439 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وسلطان الحمادي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد سيفي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
439 – قال أبو داود رحمه الله (ج 10 ص 225): حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد عن سعيد بن جمهان عن سفينة أبي عبد الرحمن: أن رج أضاف علي بن أبي طالب فصنع له طعاما فقالت فاطمة لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأكل معنا فدعوه فجاء فوضع يده على عضادتي الباب فرأى القرام قد ضرب به في ناحية البيت فرجع فقالت فاطمة لعلي الحقه فانظر ما رجعه فتبعته فقلت يا رسول الله ما ردك فقال «إنه ليس لي أو لنبي أن يدخل بيتا مزوقا».
هـذا حديث حسن.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج 2 ص 1115).
تحقيق ا لباني:
حسن ابن ماجة (3360)
قال محققو المسند:
إسناده حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح غير سعيد بن جُمهان -وهو أبو حفص البصري الأسلمي- فهو صدوق من رجال أصحاب السنن. إسحاق بن عيسى: هو ابن الطَّباع البغدادي.
وأخرجه الطبراني في “الكبير” (6441) من طريق العوام بن حوشب، عن سعيد بن جُمهان، به
[مسند أحمد 36/ 251 ط الرسالة]
وصححه صاحب أنيس الساري:3078
[أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري) 6/ 4356]
بوب عليه مقبل في الجامع:
(30) – الرجوع من الوليمة إذا رأى منكرا
(17) – لا يحضر وليمة فيها منكر
(5) – زهده في زخارف الدنيا
(22) – زهده في الدنيا
وفي سنن البيهقي الكبرى قال: المدعو يرى في الموضع صور ذات أرواح منصوبة فلا يدخل
قال ابن منظور:
زوق: الزَّاوُوق: الزِّئْبَق؛ قَالَ ابْنُ الْمُظَفَّرِ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَ الزِّئْبَق الزَّاووق، وَيَدْخُلُ الزِّئبَق فِي التَّصَاوِيرِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا لِكُلِّ مُزَيَّنٍ مُزَوَّق؛ الْجَوْهَرِيُّ: قَدْ يَقَعُ فِي التَّزاوِيق لأَنه يُجْعَل مَعَ الذَّهَبِ عَلَى الْحَدِيدَةِ، ثُمَّ يُدْخَل فِي النَّارِ فَيَذْهَبُ مِنْهُ الزِّئبَق وَيَبْقَى الذَّهَبُ، ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ مُنَقَّش مُزوَّق وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ الزِّئبَق. والمُزَوَّق: المزيَّن بِهِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى سُمِّيَ كُلُّ مُزَيَّنٍ بِشَيْءٍ مُزَوَّقاً. وَكَلَامٌ مُزَوَّق: مُحَسَّن؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَيْسَ لِي وَلِنَبِيٍّ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتًا مُزَوَّقاً
أَيْ مُزَيَّناً؛ قِيلَ: أَصْلُهُ مِنَ الزاوُوق وَهُوَ الزِّئبَق. وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ
قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: إِذَا رأيتَ قُرَيشاً قَدْ هَدَموا الْبَيْتَ ثُمَّ بَنَوْه فزَوَّقوه فَإِنِ اسْتَطعْتَ أَنْ تَمُوتَ فمُتْ
؛ كَرِهَ تَزْوِيقَ الْمَسَاجِدِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا أَوْ لشَغْلِها الْمُصَلِّيَ، وَجَمْعُ الزَّاوُوقُ زَوَق ….
[لسان العرب 10/ 150]
قال الطيبي:
: «ضاف علي بن أبي طالب» «مظ»: أي صنع طعامًا وأهدي لعلي بن أبي طالب رض الله عنه، وليس معناه أنه دعي عليًا إلي بيته. وعضادتي الباب خشبتان منصوبتان علي جنبيه، والقارم الستر. قال الخطابي: كان ذلك مزينًا منقشًا. وقيل: بل لم يكن منقشًا، ولكن ضرب مثل حجلة العروس ستر به الجدار؛ لأن فيه نوع رعونة تشبه أفعال الجبابرة، وفيه تصريح بأنه لا تجاب دعوة فيها منكر.
شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (7) / (2318) — الطيبي (ت (743))
قال ابن عبدالبر:
وَأَمَّا أَقَاوِيلُ الْفُقَهَاءِ وَمَذَاهِبُهُمْ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ الْإِجَابَةِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ إِذَا رَأَوْا فِي مَوْضِعِ الطَّعَامِ مُنْكَرًا أَوْ عَلِمُوهُ
فَقَالَ مَالِكٌ أَمَّا اللَّهْوُ الْخَفِيفُ مِثْلُ الدُّفِّ وَالْكَبَرِ فَلَا يَرْجِعُ لِأَنِّي أَرَاهُ خَفِيفًا
وَقَالَهُ بن الْقَاسِمِ
وَقَالَ أَصْبَغُ أَرَى أَنْ يَرْجِعَ
قَالَ وأخبرني بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِذِي الْهَيْئَةِ أَنْ يَحْضُرَ مَوْضِعًا فِيهِ لَعِبٌ
وَقَالَ الشافعي إذا كان في وليمة العرس مسكرا وخمرا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ نَهَاهُمْ فَإِنْ نَحَّوْا ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يُجِيبَ
قَالَ وَضَرْبُ الدُّفِّ فِي الْعُرْسِ لَا بَاسَ بِهِ وَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا حَضَرَ الْوَلِيمَةَ فَوَجَدَ فِيهَا اللَّعِبَ فَلَا بَاسَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَاكُلَ
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَخْرُجَ
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِذَا كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ الضَّرْبُ بِالْعُودِ وَاللَّهْوُ فَلَا يَنْبَغِي أن يشهدها
وروي أن الحسن وبن سِيرِينَ كَانَا فِي جِنَازَةٍ وَهُنَاكَ نَوْحٌ فَانْصَرَفَ بن سِيرِينَ فَقِيلَ لِلْحَسَنِ ذَلِكَ فَقَالَ إِنْ كُنَّا مَتَى رَأَيْنَا بَاطِلًا تَرَكْنَا لَهُ حَقًّا أَسْرَعَ ذَلِكَ فِي دِينِنَا
قَالَ أَبُو عُمَرَ مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَحُجَّتُهُ حَدِيثُ سَفِينَةَ وَمَا كَانَ مِثْلَهُ أَنَّ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ دَعَوَا رَسُولَ اللَّهِ لِطَعَامٍ صَنَعَاهُ لِضَيْفٍ نَزَلَ بِهِمَا فَأَتَاهُ فَرَأَى فِرَاشًا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَانْصَرَفَ وَقَالَ لَيْسَ لِي أَنْ أَدْخُلَ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ أَوْ قَالَ بَيْتًا مُزَوَّقًا
قَالُوا فَقَدِ امْتَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الدُّخُولِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كان مثله من المناكير
ورجع بن مَسْعُودٍ إِذْ دُعِيَ إِلَى بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ وَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَصَاوِيرُ»
ورجع أبو أيوب الأنصاري إذ دعاه ابن عُمَرَ فَرَأَى مِثْلَ ذَلِكَ.
الاستذكار (5) / (534) — ابن عبد البر (ت (463))
قال ابن قدامة:
فصل: إذا دُعىَ إلى وَلِيمةٍ، فيها مَعْصِيَةٌ، كالخمرِ، والزَّمْرِ، والعُودِ ونحوِه، وأمْكنَه الإِنكارُ، وإزالةُ المُنْكَرِ، لَزِمَه الحضورُ والإِنكارُ؛ لأنَّه يُؤدِّى فَرْضَيْنِ؛ إجابةَ أخيه المسلمِ، وإزالةَ المُنْكَرِ. وإِنْ لم يقدِرْ على الإِنكارِ، لم يحضُرْ. وإِنْ لم يعْلَمْ بالمُنْكَرِ حتى حضرَ، أزالَه، فإنْ لم يَقْدِرْ انْصَرفَ. ونحو هذا قال الشَّافعىُّ. وقال مالك: أمَّا اللَّهوُ الخَفِيفُ، كالدُّفِّ والكَبَرِ، فلا يرجعُ. وقالَه ابنُ القاسمِ. وقال أصْبَغُ: أرى أنْ يَرْجِعَ؛ وقال أبو حنيفةَ: إذا وجدَ اللَّعِبَ، فلا بأسَ أنْ يقْعُدَ فياكُلَ. وقال محمدُ بنُ الحسنِ: إنْ كان مِمَّن يُقتَدَى به، فأحَبُّ إلىَّ أنْ يَخْرُجَ. وقال اللَّيْثُ: إذا كان فيها الضَّربُ بالعُودِ، فلا ينْبَغِى له أنْ يشْهَدَها. والأصلُ فى هذا ما رَوى سَفِينَةُ …. “إنَّهُ لَيْسَ لِى أَنْ أَدْخُلَ بيتًا مُزَوَّقًا” حديثٌ حسنٌ. ورَوى أبو حفصٍ، بإسْناده. أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَقْعُدْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ”. وعن نافعٍ، قال: كنتُ أسيرُ معَ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ، فسَمِعَ زَمَّارَةَ راعٍ، فوضعَ أُصْبُعَيْهِ فى أُذْنَيْهِ، ثمَّ عدَلَ عن الطَّريقِ، فلم يزَلْ يقول: يا نافعُ، أتسمعُ؟ حتى قلتُ: لا. فأخرجَ أُصْبُعَيْهِ من أُذُنَيْهِ، ثم رجعَ إلى الطريقِ، ثم قال: هكذا رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صنَعَ. رَواه أبو داودَ، والخَلَّالُ. ولأنَّه يُشاهِدُ المُنْكَرَ ويسمعُه، مِن غيرِ حاجةٍ إلى ذلك، فمُنِعَ منه، كما لو قدَر على إزالتِه. ويُفارِقُ مَن له جار مقيمٌ على المنكرِ والزَّمْرِ، حيث يُباحُ له المُقَامُ، فإِنَّ تلك حالُ حاجةٍ؛ لما فى الخُروجِ مِن المنزلِ مِن الضَّررِ.
فصل: فإنْ رَأى نُقُوشًا، وصُوَرَ شَجَرٍ، ونحوَها، فلا بأسَ بذلك؛ لأنَّ تلك نقوشٌ، فهى كالعَلَمِ فى الثَّوبِ. وإِنْ كانت فيه صُوَرُ حَيَوانٍ، فى موضع يُوطَأُ أو يُتَّكَأُ عليها، كالتى فى البُسُطِ، والوَسائدِ، جازَ أيضًا. وإِنْ كانت على السُّتُورِ والحيطانِ، وما لا يُوطأُ، وأمكنَه حَطُّها، أو قطْعُ رُءوسِها، فعَلَ وجلَسَ، وإِنْ لم يُمْكِنْ ذلك، انصرفَ ولم يجلسْ؛ وعلى هذا أكثرُ أهلِ العلْمِ، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: هذا أعْدَلُ المذاهبِ. وحكاه عن سعدِ بنِ أبى وَقَّاصٍ، وسالمٍ، وعُروةَ، وابنِ سِيرينَ، وعَطاءٍ، وعِكْرِمَةَ بنِ خالدٍ، وعِكْرِمَةَ مولى ابنِ عباسٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ. وهو مذهبُ الشَّافعىِّ، وكان أبو هُرَيْرةَ يكرهُ التَّصَاويرَ، ما نُصِبَ منها وما بُسطَ. وكذلك مالكٌ، إلَّا أنَّه كان يكرهُها تَنَزُّهًا، ولا يراها مُحرَّمةً. ولعلَّهُم يذهبونَ إلى عُمومِ قولِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْمَلائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ”. مُتَّفَقٌ عليه. ورُوِىَ عن ابنِ مسعودٍ، أنَّه دُعىَ إلى طعامٍ، فلمَّا قيلَ له: إِنَّ فى البيتِ صُورةً. أبَى أَنْ يذهبَ حتى كُسِرتْ. ولَنا، ما رَوتْ عائشةُ، قالتْ: قَدِمَ النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم من سَفَرٍ، وقد سَتَرْتُ لِى سَهْوَةً بنَمَطٍ فيه تَصاويرُ، فلمَّا رآه قال: “أَتَسْتُرِينَ الخِدْرَ بِسِتْرٍ فِيه تصاويرُ؟ ” فَهَتَكَهُ. قالتْ: فجعلتُ منه مُنْتَبَذَتَيْنِ، كأنِّى أنْظُرُ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا على إِحداهُمَا. رَواه ابنُ عبدِ البَرِّ. ولأنَّها إذا كانتْ تُداسُ وتُبْتَذَلُ، لم تكُنْ مُعزَّزةً ولا مُعظَّمةً، فلا تُشْبِهُ الأصْنامَ التى تُعبدُ وتُتّخذُ آلهةَ، فلا تُكرَهُ. وما رَوَيناه أخصُّ ممَّا رَوَوه، وقد رُوى عن أبى طلحةَ.
أنَّه قيلَ له: ألم يقُلِ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: “لا تَدْخُل الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيْهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ”؟ قال: أَلَم تَسْمعْه قال: “إِلَّا رَقْمًا فى ثَوْبٍ”؟ مُتَّفَقٌ عليه. وهو مَحْمُولٌ على ما ذكَرناه مِن أَنَّ المُباحَ ما كان مَبْسُوطًا، والمَكْرُوهَ منه ما كان مُعلَّقًا، بدليلِ حديثِ عائشةَ.
فصل: فإنْ قَطَعَ رأسَ الصُّورةِ، ذهَبتِ الكَراهةُ. قال ابنُ عباسٍ: الصُّورةُ الرأسُ، فإذا قُطِعَ الرأسُ فليسَ بصورةٍ. وحُكىَ ذلك عن عِكْرمَةَ …
[المغني لابن قدامة 10/ 198]
قال ابن رجب:
ويشبه هذا ما خرجه النسائي من حديث ابن عباس، أن النبي اتخذ خاتما ولبسه، وقال: «شغلني هذا عنكم اليوم، له نظرة ولكم نظرة»، ثم ألقاه.
وخرج الترمذي في «كتاب العلل» بإسناد فيه ضعف، عن ابن عمر، أن
رسول الله جعل خاتمه في يمينه، ثم أنه نظر إليه وهو يصلي ويده على فخذه، فنزعه ولم يلبسه.
وقد روي هذا الحديث عن طاوس مرسلا، وفيه: أن هذا الخاتم كان من ذهب.
وهذا إنما كان النبي يفعله امتثالا لما أمره الله به؛ أن لا يمد عينيه إلى زهرة الحياة الدنيا، فكان يتباعد عنها بكل وجه، ولهذا قال: «مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال في ظل شجرة، ثم راح وتركها».
فكان حاله كله في مأكله ومشربه ولباسه ومساكنه حال مسافر، يقنع في مدة سفره بمثل زاد الراكب من الدنيا، ولا يلتفت إلى فضولها الفانية الشاغلة عن الآخرة، وخصوصا في حال عباداته ومناجاته لله، ووقوفه بين يديه واشتغاله بذكره، فإن ذلك كان هو قرة عينه. فكان يحذر من تلمُّحِ شيءٍ من متاع الحياة وزينتها الفانية في تلك الحال؛ فإنه ذلك الصفاء، فلذلك كان تباعده عنه غاية المباعدة. وهذا هو المعنى المشار إليه بقوله: «فإنه لا يزال تصاويره تعرض في صلاتي».
وفيه: دليل على أن المصلي لا ينبغي أن يترك بين يديه ما يشغله النظر إليه عن صلاته.
وفي «سنن أبي داود»، عن عثمان بن طلحة، أن النبي قال: «إني نسيت أن آمرك أن تخمر القرنين؛ فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي».
وخرجه الإمام أحمد من حديث أم عثمان بنت سفيان، أن النبي قال له في هذا الحديث: «أنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يلهي المصلين».
والمراد بالقرنين: قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل؛ فإنه ما كانا في الكعبة إلى أن أحرقا عند حريق البيت في زمن ابن الزبير.
وفي الحديث: دليل على جواز الصلاة في الكعبة.
وقد نص أحمد على كراهة أن يكون في القبلة شيء معلق من مصحف أو غيره.
وروي عن النخعي، قال: كانوا يكرهون ذلك.
وعن مجاهد، قال: لم يكن ابن عمر يدع شيئا بينه وبين القبلة إلا نزعه: سيفا ولا مصحفا.
ونص أحمد على كراهة الكتابة في القبلة لهذا المعنى، وكذا مذهب مالك.
وقد ذكر البخاري تعليقا عن عمر، أنه أمر ببناء المسجد، وقال: أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس. وسيأتي في موضعه – أن شاء الله تعالى.
ويستدل بحديث عائشة هذا على كراهة الصلاة إلى التصاوير المنصوبة؛ فإن في ذلك مشابهة للنصارى وعباد الأصنام المصلين لها، ولا يترك في المسجد صورة في بناء.
سئل الحسن عن ساجة في المسجد فيها تصاوير؟ قال: انجروه.
وتكره الصلاة في الكنائس التي فيها صور عند كثير من العلماء، وهو مروي عن عمر وابن عباس، وقول مالك وأحمد وغيرهما.
وأما الصلاة في ثوب فيه تصاوير ففيه قولان للعلماء، بناء على أنه: هل يجوز لبس ذلك أم لا؟
فرخص في لبسه جماعة، منهم أحمد في رواية الشالنجي، وكذلك قال أبو
خيثمة، وسليمان بن داود الهاشمي، واستدلوا بالحديث الذي جاء فيه: «إلا رقما في ثوب».
وقد خرجه البخاري في «كتاب: اللباس» من حديث أبي طلحة.
وخرجه الإمام أحمد، والنسائي، والترمذي وصححه من حديث أبي أيوب وسهل بن حنيف، عن النبي .
وكان كثير من السلف يلبس خاتما عليه صورة حيوان منقوشة في فصه.
وقالت طائفة: يكره ذلك، وهو قول مالك والثوري، وطائفة من أصحابنا.
وقالت طائفة: يحرم لبسه، وهو رواية عن أحمد، أختارها القاضي أبو يعلى
وغيره.
وروى وكيع في «كتابه» عن علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن عمران بن حطان، عن عائشة، قالت: كان النبي لا يرى في ثوب تصاوير إلا نقضه.
وقد خرجه البخاري في «كتابه» هذا عن طريق هشام، عن يحيى، ولفظه: لم يكن النبي يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه.
وظاهر تبويب البخاري يدل على كراهة الصلاة فيه استدلالا بقوله : «لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي». ولكن هذا لا ينافي فيما فيه تصاوير في موضع لا يقع بصره عليه في الصلاة.
وصرح أصحابنا بكراهة استصحابه في الصلاة، وسواء قلنا: يجوز لبسه أو لا.
ومذهب مالك: أنه لا يلبس خاتم فيه تماثيل، ولا يصلى به، ويلبس ثوب فيه تصاوير.
وأما الصلاة على بساط فيه تصاوير، فرخص فيه أكثر العلماء، ونص عليه أحمد وإسحاق؛ لأنهم أجازوا استعمال ما يوطأ عليه من الصور.
وكره ذلك طائفة قليلة، ومنهم: الجوزجاني، وروى عن الزهري.
وذكر ابن أبي عاصم في «كتاب اللباس» له: «باب: من قال: لا بأس بالصلاة على البساط إذا كان فيه صور: حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم: ثنا روح بن عبادة: ثنا شعبة، عن الشيباني، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة، قالت: كان النبي يصلي على الخمرة، وفيها تصاوير».
وهذا الحديث مخرج في «الصحيحين» من حديث شعبة بدون هذه الزيادة.
وسيأتي بسط هذه المسائل في موضعها من الكتاب – أن شاء الله تعالى.
وقد بوب البخاري في «كتاب: اللباس» على «كراهة الصلاة في التصاوير»، وأعاد فيه حديث عائشة الذي خرجه هاهنا، وظاهر ذلك يدل على أنه يكره الصلاة في ثوب فيه صورة، وعلى بساط عليه صورة؛ فإن ذلك كله يعرض للمصلي في صلاته.
وبوب هناك – أيضا – على الرخصة فيما يوطأ من الصورة، وعلى كراهة ذلك – أيضا -، فأشار إلى الاختلاف فيه.
فتح الباري لابن رجب (2) / (427) — ابن رجب الحنبلي (ت (795))
قال ابن حجر:
قَوْلُهُ (أُتِيَ النَّبِيُّ بَيْتَ فَاطِمَة فَلم يدْخل عَلَيْهَا) زَاد فِي روايةابن نُمَيْرٍ عَنْ فُضَيْلٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وبن حِبَّانَ؛ قَالَ وَقَلَّمَا كَانَ يَدْخُلُ إِلَّا بَدَأَ بِهَا، قَوْلُهُ (فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ) زَادَ فِي رِوَايَة بن نُمَيْرٍ فَجَاءَ عَلِيٌّ فَرَأَىهَا مُهْتَمَّةً، قَوْلُهُ (فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ ) فِي رِوَايَةِ الْأصيلِيّ فَذكره وَفِي رِوَايَة بن نُمَيْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَاطِمَةَ اشْتَدَّ عَلَيْهَا أَنَّكَ جِئْتَ فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (سِتْرًا مُوشِيًّا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بعْدهَا مُعْجمَة ثمَّ تَحْتَانِيَّة قَالَ بن التِّين أَصله موشيا فَالْتَقَى حَرْفَا عِلَّةٍ وَسُبِقَ الْأَوَّلُ بِالسُّكُونِ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْأُخْرَى وَكُسِرَتِ الْأُولَى لِأَجْلِ الَّتِي بَعْدَهَا فَصَارَ عَلَى وَزْنِ مَرْضِيٍّ وَمَطْلِيٍّ وَيَجُوزُ فِيهِ مُوشًى بِوَزْنِ مُوسَى وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْوَشْيُ خَلْطُ لَوْنٍ بِلَوْنٍ وَمِنْهُ وَشَى الثَّوْب إِذا رقمه ونقشه وَقَالَ بن الْجَوْزِيّ الْمُوشى المخطط بألوان شَتَّى قَوْله (مَالِي وللدنيا) زَاد بن نمير مَالِي وللمرقم أَيِ الْمَرْقُومِ وَالرَّقْمُ النَّقْشُ قَوْلُهُ (قَالَ تُرْسِلِي بِهِ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ تُرْسِلِي بِحَذْفِ النُّونِ وَهِيَ لُغَةٌ أَوْ يُقَدَّرُ أَنْ فَحُذِفَتْ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْأَكْثَرِ تُرْسِلُ بِضَمِّ اللَّامِ بِغَيْرِ يَاءٍ قَوْلُهُ (أَهْلِ بَيْتٍ بِهِمْ حَاجَةٌ) بِجَرِّ أَهْلٍ عَلَى الْبَدَلِ وَلَمْ أَعْرِفْهُمْ بَعْدُ.
وَفِي الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ دُخُولِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ مَا يكره وَأورد بن حِبَّانَ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثَ سَفِينَةَ فَقَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ يَدْخُلُ بَيْتًا مُزَوَّقًا وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ الْبَيَانَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ دُونَ غَيْرِهَا وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ إِلَّا إِنْ حَمْلَنَا التَّزْوِيقَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا يُصْنَعُ فِي نَفْسِ الْجِدَارِ أَوْ يُعَلَّقُ عَلَيْهِ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ كَرِهَ النَّبِيُّ لِابْنَتِهِ مَا كَرِهَ لِنَفْسِهِ مِنْ تَعْجِيلِ الطَّيِّبَاتِ فِي الدُّنْيَا لَا أَنَّ سَتْرَ الْبَابِ حَرَامٌ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ لَهَا لَمَّا سَأَلَتْهُ خَادِمًا أَلَا أَدُلُّكِ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَّمَهَا الذِّكْرَ عِنْدَ النَّوْم
فتح الباري لابن حجر (5) / (229) — ابن حجر العسقلاني (ت (852))
قال العيني:
وَفِيه كره النَّبِي، ، الْحَرِير لفاطمة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، لِأَنَّهَا مِمَّن يرغب لَهَا فِي الْآخِرَة وَلَا يرضى لَهَا بتعجيل طيباتها فِي حَيَاتهَا الدُّنْيَا وَأَن النَّهْي عَنهُ إِنَّمَا هُوَ من جِهَة الْإِسْرَاف قَالَ الْكرْمَانِي وَأَقُول لِأَن فِيهَا صورًا ونقوشًا وَالله أعلم. وَفِيه كَرَاهِيَة دُخُول الْبَيْت الَّذِي فِيهِ مَا يكره وروى ابْن حبان من حَدِيث سفينة قَالَ لم يكن رَسُول الله، يدْخل بَيْتا مزوقًا.
عمدة القاري شرح صحيح البخاري (13) / (167) — بدر الدين العيني (- (855))
قال صاحب عون المعبود:
وَأَصْلُ التزويق التمويه
قال الخطابي وتبعه بن الْمَلَكِ كَانَ ذَلِكَ مُزَيَّنًا مُنَقَّشًا
وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ مُنَقَّشًا وَلَكِنْ ضُرِبَ مِثْلُ حَجْلَةِ الْعَرُوسِ سُتِرَ بِهِ الْجِدَارُ وَهُوَ رُعُونَةٌ يُشْبِهُ أَفْعَالَ الْجَبَابِرَةِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يُجَابُ دَعْوَةٌ فِيهَا مُنْكَرٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُفْهَمُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ وُجُودَ الْمُنْكَرِ فِي الْبَيْتِ مانع عن الدخول فيه
قال بن بَطَّالٍ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الدَّعْوَةِ يَكُونُ فِيهَا مُنْكَرٌ مِمَّا نَهَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إِظْهَارِ الرِّضَى بِهَا وَنَقَلَ مَذَاهِبَ الْقُدَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ إِنْ كَانَ هُنَاكَ مُحَرَّمٌ وَقَدَرَ عَلَى إِزَالَتِهِ فَأَزَالَهُ فَلَا بَاسَ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَيَرْجِعُ
وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لَا بَاسَ أَنْ يَقْعُدَ وَيَاكُلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ يُقْتَدَى بِهِ فَإِنْ كَانَ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِمْ فَلْيَخْرُجْ لِمَا فِيهِ مِنْ شَيْنِ الدِّينِ وَفَتْحِ بَابِ الْمَعْصِيَةِ
قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ الْحُضُورِ وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ
انتهى مختصرا
عون المعبود وحاشية ابن القيم (10) / (162) — العظيم آبادي، شرف الحق (ت (1329))
قال صاحب فتح العلام:
مسألة [(10)]: إذا كانت الجدر مسترة بغير تصاوير ذوات الأرواح؟
• مذهب الشافعي جواز الدخول، وهو الأصح عند الحنابلة، ولكن الحنابلة يقولون بالكراهة. وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنَّ فاطمة وعليًّا دعياه إلى طعام، فلما بلغ البيت رجع، وقال: «ما كان لنبي أن يدخل بيتًا مزوَّقًا».
فالذي يظهر هو جواز الدخول؛ لانَّ تستير الجدر مكروه، وليس بمحرم، وأما حديث: «لا تستروا الجدر بالثياب»، فهو حديث ضعيفٌ، أخرجه أبو داود ((1485))، ثم ضعفه، وفيه مجاهيل.
وقال بعض الحنابلة بوجوب الإجابة في هذه الحال، وصحَّ عن أبي أيوب الأنصاري أنه لم يدخل بيت عبد الله بن عمر من أجل ذلك في عرس سالم
فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط (4) (8) / (362)
تنبيه: أحاديث ضعيفة في الباب:
في كتاب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرتها وفضائلها:
(78). [(5)] قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا محمد بن جُحَادة، قال: حدثني حُميد الشامي، عن سُليمان المُنَبِّهِي، عن ثوبان مولى رسول اللهِ قال: كان رسولُ اللهِ إذا سَافرَ كانَ آخرُ عهدِه بإنسان من أهلِه فاطِمةَ، وأوَّل مَن يدخلُ علَيه إذا قدِم فاطمة.
قال: فقَدِم مِن غَزاة له فأتاها، فإذا هو بمِسْحٍ على بَابها، ورأى على الحسَن والحُسين قُلْبَيْن من فضَّة، فرجَعَ ولمْ يدخُلْ علَيها.
فلمَّا رأتْ ذلك فاطمةُ ظنَّت أنَّه لم يدخُل عليها مِن أجْلِ ما رأى، فهَتَكَتْ السِّتْرَ، ونَزعَتْ القُلْبَين مِن الصَبِيَّيْن فقطَعتْهُما، فبَكَى الصبيَّان فقسَّمَتْه بينَهُما، فانطَلَقا إلى رسولِ اللهِ وهُمَا يبكيان، فأخذَه رسولُ اللهِ منهما، فقال: «يا ثوبان، اذهَبْ بهذا إلى بَني فلان – أهل بيت بالمدينة ـ، واشتَرْ لفاطمةَ قِلادةً من عَصَبٍ، وسِوَارَيْنِ من عَاج؛ فإنَّ هؤلاء أهلَ بيتي، ولا أُحِبُّ أن يأكلوا طيِّبَاتِهِم في حياتهم الدُّنيَا».
[«المسند» للإمام أحمد ((37) / (46)) رقم ((22363))]
وله شاهد من حديث: ابن عمر، وابن عباس، وأبي ثعلبة الخشني رضي الله عنهم، ومرسل عبدالله بن بريدة.
وخرجها تخريج موسع ثم قال:
الحكم على الحديث
حديث ثوبان – الحديث محل الدراسة ـ، حديث ضعيف منكر، وشواهده ضعيفة وبعضها منكرة.
فاطمة بنت النبي سيرتها، فضائلها، مسندها – (4) / (67) — إبراهيم بن عبد الله المديهش