460 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
مسند سهل بن أبي حثمة رضي الله عنهما
460 – قال أبو داود رحمه الله (ج 8 ص 244): حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن أخبرنا أسد بن موسى أخبرنا يحيى بن زكريا حدثني سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيبر نصفين نصفًا لنوائبه وحاجته ونصفًا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهمًا.
هذا حديث صحيحٌ.
…………………………….
بوب الشيخ مقبل عليه في الجامع:
باب إمساك شيء من المال للنوائب وغيرها،
وباب غزوة خيبر
وباب الإعداد لا ينافي التوكل
قال الخطابي:
قلت فيه من الفقه أن الأرض إذا غنمت قسمت كما يقسم المتاع، والخُرثي لا فرق بينهما وبين غيرهما من الأموال. والظاهر من أمر خيبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحها عنوة وإذا كانت عنوة فهي مغنومة، وإذا صارت غنيمة فإنما حصته من الغنيمة خمس الخمس وهو سهمه الذي سماه الله له في قوله {واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} [الأنفال: 41] فكيف يكون له النصف منها أجمع حتى يصرفه في حوائجه ونوائبه على ظاهر ما جاء في هذا الحديث.
قلت وإنما يشكل هذا على من لا يتتبع طرق الأخبار المروية في فتوح خيبر حتى يجمعها ويرتبها فمن فعل ذلك تبين أمر صحة هذه القسمة من حيث لا يشكل معناه، وبيان ذلك أن خيبر كانت لها قرى وضياع خارجة عنها منها الوطيحة والكتيبة والشق والنطاة والسلاليم وغيرها من الأسماء فكان بعضها مغنوما وهو ما غلب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان سبيلها القسم، وكان بعضها فيئا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكان خاصا لرسول الله يضعه حيث أراه الله من حاجته ونوائبه ومصالح المسملين فنظروا إلى مبلغ ذلك كله فاستوت القسمة فيها على النصف والنصف وقد بين ذلك الزهري.
قال أبو داود: قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد أخبركم ابن وهب حدثني مالك عن ابن شهاب أن خيبر كان بعضها عنوة وبعضها صلحاً والكتيبة أكثرها عنوة وفيها صلح، قلت لمالك وما الكتيبة قال أرض خيبر وهي أربعون ألف عذق.
قلت العَذق النخلة مفتوحة العين والعِذق بكسرها الكباسة.
[معالم السنن 3/ 30]
قال البغوي:
رُوِي أَن الْجَيْش كانُوا ألفا وَخمْس مائةٍ، فيهم ثَلَاث مائَة فَارس، فَأعْطى الْفَارِس سَهْمَيْنِ، والراجل سَهْما، وقِيل: هُو وهمٌ إِنّما كانُوا مِائَتي فَارس، فَكَانَ للفارس ثَلَاثَة أسْهم، وللراجل سهم، وَإِنَّمَا صَارَت خَيْبَر نِصْفَيْنِ بيْن الرسُول صلى الله عليه وسلم وَبَين الْجَيْش، لِأَنَّهَا قرى كَثِيرَة، فُتح بعْضها عنْوَة، فَكَانَ للنّبي صلى الله عليه وسلم مِنْهَا خُمس الخُمس، وفُتح بعْضها صلحا، فَكَانَ فَيْئا خَالِصا لرسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعهُ حَيْثُ أرَاهُ اللهُ من حَاجته ونوائبه، ومصالح المُسْلِمين، فاستوتِ الْقِسْمَة فِيها على المناصفة.
ورُوِي عنْ بُشير بْن يسَار، عنْ رجال من أصْحاب النّبي صلى الله عليه وسلم، أنّ رسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خَيْبَر، قسمهَا إِلى سِتَّة وَثَلَاثِينَ سَهْما، جمع كلُّ سهم مائَة سهمٍ، فعزل للْمُسلمين الشّطْر ثَمَانِيَة عشر سَهْما، النّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهم لهُ سهمٌ كسهم أحدهم، وعزل ثَمَانِيَة عشر سَهْما، وهُو الشطرُ لنوائبه وَمَا ينزل من أَمر المُسْلِمين، فَكَانَ ذلِك الكتيبة، والوطيحة، والسلاليم وتوابعها.
[شرح السنة للبغوي 11/ 144]
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
الأرض التي فتحت عنوة:
25 – إن فتحت الأرض عنوة: فقد اختلف الفقهاء في تقسيمها على المقاتلين. فقال مالك وهو رواية عن أحمد: لا تقسم الأرض، وتكون وقفا على المسلمين، يصرف خراجها في مصالحهم، من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير، وهذا إذا لم ير الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة، فله أن يقسمها على المقاتلين، والدليل عليه اتفاق الصحابة على ذلك، حينما امتنع عمر عن تقسيم أرض السواد، عندما طلب منه ذلك بلال، وسلمان. وقال أبو حنيفة والثوري: الإمام مخير بين أن يقسمها على المسلمين المقاتلين، أو يضرب على أهلها الخراج ويقرها بأيديهم. وذلك لأن كلا الأمرين قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ظهر على مكة عنوة وفيها أموال فلم يقسمها، وظهر على قريظة والنضير وغيرهما فلم يقسم شيئا منها، وقسم نصف خيبر على المسلمين، ووقف النصف لنوائبه وحاجاته، كما في حديث سهل بن أبي حثمة قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر نصفين: نصفا لنوائبه وحوائجه، ونصفا بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما رواه أبو داود وسكت عنه، وما قاله أبو حنيفة والثوري هو رواية ثانية عن الإمام أحمد.
وقال الشافعي: إن الأرض تقسم بين المقاتلين، كما يقسم المنقول إلا أن يتركوا حقهم منها بعوض، كما فعل عمر مع جرير البجلي، إذ أنه عوضه سهمه في أرض السواد (1). أو بغير عوض، وذلك لقوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} (2) فإنها عامة في المنقول والأرض. ويفهم منها أن أربعة أخماسها للمقاتلين، وما قال الشافعي روي عن أحمد أيضا.
26 – أما إذا لم تقسم الأرض وتركت بأيدي أهلها، ينتفع المسلمون بخراجها، فقد قال جمهور الصحابة والفقهاء: إنها أرض موقوفة، لا يجوز بيعها، ولا شراؤها، ولا هبتها، ولا تورث عمن وضع يده عليها من الكفار. وذلك لما روى الأوزاعي أن عمر والصحابة رضي الله عنهم لما ظهروا على الشام أقروا أهل القرى في قراهم على ما كان بأيديهم من أرضهم، يعمرونها ويؤدون خراجها للمسلمين، وكانوا يرون أنه لا يصح لأحد من المسلمين شراء ما في أيديهم من الأرض طوعا أو كرها.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: إنها ملك لهم. لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والهبة، ويتوارثها عنهم أقاربهم، وذلك لما روى عبد الرحمن بن زيد أن ابن مسعود اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه خراجها، وبهذا قال الثوري وابن سيرين (3).
[الموسوعة الفقهية الكويتية 3/ 118]
قال العباد:
أورد أبو داود حديث سهل بن أبي حاتم رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم أرض خيبر نصفين: نصفاً لنوائبه وحاجته، ونصفاً بين المسلمين) وهذا يدل على ما قاله الخطابي: إن فتح خيبر منها ما هو صلح، ومنها ما هو عنوة، فالذي فتح صلحاً هو النصف الذي قسم بين المسلمين، والذي حصل عنوة هو الذي بقي لحاجة النبي صلى الله عليه وسلم ونوائبه.
وابن القيم يقول: كلها فتحت عنوة، ولم يكن في أرض خيبر صلح، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قسم نصفها في مصارف الغنيمة، والنصف الثاني أبقاه لينفق منه في حاجته ونوائبه وفي المصالح العامة التي يراها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فعلى هذا التقسيم إن فتحت عنوة فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أبقى بعضها وقسم بعضها، وإن فتحت صلحاً فالذي أبقى هو ما فتح صلحاً، واعتبر من الفيء، والذي قسم هو الذي فتح عنوة.
قوله: [قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر نصفين: نصفاً لنوائبه وحاجته، ونصفاً بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً].
يعني: النصف الذي قسمه جعله على ثمانية عشر سهماً، وكان كل سهم فيه مائة شخص، وهي قسمت على أهل الحديبية وكانوا ألفاً وأربعمائة على القول الصحيح، وقيل: ألف وخمسمائة، وسيأتي عند أبي داود: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قسمها على أهل الحديبية وكانوا ألفاً وخمسمائة، وكانت ثمانية عشر سهماً، وكان فيهم ثلاثمائة فارس) أي: فكان لكل فارس سهمان: سهم له، وسهم لفرسه، على أساس أن الفرس له سهم واحد، لكن هذا مخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الفارس له ثلاثة أسهم: سهم له، وسهمان لفرسه).
لكن على القول الذي جاء في الرواية الضعيفة التي فيها أنهم ألف وخمسمائة، وأن فيهم ثلاثمائة فارس، فيكون للشخص سهم، ولفرسه سهم، ولكن هذا غير صحيح؛ لأن الذي ثبت بالنسبة للفرسان أن الشخص له سهم، وفرسه له سهمان، ويقول ابن القيم: إن أهل الحديبية ألف وأربعمائة، والفرسان منهم كانوا مائتين، وعلى هذا يستقيم الحساب، فستمائة توزع على مائتين، فيكون للفارس سهم، ولفرسه سهمان.
[شرح سنن أبي داود للعباد 354/ 11 بترقيم الشاملة آليا]
قال الطحاوي:
بَابُ الْأَرْضِ تُفْتَتَحُ كَيْفَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا؟
5242 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: ثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: لَمَّا وَفَدَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فِي أُنَاسٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ عُمَرُ لِجَرِيرِ «يَا جَرِيرُ، وَاللهُ لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ، لَكُنْتُمْ عَلَى مَا قَسَمْتُ لَكُمْ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ أَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَرَدَّهُ، وَكَانَ رُبْعُ السَّوَادِ لِبَجِيلَةَ، فَأَخَذَهُ مِنْهُمْ وَأَعْطَاهُمْ ثَمَانِينَ دِينَارًا»
5243 – حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ قَدْ أَعْطَى بَجِيلَةَ رُبْعَ السَّوَادِ، فَأَخَذْنَاهُ ثَلَاثَ سِنِينَ، فَوَفَدَ بَعْدَ ذَلِكَ جَرِيرٌ إِلَى عُمَرَ، وَمَعَهُ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه ” وَاللهُ، لَوْلَا أَنِّي قَاسِمٌ مَسْئُولٌ، لَتَرَكْتُكُمْ عَلَى مَا كُنْتُ أَعْطَيْتُكُمْ فَأَرَى أَنْ نَرُدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَفَعَلَ قَالَ: فَأَجَازَنِي عُمَرُ بِثَمَانِينَ دِينَارًا،
قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ قَدْ كَانَ قَسَمَ السَّوَادَ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ أَرْضَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَعْطَاهُمْ، عَلَى أَنْ يَعُودَ لِلْمُسْلِمِينَ، قِيلَ لَهُ: مَا يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ ظَاهِرُهُ، عَلَى مَا ذَكَرْتُمْ، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ رضي الله عنه فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا فَعَلَ، فِي طَائِفَةٍ مِنَ السَّوَادِ، فَجَعَلَهَا لِبَجِيلَةَ، ثُمَّ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَوَّضَهُمْ مِنْهُمْ، عِوَضًا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانَتْ تِلْكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي جَرَى فِيهَا هَذَا الْفِعْلُ لِلْمُسْلِمِينَ، بِمَا عَوَّضَ عُمَرُ أَهْلَهَا مَا عَوَّضَهُمْ مِنْهَا، مِنْ ذَلِكَ، وَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ السَّوَادِ فَعَلَى الْحُكْمِ الَّذِي قَدْ بَيَّنَّا، فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْبَابِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ، لَكَانَتْ أَرْضُ السَّوَادِ أَرْضَ عُشْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ أَرْضَ خَرَاجٍ، فَإِنِ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا
5244 – حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَجِيلَةَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَتْ: إِنَّ قَوْمِي رَضُوا مِنْكَ مِنَ السَّوَادِ، بِمَا لَمْ أَرْضَ، وَلَسْتُ أَرْضَى، حَتَّى تَمْلَأَ كَفِّي ذَهَبًا، أَوْ جَمَلِي طَعَامًا، أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهَا عُمَرُ رضي الله عنه قِيلَ لَهُمْ: ذَلِكَ أَيْضًا،
عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ، بِالْجُزْءِ الَّذِي كَانَ سَلَّمَهُ عُمَرُ لَبَجِيلَةَ، فَمَلَكُوهُ، ثُمَّ أَرَادَ انْتِزَاعَهُ مِنْهُمْ، بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ فَلَمْ يَخْرُجْ حَقُّ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا إِلَّا بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهَا، فَأَعْطَاهَا عُمَرُ مَا طَلَبَتْ، حَتَّى رَضِيَتْ، فَسَلَّمَتْ مَا كَانَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ، كَمَا سَلَّمَ سَائِرُ قَوْمِهَا حُقُوقَهُمْ، فَهَذَا، عِنْدَنَا، وَجْهُ هَذَا الْبَابِ كُلِّهِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ، وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ، عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ، رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي أَرْضِ مِصْرَ أَيْضًا، مَا
5245 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ ” لَمَّا فَتَحَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَرْضَ مِصْرَ، جَمَعَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَشَارَهُمْ فِي قِسْمَةِ أَرْضِهَا بَيْنَ مَنْ شَهِدَهَا، كَمَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ غَنَائِمَهُمْ، وَكَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بَيْنَ مَنْ شَهِدَهَا أَوْ يُوقِفُهَا، حَتَّى رَاجَعَ فِي ذَلِكَ رَأْيَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فِيهِمُ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَاللهِ مَا ذَاكَ إِلَيْكَ، وَلَا إِلَى عُمَرَ، إِنَّمَا هِيَ أَرْضٌ فَتَحَ اللهُ عَلَيْنَا، وَأَوْجَفْنَا عَلَيْهَا خَيْلَنَا وَرِجَالَنَا، وَحَوَيْنَا مَا فِيهَا، فَمَا قِسْمَتُهَا بِأَحَقَّ مِنْ قِسْمَةِ أَمْوَالِهَا، وَقَالَ نَفَرٌ مِنْهُمْ: لَا نَقْسِمُهَا حَتَّى نُرَاجِعَ رَايَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا، فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَكْتُبُوا إِلَى عُمَرَ فِي ذَلِكَ، وَيُخْبِرُوهُ فِي كِتَابِهِمْ إِلَيْهِ، بِمَقَالَتِهِمْ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ عُمَرُ ” بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ وَصَلَ إِلَيَّ مَا كَانَ مِنْ إِجْمَاعِكُمْ عَلَى أَنْ تَغْتَصِبُوا عَطَايَا الْمُسْلِمِينَ، وَمُؤَنَ مَنْ يَغْزُو أَهْلَ الْعَدُوِّ، وَأَهْلَ الْكُفْرِ، وَإِنِّي إِنْ قَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ، لَمْ يَكُنْ لِمَنْ بَعْدَكُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَادَّةً يُقَوُّونَ بِهِ عَلَى عَدُوِّكُمْ، وَلَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَدْفَعُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ
مِنْ مُؤَنِهِمْ، وَأَجْرِي عَلَى ضُعَفَائِهِمْ وَأَهْلِ الدِّيوَانِ مِنْهُمْ، لَقَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ، فَأَوْقِفُوهَا فَيْئًا، عَلَى مَنْ بَقِيَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنْقَرِضَ آخِرُ عِصَابَةٍ تَغْزُو مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ ”
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ، مَا قَدْ دَلَّ فِي حُكْمِ الْأَرْضِينَ الْمُفْتَتَحَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّ حُكْمَهُمَا، خِلَافُ حُكْمِ مَا سِوَاهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمَغْنُومَةِ مِنَ الْعَدُوِّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ ذَكَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم «عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ قَسَمَ خَيْبَرَ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَهَا»، فَذَلِكَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا فَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ حُجَّةً لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَمَنْ تَابَعَهُمَا، فِي إِيقَافِ الْأَرْضِينَ الْمُفْتَتَحَةِ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ، قِيلَ لَهُ: هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُفَسِّرْ لَنَا فِيهِ كُلَّ الَّذِي كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ، وَقَدْ جَاءَ غَيْرُهُ فَبَيَّنَ لَنَا مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهَا
5246 – حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: ثنا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، قَالَ ” قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ، نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَتِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ، وَأَنَّهُ أَوْقَفَ نِصْفَهَا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَتِهِ، وَقَسَمَ نِصْفَهَا بَيْنَ مَنْ شَهِدَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَالَّذِي كَانَ أَوْقَفَهُ مِنْهَا، هُوَ الَّذِي كَانَ دَفَعَهُ إِلَى الْيَهُودِ مُزَارَعَةً، عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ رضي الله عنهم اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى عُمَرُ قِسْمَتَهُ فِي خِلَافَتِهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا أَجْلَى الْيَهُودَ عَنْ خَيْبَرَ، وَفِيمَا بَيَّنَّا مِنْ ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، فِي إِيقَافِ الْأَرْضِينَ، وَتَرْكِ قِسْمَتِهَا إِذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ
[شرح معاني الآثار 3/ 246]