44 جامع الأجوبة الفقهية ص81
بإشراف واختصار سعيد الجابري وسيف بن دورة الكعبي
مسألة 1: حكم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة.
مسألة 2: اتخاذ الآنية من الذهب والفضة دون استعمال
ممن شارك أحمد بن علي وسيف بن غدير النعيمي ورامي وعبدالحميد، وخميس العميمي.
—-‘——‘——-‘——‘—–
♢-جواب سيف بن غدير النعيمي وذكر رامي بعض الأدلة :
بوب الإمام البخاري في صحيحه بابين بعنوان: [بَاب الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ][بَاب آنِيَةِ الْفِضَّةِ] وذكر تحت البابين أحاديث تدل على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة، ومنها:
حديث حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: “َإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا عَنْ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَقَالَ هُنَّ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَهِيَ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ”.
وحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها، قالت: “إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ”.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (..إِنَّ نَهْي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التَّحْرِيم حَتَّى يَقُوم دَلِيل الْإِبَاحَة.
قال الشوكاني: (وقد نقل الإجماع أيضا ابن المنذر على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة إلا عن معاوية بن قرة) ((نيل الأوطار)) (1/90)
وقال ابن عبد البَر: (أجمع العلماء على أنَّه لا يجوز لمسلمٍ أن يشرَب ولا يأكُل في آنية الفضَّة، وآنية الذَّهب عندهم كذلك أو أشد؛ لأنَّه قد جاء فيها مِثل ما جاء في آنية الفضَّة) ((الاستذكار)) (8/350).
وقال النوويُّ: (أجمع المسلمون على تحريم الأكل والشُّرب في إناء الذَّهب وإناء الفضَّة على الرَّجُل وعلى المرأة) ((شرح النووي على صحيح مسلم)) (14/29).
وقال أيضاً: (وهذان نصان في تحريم الأكل وإجماع من قبل داود حجة عليه قال أصحابنا أجمعت الأمة على تحريم الأكل والشرب وغيرهما من الإستعمال في إناء ذهب أو فضة إلا ما حكي عن داود وإلا قول الشافعي في القديم) ((المجموع)) (1/250)
وقال ابن تيمية: (كما في آنية الذهب والفضة فإنهم اتفقوا على أن استعمال ذلك حرام على الزوجين: الذكر والأنثى) ((مجموع الفتاوى)) (21/84).
وقال الشوكاني: (والحديث يدل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة أما الشرب فبالإجماع وأما الأكل فأجازه داود والحديث يرد عليه ولعله لم يبلغه) ((نيل الأوطار)) (1/90).
ويُلحق بها الملاعق والأكواب وغيرها؛ قال ابن باز: (فالذَّهب والفضَّة لا يجوز اتخاذهما أوانيَ، ولا الأكل ولا الشُّرب فيها، وهكذا الوضوء والغسل، هذا كلُّه محرَّم بنصِّ الحديث عن رسول الله عليه الصَّلاة والسَّلام، والواجب منْع بيعها حتى لا يستعملَها المسلم، وقد حرَّم الله عليه استعمالها، فلا تستعمل في الشراب ولا في الأكل ولا في غيرهما، ولا يجوز أن يُتَّخذ منها ملاعِق ولا أكواب للقهوة أو الشاي، كل هذا ممنوع؛ لأنَّها نوعٌ من الأواني).
((مجموع فتاوى ابن باز)) (6/378).
قال ابن حجر: (واختُلف في اتخاذ الأواني دون استعمالها كما تقدَّم، والأشهر المنع، وهو قول الجمهور، ورخَّصت فيه طائفة) ((فتح الباري)) (10/98).
قال ابن عبد البَر: (معلومٌ أنَّ مَن اتَّخذها لا يَسلم مِن بيعها أو استعمالها؛ لأنَّها ليست مأكولةً ولا مشروبة، فلا فائدةَ فيها غير استعماله، فكذلك لا يجوز اتِّخاذها عند جماعة الفقهاء وجمهور العلماء) ((الاستذكار)) (8/351).
قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا أنَّ كل إناءٍ ما لم يكن فضةً ولا ذهبًا ولا صُفرًا ولا نُحاسًا ولا رصاصًا ولا مغصوبًا، ولا إناء كتابيٍّ، ولا جلد ميتة ولا جلد ما لا يُؤكل لحمه وإن ذُكِّي، فإنَّ الوضوء منه والأكل والشرب جائز) ((مراتب الإجماع)) (1/23)،
وقد تعقَّبه ابن تيميَّة في حكاية الإجماع، وذلك في نوعٍ من الأواني لم يذكره ابن حزم وهي الأواني الثَّمينة، وفي ذلك قال ابن تيميَّة: (قلت: الآنية الثَّمينة التي تكون أغلى من الذَّهب والفضَّة – كالياقوت ونحوه – فيها قولان للشافعي، وفي مذهب مالك قولان)
((نقد مراتب الإجماع)) (ص: 289).
وقال ابن حجر: (يرِد عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النَّفيسة، وغالبها أنفس وأكثر قيمةً من الذهب والفضَّة ولم يمنعها إلَّا من شذَّ، وقد نقل ابنُ الصبَّاغ في الشامل الإجماعَ على الجواز، وتبِعه الرافعيُّ ومَن بعده، لكن في زوائد العمراني عن صاحب الفروع نقل وجهين).
((فتح الباري)) (10/98).
[١استعمال آنية الذهب والفضة ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول :الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وهذه المسألة نقل بعض أهل العلم الإجماع على التحريم ولكن المسألة فيها خلاف ولا شك أن القول الراجح هو التحريم وهذا قول جماهير العلماء منهم الأئمة الأربعة ويدل لذلك ما جاء في الصحيحين عن حذيفة –
وكذلك حديث عن أم سلمة – رضي الله عنها –
القسم الثاني : استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب .
كالقلم والساعة والجوال والمغاسل والنظارة والمبخرة و إناء الوضوء وأدوات المكتب وغيرها فهذه فيها خلاف على ثلاثة أقوال :
القول الأول : التحريم وهو قول الأئمة الأربعة .
القول الثاني :الكراهة وهو قول عند الحنابلة.
♢قلت : (سعيد ) وهو اختيار أبي الحسن التميمي من الحنابلة. قال: إذا اتخذ مسعطا، أو قنديلا، أو نعلين، أو مجمرة، أو مدخنة، ذهبا أو فضة كره ولم يحرم. اه (الفروع ١/ ٩٧)
القول الثالث :الجواز وهو قول القرطبي والصنعاني والشوكاني.
♢قلت : (سعيد ) القرطبي لم يقل بالإباحة كما نقل عنه الحافظ في الفتح والمباركفوري في تحفة الأحوذي قال : قال القرطبي وغيره في الحديث تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب ويلحق بهما ما في معناهما مثل التطيب والتكحل وسائر وجوه الإستعمالات وبهذا قال جمهور العلماء سلفاً وخلفاً. وروي عن بعض السلف إباحة ذلك وهو خلاف شاذ مطرح للأحاديث الصحيحة الكثيرة في الباب. انتهى كلام القرطبي نقلناه من المفهم
قلت( سيف بن دورة الكعبي ) أظن الباحث يريد داود الظاهري فأخطأ وكتب القرطبي. ثم أقر سيف بن غدير بخطأه في متابعته للباحث ونقل كذلك المنع عن القرطبي صاحب التفسير.
استدل الجمهور على التحريم بقولهم : إن الله عز وجل حرم الأكل والشرب لأنه نوع من الإستعمال وذكر الأكل والشرب لا يدل على التخصيص وإنما خرج مخرج الغالب ونظيره قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [سورة النساء 10] فذكر الله عز وجل الأكل مع أن المحرم أعم من ذلك.
وقد نقل ابن عبد البر والنووي وغيرهما الإجماع على ذلك .
وأما أدلة من قال بأن التحريم خاص بالأكل والشرب فقالوا : إن الأدلة نصت على الأكل والشرب ويبقى ما عداهما على الأصل وقالوا : لو كانت الآنية محرمة مطلقا لأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بتكسيرها كما أمر علياً – رضي الله عنه – أن لا يدع صورة إلا طمسها.
القسم الثالث : اتخاذ الذهب والفضة.
والفرق بين الاتخاذ والاستعمال : أن الاتخاذ / هو الاقتناء للزينة دون الانتفاع به أو استعماله عند الضرورة والحاجة.
وأما الاستعمال / فهو التلبس بالمنفعة .
وهذه المسألة – أي اتخاذ الذهب والفضة – فيها خلاف على ثلاثة أقوال :
القول الأول : قالوا بالتحريم وهو قول الجمهور .
القول الثاني : قالوا بالجواز وهو مذهب الحنفية.
القول الثالث : قالوا بالكراهة.
استدل أصحاب القول الأول بأدلة تحريم الاستعمال وعندهم قاعدة : ” ما حرم استعماله حرم اتخاذه “.
وأنَّ الاتخاذ ذريعةٌ إلى الاستعمال، وسدُّ الذَّريعة واجب .
و أنَّ العِلَّة في تحريم الاستعمال هو السَّرَف والخُيلاء، وهي موجودةٌ في الاتخاذ والاقتناء.
ومن قال بالجواز استدل بأدلة من قال بجواز الاستعمال .
قال صاحبنا أحمد بن علي :
نقل القاضي عياض في إِكمَالُ المُعْلِمِ بفَوَائِدِ مُسْلِم:
كتاب اللباس والزينة
أن النهي عن ذلك؛ لأنه من السرف والتشبه بفعل الأعاجم، والمذهب عندنا: كراهية الشرب فى إناء مضبب بالفضة، كما كره أن ينظر فى المرآة فيها حلقة فضة، قال عبد الوهاب : ويجوز استعمال المضبب إذا كان يسيرا.اهـ
قال ابن العربي في المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك:
المسألة السادسة :
وأما آنية الذهب والفضة، فلا يجوز استعمالهما، وقال عبد الوهاب: لا يجوز اتخاذهما ، وقال ابن الجلاب: اقتناؤهما حرام ، وقال الشافعي : يجوز اتخاذهما ولا يجوز استعمالهما، ومسائل أصحابنا تقتضي ذلك؛ لأنهم يجيزون بيع آنية الذهب والفضة في غير ما مسألة من “المدونة” ولو لم يجز اتخاذها لفسخ البيع.
واستدل عبد الوهاب بأن ما لا يجوز استعماله لا يجوز اتخاذه كالخمر والخنزير.اهـ
♢-قلت( سيف بن دورة الكعبي ) قال العثيمين في الشرح الممتع : والصحيح أن الاتخاذ، والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شئ مخصوص، وهو الأكل والشرب…
ويدل أن أم سلمة وهي راوية حديث الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم. كان عندها جلجل من فضة جعلت فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الناس يستشفون بها فيشفون بإذن الله، وهذا في صحيح البخاري، وهذا الاستعمال في غير الأكل والشرب. انتهى
قال صاحبنا خميس العميمي عن ابن عثيمين في بعض أجوبته : أن علة الترف أبلغ في الأكل والشرب منها في حاجات تخفى على كثير من الناس، وفهم أم سلمة مقدم على غيرها حيث اتخذت الجلجل ثم النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بكسر شئ منها، وكون العلة أنها للكفار في الدنيا لا تقتضي جوازه لهم إنما هو للتسلية للمؤمنين ، ثم ليس كل شئ لهم يحرم علينا فنقتصر على ما ذكره النص وهو الأكل والشرب. انتهى بمعناه.
قال الشوكاني : والقياس على الأكل والشرب قياس مع الفارق وأما حكاية النووي للإجماع فلا تتم مع مخالفة داود والشافعي، وبعض أصحابه.
والحاصل أن الأصل الحل… ولاسيما وقد أيد هذا الأصل حديث( ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها لعباً )أخرجه أحمد وابوداود 4236 ثم ذكر اتخاذ ام سلمة للجلجل.
قلت( سيف بن دورة الكعبي ) حديث ولكن عليكم بالفضة، فالعبوا بها لعباً ) ضعفه الشيخ مقبل بأسيد؛ لأنه مجهول حال.
وبوب أبوداود باب ما جاء في ربط الأسنان بالذهب وذكر حديث عرفجة( وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخذ أنفا من ذهب )وهو حديث حسن
وكذلك الصنعاني قال : والحق ما ذهب إليه القائل بعدم تحريم غير الأكل والشرب فيهما إذ هو ثابت بالنص ودعوى الإجماع غير صحيحة… أه
قلت( سيف بن دورة الكعبي ): والأحوط عدم استعمالها إلا ما استثناه الشرع كالحلي للنساء وخاتم الفضة للرجال، وإلا ما كان لحاجة كضبة القدح وإذا احتاج لربط سن. وسيأتي إن شاءالله بحث هذه المسائل.
وراجع البحر الرائق لابن نجيم الحنفي حيث اعتبر الأكل والتطيب في الذهب والفضة كالشرب لأنه تشبه بالمترفين. وكذلك البهوتي الحنبلي منع الاستعمال.
وجاء في “فتاوى اللجنة الدائمة” (24/ 75):
” لم يثبت فيما نعلم النهي عن استعمالهما – الذهب والفضة – في غير الأواني واللباس وخواتم الذهب للرجال؛ فكان استعمال الأقلام المحلاة بالذهب في الكتابة محل نظر واجتهاد، والأقرب تحريم استعمالها؛ لأنه مظنة السرف والخيلاء، ومظهر من مظاهر الكبر، فوجب إلحاقها بأواني الذهب والفضة في تحريم الاستعمال بجامع العلة المذكورة ” انتهى باختصار.
” فتاوى اللجنة الدائمة ” (24/ 75).
وبه أفتى ابن باز والفوزان. لذا منع بعض العلماء استعمال الجوالات المطلية بالذهب بعداً عن الشبهه. وفعل أم سلمة لا يدل على الجواز؛ لأنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.
—–‘—-‘—–‘—–‘—–
♢-جواب احمد بن علي:
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :
السؤال الأول من الفتوى رقم (20848)
س1: ما حكم استخدام الأكواب التي تكون مطلية بالذهب عند حواف الشرب؟ حيث إننا اشترينا صندوقا منها وعندما فتحنا الصندوق وجدنا مكتوبا عليه: (مطلي بالذهب عند حوافه) والجزء المطلي سطر بسيط يكاد لا يرى وهي رخيصة الثمن جدا.
ج1: لا يحوز اتخاذ الأواني المصنوعة من الذهب أو الفضة أو الأواني المطلية أو المطلي بعضها بالذهب أو الفضة؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم » رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة » رواه البخاري ومسلم، والمموه بالذهب والفضة يدخل في ذلك؛ لأن فيه استعمالا للذهب والفضة في الأكل والشرب، فإذا ثبت أن الأكواب المذكورة مذهبة فلا يجوز استعمالها.انتهى برئاسة عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
——–‘———‘———‘——–
♢-جواب سعيد الجابري :
قال صاحب الموسوعة الفقهية الكويتية: فإن استعمال الذهب والفضة حرام في مذاهب الأئمة الأربعة. والعلة في تحريم الشرب فيها ما يتضمنه ذلك من الفخر وكسر قلوب الفقراء.
والنهي وإن كان عن الأكل والشرب، فإن العلة موجودة في الطهارة منها واستعمالها كيفما كان.
وإذا حرم الاستعمال في غير العبادة ففيها أولى، وفي المذهب القديم للشافعي أنه مكروه تنزيها.
فإن توضأ منها أو اغتسل، صحت طهارته عند الحنفية والمالكية والشافعية وأكثر الحنابلة؛ لأن فعل الطهارة وماءها لا يتعلق بشيء من ذلك، كالطهارة في الأرض المغصوبة.
وذهب بعض الحنابلة إلى عدم صحة الطهارة؛ لأنه استعمل المحرم في العبادة، فلم يصح كالصلاة في الدار المغصوبة. والتحريم عام للرجال والنساء.
وقال ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين: وقوله: الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم، وهذا التحريم لا يختص بالأكل والشرب، بل يعم سائر وجوه الانتفاع، فلا يحل له أن يغتسل بها، ولا يتوضأ بها، ولا يدهن فيها، ولا يكتحل منها، وهذا أمر لا يشك فيه عالم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية شرح عمدة الفقه:
فنهى صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب لأنهما أغلب الأفعال وفي التطهير منها والاستمداد والاكتحال والاستصباح ونحو ذلك لأن ذلك مظنة السرف باستعمال النقدين في غير ما خلقا له والله لا يحب المسرفين، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما، ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء والله لا يحب كل مختال فخور.
قلت : وقد أجاز الأمير اليماني والقاضي الشوكاني استعمال الأواني من الفضة في غير الأكل والشرب كالتطيب والتكحل وغير ذلك قال الأمير في السبل الحديث دليل على تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة وصحافهما سواء أكان الإناء خالصا ذهبا أو مخلوطا بالفضة. (تحفة الأحوذي)
وجاء في السلسلة الصحيحة ٣٨٤ – قوله صلى الله عليه وسلم: من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم
يشربه في الآخرة ومن شرب في آنية الذهب والفضة في الدنيا لم يشرب بها في
الآخرة ثم قال: لباس أهل الجنة وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة .
(أخرجه الحاكم )
♢-قال الشيخ الألباني تعليقا على هذا الحديث : واعلم أن الأحاديث في تحريم لبس الحرير، وشرب الخمر، والشرب في أواني الذهب والفضة، هي أكثر من أن تحصر، وإنما أحببت أن أخص هذا بالذكر لأنه جمع الكلام على هذه الأمور الثلاثة، وساقها مساقا واحدا، ثم ختمها بقوله : لباس
أهل الجنة …، الذي يظهر أنه خرج مخرج التعليل، يعني أن الله تعالى حرم لباس الحرير (على الرجال خاصة) لأنه لباسهم في الجنة كما قال تعالى: (ولباسهم فيها حرير) ، وحرم الخمر على الرجال والنساء لأنه شرابهم في الجنة (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين) ، وحرم الشرب في آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء أيضا لأنها آنيتهم (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون. يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب) فمن استعجل التمتع بذلك غير مبال ولا تائب عوقب بحرمانها منها في الآخرة جزاء وفاقا.
انتهى كلامه.