437 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
” (437) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (5) ص (220)): حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ: أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ شَيْئًا كَثِيرًا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ((أَنْتَ سَفِينَةُ)).
وقال رحمه الله حَدَّثَنَا عَفَّانُ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَكُلَّمَا أَعْيَا بَعْضُ الْقَوْمِ أَلْقَى عَلَيَّ سَيْفَهُ وَتُرْسَهُ وَرُمْحَهُ حَتَّى حَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ((أَنْتَ سَفِينَةُ)).
وقال رحمه الله حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا حَشْرَجُ ابْنُ نُبَاتَةَ الْعَبْسِيُّ كُوفِيٌّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ جُمْهَانَ حَدَّثَنِي سَفِينَةُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ [ص: (364)] الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ مُلْكًا بَعْدَ ذَلِكَ)). ثُمَّ قَالَ لِي سَفِينَةُ: أَمْسِكْ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ وَخِلَافَةَ عُمَرَ وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ وَأَمْسِكْ خِلَافَةَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ قَالَ فَوَجَدْنَاهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ نَظَرْتُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْخُلَفَاءِ فَلَمْ أَجِدْهُ يَتَّفِقُ لَهُمْ ثَلَاثُونَ فَقُلْتُ لِسَعِيدٍ أَيْنَ لَقِيتَ سَفِينَةَ قَالَ لَقِيتُهُ بِبَطْنِ نَخْلٍ فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ ثَمَانِ لَيَالٍ أَسْأَلُهُ عَنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْتُ لَهُ مَا اسْمُكَ قَالَ مَا أَنَا بِمُخْبِرِكَ سَمَّانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ سَفِينَةَ قُلْتُ وَلِمَ سَمَّاكَ سَفِينَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ مَتَاعُهُمْ فَقَالَ لِي ((ابْسُطْ كِسَاءَكَ)) فَبَسَطْتُهُ فَجَعَلُوا فِيهِ مَتَاعَهُمْ ثُمَّ حَمَلُوهُ عَلَيَّ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ((احْمِلْ فَإِنَّمَا أَنْتَ سَفِينَةُ)) فَلَوْ حَمَلْتُ يَوْمَئِذٍ وِقْرَ بَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ مَا ثَقُلَ عَلَيَّ إِلَّا أَنْ يَجْفُوا.
هذا حديث حسنٌ.
أخرج البزار كما في “كشف الأستار” (ج (3) ص (270)) بعضه.
* قال أبو داود رحمه الله (ج (12) ص (397)): حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللهِ أخبرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ((خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ الْمُلْكَ -أَوْ مُلْكَهُ- مَنْ يَشَاءُ)). قَالَ سَعِيدٌ قَالَ لِي سَفِينَةُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ أَبَا بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَعُمَرُ عَشْرًا وَعُثْمَانُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَعَلِيٌّ كَذَا قَالَ سَعِيدٌ قُلْتُ لِسَفِينَةَ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَكُنْ بِخَلِيفَةٍ قَالَ كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ يَعْنِي بَنِي مَرْوَانَ.
ح وأخبرنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ أخبرَنَا هُشَيْمٌ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ [ص: (365)] المعنى جميعًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ((خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ -أَوْ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ-)).
هذا حديث حسنٌ.
الحديث أخرجه الترمذي (ج (6) ص (476)) من حديث حَشْرَجِ بن نُبَاتة عن سعيد بن جمهان به، وقال: هذا حديث حسن.
وقد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان، ولا نعرفه إلا من حديثه.”
.. ………………………..
قال الالباني في الصحيحة ((458)): قال الترمذي: ” وهـذا حديث حسن، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان، و
نعرفه إ من حديث سعيد بن جمهان “.
وقال ابن أبي عاصم: ” حديث ثابت من جهة النقل، سعيد بن جمهان روى عنه حماد
بن سلمة والعوام بن حوشب وحشرج “.
قلت: وقد وثقه جماعة من ا ئمة منهم أحمد وابن معين وأبو داود.
وقال الحافظ في ” التقريب “: ” صدوق له أفراد “:
قلت: ولذلك قوي حديثه هـذا من سبق ذكره، ومنهم الحاكم صحح إسناده هـنا، كما
صححه في حديث آخر (3/ 606) قرنه أحمد بهذا الحديث، ووافقه الذهـبي. وأشار
إلى مثل هـذا التصحيح الحافظ في ” الفتح ” (13/ 182) فقال موافقا:
” وصححه ابن حبان وغيره “.
واحتج به ا مام ابن جرير الطبري في جزئه في ” ا عتقاد ” (ص 7).
وصححه شيخ ا س م ابن تيمية في ” قاعدة ” له في هـذا الحديث محفوظة في المكتبة
الظاهـرية بخطه في ” مسودته ” (ق 81/ 2 – 84/ 2) قال في مطلعها:
” وهـو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام ابن
حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أهـل
السنن كأبي داود وغيره، واعتمد عليه ا مام أحمد وغيره في تقرير خ فة
الخلفاء الراشدين ا ربعة، وثبته أحمد، واستدل به على من توقف في خ فة على
من أجل افتراق الناس عليه، حتى قال أحمد: ” من لم يربع بعلى في الخ فة فهو
أضل من حمار أهـله “. ونهى عن مناكحته، وهـو متفق عليه بين الفقهاء، وعلماء
السنة ….
قال الشيخ عبد المحسن العباد: أورد أبو داود هـذا الحديث عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خ فة النبوة ث ثون سنة ثم يؤتي الله الملك -أو ملكه- من يشاء) هـذا شك من الراوي، هـل قال: ملكه، أو الملك، وهـذا فيه دليل على أن خ فة الخلفاء الراشدين ا ربعة خ فة نبوة، وأنهم على منهاج النبوة، وهـم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) فهذا الحديث يدل على فضل الخلفاء، وحديث سفينة يدل على فضل الخلفاء وعلى فضل خ فتهم، وأنها خ فة نبوة، وذلك أنهم أتوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وهـم على منهاجه وعلى طريقته، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباع سنتهم مع سنته صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض الذي أشرت إليه.
ثم إن سفينة أخبر سعيد بن جمهان بتفصيل هـذه الث ثين فقال: (امسك) يعني: اعدد (أبا بكر سنتين) يعني: ولي الخ فة سنتين، طبعا وفيه كسر، (وعمر عشرا، وعثمان اثنتي عشرة، وعليا كذا).
ولم يذكر المقدار، ولكن خ فتهم هـذه المدة التي هـي الث ثون هـي خ فة نبوة كما وصف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك يؤتي الله الملك من يشاء. … (شرح سنن أبي داود)
وهذا لا يعارض ما خرجه مسلم من حديث جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: «إن هـذا ا مر ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، قال: ثم تكلم بك م خفي علي، قال: فقلت بي: ما قال؟ قال: ” كلهم من قريش ”
والجواب عن هـذا أن المراد في حديث الخ فة ث ثون سنة خ فة النبوة وقد جاءمفسرا في بعض الروايات خ فة النبوة بعدي ث ثون سنة ثم تكون ملكا ولم يشترط هـذا في ا ثني عشر السؤال الثاني أنه قد ولي أكثر من هـذا العدد قال وهـذا اعتراض باطل نه صلى الله عليه وسلم لم يقل يلي إ اثنى عشر خليفة وإنما قال يلي وقد ولي هـذا العدد و يضركونه وجد بعدهـم غيرهـم هـذا إن جعل المراد باللفظ كل وال ويحتمل أن يكون المراد مستحق الخ فة العادلين وقد مضى منهم من علم و بد من تمام هـذا العدد قبل قيام الساعة قال وقيل إن معناه أنهم يكونون في عصر واحد يتبع كل واحد منهم طائفة قال القاضي و يبعد أن يكون هـذا قد وجد إذا تتبعت التواريخ فقد كان با ندلس وحدهـا منهم في عصر واحد بعد أربعمائة وث ثين سنة ث ثة كلهم يدعيها ويلقب بها وكان حينئذ في مصر آخر وكان خليفة الجماعة العباسية ببغداد سوى من كان يدعي ذلك في ذلك الوقت في أقطار ا رض قال ويعضد هـذا التأويل قوله في كتاب مسلم بعد هـذا ستكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فوا بيعة ا ول فا ول قال ويحتمل أن المراد من يعز ا س م في زمنه ويجتمع المسلمون عليه كما جاء في سنن أبي داود كلهم تجتمع عليه ا مة وهـذا قد وجد قبل اضطراب أمر بني أمية واخت فهم في زمن يزيد بن الوليد وخرج عليه بنو العباس ويحتمل أوجها أخر والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم. انتهى من شرح مسلم للنووي
قال الشيخ العباد:حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (تدور رحى ا س م لخمس وث ثين أو ست وث ثين أو سبع وث ثين؛ فإن يهلكوا فسبيل من هـلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما قال: قلت: أمما بقي أو مما مضى؟ قال: بل مما مضى)، قيل في هـذا الحديث: إن المراد بذلك: قوة ا س م في هـذه المدة، ثم بعد ذلك يحصل التغيير، وقيل: إن المقصود بدوران الرحى: الحروب التي تحصل وتقع، و شك أن مدة الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله تعالى عنهم كانت خ فة راشدة، وكان الخير عظيما وا س م منتشرا، وقد حصل بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وتولي علي رضي الله عنه شيء من ا قتتال وا خت ف حيث وجدت الفتن، وحصل اقتتال بين المسلمين، ثم بعد ذلك حصل اجتماع للمسلمين على يدي الحسن بن علي رضي الله عنهما بتنازله لـ معاوية وحصول اجتماع الكلمة على معاوية بعدما كانت الفرقة وكان الخ ف قبل ذلك، وتحقق ما أخبر به الرسول الكريم عليه الص ة والس م في قوله في الحسن رضي الله عنه، وقد حمله معه على المنبر وهـو طفل صغير، وكان ينظر إليه وينظر إلى الناس، ويقول: (إن ابني هـذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)، وقد تحقق ذلك في عام واحد وأربعين من الهجرة، والذي سمي بعام الجماعة، حيث اجتمعت الكلمة وصار على الناس خليفة واحد، هـو معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، وقد قال عليه الص ة والس م: (خ فة النبوة بعدي ث ثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، وقد آتى الله الملك بعد مدة الخلفاء الراشدين معاوية بن أبي سفيان، وهـو خير وأول ملوك المسلمين؛ نه صحابي، والخلفاء الذين جاءوا بعده على مختلف العصور والدهـور ليسوا من الصحابة، فهو أول الملوك وخير الملوك رضي الله عنه وأرضاه، وقد جاء إط ق الخ فة على الخلفاء الراشدين وعلى ثمانية من بعدهـم، وذلك في الحديث الصحيح الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( يزال أمر الناس ماضيا ما
وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)، فإن هـؤ ء الخلفاء هـم الخلفاء الراشدون، وثمانية من خلفاء بني أمية.
قوله:
[(تدور رحى ا س م لخمس وث ثين، أو ست وث ثين، أو سبع وث ثين)]
،قيل: إن المراد بذلك مدة خ فة الخلفاء الراشدين ا ربعة وهـي ث ثون سنة، ويضاف إليها خمس أو قريبا من ذلك في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إن المراد بذلك: ما حصل في سنة خمس وث ثين من الهجرة من قتل عثمان رضي الله عنه، وما حصل بعد ذلك من الفتن، لكن كما هـو معلوم أن استخدام التاريخ الهجري إنما حصل في زمن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، لكن إذا اعتبرت مدة الخلفاء الراشدين ا ربعة التي هـي ث ثون سنة، وضم إليها خمس سنوات من بعدهـا فيكون معنى ذلك أن هـذه المدة هـي الخ فة الراشدة، وقد حصل فيها الخير الكثير، وإن وجد شيء من ا خت ف.
وعلى هـذا يكون المقصود برحى ا س م: قوته واستقامته وس مته، وكونه على منهاج النبوة، وكون الخ فة خ فة نبوة، ويكون بدوران الرحى حصول الخير والنفع، كما أن الرحى إذا دارت على الحب وصار طحينا ودقيقا بسبب دوران الرحى حصل بذلك النفع.
فيكون معنى هـذا: أن الدوران يشبه دوران الرحى بطحن الحب، فيكون في ذلك فوائد للناس، وهـذا يطابق ويوافق ما حصل في زمن الخلفاء الراشدين الذين خ فتهم خ فة نبوة، وقد قال عليه الص ة والس م (خ فة النبوة بعدي ث ثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ) فعلى هـذا يكون المعنى: حصول استقامة وقوة خ فة راشدة، وخ فة نبوة في خمس وث ثين سنة؛ منها ث ثون مدة الخلفاء، ومنها خمس هـي المدة الباقية من حياة النبي صلى الله عليه وسلم بعد قوله ذاك.
ودوران الرحى بهذا المعنى على اعتبار النفع، وأن خ فة الخلفاء الراشدين حصل فيها خير وهـي خ فة راشدة، ويستقيم على معنى دوران الرحى بالحب وطحن الحب، كونه يصير دقيقا يستفاد منه، ومعلوم أن الحب يستفاد منه إ بالطحن، والرحى هـي التي تطحن الحب وتجعله دقيقا فيكون معنى ذلك أنه حصل للناس في هـذه المدة فوائد عظيمة وخير كثير. (شرح سنن أبي داود)
أما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في “المسند” (30/ 355) عَنِ حُذَيْفَةُ، قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ). وحسن الحديث الالباني ومحققو المسند
قال الملا علي القاري رحمه الله تعالى:
” (على منهاج النبوة) أي: طريقتها الصورية والمعنوية (ما شاء الله أن تكون) أي: الخلافة وهي ثلاثون سنة على ما ورد ” انتهى من “مرقاة المفاتيح” (9/ 248).
قوله صلى الله عليه وسلم: (ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا).
أي يكون ملك يقع فيه عسف وظلم.
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
” وفيه: (ثم يكون ملك عضوض) أي يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يُعَضّون فيه عضا. والعَضوض: من أبنية المبالغة ” انتهى من “النهاية في غريب الحديث” (3/ 253).
وهذا ما وقع، في حكم الملوك بعد الخلافة الراشدة، حيث وقعت مظالم وعسف كحال زمن الحجاج، فمر على الأمة جملة من الملوك على تلك الحال، مع مراعاتهم أحكام الشرع في الجملة، إلا أنهم راعوا هيبة ملكهم بأساليب ألحقوا بها ظلما بالناس.
ثم بعد هذا يزداد الظلم فيكون عتو وقهر وتجبر.
حيث تكون الولاية: (مُلْكًا جَبْرِيَّةً).
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى:
” والحديث الآخر: (ثم يكون ملك وجبروت) أي عتو وقهر. يقال: جبار بين الجَبَرُوَّةِ، والجَبَرِيَّة، والجَبَرُوتِ ” انتهى من “النهاية في غريب الحديث” (1/ 236).
وهذا كله وقع.
ويجب التنبه إلى أن هذه المراحل من حيث الجملة؛ وإلا فقد يتخللها في فترات وأماكن تولي أهل العدل والرحمة، كحال معاوية رضي الله عنه، فإنه كان ملكا إلا أنه كان ذا رحمة وحلم وتقوى، وكحال عهد عمر بن عبد العزيز، فقد عدّ خليفة راشدا، وهكذا فبين فترة وأخرى يظهر عادل ينفس به عن الناس.
كما فسر أهل العلم عموم حديث الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: (اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ. سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رواه البخاري (7068).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
” وقد حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب، فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج، فقال: لا بد للناس من تنفيس ” انتهى من “فتح الباري” (13/ 21).
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى:
” إن قال قائل: ما وجه هذا ونحن نعلم أنه جاء بعد الحجاج عمر ابن عبد العزيز، فبسط العدل وصلح الزمان؟ فالجواب: أن الكلام خرج على الغالب … ” انتهى من “كشف المشكل” (3/ 295).
ثم بعد أزمان الظلم والابتعاد عن نهج النبوة، يعز الله تعالى هذه الأمة، ويختم لها بالخير والرحمة ويردها إلى النهج الصحيح: (ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ).
والذي يظهر أن المقصود بهذه الخلافة: زمان المهدي، ونزول عيسى عليه السلام.
قال عبد الحق الدهلوي رحمه الله تعالى:
” قوله: (ثم تكون خلافة على منهاج نبوة): الظاهر أن المراد به زمن عيسى والمهدي ” انتهى من “لمعات التنقيح” (8/ 578).