446 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وسلطان الحمادي وعبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
446 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 3 ص 46): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ يُسَمَّى رَبَاحًا.
هذا حديث حسنٌ على شرط مسلم، وقد أخرج مسلم معناه.
قال محققو المسند:
إسناده صحيح على شرط مسلم
[مسند أحمد 27/ 22 ط الرسالة]
وقال محققو المسند أيضا: وقد ورد ذكر رباح في حديث عمر بن الخطاب الطويل (1479) وقد ذكر ابن كثير في البدايه والنهاية: عبيد النبي صلى الله عليه وسلم وإمائه وخدمه وكتَّابه وامنائه.
بوب عليه مقبل في الجامع من الصحيح المسند:
109 – الأسماء والكنى
” (446) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (3) ص (46)): حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ يُسَمَّى رَبَاحًا.
هذا حديث حسنٌ على شرط مسلم، وقد أخرج مسلم معناه.”
…………………
فيه هذا الحديث جواز التسمية برباح وقد جاء في بعض الأحاديث ما يعارضه، ففي صحيح مسلم (3983) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ قَالَ: (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُسَمِّيَ رَقِيقَنَا بِأَرْبَعَةِ أَسْمَاءٍ: أَفْلَحَ وَرَبَاحٍ وَيَسَارٍ وَنَافِعٍ).وروى الترمذي (2762) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا تُسَمِّ غُلَامَكَ رَبَاحٌ وَلَا أَفْلَحُ وَلَا يَسَارٌ وَلَا نَجِيحٌ؛ يُقَالُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَيُقَالُ: لَا). قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وهذا فيه بيان علة الكراهة، وهو خوف التشاؤم والتطير، فقد يقال: هل في البيت نافع؟ ولا يكون الشخص موجوداً، فيقال: لا، فيحصل التشاؤم بأنه ليس هناك ما هو نافع. وأضاف ابن القيم علة أخرى، وهي أن المسمى بذلك إذا كانت صفاته مخالفة لاسمه، ذمه الناس كلما ذكروا اسمه فيقولون: ما هو بنافع بل ضار، وما هو بصالح بل طالح وهكذا.
قال ابن القيم رحمه الله: ” وأما النهي عن تسمية الغلام بـ”يسار، وأفلح، ونجيح، ورباح”، فهذا لمعنى آخر قد أشار إليه فى الحديث، وهو قوله: ” فإنك تقول: أثمت هو؟ فيقال: لا” – والله أعلم – هل هذه الزيادة من تمام الحديث المرفوع، أو مدرجة من قول الصحابى، وبكل حال، فإن هذه الأسماء لما كانت قد توجب تطيراً تكرهه النفوس، ويصدها عما هى بصدده، كما إذا قلت لرجل: أعندك يسار، أو رباح، أو أفلح؟ قال: لا، تطيرت أنت وهو من ذلك، وقد تقع الطيرة لا سيما على المتطيرين، فقل من تطير إلا ووقعت به طيرته، وأصابه طائره، كما قيل: تعلم أنه لا طير إلا … على متطير فهو الثبوراقتضت حكمة الشارع، الرءوف بأمته، الرحيم بهم، أن يمنعهم من أسباب توجب لهم سماع المكروه أو وقوعه، وأن يعدل عنها إلى أسماء تحصل المقصود من غير مفسدة، هذا أولى، مع ما ينضاف إلى ذلك من تعليق ضد الاسم عليه، بأن يسمى يساراً من هو من أعسر الناس، ونجيحاً من لا نجاح عنده، ورباحاً من هو من الخاسرين، فيكون قد وقع فى الكذب عليه على الله. وأمر آخر أيضا وهو أن يطالب المسمى بمقتضى اسمه، فلا يوجد عنده، فيجعل ذلك سببا لذمه وسبه … وهذا كما أن من المدح ما يكون ذما وموجبا لسقوط مرتبة الممدوح عند الناس، فإنه يمدح بما ليس فيه، فتطالبه النفوس بما مدح به، وتظنه عنده، فلا تجده كذلك، فينقلب ذما، ولو ترك بغير مدح، لم تحصل له هذه المفسدة، ويشبه حاله حال من ولي ولاية سيئة، ثم عزل عنها، فإنه تنقص مرتبته عما كان عليه قبل الولاية، وينقص فى نفوس الناس عما كان عليه قبلها، وفى هذا قال القائل: إِذا ما وصفتَ امراً لامرئٍ … فلا تغلُ في وصفهِ واقصِدِ فإِنك إِن تغلُ تغلُ الظنو … ن فيه إلى الأمدِ الأبعدِفينقص من حيثُ عظمْته … لفضلِ المغيبِ على المشهدِ “.انتهى من “زاد المعاد” (2/ 342).
وقال في “تحفة المودود بأحكام المولود” ص 116: ” وفي معنى هذا مبارك ومفلح وخير وسرور ونعمة وما أشبه ذلك، فإن المعنى الذي كره له النبي صلى الله عليه وسلم التسمية بتلك الأربع موجود فيها، فانه يقال أعندك خير؟ أعندك سرور؟ أعندك نعمة؟ فيقول: لا، فتشمئز القلوب من ذلك وتتطير به، وتدخل في باب المنطق المكروه ” انتهى. ولم يغير النبي صلى الله عليه وسلم من اسمه رباح ونحوه، وهذا يدل على أن نهيه عن ذلك للكراهة لا للتحريم. روى مسلم (3986) عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى وَبِبَرَكَةَ وَبِأَفْلَحَ وَبِيَسَارٍ وَبِنَافِعٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ تَرَكَهُ. وروى البخاري في الأدب المفرد عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن عشت نهيت أمتي إن شاء الله أن يسمي أحدهم بركة، ونافعاً، وأفلح ـ ولا أدري قال: “رافع” أم لا؟ ـ يقال: هاهنا بركة؟ فيقال: ليس ها هنا “!! فقُبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك. وصححه الألباني في “صحيح الأدب المفرد”.قال النووي رحمه الله في “شرح مسلم”: ” وَأَمَّا قَوْله: (أَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهَى عَنْ هَذِهِ الْأَسْمَاء) فَمَعْنَاهُ أَرَادَ أَنْ يَنْهَى عَنْهَا نَهْي تَحْرِيم فَلَمْ يَنْهَ , وَأَمَّا النَّهْي الَّذِي هُوَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيه فَقَدْ نَهَى عَنْهُ فِي الْأَحَادِيث الْبَاقِيَة ” انتهى.
وقال القاضي عياض رحمه الله: ” وقول جابر: ” ثم سكت عنها “: دليل أنه ترك النهى، وأن نهيه أولاً إنما كان نهي تنزيه وترغيب؛ مخافة سوء القال، ومايقع فى النفس مما ذكره، وعكس ما قصده المسمى بهذه الأسماء من حسن الفأل. وقد كان للنبى صلى الله عليه وسلم غلام اسمه رباح، ومولى اسمه يسار، وسمى ابن عمر غلامه نافعاً ” انتهى من “إكمال المعلم”.
قال السندي: يجوز التسمية بمثل هذا الاسم، وما جاء من النهي عن مثل هذا الاسم، فمحمول على التنزيه، وكان هذا بيانا للجواز على أنه جاء أنه ما نهى، وإنما عزم على ذلك، والله تعالى أعلم. (السندي)
الراجحي: “وفي هذا الحديث: علة النهي عن التسمية برباح ونجيح، يسأل عنه، فيقال: رباح موجود؟ فيقول: لا، ما عندنا رباح، وهذا غلط؛ لما فيه من نفي الربح، ويسأل: هل عندك نجيح؟ هل عندك يسار؟ فيقول: لا، ما عندنا نجيح، ما عندنا يسار، وهذا غلط، فإنه ينبغي للإنسان أن يتفاءل.”
قال أبو جعفر الطبري:
الْقَوْلُ فِي الْبَيَانِ عَمَّا فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنَ الْمَعْنَى إِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: مَا مَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ، وَمَا وَجْهُهُ؟ أَصَحِيحٌ هُوَ أَمْ سَقِيمٌ؟ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَقَدْ بَطَلَ مَعْنَى الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي …..
فذكر الأحاديث المتعارضة بأسانيده ثم قال:
قِيلَ: كِلَا الْخَبَرَيْنِ صَحِيحٌ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا دَافِعًا صَاحِبَهُ وَلَا مُحِيلًا مَعْنَاهُ. فَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَجَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: «لَئِنْ عِشْتُ لَأَنْهَيَنَّ أَنْ يُسَمَّى نَافِعًا، وَبَرَكَةً، وَيَسَارًا»، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَاشَ بَعْدُ حَتَّى نَهَى عَنِ التَّسْمِيَةِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ، عَلَى مَا رَوَى عَنْهُ سَمُرَةُ، فَسَمِعَ سَمُرَةُ النَّهْيَ عَنْهَا، وَرَوَاهُ عَنْهُ عَلَى مَا سَمِعَ مِنْهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ جَابِرٌ، فَأَدَّى مَا سَمِعَ مِنْهُ مِنْ قِيلِهِ: «لَئِنْ عِشْتُ لَأَنْهَيَنَّ عَنْهُ»، وَأَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قُبِضَ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَنْهَى عَنْهُ؛ إِذْ لَمْ يَعْلَمْ نَهْيَهُ عَنْهُ حَتَّى قُبِضَ وَمَضَى لِسَبِيلِهِ. وَذَلِكَ الْوَاجِبُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ أَوْ يَفْعَلَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ عَلِمَ عِلْمًا، ثُمَّ لَمْ يَعْلَمْ تَغَيُّرَ ذَلِكَ عَنْ حَالِهِ الَّتِي عَلِمَهُ عَلَيْهَا، فَلَهُ الْقِيَامُ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ عَلَى مَا عَلِمَهُ بِهِ، وَإنْ كَانَ جَائِزًا تَغَيُّرُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَالِ عِلْمِهِ بِهِ.
وَذَلِكَ كَالرَّجُلِ يَعْلَمُ وِرَاثَةَ رَجُلٍ عَنْ مَيِّتٍ لَهُ دَارًا أَوْ أَرْضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْلَاكِ، فَيَأْتِيهِ مُدَّعٍ بَعْدَ حِينٍ يَدَّعِي ذَلِكَ، وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَهُ دُونَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ أَنَّ لِلَّذِي عَلِمَ وِرَاثَةَ ذَلِكَ الْوَارِثِ عَنْ مَيِّتِهِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي ادَّعَاهُ لِلَّذِي عَلِمَ وِرَاثَتَهُ عَنْ مَيِّتِهِ، مَعَ جَوَازِ خُرُوجِ ذَلِكَ عَنْ مِلْكِهِ، إِمَّا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَزُولُ بِهَا الْأَمْلَاكُ. وَكَذَلِكَ الشَّهَادَاتُ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْمُمْكِنِ تَغَيُّرُ أَحْوَالِهَا عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي وَصَفْنَا. فَقَدْ تَبَيَّنَ بِالَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَ جَابِرٍ مَا قَالَ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، غَيْرُ دَافِعٍ مَا رَوَى سَمُرَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ، وَلَا رِوَايَةُ سَمُرَةَ مَا رَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ، مُحِيلٌ مَا قَالَ جَابِرٌ وَرَوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ إِذْ كِلَا الْخَبَرَيْنِ صَحِيحٌ مَعْنَاهُمَا، مُمْكِنٌ اسْتِعْمَالُهُمَا عَلَى الصِّحَّةِ.
وَإِذْ كَانَ كَذَلِكَ فَخَبَرُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَقَوْلُهُ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غُلَامٌ يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ، إنْ كَانَ صلى الله عليه وسلم سَمَّى غُلَامَهُ ذَلِكَ هَذَا الِاسْمَ قَبْلَ نَهْيِهِ عَنِ التَّسْمِيَةِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمُحْتَجٍّ بِهِ. وَإِنَّ تَسْمِيَةَ الْمُسَمِّي مَمْلُوكَهُ فِي مَعْنَى تَسْمِيَتِهِ إِيَّاهُ بِوَثَّابٍ وَسَوَّارٍ وَغَيْرِهِمَا، فِيهِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَاتِ مَا يُرْغَبُ لَهُ عَنْهُ، إِذْ كَانَ فِي إِطْلَاقِهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَطْلَقَ وَحَظْرِهِ مَا حَظَرَ، نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، عَلَى النَّحْوِ الَّذِي قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى (كِتَابُ الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ). وَكَانَ جَائِزًا أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا، كَانَتْ سَبِيلَ التَّسْمِيَةِ بِغَيْرِهَا مِنَ الْأَسْمَاءِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهَا بَعْدُ.
وَإنْ كَانَ صلى الله عليه وسلم سَمَّى غُلَامَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ نَهْيِهِ عَنِ التَّسْمِيَةِ بِهِ، فَذَلِكَ مِنْهُ إِبَانَةٌ عَنْ أَنَّ نَهْيَهُ عَنِ التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنِ التَّسْمِيَةِ بِهِ، إِنَّمَا هُوَ نَهْيُ تَكَرُّهٍ، لَا نَهْيُ تَحْرِيمٍ، عَلَى مَا قَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُنَاهُ قَبْلُ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضِّبَابِ، وَإِطْلَاقِهِ لِآكِلِيهَا أَكْلَهَا عَلَى مَائِدَتِهِ. وَأَيُّ ذَلِكَ كَانَ فَإِنَّ فِي إِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى تَسْمِيَةِ الرَّجُلِ مَمَالِيكَهُ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ – الَّتِي ذَكَرَ سَمُرَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنِ التَّسْمِيَةِ بِهَا – غَيْرُ مُوجِبَةٍ لَهُ إِثْمًا، وَلَا مُسْتَوْجِبٍ بِهَا مُسَمِّيهِ مِنْ رَبِّهِ عِقَابًا، مَا يُنْبِئُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ نَهْيَهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ.
وَبَعْدُ، فَفِي تَسْمِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَمْلُوكَهُ نَافِعًا بِنَافِعٍ، وَتَسْمِيَةِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ غُلَامَهُ أَفْلَحَ بِأَفْلَحَ، بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، مِنْ غَيْرِ إِنْكَارِ مُنْكِرٍ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، مَا يُوَضِّحُ عَنْ صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، لَوْ كَانَ نَهْيَ تَحْرِيمٍ؛ لَمْ يُقِرَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ مَنْ ذَكَرْنَا، عَلَى التَّقَدُّمِ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْرِيمُهُ، بَلْ لَمْ يَكُونُوا هُمْ يَتَقَدَّمُونَ عَلَى مَا قَدْ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مِمَّا قَدْ صَحَّ عِنْدَهُمْ تَحْرِيمُهُ إِيَّاهُ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمْ – إِنْ شَاءَ اللَّهُ عز وجل مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى التَّكَرُّهِ، تَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَوْمٌ وَتَأَخَّرَ عَنْهُ آخَرُونَ، كَالَّذِي كَانَ مِنْهُمْ فِي نَهْيِهِ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضِّبَابِ، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ قَبْلُ. وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنْ يُسَمُّوا مَمَالِيكَهُمْ بِأَسْمَاءٍ أُخَرَ غَيْرِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ سَمُرَةَ أَنَّهُ رَوَى النَّهْيَ عَنِ التَّسْمِيَةِ بِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِعِلَلٍ شَبِيهَةٍ بِالْعِلَلِ فِيمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَسْمِيَتِهِمْ بِهِ مِنْ أَجْلِهَا.
ذِكْرُ بَعْضِ ذَلِكَ:
454 – حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ بْنِ تَمِيمٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: ” كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ سَنَةً، لَا أُكَلِّمُهُ وَلَا يَعْرِفُنِي، حَتَّى أَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ كِتَابٌ مِنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَدَعَا غِلْمَانَهُ، فَجَعَلَ يَكْنِي عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وَأَشْبَاهِهِ، وَجَعَلَ يَدْعُو: يَا مِخْرَاقُ، يَا وَثَّابُ، نَحْوًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ”
455 – حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يَقُولُ: «إِنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ سَهْمِ بْنِ مِنْجَابٍ كَيْفَ سَمَّى غُلَامًا لَهُ عَبْدَ الْمَلِكِ»
456 – حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسَمِّيَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ عَبْدَ اللَّهِ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يُعْتِقُهُ»
457 – حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُسَمِّيَ مَمْلُوكَهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ، وَعَبْدَ الْمَلِكِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَأَشْبَاهَهُ؛ مَخَافَةَ الْعِتْقِ»
فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ كَرَاهَةَ تَسْمِيَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ نَظِيرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَرِهَ مِنْ تَسْمِيَةِ الرَّجُلِ مَمْلُوكَهُ بِرَبَاحٍ، وَنَافِعٍ، وَأَفْلَحَ؛ لِأَنَّ كَرَاهِيَتَهُ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ كَانَتْ حِذَارًا مِنْ أَنْ يُقَالَ: هَاهُنَا نَافِعٌ؟ فَيُقَالُ: لَا، أَوْ: هَاهُنَا أَفْلَحُ، أَوْ بَرَكَةٌ؟ فَيُجَابُ بِلَا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّائِلَ عَنْ إنْسَانٍ اسْمُهُ أَفْلَحُ، أَوْ نَافِعٌ، أَوْ رَبَاحٌ هَلْ هُوَ فِي مَكَانِ كَذَا؟ إِنَّمَا مَسْأَلَتُهُ تِلْكَ مَسْأَلَةٌ عَنْ شَخْصٍ مِنْ أَشْخَاصِ بَنِي آدَمَ، سُمِّيَ بِاسْمٍ جُعِلَ عَلَيْهِ دَلِيلًا يُعْرَفُ بِهِ إِذَا ذُكِرَ؛ إِذْ كَانَتِ الْأَسْمَاءُ الْعَوَارِيُّ الْمُفَرِّقَةُ بَيْنَ الْأَشْخَاصِ الْمُتَشَابِهَةِ إِنَّمَا هِيَ أَدِلَّةٌ عَلَى الْمُسَمَّى بِهَا، لَا مَسْأَلَةٌ عَنْ شَخْصٍ صِفَتُهُ النَّفْعُ وَالْفَلَاحُ وَالْبَرَكَةُ.
وَذَلِكَ مِنْ كَرَاهَتِهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ، نَظِيرُ كَرَاهَتِهِ تَسْمِيَةَ امْرَأَةٍ كَانَتْ تُسَمَّى بَرَّةَ بِبَرَّةَ، حَتَّى حَوَّلَ اسْمَهَا عَنْ ذَلِكَ فَسَمَّاهَا جُوَيْرِيَةَ، وَكَتَحْوِيلِهِ اسْمَ أُخْرَى مِنْ عَاصِيَةَ إِلَى جَمِيلَةَ، وَكَتَغْيِيرِهِ اسْمَ أَرْضٍ طَابَتْ تُدْعَى عَفِرَةَ خَضِرَةَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ عَدَدُهُ، سَنَذْكُرُ جَمِيعَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَحْوِيلَهُ صلى الله عليه وسلم مَا حَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بِمَا كَانَ الْمُسَمَّى بِهِ مِنْهَا مُسَمًّى قَبْلَ تَحْوِيلِهِ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا التَّسْمِيَةُ بِهِ؛ وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ، وَاخْتِيَارِ الْأَحْسَنِ عَلَى الَّذِي هُوَ دُونَهُ فِي الْحُسْنِ، إِذْ كَانَ لَا شَيْءَ فِي الْقَبِيحِ مِنَ الْأَسْمَاءِ إِلَّا وَفِي الْجَمِيلِ الْحَسَنِ مِنْهَا مِثْلُهُ مِنَ الدِّلَالَةِ عَلَى الْمُسَمَّى بِهِ، مَعَ بَيْنُونَةِ الْأَحْسَنِ بِفَضْلِ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، مِنْ غَيْرِ مَؤُونَةٍ تَلْزَمُ صَاحِبَهُ بِسَبَبِ التَّسَمِّي بِهِ.
وَكَذَلِكَ كَرَاهَةُ مَنْ كَرِهَ تَسْمِيَةَ مَمْلُوكِهِ عَبْدَ اللَّهِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، إِنَّمَا كَانَتْ كَرَاهَتُهُ ذَلِكَ؛ حِذَارًا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ لَهُ الْعِتْقَ بِانْفِرَادِهِ بِهَذَا الِاسْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ لِلَّهِ عَبِيدٌ أَحْرَارُهُمْ وَعَبِيدُهُمْ، وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ وَاصِفٌ أَوْ لَمْ يَصِفْهُمْ، وَلَكِنَّ كَارِهِي التَّسْمِيَةِ بِذَلِكَ صَرَفُوا هَذِهِ الْأَسْمَاءَ عَنْ رَقِيقِهِمْ؛ لِئَلَّا يَقَعَ اللَّبْسُ عَلَى السَّامِعِ لِذَلِكَ مِنْ أَسْمَائِهِمْ؛ فَيَظُنَّ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ؛ إِذْ كَانَ اسْتِعْمَالُ أَكْثَرِ النَّاسِ التَّسْمِيَةَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ فِي الْأَحْرَارِ، فَتَجَنَّبُوا إِلَى مَا يُزِيلُ اللَّبْسَ عَنْهُمْ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَمَالِيكِ.
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا، وَالَّذِي بِهِ اسْتَشْهَدْنَا، فَالِاخْتِيَارُ لِكُلِّ مَنْ لَهُ مَمْلُوكٌ أَنْ يَتَجَنَّبَ تَسْمِيَةَ مَمْلُوكِهِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الَّتِي رَوَيْنَا عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَسْمِيَتِهِ بِهَا، وَعَنْ نَظَائِرِهَا، وَذَلِكَ كَتَسْمِيَتِهِ بِنَجَاحٍ، فَإِنَّهُ نَظِيرُ رَبَاحٍ، وَكَتَسْمِيَتِهِ سَمَاحًا، وَخَيْرًا، وَنَصْرًا، وَسَعْدًا، وَكَثِيرًا، فَإِنَّهُ كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَرِهَ تَسْمِيَتَهُ بِرَبَاحٍ، وَنَافِعٍ – وَإنْ كَانَ خَسَارًا وَضَارًّا، لَا رَبَاحًا وَلَا نَافِعًا – حِذَارًا مِنْ أَنْ يُقَالَ: هَلْ هُنَاكَ رَبَاحٌ، أَوْ نَافِعٌ؟ فَيُقَالُ: لَا، فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُتَّقَّى أَنْ يُقَالَ: هُنَاكَ نَجَاحٌ، أَوْ سَمَاحٌ، أَوْ خَيْرٌ، أَوْ سَعْدٌ؟ فَيُقَالُ: لَا.
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُتَجَنَّبَ مِنْ تَسْمِيَتِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ بِمَا كَانَ نَظِيرًا لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَهُ شَبِيهًا؛ لِلْعِلَّةِ الَّتِي وَصَفْنَا مِنْ كَرَاهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْمِيَتَهُ بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَا عَنْهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسَمِّيهِ بِبَعْضِ ذَلِكَ – إِنْ سَمَّاهُ بِهِ – حَرِجًا، أَوْ مُكْتَسِبًا بِتَسْمِيَتِهِ بِهِ إِثْمًا، أَوْ مُتَقَدِّمًا بِهِ لِلَّهِ عَلَى مَعْصِيَةٍ، وَلَكِنَّهُ مُتَقَدِّمٌ بِتَسْمِيَتِهِ إِيَّاهُ بِهِ عَلَى خِلَافِ مَا اخْتَارَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَسْمِيَتِهِ مَمْلُوكَهُ بِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ
[تهذيب الآثار – مسند عمر 1/ 277]
قال البغوي:
قَالَ الإِمَامُ وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ” كَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَنْ يَسْمَعَ: يَا رَاشِدُ، يَا نَجِيحُ «.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ،» أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَتَطَيَّرُ مِنْ شَيْءٍ، فَإِذَا بَعَثَ عَامِلا يَسْأَلُ عَنِ اسْمِهِ، فَإِذَا أَعْجَبَهُ اسْمُهُ، فَرِحَ بِهِ، وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِذَا دَخَلَ قَرْيَةً، سَأَلَ عَنِ اسْمِهَا، فَإِنْ أَعْجَبَهُ اسْمُهَا، فَرِحَ بِهَا، وَرُئِيَ بِشْرُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، وَإِنْ كَرِهَ اسْمَهَا، رُئِيَ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ”
وَيَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ يَخْتَارَ لِوَلَدِهِ وَخَدَمِهِ الأَسْمَاءَ الْحَسَنَةَ، فَإِنَّ الأَسْمَاءَ الْمَكْرُوهَةَ قَدْ تَوَافَقَ الْقَدَرُ، رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِرَجُلٍ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: جَمْرَةٌ، قَالَ: ابْنُ مِنْ؟ قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: مِمَّنْ، قَالَ: مِنَ الْحُرَقَةِ، قَالَ: أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟ قَالَ: بِحَرَّةِ النَّارِ، قَالَ: بِأَيِّهَا؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى، فَقَالَ عُمَرُ: أَدْرِكْ أَهْلَكَ، فَقَدِ احْتَرَقُوا، فَكَانَ كَمَا قَالَ رضي الله عنه
[شرح السنة للبغوي 12/ 176]
حديث بريدة:
قال الحافظ: وأخرج أبو داود بسند حسن عن بريدة: فذكره» ورجح في أنيس الساري حديث هشام الدستوائي عن قتادة … لكن فيه عنعنة قتادة انتهى وبعضهم يمشي عنعنته
و صححه الألباني في الصحيحة (762)
سبق نقل كلام ابن القيم حول الحديث وهنا نضيف فصول أخرى من كلامه رحمه الله في الأسماء المنهي عنها
قال ابن القيم:
فصل
ومنها التسمية بأسماء الشياطين، كخَنْزَب، والوَلْهان، والأَعْوَرِ، والأَجْدَعِ.
قال الشَّعبيُّ عن مسروقٍ: لقيتُ عمرَ بنَ الخطَّاب، فقال: مَنْ أنت؟ قلت: مَسْرُوقُ بنُ الأَجْدَعِ. فقال عُمَرُ رضي الله عنه: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: “الأَجْدَعُ شَيطَانٌ”.
وفي سنن “ابن ماجه” و”زيادات عبد الله في مسند أبيه” من حديث أُبيِّ بن كعب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ للوُضوءِ شيطانًا، يُقَال له: الوَلْهَانُ، فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ الماءِ”.
وشكا إليه عثمانُ بنُ أبي العاص من وسواسه في الصلاة، فقال: “ذلكَ شيطانٌ يقال له: خَنْزَب”.
وذكر أبو بكرِ ابنُ أبي شيبةَ: حدّثنا حُمَيدُ بنُ عبد الرَّحمن، عن هشام عن أبيه، أنَّ رجلًا كان اسمُه الحُباب، فسمَّاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله، وقال: “الحُبابُ شيطانٌ”.
فصل
ومنها: أسماء الفَراعِنَةِ والجبَابرةِ، كفرعونَ، وقارونَ، وهامانَ، والوليد.
قال عبدُ الرزَّاق في “الجامع”: أخبرنا مَعْمَر، عن الزُّهْرِيّ قال: أراد رجلٌ أن يُسمِّي ابنًا له: الوَليدَ، فنهاه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقال: إنَّه سيكونُ في أُمَّتي رجلٌ، يُقالُ له الوليدُ، يَعملُ في أُمَّتي بعَمَلِ فرعونَ في قومهِ”.
فصل
ومنها: أسماء الملائكة، كجِبْرَائِيلَ، ومِيكَائيلَ، وإسْرَافِيلَ، فإنه يُكْرَهُ تسمية الآدميين بها.
قال أشهب: سُئل مالكٌ عن التَّسمِّي بجبريل، فكره ذلك، ولم يُعْجِبْهُ.
قال القاضي عِيَاض: “وقد كَرِهَ بعضُ العُلَماءِ التسمِّي بِأسماءِ الملائكةِ، وهو قولُ الحارثِ بنِ مِسْكِين. قال: وكَرِهَ مالكٌ التَّسمِّي بِجِبْرِيلَ ويَاسِين”. وأباحَ ذلك غيرُهُ.
قال عبد الرزَّاق في “الجامع”: عن مَعْمَر، قال: قلتُ لحمَّادِ بنِ أبي سُليمانَ: كيف تقولُ في رجل تسمَّى بِجِبْريلَ ومِيْكَائيلَ؟ فقال: لا بأس به.
وقال البُخَاريّ في “تاريخه”: قال أَحْمَد بن الحارث: حدّثنا
أبو قَتَادَة الشامي ـ ليس بالحرَّاني مات سنة أربع وستين ومائة ـ حدّثنا عبدالله ابن جراد، قال: صحبني رجل من مُزَينَةَ، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأنا معه، فقال: يا رسول الله! وُلِدَ لي مولودٌ، فما خير الأسماء؟ قال: “إنَّ خيرَ الأسماءِ لكم: الحارثُ وهَمَّامٌ، ونِعْمَ الاسمُ عبدُ الله وعبدُ الرَّحمن، وتسمَّوا بأسماء الأنبياءِ، ولا تسمَّوا بأسماء الملائكة”. قال: وبِاسْمكَ؟ قال: “وبِاسْمِي، ولا تكنوا بكُنيتي”.
وقال البَيهَقِيّ: قال البُخَاريّ في غير هذه الرواية: “في إسناده نظر”
فصل
ومنها: الأسماءُ التي لها معانٍ تكرهُها النفوسُ ولا تلائمُها، كحربٍ، ومُرَّة، وكلبٍ، وحيَّة، وأشباهها. وقد تقدَّم الأثر الذي ذكره مالك في “مُوَطَّئِه” أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ـ لِلَقْحَةٍ ـ: “مَنْ يحلبُ هذه؟ ” فقام رجل، فقال: أنا، فقال: “ما اسمك؟ ” قال الرجل: مُرَّة، فقال له: “اجْلِسْ”. ثم قال: “من يحلبُ هذه؟ ” فقام رجلٌ آخر فقال: أنا، فقال له: “ما اسمُك؟ ” قال: حَرْبٌ، فقال له: “اجْلِسْ”. ثم قال: “من يحلبُ هذه؟ ” فقام رجلٌ فقال: أنا، قال: “ما اسمك؟ ” قال: يَعِيش، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “احلبْ”.
فَكَرِهَ مباشرةَ المسمَّى بالاسمِ المكروهِ لحَلْبِ الشَّاةِ.
وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يشتدُّ عليه الاسم القبيح ويكرهه جدًّا من الأشخاص والأماكن والقبائل والجبال، حتى إنَّه مر في مسيرٍ له بين جبلين، فسأل عن اسمهما؟ فقيل له: فاضحٌ ومُخْزٍ، فعدلَ عنهما، ولم يمرَّ بينهما، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الاعتناء بذلك
ومَنْ تأمَّل السنَّةَ وجدَ معانيَ الأسماءِ مرتبطةً بها، حتى كأنَّ مَعانِيَهَا مأخوذةٌ منها، وكأنَّ الأسماءَ مشتقَّةٌ من معانِيْهَا، فتأمَّلْ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم: “أسلمُ سالمَها اللهُ، وغِفَارٌ غفرَ اللهُ لها، وعصيَّةُ عصتِ الله”.
وقوله لمَّا جاء سُهَيلُ بنُ عَمْرو يومَ الصُّلح: “سَهُلَ أمْرُكم”.
وقوله لبُرَيدَةَ لمّا سألَهُ عنِ اسمه، فقال: بُرَيْدَةُ، قال: يا أبا بكر! بَرَدَ أمْرُنا، ثم قال: مَّمن أنت؟ قال: من أسْلَمَ، فقال لأبي بكر: “سَلِمْنَا”، ثم قال: ممن؟ قال: من سهم، قال: “خرج سَهْمُك”. ذكره أبو عُمر في “استذكاره”.
حتى إنَّه كان يعتبر ذلك في التأويل، فقال: “رأيت كأنّا في دار عُقْبَةَ ابنِ رافعٍ، فأُتينا برُطَبٍ من رُطَبِ ابنِ طَابٍ، فأوَّلتُ العاقبةَ لنا في الدنيا والرِّفعةَ، وأنَّ ديننا قد طابَ”
وإذا أردتَ أن تعرفَ تأثيرَ الأسماءِ في مسمَّياتِها فتأمَّلْ حديثَ سعيدِ بنِ المسيِّب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: أتيتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: “ما اسمُك؟ ” قلتُ: حَزْنٌ، فقال: “أنت سهلٌ”. قال: لا أغيِّر اسمًا سمَّانِيهُ أَبِي. قال ابن المسيِّب: فما زالت تلك الحُزُونَة فينا بعدُ. رواه البُخَاريّ في “صحيحه”.
والحزُونَةُ: الغِلْظَةُ، ومنه أرضٌ حزنة، وأرض سهلة.
وتأمَّلْ ما رواه مالك في “الموطأ” عن يحيى بن سعيد: أنَّ عُمَرَ بنَ الخطّابِ رضي الله عنه قال لرجلٍ: ما اسمُك؟ قال: جمرةٌ، قال: ابنُ مَن؟ قال: ابنُ شِهابٍ، قال: ممَّن؟ قال: من الحُرقة، قال: أين مسكنُك؟ قال: بِحَرَّة النار، قال: بأيّتها؟ قال: بذات لَظَى، قال عمر: أدْرِكْ أهْلَك فقد احتَرقُوا. فكان كما قال عمر. هذه رواية مالك.
ورواه الشَّعْبِيُّ: فقال: جاء رجلٌ من جهينةَ إلى عمرَ بنِ الخطاب
ــ رضي الله عنه ــ، فقال: ما اسمك؟ قال: شهابٌ، قال: ابن مَن؟ قال: ابن ضرام، قال: ممَّن؟ قال: من الحرقة، قال: أين منزلك؟ قال بِحَرَّة النار، قال: ويحك، أدرك منزلك وأهلك فقد أحرقتهم. قال: فأتاهم فأَلْفَاهُم قد احترق عامَّتُهُم
وقد استشكل هذا مَن لم يفهمْه، وليس ـ بحمد الله ـ مشكلًا، فإن مسبِّب الأسبابِ جعَل هذه المناسبات مقتضياتٍ لهذا الأثَر، وجعل اجتماعها على هذا الوجه الخاص موجبًا له، وأخَّر اقتضاءها لأثرها إلى أن تكلَّم به من ضُرِبَ الحقُّ على لسانه، ومن كان الملك ينطق على لسانه، فحينئذ كمل اجتماعها وتمَّت، فرتَّب عليها الأثرَ، ومَن كان له في هذا الباب فِقْهُ نفسٍ، انتفعَ به غايةَ الانتفاعِ، فإنَّ البلاءَ موكلٌ بالمنطقِ.
قال أبُو عُمَر: وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: “البلاءُ موكلٌ بالقولِ”.
ومن البلاء الحاصل بالقول: قولُ الشيخِ البائسِ الذي عادَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فرأى عليه حمَّى فقال: “لا بأس، طَهورٌ إن شاء الله” فقال: بل حمَّى تفورُ على شيخٍ كبيرٍ تُزِيرهُ القبورَ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “فنَعَم إذًا”
وقد رأينا من هذا عِبَرًا فينا وفي غيرنا، والذي رأيناه كقطرة في بَحْرٍ. وقد قال المؤمّلُ الشَّاعرُ:
شَفَّ المُؤَمِّلَ يَوْمَ النّقْلةِ النَّظرُ … لَيْتَ المُؤَمّلَ لم يُخْلَقْ لَهُ البَصَرُ
فلم يلبث أن عَمِيَ.
وفي “جامعِ ابنِ وَهْبٍ” أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِي بغلام، فقال: “ما سمَّيتُمْ هذا؟ ” قالوا: السَّائب، فقال: “لا تسمُّوه السَّائبَ، ولكنْ عبد الله”. قال: فغَلَبوا على اسمهِ، فلَمْ يَمُتْ حتَّى ذهبَ عقلُه.
فَحِفْظُ المنطقِ وتخيُّر الأسماء من توفيق الله للعبدِ.
وقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من تمنَّى أن يُحْسِن أُمْنِيَّتَه، وقال: “إنَّ أحدَكم لا يَدري ما يُكتَبُ له من أُمْنِيَّتِه” أي ما يقدر له منها، وتكون أُمنيتُه سببَ حصولِ ما تمنَّاه أو بَعضِه، وقد بلغكَ أو رأيتَ أخبارَ كثيرٍ من المتمنِّين، أصابَتْهُمْ أمَانِيهم أو بعضُها!
وكان أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه يتمثَّلُ بهذا البيتِ:
احْذَرْ لِسَانَكَ أنْ يَقُولَ فَتُبْتَلَى … إنَّ البَلَاء مُوَكَّلٌ بِالمَنْطقِ
ولما نزل الحُسَيْن وأصحابه بكَرْبَلَاء، سألَ عنِ اسْمِهَا؟ فقيل: كَرْبَلَاء، فقال: “كَرْبٌ وبَلاءٌ”.
ولما وقفت حَلِيْمَةُ السَّعْدِيَّةُ على عبد المطَّلب تسألُه رضاعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال لها: من أنتِ؟ قالت: امرأةٌ من بني سَعْدٍ، قال: فما اسمُكِ؟ قالت: حَلِيْمَة، فقال: بَخٍ بَخٍ، سَعْدٌ وحِلْمٌ، هَاتَانِ خَلَّتَانِ فيهما غَنَاء الدَّهْرِ.
وذَكرَ سليمانُ بنُ أَرْقَمَ، عن عُبيدِ الله بنِ عبد الله، عن ابن عبَّاس، قال: بعث ملك الروم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم رسولاً، وقال: انظرْ أين تراهُ جالسًا، ومَنْ إلى جنبهِ، وانظرْ إلى ما بينَ كَتفَيهِ
قال: فلما قَدِمَ، رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جالسًا على نَشَزٍ واضعًا قدميه في الماء، عن يمينه أبو بكر، فلمَّا رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: “تحوَّلْ فانظرْ ما أُمِرْتَ به”، فنظر إلى الخاتم، ثم رجع إلى صاحبه فأخبره الخبر، فقال لَيَعْلُوَنَّ أَمْرُهُ ولَيَمْلِكَنَّ مَا تحتَ قَدَميَّ. فتأوّل بالنَّشَزِ العُلوَّ، وبالماءِ الحياةَ.
وقال عوانةُ بنُ الحَكَم: لما دعَا ابن الزُّبَير إلى نفسه، قام عبد الله بنُ مطيعٍ ليبايع، فقبض عبدُ الله بنُ الزُّبَيْر يدَهُ، وقال لعُبيدِ الله بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ: قُمْ فَبَايِعْ. فقال عُبيدُ الله: قُمْ يا مصعبُ فبايِعْ، فقامَ فبايَعَ، فقال النَّاس: أبى أن يُبايِع ابنَ مُطيعٍ، وبَايعَ مصعبًا، ليجدنَّ في أمره صُعوبةً.
وقال سلَمةُ بنُ مُحارِب: نزل الحجَّاج دَيرَ قُرَّة، ونزل عبد الرَّحمن ابن الأشعث دَير الجَماجِم، فقال الحجَّاجُ: استقرَّ الأمرُ في يدي، وتجمجم به أَمرُه، والله لأقتلنَّه
وهذا بابٌ طويل عظيمُ النفع، نبَّهْنا عليه أدنى تنبيهٍ، والمقصودُ ذِكْرُ الأسماءِ المكروهةِ والمحبوبةِ.
فصل
ومما يُمنَع تسميةُ الإنسانِ به: أسماءُ الربِّ تبارك وتعالى فلا يجوز التسميةُ بالأحَدِ ولا بالصَّمَدِ، ولا بالخَالقِ ولا بالرَّازق، وكذلك سائِرُ الأسماءِ المختصَّةِ بالربِّ تبارك وتعالى.
ولا تجوز تسميةُ الملوكِ بالقاهر والظاهر، كما لا يجوز تسميتُهم بالجبَّار والمتكبِّر، والأوَّلِ والآخرِ، والباطنِ، وعلَّام الغُيوبِ.
وقد قال أبو داود في “سننه”: حدّثنا الرَّبِيعُ بنُ نافع، عن يزيد بن المقْدَامِ بنِ شُرَيحٍ، عن أبيه، عن جدِّه شُرَيح، عن أبيه هانئ، أنَّه لما وَفَدَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مع قومِه، سمعهم يكنُّونه بأبي الحَكَم، فدعاه صلى الله عليه وسلم فقال: “إنَّ الله هو الحَكَمُ وإليه الحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أبا الحَكَم؟ ” فقال: إنَّ قومي إذا اختلَفُوا في شيء أتَوني، فحكمتُ بينهم، فَرَضِيَ كلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أحسنَ هذا! فمَا لَكَ من الولدِ؟ ” قال: لي شُرَيْحٌ ومَسْلمة وعبد الله، قال: “فمَن أَكبرُهم؟ ” قلتُ: شريحٌ، قال: “فأنتَ أبو شُرَيحٍ”
وقد تقدَّم ذِكْرُ الحديثِ الصَّحيحِ: “أغْيَظُ رَجُلٍ على الله رَجلٌ تَسَمَّى بمَلِكِ الأَمْلاكِ”.
وقال أبو داود: حدّثنا مُسَدَّدٌ، حدّثنا بِشْرُ بنُ المفَضَّل، حدّثنا أبوسلَمةَ سعيدُ بنُ يَزِيدَ، عن أبي نَضْرَةَ عن مُطَرِّفِ بنِ عبدِ الله بن الشِّخِّير، قال: قال أبي: انطلقتُ في وَفْدِ بني عامِر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنتَ سيِّدُنا، فقال: “السيِّدُ اللهُ” قلنا: وأفْضَلُنَا فَضْلًا وأعْظَمُنَا طَوْلًا، فقال: “قُولُوا بِقَولِكم أو ببعضِ قولِكُمْ ولا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيطانُ”.
ولا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم: “أنا سيّد ولد آدم” فإن هذا إخبارٌ منه عمَّا أعطاه الله من سيادة النوع الإنسانيِّ وفَضْلِه وشَرَفِهِ عليهم.
وأما وصفُ الربِّ تبارك وتعالى بأنه السيِّد، فذلك وصفٌ لربِّه على الإطلاق، فإنَّ سيِّد الخلق هو مالكُ أمرِهم الذي إليه يرجعون، وبأمره يعملون، وعن قوله يصدرون، فإذا كانت الملائكة والإنس والجنُّ خلقًا له سبحانه وتعالى وملكًا، ليس لهم غنى عنه طرفة عين، وكلُّ رغباتهم إليه، وكلُّ حوائجهم إليه، كان هو سبحانه وتعالى السيِّدَ على الحقيقة.
قال علي بن أبي طَلْحَة، عن ابن عبَّاس في تفسير قول الله: {الصَّمَدُ}. قال: السيد الذي كَمُلَ سُؤدَدُهُ.
والمقصود: أنه لا يجوز لأحدٍ أن يتسمَّى بأسماء الله المختصَّةِ به.
وأمَّا الأسماءُ التي تُطلَق عليه وعلى غيره: كالسَّميع، والبَصير، والرَّؤوفِ، والرَّحيمِ، فيجوز أن يُخبر بمعانيها عن المخلوق، ولا يجوز أن يتسمَّى بها على الإطلاق بحيث يُطلَق عليه كما يُطلق على الربِّ تعالى.
فصل
ومما يُمنع منه التسميةُ بأسماءِ القرآنِ وسُوَرِهِ، مثل: طَهَ، ويس، وحَم، وقد نصَّ مالكٌ على كراهة التسمية بـ: “يس”. ذكره السُّهَيْليُّ.
وأمَّا ما يذكره العوامُّ: أنَّ يس وطه من أسماء النبيّ صلى الله عليه وسلم، فغيرُ صحيحٍ، ليس ذلك في حديثٍ صحيحٍ، ولا حَسَنٍ، ولا مُرْسَلٍ، ولا أثَرٍ عن صاحبٍ، وإنَّما هذه الحروف مثل: الم و حم و الر، ونحوها
فصل
واخْتُلِفَ في كَراهةِ التسمِّي بأسماء الأنبياء على قولين.
(أحدهما): أنه لا يكره، وهذا قول الأكثرين، وهو الصواب.
و (الثاني): يكره.
قال أبو بكر ابن أبي شيبة في “باب ما يكره من الأسماء”: حدّثنا الفضل بن دُكَيْن، عن أبي خلدةَ، عن أبي العَالِيَة: تفعلون شرًّا من ذلك! تسمُّون أولادَكُم أسماءَ الأنبياءِ ثم تَلْعَنُونَهم.
وأَصْرَحُ مِن ذلك ما حَكَاهُ أبو القاسم السُّهَيْلِيُّ في “الرَّوْضِ” فقال: وكان من مذهب عمر بن الخطاب كراهة التسمي بأسماء الأنبياء.
قلت: وصاحبُ هذا القولِ قَصَدَ صيانةَ أسمائهم عن الابتذالِ وما يَعْرِضُ لها من سُوء الخِطَاب عند الغضب وغيره.
وقد قال سعيد بن المسيِّب: أحبُّ الأسماء إلى الله أسماءُ الأنبياءِ
وفي “تاريخ ابن أبي خيثمة”: أن طَلْحَة كان له عَشَرةٌ مِنَ الوَلَدِ، كلٌّ منهم اسْمُه اسمُ نبيٍّ، وكان للزُّبَيرِ عَشَرةٌ، كلُّهم تسمَّى باسمِ شهيدٍ، فقالَ له طَلْحَةُ: أنا أسمِّيهم بأسماءِ الأنبياءِ، وأنت تسمِّي بأسماءِ الشهداءِ؟ فقال له الزُّبَير: فإنِّي أطمعُ أن يكونَ بَنِيّ شهداءَ، ولا تطمعُ أن يكونَ بَنُوكَ أنبياءَ.
وقد ثبت في “صحيح مسلم” عن أبي موسى قال: وُلِد لي غلامٌ فأتيتُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسمَّاه: إبراهيمَ، وحنَّكَه بتمرة.
وقال البُخَاريّ في “صحيحه”: باب من تسمَّى بأسماء الأنبياء. حدّثنا ابنُ نمير، حدّثنا ابنُ بِشْر، حدّثنا إسماعيل قال: قلت لابن أبي أوْفَى: رأيتَ إبراهيم ابنَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: مات صغيرًا، ولو قُضِي أن يكون بعد محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نبيٌّ: عاش ابنُهُ، ولكن لا نبيَّ بعده.
ثم ذكر حديث البراء: لما ماتَ إبراهيمُ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “إنَّ له مُرْضِعًا في الجنَّة”.
وفي “صحيح مسلم”: باب التسمي بأسماء الأنبياء والصالحين. ثم ذكر حديثَ المغيرةِ بنِ شُعْبَةَ، قال: لما قَدِمْتُ نجرانَ سألُوني فقالوا: إنَّكم تقرؤونَ: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} [مريم/28]. وموسى قَبْلَ عيسى بكذا وكذا! فلما قدمتُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم سألتُه عن ذلك؟ فقال: “إنَّهم كانُوا يسمُّون بأنبيائِهِم والصَّالحينَ قبْلَهُمْ”
الفصل الثالث
في تغييرِ الاسمِ باسمٍ آخَر لمصلحةٍ تقتضِيه
عن ابن عمر أن النبيّ صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمَ عَاصِيَةَ، وقال: “أنتِ جَمِيلَةُ”.
وفي “صحيح البخاريّ”، عن أبي هُرَيْرَة، أنَّ زينبَ كان اسمُها بَرَّةَ. فقيل: تزكِّي نفسَها، فسمَّاها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: زَيْنَبَ.
وفي “سنن أبي داود” من حديث سعيدِ بنِ المسيِّب عن أبيه عن جدِّه، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “ما اسمُك؟ ” قال: حَزْنٌ. قال: “أنتَ سَهْلٌ” قال: لا، السَّهْلُ يُوطَأ ويُمْتَهَنُ. قال سعيدٌ: فظننتُ أنَّه سيصيبُنا بعده حُزُونَةٌ.
و في “الصحيحين” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بالمُنْذِر بن أبي أسيد حين ولد، فوضعه على فخذه فأقاموه، فقال: “أين الصبيُّ؟ ” فقال: أبو أسيد: قَلَبْنَاهُ يا رسولَ الله، قال: “ما اسمُه؟ ” قال: فلان، قال: “لا، ولكنَّ اسمَهُ المُنْذِرُ”.
وروى أبو داود في “سننه” عن أُسامةَ بنِ أَخْدَرِيٍّ أنَّ رجلًا كان يُقال له: أَصْرَمُ، كان في النَّفَر الذين أَتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: “ما اسمُك؟ ” قال: أَصْرَمُ، قال: “بل أنتَ زُرْعَةُ”.
قال أبو داود: وغيَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اسمَ العاصِ وعَزِيْزٍ وعَتلَةَ، وشَيْطَانٍ، والحَكَمِ وغُرَابٍ، وشِهَابٍ، وحُبَابٍ، فسمَّاه هشامًا، وسمَّى حَرْبًا: سِلْمًا، وسمَّى المضْطَجِعَ: المُنْبَعِثَ، وأرضًا يقال لها: عَفِرَة: خَضِرَةً، وشِعْبَ الضَّلالَةِ سمَّاهُ: شِعبَ الهُدَى، وبنو الزِّنْيَةِ سمَّاهم: بني الرِّشدَةِ، وسمَّى بني مُغْوِيَّةَ: بني رِشْدَةَ.
قال أبو داود: تركت أسانيدها للاختصار.
وفي “سُننِ البَيْهَقِيّ” من حديث اللَّيثِ بنِ سَعد، عن يزيدَ بنِ أَبي حَبيبٍ، عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزّبيديِّ: قال: تُوُفِّي صاحبٌ لي غريبًا، فكنَّا على قبره أنا وعبد الله بن عُمَر، وعبد الله بن عَمْرو بن العاص، وكان اسمي: العاص، واسم ابن عمر العاص، واسم ابن عَمْرو العاص، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “انْزِلُوا فاقْبُرُوهُ، وأنتم عَبيدُ الله” قال فنزلنا فقبرنا أخانا، وصعدنا من القبر، وقد أُبدِلت أسماؤنا.
وإسناده جيد إلى الليث، ولا أدري ما هذا؟ فإنه لا يُعرف تسمية عبدالله بن عمر، ولا ابن عَمْرو، بالعاص.
وقد قال ابنُ أبي شَيْبَةَ في “مصنَّفه”: حدّثنا محمَّد بن بشر، حدّثنا زكريا، عن الشَّعبِيِّ قال: لم يدرك الإسلامَ من عصاة قريش غيرُ مطيع، وكان اسمه العاصي، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعًا.
وقال أبو بكر بن المُنْذِر: حدّثنا محمَّد بن إسماعيل، حدّثنا
أبو نُعيم، حدّثنا إسرائيلُ، عن أبي إسْحَاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي
ــ رضي الله عنه ــ قال: لما وُلِدَ الحَسَنُ سمَّيْتُه: حربًا، قال: فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: “أَرُونِي ابنِي ما سمَّيتُمُوهُ؟ ” قلنا: حربًا قال: “بل هو حسنٌ”، فلما ولد الحُسَين سمَّيتُه: حربًا، فجاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: “أرُوني ابنِي ما سمَّيتُموه؟ ” قلنا: حربًا قال: “بل هو حُسَينٌ”. قال: فلما ولد الثالث سميته: حربًا، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: “أَرُوني ابنِي ما سمَّيتُموهُ؟ ” قلنا: حربًا، قال: “بل هو مُحسِّنٌ”، ثم قال: “إني سمَّيتُهم بأسماء ولد هارونَ شبَرٌ وشَبِيرٌ ومُشَبِّرٌ”.
وفي “مصنف ابن أبي شيبة”: حدّثنا محمَّد بن فضيل، عن العلاء بن المسيب، عن خيثمة قال: كان اسم أبي في الجاهليَّة عزيزًا، فسماَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم: عبدَ الرَّحمنِ.
وقال البُخَاريّ في كتاب “الأدب”: حدّثنا إبراهيم بن المُنْذِر، حدّثنا يزيدُ بنُ الحبابِ، قال: حدّثني ابنُ عبدِ الرَّحمنِ بن سعيدٍ المخزوميّ ـ وكان اسمه الصَّرْم ـ فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم: سعيدًا.
حدّثنا محمَّد بن سنان، حدّثنا عبدُ الله بنُ الحارثِ بنِ أبْزَى، قال حدثتني أمي رائطة بنت مُسْلِم عن أبيها قال: شَهِدْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنَيْنًا، فقال لي: “ما اسْمُك؟ ” قلت: غُرابٌ. قال: “لا، بل أنتَ مُسْلِمٌ”.
فصل
وكما أن تغيير الاسم يكون لقُبْحِهِ وكراهتِهِ، فقد يكون لمصلحةٍ أُخرى مع حُسْنِه، كما غيَّر اسم بَرَّةَ بزينبَ، كراهةَ التزكيةِ، وأن يقال: خرج مِنْ عند بَرَّة، أو يقال: كنت عند بَرَّة؟ فيقول: لا. كما ذكر في الحديث.
فصل
وغيَّر النبيّ صلى الله عليه وسلم اسمَ المدينةِ، وكان يَثْرِبَ فسمَّاها: طابةَ، كما في “الصحيحين” عن أبي حميد قال: أقبلْنَا مع رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مِن تَبوك حتى أَشرفْنا على المدينة، فقال: هذه طَابةُ.
وفي “صحيح مسلم”: عن جابر بن سَمُرَة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنَّ اللهَ سمَّى المدينةَ طَابةَ”
ويكره تسميتُها: “يثرب” كراهةً شديدة، وإنما حكى الله تسميتها “يثرب” عن المنافقين، فقال: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب/ 12 ـ 13].
وفي “سنن االنَّسائيّ”: من حديث مالكٍ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، أنه قال: سمعتُ أبا الحُبابِ سعيدَ بنَ يسارٍ يقول: سمعتُ أبا هُرَيرَةَ يقولُ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: “أُمِرْتُ بقريةٍ تأكلُ القُرَى، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ، وهي المَدِينَةُ تَنْفِي النَّاسَ كما يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ”
[تحفة المودود بأحكام المولود ص168 ط عطاءات العلم]