43 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
43 – قال الامام النسائي رحمه الله {ج1ص115}: أَخْبَرَنَا إِسْحَقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (( مَاءُ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ كَانَ الشَّبَهُ )).
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
————————–
*أولاً: دراسة الحديث رواية:*
* جاء في صحيح مسلم برقم 311 أن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ، حَدَّثَتْ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ» فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَتْ: وَهَلْ يَكُونُ هَذَا؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ؟ إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا، أَوْ سَبَقَ، يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ».
فلعل إيراد الشيخ مقبل الوادعي لهذا الحديث لأنه اعتبر ما في صحيح مسلم من مسند أم سليم والله أعلم.
والإمام أحمد في مسنده 12222 أورد هذا الحديث في مسند أنس بن مالك.
* حديث أنس الذي في الباب صححه الشيخ الألباني في سنن النسائي برقم 200 وأحال الحديث إلى صحيح مسلم وقال: وهو تمام الحديث المتقدم برقم 195.ا.ه وهو ما أخرجه مسلم.
* ابن دقيق العيد في الإلمام 91 قال: أخرجه النَّسائي. ولم يحله إلى مسلم.
* قال محقق جامع الأصول لابن الأثير 5315: وإسناده صحيح لولا ما يخشى من تدليس ابن أبي عروبة وشيخه قتادة السدوسي.
* جاء في مسند الطيالسي 2854 عن ابن عباس قال حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ يَوْمًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، حَدِّثْنَا عَنْ خِلاَلٍ نَسْأَلُكَ عَنْهَا ، لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ نَبِيٌّ … ومن أسئلتهم: وَأَخْبِرْنَا عَنْ مَاءِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ، وَكَيْفَ يَكُونُ مِنْهُ الذَّكَرُ حَتَّى يَكُونَ ذَكَرًا وَكَيْفَ تَكُونُ مِنْهُ الأُنْثَى حَتَّى تَكُونَ أُنْثَى…فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ ، وَأَنَّ مَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ ، فَأَيُّهُمَا عَلاَ كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللهِ ؛ فَإِنْ عَلاَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللهِ ، وَإِنْ عَلاَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ كَانَتْ أُنْثَى بِإِذْنِ اللهِ ؟ قَالُوا : اللَّهُمَّ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ اشْهَدْ… الحديث وفيه شهر بن حوشب، وحسن إسناده البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة (7/ 34).
ولكن في صحيح مسلم 315 عن ثوبان وفيه قَالَ: وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ. قَالَ: «يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟» قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ. قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ؟ قَالَ: «مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ، فَإِذَا اجْتَمَعَا، فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ، أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللهِ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ، آنَثَا بِإِذْنِ اللهِ». قَالَ الْيَهُودِيُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ، وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ سَأَلَنِي هَذَا عَنِ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ، وَمَا لِي عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى أَتَانِيَ اللهُ بِهِ».
* يراجع صحيح أبي داود ” الأم (234 – 235)
*ثانياً: دراسة الحديث درايةً:*
* بوب النووي على حديث أنس الذي في صحيح مسلم بَابُ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْهَا.
* بوب النسائي على حديث أنس باب الفصل بين ماء الرجل وماء المرأة.
* بوب ابن حبان في صحيحه على حديث أنس في قصة سؤال أم سليم (14/62): ذكر السبب الذي من أجله يشبه الولد أباه وأمه، وفي حديث أنس الذي في النسائي بوب عليه ذِكْرُ وَصْفِ حَالِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ يَكُونُ الشَّبَهُ بِالْوَلَدِ.
* قال النووي في شرح مسلم (3/222): قوله صلى الله عليه وسلم (إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر) هذا أصل عظيم في بيان صفة المني وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب قال العلماء مني الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة ويخرج بشهوة ويتلذذ بخروجه وإذا خرج استعقب خروجه فتورا ورائحة كرائحة طلع النخل ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين وقيل تشبه رائحته رائحة الفصيل وقيل إذا يبس كان رائحته كرائحة البول فهذه صفاته وقد يفارقه بعضها مع بقاء ما يستقل بكونه منيا وذلك بأن يمرض فيصير منيه رقيقا أصفر أو يسترخي وعاء المني فيسيل من غير التذاذ وشهوة أو يستكثر من الجماع فيحمر ويصير كماء اللحم وربما خرج دما عبيطا وإذا خرج المني أحمر فهو طاهر موجب للغسل كما لو كان أبيض ثم إن خواص المني التي عليها الاعتماد في كونه منيا ثلاث أحدها الخروج بشهوة مع الفتور عقبه والثانية الرائحة التي شبه الطلع كما سبق الثالث الخروج بزريق ودفق ودفعات وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في إثبات كونه منيا ولا يشترط اجتماعها فيه واذا لم يوجد شئ منها لم يحكم بكونه منيا وغلب على الظن كونه ليس منيا هذا كله في مني الرجل وأما مني المرأة فهو أصفر رقيق وقد يبيض لفضل قوتها وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما إحداهما أن رائحته كرائحة مني الرجل والثانية التلذذ بخروجه وفتور شهوتها عقب خروجه قالوا ويجب الغسل بخروج المني بأي صفة وحال كان والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم (فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه) وفي الرواية الأخرى (إذا علا ماؤها ماء الرجل وإذا علا ماء الرجل ماءها) قال العلماء يجوز أن يكون المراد بالعلو هنا السبق ويجوز أن يكون المراد الكثرة والقوة بحسب كثرة الشهوة.
قوله صلى الله عليه وسلم (إذا كان منها ما يكون من الرجل فلتغتسل) معناه إذا خرج منها المني فلتغتسل كما أن الرجل إذا خرج منه المني اغتسل وهذا من حسن العشرة ولطف الخطاب واستعمال اللفظ الجميل موضع اللفظ الذي يستحيا منه في العادة والله أعلم.
* قال القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 150) ومعنى الغلبة والعلو فى قوله: ” فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة ” وفى الرواية الأخرى: ” غلب “، وهذا يرجع إلى سبق الماء والشهوة، كما جاء فى الحديث الآخر: ” سبق “، وجاء فى غير مسلم: ” يسبق إلى الرحم “، أو تكون الغلبة والعلو هنا عائدا إلى الكثرة والقوة من أحد المائين، وقد ذهب بعضهم إلى أن السبق للأذكار والإناث، والعلو والغلبة بالكثرة للشبه للأخوال والأعمام، لكنه يرد هذا التفسير قوله فى هذا الخبر: ” فإذا علا منى الرجل أذكر، وإذا علا منى المرأة أنثا “.
* قال الأبي في إكمال إكمال المعلم (2/88) ووجه الجمع بين أحاديث الباب أن يكون: ” الشبه المذكور فى هذا الحديث يعنى به الشبه الأعم من كونه فى التذكير والتأنيث، وشبه الأعمام والأخوال، والسبق إلى الرحم علة التذكير والتأنيث، والعلو علة شبه الأعمام والأخوال.
قال: ويخرج من مجموع ذلك أن الأقسام أربعة.
1- إن سبق ماء الرجل وعلا أذكر وأشبه الولد أعمامه.
2- وإن سبق ماء المرأة وعلا آنث وأشبه الولد أخواله.
3- وإن سبق ماء الرجل وعلا ماؤها أذكر وأشبه الولد أخواله.
4- وإن سبق ماء المرأة وعلا ماؤه آنث وأشبه الولد أعمامه”ا.ه
* قال القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (4/ 45): ” و(( سبق )) ؛ أي : بادر بالخروج ، وقد جاء في غير كتاب مسلم : (( سبق إلى الرحم )).. ويحتمل أن يكون بمعنى : غلب ، من قولهم : سابقني فلان فسبقته ؛ أي : غلبته ، ومنه قوله تعالى : {وما نحن بمسبوقين } ؛ أي : مغلوبين ، فيكون معناه : كثر”.
* قال ابن عبدالبر في التمهيد (8/338 وما بعده): ” وفي هذا الحديث بيان ما كان عليه نساء ذلك الزمان من الاهتمام بأمر دينهم والسؤال عنه وهذا يلزم كل مومن ومومنة إذا جهل شيئا من دينه أن يسأل عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “شفاء العي السؤال” وقالت عائشة رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن وأم سليم من فاضلات نساء الأنصار وقد ذكرناها في كتابنا في الصحابة فأغنى عن ذكرها هاهنا وكل امرأة عليها فرضا أن تسأل عن حكم حيضتها وغسلها ووضوئها وما لا غناء بها عنه من أمر دينها وهي والرجل فيما يلزمها من فرائضهما سواء.
وفيه أيضا دليل على أن ليس كل النساء يحتلمن ولهذا ما أنكرت عائشة وأم سلمة سؤال أم سليم وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال إلا أن ذلك في النساء أوجد وأكثر منه في الرجال وقد قيل أن إنكار عائشة لذلك إنما كان لصغر سنها وكونها مع زوجها فلذلك لم تعرف الاحتلام لأن الاحتلام لا تعرفه النساء ولا أكثر الرجال إلا عند عدم الجماع بعد المعرفة به فإذا فقد النساء أزواجهن ربما احتلمن والوجه الأول عندي أصح لأن أم سلمة قد فقدت زوجها وكانت كبيرة عالمة بذلك فأنكرت منه ما أنكرت عائشة على ما مضى في حديث قتادة عن أنس في هذا الباب وإذا كان في الرجال من لا يحتلم فالنساء أحرى بذلك والله أعلم.
وفيه جواز الإنكار والدعاء بالسوء على المعترض فيما لا علم له به.
وفيه أن الشبه في بني آدم إنما يكون من غلبة الماء وسبقه ونزوله والله أعلم، ومن هاهنا قالوا إذا غلب ماء المرأة أشبه الرجل أخواله وأمه وإن غلب ماء الرجل أشبه الولد أباه وأعمامه وأجداده.
تنبيه : كذا وقع ( ولهذا ما أنكرت عائشة وأم سلمة ) .
* قال ابن هبيرة في الإفصاح عن معاني الصحاح (5/ 341):
- في هذا الحديث ما يدل على أن المرأة تحتلم في المنام كما يحتلم الرجل، وأنه يجب عليها الغسل إذا رأت الماء، وإنه من الدين السؤال عن ذلك.
- وقوله: (فمن أين يكون الشبه؟) يدل على أن شبه الولد بوالده يكون على قدر غلبة مائه لماء المرأة أو سبقه إياه.
* قال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 212): وفي حديث عائشة وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه وقال بعضهم فيه رد على من يقول أن ماء الرجل يخالط دم المرأة وأن ماء الرجل كالأنفحة ودمها كاللبن الحليب.
* قال ابن حزم في المحلى ت: أحمد شاكر (2/ 5): فهذا هو الماء الذى يوجب الغسل وماء العقيم والعاقر والسالم الخصية وان كان مجبوبا فهذه صفته وقد يولد لهذا وأما ماء الخصى فانما هو أصفر فليس هو الماء الذى جاء النص بايجاب الغسل فيه فلا غسل فيه ولو ان امرأة شفرت(3) وهى بالغ أو غير بالغ فدخل المنى فرجها فحملت فالغسل عليها ولا بد لانها قد أنزلت الماء يقينا.ا.ه
(3) بضم الشين وكسر الفاء مبنى لما لم يسم فاعله. والشفر بضم الشين واسكان الفاء حرف الفرج وشفر المرأة بفتح الشين والفاء ضرب شفرها.
* قال السندي في حاشيته على سنن ابن ماجه (1/ 209): ونسبة الإنزال إلى الإنسان نظرا إلى أن هذا الماء عادة لا ينزل إلا باجتهاد من الإنسان فصار إنزالا من ماء الرجل.
* قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير (9/ 316): (ماء الرجل) منيه (غليظ) في الغالب وقد يرق ويصفر ماء الرجل لعلة. (أبيض) في لونه وقد يخرج بلون الدم لكثرة الجماع. (وماء المرأة رقيق أصفر) وقد يبيض ويغلظ لفضل قوة (فأيهما سبق) إلى الموضع الذي تستقر فيه النطفة للتخليق (أشبهه الولد) في خلقته قال في المطامح: فإن استويا في السبق كان الولد خنثى، ووقع في مسلم من حديث عائشة: “إذا علا ماء الرجل أشبه أعمامه وإذا علا ماء المرأة أشبه أخواله”.
* قال ابن القيم في الطرق الحكمية ص 185: ” وهذا يدل على أنهم إنما سألوا عن الشبه، ولهذا وقع الجواب به وقامت به الحجة، وزالت به الشبهة. وأما الإذكار والإيناث: فليس بسبب طبيعي، وإنما سببه: الفاعل المختار الذي يأمر الملك به، مع تقدير الشقاوة والسعادة، والرزق، والأجل، ولذلك جمع بين هذه الأربع في الحديث «فيقول الملك: يا رب، ذكر؟ يا رب، أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك» .
وقد رد سبحانه ذلك إلى محض مشيئته في قوله تعالى: {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور} [الشورى: 49] {أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما} [الشورى: 50] .
والتعليق بالمشيئة – وإن كان لا ينافي ثبوت السبب بذلك – إذا علم كون الشيء سببا، دل على سببيته بالعقل وبالنص، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – في حديث أم سليم: «ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر، فمن أيهما علا – أو سبق – يكون الشبه» فجعل للشبه سببين: علو الماء، وسبقه.
وبالجملة: فعامة الأحاديث إنما هي تأثير سبق الماء وعلوه في الشبه، وإنما جاء تأثير ذلك في الإذكار والإيناث في حديث ثوبان وحده، وهو فرد بإسناده، فيحتمل أنه اشتبه على الراوي فيه الشبه بالإذكار والإيناث، وإن كان قد قاله رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: فهو الحق الذي لا شك فيه، ولا ينافي سائر الأحاديث، فإن الشبه من السبق. والإذكار والإيناث: من العلو، وبينهما فرق، وتعليقه على المشيئة لا ينافي تعليقه على السبب، كما أن الشقاوة والسعادة والرزق معلقات بالمشيئة، وحاصلة بالسبب، والله أعلم.