461 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
مسند سهل بن الحَنْظَلِيَّةِ رضي الله عنه
461 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 4 ص 180): حدثنا علي بن عبد الله حدثني الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني ربيعة بن يزيد حدثني أبو كبشة السلولي أنه سمع سهل بن الحنظلية الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أن عيينة والأقرع سألا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيئًا فأمر معاوية أن يكتب به لهما ففعل وختمها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر بدفعه إليهما فأما عيينة فقال ما فيه قال فيه الذي أُمرتُ به فقبَّله وعقده في عمامته -وكان أحكم الرجلين- وأما الأقرع فقال أحمل صحيفة لا أدري ما فيها كصحيفة المتلمس فأخبر معاوية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقولهما وخرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حاجة فمر ببعير مناخ على باب المسجد من أول النهار ثم مر به آخر النهار وهو على حاله فقال «أين صاحب هذا البعير؟» فابتغي فلم يوجد فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «اتقوا الله في هذه البهائم ثم اركبوها صحاحًا واركبوها سمانًا -كالمتسخط آنفًا- إنه من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من نار جهنم» قالوا يا رسول الله وما يغنيه قال «ما يغديه أو يعشيه».
هذا حديث صحيحٌ.
* وقال أبو داود رحمه الله (ج 5 ص 34): حدثنا عبد الله بن محمد [ص: 391] النفيلي أخبرنا مسكين (1) أخبرنا محمد بن المهاجر عن ربيعة بن يزيد عن أبي كبشة السلولي أخبرنا سهل بن الحنظلية قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فسألاه فأمر لهما بما سألا وأمر معاوية فكتب لهما بما سألا فأما الأقرع فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق وأما عيينة فأخذ كتابه وأتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مكانه فقال يا محمد أتراني حاملًا إلى قومي كتابًا لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار».
وقال النفيلي في موضع آخر: «من جمر جهنم» فقالوا يا رسول الله وما يغنيه. وقال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة قال «قدر ما يغديه ويعشيه».
وقال النفيلي في موضع آخر: «أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم».
وكان حدثنا به مختصرًا على هذه الألفاظ التي ذكرت.
هذا حديث صحيحٌ، ورجاله رجال الصحيح.
* قال أبو داود رحمه الله (ج 7 ص 220): حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي أخبرنا مسكين يعني ابن بكير أخبرنا محمد بن مهاجر عن ربيعة بن يزيد عن أبي كبشة السلولي عن سهل ابن الحنظلية قال: مر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال «اتقوا الله في هذه [ص: 392] البهائم المعجمة فاركبوها صالحة وكلوها صالحة».
هذا حديث حسنٌ، ورجاله رجال الصحيح، وفي مسكين بن بكير كلام لا ينزل حديثه عن الحسن.
__________
(1) هو ابن بكير.
صححه الألباني في سنن أبي داود 1629
بوب عليه مقبل في الجامع:
13 – تحريم السؤال لغير حاجة
31 – صبره صلى الله عليه وسلم على الجهال
12 – ذم من لم يزهد في الدنيا
21 – ذم الحرص على المال
قال محققو المسند:
إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح غير صحابيه فقد روى له أبو داود والنسائي …
وفي باب تحريم المسألة عن ظهر غنى، عن أبي هريرة، سلف برقم (7163)، وسلفت تتمة شواهده هناك.
وفي قصة البعير عن عبد الله بن جعفر، سلف برقم (1745)، وعن معاذ ابن أنس سلف برقم (15629)، وسيأتي برقم (18052).
[مسند أحمد 29/ 166 ط الرسالة]
قال الخطابي:
صحيفة المتلمس لها قصة مشهورة عند العرب وهو المتلمس الشاعر وكان هجا عمرو بن عبد الملك فكتب له كتابا إلى عامله يوهمه أنه أمر له فيه بعطية وقد كان كتب إليه يأمره بقتله فارتاب المتلمس به ففكه وقُراء له، فلما علم ما فيه رمى به ونجا فضربت العرب المثل بصحيفته بعد.
وقوله ما يغديه ويعشيه فقد اختلف الناس في تأويله فقال بعضهم من وجد غداء يومه وعشاءه لم تحل له المسألة على ظاهر الحديث.
وقال بعضهم إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة فقد حرمت عليه المسألة.
وقال آخرون هذا منسوخ بالأحاديث التي تقدم ذكرها. قلت وإنما أعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم من سهم المؤلفة قلوبهم فإن الظاهر من حالهما أنهما ليسا بفقيرين وهما سيدا قومهما ورئيسا قبائلهما.
[معالم السنن 2/ 58]
قال ابن القيم:
فصل
والمسألة في الأصل حرام، وإنَّما أبيحت للحاجة والضرورة، لأنَّها ظلم في حقِّ الربوبيَّة، وظلم في حقِّ المسؤول، وظلم في حقِّ السائل.
أمَّا الأوَّل: فلأنَّه بذَلَ سؤاله وفقره وذلَّه واستعطاءه لغير الله، وذلك نوع عبوديَّة. فوضع المسألة في غير موضعها وأنزلها بغير أهلها، وظلم توحيده وإخلاصه وفقره إلى الله وتوكُّله عليه ورضاه بقَسْمه، واستغنى بسؤال الخلق عن مسألته، وذلك كلُّه هضم من التوحيد، ويطفئ نوره ويضعف قوَّته.
وأمَّا ظلمه للمسؤول: فلأنَّه سأله ما ليس له عنده، فأوجب له بسؤاله عليه حقًّا لم يكن عليه، وعرَّضه لمشقَّة البذل أو لؤم المنع، فإن أعطاه أعطاه على كراهةٍ، وإن منعه منعه على استحياء. هذا إذا سأله ما ليس عليه. وأمَّا إذا سأله حقًّا هو له عنده، لم يدخل في ذلك ولم يظلمه بسؤاله.
وأمَّا ظلمه لنفسه: فإنَّه أراق ماء وجهه، وذلَّ لغير خالقه، وأنزل نفسه أدنى المنزلتين، ورضي لها بأبخس الحالتين، ورضي بإسقاط شرف نفسه وعزِّة تعفُّفِه وراحة قناعته، وباع صبرَه ورضاه وتوكُّله وقَنَعَه بما قسم له واستغناءَه عن الناس بسؤالهم. وهذا عينُ ظلمه لنفسه، إذ وضعها في غير موضعها، وأخمل شرفها، ووضع قدرها، وأذهب عزَّها، وصغَّرها وحقَّرها، ورضي أن تكون نفسه تحت نفس المسؤول، ويدُه تحت يده، ولولا الضرورة لم يُبَح ذلك في الشرع.
وقد ثبت في «الصحيحين» من حديث عبد الله بن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما يزال الرجلُ يسأل الناس حتَّى يأتي يومَ القيامة ليس في وجهه مُزْعةُ لحمٍ».
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس أموالهم تكثُّرًا فإنَّما يسأل جمرًا، فليستقلَّ أو ليستكثِرْ».
وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خيرٌ له من أن يأتي رجلًا فيسأله، أعطاه أو منعه».
وفي «صحيح مسلم» عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره، فيتصدَّق به، ويستغني به عن الناس خيرٌ من أن يسأل رجلًا أعطاه أو منعه، ذلك بأنَّ اليد العليا أفضل من اليد السُّفلى. وابدأ بمن تعول». زاد الإمام أحمد: «ولَأن يأخذ ترابًا فيجعله في فيه خيرٌ له من أن يجعل في فِيه ما حَرَّم الله عليه».
وفي «صحيح البخاري» عن الزبير بن العوَّام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتيَ بحزمةٍ من الحطب على ظهره فيبيعَها، فيكفَّ الله بها وجهه خيرٌ له من أن يسأل الناس، أعطَوه أو منعوه».
وفي «الصحيحين» عن أبي سعيدٍ الخدري أنَّ ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثمَّ سألوه فأعطاهم، ثمَّ سألوه فأعطاهم، حتَّى نفِدَ ما عنده، فقال لهم حين أنفق كلَّ شيءٍ بيديه: «ما يكون عندي من خيرٍ فلن أدَّخره عنكم، ومن يستعِفَّ يُعِفَّه الله، ومن يستغنِ يُغنه الله، ومن يتصبَّر يصبِّرْه الله. وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر».
وعن عبد الله بن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر ــ وذكر الصدقة والتعفُّف والمسألة ــ: «اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى، فاليد العليا: المنفقة، والسُّفلى هي السائلة». رواه البخاريُّ ومسلم.
وعن حكيم بن حزام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثمَّ سألته فأعطاني، ثمَّ قال: «يا حكيم، إنَّ هذا المال خضرةٌ حلوةٌ، فمن أخذه بسخاوة نفسٍ بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسٍ لم يبارَك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى». قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحقِّ، لا أَرْزَأُ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدُّنيا. وكان أبو بكرٍ يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثمَّ إنَّ عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إنِّي أُشهدكم يا معشر المسلمين على حكيمٍ: أنِّي أَعرِض عليه حقَّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه. فلم يرزأ حكيمٌ أحدًا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى توفِّي. متفق على صحَّته.
وعن الشعبي قال: حدَّثني كاتب المغيرة بن شعبة قال: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة: أن اكتب إليَّ بشيءٍ سمعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه: سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السُّؤال». رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
وعن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُلْحِفوا في المسألة، فوالله لا يسألني أحدٌ منكم شيئًا فتُخرج له مسألتُه منِّي شيئًا وأنا كارهٌ فيُبارَكَ له فيما أعطيتُه». وفي لفظٍ: «إنَّما أنا خازنٌ، فمن أعطيته عن طيب نفسٍ فيبارَكُ له فيه، ومن أعطيته عن مسألةٍ وشَرَهٍ كان كالذي يأكل ولا يشبع». رواه مسلمٌ.
وعن أبي مسلمٍ الخَولاني قال: حدَّثني الحبيب الأمين ــ أمَّا هو فحبيبٌ إليّ، وأمَّا هو عندي فأمين ــ عوف بن مالكٍ الأشجعيُّ قال: كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعةً ــ أو ثمانيةً أو سبعةً ــ فقال: «ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» وكنَّا حديثَ عهدٍ ببيعة فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فقال: «ألا تبايعون رسول الله؟» فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، ثمَّ قال: «ألا تبايعون رسول الله؟» قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلامَ نبايعك؟ قال: «أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا ــ وأسرَّ كلمةً خفيَّةً ــ، ولا تسألوا الناس شيئًا». فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوطُ أحدهم فما يسأل أحدًا يناوله إيّاه. رواه مسلم.
وعن سمرة بن جندبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ المسألة كدٌّ يكُدُّ بها الرجلُ وجهه، إلَّا أن يسأل الرجل سلطانًا، أو في أمرٍ لا بدَّ منه». رواه التِّرمذيُّ، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي «مسند الإمام أحمد» عن زيد بن عقبة الفزاريِّ قال: دخلت على الحجّاج بن يوسف، فقلت: أصلح الله الأمير، ألا أحدِّثك حديثًا سمعتُه من سمرة بن جندبٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: سمعته يقول: «المسائل كدٌّ يكُدُّ بها الرجل وجهَه، فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك، إلَّا أن يسأل رجلٌ ذا سلطانٍ، أو يسأل في أمرٍ لا بدَّ منه».
وعن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يتقبَّل لي بواحدةٍ وأتقبَّل له بالجنة؟». قال: قلت: أنا. قال: «لا تسأل النّاس شيئًا». فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب، فلا يقول لأحدٍ: ناولنيه، حتَّى ينزل فيتناوله. رواه الإمام أحمد وأهل السُّنن.
وعن ابن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصابته فاقةٌ فأنزلها بالناس لم تُسدَّ فاقتُه، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى: إمَّا بموتٍ عاجلٍ أو غنًى عاجلٍ». رواه أبو داود والتِّرمذيُّ، وقال: حديث صحيح.
وعن سهل ابن الحنظليَّة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عُيَينة بن حصنٍ والأقرع بن حابسٍ فسألاه …. رواه أبو داود والإمام أحمد.
وعن ابن الفِراسيِّ أنَّ الفراسيَّ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أسأل يا رسول الله؟ قال: «لا، وإن كنت سائلًا لا بدَّ فسل الصالحين». رواه النسائي.
وعن قبيصة بن المخارق الهلاليِّ قال: تحمَّلتُ حَمالةً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها»، ثمَّ قال: «يا قبيصة، إنَّ المسألة لا تحلُّ إلَّا لأحد ثلاثةٍ: رجلٍ تحمَّل حمالةً فحلَّت له المسألةُ حتى يصيبها ثمَّ يمسك، ورجلٍ أصابته جائحةٌ اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قِوامًا من عيشٍ ــ أو قال: سِدادًا من عيشٍ ــ، ورجلٍ أصابته فاقةٌ حتى يقول ثلاثةٌ من ذوي الحِجى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقةٌ، فحلَّت له المسألة حتى يصيب قِوامًا من عيشٍ ــ أو قال: سِدادًا من عيشٍ ــ؛ فما سواهنَّ من المسألة يا قبيصةُ سحتٌ يأكلها صاحبها سحتًا». رواه مسلمٌ.
وعن عائذ بن عمرٍو أنَّ رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسأله فأعطاه، فلمَّا وضع رجله على أُسْكُفَّة الباب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحدٌ إلى أحدٍ يسأله شيئًا». رواه النسائيُّ.
وعن مالك بن نضلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأيدي ثلاثةٌ: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السُّفلى، فأعط الفضل ولا تعجِزْ عن نفسك». رواه الإمام أحمد وأبو داود.
وعن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «من سأل مسألةً وهو عنها غنيٌّ كانت شَينًا في وجهه يوم القيامة». رواه الإمام أحمد.
وعن عبد الرحمن بن عوفٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: «ثلاثٌ والذي نفس محمَّدٍ بيده، إن كنت لحالفًا عليهنَّ: لا ينقص مالٌ من صدقةٍ، فتصدَّقوا. ولا يعفو عبدٌ عن مظلمةٍ يبتغي بها وجه الله إلَّا رفعه الله بها. ولا يفتح عبدٌ باب مسألةٍ إلَّا فتح الله عليه بابَ فقر». رواه الإمام أحمد.
وعن أبي سعيدٍ الخدري قال: سرَّحتني أمِّي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله، فأتيته فقعدت. قال: فاستقبلني فقال: «من استغنى أغناه الله، ومن استعفَّ أعفَّه الله، ومن استكفى كفاه الله، ومن سأل وله قيمة أوقيَّةٍ فقد ألحف».
فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقيةٍ، ولم أسأله. رواه الإمام أحمد وأبو داود.
وعن خالد بن عديٍّ الجهنيِّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جاءه من أخيه معروف من غير إشرافٍ ولا مسألةٍ فليقبَلْه ولا يردَّه، فإنَّما هو رزقٌ ساقه الله إليه». رواه الإمام أحمد.
فهذا أحد المعنيين في قوله: إنَّ من شرط الرِّضا ترك الإلحاح في المسألة، وهو أليق المعنيين وأولاهما، لأنَّه قرنه بترك الخصومة مع الخلق، فلا يخاصمهم في حقِّه ولا يطلب منهم حقوقه.
والمعنى الثاني: أنَّه لا يلحُّ في الدعاء ولا يبالغ فيه، فإنَّ ذلك يقدح في رضاه. وهذا يصحُّ من وجهٍ دون وجهٍ، فيصحُّ إذا كان الداعي يلحُّ في الدُّعاء بأغراضه وحظوظه العاجلة. وأمَّا إذا ألحَّ على الله في سؤاله ما فيه رضاه والقرب منه، فإنّ ذلك لا يقدح في مقام الرِّضا أصلًا.
وفي الأثر: «إنَّ الله يحبُّ المُلحِّين في الدعاء».
وقال أبو بكرٍ الصدِّيق للنبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر: يا رسول الله، قد ألححتَ على ربِّك، كفاك بعض مناشدتك لربِّك. فهذا الإلحاح عين العبوديَّة.
وفي «سنن ابن ماجه» من حديث أبي صالحٍ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يسأل الله يغضب عليه».
فإذا كان سؤاله يُرضيه لم يكن الإلحاح فيه منافيًا لرضاه، وحقيقة الرِّضا: موافقته سبحانه في رضاه. بل الذي ينافي الرِّضا: أنه يلحُّ عليه متحكِّمًا عليه، متخيِّرًا عليه ما لا يعلم هل يرضيه أم لا؟ كمن يلحُّ على ربِّه في ولاية شخصٍ، أو إغنائه، أو قضاء حاجته. فهذا ينافي الرِّضا، لأنَّه ليس على يقينٍ أنَّ مرضاة الربِّ في ذلك.
فإن قيل: فقد يكون للعبد حاجةٌ يباح له سؤالها، فيلحُّ على ربِّه في طلبها حتَّى يُفتَح له من لذيذ مناجاته وسؤاله، والذُّلِّ بين يديه وتملُّقِه، والتوسُّلِ إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده، وتفريغ القلب له، وعدم تعلُّقه في حاجته بغيره ما لم يحصل له بدون الإلحاح، فهل يكره له هذا الإلحاح وإن كان المطلوب حظًّا من حظوظه؟
قيل: هاهنا ثلاثة أمورٍ:
أحدها: أن يفنى بمطلوبه وحاجته عن مراد ربِّه ورضاه منه، ويجعل الربَّ تعالى وسيلةً إلى مطلوبه، بحيث يكون أهمَّ إليه منه. فهذا ينافي كمال الرِّضا به وعنه.
الثّاني: أن يُفتَح على قلبه حالَ السُّؤال مِن معرفته ومحبَّته والذُّلِّ له والخضوع والتّملُّق ما ينسيه حاجته، ويكون ما فُتح له من ذلك أحبَّ إليه من حاجته بحيث يحبُّ أن تدوم له تلك الحال، وتكون آثر عنده من حاجته، وفرحُه بها أعظم من فرحه بحاجته لو عجِّلت له وفاته ذلك. فهذا لا ينافي رضاه.
قال بعض العارفين: إنَّه لتكون لي الحاجة إلى الله، فأسأله إيَّاها، فيفتح عليَّ من مناجاته ومعرفته والتذلُّل له والتملُّق بين يديه ما أُحبُّ معه أن يؤخِّر قضاءها، وتدوم لي تلك الحال.
وفي أثرٍ: «إنَّ العبد ليدعو ربَّه، فيقول الله لملائكته: اقضوا حاجةَ عبدي وأخِّروها، فإنِّي أحبُّ أن أسمع دعاءه. ويدعوه آخر فيقول الله لملائكته: اقضوا حاجته وعجِّلوها له، فإنِّي أكره صوته».
وقد روى الترمذي وغيرُه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله يحبُّ أن يُسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج».
وروى أيضًا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرَّه أن يستجيب اللهُ له عند الشدائد، فليكثر الدعاءَ في الرخاء».
وروى أيضًا من حديث أنسٍ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجتَه، حتى يسأله الملح، وحتى يسأله شسعَ نعله إذا انقطع».
وفيه أيضًا عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما سئل الله شيئًا أحبَّ إليه من أن يُسأل العافية. وإنَّ الدُّعاءَ لينفع ممَّا نزل وممَّا لم ينزل، فعليكم عبادَ الله بالدُّعاء».
فإذا كان هذا محبَّة الربِّ للدُّعاء، فلا ينافي الإلحاحُ فيه الرِّضا.
الثالث: أن ينقطع طمعه عن الخلق، ويتعلَّق بربِّه في طلب حاجته، قد أفرده بالطَّلب، لا يلوي على ما وراء ذلك. فهذا قد يُنشئ له المصلحةَ مِن نفس الطلب وإفراد الربِّ بالقصد.
والفرق بينه وبين الذي قبله: أنَّ ذلك قد فتح عليه بما هو أحبُّ إليه من حاجته، فهو لا يبالي بفواتها بعد ظفره بما فتح عليه. وبالله التوفيق.
[مدارج السالكين 2/ 568 ط عطاءات العلم]
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ ?: (يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ): أَرَادَ بِهِ عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ
وَفِي قَوْلِهِ ?: (ارْكَبُوهَا صِحَاحًا) كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّاقَةَ الْعَجْفَاءَ الضَّعِيفَةَ يَجِبُ أَنْ يُتنكَّب رُكُوبُهَا إِلَى أَنْ تَصِحَّ
وَفِي قَوْلِهِ ?: (وَكُلُوهَا سِمَانًا) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّاقَةَ الْمَهْزُولَةَ الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُ نَحْرِهَا إِلَى أَنْ تَسْمَنَ
التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (2) / (38)
قال البغوي:
عَنْ هِشَامٍ، يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ، فَصَعَّدَ فِيهِمَا وَصَوَّبَ، فَقَالَ: «إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي قُوَّةٍ مُكْتَسِبٍ»
قَالَ رحمه الله: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَوِيَّ الْمُكْتَسِبَ الَّذِي يُغْنِيهُ كَسْبُهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ، وَلَمْ يَعْتَبِرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ظَاهِرَ الْقُوَّةِ دُونَ أَنْ ضَمَّ إِلَيْهِ الْكَسْبَ، لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرُ الْقُوَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ أَخْرَقَ لَا كَسْبَ لَهُ، فَتَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ، وَإِذَا رَأَى الإِمَامُ السَّائِلَ جَلِدًا قَوِيًّا شَكَّ فِي أَمْرِهِ وَأَنْذَرَهُ، وَأَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا كَسْبَ لَهُ، أَوْ لَهُ عِيَالٌ لَا يَقُومُ كَسْبُهُ بِكِفَايَتِهِمْ، قَبِلَ مِنْهُ وَأَعْطَاهُ ….
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقَوِيِّ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ، هَلْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ إِذَا لَمْ يَمْلُكْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أُعْطِيَ مِنَ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ فَقِيرٌ، فَبَانَ غَنِيًّا، رُوِيَ عَن الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ أَجَازَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ.
أَمَّا إِذَا بَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا، فَلا يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ ….
اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَحِلُّ لِلْأَغْنِيَاءِ إلّا لِخَمْسَةٍ اسْتَثْنَاهُمُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَنِيِّ الَّذِي يُمْنَعُ أَخْذَ الصَّدَقَةِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ مَنْ مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الرَّجُلُ مِنَ الزَّكَاةِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ.
وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: حَدُّهُ أَنْ يَمْلِكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَالشَّرْعُ أَمَرَ بِأَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ، وَدَفْعِهَا إِلَى الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا قَدْ ثَبَتَ غِنَاهُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، فَخَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفُقَرَاءِ.
وَقَالُوا إِذَا أُعْطِيَ الْفَقِيرُ مِنَ الصَّدَقَةِ، يُكْرَهُ أَنْ يُبَلَّغَ بِهِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدُّهُ أَنْ يَمْلِكَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، لِحَدِيثِ الْأَسْدِيِّ.
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ حَدَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ وَعِيَالَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ غَنِيًّا بِالدِّرْهَمِ مَعَ كَسَبٍ، وَلا يَكُونُ غَنِيًّا بِأَلْفِ لِضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ، وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ، وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْفَقِيرُ مِنَ الصَّدَقَةِ إِلَى أَنْ يَزُولَ عَنْهُ اسْمَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ»، فَهُوَ فِي تَحْرِيمِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ وَجَدَ غَدَاءَ يَوْمِهِ وَعَشَاءَهُ لَمْ تَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ وَجَدَ غَدَاءَهُ وَعَشَاءَهُ عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ.
[شرح السنة للبغوي 6/ 81]
قال ابن حجر:
وقد تقدم حديث أبي سعيد قريبا من عند النسائي في باب الاستعفاف وفيه: من سأل وله أوقية فقد ألحف، وقد أخرجه ابن حبان في صحيحه بلفظ: فهو ملحف وفي الباب عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عند النسائي بلفظ: فهو الملحف، وعن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد له صحبة في أثناء حديث مرفوع قال فيه: من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا.
أخرجه أبو داود، وعن سهل بن الحنظلية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار.
فقالوا: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه: أخرجه أبو داود أيضا وصححه ابن حبان،
قال الترمذي في حديث ابن مسعود: والعمل على هذا عند بعض أصحابنا كالثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق. قال: ووسع قوم في ذلك فقالوا: إذا كان عنده خمسون درهما أو أكثر وهو محتاج، فله أن يأخذ من الزكاة، وهو قول الشافعي وغيره من أهل العلم. انتهى. وقال الشافعي: قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب، ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله. وفي المسألة مذاهب أخرى: أحدها قول أبي حنيفة: إن الغني من ملك نصابا، فيحرم عليه أخذ الزكاة، واحتج بحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم. فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغنى، وقد قال: لا تحل الصدقة لغني.
ثانيها: أن حده من وجد ما يغديه ويعشيه، على ظاهر حديث سهل بن الحنظلية، حكاه الخطابي عن بعضهم، ومنهم من قال: وجهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات.
ثالثها: أن حده أربعون درهما، وهو قول أبي عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد، وهو الظاهر من تصرف البخاري لأنه أتبع ذلك قوله: (لا يسألون الناس إلحافا) وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر فقد سأل إلحافا.
[فتح الباري لابن حجر 3/ 341 ط السلفية]
قال العباد:
عيينة بن حصن والأقرع بن حابس زعيمان وكبيران من كبار قومهما، قيل: إنه عليه الصلاة والسلام أعطاهما لتأليف قلوبهما.
وقد يستشكل بعضهم هذه العبارة: (فقال: يا محمد! أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أردي ما فيه كصحيفة المتلمس؟! فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالاستشكال: ألم يقل الأقرع هذا الكلام في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يحتاج إلى إخبار معاوية بذلك؟
و الجواب
يمكن أن يكون طلب من معاوية أن يقول هذا الكلام، أو أنه قاله للنبي صلى الله عليه وسلم وقاله لـ معاوية، فأخبر معاوية بما قيل له، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أيضاً، فيكون حصل من الجهتين: فقد قاله للنبي صلى الله عليه وسلم، وقاله لـ معاوية، وأخبر معاوية أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
[شرح سنن أبي داود للعباد 198/ 12 بترقيم الشاملة آليا]
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
أثر الغنى في تحريم السؤال:
12 – بين الرسول صلى الله عليه وسلم من تحل له المسألة، فقال لقبيصة بن المخارق: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش فما سواهن من المسألة – يا قبيصة – سحتا يأكلها صاحبها سحتا (3)
قال ابن قدامة: فمد إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد؛ ولأن الحاجة هي الفقر، والغنى ضدها، فمن كان محتاجا فهو فقير يدخل في عموم النص، ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة للسؤال.
ويتفق الفقهاء على أن الغني يحرم عليه سؤال الصدقة، ولكنهم يختلفون في تقدير الغنى الذي يحرم معه السؤال (1).
يقول الكاساني: الغنى الذي يحرم به السؤال هو: أن يكون للإنسان سداد عيش، بأن كان له قوت يومه (2)، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار، فقالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه (3)
وذكر الحطاب نقلا عن التمهيد في قوله صلى الله عليه وسلم: من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف (4) الحديث فيه أن السؤال مكروه لمن له أوقية من فضة (1).
وفرق بعض المالكية بين الغنى بالنسبة إلى سؤال صدقة التطوع، وبين سؤال الزكاة الواجبة، فقالوا: غير المحتاج من عنده قوت يومه بالنسبة إلى طلب صدقة التطوع، أو قوت سنة بالنسبة إلى سؤال الزكاة الواجبة، فمن كان عنده ذلك حرم عليه الأخذ مطلقا، أي سواء كان ما يأخذه من المتصدق واجبا عليه كالزكاة، أو كان تطوعا (2).
وفي نهاية المحتاج: يكره التعرض لأخذ صدقة التطوع وإن لم يكفه ماله أو كسبه إلا يوما وليلة، وسؤال الغني حرام إن وجد ما يكفيه هو ومن يمونه يومهم وليلتهم، وسترته، وآنية يحتاجون إليها، والأوجه جواز سؤال ما يحتاج إليه بعد يوم وليلة إن كان السؤال عند نفاد ذلك غير متيسر، وإلا امتنع، وقيد بعضهم غاية ذلك بسنة، ونازع الأذرعي في التحديد بها، ثم قال في النهاية: ومعلوم أن سؤال ما اعتيد سؤاله – من قلم وسواك – من الأصدقاء ونحوهم مما لا يشك في رضا باذله وإن علم غنى آخذه لا حرمة فيه ولو على الغني، لاعتياد المسامحة به، ثم قال أيضا في النهاية: وفي شرح مسلم وغيره: متى أذل نفسه أو ألح في السؤال أو آذى المسئول حرم اتفاقا وإن كان محتاجا، كما أفتى به ابن الصلاح (1).
وفي شرح المنهاج نقلا عن الحاوي: الغني بمال أو بصنعة سؤاله حرام، وما يأخذه حرام عليه (2).
وفي الفروع من كتب الحنابلة: من أبيح له أخذ شيء أبيح له سؤاله، وعن الإمام أحمد: يحرم السؤال لا الأخذ على من له قوت يومه غداء وعشاء، ذكر ابن عقيل أنه اختاره جماعة، ويكون هذا هو الغنى الذي يمنع السؤال، وعن أحمد: غداء أو عشاء، وعنه: إذا كان عنده خمسون درهما، ذكر هذه الروايات الخلال، وذكر ابن الجوزي في المنهاج: إن علم أنه يجد من يسأله كل يوم لم يجز أن يسأل أكثر من قوت يوم وليلة، وإن خاف أن لا يجد من يعطيه أو خاف أن يعجز عن السؤال أبيح له السؤال أكثر من ذلك، ولا يجوز له في الجملة أن يسأل فوق ما يكفيه لسنة، وعلى هذا ينزل الحديث في الغنى بخمسين درهما، فإنها تكفي المنفرد المقتصد لسنته (3).
[الموسوعة الفقهية الكويتية 31/ 284]
……………..
حديث الباب الأخير صححه الألباني في سن أبي داود 2548، والصحيحة
بوب عليه مقبل في الجامع:
214 – الرفق بالبهائم
96 – الرفق بالحيوان
في مجلة البحوث الإسلامية:
وجوب الرفق بالحيوان وتحريم ظلمه وتعذيبه
بقلم
الشيخ عبد الله بن حمد العبودي (1)
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد. . .
فهذا بحث مختصر في بيان وجوب الرفق بالحيوان وتحريم ظلمه وتعذيبه.
جمعت فيه ما يسر الله لي الاطلاع عليه في هذا الموضوع إسهاما مني في النصح والتذكير بهذا الجانب المهم- أعني الإحسان إلى الحيوانات وحسن معاملتها والرفق بها حسب توجيهات الله تعالى وتوجيهات رسوله صلى الله عليه وسلم التي جاء بها الشرع المطهر راجيا من الله للجميع التوفيق لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبد الله بن حمد العبودي
جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى آيات كثيرة، وفي سنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام أحاديث صحيحة كلها تحث على الرفق عامة وبالحيوان والدابة خاصة.
قال الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (1) وعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه (2)»، وفي رواية: قال: «ركبت عائشة بعيرا وكانت فيه صعوبة فجعلت تردده فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” عليك بالرفق ” ثم ذكر مثله، (3)» وفي أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه (4)». أخرجه مسلم.
وفي رواية أبي داود عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: «سألت عائشة عن البداوة فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع وأنه أراد البداوة مرة فأرسل إلي ناقة محرمة من إبل الصدقة، فقال لي ” يا عائشة ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه (5)».
وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: «قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف (6)» أخرجه أبو داود وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله (7)» أخرجه مسلم وأبو داود. ولم يذكر مسلم كله، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير (1)» أخرجه الترمذي (2).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا (3)». أخرجه أبو داود.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة (4)» رواه مسلم (5).
إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يتسع المقام لذكرها والتي تحث على الرفق وتبين فضله وعواقبه الحسنة.
ومما جاء في الحث على الرفق بالحيوان والوصية بالعناية به، وعقوبة من ظلمه أو عذبه ما جاء في البخاري ومسلم «بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فاستقت له به، فسقته إياه فغفر لها به (6)». هذه رواية البخاري ومسلم وللبخاري «أن رجلا رأى كلبا يأكل الثرى من العطش فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له فأدخله الجنة (7)»، وعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دخلت النار امرأة في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض (8)» وفي رواية «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (9)» أخرجه البخاري ومسلم وللحديث روايات متعددة كلها بمعنى واحد.
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: «أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي لا أحدث به أحدا من الناس وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أو حائش نخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن، وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح ذفراه، فسكت: فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال له: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه (1)» أخرجه أبو داود وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة: فاركبوها صالحة وكلوها صالحة (2)» أخرجه أبو داود (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم أن تتخذوا دوابكم منابر، فإن الله إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجتكم (4)». أخرجه أبو داود (5).
وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن أبيه قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها ورأى قرية نمل قد أحرقناها، فقال: من أحرق هذه؟ قلنا: نحن، قال إنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب النار إلا رب النار (6)» أخرجه أبو داود (7).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أنه مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال ابن عمر: ” من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا (1)» متفق عليه، وعن أنس رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم” أن تصبر البهائم (2)» متفق عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوم الوجه فأنكر ذلك فقال: والله لا أسمه إلا أقصى شيء من الوجه، وأمر بحماره فكوي في جاعرتيه فهو أول من كوى الجاعرتين (4)» رواه مسلم. .
وعنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه حمار قد وسم في وجهه فقال: لعن الله الذي وسمه (5)» رواه مسلم.
وفي رواية لمسلم أيضا: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه والوسم في الوجه (6)».
وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة (7)» قال عمران فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد رواه مسلم وغيره (8).
وعن أنس رضي الله عنه قال: «سار رجل مع النبي صلى الله عليه وسلم فلعن بعيره فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تسر معنا على بعير ملعون (9)» رواه أبو يعلى وابن أبي الدنيا بإسناد جيد.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر يسير فلعن رجل ناقة، فقال: أين صاحب الناقة؟ فقال الرجل: أنا، فقال: أخرها، فقد أجيب فيها (10)» اهـ
أقول ويستفاد من هذه الأحاديث التي مرت وما يماثلها:
وجوب الرفق بالحيوان، والإحسان إليه وعدم ظلمه أو تعذيبه أو حبسه أو منعه الطعام أو الشراب. سواء كان الظلم بالضرب الشديد أو التجويع، أو بثقل الحمل أو تكليفه ما لا يستطيع من السير بسرعة فوق طاقته وغير ذلك لأنه من تعذيب خلق الله سبحانه وتعالى وقد نهى عنه الشارع الحكيم.
يقول الحافظ ابن حجر: رحمه الله تعالى في كلامه على حديث «من لا يرحم لا يرحم (1)» قال ابن بطال: فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم المملوك منها وغير المملوك، ويدخل في الرحمة التعاهد بالإطعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب (2).
ومن كلام النووي: رحمه الله تعالى على حديث المرأة التي عذبت في هرة، فيه دليل لتحريم قتل الهرة وتحريم حبسها بغير طعام أو شراب. . وفيه وجوب نفقة الحيوان على مالكه (3).
وقال: أيضا على “حديث الرجل الذي سقى الكلب “:
ففي هذا الحديث الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم، وهو ما لا يؤمر بقتله فأما المأمور بقتله فيتمثل أمر الشرع في قتله والمأمور بقتله كالكافر الحربي والمرتد والكلب العقور والفواسق الخمس المذكورات في الحديث وما في معناهن، وأما المحترم فيحصل الثواب بسقيه والإحسان إليه أيضا بإطعامه وغيره سواء كان مملوكا أو مباحا، وسواء كان مملوكا له أو لغيره، والله أعلم (4).
وفي باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء (5)». الحديث: قال النووي: وهذا الحديث من الأحاديث الجامعة لقواعد الإسلام.
وقال: على أحاديث النهي عن صبر البهائم واتخاذ ما فيه الروح غرضا، صبر البهائم: حبسها لتقتل برمي ونحوه، وهو معنى «لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا (1)» أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه كالغرض من الجلود ونحوها: وهذا النهي للتحريم ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في رواية ابن عمر التي بعد هذه «لعن الله من فعل هذا، (2)» ولأنه تعذيب للحيوان وإتلاف لنفسه، وتضييع لماليته، وتفويت لذكاته إن كان مذكى، ولمنفعته إن لم يكن مذكى ” (3).
أقول: وهذا من أعظم ما ينافي الإحسان والرحمة والشفقة بالحيوان ومن أكبر الظلم والتعذيب الذي حرمه الدين الإسلامي.
وجاء في تحفة الأحوذي: على حديث نهيه عليه الصلاة والسلام عن التحريش بين البهائم والضرب في الوجه.
قوله: ” التحريش بين البهائم ” هو الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين الجمال والكباش والديوك وغيرها، ووجه النهي عن ذلك أنه إيلام للحيوانات وإتعاب لها بدون فائدة بل مجرد عبث.
وعن الوسم في الوجه: أي يحرم الوسم في الوجه وكذا ” الضرب في الوجه ” من كل حيوان محترم فيحرم ولو غير آدمي لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف يظهر فيه أثر الضرب، وربما شانه وربما آذى بعض الحواس.
قال النووي: وأما الضرب في الوجه فمنهي عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها. لكنه في الآدمي أشد لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف لأنه يظهر فيه أثر الضرب وربما شانه وربما آذى بعض الحواس. اهـ
وفي تحفة الأحوذي قال: أيضا في موضع آخر عند قوله ” باب ما جاء في كراهية التحريش ” إذا أطلقت الكراهة فالمراد بها التحريم. أهـ (4).
فالضرب في الوجه محرم لما فيه من الآثار السابق ذكرها ولما فيه من التعذيب والإيلام الشديد والظلم العظيم وعدم الشفقة والرحمة والإحسان للبهائم وغيرها.
وقال في عون المعبود على سنن أبي داود: “عن التحريش بين البهائم ” هو الإغراء وتهييج بعضها على بعض كما يفعل بين الكباش والديوك وغيرها، ووجه النهي أنه إيلام للحيوانات وإعنات لها بدون فائدة بل مجرد عبث.
وعن الوسم والضرب في الوجه قال:
فيه دليل على تحريم الوسم في الوجه، لأنه عليه الصلاة والسلام لا يلعن إلا من فعل محرما. وكذلك ضرب الوجه قال النووي: ثم ذكر كلام النووي المتقدم ذكره.
وقد عد الذهبي: رحمه الله تعالى الاستطالة على الدابة من الكبائر فقال: الكبيرة الحادية والخمسون: الاستطالة على الضعيف والمملوك والجارية والزوجة والدابة؛ لأن الله تعالى قد أمر بالإحسان إليهم في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (2).
وأخذ رحمه الله تعالى يتكلم عن الحديث ويشرح جزئياته إلى أن قال:
ومن ذلك أي من عظم الإساءة أن يجوع المملوك أو الجارية أو الدابة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته (3)».
ومن ذلك أن يضرب الدابة ضربا وجيعا، أو يحبسها ولا يقوم بكفايتها أو يحملها فوق طاقتها فقد روي في تفسير قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (1) الآية قيل: يؤتى بهم. الناس وقوف يوم القيامة فيقضى بينهم حتى أنه ليؤخذ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء حتى يقاد للذرة من الذرة ثم يقال لهم كونوا ترابا فهنالك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وهذا من الدليل على القضاء بين البهائم، بينها وبين بني آدم حتى أن الإنسان لو ضرب دابة بغير حق أو جوعها أو عطشها أو كلفها فوق طاقتها فإنها تقتص منه يوم القيامة بقدر ما ظلمها أو جوعها والدليل على ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عذبت امرأة في هرة ربطتها حتى ماتت جوعا لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (2)» أي من حشراتها.
وفي الصحيح «أنه صلى الله عليه وسلم رأى امرأة معلقة في النار والهرة تخدشها في وجهها وصدرها وهي تعذبها كما عذبتها في الدنيا بالحبس والجوع». وهذا عام في سائر الحيوان وكذلك إذا حملها فوق طاقتها تقتص منه يوم القيامة لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينما رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث (3)» فهذه بقرة أنطقها الله في الدنيا تدافع عن نفسها بأنها لا تؤذى ولا تستعمل في غير ما خلقت له، فمن كلفها غير طاقتها أو ضربها بغير حق فيوم القيامة تقتص منه بقدر ضربه وتعذيبه.
قال أبو سليمان الداراني: ركبت مرة حمارا فضربته مرتين أو ثلاثا فرفع رأسه ونظر إلي وقال: يا أبا سليمان هو القصاص يوم القيامة فإن شئت فأقلل وإن شئت فأكثر قال: فقلت: لا أضرب شيئا بعده أبدا، «ومر ابن عمر بصبيان من قريش قد نصبوا طيرا وهم يرمونه وقد جعلوا لصاحبه كل خاطئة من نبلهم فلما رأوا ابن عمر تفرقوا فقال: من فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا (4)»، والغرض كالهدف وما يرمى إليه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهائم يعني (أن تحبس للقتل) وإن كان مما أذن الشرع بقتله كالحية، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور قتله بأول دفع ولا يعذبه لقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته (1)» ثم ذكر عدم جواز تحريق الحيوان بالنار وذكر حديث ابن مسعود في قصة الحمرة وفرخيها. . إلخ (2).
ويقول ابن حجر الهيتمي: رحمه الله تعالى- الكبيرة الثامنة، والتاسعة، والعاشرة، والحادية عشرة، والثانية عشرة بعد الثلاثمائة، امتناع القن مما يلزمه من خدمة سيده وامتناع السيد مما يلزمه من مؤونة قنه، وتكليفه إياه عملا لا يطيقه، وضربه على الدوام، وتعذيب القن بالخصاء ولو صغيرا أو بغيره أو الدابة وغيرها بغير سبب شرعي، والتحريش بين البهائم.
ثم أخذ رحمه الله تعالى يتكلم عن القن وما يجب له أو عليه وما يجب نحوه. . إلى أن قال: (3).
وروى الشيخان: «من لا يرحم لا يرحم (4)» “. والبخاري وغيره «دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض (5)» وفي رواية «عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (6)» زاد أحمد ” فوجبت لها النار بذلك، وابن حبان في صحيحه «دخلت الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء وأطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء، ورأيت فيها ثلاثة يعذبون امرأة من حمير طوالة ربطت هرة لم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض فهي تنهش قبلها ودبرها (7)». . وذكر هذا الحديث بطرق وروايات أخرى. . إلى أن قال: وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحريش بين البهائم (8)».
وقد قال الأذرعي: ويشبه أن يكون قتل الهر الذي ليس بمؤذ عمدا من الكبائر لأن امرأة دخلت النار في هرة الحديث ويلحق بها ما في معناها. . انتهى.
والقتل ليس بشرط بل الإيذاء الشديد كالضرب المؤلم كذلك، ثم رأيت بعضهم صرح بأن تعذيب الحيوان من غير موجب، وخصاء العبد وتعذيبه ظلما أو بغيا من الكبائر، ويقاس بالعبد غيره.
[مجلة البحوث الإسلامية 34/ 149]
قال العباد:
قوله: [(فقال: اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة)].
أي: التي لا تنطق ولا تعبر عن حاجتها ولا تفصح عما في نفسها، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتقوى الله تعالى فيها، وذلك بأن يحسن إليها ولا يساء وبأن تؤتى حقها، وترعى حق رعايتها، وتعطى ما تحتاج إليه، ويصرف عنها ما يسوءها، ولا تؤذى، هذا هو المقصود بتقوى الله عز وجل في البهائم المعجمة.
قوله: [(اركبوها صالحة، وكلوها صالحة)].
أي: بعد أن تكونوا قد أحسنتم إليها فصارت قوية.
[شرح سنن أبي داود للعباد 302/ 3 بترقيم الشاملة آليا]