443 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
“مسند سلمة بن سلامة رضي الله عنه
(443) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (3) ص (467)): حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ -أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ- عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ- قَالَ: كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ يَهُودَ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرٍ فَوَقَفَ عَلَى مَجْلِسِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ سَلَمَةُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِ سِنًّا عَلَيَّ بُرْدَةٌ مُضْطَجِعًا فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي فَذَكَرَ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوْثَانٍ لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَالُوا لَهُ وَيْحَكَ يَا فُلَانُ تَرَى هَذَا كَائِنًا إِنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ قَالَ نَعَمْ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوَدَّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمَ تَنُّورٍ فِي الدُّنْيَا يُحَمُّونَهُ ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ فَيُطْبَقُ بِهِ عَلَيْهِ وَأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا قَالُوا لَهُ وَيْحَكَ وَمَا آيَةُ ذَلِكَ قَالَ نَبِيٌّ يُبْعَثُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ قَالُوا وَمَتَى تَرَاهُ قَالَ فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ إِنْ يَسْتَنْفِدْ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ قَالَ سَلَمَةُ فَوَاللهِ مَا ذَهَبَ
اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا وَحَسَدًا فَقُلْنَا وَيْلَكَ يَا فُلَانُ أَلَسْتَ بِالَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ قَالَ بَلَى وَلَيْسَ بِهِ.
هذا حديث حسنٌ.”
……………………….
ترجمة سلمة بن سلامة:
قال الحافظ ابن حجر في ” الإصابة “:
سلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الاشهل الانصاري الاشهلي، أبو عوف.
ذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهـما في أهـل العقبة وبدر.
قال الطبري: شهد العقبة الاولى والثانية في قول جميعهم، وشهد بدرا والمشاهـد بعدهـا.
قال إبراهـيم بن المنذر: مات سنة أربع وثلاثين. وقال غيره: بل تأخر إلى سنة خمس وأربعين، وبه جزم الطبري، قال: ومات وهـو ابن أربع وسبعين سنة بالمدينة.اهـ
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: وقال ابن سعد: مات سنة خمس وأربعين، وهـو ابن سبعين سنة، ودفن بالمدينة، وقد انقرض عقبه.
آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين أبي سبرة بن أبي رهـم العامري.
وقيل: بينه وبين الزبير بن العوام.
فوائد الحديث:
(1) – فيه معرفة اليهود بصفات النبي صلى الله عليه وسلم ووقت مبعثه كما قال تعالى: (الذين آتيناهـم الكتاب يعرفونهـ كما يعرفون أبناءهـم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهـم يعلمون (146)) قال ابن كثير: يخبر تعالى أن علماء أهـل الكتاب، يعرفون صحة ما جاءهـم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهـم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا. اهـ
قال السعدي: يخبر تعالى: أن أهـل الكتاب قد تقرر عندهـم، وعرفوا أن محمدا رسول الله، وأن ما جاء به، حق وصدق، وتيقنوا ذلك، كما تيقنوا أبناءهـم بحيث لا يشتبهون عليهم بغيرهـم، فمعرفتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وصلت إلى حد لا يشكون فيه ولا يمترون، ولكن فريقا منهم – وهـم أكثرهـم – الذين كفروا به، كتموا هـذه الشهادة مع تيقنها، وهـم يعلمون {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} اهـ
(2) – وكانت اليهود تتعود المشركين بظهور نبي يخرج نقاتلكم معه كما في قوله تعالى: (ولما جاءهـم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهـم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (89))
قال ابن كثير: يقول تعالى: ولما جاءهـم، يعني اليهود، كتاب من عند الله وهـو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مصدق لما معهم يعني من التوراة، وقوله وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا أي وقد كانوا من قبل مجيء هـذا الرسول بهذا الكتاب يستنصرون بمجيئه على أعدائهم من المشركين إذا قاتلوهـم يقولون: إنه سيبعث نبي في آخر الزمان نقتلكم معه قتل عاد وإرم، كما قال محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمرو، عن قتادة الانصاري، عن أشياخ منهم، قال: فينا والله وفيهم، يعني في الانصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم نزلت هـذه القصة يعني:
ولما جاءهـم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهـم ما عرفوا كفروا به قالوا: كنا قد علوناهـم قهرا دهـرا في الجاهـلية، ونحن أهـل شرك، وهـم أهـل كتاب، وهـم يقولون: إن نبيا سيبعث الان نتبعه قد أظل زمانه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم فلما بعث الله رسوله من قريش واتبعناه كفروا به. يقول الله تعالى: فلما جاءهـم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين.
(3) – فإن أهل الكتاب قد حسدوا المؤمنين على دين الإسلام, وبعثة محمد صلى الله عليه وسلم, فقد كانوا يعتقدون أنه سيبعث من اليهود، فلما تبين غير ذلك، حسدوا المسلمين على دينهم, ولم يتبعوه عنادا, وحسدا، مع اعتقادهم أنه هو الحق؛ فنزلت فيهم هذه الآية: ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير {البقرة:109}.
قال ابن عباس، أن رسولا أميا يخبرهـم بما في أيديهم من الكتب والرسل والايات، ثم يصدق بذلك كله مثل تصديقهم، ولكنهم جحدوا ذلك كفرا وحسدا وبغيا، ولذلك قال الله تعالى: كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق يقول من بعد ما أضاء لهم الحق، لم يجهلوا منهـ شيئا، ولكن الحسد حملهم على الجحود، فعيرهـم ووبخهم ولامهم أشد الملامة، وشرع لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، ما هـم عليه من التصديق والايمان والاقرار بما أنزل الله عليهم، وما أنزل من قبلهم، بكرامته وثوابه الجزيل ومعونته لهم.
(4) – قال شيخ الإسلام: والاخبار بمعرفة أهـل الكتاب بصفة محمد – صلى الله عليه وسلم – عندهـم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم.
وكان قبل أن يبعث النبي – صلى الله عليه وسلم – تجري حروب وقتال بين العرب وبين أهـل الكتاب فتقول أهـل الكتاب قد قرب مبعث هـذا النبي – صلى الله عليه وسلم – الامي الذي يبعث بدين إبراهـيم فإذا ظهر اتبعناه وقتلناهـم معه شر قتلة فلما بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – كان منهم من آمن به ومنهم من كفر به فقال تعالى: {وكانوا من قبل يستفتحون}
[البقرة: 89]
أي يستنصرون بمحمد – صلى الله عليه وسلم – على الذين كفروا {فلما جاءهـم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}
[البقرة: 89]
ولهذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – في خطابه لاهـل الكتاب يقول لهم «والله الذي لا إله إلا هـو إنكم لتعلمون أني
رسول الله» وكذلك من أسلم منهم كعبد الله بن سلام كان يقول لغيره من أهـل الكتاب والله الذي لا إله إلا هـو إنكم لتعلمون أنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهـذا أمر معروف في الاحاديث الصحاح المخرجة في الصحيحين وغيرهـما فظهر بما ذكرناه تحريف هـؤلاء لكلام الله وأنه لا حجة لهم فيما أنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم – ; كما تقدم نظائر ذلك. ” الجواب الصحيح ” ((2) / (367))
(5) ـايمان المشركين بوجود الله تعالى لا يعني الإيمان بقدرته وعلمه ونحو ذلك من صفات كماله وجلاله، وهكذا كان إيمان مشركي العرب، كما قال تعالى: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف: 106]. فهم وإن أقروا بأن الله تعالى هو خالق الكون إلا إنهم يجهلون صفاته وينكرون كمال قدرته وشمول علمه، فعن ابن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفر: قرشيان وثقفي، أو ثقفيان وقرشي، قليل فقه قلوبهم، كثير شحم بطونهم، فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟ وقال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا! وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا فهو يسمع إذا أخفينا. فأنزل الله عز وجل: (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم .. ) الآية. رواه البخاري ومسلم. ومن جنس ذلك أنهم كانوا ينكرون قدرة الله على بعثهم بعد موتهم.
قال الدكتور عمر الأشقر في (القيامة الكبرى):يمكننا أن نصنف المكذبين بالبعث والنشور إلى ثلاثة أصناف: ـ الأول: الملاحدة الذين أنكروا وجود الخالق، ومن هؤلاء كثير من الفلاسفة الدهرية الطبائعية، ومنهم الشيوعيون في عصرنا … . ـ الثاني: الذين يعترفون بوجود الخالق، ولكنهم يكذبون بالبعث والنشور، ومن هؤلاء العرب الذين قال الله فيهم: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) [لقمان: 25] وهم القائلون فيما حكاه الله عنهم: (وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا أئنا لمخرجون – لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين) [النمل: 67 – 68] وهؤلاء يدعون أنهم يؤمنون بالله، ولكنهم يدعون أن قدرة الله عاجزة عن إحيائهم بعد إماتتهم، وهؤلاء هم الذين ضرب الله لهم الأمثال، وساق لهم الحجج والبراهين لبيان قدرته على البعث والنشور، وأنه لا يعجزه شيء. ومن هؤلاء طائفة من اليهود يسمون بالصادوقيين، يزعمون أنهم لا يؤمنون إلا بتوراة موسى، وهم يكذبون بالبعث والنشور والجنة والنار. الثالث: الذين يؤمنون بالمعاد على غير الصفة التي جاءت بها الشرائع السماوية اهـ.