455 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وسلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
455 – قال أبو داود رحمه الله (ج 5 ص 48): حدثنا حفص بن عمر النمري أخبرنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن زيد بن عقبة الفزاري عن سمرة: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال «المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدًّا».
هذا حديث صحيحٌ، ورجاله رجال الصحيح، إلا زيد بن عقبة الفَزَارِيّ، وقد وثَّقه النسائي.
[ص: 387] الحديث أخرجه الترمذي (ج 3 ص 358) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي (ج 5 ص 100).
صححه الألباني في سنن أبي داود 1639
بوب عليه أبو داود:
بَابُ مَا تَجُوزُ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ
بوب عليه ابن حبان:
ذِكْرُ خَبَرٍ قَدْ يُوهِمُ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ صِنَاعَةَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ مُضَادُّ لِخَبَرِ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وكان قد ذكر حديث قبيصة في الباب قبله:
ذِكْرُ الْخِصَالِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي أُبِيحَ لِلْمَرْءِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَجْلِهَا.
907 – أَخبَرنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، قَالَ: حَدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخبَرنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخبَرنا مَعْمَرٌ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ فَاسْتَعَانَ بِهِ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ فِي نِكَاحِ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا، فَانْطَلَقُوا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ كِنَانَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُ قَوْمِكَ، وَأَتَوْكَ يَسْأَلُونَكَ، فَلَمْ تُعْطِهِمْ شَيْئًا، قَالَ: أَمَّا فِي هَذَا، فَلَا أُعْطِي شَيْئًا، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فِي قَوْمِي، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُعِينَنِي، فَقَالَ: “بَلْ نَحْمِلُهَا عَنْكَ يَا قَبِيصَةُ، وَنُؤَدِّيهَا إِلَيْهِمْ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ”، ثُمَّ قَالَ: “إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَاّ لِثَلَاثٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً، فَقَدْ حَلَّتْ لَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَهَا، أَوْ رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَشَهِدَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ أَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، فَقَدْ حَلَّتْ لَهُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ سُحْتٌ”.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ: “وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ سُحْتٌ” أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي سِوَى هَذِهِ الأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ مِنَ السُّلْطَانِ عَنْ فَضْلِ حِصَّتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ سُحْتٌ، لا أنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْخِصَالِ الثَّلَاثِ مِنْ غَيْرِ السُّلْطَانِ عَنْ غَيْرِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ تَكُونَ سُحْتًا إِذَا كَانَ الإِنْسَانُ غَيْرَ مُسْتَغْنٍ بِمَا عِنْدَهُ. [3395]
بوب عليه النسائي:
(92) باب مسألة الرجل ذا سلطان
بوب عليه مقبل في الجامع:
15 – سؤال السلطان
12 – ذم من لم يزهد في الدنيا
21 – ذم الحرص على المال
48 – جواز سؤال السلطان لحاجة
8 – المسألة من غير حاجة
قال الخطابي:
قلت قول إلاّ أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد بداً هو أن يسأل حقه من بيت المال الذي في يده وليس هذا على معنى استباحة الأموال التى تحويها أيدي بعض السلاطين من غصب أملاك المسلمين.
[معالم السنن 2/ 66]
قال ابن بطال في حديث سمرة وذكره في الشرح:
قد أباح فى هذا الحديث المسألة فى كل أمر لابد من المسألة فيه، وذلك إباحة المسألة بالحاجة لا بالزمانة. وروى يحيى بن سعيد عن مجالد، عن الشعبى، عن وهب ين خنبش، قال: جاء رجل إلى النبى عليه السلام، وهو واقف بعرفة فسأله رداءه، فأعطاه إياه، فذهب به ثم قال النبى: (إن المسألة لا تحل إلا من فقر مدقع أو غرم مفظع، ومن سأل الناس ليثرى به، فإنه خموش فى وجهه، ورضف يأكله من جهنم، إن قليل فقليل، وإن كثير فكثير)، فأخبر صلى الله عليه وسلم فى هذا الحديث أن المسألة تحل بالفقر والغرم، ولا يختلف فى ذلك حال الزمن والصحيح. وكانت المسألة التى أباحها النبى صلى الله عليه وسلم، هى للفقر لا لغيره وكان تصحيح الأخبار عندنا يوجب أن من قصد إليه النبى صلى الله عليه وسلم، بقوله: (لا تحل الصدقة لذى مرة سوى) هو غير من استثناه فى هذه الأحاديث، وأن الذى تحرم عليه الصدقة من الأصحاء، هو الذى يريد أن يكثر ماله بالصدقة، حتى تصح هذه الآثار وتتفق معانيها، ولا تتضاد، وتوافق معنى الآية المحكمة، وهى قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) [التوبة: 60] الآية؛ لأن كل من وقع عليه اسم صنف من تلك الأصناف فهو من أهل الصدقة التى جعلها الله لهم فى كتابه وسنة رسوله زمنًا كان أو صحيحًا، وهذا الذى حملنا عليه وجوه هذه الآثار هو قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد. قال المؤلف: وهو قول مالك أيضًا، وروى المغيرة عنه أنه يعطى القوى البدن من الزكاة ولا يمنع لقوة بدنه، من (المجموعة).
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/ 522]
وقال ابن بطال:
قال المهلب: فيه ذم السؤال وتقبيحه، وفهم البخارى، رحمه الله، أن الذى يأتى يوم القيامة لا لحم فى وجهه من كثرة السؤال أنه السائل تكثرًا بغير ضرورة إلى السؤال، ومن سأل تكثرًا فهو غنى لا تحل له الصدقة، فعوقب فى الآخرة. قال عبد الواحد: عوقب فى وجهه بأن جاء لا لحم فيه، فجازاه الله من جنس ذنبه حين بذل وجهه وعنده كفاية. قال المهلب: والمزعة: القطعة من اللحم، فإذا جاء لا لحم في وجهه فتؤذيه الشمس فى وجهه أكثر من غيره، ألا ترى قوله فى الحديث: (إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن) فحذر صلى الله عليه وسلم من الإلحاف فى المسألة لغير حاجة إليها، وأما من سأل مضطرًا فقيرًا فمباح له المسألة، ويرجى له أن يؤجر عليها إذا لم يجد عنها بدًا، ورضى بما قسم الله لهن ولم يتسخط قدره. قال الخطابى: معنى الحديث أنه يأتى يوم القيامة ذليلا ساقط القدر، لا وجه له عند الله، فهذا التأويل على المجاز، والأول على الحقيقة. وروى شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن زيد بن عقبة الفزارى، عن سمرة بن جندب، عن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: (للسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو فى أمر لا يجد منه بدًا).
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 3/ 512]
والأحسن أن يحمل كلا الحديثين على الحقيقة
قال الإتيوبي:
ومال المهلَّب إلى حمله على ظاهره، وإلى أن السرّ فيه أن الشمس تدنو يوم القيامة، فإذا جاء لا لحم بوجهه كانت أذية الشمس له أكثر من غيره، قال: والمراد به من سال تكثرًا، وهو غنيّ لا تحل له الصدقة، وأما من سأل، وهو مضطرّ فذلك مباح له، فلا يعاقب عليه. انتهى.
قال الإتيوبي عفا الله تعالى عنه: حمل الحديث على ظاهره -كما رأى المهلّب هو الأولى، ولا ينافيه حديث الطبرانيّ والبزّار المذكور؛ لأن المعنى: أنه يأتي يوم القيامة وقد سقط لحم وجهه، ومع ذلك لا يكون له وجهٌ؛ أي شرحث عند الله تعالى، وقد أورد البخاريّ مؤيّدًا حمل الحديث على ظاهره بعد أن أورد حديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في الشفاعة، فقال: وقال:» إن الشمس تدنو يوم القيامة، حتى يبلغ العَرَق نصف الأذن، فبينا هم كذلك، استغاثوا باَدم، ثم بموسى، ثم بمحمد ? …..
قال ابن عبدالبر:
قال أبو عُمر: حديثُ سَمُرَةَ هذا من أثْبَتِ ما يُروَى في هذا الباب، وهو أصلٌ عندَهم في سؤالِ السلطان وقَبولِ جوائزِه، وعمومُه يَقْتَضِي كلَّ سُلطانٍ؛ لأنه لم يَخُصَّ من السَّلاطين صفةً دون صفةٍ، وقد كان يعلَمُ كثيرًا ممّا يكونُ بعدَه، ألا ترَى إلى قوله: “سيكونُ بعدي أمراءُ” الحديثَ؟ فما لم يُعلم الحرامُ عندَهم بعَينِه جاز قَبولُه.
عن نافعٍ: أنّ عبدَ الله بن عمرَ كان يقبَلُ الجوائزَ من الأمراء.
وقبِل جوائزَ الأمراء جماعةٌ، منهم: الشَّعْبيُّ، والحَسَنُ البَصْريُّ، وإبراهيمُ النَّخَعيُّ، وابنُ شهابٍ الزُّهريُّ، ويحيى بنُ سعيدٍ، ومالكُ بن أنسٍ، والأوزاعيُّ. وكان يحيى بن سعيدٍ في ديوانِ الوليد، وجماعةٌ من العلماء كانوا في ديوان بني أميّة وبني العبّاس في العطاء.
ذكَر الحسنُ بن عليٍّ الحُلوانيُّ في كتابه “المعرفة”، قال: حدَّثنا أبو عُمير، قال: حدَّثنا ضَمْرةُ، عن ابن أبي حَمَلة، قال: ذكَر الوليدُ بن هشام لعمرَ بن عبد العزيز القاسمَ بن مُخَيمرةَ، قال: فأرسَل إليه، فلمّا دخَل عليه قال له عمرُ: سَلْ حاجَتكَ. قال: يا أميرَ المؤمنين، قد عَلِمْتَ ما جاءَ في المسألة. قال: ليس أنا ذلك، إنّما أنا قاسم، فسَلْ حاجَتَكَ. قال: يا أميرَ المؤمنين، اقْضِ دَيني. قال: قد قَضَيْنا، فسَلْ حاجتَك. قال: يا أميرَ المؤمنين، وتُلْحِقُني في العطاء. قال: قد ألحقناك في العطاء. قال: فسَلْ حاجتَك. قال: تَحْمِلُني على دابّةٍ. قال: قد حَمَلْناك، فسَلْ حاجتَك. قال: يا أميرَ المؤمنينَ، أيُّ شيءٍ بَقي؟ قال: قد أمَرْنا لك بخادم، فخُذْها من عند الوليدِ بن هشام.
قال الحسنُ الحُلوانيُّ: وحدَّثنا عليُّ بن حَفْصٍ، قال: حدَّثنا الأشجعيُّ، عن سفيانَ، عن منصور، قال: خرَج إبراهيمُ النَّخَعيُّ وتَميمُ بن سلمةَ إلى عامل حُلوانَ، فأعطاهما، قال: ففضَّلَ تميمًا على إبراهيمَ، فوجَد إبراهيمُ من ذلك في نفسِه.
وذكر ابن أبي حاتم: حدَّثنا أحمدُ بن منصورٍ الرَّماديُّ، عن القَعنبيِّ، قال: سمِعْتُ يحيى بنَ سُلَيم الطَّائفيَّ يُحدِّث سفيانَ بن عيينةَ، أنّ محمدَ بن إبراهيمَ – يعني الهاشميَّ، واليًا كان على مكّةَ – بَعَث إلى سفيانَ الثوريِّ مئتي دينار، فأبى أنْ يقبَلَها، فقلتُ له: يا أبا عبد الله، كأنك لا تَراها حَلالًا؟ قال: بلَى، ولكنِّي أكْرَهُ أن أُذلَّ.
وقال سفيانُ: جوائزُ السلطان أحبُّ إليَّ من صِلَةِ الإخوانِ؛ لأنّهم لا يَمُنُّون، والإخوانُ يَمُنُّون.
قال الحُلوانيُّ: وحدَّثنا عفّانُ، قال: حدَّثنا مُعاذٌ، قال: حدَّثنا ابنُ عَونٍ، قال: أمَر عمرُ بن عبدِ العزيزِ بمالٍ للحسنِ ومحمدٍ، فلم يقبَلْ محمدٌ، وقَبِل الحسنُ.
قال: وحدَّثنا زيدُ بن الحُباب، عن سلّام بن مِسْكين، قال: بَعث عمرُ بن عبد العزيز إلى الحسن، ومحمدٍ، و ثابتٍ البُنانيِّ، وَيزيدَ الرَّقاشيِّ، ويزيدَ الضَّبيِّ، بثمانِ مئةِ ثمانِ مئةٍ، وحُلَّةٍ حُلَّةٍ، فقَبِلوا كلُّهم إلّا محمدَ بنَ سِيرينَ.
قال: وحدَّثنا دُحَيْمٌ، قال: حدَّثنا الوليدُ بن مُسلم، قال: حدَّثنا ابنُ جابرٍ، قال: قدِم علينا سُليمانُ بن يسارٍ في زمنِ الوليد بن عبد الملك، فدَعاه الوليدُ إلى منزلِه، وصَنَع حمّامًا ودَخَّلَه، فاطَّلَى بنُورَةٍ، ثم خرَج، وانصرَف إلى المنزل، فتغَدَّى معه.
أخبرنا محمدُ بن زكريّا، قال: أخبَرنا أحمدُ بن سعيدٍ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن خالدٍ، قال: حدَّثنا مروانُ بن عبد الملك، قال: حدَّثنا المفضَّلُ بن عبد الرحمن، قال: حدَّثنا عبدُ الله بن داودَ، عن الأعمش، عن حَبيب بن أبي ثابتٍ، قال: رأيتُ هدايا المختارِ تأتي ابنَ عبّاس وابنَ عمرَ، فيَقبَلانها.
قال مروانُ: وحدَّثنا محمدُ بن يحيى الأزْديُّ، قال: حدَّثنا أبو نَصْرٍ التّمارُ، قال: حدَّثنا سعيدُ بن عبد العزيزِ التّنُوخيُّ، قال: قال الحسنُ: لا يَرُدُّ عطاياهم إلا أحمقُ أو مُرَاءٍ.
حدَّثنا عبدُ الوارث بنُ سفيانَ، قال: حدثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن زُهيرٍ، قال: حدَّثنا يحيى بن أيُّوبَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن عبد العزيز، وكان فاضلًا، قال: سمِعتُ ابنَ عيينةَ يقولُ: من زَعَم أنّ سفيانَ لم يأخُذْ من السلطان؟ أنا أخَذْتُ له منهم.
قال أبو عُمر: كان الثَّوريُّ يَحتَجُّ بقول ابنِ مسعودٍ: لك المَهْنَأُ، وعليه المَاثَمُ.
وهذا المعنى لولا خروجُنا بذكره عن معاني هذا الباب لذكَرنا من ذلك ما يَطولُ به الكتابُ، وقد جمَعه جماعة، منهم أحمدُ بن خالدٍ وغيرُه.
ورُوِيَ عن بُكَير بن الأشجِّ: أنّه كان يَقبَلُ هديَّةَ امرأةٍ سوداءَ تَبيعُ المِزْرَ بمصرَ، قال: لأنّي كنتُ أراها تَغزل.
وقال الليثُ: إنْ لم يكنْ له مالٌ سِوَى الخمرِ فلْيَكُفَّ عنه. قال: وأكْرَهُ طَعامَ العُمَّال من جهة الورع، من غير تحريم.
وقال القاسمُ بن محمدٍ: لو كانت الدُّنيا كلُّها حرامًا لما كان بُدٌّ من العيش فيها.
وقال مالكٌ: فكلُّ مَن عمِل للسلطان عملًا، فله رِزْقُه من بيتِ المال.
قال: ولا بأسَ بالجائزةِ يُجازُ بها الرجلُ، يراه الإمامُ بجائِزَتِه أهلًا؛ لعلمٍ، أو لدَيْنٍ عليه، ونحوِ ذلك.
قال أبو عُمر: أمّا مَن حدَّ في الغنى حدًّا، خمسين درهمًا، أو أربعين درهمًا، أو مئتي درهم، وزَعموا أنّ المرءَ غَنيٌّ بمُلكِه هذا المقدار، على اختلافِهم فيه، ومن قال: إنّه لا يُعطَى أحَدٌ من الفقراءِ أكثرَ من مئتي درهم، أو اكثرَ من خمسين درهمًا من الزكاة، فإنّه يَدخُلُ على كلِّ واحدٍ منهم ما يَرُدُّ قولَه من حديث سَهْل بن أبي حَثْمة:
أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وَدَى الأنصاريَّ المقتولَ بخيبرَ بمئة ناقةٍ من إبل الصَّدَقة، ودفَعها إلى أخيه عبد الرحمن بن سهل. وقد نزَع لهذا بعضُ أصحابِنا. وفي ذلك عندِي نظرٌ.
فأمّا من جعَل المرءَ بمُلكِه ما تَجِبُ فيه الصدقةُ غَنِيًّا، لقوله صلى الله عليه وسلم: “أُمِرْتُ أن آخُذَ الصَّدقةَ من أغنيائكم”، فإنّه يَدْخُلُ عليه الإجماعُ على أنّ مَن مَلَك خمسةَ أوسُقٍ من شعيرٍ قيمَتُها خمسةُ دراهمَ، أو نحوَها ممّا لا يكونُ غنًى عندَ أحدٍ، وكان مِلْكُه إيّاها بزرعِه لها في أرضِه، ولم يَمْلِكْ من حَصادِه غيرَها، أنّ الصدقةَ عليه فيها وإن لم يَمْلِكْ شيئًا سواها، وهذا عندَ جميعِهم فقيرٌ مسكينٌ غيرُ غَنيٍّ، وقد وجَبَتْ عليه الصَّدَقةُ، وهذا يَنقُضُ ما أصَّلُوه. وما ذهَب إليه مالكٌ والشافعيُّ أولَى بالصَّواب في هذا الباب، واللهُ أعلم.
[التمهيد – ابن عبد البر 3/ 212 ت بشار]
بل كان ابن عمر رضي الله عنهما يطلب أن يزاد من بيت المال:
قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبي فديك عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب فضل المهاجرين الأولين وأعطى أبناءهم دون ذلك، وفضل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر، فقال عبد الله بن عمر: فقال لي رجل فضل عليك أمير المؤمنين من ليس بأقدم منك سنا ولا أفضل منك هجرة ولا شهد من المشاهد ما لم تشهد. قال عبد الله: وكلمته فقلت يا أمير المؤمنين فضلت علي من ليس هو بأقدم مني سنا ولا أفضل مني هجرة ولا شهد من المشاهد ما لم أشهد. قال: ومن هو؟ قلت: أسامة بن زيد، قال: صدقت لعمر الله! فعلت ذلك لأن زيد بن حارثة كان أحب إلى رسول الله، ?، من عمر، وأسامة ابن زيد كان أحب إلى رسول الله، ?، من عبد الله بن عمر فلذلك فعلت.
الطبقات الكبرى – ط دار صادر (4) / (70) — ابن سعد (ت (230))
وورد عن أبي ذر أنه معونه أما إذا كان ثمنا لدينه فلا يأخذه:
قال الشيخ الراجحي: قوله: «بَشِّرِ الْكَانِزِينَ بِكَيٍّ فِي ظُهُورِهِمْ، يَخْرُجُ مِنْ جُنُوبِهِمْ، وَبِكَيٍّ مِنْ قِبَلِ أَقْفَائِهِمْ، يَخْرُجُ مِنْ جِبَاهِهِمْ»، يعني: يكوى في ظهره حتى يخرج من جنبه من حرارته، ويكوى مِن قِبل قفاه حتى يخرج من أمامه من حرارته.
وفي هذا الحديث: أن أبا ذر رضي الله عنه لما سئل: «مَا تَقُولُ فِي هَذَا الْعَطَاءِ؟»، وهو الراتب السنوي من بيت المال، قال: «خُذْهُ؛ فَإِنَّ فِيهِ الْيَوْمَ مَعُونَةً»، أي: خذه وأنفقه، «فَإِذَا كَانَ ثَمَنًا لِدِينِكَ فَدَعْهُ»، أي: إذا كان رشوة، أو ثمنًا لدِينك فدعه ولا تأخذه، وذلك بأن يعطاه من أجل أن يسكت عن المعاصي، أو يداهن في الباطن.
توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (3) / (123) — عبد العزيز بن عبد الله الراجحي (معاصر)
تنبيه: حديث أبي ذر أخرجه مسلم (992)
قال ابن عبدالبر: ما أعلم أحدًا لم يقبل جوائز السلطان من علماء التابعين إلا سعيد بن المسيّب، وابن سيرين.
وإما سعيد بن المسيّب فشهد يوم الحرة في استباحة المدينة من بني أمية. فصار له موقف منهم. ومع ذلك قال عبدالملك يعاتب واليه على المدينة حين جلد سعيد بن المسيّب حيث أبى أن يبايع لابني عبدالملك وقال ما كنت لأبايع إلا رجلا واحد
قال عبدالملك: ما لك ولسعيد. فسعيد ليس منه خلاف.
وراجع لذلك سير أعلام النبلاء.
فيمكن أن يحمل امتناعهما على أنه فيه ذله.
قال الإتيوبي:
(عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ) رضي الله عنه أنه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْمَسَائِلَ) جمع مسألة مصدرٌ ميميّ لـ “سأل” بمَعنى السؤال، وإنما جمعت لاختلاف أنواعها، والمراد هنا سؤال الشخص أموال الناس (كُدُوحٌ)
وفي الرواية الآتية في الباب التالي: “كَدٌّ يكُدّ بها الرجل وجهه”. وقد ذكر اللفظين معًا أبو موسى المدينيّ في “ذيله” على “الغريبين”، وفسّر الكُدوح بالخُدوش في الوجه، والكدّ بالتعب والنصب. قال العراقيّ: ويجوز أن يكون الكدح بمعنى الكدّ، من قوله تعالى: {إِنَّكَ كَادِحٌ} [الانشقاق: 6]، وهو السعي والحرص انتهى ما في “قوت المغتذي”.
(فَمَنْ شَاءَ كَدَحَ وَجْهَهُ) بالسؤال (وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ) الكُدُوح، أو السؤال، وهذا ليس بتخيير، بل هو توبيخٌ، كما في قوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} الآية (إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ) أي إلا أن يسأل الشخص صاحب حكم وولايةٍ حقَّه من بيت المال، أو غيره، فيباح له السؤال حينئذ، ولا منّة للسلطان في ذلك؛ لأنه متولٍّ بيتَ مال المسلمين، ووكيل على حقوقهم، فهذا سأله المحتاجون إنما يسألونه حقوقهم، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يُعطيه من ماله.
(أَوْ شَيْئًا لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا) أي إلا أن يسأل غير ذا سلطان شيئًا لا بد له منه، كما إذا تحمّل دينًا لإصلاح ذات البين، أو أصابته فاقة شديدة، أو أصاب ماله جائحة، كما تقدّم تفصيله، فيباح له السؤال.
قال السنديّ -رحمه اللَّه تعالى-: ظاهره أنه عطفٌ على “ذا سلطان”، ولا يستقيم، إذ السؤال يتعدّى إلى مفعولين: الشخص، والمطلوب المحتاج إليه، و”ذا سلطان” هو الأول، وترك الثاني للعموم، و”شيئًا” ها هنا لا يصلح أن يكون الأولَ، بل هو الثاني، إلا أن يراد بـ “شيئًا” شخصًا، ومعنى “لا يجد منه بُدًّا” أي من سؤاله بُدًّا، وهو تكلّفٌ بعيد، فالأقرب أن يقال: تقديره: “أو يسأل شيئًا الخ”، وحُذف ههنا المفعول الأول؛ لقصد العموم، أو يقدّر: يسأل ذا سلطان أيَّ شيء كان، أو غيره شيئًا لا يجد منه بُدًّا، فهو من عطف شيئين على شيئين، إلا أنه حُذف من كلّ منهما ما ذُكر مماثله في الآخر، من صنعة الاحتباك، واللَّه تعالى أعلم انتهى كلام السنديّ.
قيل: ظاهر هذا الحديث أنه لا بأس بسؤال السلطان تكثّرًا؛ لأنه جعل سؤاله قسيمًا لسؤال غيره ما لا بدّله منه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
وقال سفيان بن عيينة: كنت قد أوتيت فهم القرآن فلما قَبِلْتُ الصرة من أبي جعفر سُلِبْتُهُ فنسأل الله تعالى المسامحة.
تذكرة السامع والمتكلم ص (19)
لعله يقصد العطاء الذي يكون فيه ذلة أما مالم يكن فيه ذلة فكان يجيزه رحمه الله كما سبق عنه
التعفف حتى فيما عند السلطان:
قال العباد: وذكر السلطان في الحديث يدل على الإباحة؛ لأن له حقًا، لكن إذا تعفف الإنسان ولم يسأل السلطان فهو أفضل.
وإذا كان الرجل محتاجًا فله أن يسأل السلطان وغيره، وجاء في حديث عمر: (ما أتاك من غير استشراف ولا مسألة فخذه)، فهذا يدل على أن الإنسان يتعفف حتى فيما عند السلطان.
شرح سنن أبي داود للعباد (199) / (16)
فتاوى:
حكم سؤال الناس لأجل الزواج
السؤال
هل تحل المسألة لمن له راتب يكفيه في الطعام والملبس دون الزواج؟
الجواب
إذا كان مضطرًا إلى الزواج ويجد نفسه في مشقة فله أن يسأل.
شرح سنن أبي داود للعباد (237) / (22)
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو جواز سؤال الرجل ذا سلطان؛ لأن له عنده حقًّا في بيت المال، وإن لم يتعيّن (ومنها): جواز سؤال غير ذي السلطان في الأمر الذي لا بدّ منه، كأن يتحمّل حمالة، أو يستدين دَينًا في واجب، أو مباح (ومنها): ذم السؤال، وأنه شَينٌ في الشخص، يَجرَح به عرضه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 23/ 213]
وقال الإتيوبي في شرح قبيصة بن المخارق:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان تحريم مسألة الناس لغير هؤلاء المذكورين في هذا الحديث، ومن كان بمعناهم، كما تقدّم في حديث سمرة رضي الله عنه مرفوعًا: “المسائل كُدُوح يَكْدَح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يَجِد منه بُدًّا”.
2 – (ومنها): بيان أن من تحمّل حَمالة يستحقّ الصدقة، وهو معنى (الغارم) المذكور في آية الصدقة.
3 – (ومنها): ما قاله الخطّابيّ رحمه الله: في هذا الحديث علم كثيرٌ، وفوائد جمّة، ويدخل في أبواب من العلم والحكم، وذلك أنه قد جعل من تحلّ له المسألة من الناس أقسامًا ثلاثة: غنيًّا، وفقيرين، وجعل الفقر على ضربين: فقرًا ظاهرًا، وفقرًا باطنًا، فالغنيّ الذي تحلّ له المسألة هو صاحب الحمالة، وهي الكفالة، والْحَمِيل: الضمين، والكفيل، ثم ذكر تفسير الحمالة كما تقدّم، ثم قال: فهذا الرجل صنع معروفًا، وابتغى بما أتاه صلاحًا، فليس من المعروف أن تترك الغرامة في ماله، ولكن يُعان على أداء ما تحمّله منه، ويُعطى من الصدقة قدر ما تبرأ به ذمّته، ويخرج من عهدة ما تضمّنه منه.
وأما النوع الأول من نوعي أهل الحاجة، فهو رجلٌ أصابته جائحةٌ في ماله، فأهلكته، والجائحة في غالب العرف هي ما ظهر من الآفات، كالسيل يُغرق متاعه، والنار تُحرقه، والبرد يُفسد زرعه، وثماره، ونحو ذلك من الأمور، وهذه أشياء لا تخفى آثارها عند كونها، ووقوعها، فإذا أصاب الرجل شيء منها، فذهب ماله، وافتقر، حلّت له المسألة، ووجب على الناس أن يُعطوه الصدقة من غير بيّنة، يطالبونه بها على ثبوت فقره، واستحقاقه إياها.
وأما النوع الآخر، فإنما هو فيمن كان له ملك ثابث، وعُرف له يسار ظاهر، فادَّعَى تَلَفَ ماله من لصّ طَرَقه، أو خيانة ممن أودعه، أو نحو ذلك من الأمور التي لا يبين لها أثرٌ ظاهر في المشاهدة والعيان، فإذا كان ذلك، ووقعت في أمره الرّيبة في النفوس لم يعط شيئًا من الصدقة إلا بعد استبراء حاله، والكشف عنه بالمسألة من أهل الاختصاص به، والمعرفة بشأنه، وذلك معنى قوله: “حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلانًا الفاقة”، واشتراطه الحجا تأكيد لهذا المعنى؛ أي لا يكونون من أهل الغباوة والغفلة، ممن يخفى عليهم بواطن الأمور، ومعانيها، وليس هذا من باب الشهادة، ولكن من باب التبيّن والتعرّف، وذلك أنه لا مدخل لعدد الثلاثة في شيء من الشهادات، فإذا قال نفر من قومه، أو جيرانه، أو من ذوي الخبرة بشانه: إنه صادق فيما يدّعيه، أُعطي الصدقة.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: “ليس من باب الشهادات” فيه نظر لا يخفى، والله تعالى أعلم.
4 – (ومنها): أنّ فيه من العلم أن من ثبت عليه حقّ عند حاكم، فطلب المحكوم له حبسه، واذعَى المحكوم عليه الإفلاس والفقر، لا تسمع دعواه إلا ببيّنة، إن كان المحكوم عليه به لزمه بدل مال حصل في يده، كثمن مبيع، وقرض؛ لثبوت غناه بحصول المبيع، والقرض في يده، وتُقبل دعواه الإفلاس فيما ليس بدل مال، كبدل الغصب، وضمان المتلفات، ونفقة من يلزمه الإنفاق عليه، فلا يُحبس فيما ذُكِر إن ادّعى الفقر؛ لأن الأصل في الآدميّ العسر، وقد قال الله تعالى: {فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} الآية [البقرة: 280]، إلا إذا بَرْهَن خصمه أنّ له مالًا، فيُحْبَس حسبما يراه القاضي؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “مَطْلُ الغنيّ ظلم”، متّفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لَيُّ الواجد يُحِلّ عِرْضَهُ، وعقوبته” حديث حسن، أخرجه أحمد، وأبو داود، والنسائيّ، وابن ماجه.
وهذا إذا لم يكن له مالٌ ظاهر، وإلا انتُرع منه الحقّ، إن كان من جنسه، أو بَيعَ عليه، إن لم يكن من جنسه، والله تعالى أعلم.
5 – (ومنها): أنه يدلّ على جواز نقل الصدقة من بلدة إلى أخرى، حيث قال: “أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها”، وقد استوفيت البحث في اختلاف العلماء في ذلك في “شرح النسائيّ”، وأن الأصحّ جواز نقلها؛ إذا كان هناك مصلحة راجحة.
6 – (ومنها): أن الحدّ الذي ينتهي إليه العطاء في الصدقة هو الكفاية التي يكون بها قِوام العيش، وسِداد الخلّة، وذلك يعتبر في كلّ إنسان بقدر حاله، ومعيشته، وليس فيه حدّ معلوم، يحمل عليه الناس كلهم مع اختلاف أحوالهم.
7 – (ومنها): ما قال المظهر رحمه الله: من لم يقدر على كسب لزمانة، ونحوها جاز له السؤال بقدر قوت يومه، ومن قدر على الكسب، وتركه لاشتغاله بتعلّم العلم تجوز له الزكاة والصدقة، ومن تركه للتطوّع من الصلاة والصيام، ونحوهما فلا تجوز له الزكاة، ويكره له صدقة التطوّع، ومن تخلّى في نحو رباط، واشتغل بالطاعة والرياضة، وتصفية الباطن، فيُستحبّ لواحد منهم أن يسأل صدقة التطوّع، وكسرات الخبز، واللباس لهم، وينبغي للسائل أن ينوي الكفاف لهم لا لنفسه، إن لم يكن منهم، لكن لا يُكره أن يأكل معهم، وأن يترك الإلحاح، بل يقول: من يُعطي شيئًا لرضى الله؟، ولا يواجه أحدًا بعينه، فإن أُعطي دعا، وإن لم يُعط لم يَسْخَط، ومن لم يَقُم بهذه الشرائط كان إثمه أكثر من أجره، ولا يجوز للسائل أن يأخذ لهم الزكاة؛ لاقتدارهم على الكسب. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: ما ذكره من جواز السؤال لأجل من تجرّد للطاعة، وتصفية الباطن محلّ نظر، فإنه ممن يستطيع الكسب، فلا وجه للسؤال له؛ لدخوله في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب: “فما سواهنّ من المسألة سحتٌ”، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 20/ 15]