44 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
44 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٣ ص ١٢٠): حدثنا وكيع حدثنا شعبة عن عتاب(١) مولى ابن هرمز قال سمعت أنس بن مالك قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على السمع والطاعة فقال «فيما استطعتم».
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيحٌ رجاله رجال الصحيح، إلا عتابًا مولى ابن هرمز وقد وثَّقه ابن معين، وقال أبوحاتم: شيخ، كما في “تهذيب التهذيب”.
والحديث أخرجه ابن ماجه في كتاب الجهاد من “سننه” عن علي بن محمد، عن وكيع به، كما في “تحفة الأشراف”.
___
(١) في الأصل: غياث، والصواب ما أثبتناه.
————————–
*أولاً: دراسة الحديث رواية:*
* حديث أنس رضي الله عنه صححه الشيخ الألباني في سنن ابن ماجه 2868.
* قال محققو سنن ابن ماجه (4/125): صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل عتاب مولى هرمز، وقد توبع، وأخرجه الطيالسي (2083)، وأحمد (12203)، وأبو عوانة 4/ 352، وأبو القاسم في “الجعديات” (1531) من طريق شعبة، بهذا الإسناد، وأخرجه أحمد (13264)، والبخاري في “تاريخه” 2/ 200 من طريق شعبة أيضًا عن جعفر بن معبد، عن أنس.
* قال محقق مسند أبي يعلى 4327 عن حديث أنس: إسناده صحيح.
* في رواية في مسند أحمد 14025 فَسَمِعْتُ أَنَسًا، قَالَ: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُلَقِّنُنَا هُوَ: ” فِيمَا اسْتَطَعْتُم ” قال محققو المسند حديث صحيح، وهذا إسناد محتمل للتحسين، جعفر بن معبد روى عنه اثنان، وقال أبو حاتم: صالح، وذكره ابن حبان في “الثقات “.
* وجاء في مصنف عبدالرزاق 9822 قال: أخبرنا الثوري، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايعنا على السمع والطاعة، ثم يلقننا: «فيما استطعتم».
* جاء في صحيح البخاري 7202 ومسلم 1867 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، يَقُولُ لَنَا: «فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ».
* وجاء في البخاري أيضاً 7204 ومسلم 99 عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَلَقَّنَنِي: «فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ».
*ثانياً: دراسة الحديث درايةً:*
* بوب البخاري على حديث ابن عمر بَابٌ: كَيْفَ يُبَايِعُ الإِمَامُ النَّاسَ وبوب النووي عليه باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع.
* وبوب النسائي عليه الْبَيْعَةُ فِيمَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ.
* وابن حبان في صحيحه 4548 بوب عليه باب ذكر وصف السبب الذي تقع البيعة في السمع والطاعة اللذين وصفناهما.
وأورد الحديث في موضع آخر 4557 وجعل هذا الحديث المخصص الأول لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني ومن عصى الأمير فقد عصاني ) فبعد أن أورد حديث أبي هريرة قال: ذكر أحد التخصيصين الذي يخص عموم الخطاب الذي في خبر أبي هريرة. ثم أورد حديث ابن عمر رضي الله عنهما الذي فيه تقييد السمع والطاعة بالاستطاعة، ثم قال: ذكر التخصيص الثاني الذي يخص عموم الخطاب الذي ذكرناه قبل وأورد حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ( من أمركم بمعصية فلا تطيعوه) وفيه قصة، وحسّن إسناده الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان، ثم قال ابن حبان في آخر هذا الباب: ” وَتُطِيعُوا لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ لَفْظُهُ عَامٌ لَهُ تَخْصِيصَانِ، أَحَدُهُمَا: أن يؤمر المرء بما له فِيهِ رِضًى، وَالثَّانِي: إِذَا أُمِرَ مَا اسْتَطَاعَ دون ما لا يستطيع” صحيح ابن حبان (10/425).
* بوب النووي على حديث ابن عمر في رياض الصالحين باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية.
* بوب أبو بكر بن الخلال في كتابه السنة (1/97) بَابٌ فِي جَامِعِ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِلرَّعِيَّةِ.
* ينظر الأجوبة المفيدة في مسائل العقيدة في مجموعة السلام (4/195) عن وجوب السمع والطاعة لولاة الأمور والأدلة على ذلك.
* قال الخطابي في معالم السنن (3/ 6): فيه دليل على أن حكم الإكراه ساقط غير لازم لأنه ليس مما يستطاع دفعه.
* قال ابن عبدالبر في الاستذكار (8/543): أما قوله صلى الله عليه وسلم فيما استطعتم وقول بن عمر – (رضي الله عنهما) عن نفسه في بيعته لعبد الملك فيما استطعت وذلك كله مقيد بقول الله – عز وجل – (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) البقرة 268 وقوله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) التغابن 16
وأصل البيعة حديث عبادة
حدثني سعيد بن نصر وأحمد بن محمد قالا حدثنا وهب بن مسرة وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الله بن إدريس عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول الحق أينما كنا وعلى أن لا نخاف في الله لومة لائم
قال أبو عمر فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أشار إليها عبد الله بن عمر في كتابه إلى عبد الملك بن مروان في قوله وأقر لك بالسمع والطاعة على سنة الله ورسوله فيما استطعت
وعلى هذا كانت بيعة الخلفاء بعده صلى الله عليه وسلم وقد ذكرنا كثيرا من معاني البيعة عند ذكرنا حديث عبادة هذا في كتاب الجهاد من هذا الكتاب لرواية مالك له هناك عن يحيى بن سعيد وذكرنا أكثر من ذلك في كتاب التمهيد في باب عبد الله بن دينار وباب محمد بن المنكدر.ا.ه
* قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ (7/307): كان النبي – صلى الله عليه وسلم – «يقول لهم: فيما استطعتم» يريد من السمع والطاعة وذلك – والله أعلم – لقول الله سبحانه وتعالى {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا} [التغابن: 16] وأنه قد يقع من المكلف ما لا يقدر على التحرز منه من الخطأ والنسيان قال الله عز وجل {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}[البقرة: 286] .
* قال القرطبي في المفهم (12/95): قوله صلى الله عليه وسلم للمبايعين : (( فيما استطعتم )) ؛ رفع لما يخاف من التحرج ؛ بسبب مخالفة تقع غلطا، أو سهوا، أو غلبة. فإن ذلك غير مؤاخذ به . ولا يفهم من هذا تسويغ المخالفة فيما يشق ويثقل ؛ مما يأمر به الإمام فإنه قد نص في الأحاديث المتقدمة على خلافه ، حيث قال : (( على المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ؛ في المنشط والمكره ، والعسر واليسر )). وقال : (( فاسمع وأطع ، وإن ضرب ظهرك ، وأخذ مالك )) ، ولا مشقة أكثر من هذه .
* قال النووي في شرح مسلم (13/11): هكذا هو في جميع النسخ فيما استطعت أي قل فيما استطعت وهذا من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحدهم فيما استطعت لئلا يدخل في عموم بيعة مالا يطيقه وفيه أنه إذا رأى الإنسان من يلتزم مالا يطيقه ينبغي أن يقول له لا تلتزم مالا تطيق فيترك بعضه وهو من نحو قوله صلى الله عليه وسلم عليكم من الأعمال ما تطيقون).
* قال ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح (29/ 187): ” وأعلم – عليه السلام – أمته بقوله: “أنا على عهدك ووعدك ما استطعت”. أن أحدا لا يقدر على الإتيان بجميع ما امتن الله عليه، ولا الوفاء بكمال الطاعات، والشكر على النعم، إذ نعمه تعالى كثيرة ولا يحاط بها، ألا ترى قوله: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} [لقمان: 20] فمن يقدر مع هذا أن يؤدي شكر النعم الظاهرة، فكيف الباطنة! لكن قد رفق الله بعباده فلم يكلفهم من ذلك إلا وسعهم، وتجاوز عما فوق ذلك، وكان – عليه السلام – يمتثل هذا المعنى في مبايعته للمؤمنين فيقول: “أنا معكم على السمع والطاعة فيما استطعتم”.
وقال ابن التين: يريد: أنا على ما عهدتك عليه، وأوعدتك من الإيمان بك، وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك. وقد يكون معناه: إني مقيم على ما عهدت إلي من أمرك، ومتمسك بك ومنتجز وعدك في المثوبة والأجر عليه. واشتراطه في ذلك الاستطاعة معناه: الاعتراف بالعجز والقصور عن كنه الواجب من حقه تعالى، (ثم قال: قاله أبو سليمان -يعني الخطابي)ا.ه
* قال ابن حجر في فتح الباري (13/ 194): الحديث الثالث حديث بن عمر في البيعة على السمع والطاعة وفيه يقول لنا فيما استطعتم ووقع في رواية المستملي والسرخسي (فيما استطعت) بالافراد والأول هو الذي في الموطأ وهو يقيد ما أطلق في الحديثين قبله.
* قال القسطلاني في إرشاد الساري (10/262): ” (قال: كنا إذا بايعنا) بسكون العين (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على السمع) للأوامر والنواهي (والطاعة) للحاكم يقول لنا أي للمبايع منا (فيما استطعت) وهذا من شفقته ورحمته بنا جزاه الله عنا أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته”.
* قال الطيبي في الكاشف عن حقائق السنن (8/2560): في جميع نسخ مسلم ((فيما استطعت)) على التكلم أي: قل: فيما استطعت تلقيناً لهم، وهذا من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم ورأفته بأمته يلقنهم أن يقول أحدهم فيما استطعت؛ لئلا يدخل في عموم بيعته ما لا يطيقه.
* قال السندي في حاشيته على مسند أحمد (11/406): قوله (فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ) ظاهره: أنه لولا التقييد للزم في المستطاع وغيره، فأرشدهم إلى التقييد، إلا أن يقال: هذا بيان الواقع، وأن للطاعة بقدر الطاقة، قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} |البقرة: 286| والله تعالى أعلم.
* قال الشيخ ابن سعدي في بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار ط الرشد (ص: 132)
الحديث السادس والخمسون: لا طاعة إلاّ في المعروف.
عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيةٍ. إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ” متفق عليه.
هذا الحديث: قيد في كل من تجب طاعته من الولاة، والوالدين، والزوج، وغيرهم. فإن الشارع أمر بطاعة هؤلاء.
وكل منهم طاعته فيما يناسب حاله وكلها بالمعروف. فإن الشارع ردّ الناس في كثير مما أمرهم به إلى العرف والعادة، كالبر والصلة، والعدل والإحسان العام. فكذلك طاعة من تجب طاعته.
وكلها تقيد بهذا القيد، وأن من أمر منهم بمعصية الله بفعل محرم، أو ترك واجب: فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، فإذا أمر أحدهم بقتل معصوم أو ضربه، أو أخذ ماله، أو بترك حج واجب، أو عبادة واجبة، أو بقطيعة من تجب صلته: فلا طاعة لهم، وتقدم طاعة الله على طاعة الخلق.
ويفهم من هذا الحديث، أنه إذا تعارضت طاعة هؤلاء الواجبة، ونافلة من النوافل، فإن طاعتهم تقدم؛ لأن ترك النفل ليس بمعصية، فإذا نهى زوجته عن صيام النفل، أو حج النفل، أو أمر الوالي بأمر من أمور السياسة يستلزم ترك مستحب، وجب تقديم الواجب.
وقوله صلّى الله عليه وسلم: “إنما الطاعة في المعروف” كما أنه يتناول ما ذكرنا، فإنه يتناول أيضاً تعليق ذلك بالقدرة والاستطاعة، كما تعلق الواجبات بأصل الشرع.
وفي الحديث “عليكم السمع والطاعة فيما استطعتم” والله أعلم.
* مقتطفات من شرح ابن عثيمين على رياض الصالحين :
قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين:
80- باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59) . وذكر أحاديث سبقت ومما ذكر أيضا :
3/665- وعنه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من خلع يدا من طاعةٍ؛ لقي الله يوم القيامة ولا حُجة لهُ، ومن مات وليس في عُنقه بيعةٌ مات ميتة جاهلية)) رواه مسلم.
وفي رواية له: ((ومن مات وهو مفارقٌ للجماعة فإنه يموت ميتة جاهلية)) ((الميتة)) بكسر الميم.
قال ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين:
ولاة الأمور، ذكر أهل العلم أنهم قسمان: العلماء والأمراء.
أما العلماء فهم ولاة أمور المسلمين في بيان الشرع، وتعليم الشرع، وأما الأمراء فهم ولاة الأمور في ضبط الأمن وحماية الشريعة وإلزام الناس بها .
والأصل: العلماء؛ لأن العلماء هم الذين يبينون الشرع ويقولون للأمراء هذا شرع الله فاعملوا به، ويلزمُ الأمراءُ بذلك . و طاعة الله ورسوله مستقلة فلهذا أعاد في الآية الفعل ، أما طاعة ولاة الأمور فإنها تابعة ليست مستقلة.
طاعة ولي الأمر في الأنظمة التي يضعها :
ومن ذلك مثلاً أنظمة المرور؛ أنظمة المرور هذه مما نظمه ولي الأمر، وليس فيها معصية، فإذا خالفها الإنسان فهو عاصٍ وآثم، مثلاً السير على اليسار، والسير على اليمين، والسير في الاتجاه الفلاني، وفي السير يجب أن يقف إذا كانت الإشارة حمراء وما أشبه ذلك .
وهكذا أيضاً الأنظمة في الإمارة، والأنظمة في القضاء، وكل الأنظمة التي لا تخالف الشرع؛ فإنه يجب علينا أن نطيع ولاة الأمور فيها، وإلا أصبحت المسألة فوضى، وكل إنسان له رأي، وكل إنسان يحكم بما يريد، وأصبح ولاة الأمور لا قيمة لهم .
ثم أشد من ذلك من لا يعتقد للإمام بيعة؛ من يقول: أنا ما بايعت الإمام، ولا له بيعة علىّ؛ لأن مضمون هذا الكلام أنه لا سمع له ولا طاعة له ولا ولاية، وهذا أيضاً من الأمر المنكر العظيم؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر أن من مات من غير بيعة وليس له إمام؛ فإنه يموت ميتة جاهلية، يعني ليست ميتة إسلامية؛ بل ميتة أهل الجهل والعياذ بالله، وسيجد جزاءه عند الله عزّ وجل.
فإذا قال مثلاً: أنا لن أبايع، قلنا: البيعة لا تكون في رعاع الناس وعوام الناس، إنما تكون لأهل الحل والعقد.
4/666- وعن أنس رضي الله عنهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا واطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كان رأسه زبيبة)) رواه البخاري.
5/667- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليك السمع والطاعةُ في عسرِك ويُسرك ومنشطك ومكرهك وأثرهٍ عليك)) رواهُ مسلم.
[الشَّرْحُ]
هذا من باب المبالغة في كون هذا العامل عبداً حبشياً أصلاً وفرعاً، هذا يشمل قوله: ((وإن استُعمل)) فيشمل الأمير الذي هو أمير السلطان، وكذلك السلطان.
فلو فُرض أن سلطاناً غلب الناس واستولى وسيطر وليس من العرب؛ بل كان عبداً حبشياً فإن علينا أن نسمع ونطيع؛ لأن العلة واحدة وهي أنه إن لم نسمع ونطع حصلت الفوضى، وزال النظام، وزال الأمن، وحل الخوف. فالمهم أن علينا أن نسمع ونطيع لولاة أمورنا إلا إذا أمروا بمعصية.
والسمع والطاعة لولاة الأمور في المنشط والمكره في المنشط: يعني في الأمر الذي إذا أمرك به نشطت عليه، لأنه يوافق هواك، وفي المكره: في الأمر الذي أمروك به لم تكن نشيطاً فيه؟؛ لأنك تكرهه، اسمع في هذا وهذا، وفي العسر واليسر، حتى إن كنت غنياً فأمروك فاسمع ولا تستكبر لأنك غني، وإذا كنت فقيراً فاسمع ولا تقل لا أسمع وهم أغنياء وأنا فقير.
اسمع وأطع في أي حال من الأحوال، حتى في الأثرة؛ يعني إذا استأثر ولاة الأمور على الشعب، فعليهم أيضاً السمع والطاعة في غير معصية الله عزَّ وجلَّ.
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه للأنصار رضي الله عنهم: ((إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض))
* * *
6/668- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ……ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليُطعهُ إن استطاع؛ فإن جاء آخرُ ينازعه، فاضربوا عنق الآخر)) رواهُ مسلم.
7/669- وعن أبي هنيدة وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله “، ارأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فأَعرضَ عنه، ثم سأله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليهم ما حُملوا، وعليكم ما حملتم)) رواهُ مسلم.
8/670- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه وسلم ((إنها ستكون بعدي أثرةٌ، وأمور تنكرونها!)) قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: ” تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم)) متفق عليه.
10/672- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتةً جاهلية)) متفقٌ عليه.
[الشَّرْحُ]
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف في كتابه رياض الصالحين في باب ((طاعة ولي الأمر)) فيها دليلٌ على أمور:
أولاً: حديث وائل بن حجر .
أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نؤدي لهم حقهم، وأن عليهم ما حُملوا وعلينا ما حُملنا، فنحن حُملنا السمع والطاعة، وهم حُمِّلوا أن يحكموا فينا بالعدل وألا يظلموا أحداً، وأن يقيموا حدود الله على عباده الله، وأن يقيموا شريعة الله في أرض الله، وأن يجاهدوا أعداء الله، هذا الذي يجب عليهم، فإن قاموا به؛ فهذا هو المطلوب، وإن لم يقوموا به فإننا لا نقول لهم: أنتم لم تؤدوا الحق الذي عليهم فلا نؤدي حقكم الذي لكم، هذا حرام، يجب أن نؤدي الحق الذي علينا، فنسمع ونطيع،
حتى أن الإمام أحمد رحمه الله يضربه السلطان، يضربه ويجره بالبغال، يُضرب بالسياط حتى يغمى عليه في الأسواق، وهو إمام أهل السنة رحمه الله ورضي عنه، ومع ذلك يدعو للسلطان ويسميه أمير المؤمنين، (( مات ميتة جاهلية)) يعني ليس ميتة الإسلام والعياذ بالله.
وهذا يحتمل معنيين:
الأول: يحتمل أنه يموت ميتة جاهلية بمعنى أنه يزاغ قلبه والعياذ بالله، حتى تكون هذه المعصية سبباً لردته.
الثاني: ويحتمل المعنى الآخر أنه يموت ميتة جاهلية؛ لأن أهل الجاهلية ليس لهم إمام وليس لهم أمير؛ بل لهم رؤساء وزعماء لكن ليس لهم ولاية كولاية الإسلام، فيكون هذا مات ميتة جاهلية.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في آخر كتاب العقيدة الواسطية- وهي عقيدة مختصرة ولكن حجمها كبير جداً في المعنى- ذكر أن من هدي أهل السنة والجماعة وطريقتهم، أنهم يدينون بالولاء لولاة الأمور، وأنهم يرون إقامة الحج والجهاد والأعياد والجمع مع الأمراء، أبراراً كانوا أو فجاراً، حتى لو كان ولي الأمر فاجراً فإن أهل السنة والجماعة يرون إقامة الجهاد معه وإقامة الحج وإقامة الجمع وإقامة الأعياد.
إلا إذا رأينا كفراً بواحاً صريحاً عندنا فيه من الله برهانٌ والعياذ بالله فهنا يجب علينا ما استطعنا أن نزيل هذا الحاكم، وأن نستبدله بخير منه، أما مجرد المعاصي والاستئثار وغيرها؛ فإن أهل السنة والجماعة يرون أن ولي الأمر له الولاية حتى مع هذه الأمور كلها، وأن له السمع والطاعة.
والشر ليس يُدفع بالشر؛ ادفع بالشر الخير، أما أن تدفع الشر بشر، فإن كان مثله فلا فائدة، وإن كان أشر منه كما هو الغالب في مثل هذه الأمور، فإن ذلك مفسدة كبيرة. نسأل الله أن يهدي ولاة أمورنا وأن يهدي رعيتنا لما يلزمها، وأن يوفق كلاًّ منهم لقيام بما يجب عليه.
* * *
11/673- وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: ((من أهان السلطان أهانهُ اللهُ)) رواه الترمذي. وقال: حديثٌ حسنٌ.
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح، وقد سبق بعضها في أبواب.
[الشَّرْحُ]. الذي يهين السلطان بنشر معايبه بين الناس وذمه والتشنيع عليه والتشهير به يكون عرضة لأن يهينه الله عزّ وجلّ؛ لأنه إذا أهان السلطان بمثل هذه الأمور؛ تمرد الناس عليه فعصوه، وحينئذٍ يكون هذا سبب شر فيهينه الله عزّ وجلّ.
ومن أعان السلطان أعانه الله .