقل من أربعة عدول ذكور، فإن شهد ثلاثة عدول، لم تقبل شهادتهم وحدوا، لأنهم قذفة كاذبون، لأن الله تعالى يقول
{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}
[النور: 4] ويقول جل وعلا
{وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ}
[النساء: 15] الآية، وكلتا الآيتين المذكورتين صريحة في أن الشهود في الزنى، لا يجوز أن يكونوا أقل من أربعة، وقد قال جل وعلا
{لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَاتُوا بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَائِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}
[النور: 13] وقد بينت هذه الآية اشتراط الأربعة كما في الآيتين المذكورتين قبلها، زادت أن القاذفين إذ لم يأتوا بالشهداء الأربعة هم الكاذبون عند الله.
ومن كذب في دعواه الزنى على محصن أو محصنة وجب عليه حد القذف كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله.
وما ذكره أبو الخطاب من الحنابلة عن أحمد والشافعي من أن شهود الزنى، إذا لم يكملوا لا حد قذف عليهم، لأنهم شهود لا قذفة، لا يعول عليه، والصواب إن شاء الله هو ما ذكرنا.
ومما يؤيده قصة عمر مع الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة فإن رابعهم لما لم يصرح بالشهادة على المغيرة بالزنى، جلد عمر الشهود الثلاثة جلد القذف ثمانين، وفيهم أبو بكرة رضي الله عنه، والقصة معروفة مشهورة، وقد أوضحناها في غير هذا الموضع.
وجمهور أهل العلم أن العبيد لا تقبل شهادتهم في الزنى، ولا نعلم خلافاً عن أحد من أهل العلم، في عدم قبول شهادة العبيد في الزنى، إلا رواية عن أحمد ليست هي مذهبه وإلا قول أبي ثور.
ويشترط في شهود الزنى: أن يكونوا ذكوراً ولا تصح فيه شهادة النساء بحال، ولا نعلم أحداً من أهل العلم خالف في ذلك، إلا شيئاً يروى عن عطاء، وحماد أنه يقبل فيه ثلاثة رجال وامرأتان.
وقال ابن قدامة في المغني: وهو شذوذ لا يعول عليه، لأن لفظ الأربعة اسم لعدد المذكورين، ويقتضي أن يكتفي فيه بأربعة، ولا خلاف أن الأربعة إذا كان بعضهم نساء لا يكتفي بهم، وأن أقل ما يجزئ خمسة، وهذا خلاف النص، ولأن في شهادتهن شبهة لتطرق الضلال إليهن، قال الله تعالى:
{أَن تَضِلَّ احْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: 282] والحدود تدرأ بالشبهات انتهى منه.
قال السندي: قوله “فجلده الحد” الظاهر أنه جلده الحدَّين حد الزنا والقذف، إلا أن يقال ما ثبت حد الزنا لعدم تعدد الإقرار فاكتفي بحد القذف، ولذلك قال الراوي الحد بالإفراد لكن ظاهر التقابل يعطى أنه جلده حد الزنا والله تعالى أعلم.
المرجع: فتح الودود في شرح سنن أبي داود (4) / (320) — السندي.
قال ابن رسلان: ” (عن سهل بن سعد) الساعدي (عن النبي ? أن رجلًا أتاه ((2)) فأقر عنده أنه ((3)) زنى بامرأة فسماها له، فبعث رسول اللَّه إلى المرأة) فأتته (فسألها عن ذلك) إطلاقه يدل على أن المرأة يجوز لها الخروج من بيتها؛ لسماع الدعوى إذا طلبها الحاكم من غير إذن زوجها إن كانت متزوجة، أو وليها إن لم يكن لها زوج، هذا إذا لم تكن مخدرة لا تعتاد الخروج لحاجاتها، إذ لو استأذنت زوجًا أو غيره لذكر في الحديث.
(فأنكرت أن تكون زنت) فيه أنه يكفي في المقذوف الإنكار، ولا يطالب بشيء إلا بالبينة أو الاعتراف (فجلده الحد) أي: حد القذف وهو ثمانون جلدة على الحر المكلف المختار (وتركها) أي: ترك المرأة بلا جلد. المرجع: شرح سنن أبي داود لابن رسلان (17) / (472) — ابن رسلان (ت (844)).
ورد في كتاب فتح العلام شرح أحاديث بلوغ المرام مسألة برقم [(28)]: هل يُشترط في إقرار المرء على نفسه بالزنى تكرار الإقرار؟
– من أهل العلم من اشترط في الإقرار أن يقر على نفسه أربع مرات بذلك، وهو قول الحكم، وابن أبي ليلى، وأصحاب الرأي، وأحمد وأصحابه.
واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي في الباب، وبحديث نعيم ابن هزال عند أبي داود ((4377))، وفيه: حتى قالها أربع مرات، فقال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسليماً كثيراً: «إنك قد قلتها أربع مرات، فبمن؟ … » الحديث، وفي إسناده: هشام بن سعد، وفيه ضعف.
– وذكر جماعةٌ من أهل العلم أنه لا يشترط تكرارها، بل لو أقر على نفسه مرة واحدة؛ كفى ذلك.
واستدلوا بحديث العسيف: «واغدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها»، ورجم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- الجهنية، وإنما أقرت مرة واحدة.
واستدلوا بحديث عمر رضي الله عنه الذي في الباب: « … ، أو كان الحبل، أو الاعتراف»، وهذا قول مالك، والشافعي، وأبي ثور، والحسن، وحماد، وابن المنذر. وهذا القول هو الصحيح، وتكراره -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لماعز بن مالك التقرير على سبيل التثبت لا على سبيل الاشتراط؛ جمعًا بين الأدلة والله أعلم. وهذا ترجيح الإمام ابن عثيمين رحمه الله. انظر: «المغني» ((12) / (354) -) «البيان» ((12) / (373)) «الشرح الممتع» ((6) / (144)).
تنبيه: يُشترط في صحة الإقرار أن يذكر حقيقة الفعل؛ لتزول الشبهة؛ لأنَّ الزنى يُعبِّرُ عمَّا ليس بموجب للحد، والدليل على ذلك حديث ابن عباس الذي في الباب: «لعلك قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت؟» قال: لا. قال: «أفنكتها؟» لا يكني. قال: نعم. فعند ذلك أمر برجمه. رواه البخاري. انظر: «المغني» ((12) / (356).
مسألة أخرى برقم [(29)]: إذا أقر الرجل أنه زنى بامرأة، فأنكرت المرأة ذلك؟
– مذهب أحمد، والشافعي أنه يُقام عليه الحد، ولا يُقام على المرأة؛ لأنَّ الرجل ثبت عليه باعترافه، ولم يثبت ذلك على المرأة بإقرارٍ، ولا بينة، وقد روى أبو داود برقم ((4437)) ((4466)) عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أنَّ رجلًا أتاه، فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المرأة فسألها عن ذلك، فأنكرت أن تكون زنت، فجلده الحدَّ وتركها. وإسناده صحيح.
– وقال أبو حنيفة: لا يُقام على أحدهما الحد؛ لأنَّ المرأة صُدِّقت في إنكارها، فيحكم بكذبه.
وأُجيب عنه بأنه لم يحكم بصدقها، ولكن لا يُقام عليها الحد؛ لعدم ثبوته بإقرارٍ، أو بينة. انظر: «المغني» ((12) / (356)) «البيان» ((12) / (374)).
مسألة [(30)]: هل يُشترط في الإقرار أن يكون من معتبر قولُه؟
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» ((12) / (357)): أَمَّا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِهِمَا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ، وَصِحَّةِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ قَدْ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُمَا، وَلَا حُكْمَ لِكَلَامِهِمَا.
ثم استدل بحديث: «رُفع القلم عن ثلاثة … »، وبحديث الباب: «أبك جنون؟» قال: لا.
قال رحمه الله ((12) / (358)): فَإِنْ كَانَ يُجَنُّ مَرَّةً وَيُفِيقُ أُخْرَى، فَأَقَرَّ فِي إفَاقَتِهِ أَنَّهُ زَنَى وَهُوَ مُفِيقٌ، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ زَنَى فِي إفَاقَتِهِ؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. اهـ
قال: وَالنَّائِمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ، فَلَوْ زَنَى بِنَائِمَةٍ، أَوْ اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ نَائِمٍ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ الزِّنَى حَالَ نَوْمِهِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ. وَلَوْ أَقَرَّ فِي حَالِ نَوْمِهِ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى إقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ وَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَدْلُولِهِ. اهـ
تنبيه: السكران إذا زنى ففيه خلاف تقدمت الإشارة إليه في طلاق السكران.
قال ابن قدامة رحمه الله في «المغني» ((12) / (359)): وَأَمَّا الْأَخْرَسُ؛ فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ، فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ إقْرَارٌ، وَإِنْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ إقْرَارُهُ بِغَيْرِ الزِّنَى صَحَّ إقْرَارُهُ بِهِ كَالنَّاطِقِ.
وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: لَا يُحَدُّ بِإِقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَحْتَمِلُ مَا فُهِمَ مِنْهَا وَغَيْرُهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ؛ لِكَوْنِهِ مِمَّا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَلَا يَجِبُ بِالْبَيِّنَةِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَهُ شُبْهَةٌ لَا يُمْكِنُهُ التَّعْبِيرُ عَنْهَا وَلَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا شُبْهَةً. اهـ
والصحيح القول الأول، والله أعلم. راجع: فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط (4) (9) / (453) — محمد بن علي بن حزام البعداني.