4653 الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم
مجموعة: إبراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري، وسامي آل سالمين، وعلي آل رحمه، وكرم.
ومجموعة : طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين، وخميس العميمي.
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله . ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا )
—–‘——-‘——-‘——-‘
صحيح مسلم
بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
بَابُ مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ
4653 حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ قَالَا: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ الْيَشْكُرِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ ، يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، أَتَى الْخَلَاءَ فَوَضَعْتُ لَهُ وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: ((مَنْ وَضَعَ هَذَا ؟ )) – فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، قَالُوا: وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ – قُلْتُ: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: ((اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ)).
==========
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
( أتى الخلاء) أي: موضع البول والغائط.
( فوضعت له وضوءا) بفتح الواو هو الماء الذي يتوضأ به، وقد فهم ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معه ماء وأنه يحتاج إليه فوضعه له بجواره دون أن يشعر به صلى الله عليه وسلم.
( من وضع هذا ؟) استفهام حقيقي.
( قالوا – قلت- ابن عباس) الظاهر أن القائل ابن عباس، وأسند إليهم في الرواية الأخرى لتقريرهم له، وقولهم ذلك في أنفسهم، وعند أحمد وابن حبان أن ميمونة – رضي الله عنها – هي التي أخبرته بذلك وأن ذلك كان في بيتها ليلا، ولعل ذلك كان في الليلة التي بات ابن عباس في بيتها؛ ليرى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي وقف فيها خلف النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل.
وعند أحمد 3061 وهو في الصحيح المسند : فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما بالك؟ أجعلك حذائي – أي بجواري – فتخلفني – أي فتقف خلفي؟ فقال: لا ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله فدعا له أن يزيده الله فهما وعلما.
( اللهم فقهه) وعند البخاري ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ((اللهم علمه الكتاب))
وعند النسائي والترمذي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتي الحكمة مرتين، وفي رواية: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)) وفي رواية عند ابن ماجه ((اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب)).
قلت سيف بن دورة : واسانيدها صحيحة وصححها الألباني
والفقه هو الفهم؛ قال تعالى: { لا يكادون يفقهون حديثا} [النساء: 78] يقال: فَقُه بفتح الفاء وضم القاف إذا صار الفقه له سجية، وفقه بالفتح إذا سبق غيره إلى الفهم وفقه بالكسر إذا فهم.
وقال ابن عباس في تفسير قوله تعالى:{ ولكن كونوا ربانيين} [آل عمران: 79] قال: كونوا حكماء فقهاء ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ويقال: لا يقال للعالم: رباني حتى يكون عالما معلما عاملا.
فالفقه هو الفهم، والفهم فطنة يفهم بها صاحبها من الكلام ما يقترن به من قول أو فعل واختلف في المراد بالحكمة في دعوة ابن عباس فقيل: القرآن وهو المراد بالكتاب الوارد في بعض الروايات أي فهم المراد من آياته وقيل: العمل بالقرآن وقيل: السنة وقيل: الإصابة في القول وقيل: الخشية وقيل: الفهم عند الله وقيل: العقل وقيل: ما يشهد العقل بصحته وقيل: نور يفرق به بين الإلهام والوسواس وقيل: سرعة الجواب مع الإصابة.
جاء في إرشاد الساري: والمراد تعليم لفظه باعتبار دلالته على معانيه، وفي رواية عطاء عن ابن عباس عند الترمذي والنسائي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا له أن يؤتى الحكمة مرتين.
وفي رواية ابن عمر عند البغوي في معجم الصحابة مسح رأسه وقال “اللهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل” وفي رواية طاوس مسح رأسه وقال: “اللهمّ علّمه الحكمة وتأويل الكتاب” وقد تحققت إجابته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقد كان ابن عباس بحر العلم وحبر الأمة ورئيس المفسرين وترجمان القرآن.
[انتظر: المنهاج للنووي، إرشاد الساري، وفتح المنعم
ثانياً: المسائل المتعلقة بالحديث:
1 – يؤخذ من الحديث:
1- فضيلة الفقه، والعلم بالأحكام الشرعية.
2- واستحباب الدعاء بظهر الغيب.
3- واستحباب الدعاء لمن عمل خيرا مع الإنسان.
4- وإجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان ابن عباس في الفقه بالمحل الأعلى. [انتظر: فتح المنعم]
2 – ترجمة الصحابي الجليل:
اسمه ونسبه رضي الله عنه:
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي الهاشمي، صحابي جليل.
وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم.
كني بأبي العباس وهو أكبر ولده.
لقب بالبحر والحبر؛ لسعة علمه وحدة فهمه, وبترجمان القرآن؛ لأنه فسر القرآن وبينه، فأجاد وأحسن بيانه، وهو والد الخلفاء العباسيين، وله أخوة عشرة ذكور من أم الفضل للعباس، وهو آخرهم مولدا، وقد مات كل واحد منهم في بلد بعيد عن الآخر.
وأمه: أم الفضل لبابة بنت الحارث بْن حزن بْن بجير الهلالية، أخت ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عليه و آله وسلّم, وهو ابن خالة خالد بن الوليد.
وهو أخو إخوة عشرة ذكور هم الفضل، وعبيد الله، ومعبد، وقثم، وعبد الرحمن، وكثير، والحارث، وعون، وتمام .
وله من الولد: العباس وعبيد الله والفضل وعلي وكان علي يدعى السجاد لكثرة صلاته، ومن الإناث لبابة وأسماء وهي لأم ولد.
أما زوجته فهي زرعة بنت مشرح بن معدي كرب. [انظر: السير، والبداية والنهاية]
- مولده ونشأته:
ولد والنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بالشعب من مكة، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين, وقيل: بخمس والأول أثبت، وهو يقارب ما في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس، قال: “أقبلت راكبا على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمنى إلى غير جدار…” الحديث, وقال الواقدي: لا خلاف عند أئمتنا أنه ولد بالشعب حين حصرت قريش بني هاشم، وأنه كان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة.وعن مجاهد قال: قال ابن عباس: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته في الشعب، أتى أبي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، ما أرى أم الفضل إلا قد اشتملت على حمل، قال: ((لعل الله أن يقر أعيننا منها بغلام))، فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في خرقتي، فحنكني. [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير –باب العين-أحاديث ابن عباس – رقم الحديث (10566) –(10/233)]
قلت فيه مسلم الزنجي قال البخاري منكر الحديث. ووثقه ابن معين .
وفي صحيح البخاري عن سعيد بن جبير، قال: سئل ابن عباس: مثل من أنت حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: أنا يومئذ مختون. قال: وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك. [أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب الاستئذان – باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط – رقم الحديث (6299) – ( 8/66)]
- صفته :
كان جميلا أبيض طويلا، مشربا صفرة، جسيما إذا قعد أخذ مقعد رجلين، وسيما، صبيح الوجه وتطلق في اللغة على الجمال، وعلى الحمرة, وكان فصيحا. وكان يصفر لحيته، , له وفرة وهي الشعر إذا جاوز شحمة الأذنين, يخضب بالحناء وقيل بالسواد، وقال محمد بن عثمان بن أبي خيثمة في تاريخه حدثنا أبي، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق: رأيت ابن عباس رجلا جسيما قد شاب مقدم رأسه،
وكان حسن الوجه، يلبس حسنا، ويكثر من الطيب بحيث إنه كان إذا مر في الطريق يقول النساء هذا ابن عباس أو رجل معه مسك، وَقد كف بَصَره فِي أَوَاخِر عمره فلما عمي اعترى لونه صفرة يسيرة. [انظر سير أعلام النبلاء (3ـ336) و أسد الغابة (3/291)]
قال في القدرية : ويحكم أروني بعضهم قلنا ما أنت صانع به ؟ لأجعلن يدي في رأسه لادقن عنقه. تاريخ دمشق
وفي جنازة أخبر عن ابن عمر فأمر أن يجلس بجواره
– طلبه للعلم:
طلب ابن عباس رضي الله عنه العلم بقلب صادق محب للعلم وأهله, ولاقى في سبيل طلبه المشقة , لكنه صبر رضي الله عنه حتى آتاه الله علما واسعا , ونفع بعلمه الأمة أجمع رض الله عنه وأرضاه .
[في حياة النبي صلى الله عليه وسلم]
ففي حياة النبي صلى الله عليه وسلم صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولزمه، وأخذ عنه وحفظ وضبط الأقوال والأفعال والأحوال ودعا له فنال من بركة دعوته ما نال من فضل وعلم، وكان مقرَّبًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عابس قال : سمعت ابن عباس سأله رجل : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم العيد أضحى أو فطرا ؟ قال : “نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته ؛ يعني : من صغره”:
وقد بات ليلة عند خالته ميمونة ليرى هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلم منه ويقتدي به فقد ورد عن ابن عباس، أنه سكب للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: (من وضع هذا؟) فقالت: ابن عباس. فقال: ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)).
– سمي ترجمان القرآن، فلذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة ما نقل عنه، وسمي البحر لسعةِ علمه.
وهو أحد الأربعة العبادلة، وأحد الستة المكثرين في الرواية، وهو أكثرهم فُتيا وأتباعاً.
وكان يجلس يوماً للتفسير ويوماً للفقه ويوماً للشعر ويوماً لأيام العرب.
[في عهد أبي بكر رضي الله عنه ( 11 ـ 13 )]
ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم – وله ثلاث عشرة سنة تقريبًا – في شهر ربيع الأول من العام ( 11 للهجرة ) وكان عمر ابن عباس ( 13 سنة تقريبًا ) = تَطَلَّع إلى طلب العلم ، واشرأبت نفسه إليه ، قال: “لما قبض رسول الله قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله فإنهم اليوم كثير قال فقال: واعجبا لك أترى الناس يفتقرون إليك قال: فترك ذلك وأقبلت أسأل ، فإن كان ليبلغني الحديث عن رجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريح علي من التراب ، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك .
فأقول: لا ، أنا أحق أن آتيك ، فأسأله عن الحديث .
فعاش الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي ليسألوني ، فقال: هذا الفتى كان أعقل مني “.
وفي هذا الخبر فوائد:
1 ـ بُعُدُ نظره ، واستشرافه للمستقبل، وذلك في حرصه على تعلم العلم من كبار الصحابة قبل أن يقلَّ عددهم.
2 ـ حرصه على تعلم العلم.
3 ـ مكانته عند الصحابة.
4 ـ أدبه مع شيوخه.
وكان رضي الله عنه متأدبا بآداب طالب العلم موقرا للعلم, متواضعا.
عن الشعبي، قال: ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه، فقال: لا تفعل يا ابن عم رسول الله. فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا. فقبل زيد بن ثابت يده، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا. [نظر الإصابة في تمييز الصحابة (4/125)]
[في عهد عمر رضي الله عنه ( 13 ـ 23 )] وكان عمر، عند الخلاف، يرجع إلى قوله ويعتد به على حداثة سنه.
ولما مات أبو بكر الصديق عام ( 13 للهجرة ) كان عمره ( 15 سنة تقريبًا ) .
وتولى عمر بن الخطاب في تلك السنة إلى أن قُتِل عام ( 23 للهجرة ) ، وفي عهده ظهر نجم ابن عباس رضي الله عنها، وكان تمام التكوين العلمي لهذا الحبر البحر وسنه من ( 15 ـ 25 ) سنة ، وفي هذه الأعوام العشرة تخرج في مدرسة عمر بن الخطاب الذي اعتنى به عناية فائقة ، ولقد كان يُحبُّه حبًّا جمًّا ؛ لِمَا توسَّم فيه من النجابة والذكاء ، فقرَّبه منه ، وجعله في مجلس (شوراه وعلمِه) الذي يحضره أكابر الصحابة ، ولم يُدخِل معه غيره من الفتيان ، وما كان عمر ليحابي في مجلسه من أجل قرابه ، وإلا لأحضر ولده عبد الله ، وهو من العبادة والعلم بمكان .
ولقد وَجَدَ بعض الصحابة على عمر ، وعاتبه في إدخالِ ابن عباس وتركِ أولادهم ، فأبانَ لهم سببَ إدخالِه له بما روى ابن عباس ، قال : ” كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِى مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا ، وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ . قَالَ فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ ، وَدَعَانِى مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ لِيُرِيَهُمْ مِنِّى فَقَالَ مَا تَقُولُونَ ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ ” حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ، إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِى . أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا . فَقَالَ لِى يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لاَ . قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ – – أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ “.
وفي هذا الأثر فوائد ، منها :
1 ـ تنبيه للأشياخ أن لا يحابوا طالبًا من أجل عرض من الدنيا، بل يكون تقديمهم له من أجل فهمه وعلمه.
2 ـ تعليل القضايا ، إذ لا يكفي أن يكون الأمر معتبرًا لأنه فِعْل فلان أو قوله ، مهما عظُم أمره ، وكان مقدمًا بين الناس ، وكم من فعل أُبهمت علته ، وأمر الطلاب ـ أو غيرهم ـ بالعمل به ، أو الاقتناع به بقوة الآمر ، فما كان ذلك مجدٍ ولا مفيد ، إن لم ينقلب إلى ما لا تُحمدُ عقباه .
3 ـ دقة فهم ابن عباس ، وقوة استنباطه وغوصه على الدقائق ، وما سُمِّي حبر الأمة من فراغ ، بل لأجل ذلك الاستنباط وغيره .
4 ـ إن دخوله مع أشياخ بدر ليدلُّ على تلك المنْزلة العظيمة التي كانت له في قلب عمر ، وكان عمر يقول: “لا يلومني أحد على حب ابن عباس “.
ومرض ابن عباس بالحمَّى ، فعاده عمر، وقال : ” أَخَلَّ بنا مرضك ، فالله المستعان “.
وهذا يدلك على عناية علماء الصحابة بالنابهين من الصغار وتعليمهم لأنهم هم أشياخ المستقبل ، ومما يدل على ذلك من سيرة عمر أنه كان يجلس لهم يعلمهم القرآن ، فقد روى الطبري بسنده عن ابن زيد في قوله تعالى :” وإذا قيلَ له اتق الله أخذته العزة بالإثم” إلى قوله:” والله رؤوف بالعباد”، قال: ( كان عمر بن الخطاب إذا صلى السُّبْحة وفرغ، دخل مربدًا له، فأرسل إلى فتيان قد قرأوا القرآن، منهم ابن عباس وابن أخي عيينة، قال: فيأتون فيقرأون القرآن ويتدارسونه، فإذا كانت القائلة انصرف. قال فمرُّوا بهذه الآية:” وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم”،” ومن الناس من يشري نفسه ابتغاءَ مرضَات الله والله رؤوفٌ بالعباد” قال ابن زيد: وهؤلاء المجاهدون في سبيل الله فقال ابن عباس لبعض من كان إلى جنبه: اقتتل الرجلان؟ فسمع عمر ما قال، فقال: وأيّ شيء قلت ؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: ماذا قلت ؟ اقتَتل الرجلان ؟ قال فلما رأى ذلك ابن عباس قال: أرى ههنا مَنْ إذا أُمِر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يَشري نفسه ابتغاءَ مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل وأخذته العزة بالإثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي ! فقاتله، فاقتتل الرجلان! فقال عمر: لله بلادك يا بن عباس “.
قلت سيف بن دورة : قال الطبري حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد
وابن أخي عيينة هو الحر بن قيس
أورد هذا الطبري في قول من قال : عنى كل فاسق ومنافق
ثم ذكر أقوال أخرى
ومن تتبع عناية عمر بابن عباس وجد أمثلة كثيرة ، أكتفي بما ذكرته منها ، وأختم بخبر طريف رُوِي عن الحطيئة الشاعر الهجَّاء.
ففي كتاب الجليس الصالح للمعافى من طريق ابن عائشة عن أبيه ، قال: : نظر الحطيئة إلى ابن عباس في مجلس عمر وقد فرع بكلامه ، فقال: من هذا الذي نزل عن القوم بِسِنِّه ، وعلاهم في قوله ؟
قالوا: هذا ابن عباس . فأنشأ يقول:
إني وجدت بيان المرء نافلة … يهدى له ، ووجدت العِيِّ كالصمم
المرء يَبْلَى ، وتبقى الكلم سائرة، … وقد يلام الفتى يومًا ولم يُلِم.
قلت سيف بن دورة : ولم أعرف من فوق ابن عائشة حيث لم يبينه ابن حجر في الاصابه أخاف أن يكون الغلابي فهو وضاع
في [عهد عثمان ( 23 ـ 35 )]
لما قُتل عمر في سنة (23 ) تولى بعده عثمان ، واستمرَّ في الخلافة حتى سنة ( 35 ) ، وكان عمر ابن عباس في تلك الفترة من ( 26 ـ 38 ) تقريبًا . لقد استمر ابن عباس في عهد عثمان يتخطى سنيَّ الشباب ، ويدخل في سنيِّ الكهولة ، ولا زال في هذا العهد المبارك في مجلس شورى أهل بدر ، كما لازال يُعلِّم الناس ويفتيهم ، فقد أخبر عطاء بن يسار: (أن عمر وعثمان كانا يدعوان ابن عباس فيشير مع أهل بدر، وكان يفتي في عهد عمر وعثمان إلى يوم مات). ومما يحكي منْزلته عند عثمان ما ذكر شاعر الرسول في موقف حصل لهم مع عثمان إبان إمرته ، قال حسان : كانت لنا عند عثمان أو غيره من الأمراء حاجة فطلبناها إليه: جماعة من الصحابة منهم ابن عباس وكانت حاجة صعبة شديدة فاعتل علينا فراجعوه إلى أن عذروه وقاموا إلا ابن عباس فلم يزل يراجعه بكلام جامع حتى سد عليه كل حاجة فلم يرى بُدًّا من أن يقضي حاجتنا فخرجنا من عنده وأنا آخذ بيد ابن عباس فمررنا على أولئك الذين كانوا عذروا وضعفوا فقلت: كان عبد الله أولاكم به قالوا: أجل . فقلت أمدحه: إذا قال لم يترك مقالا لقائل … بملتقطات لا ترى بينها فصلا كفى وشفى ما في الصدور ولم يدع … لذي اربة في القول جدا ولا هزلا سموت إلى العليا بغير مشقة … فنلت ذراها لا دنيا ولا وغلا وقد جاءت هذه القصيدة بتمامها في ديوان حسان ، قال : إِذا ما اِبنُ عَبّاسٍ بَدا لَكَ وَجهُهُ رَأَيتَ لَهُ في كُلِّ أَحوالِهِ فَضلا إِذا قالَ لَم يَترُك مَقالاً لِقائِلٍ بِمُلتَقَطاتٍ لا تَرى بَينَها فَصلا كَفى وَشَفى ما في النُفوسِ فَلَم يَدَع لِذي إِربَةٍ في القَولِ جَدّاً وَلا هَزلا سَمَوتَ إِلى العَليا بِغَيرِ مَشَقَّةٍ فَنِلتَ ذُراها لا دَنِيّاً وَلا وَغلا خُلِقتَ خَليقاً لِلمَوَدَّةِ وَالنَدى فَليجاً وَلَم تُخلَق كَهاماً وَلا جَهلا
في سنة ( 30 هـ ) من عهد عثمان توفي أحد شيوخ ابن عباس ، وهو أبيُّ بن كعب الأنصاري ، وقد أورد الحبْر رواية يظهر فيها من أدبه مع شيخه أُبيٍّ ، قال ابن عباس : “ما حدثني أحد قط حديثا فاستفهمته، فلقد كنت آتي باب أُبيِّ بن كعب وهو نائم ، فأقِيلُ على بابه، ولو علم بمكاني لأحب أن يُوقَظَ لِي لمكاني من رسول الله ـ ـ ولكنٍّي أكره أن أُمِلَّه ” .
وفي ذلك من الأدب مع الأشياخ ما يحسن بطالب العلم أن يقتدي به ، ومن ذلك :
1 ـ انظر كيف يصبر ابن عباس على حرِّ الهاجرة ، وذلك من باب الحرص على طلب العلم.
2 ـ وكيف كره أن يغشى شيخه في وقت راحته ، مع يقينه بمحبة شيخه له .
3 ـ وكيف كان احتماله للتعب في سبيل تعلمه وتعليمه .
ومن سؤالاته القرآنية لأُبي بن كعب ، ما ذكره ، فقال : ( كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله، ، من المهاجرين والأنصار فأسألهم عن مغازي رسول الله، ، وما نزل من القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحدا منهم إلا سر بإتياني لقربي من رسول الله، ، فجعلت أسأل أبي بن كعب يومًا ـ وكان من الراسخين في العلم ـ عمَّا نزل من القرآن بالمدينة فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة ، وسائرها بمكة ) .
وفي هذا الأثر فوائد ، منها :
1 ـ الثناء على الشيخ بما فيه من العلم ،وذلك قوله : ( وكان من الراسخين في العلم ) .
2 ـ الحرص على الأكابر من العلماء .
3 ـ الحرص على العلم المنقول ( المغازي والنُّزول ) ممن هم أعلم به ممن شاهدوا التنْزيل .
4 ـ معرفة الصحابة لحق قرابة الرسول ، وحرصهم على وصل هذه القرابة ، وهذا يدلك على محبة الصحابة لقرابة رسول الله ، وأنهم قد حفظوا حقوق آل بيته بعد موته ، وليس كما يزعم من لا خلاق لهم أنهم ضيعوا حقوقهم وفرَّطوا فيهم .
ولقد كان أُبيٌّ يعرف علم ابن عباس ويقدِّره، ومن ذلك ما روى ابن سعد من طريق يسر بن سعيد عن محمد بن أبي بن كعب عن أبيه أنه سمعه يقول ـ وكان عنده ابن عباس فقام ـ قال : ( هذا يكون حبر هذه الأمة ، أوتِي عقلا وجسما ، ودعا له رسول الله أن يفقه في الدين ) .
قلت سيف بن دورة : ظاهر الإسناد الصحة وشيخ ابن سعد الواقدي .
وفي سنة ( 32 ) ـ مع اختلاف في سنة وفاته ـ توفي شيخ الكوفة ومعلمها عبد الله بن مسعود، وقد كان من كبار علماء القرآن ؛ إقراءً وتفسيرًا .
وقد كان يرى في ابن عباس العالم المتقن ، فقد ورد عنه فيه أقوال :
1 ـ قال: ( لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد ). ، وفي رواية ” ما عاشره “. أي : ما بلغ عشره ، أي عشر ماعنده من العلم .
2 ـ وقال : ( ولنعم ترجمان القرآن ابن عباس ).
وقال : ( لو أن هذا الغلام أدرك ما أدركنا، ما تعلقنا معه بشئ ) .
عهد علي ( 36 ـ 40 )
ولما قُتِل عثمان سنة ( 35 للهجرة ) تولى بعده علي بن أبي طالب إلى أن قُتِل سنة ( 40 للهجرة )
وكان عمر ابن عباس (39 ـ 42 )، وقد استعمله عليّ على البصرة لكنه فارقها قبل قتل علي وعاد إلى الحجاز، وكان بين ابني العم ودٌّ ومحبة ، ولقد أظهر ابن عباس نصرة ابن عمِّه في قتاله، وسار معه ، وولي له البصرة إلى أن قُتِل عليٌّ .
شيوخه وتلاميذه:
إضافة إلى ما مر في طلبه للعلم، فقد تتلمذ ابن عباس رضي الله عنه على أيدي كبار الصحابة وسار على نهجهم واهتدى بهدي النبوة فحاز العلم ونال الشرف والرفعة , وأبرز شيوخه عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وزيد , قال أحمد: عن عبد الرزاق عن معمر قال: عامة علم ابن عباس من ثلاثة، من عمر وعلي وأبي ابن كعب.
وقال طاوس عن ابن عباس أنه قال: إن كنت لأسأل عن الأمر الواحد من ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
مما ورد من مكانت علي رضي الله عنهما: قال ابن عباس : (ما عندي من علم في القرآن فمن عليٍّ) ، ولقد أورد الطبري ما يفيد احترام ابن عباس لشيخه علي، ووقوفه عند علمه ، وذلك في تفسير المراد بالعاديات ، قال ابن عباس : ( بينما أنا في الحجر جالس، أتاني رجل يسأل عن( الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ) فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم. فانفتل عني، فذهب إلى علي بن أبي طالب رضى الله عنه وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن ( الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ) فقال: سألتَ عنها أحدًا قبلي؟ قال: نعم، سألت عنها ابن عباس، فقال : الخيل حين تغير في سبيل الله ، قال: اذهب فادعه لي; فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله لكانت أول غزوة في الإسلام لبدر، وما كان معنا إلا فرسان: فرس للزبير، وفرس للمقداد فكيف تكون العاديات ضبحا! إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى مزدلفة إلى منى ; قال ابن عباس: فنزعت عن قولي، ورجعت إلى الذي قال علي ).
رجح الذهبي في الميزان 4/575 : أن أبا معاوية البجلي هو والد عمار الدهني فيه جهالة .
أما من قال هو عمار الدهني فهو صدوق .
وفي ولايته للبصرة نشر علمه هناك ، وأخذ عنه بعض البصريين كأبي الشعثاء جابر ابن زيد، وكان ابن عباس يُجِلُّه ، ويعرف له قدره حين قال : ( لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً من كتاب الله ) .
وقال تميم بن حدير عن الرباب : سألت ابن عباس عن شيء فقال: تسألوني وفيكم جابر بن زيد وهو أحد العلماء ؟.
أما تلاميذه: فقد تتلمذ على يديه كثير وقرأ عليه كثير منهم طاوس ومُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير والأعرج وَعِكْرِمَة وعطية وغيرهم. [انظر سير أعلام النبلاء (3/332) وأسد الغابة (3/291)].
وقفات في منهجه في تعليم العلم، وسُبله:
الأولى: عنايته بتعليم طلاب:
عن عكرمة، قال: “كان بن عباس يجعل في رجلي الكبل يعلمني القرآن ويعلمني السنة”.
فانظر كيف اعتنى ابن عباس بمولاه عكرمة، لما رأى فيه من النجابة والذكاء .
ثانيًا: مدارسة العلم، وإلقاء المشكل من العلم مع الطلاب .
فعند الطبري بسنده عن عكرمة قال: (دخلت على ابن عباس والمصحف في حجره، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك، جعلني الله فداءك؟ قال: فقرأ: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر}، إلى قوله: {بما كانوا يفسقون}.) قال ابن عباس: لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت، نخاف أن نكون مثلهم! فقلت: أما تسمع الله يقول: {فلما عتوا عمّا نهوا عنه} ؟ فسُرِّي عنه، وكساني حُلّة) .
وهذا يدل على:
1 – الفرح بالمعلومة .
2 – إعطاء الشيخ الجوائز التشجيعية لطلابه الذين يتقدمون في العلم .
3 – أن العلم لا يرتبط بالسِّنِ ولا بكثرةِ العلم، فقد يُوصل إليك المعلومة من يصغرك سنًّا وعلمًا .
4 – تواضع ابن عباس العلمي لقبوله بتعليم تلميذه له في هذه المسألة .
5 – أنه قد يقع خطأ في التدبر، كما هو الحال في تدبر ابن عباس رضي الله عنه .
6 – في هذه المسألة استدراك التابعي على الصحابي، وهذا النوع من الاستدراك قليل جدًا، إذ العكس أكثر.
ثالثًا: تدريبه لطلابه في العلم والفتوى:
– عن عكرمة قال: (قال لي بن عباس ونحن ذاهبون من منى إلى عرفات: هذا يوم من أيامك. فجعلت أرجن به ويفتح علي بن عباس) .
– روى البيهقي في المدخل عن ابن عباس، أنه قال لسعيد بن جبير: (حَدِّثْ، قال: أُحدِّثُ وأنت شاهد ؟!
قال: أوليس من نعمة الله عليك وأنت تحدث وأنا شاهد ؟ فإن أخطأت علمتك) .
وفي هذه النصوص فوائد:
1 – حرص ابن عباس على تدريب طلابه وإبرازهم للعامة ليكونوا محله إذا غاب عنهم، وهذا مما قد يفتقده بعض الأشياخ إذ يغيب عنهم أن يجعلوا لهم خلفًا يعرِّفون الناس بهم، ويردونهم إليهم، وسبق ثناؤه على جابر بن زيد .
وهذا المنهج – وهو إبراز الطلاب المتميزين الذين يصلحون لخلافة العالم – مما يحسن للعلماء التنبه له.
ومن هذا الباب ما روى البيهقي في المدخل عن أبي العالية قال: (كنت آتي ابن عباس فيرفعني على السرير، وقريش أسفل من السرير، فتغامز بي قريش، وقالوا: يرفع هذا العبد على السرير ففطن بهم ابن عباس فقال: إن هذا العلم يزيد الشريف شرفا، ويجلس المملوك على الأسرة) .
2 – إن التدريب قد يقع فيه أخطاء وأوهام، ومهمة العالم أن يصبر على تدريب طلابه، وأن يفتح عليهم، فانظر مقام عكرمة بعد وفاة ابن عباس، وكيف كان إمامًا للناس في العلم بتأويل القرآن .
3 – بصر ابن عباس بأسئلة الناس، وخبرته فيما لا يصلح أن يُفتى فيه، وأن التوقف عنه يطرح عن المفتي مؤنة كبيرة، وأسئلة كثيرة .
ومن هنا فإنه يحسن تبصير المستفتين بما لا يصلح من أسئلتهم بأسلوب حسن وفاقًا لقوله تعالى: (وأما السائل فلا تنهر) .
رابعًا: عنايته بتدريب طلابه على طرق التعليم والفتيا.
عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: (حدِّث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين، فإن أكثرت فثلاث مرات، ولا تُمِلَّ الناس هذا القرآنَ، ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، إياك والسجع في الدعاء فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون ذلك).
قلت سيف بن دورة : أخرجه البخاري 6337
– عن عكرمة قال: (قال ابن عباس انطلق فأفت الناس وأنا لك عون قال قلت لو أن هذا الناس مثلهم مرتين لأفتيتهم . قال: انطلق فأفت الناس فمن جاءك سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته فإنك تطرح عن نفسك ثلثي مؤنة الناس) .
وفي هذه الآثار فوائد:
1 – إن قلة التحديث كان منهجًا يسلكه ابن عباس وغيره من الصحابة خشية الملل والسآمة من الحاضرين.
2 – من آداب المجلس عدم قطعه، ولو كان بحديث فاضل؛ لأن المراد إيصال العلم للناس وهم مستعدون له، فإذا كانوا منشغلين عنه ثم قطعهم أحد عن مجلسهم به، فإنه يكون ثقيلاً عليهم،
3 – كراهية السجع، خصوصًا تكلفه، ولا يخفى أن تكلف السجع مما جاءت كراهة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: (أسجعًا كسجع الكهان) .
4 – عدم إملال الناس من العلم
خامسًا: توقفه عن ما لا يعلم، وتصريحه بذلك لطلابه:
– قال ابن عباس: «إذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله».
– عن عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال: (والله ما أدري ما حنانا) .
ويبدو أنه قد علم ذلك بعد ذلك، فقد ورد عنه تفسير (حنانا) من طريق علي بن أبي طلحة، قال: (عن ابن عباس، قوله {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} يقول: ورحمة من عندنا).
وقد ورد عنه مثل ذلك، فقد قال: (كل القرآن أعلمه، إلا حنانا، والأوّاه، والرقيم) .
– وعن عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة يقول: (قال ابن عباس: ما أدري ما الرقيم، أكتاب، أم بنيان؟).
ثم إنك تجد له تفسيرًا للرقيم، رواه عنه علي بن أبي طلحة، قال: (عن ابن عباس، قوله: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} يقول: الكتاب)، وهذا يعني أنه قد علمه بعد جهله به .
– قال الطبري: (حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} فهذا يوم القيامة، جعله الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة .
وقد رُوي عن ابن عباس في ذلك غير القول الذي ذكرنا عنه، وذلك ما:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، أن رجلا سأل ابن عباس عن يوم كان مقداره ألف سنة، فقال: ما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ قال: إنما سألتك لتخبرني، قال: هما يومان ذكرهما الله في القرآن، الله أعلم بهما، فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم).
– حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب به …
ومن فوائد هذه الآثار:
1 – إن إعلان العالم عدم علمه بمسألة من مسائل العلم ليس منقصة في حقه، بل هو رفعة له، تدل على كماله في علمه .
2 – كما أن إعلان العالم عن جهله بهذه المسألة فيه تدريب عملي لطلابه .
سادسًا: سماحته مع طلابه، وكرم نفسه معهم .
قال الطبري: حدثنا أبو كُرَيب، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس، في قوله: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قال: سئل عنها ابن عباس، فقال ابن جبير: هم قربى آل محمد، فقال ابن عباس: عجلت، إن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيهم قرابة، قال: فنزلت {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قال :”إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها”) .
ومن فوائد هذا الأثر:
1 – كريم خلقه رضي الله عنه، إذ لم يعتب على تقدم تلميذه عليه في الجواب.
وأما سماحته وكرم نفسه فقد شهد له بذلك فئام ممن رآه، ومن ذلك ما وقع معه من مخالفة تلاميذه له في الكتابة عنه، ففي المدخل للبيهقي: عن طاوس، قال: (كنا عند ابن عباس قال: وكان سعيد بن جبير يكتب قال: فقيل لابن عباس: إنهم يكتبون قال: أتكتبون ؟ ثم قام، قال: وكان حسن الخلق ولولا حسن خلقه لغير بأشد من القيام).
2 – حسن لفظه في بيان خطأ تلميذه، فلم يقل له: (أخطأت)، بل قال: (عجلت)، وهي ألطف .
3 – إن تقدُّم الطالب على شيخه في الجواب لا يلزم أن يكون من سوء خلق الطالب البتة، بل الحال يختلف من وقت إلى وقت ومن تلميذ إلى تلميذ إلى غير ذلك، وليس المقصود أنه يجوز مثل هذا الحال مطلقًا، لكن المقصود أن مثل هذا لا يلزم أن يكون سوء أدب مع الشيخ.
سابعًا: مراعاة أحوال السائلين.
قال الطبري: حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يعقوب بن عبد الله بن سعد القُمي الأشعري، عن جعفر بن أبي المُغيرة الخزاعي، عن سعيد بن جبَير، قال: قال رجل لابن عباس: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ} … الآية، فقال ابن عباس: ما يؤمنك أن أخبرك بها فتكفر.
ومراده بالكفر: التكذيب، كما شرح ذلك في الرواية الأخرى، قال الطبري حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا الأعمش، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ} قال: لو حدثتكم بتفسيرها لكفرتم وكفركم تكذيبكم بها.
وقد فسرها في رواية أخرى عنه، قال الطبري:: حدثني عمرو بن عليّ ومحمد بن المثنى، قالا ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن أَبي الضحى، عن ابن عباس، قال في هذه الآية: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ} قال عمرو: قال: (في كل أرض مثل إبراهيم ونحو ما على الأرض من الخلق. وقال ابن المثنى: في كلّ سماء إبراهيم) .
قلت سيف بن دورة : قال ابن كثير في البداية والنهاية : إن صح فهو محمول على أنه أخذه ابن عباس رضي الله عنهما عن الاسرائيليات.
قال البيهقي : شاذ بمرة لا أعلم لأبي الضحى عليه متابعا. وايده السيوطي
قال الذهبي في العلو : هذه البلية تحير السامع كتابتها وهو من قبيل اسمع واسكت
وضعفه كذلك غيرهم كالقسطلاني
وألف رجل هندي كتابا استغل فيه أثر ابن عباس فقال هناك ستة محمدين مثل نبينا .
ثامنًا: طلب السؤال من الطلاب:
روى البخاري بسنده عن سعيد بن جبير قال: (إنا لعند ابن عباس في بيته؛ إذ قال: سلوني .
قلت: أي أبا عباس – جعلني الله فداءك – بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل … فقال لي قد كذب عدو الله، ثم ذكر خبر موسى مع الخضر) .
من فوائد هذا الأثر:
1 – حرص الشيخ على وقته مع طلابه الذين يستفيدون منه، بحيث يشغل وقتهم بالعلم، بخلاف ما مرَّ من منهجه مع عامة الناس .
2 – إن السؤال من مذاكرة العلم، ومما يُظهر علمًا مكنزنًا عند الشيخ، لذا يحسن بالشيخ أن لا يضجر من أسئلة الطلاب العلمية؛ إذ كم من سؤال فتح بابًا من العلم على كثير من العلماء .
تاسعًا: تحوله من التحديث إلى سماع كتبه من الناس والاستمرار في تعليمهم بسبب عارض العمى :
وعن عكرمة، قال: كان ابن عباس في العلم بحرا ينشق له الأمر من الامور، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اللهم ألهمه الحكمة وعلمه التأويل ” فلما عمي، أتاه الناس من أهل الطائف ومعهم علم وعلمه – أو قال كتب من كتبه – فجعلوا يستقرؤونه، وجعل يقدم ويؤخر، فلما رأى ذلك، قال: إني قد تلهت من مصيبتي هذه، فمن كان عنده علم من علمي، فليقرأ علي، فإن إقراري له كقراءتي عليه.
قال فقرؤوا عليه.
ولعل هذا يفسر سبب كراهيته للكتابة في الرواية التي ذكرها البيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى قال: عن طاوس، قال: (كنا عند ابن عباس قال: وكان سعيد بن جبير يكتب قال: فقيل لابن عباس: إنهم يكتبون قال: أتكتبون ؟ ثم قام، قال: وكان حسن الخلق ولولا حسن خلقه لغير بأشد من القيام) .
وهذا يدل على تورعه رضي الله عنه، وحرصه على أن لا يلقي ما لم يتيقن منه، فالعلم دين .
عاشرًا: حرصه على تعليم الناس .
وأخرج الزبير بسند له أن ابن عباس كان يغشى الناس في رمضان وهو أمير البصرة فما ينقضي الشهر حتى يفقههم. وهذا لا ينافي ما سبق من بيان منهجه؛ لأن اختياره لهذا الشهر يدل على حسن اختياره؛ لأن الناس يكونون مقبلين على العلم . ويفرحون بغشيان أمرائهم لهم .
الحادي عشر: منهجه في الفتيا:
عند الدارمي وابن سعد بسند صحيح، عن عبيد الله بن أبي يزيد: كان ابن عباس إذا سئل فإن كان في القرآن أخبر به، فإن لم يكن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر به، فإن لم يكن وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن قال برأيه, وفي رواية ابن سعد: اجتهد رأيه.
الثاني عشر: نماذج من تفسيره :
يحسن في هذا المقام الإشارة إلى أنه كتبت في هذا الموضوع رسالة جُمع فيها تفسير ابن عباس رضي الله عنه ودرست فيه مدى صحة نسبته إليه فكان مما ورد عنه ما هو صحيح النسبة ومنها ما لا يصح، بعنوان: [الرسالة بعنوان تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة للدكتور عبد العزيز الحميدي] وهاهنا نماذج من تفسيره رضي الله عنه:
– عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ” كانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم، فنزلت: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} [البقرة: 198]. في مواسم الحج ” [أخرجه البخاري في صحيحه –كتاب تفسير القرآن – باب قوله تعالى (ليس عليكم جنا أن تبتغوا فضلا من ربكم)].
– عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب يوما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ترون هذه الآية نزلت {أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب} [البقرة: 266] ؟ قالوا الله أعلم فغضب عمر، فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم
فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء فقال: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل فقال عمر أي عمل. قال ابن عباس: لرجل يعمل لطاعة الله ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله [أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب تفسير القرآن –باب قوله تعالى (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب) – برقم (4538) – ( 6/31)].
– عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ ” فأنزل الله فيهم هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}[المائدة: 101][ أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب تفسير القرآن – باب قوله تعالى ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم) – برقم (4622) – ( 6/ 54)]
– عن ابن عباس رضي الله عنهما: {الذين جعلوا القرآن عضين} [الحجر: 91] قال: هم أهل الكتاب جزءوه أجزاء، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه [أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب تفسير القرآن –باب قوله تعالى (الذين جعلوا القرآن عضين ) – برقم (4705) – (6/81)].
– عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] قال: ” نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ولا تجهر بصلاتك} [الإسراء: 110] أي بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {ولا تخافت بها} [الإسراء: 110] عن أصحابك فلا تسمعهم، {وابتغ بين ذلك سبيلا} [الإسراء: 110] ” [أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب تفسير القرآن – باب قوله تعالى ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) – برقم (4722)- ( 6/87)]
- من روى عنهم :
روى ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كثيرا، وعن جماعة من الصحابة، وأخذ عنه خلق من الصحابة وأمم من التابعين، وله مفردات ليست لغيره من الصحابة لاتساع علمه وكثرة فهمه وكمال عقله وسعة فضله ونبل أصله، رضي الله عنه وأرضاه.
روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم , وعن أبي بكر و عمر, وعثمان وعلي, وأبي، وأبيه العباس، وأبي سفيان بن حرب، ومعاذ بن جبل, وأبي ذر وغيرهم.
أخرج لابن عباس الشيخان مائتين وأربعة وثلاثين حديثاً، اتفقا على خمسة وسبعين، وانفرد البخاري بمائة وعشرة، ومسلم بتسعة وأربعين. وخرّج عنه أصحاب المسانيد والسنن كلهم.
من روى عنه:
منهم عبد الله بن عمر وأنس بن مالك وأبو الطفيل عامر بن واثلة وثعلبة بن الحكم وأبو أمامة بن سهل بن حنيف وأخوه كثير بن عباس وابنه علي بن عبد الله وابن أخيه عبد الله بن معبد بن عباس , ومواليه عكرمة وأبو معبد نافذ وكريب وعوسجة وأبو عبد الله شعبة ومقسم أبو القاسم وعطاء بن أبي رباح ومجاهد بن جبر وعبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة وعمرو بن دينار وعبد الله بن أبي يزيد ومحمد بن عباد بن جعفر المخزومي , وروى عنه أبو صالح باذام مولى أم هانئ و وعكرمة بن خالد المخزومي المكنون وسعيد بن المسيب ونافع بن جبير بن مطعم وحميد وأبو مسلمة ابنا عبد الرحمن بن عوف وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار وسعيد بن يسير أبو الحباب وطلحة بن عبد الله بن عوف ,وعروة بن الزبير بن العوام وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ومحمد بن كعب القرظي وطاوس بن كيسان ووهب بن منبه وعامر الشعبي وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي والنضر بن أنس بن مالك الأنصاري وأبو العالية رفيع الرياحي وأبو إدريس الخولاني والضحاك بن مزاحم وعطاء بن أبي مسلم الخراسانيان وغيرهم كثير.
آثاره:
ورد عنه كثير من الآثار منها:
قال مغيرة عن الشعبي قال: قيل لابن عباس: أنى أصبت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول.
وعن عبد الله بن بريدة، قال: شتم رجل ابن عباس، فقال: إنك لتشتمني وفي ثلاث: إني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأحبه، ولعلي لا أقاضي إليه أبدا، وإني لأسمع بالغيث يصيب البلاد من بلدان المسلمين فأفرح به وما لي بها سائمة ولا راعية، وإني لآتي على آية من كتاب الله تعالى فوددت أن المسلمين كلهم يعلمون منها مثل ما أعلم.
وكان قد عمي في آخر عمره، فقال في ذلك:
إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور . قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل وفي فمي صارم كالسيف مأثور.
وعن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله.
وجاء إليه رجل يقال له جندب فقال له: أوصني، فقال: أوصيك بتوحيد الله والعمل له، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فان كل خير آتيه أنت بعد ذلك.
وقال بعضهم: أوصى ابن عباس بكلمات خير من الخيل الدهم، قال: لا تكلمن فيما لا يعنيك حتى ترى له موضعا، ولا تمار سفيها ولا حليما فإن الحليم يغلبك والسفيه يزدريك، ولا تذكرن أخاك إذا توارى عنك إلا بمثل الذي تحب أن يتكلم فيك إذا تواريت عنه، واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالإحسان مأخوذ بالإجرام. فقال رجل عنده: يا ابن عباس! هذا خير من عشرة آلاف. فقال ابن عباس: كلمة منه خير من عشرة آلاف.
وقال ابن عباس: تمام المعروف تعجيله وتصغيره وستره- يعني أن تعجل العطية للمعطى، وأن تصغر في عين المعطي- وأن تسترها عن الناس فلا تظهرها! فإن في إظهارها فتح باب الرياء وكسر قلب المعطى، واستحياءه من الناس.
وقال ابن عباس: أعز الناس علي جليس لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت.
وقال أيضا: لا يكافئ من أتاني يطلب حاجة فرآني لها موضعا إلا الله عز وجل، وكذا رجل بدأني بالسلام أو أوسع لي في مجلس أو قام لي عن المجلس، أو رجل سقاني شربة ماء على ظمأ، ورجل حفظني بظهر الغيب. [انظر البداية والنهاية (8/304) و الإصابة في تمييز الصحابة (4/129)]
- أقوال العلماء فيه وبيان سعة علمه:
ثبت عن عمر بن الخطاب أنه كان يجلس ابن عباس مع مشايخ الصحابة ويقول: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وكان إذا أقبل يقول عمر: جاء فتى الكهول، وذو اللسان السؤول، والقلب العقول.
عن عبد الله بن دينار- أن رجلا سأل ابن عمر عن قوله تعالى: {كانتا رتقا ففتقناهما }[الأنبياء: 30] فقال: اذهب إلى ذلك الشيخ فسله ثم تعال فأخبرني, فذهب إلى ابن عباس، فسأله، فقال: كانت السموات رتقاء لا تمطر، والأرض رتقاء لا تنبت، ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات. فرجع الرجل فأخبر ابن عمر، فقال: لقد أوتي ابن عباس علما صدقا، هكذا، لقد كنت أقول ما يعجبني جرأة ابن عباس على تفسير القرآن، فالآن قد علمت أنه قد أوتي علما.
قال عمرو بن حبشي سألت ابن عمر عن آية، فقال: انطلق إلى ابن عباس فاسأله، فإنه أعلم من بقي بما أنزل الله تعالى على محمد.
قال علي في ابن عباس إنا لننظر إلى الغيث من ستر رقيق لعقله وفطنته.
عن ابن مسعود، قال: “نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس” .
عن محمد بن أبي بن كعب، عن أبيه، أنه سمعه يقول- وكان عنده ابن عباس – فقام: قال هذا يكون حبر هذه الأمة أوتي عقلا وجسما.
وقالت عائشة رضي الله عنها : هو أعلم الناس بالحج.
وعن مجاهد قال كان ابن عباس يسمى البحر لكثرة علمه.
قال عطاء: ما رأيت قط أكرم من مجلس ابن عباس أكثر فقها، وأعظم خشية، إن أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن عنده، وأصحاب الشعر عنده، يصدرهم كلهم من واد واسع.
عن مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس، فإذا نطق قلت: أفصح الناس، فإذا تحدث قلت: أعلم الناس.
قال عمر لابن عباس إنك لأصبح فتياننا وجها، وأحسنهم عقلا، وأفقهم في كتاب الله عز وجل.
قال ابن تيمية: أعلم الناس بالتفسير أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم
- من أخباره و فضائله:
صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولزمه، وأخذ عنه وحفظ وضبط الأقوال والأفعال والأحوال ودعا له فنال من بركة دعوته ما نال من فضل وعلم، وكان مقرَّبًا من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عابس قال : سمعت ابن عباس سأله رجل : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم العيد أضحى أو فطرا ؟ قال : “نعم، ولولا مكاني منه ما شهدته ؛ يعني : من صغره”:
وعن ابن عباس: دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمسح على ناصيتي وقال: «اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب» .
وعن ابن عباس، قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ”
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر فأسند ألفا وستمائة وسبعين حديثا والله سبحانه وتعالى أعلم.
رأى جبريل عليه السلام مرتين:
وقال ابن سعد: حدثنا محمد بن عبيد، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار، عن عكرمة، قال: أرسل العباس عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق، ثم جاء، فقال: رأيت عنده رجلا لا أدري من هو فجاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بالذي قال عبد الله، فدعاه، فأجلسه في حجره ، ومسح رأسه، ودعا له بالعلم.
عن ابن عباس: ” أنه رأى جبريل مرتين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم مرتين.
مما قيل في تخريج رؤية جبريل:
بعد تأمل ما سيأتي يكون الحديث من قبيل الحسن الصحيح أو الصحيح لغيره
فقد أخرجه أحمد في موضعين 1/294 ، 312
وقال محققوا المسند: إسناده على شرط مسلم وعمار بن أبي عمار وإن خرج له مسلم قال البخاري كان شعبة يتكلم فيه، وقال ابن حبان في الثقات كان يخطئ
قلت خلاصة قول الحافظ فيه في التقريب: ” صدوق ربما أخطأ”
ثم خرجوا الحديث من عدة كتب تنتهي لنفس الإسناد: حماد عن عمار عن ابن عباس
لكن للحديث شاهد قوي عند أحمد في الفضائل 1854 عن يحيى عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن ابن عباس قال قد رأيت عنده رجلا فقال العباس يزعم ابن عمك أنه رأى عندك رجلا قال كذا وكذا قال نعم ذاك جبريل.
وإسناده صحيح
وله شاهد آخر في زوائد عبد الله على الفضائل 1917 من طريق الدراوردي عن ثور بن زيد عن موسى بن ميسرة عن علي بن عبد الله عن أبيه قال بعث العباس عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حاجة فوجد معه رجلا ولم يعلمه فقال رأيته قال نعم قال ذاك جبريل قال أما إن ابنك لن يموت حتى يذهب بصره ويؤتى علما
قالوا فإن صح وصله فالإسناد حسن
قلت سيف بن دورة : الإسناد الأخير ظاهره الانقطاع. وإنما ذكروا احتمال الوصل لاحتمال أنه أخذه من ابن عباس.
قلت ولينظر إسناد الطبراني الآتي
وعن ابن عباس قال مررت برسول الله وليه ثياب بيض وهو يناجي دحية بن خليفة الكلبي وهو جبريل وأنا لا أعلم فلم يسلم فقال جبريل يا محمد من هذا قال هذا ابن عمي هذا ابن عباس قال ما أشد وضح ثيابه أما إن ذريته ستسود بعده أو سلم علينا رددنا عليه فلما رجعت قال لي رسول الله ما منعك ان تسلم قال بأبي وامي رأيتك تناجي دحية بن خليفة فكرهت ان تنقطع عليكما مناجاتكما قال وقد رأيته قلت نعم قال أما انه سيذهب بصرك ويرد عليك في موتك
قال عكرمة فلما قبض ابن عباس ووضع على سريره جاء طائر شديد الوهج فدخل في أكفانه فأرادوا شر فقال عكرمة ما تصنعون هذه بشرى رسول الله التي قال له فلما وضع في لحده تلقى بكلمة سمعها من على شفير قبره “يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”.
رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه. انتهى النقل التخريج.
- كان يؤخذ بقوله رضي الله عنه ويرجع إليه الصحابة والتابعين من بعد :
عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عمر كان يأخذ بقول ابن عباس في العضل، قال: وعمر عمرا.
وعند ابن سعد من طريق ليث بن أبي سليم، عن طاوس: رأيت سبعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تدارءوا في أمر صاروا إلى قول ابن عباس.
وعند البغوي من وجه آخر، عن طاوس: أدركت خمسين أو سبعين من الصحابة إذا سئلوا عن شيء فخالفوا ابن عباس لا يقومون حتى يقولوا هو كما قلت، أو صدقت.
- كان داعيا إلى الله عز وجل يتأثر الناس بقوله ودعوته واستأمره عثمان رضي الله عنه على الحج :
وفي رواية خطب ابن عباس، وهو على الموسم، فجعل يقرأ ويفسر، فجعلت أقول: لو سمعته فارس والروم لأسلمت, وزاد ابن أبي شيبة، من طريق عاصم، عن أبي وائل: سنة قتل عثمان، وكان أمره على الحج تلك السنة.
- ولاه علي رضي الله عنه على البصرة فكان يعلم الناس ويفقههم :
ذكر خليفة أن عليا ولاه وكان أهل البصرة مغبوطين به، يفقههم ويعلم جاهلهم، ويعظ مجرمهم، ويعطي فقيرهم.
وأخرج الزبير بسند له- أن ابن عباس كان يغشى الناس في رمضان وهو أمير البصرة، فما ينقضي الشهر حتى يفقههم, وروى أبو الحسن المدائني عن سحيم بن حفص، عن أبي بكرة، قال: قدم علينا ابن عباس البصرة وما في العرب مثله جسما وعلما وثيابا وجمالا وكمالا.
- جهاده رضي الله عنه :
شهد مع علي بن أبي طالب قتال الخوارج.
وقال ابن يونس: غزا إفريقية مع عبد الله بن سعد سنة سبع وعشرين
- جمع رضي الله عنه من مختلف العلوم ونفع الله بعلمه:
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان ابن عباس قد فات الناس بخصال: بعلم ما سبقه وفقه فيما احتيج إليه من رأيه، وحلم، ونسب، ونائل، وما رأيت أحدا كان أعلم بما سبقه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، ولا بقضاء أبي بكر، وعمر، وعثمان منه، ولا أفقه في رأي منه، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن، ولا بحساب ولا بفريضة منه، ولا أثقب رأيا فيما احتيج إليه منه، ولقد كان يجلس يوما ولا يذكر فيه إلا الفقه، ويوما التأويل، ويوما المغازي، ويوما الشعر، ويوما أيام العرب، ولا رأيت عالما قط جلس إليه إلا خضع له، وما رأيت سائلا قط سأله إلا وجد عنده علما.
وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلسه- يعنى ابن عباس- الحلال والحرام وتفسير القرآن والعربية والشعر والطعام. وقال مجاهد: ما رأيت أعرب لسانا من ابن عباس
عن أبي صالح: قال لقد رأيت من ابن عباس مجلسا لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها به الفخر، لقد رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا أن يذهب، قال: فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال لي: ضع لي وضوءا، قال: فتوضأ وجلس وقال: اخرج فقل لهم: من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أريد منه فليدخل. قال: فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل، قال فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله أو أكثر، ثم قال إخوانكم فخرجوا، ثم قال اخرج فقل: من كان يريد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها، فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم وزادهم مثله أو أكثر، ثم قال: إخوانكم فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من كان يريد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملئوا البيت والحجرة فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، ثم قال إخوانكم فخرجوا، قال أبو صالح، فلو أن قريشا كلها فخرت بذلك لكان فخرا، فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس.
- كان رضي الله عنه شديد الخشية بكّاء كثير العبادة شديد الورع:
عن شعيب بن درهم، قال: كان هذا المكان، وأومأ إلى مجرى الدموع من خدية، من خدي ابن عباس مثل الشراك البالي، من كثرة البكاء.
وقال ابن أبي مليكة: صحبت ابن عباس من المدينة إلى مكة، وكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل ويرتل القرآن حرفا حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب ويقرأ (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) .
وقال غيره: كان يصوم يوم الاثنين والخميس، وقال: أحب أن يرتفع عملي وأنا صائم.
وقد ألف العلماء وبسطوا في بعض الأحاديث والمواقف التي حصلت له رضي الله عنه، مثل حواره مع الخوارج، وحديث ((أحفظ الله يحفظك)) الحديث، وتوسعوا في ترجمته في بيان آداب الطالب والتلميذ.
- وفاته:
توفي رضي الله عنه بالطائف سنة ثمان وستين ، ويقال سنة تسع وستين, وهو ابن سبعين سنة، وقيل: إحدى وسبعين سنة، وقد كف بصره كما كف بصر أبيه وجده، وصلى عليه محمد بن الحنفية , وقيل أنه لما مات أقبل طائر أبيض، فدخل في أكفانه، فما خرج منها حتى دفن معه , عن سعيد بن جبير قال: ” مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته، فجاء طائر لم ير على خلقته حتى دخل في نعشه، ثم لم ير خارجا منه فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر، لا يرى من تلاها {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} [الفجر: 28] . [فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل – باب فضائل ابن عباس رضي الله عنه – (2/962)- برقم (4519)- (6/27)]
قال ميمون بن مهران: شهدتُ جنازة ابن عباس فبينما الناس واقفون إذ جاء طائر أبيض فوقع في أكفانه ودخل فيها، فالتمس، فلم يوجد. فلما سوينا عليه التراب سمعنا من نسمع صوته ولا نرى شخصه يقول: “يا أيتها النفس المطمئنة( )، ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي وادخلي جنتي”.
واختلفوا في سنّه يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل ابن خمس عشرة سنة، وقيل ابن ثلاث عشرة، مختتناً قد ناهز الاحتلام. وكانوا يختتون للبلوغ.
أثر موته رضي الله عنه وأقوال العلماء في ذلك:
أصيبت الأمة بموته رضي الله عنه بمصاب جلل فقد فقدت منبعا للعلم ومرجعا يربطها بهدي النبي صلى الله عليه وسلم
- عن يعقوب بن زيد عن أبيه قال سمعت جابر بن عبد الله يقول حين بلغه موت ابن عباس وصفق بإحدى يديه على الأخرى: مات اليوم أعلم الناس وأحلم الناس، وقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق.
- لما توفي ابن عباس قال محمد بن الحنفية : ” الْيَوْم مَاتَ باني الْعلم ” وقال : “مات والله اليوم حبر هذه الأمة ” .
- وقال الزبير بن بكار: حدثت عن عمرو بن دينار، قال: :”لما مات عبد الله بن العباس قال مات رباني هذه الأمة”.
- و عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم. قال: لما مات ابن عباس قال رافع ابن خديج: مات اليوم من كان يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم.
- [انظر صفة الصفوة (1/299) و البداية والنهاية (8/300)]
====
=====
صحة الكتب التي تنسب لابن عباس رضي الله عنهما
هذا الكتاب الذي يعرف بـ “تفسير ابن عباس” كتاب مختلق موضوع ، لا تصح نسبته إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، ولا يعرف عن ابن عباس أنه ألف كتابا لا في التفسير ولا غيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” وموسى بن عبد الرحمن هذا – وهو الثقفي الصنعاني – من الكذابين ، قال أبو أحمد بن عدي فيه : منكر الحديث ، وقال أبو حاتم ابن حبان : دجال يضع الحديث ، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في التفسير ، جمعه من كلام الكلبي ومقاتل ” . انتهى من [“مجموع الفتاوى” (1 /259)]
وقال السيوطي رحمه الله :
” وأوهى طرقه – يعني طرق التفسير عن ابن عباس – طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير فهي سلسلة الكذب ” انتهى من “الإتقان في علوم القرآن” (2 /497-498) .
وقال الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه الله :
” وقد نُسب إلى ابن عباس رضي الله عنه جزء كبير فى التفسير، وطُبع فى مصر مراراً باسم “تنوير المقياس من تفسير ابن عباس” ، جمعه أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادى الشافعى ، صاحب القاموس المحيط ، وقد اطلعتُ على هذا التفسير ، فوجدتُ جامعه يسوق عند الكلام عن البسملة الرواية عن ابن عباس بهذا السند : “أخبرنا عبد الله الثقة بن المأمون الهروى، قال: أخبرنا أبى ، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمود بن محمد الرازى ، قال: أخبرنا عمار بن عبد المجيد الهروى ، قال: أخبرنا على بن إسحاق السمرقندى ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبى ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس.
وعند تفسير أول سورة البقرة وجدته يسوق الكلام بإسناده إلى عبد الله ابن المبارك ، قال: حدثنا علىّ بن إسحاق السمرقندى عن محمد بن مروان ، عن الكلبى ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس .
وفى مبدأ كل سورة يقول: وبإسناده عن ابن عباس.
… وهكذا يظهر لنا جلياً أن جميع ما روى عن ابن عباس فى هذا الكتاب يدور على محمد بن مروان السدى الصغير ، عن محمد بن السائب الكلبي ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس ” .انتهى من [“التفسير والمفسرون” (2 /20)].
وقال أيضا:
” وليس للمعترض أن يعترض علينا بتفسير ابن عباس ، فإنه لا تصح نسبته إليه، بل جمعه الفيروز آبادى ونسبة إليه معتمداً في ذلك على رواية واهية ، هي رواية محمد بن مروان السدى ، عن الكلبي ، عن أبى صالح ، عن ابن عباس” انتهى من [“التفسير والمفسرون” (2 /26)].
وقد نُقِل عبد الله الأمين الشنقيطي ابن صاحب أضواء البيان أن هذا التفسير ليس جامعه الفيروز ابادي ، فقد وُجدت مخطوطة له قبل الفيروز ابادي .
والسدي هذا : قال الذهبي في ترجمته :
” محمد بن مروان السدى الكوفى ، وهو السدى الصغير ، يروى عن هشام بن عروة والأعمش ، تركوه ، واتهمه بعضهم بالكذب . وهو صاحب الكلبي ” انتهى . [“ميزان الاعتدال” (4 /32)].
أما الكلبي: فهو محمد بن السائب الكلبي ، أبو النضر الكوفى المفسر ، وهو وضاع مشهور .
قال سفيان: قال لى الكلبي : كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب.
وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد بن حنبل: يحل النظر في تفسير الكلبى ؟ قال: لا.
وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه ، يروى عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير ، وأبو صالح لم ير ابن عباس ، ولا سمع الكلبى من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف ، لا يحل ذكره في الكتب، فكيف الاحتجاج به . [“ميزان الاعتدال” (3 /557-559)].
وقال ابن معين : ” بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن : تفسير الكلبي عن أبى صالح “. [“ميزان الاعتدال” (1 /645)].
وهناك بعض الأعمال النافعة التي جمعت مرويات ابن عباس في التفسير ، ويستغنى بها عن مثل هذا الكتاب الزور ، منها كتاب: “تفسير ابن عباس ومروياته في التفسير من كتب السنة” لمؤلفه : عبد العزيز بن عبد الله الحميدي.
وأيضا كتاب: “ابن عباس ومنهجه في التفسير، وتفسيراته الصحيحة في الثلث الأول من القرآن” لمؤلفه : آدم محمد علي.
هذه بعض الجهود المبذولة من الرسائل العلمية المذكورة في كشاف الدراسات القرآنية في تفسير ابن عباس رضي الله عنهما أو تلاميذه:
1-الرّواية اللّغوية عن ابن عباس في تفسير الطّبري القرآن –
2-المفسر عبد الله بن عباس وتحقيق المروي عنه في سورة الأعراف والأنفال والتوبة القرآن
وغيرها كثير.