459 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
459 – قال ابن أبي عاصم رحمه الله في “الآحاد والمثاني” (ج 3 ص 31): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سماك قال وسمعت المهلب بن أبي صفرة يحدث عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يصلى بعد الصبح حتى تطلع الشمس فإنها تطلع على قرن -أو قرني- شيطان.
حدثنا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر أنا شعبة عن سماك بن حرب قال سمعت المهلب بن أبي صفرة يخطب قال سمعت سمرة بن جندب رضي الله عنه يحدث: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «لا تصلوا حتى (1) تطلع الشمس ولا حين تسقط فإنها تطلع بين قرني شيطان».
هذا حديث حسنٌ.
وقد أخرجه الإمام أحمد (ج 5 ص 15) فقال رحمه الله: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة به.
و (ص 20) فقال رحمه الله: حدثنا حجاج، قال: حدثنا شعبة به.
__________
(1) في الأصل: حتى. والمناسب: حين، والله أعلم.
بوب عليه مقبل في الجامع:
40 – بعض أوقات الكراهة
بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ العَصْرِ وَبَعْدَ الفَجْرِ
(183) – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ وَهُوَ ابْنُ زَاذَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو العَالِيَةِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَال: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ? مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَكَانَ مِنْ أَحَبِّهِمْ إِلَيَّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? ? (344) ? نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ»، وَفِي البَابِ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ، وَالصُّنَابِحِيِّ، وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ ?، وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَائِشَةَ، وَكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، وَمُعَاوِيَةَ، حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ?، وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُمْ: كَرِهُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَأَمَّا الصَّلَوَاتُ الفَوَائِتُ فَلَا بَاسَ أَنْ تُقْضَى بَعْدَ العَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ.
قَالَ عَلِيُّ ابْنُ المَدِينِيِّ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: قَالَ شُعْبَةُ: لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ ? (345) ? أَبِي العَالِيَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: حَدِيثَ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ? نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ “، وَحَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ? قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى»، وَحَدِيثَ عَلِيٍّ: «القُضَاةُ ثَلَاثَةٌ»
[حكم الألباني]: صحيح
سنن الترمذي – ت شاكر (1) / (343) — أبو عيسى الترمذي (ت (279))
في البخاري:
3272 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ 3273 – وَلَا تَحَيَّنُوا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ أَوِ الشَّيْطَانِ» لَا أَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ قَالَ هِشَامٌ.
وهذا كما أنه نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، وقال: / (فإنها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار). ونهى عن تحري الصلاة في هذا الوقت لما فيه من مشابهة الكفار في الصورة، وإن كان المصلي يقصد السجود لله لا للشمس، لكن نهى عن المشابهة في الصورة لئلا يفضي إلى المشاركة في القصد. فإذا قصد الإنسان السجود للشمس وقت طلوع الشمس ووقت غروبها كان أحق [بالنهي والذم] والعقاب، ولهذا يكون هذا كافرًا.
الإخنائية أو الرد على الإخنائي ت العنزي (1) / (205) — ابن تيمية
قال ابن قتيبة:
20 – الصَّلَاةُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ:
قَالُوا: رُوِّيتُمْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ بَيْنِ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، فَلَا تُصَلُّوا لِطُلُوعِهَا”.
قَالُوا: فَجَعَلْتُمْ لِلشَّيْطَانِ قُرُونًا تَبْلُغُ السَّمَاءَ، وَجَعَلْتُمُ الشَّمْسَ الَّتِي هِيَ مِثْلُ الْأَرْضِ مَرَّاتٍ، تَجْرِي بَيْنَ قَرْنَيْهِ.
وَأَنْتُمْ -مَعَ هَذَا- تَزْعُمُونَ أَنَّ: “الشَّيْطَان يجْرِي من بن آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ” 2 فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ، أَلْطَفُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَجَعَلْتُمْ عِلَّةَ تَرْكِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ، طُلُوعَهَا مِنْ بَيْنِ قَرْنَيْهِ.
وَمَا عَلَى الْمُصَلِّي لِلَّهِ تَعَالَى إِذَا جَرَتِ الشَّمْسُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ؟
وَمَا فِي هَذَا، مِمَّا يَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ لِلَّهِ تَعَالَى؟
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ إِنْكَارَهُمْ لِهَذَا الْحَدِيثِ، إِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِخَلْقِ الشَّيَاطِينِ وَالْجِنِّ، وَبِأَن الله تَعَالَى جعل فِي تركيبها أَنْ تَتَحَوَّلَ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، فَتَتَمَثَّلَ مَرَّةً فِي صُورَةِ شَيْخٍ، وَمَرَّةً فِي صُورَةِ شَابٍّ، وَمَرَّةً فِي مِثَالِ نَارٍ، وَمَرَّةً فِي مِثَالِ كَلْبٍ، وَمَرَّةً فِي مِثَالِ جَانٍّ، وَمَرَّةً تَصِلُ إِلَى السَّمَاءِ وَمَرَّةً تَصِلُ إِلَى الْقَلْبِ، وَمَرَّةً تَجْرِي مَجْرَى الدَّمِ.
فَهَؤُلَاءِ مُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ، وَبِمَا تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَالْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَكُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَقْعُدُونَ مِنَ السَّمَاءِ مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ، وَأَنَّهُمْ يُرْمَون بِالنُّجُومِ.
وَأَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الشَّيْطَانِ أَنَّهُ قَالَ: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} 1 وَهُوَ لَا يَظْهَرُ لَنَا.
فَكَيْفَ يَامُرُنَا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، لَوْلَا أَنَّهُ يَصِلُ إِلَى الْقُلُوبِ، بِالسُّلْطَانِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، فَيُوَسْوِسُ بِذَلِكَ وَيُزَيِّنُ وَيُمَنِّي، كَمَا قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ؟
وَكَمَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ رُئِيَ مَرَّةً، فِي صُورَةِ شَيْخٍ نَجْدِيٍّ، وَمَرَّةً فِي صُورَةِ ضُفْدَعٍ، وَمَرَّةً فِي صُورَةِ جَانٍّ.
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْجِنَّ رِجَالًا، كَمَا سَمَّانَا رِجَالًا، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} 2.
وَقَالَ فِي الْحُورِ الْعِينِ: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} 3.
فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ تَطْمِثُ كَمَا يَطْمِثُ الْإِنْس. والطمث: الْوَطْء بالتدمية4.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ:
وَنَحْنُ لَمْ نُرِد فِي هَذَا الْكِتَابِ، أَنْ نَرُدّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَلَا الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ عز وجل وَرُسُلِهِ.
وَإِنَّمَا كَانَ غَرَضُنَا الرَّدَّ عَلَى مَنِ ادَّعَى عَلَى الْحَدِيثِ التَّنَاقُضَ وَالِاخْتِلَافَ، وَاسْتِحَالَةَ الْمَعْنَى مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ كَانَ إِنْكَارُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ رَأَىهُ لَا يَقُومُ فِي وَهْمِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، فَنَحْنُ نُرِيهِ الْمَعْنَى، حَتَّى يَتَصَوَّرَ فِي وَهْمِهِ لَهُ -بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى- وَيُحْسِنَ عِنْدَهُ، وَلَا يَمْتَنِعَ عَلَى نَظَرِهِ.
وَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، لِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ عَبَدَةُ الشَّمْسِ، يَسْجُدُونَ فِيهِ لِلشَّمْسِ.
وَقَدْ دَرَجَ كَثِيرٌ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، عَلَى عِبَادَةِ الشَّمْسِ وَالسُّجُودِ لَهَا.
فَمِنْ ذَلِكَ، مَا قَصَّ اللَّهُ تبارك وتعالى عَلَيْنَا فِي نَبَأِ مَلِكَةِ سَبَأٍ: أَنَّ الْهُدْهُدَ قَالَ لِسُلَيْمَان عليه السلام: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} 1.
وَكَانَ فِي الْعَرَبِ، قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ، وَيُعَظِّمُونَهَا، وَيُسَمُّونَهَا، الْإِلَهَةَ، قَالَ الْأَعْشَى:
فَلَمْ أَذْكُرِ الرُّهْبَ حَتَّى انفتَلْتُ … قُبَيْلَ الْإِلَهَةِ مِنْهَا قَرِيبَا
يَعْنِي الشَّمْسَ.
وَكَانَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ يَقْرَأُ: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَإِلاهَتَكَ} 2 يُرِيدُ: وَيَذَرُكَ، وَالشَّمْسَ الَّتِي تَعْبُدُ.
فَكَرِهَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَسْجُدُ فِيهِ عَبدة الشَّمْس للشمس. وَأَعْلَمَنَا أَنَّ الشَّيَاطِينَ حِينَئِذٍ -أَوْ أَنَّ إِبْلِيسَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ- فِي جِهَةِ مَطْلَعِ الشَّمْسِ، فَهُمْ يَسْجُدُونَ لَهُ بِسُجُودِهِمْ لِلشَّمْسِ، ويؤمُّونه.
وَلَمْ يُرِدْ عليه السلام بِالْقَرْنِ: مَا تَصَوَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، مِنْ قُرُونِ الْبَقَرِ، وَقُرُونِ الشَّاءِ.
وَإِنَّمَا الْقرن -هَهُنَا- حَرْفُ الرَّأْسِ، وَلِلرَّأْسِ قَرْنَانِ: أَيْ حَرْفَانِ وَجَانِبَانِ.
وَلَا أَرَى الْقَرْنَ الَّذِي يَطْلُعُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، سُمِّيَ قَرْنًا إِلَّا بِاسْمِ مَوْضِعِهِ، كَمَا تُسَمِّي الْعَرَبُ الشَّيْءَ، بِاسْمِ مَا كَانَ لَهُ مَوْضِعًا أَوْ سَبَبًا.
فَيَقُولُونَ: “رَفَعَ عَقِيرَتَهُ” يُرِيدُونَ: صَوْتَهُ، لِأَنَّ رَجُلًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ، فَرَفَعَهَا، وَاسْتَغَاثَ مِنْ أَجْلِهَا، فَقِيلَ لِمَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ: “رَفَعَ عَقِيرَتَهُ”.
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمَشْرِقِ: “من هَهُنَا، يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ”. لَا يُرِيدُ بِهِ، مَا يَسْبِقُ إِلَى وَهْمِ السَّامِعِ مِنْ قُرُونِ الْبَقَرِ، وَإِنَّمَا يُرِيد “من هَهُنَا يَطْلُعُ رَاسُ الشَّيْطَانِ”.
وَكَانَ وَهَبُ بْنُ مُنَبِّهٍ يَقُولُ؛ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ: إِنَّهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَاسْمُهُ “الْإِسْكَنْدَرُوسُ” وَأَنَّهُ كَانَ حَلَمَ حُلْمًا، رَأَى فِيهِ أَنَّهُ دَنَا مِنَ الشَّمْسِ، حَتَّى أَخَذَ بِقَرْنَيْهَا فِي شَرْقِهَا وَغَرْبِهَا.
فَقَصَّ رُؤْيَاهُ على قومه، فَسَموهُ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَأَرَادَ بِأَخْذِهِ بِقَرْنَيْهَا، أَنَّهُ أَخَذَ بِجَانِبَيْهَا.
وَالْقُرُونُ أَيْضًا، خُصَلُ الشَّعْرِ، كُلُّ خُصْلَةٍ قَرْنٌ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلرُّومِ: “ذَاتُ الْقُرُونِ”. يُرَادُ: أَنَّهُمْ يُطَوِّلُونَ الشُّعُورَ.
فَأَرَادَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَلِّمَنَا أَنَّ الشَّيْطَانَ، فِي وَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ سُجُودِ عَبَدَتِهَا لَهَا، مَائِلٌ مَعَ الشَّمْسِ؛ فَالشَّمْسُ تَجْرِي مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَأَمَرَنَا أَنْ لَا نُصَلِّيَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الَّذِي يَكْفُرُ فِيهِ هَؤُلَاءِ، وَيُصَلُّونَ لِلشَّمْسِ وَلِلشَّيْطَانِ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وَهَذَا أَمْرٌ مُغَيَّبٌ عَنَّا، لَا نَعْلَمُ مِنْهُ، إِلَّا مَا عَلِمْنَا.
وَالَّذِي أَخْبَرْتُكَ بِهِ، شَيْءٌ يَحْتَمِلُهُ التَّأْوِيلُ، وَيُبَاعِدُهُ عَنِ الشَّنَاعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ….
[تأويل مختلف الحديث ص193]
قال الخطابي:
قوله:” بين قرني شيطان” يتأول على وجوه، أحدها أن الشيطان ينتصب في محاذاة مطلع الشمس حتى إذا طلعت كانت بين
فودي رأسه وهما قرناه، أي جانبا رأسه، فتقع العبادة له إذا سجدت عبدة الشمس لها.
وقيل: إن قرن الشيطان: جمعه وأصحابه، وكل نشوء زمان قرن.
وقيل: معنى القرن: القوة. من قولك: أنا مقرن لهذا الأمر، أي: مطيق له، قوي عليه. والقرون لذوات القرون كالأسلحة.
يقول: إن الشمس تطلع حين قوة الشيطان واستحواذه على عبدة الشمس.
وقيل: إن معنى القرن في هذا اقترانه بها، والوجه الأول أشبه لانتظامه معنى التثنية في القرنين.
[أعلام الحديث 3/ 1508]
قال ابن عبدالبر:
وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام ((إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ)) وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ((تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ)) – وَقَدْ ذَكَرْنَا الْآثَارَ بِذَلِكَ كُلِّهِ فِي التَّمْهِيدِ – فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ اللَّفْظَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ وَتَغْرُبُ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ وَعَلَى رَاسِ الشَّيْطَانِ وَبَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ لِأَنَّهُ لَا يُكَيَّفُ مَا لَا يُرَى
وَحُجَّةُ مَنْ قال هذا القول – حديث عكرمة عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ ((أَرَأَيْتَ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ قَالَ هُوَ حَقٌّ فَمَا أَنْكَرْتُمْ مِنْ شِعْرِهِ قَالُوا أَنْكَرْنَا قَوْلَهُ
(وَالشَّمْسُ تَطْلُعُ كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ … حَمْرَاءَ يُصْبِحُ لَوْنُهَا يَتَوَرَّدُ (1))
(لَيْسَتْ بِطَالِعَةٍ لَهُمْ فِي رِسْلِهَا … إِلَّا مُعَذَّبَةً وَإِلَّا تجلد
فَمَا بَالُ الشَّمْسِ تُجْلَدُ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَطُّ حَتَّى يَنْخُسَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ فَيَقُولُونَ لَهَا اطْلَعِي اطْلَعِي فَتَقُولُ لَا أَطْلَعُ عَلَى قَوْمٍ يَعْبُدُونَنِي مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَاتِيهَا مَلَكٌ عَنِ اللَّهِ يَامُرُهَا بِالطُّلُوعِ فَتَشْتَعِلُ لِضِيَاءِ بَنِي آدَمَ فَيَاتِيهَا شَيْطَانٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّهَا عَنِ الطُّلُوعِ فَتَطْلَعُ بَيْنَ قَرْنَيْهِ فَيَحْرِقُهُ اللَّهُ عَنْهَا وَمَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَطُّ إِلَّا خَرَّتْ سَاجِدَةً فَيَاتِيهَا شَيْطَانٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّهَا عَنِ السُّجُودِ فَتَغْرُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَيَحْرِقُهُ اللَّهُ تَحْتَهَا
وَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((مَا طَلَعَتْ إِلَّا بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَلَا غَرَبَتْ إِلَّا بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ))
وَقَدْ ذَكَرْنَا إِسْنَادَ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ هَذَا فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَقَالَ آخَرُونَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَنَا عَلَى الْمَجَازِ وَاتِّسَاعِ الْكَلَامِ وَأَنَّهُ أُرِيدَ بِقَرْنِ الشَّيْطَانِ هُنَا أُمَّةٌ تَعْبُدُ الشَّمْسَ وَتَسْجُدُ لَهَا وَتُصَلِّي فِي حِينِ غُرُوبِهَا وَطُلُوعِهَا تَقْصِدُ بِذَلِكَ الشَّمْسَ مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ التَّشَبُّهَ بِالْكُفَّارِ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِهِمْ وَيُحِبُّ مُخَالَفَتَهُمْ فَنَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِذَلِكَ
وَهَذَا التَّأْوِيلُ جَائِزٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ فِي لِسَانِهَا لِأَنَّ الْأُمَّةَ تُسَمَّى عِنْدَهُمْ قَرْنًا وَالْأُمَمَ قُرُونًا
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) مَرْيَمَ 74
(وَقُرُونًا بَيْنَ ذلك كثيرا) الفرقان 38
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ((خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي))
وَجَائِزٌ أَنْ يُضَافَ الْقَرْنُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِطَاعَتِهِمْ لَهُ
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الْكَفَّارَ حِزْبَ الشَّيْطَانِ
وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ تَأَوَّلَ هَذَا التَّأْوِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي التَّمْهِيدِ وَفِيهِ ((فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ عَلَى قَرْنِ الشَّيْطَانِ وَيُصَلِّي لَهَا الْكُفَّارُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ ((وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ))
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ فِيهِ ((وَهِيَ سَاعَةُ صَلَاةِ الْكُفَّارِ)) وَفِيهِ ((فَإِذَا اعْتَدَلَ النَّهَارُ فَأَقْصِرْ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تُسْجَرُ فِيهَا جَهَنَّمُ))
وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَكُلُّهَا بِأَحْسَنِ سِيَاقَةٍ فِي ((التَّمْهِيدِ))
وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نَهْيَهُ عليه السلام عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا صَحِيحٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَأَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ إِلَّا اخْتَلَفُوا فِي تَاوِيلِهِ وَمَعْنَاهُ
فَقَالَ عُلَمَاءُ الْحِجَازَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَعْنَاهُ الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ النَّافِلَةِ دُونَ الْفَرِيضَةِ وَدُونَ الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهَذِهِ جُمْلَةُ قَوْلِهِمْ
وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَالْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ كُلُّ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ أَوْ فَرِيضَةٍ أَوْ عَلَى جِنَازَةٍ فَلَا تُصَلَّى عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا وَلَا عِنْدَ اسْتِوَائِهَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَخُصَّ نَافِلَةً مِنْ فَرِيضَةٍ إِلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ لِقَوْلِهِ عليه السلام ((مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ))
وَلَهُمْ حُجَجٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَقَدْ مَضَى الرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
[الاستذكار 1/ 104]
تنبيه: … فما بال الشمس تجلد؟ قال: والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها: اطلعي اطلعي، فتقول: لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله، فيأتيها ملك عن الله تعالى يأمرها بالطلوع فتطلع لضياء بني آدم، فيأتيها شيطان يريد أنْ يصدها عن الطلوع، فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله بحرها، وما غربت الشمس قط إلا خرّت لله ساجدة، فيأتيها شيطان فيريد أنْ يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تعالى تحتها، وذلك قول رسول الله ? «ما طلعت إلا بين قرني شيطان، ولا غربت إلا بين قرني شيطان»
وإسناده ضعيف جدا، أبو بكر الهذلي متروك الحديث، قاله النسائي وغيره.
أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري) (4) / (2716) — نبيل البصارة (معاصر
قال النووي:
احْتَجَّ لَهُ الْقَاضِي بِالْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ فِي النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ إِذَا بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ حَتَّى تَبْرُزَ وَحَدِيثِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّلُوعِ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ ارْتِفَاعُهَا وَإِشْرَاقُهَا وَإِضَاءَتُهَا لَا مُجَرَّدَ ظُهُورِ قُرْصِهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ لَا عُدُولَ عِنْدَهُ وَالرَّحْمَةِ وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنْ شَاطَ إِذَا هَلَكَ وَاحْتَرَقَ
[شرح النووي على مسلم 6/ 111]
قال ابن رجب:
ومما يدل على أن وقت النهي يدخل بطلوع الفجر: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل حتى يرجع قائمكم ويوقظ نائمكم).
وقد خرجاه في (الصحيحين) من حديث ابن مسعود.
فإن معنى: (يرجع قائمكم): أن المصلي بالليل يمسك عن الصلاة ويكف عنها.
وقد رخص طائفة من العلماء في بعض الصلوات بعد طلوع الفجر، قبل صلاة الفجر، كالوتر وصلاة الليل.
روي عن عمر وعائشة في صلاة الليل.
وإلى ذلك ذهب مالك في الوتر وقضاء صلاة الليل.
وروي عن عطاء.
ونص أحمد عليه في الوتر، وحكى ابن أبي موسى مذهب أحمد جواز قضاء صلاة الليل فيه بغير خلاف حكاه في المذهب، وحكى الخلاف في بقية ذوات الأسباب، كتحية المسجد وغيرها.
وقال آخرون: لا يدخل وقت النهي حتى يصلي الفجر.
ورويت الرخصة في الصلاة قبل صلاة الفجر عن الحسن وطاوس.
والمشهور عند عامة أصحاب الشافعي من مذهبه: الرخصة في ذلك، حتى يصلي الفجر.
وحكي رواية عن أحمد.
وفي (صحيح مسلم) عن عمرو بن عبسة، أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أخبرني عن الصلاة؟ فقال: (صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع؛ فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحيئذ يسجد لها الكفار) – وذكر الحديث.
وهذا إنما يدل بمفهومه، وقد عارض مفهومه منطوق الروايات الأولى، فيقدم المنطوق عليه.
وقوله: (حتى تشرق الشمس) هكذا الرواية: (تشرق) بضم التاء وكسر الراء، من قولهم: أشرقت الشمس ……
وزعم بعضهم: أن الصواب:
(تشرق) بفتح التاء، وضم الراء، من قولهم: شرقت الشمس، إذا طلعت.
قال: ومعنى أشرقت: أضاءت وصفت.
قال: والمناسب هنا ذكر طلوعها، لا ذكر إضاءتها وصفائها.
وهذا ليس بشيء، والصواب: (تشرق)، والمعنى: حتى ترتفع الشمس، كما بوب عليه البخاري.
والنهي يمتد إلى أن ترتفع وتضيء ويصفو لونها، كما في حديث أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس). وسيأتي – إن شاء الله.
مع أن كلا الحديثين قد روي فيه: (حتى تطلع الشمس)، وهو من رواية بعض رواته بالمعنى الذي فهمه منه. والله أعلم.
[فتح الباري لابن رجب 5/ 31]
قال الإتيوبي:
ومعنى قرني الشيطان: جانبا رأسه، وهو كناية عن قرب الغروب، وذلك لأن الشيطان عند طلوع الشمس، واستوائها، وغروبها ينتصب دون الشمس، بحيث يكون الطلوع والغروب بين قرنيه، فهو محمول على حقيقته. قاله في المرعاة.
وفي “المنهل” جـ 3 ص 335: اختلفوا فيه، فقيل: هو على حقيقته، وظاهر لفظه، والمراد أن يحاذيها بقرنيه عند غروبها، وكذا عند طلوعها، لأن الكفار يسجدون لها حينئذ، فيقارنها، ليكون الساجد لها في صورة الساجد له، ويخيل لنفسه، ولأعوانه أنهم يسجدون له.
وقيل: هو على المجاز، والمراد بقرنيه علوه، وارتفاعه، وسلطانه، وتسلطه، وغلبة أعوانه، وسجود مطيعه من الكفار للشمس ….
المسألة الرابعة: في فوائده:
منها: ما بَوَّبَ عليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو بيان الوعيد الشديد لمن أخر العصر عن وقتها المستحب إلى قرب غروبها.
ومنها: التصريح بذم من أخر صلاة العصر، والحكم على صلاته بأنها صلاة المنافق، ولا أقبح من هذا الوصف عند العاقل.
ومنها: التصريح بذم من صلى مسرعًا بحيث لا يكمل الطمأنينة، والخشوع، والأذكار.
ومنهما: الإشارة إلى أن صلاة المؤمن إنما تكون بالطمأنينة، والخشوع، والأذكار على الصفة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المشار إليها بقوله: “صلوا كما رأيتموني أصلي” رواه البخاري، وهي الصلاة التيِ علق الله سبحانه الفلاحِ بها حيث قال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1،2].
ومنهما: أنه يتضح بهذا الحديث أن صلاة غالب العوام من أهل هذا الزمان ليست صلاة شرعية، وإنما هي صلاة المنافقين الذين إن صَلَّوا يصلون في آخر الوقت، ثم تراهم ينقرونها كنقر الديك، ويلعبون، وتظن إذا رأيتهم فيها كأنهم خارج الصلاة، لا خشوعَ ولا طمأنينةَ، ويلتفتون يَمْنةً وَيسْرَةً كالتفات الثعلب، نواصيهم بيد الشيطان، فهو
الذي يحركهم، ويتولى توجيههم فيها، وكأنهم من تضايقهم منها في سجن أليم، نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وعَمىَ بصيرتنا، واستحواذ الشيطان علينا، ونسأله أن يجعلنا من عباده الذين قال فيهم {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42]، إنه قريب مجيب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 6/ 646]
مسألة:
ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ سِوَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّطَوُّعِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ سِوَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، فَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، وَابْنُ عُمَرَ، وَفِي إِسْنَادِهِمَا مَقَالٌ
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ أَنْ مَضَى الْفَجْرُ إِلَّا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ»
– حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حَتَّى يُصَلَّى الْفَجْرُ» وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيهِ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّخَعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ. وَكَرِهَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ? (400) ? وَالْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ، وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَرَخَّصَتْ طَائِفَةٌ فِي ذَلِكَ، وَمِمَّنْ قَالَ: لَا بَاسَ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ. وَرُوِّينَا عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ
– حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى، قَالَ: ثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ بِلَالٍ، قَالَ: «لَمْ يُنْهَ عَنِ الصَّلَاةِ، إِلَّا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؛ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ»
الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (2) / (400) — ابن المنذر
فتاوى:
نور على الدرب هل حديث «لا صلاة بعد الصبح … » صحيح؟
قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى:
الفائتة من الفرائض تصلى في وقت النهي إذا نام عنها أو نسيها، وتعلم أيضًا أن ذوات الأسباب كصلاة الجنازة بعد العصر وبعد الصبح كذلك، وهكذا صلاة الكسوف وتحية المسجد صلاة الطواف تفعل في أوقات النهي لأنها من ذوات الأسباب، وقد أمر بها الرسول ? ولم يستثن وقت النهي، فدل ذلك على أنها تفعل في أوقات النهي.
أما صلاة لا سبب لها كونه يقوم يصلي بعد الصبح بدون سبب هذا ممنوع أو بعد العصر بدون سبب هذا ممنوع.
فوائد حديث: (لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس … )
قال العلامة العثيمين رحمه الله تعالى:
فلنأخذ الفوائد: قوله: (لا صلاة) ذكرنا أن المراد العموم أي صلاة تكون لكن نستثني من ذلك شيء ثم هل المراد نفي الصلاة أو نفي صحتها أو نفي كمالها؟ …. (لا صلاة) أي: لا تصح وليس نفيا للكمال فإن قال قائل: هذا الحديث بينه وبين حديث أبي سعيد عموم وخصوص من وجه عموم وخصوص من وجه فكيف رجحتم عموم حديث قضاء الصلاة على عموم حديث النهي عن الصلاة في هذين الوقتين؟ الجواب: أن قضاء الصلاة الواجبة واجب والأصل في الأمر (فليصلها إذا ذكرها) أنه على الفور فيقتضي أن تصلى الفريضة من حين أن يعلم بها الإنسان هذا واحد أيضا حديث (لا صلاة بعد الصبح) قد يستثنى منه أشياء بالنص وبالإجماع وقد ذكر العلماء أن العموم إذا خص فإن دلالته على العموم تكون ضعيفة بل إن بعضهم يقول: إذا خص العموم فإن دلالته على العموم تبطل لكن الراجح أنها لا تبطل وأنه لا يخرج من العموم إلا ما استثني …. وذكر قضاء الفريضة وسنة الوضوء …… وغيرها ثم قال: بناء على هذه الأدلة نقول بالقول الثاني أنه يستثنى من هذا العموم كل صلاة يستثنى من هذا العموم الفرائض وكل نافلة لها سبب هذا هو القول الراجح وهو رواية عن أحمد واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن كل صلاة لها سبب فإنه يصليها في أوقات النهي يدل لذلك أن في بعض ألفاظ أحاديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات أنه قال عليه الصلاة والسلام: (لا تحروا الصلاة) ويدل لذلك أيضا أنه إذا كانت العلة هي الابتعاد عن مشابهة المشركين فإن الصلاة ذات السبب تبعد قصد التشبه بالمشركين وجهه أجيبوا أنها مقرونة بسبب فلها سبب ظاهر يوجب مشروعيتها فلا يكون هناك مشابهة للمشركين من فوائد هذا الحديث: سد ذرائع الشرك
ومن فوائد هذا الحديث: أن الصبح يطلق ويراد به الصلاة يفسر ذلك حديث لفظ مسلم واستعمال الصبح بمعنى الصلاة موجود بكثرة في السنة وله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ” وله ” أبي لمسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: (ثلاث ساعات).