43جامع الأجوبة في الفقهية 79
بإشراف واختصار سعيد الجابري وسيف بن دورة الكعبي
مسألة : إذا أبين من الحيوان شعره أو صوفه؟
مسألة :هل يستثى ما أبين من الطريدة وهي الصيد، إذا أبين جزء منها؟
وهل يستثنى المسك وفأرته إذا أبين من غزال المسك؟
-_-_-_-_-_-_-_
جواب حمد الكعبي :
قال رحمه الله في المغني :
( مسألة : قال وإذا رمى صيدا فأبان منه عضوا لم يؤكل ما أبان منه ويؤكل ما سواه في إحدى الروايتين والأخرى يأكله وما أبان منه
وجملته أنه إذا رمى صيدا أو ضربه فبان بعضه لم يخل من أحوال ثلاثة :
أحدهما : أن يقطعه قطعتين رأسه فهذا جميعه حلال سواء كانت القطعتان متساويتين أو متفاوتتين وبهذا قال الشافعي وروي ذلك عن عكرمة و النخعي و قتادة وقال أبو حنيفة أن كانتا متساويتين أو التي مع الرأس أقل حلتا وإن كانت الأخرى أقل لم يحل وحل الرأس وما معه لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ ما أبين من حي فهو ميت ] ولنا أنه جزء لا تبقى الحياة مع فقده فأبيح كما لو تساوت القطعتان
الحال الثاني : أن يبين منه عضوا وتبقى فيه حياة مستقرة فالبائن محرم بكل سواء بقي الحيوان حيا أو أدركه فذكاه أو رماه بسهم آخر فقتله إلا أنه ذكاه حل بكل حال دون ما أبان منه وإن ضربه في غير مذبحه فقتله نظرت فإن لم يكن أثبته بالضربة الأولى حل دون ما أبان منه وإن كان أثبته لم يحل شيء منه لأن ذكاة المقدور عليه في الحلق واللبة
الحال الثالث : أبان منه عضوا ولم تبق فيه حياة مستقرة فهذه التي ذكر الخرقي فيها روايتين أشهرهما عن أحمد إباحتهما قال أحمد أنما حديث النبي صلى الله عليه و سلم : [ ما قطعت من الحي ميتة إذا قطعت وهي حية تمشي وتذهب ] أما إذا كانت البينونة والموت جميعا أو بعده بقليل إذا كان في علاج الموت فلا بأس به ألا ترى الذي يذبح ربما مكث ساعة وربما مشى حتى يموت ؟ وهذا مذهب الشافعي وروي ذلك عن علي و عطاء و الحسن وقال قتادة وإبراهيم وعكرمة أن وقعا معا أكلهما وإن مشى بعد قطع العضو أكله ولم يأكل العضو.
والرواية الثانية : لا يباح ما بان منه وهذا مذهب أبي حنيفة لقول النبي صلىالله عليه وسلم : [ ما أبين من حي فهو ميت ] ولأن هذه البينونة لا تمنع بقاء الحيوان في العادة فلم يبح أكل البائن كما لو أدركه الصياد وفيه حياة مستقرة والأولى المشهورة لأن ما كان ذكاة لبعض الحيوان كان ذكاة لجميعه كما لو قده نصفين والخبر يقتضي أن يكون الباقي حيا حتى يكون المنفصل منه ميتا وكذا نقول قال أبو الخطاب فإن بقي معلقا بجلده حل رواية واحدة)اه
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
(..( والمسك أطيب الطيب ) فيه أنه أطيب الطيب وأفضله وأنه طاهر يجوز استعماله في البدن والثوب ويجوز بيعه وهذا كله مجمع عليه ونقل آصحابنا فيه عن الشيعة مذهبا باطلا وهم محجوجون باجماع المسلمين وبالأحاديث الصحيحة في استعمال النبي صلى الله عليه و سلم له واستعمال أصحابه قال أصحابنا وغيرهم هو مستثنى من القاعدة المعروفة أن ما أبين من حي فهو ميت أو يقال أنه في معنى الجنين والبيض واللبن …)اه
قال ابن حجر رحمه الله في الفتح :
(…وحكى بن التين عن بن شعبان من المالكية أن فأرة المسك إنما تؤخذ في حال الحياة أو بذكاة من لا تصح ذكاته من الكفرة وهي مع ذلك محكوم بطهارتها لأنها تستحيل عن كونها دما حتى تصير مسكا كما يستحيل الدم إلى اللحم فيطهر ويحل أكله وليست بحيوان حتى يقال نجست بالموت وإنما هي شيء يحدث بالحيوان كالبيض وقد اجمع المسلمون على طهارة المسك الا ما حكى عن عمر من كراهته وكذا حكى بن المنذر عن جماعة ثم قال ولا يصح المنع فيه الا عن عطاء بناء على أنه جزء منفصل وقد أخرج مسلم في اثناء حديث عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه و سلم قال المسك أطيب الطيب وأخرجه أبو داود مقتصرا منه على هذا القدر)اه
وقال رحمه الله في الشرح الممتع :
( قوله: «وما أُبين من حيٍّ فهو كميتته» ، هذه قاعدة فقهية.
وأُبين: أي فُصل من حيوان حيٍّ.
وقوله: «كميتته»، يعني: طهارة، ونجاسة، حِلًّا، وحُرمة، فما أُبينَ من الآدمي فهو طاهر، حرام لحرمته لا لنجاسته، وما أُبين من السَّمك فهو طاهر حلال، وما أبين من البقر فهو نجس حرام، لأنَّ ميتتها نجسة حرام، ولكن استثنى فقهاؤنا رحمهم الله تعالى مسألتين[(142)]:
الأولى: الطَّريدة: فعيلة بمعنى مفعولة، وهي الصيد يطرده الجماعة فلا يدركونه فيذبحوه، لكنهم يضربونه بأسيافهم أو خناجرهم، فهذا يقطع رِجْلَه، وهذا يقطع يده، وهذا يقطع رأسه حتى يموت، وليس فيها دليل عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم إلا أن ذلك أُثِرَ عن الصَّحابة رضي الله عنهم[(143)].
قال الإمام أحمد رحمه الله: كانوا يفعلون ذلك في مغازيهم، ولا يرون به بأساً، والحكمة في هذا ـ والله أعلم ـ: أن هذه الطَّريدة لا يُقدَرُ على ذبحها، وإِذا لم يُقدَرْ على ذبحها، فإنها تَحِلُّ بعقرها في أي موضع من بدنها، فكما أنَّ الصَّيد إِذا أصيب في أي مكان من بدنه ومات فهو حلال؛ فكذلك الطَّريدة؛ لأنها صيد إلا أنها قطعت قبل أن تموت.
قال أحمد: «فإن بقيت»، أي: قطعنا رجلها، ولكن هربت ولم ندركها؛ فإن رجلها حينئذٍ تكون نجسة حراماً؛ لأنها بانت من حَيٍّ ميتته نجسة.
الثانية: المِسْك وفأرته، ويكون من نوع من الغزلان يُسمَّى غزال المسك.
يُقال: إنهم إذا أرادوا استخراج المِسْكِ، فإِنهم يُركِضُونه فينزل منه دم من عند سُرَّته، ثم يأتون بخيط شديد قويٍّ فيربطون هذا الدم النازل ربطاً قويًّا من أجل أن لا يتَّصل بالبدن فيتغذَّى بالدَّم، فإِذا أخذ مدَّة فإنه يسقط، ثم يجدونه من أطيب المسك رائحة.
وهذا الوعاء يُسمَّى فأرة المِسْك، والمِسْكُ هو الذي في جوفه، فهذا انفصل من حَيٍّ وهو طاهر على قول أكثر العلماء[(144)]. ولهذا يقول المتنبي:
فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنت منهم
فإِنَّ المِسْكَ بعضُ دم الغزال)اه
—–
جواب سيف بن غدير النعيمي :
ما انفصل من حيٍّ مأكول اللَّحم ولا دَمَ فيه.
ما انفصل من حيٍّ مأكولِ اللَّحم، وليس فيه دَم كالشَّعر والوبر والصُّوف والريش، فهو طاهر.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب:
قول الله تعالى: (وَالأنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُون)َ [النحل: 5].
وجه الدَّلالة:
أنَّ الدِّفء، ما يُتدفَّأُ به من شَعرها ووبَرها وصُوفها؛ وعموم ذلك يقتضي إباحةَ الجميع من الميتة والحيِّ .
2- قوله تعالى: (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِين)ٍ [النحل: 80].
وجه الدَّلالة:
أنَّ الآية سِيقت للامتنان؛ فالظاهر شمولها لحالتَي الحياة والموت، والرِّيش مقيسٌ على هذه الثَّلاثة .
((كشاف القناع)) للبهوتي (1/57).
ثانيًا: الإجماع:
نقل الإجماع على ذلك:
(ابن المنذر)
قال ابن المنذر: (أجمعوا على أنَّ الانتفاع بأشعارها وأوبارها وأصوافها، جائز؛ إذا أُخِذ منها ذلك وهي أحياء) ((الأوسط)) (2/273).
(وابن رُشد)
قال ابن رشد: (اتَّفقوا على أنَّ الشَّعر إذا قُطع من الحيِّ: أنَّه طاهر) ((بداية المجتهد)) (1/78)
(والنوويُّ )
قال النوويُّ: (إذا جَزَّ شعرًا أو صوفًا أو وَبَرًا من مأكول اللَّحم، فهو طاهر بنصِّ القرآن وإجماع الأمَّة) ((المجموع)) (1/300). وقال أيضًا: (الأصل: أنَّ ما انفصل من حيٍّ فهو نجس، ويُستثنى الشَّعر المجزوز من مأكول اللَّحم في الحياة، والصُّوف والوبر والرِّيش، فكلُّها طاهرة بالإجماع) ((روضة الطالبين)) (1/15).
(وابن حجر الهيتميُّ )
قال ابن حجر الهيتميُّ: (… إلَّا شَعر المأكول، فطاهر إجماعًا، وكذا الصُّوف والوبر والرِّيش) ((تحفة المحتاج)) (1/300).
(وابن تيميَّة)
قال ابن تيميَّة: (اتَّفق العلماء على أنَّ الشَّعر والصُّوف إذا جُزَّ من الحيوان، كان طاهرًا حلالًا) ((مجموع فتاوى ابن تيميَّة)) (21/98).
——
قلت( سيف )نقل صاحبنا حمد الكعبي نقلاً عن ابن تيمية
اختصرته؛ ليتضح الإجماع الذي سبق نقل عنه :
قال ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 21/97:
وَسُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ:
عَنْ عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَحَافِرِهَا؛ وَقَرْنِهَا؛ وَظُفْرِهَا؛ وَشَعْرِهَا؛ وَرِيشِهَا؛ وَإِنْفَحَتِهَا: هَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ نَجِسٌ أَمْ طَاهِرٌ أَمْ الْبَعْضُ مِنْهُ طَاهِرٌ وَالْبَعْضُ نَجِسٌ؟
أما عظم الميتة وقرنها وظفرها وما هو من جنس
ذَلِكَ كَالْحَافِرِ وَنَحْوِهِ وَشَعْرِهَا وَرِيشِهَا؛ وَوَبَرِهَا: فَفِي هَذَيْنَ النَّوْعَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: نَجَاسَةُ الْجَمِيعِ. كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ؛ وَذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَد…. ثم رجح طهارة الشعر وأنها أقرب لحياة النبات في يبوستها وليست كحياة الحيوان ومثله رجح ذلك في العظام ونحوها؛ لأنه لا يحتبس فيها دم مثل ما لا نفس فيه سائلة.
————
♢-جواب سعيد الجابري
إذا أبين من الحيوان شعره أو صوفه.
قال الكاساني في بدائع الصنائع (١/ ١٣٣): (…إن كان المبان جزءا لم يكن فيه دم كالشعر والصوف والظفر ونحوه فهو على الاختلاف. اهـ
(وقال صاحب موسوعة الأحكام …. الشعر والوبر والصوف إذا جز جزا. فهو طاهر مطلقا.
وهناك قول آخر : وهو أن الشعر طاهر بعد الغسل، وهو مروي عن عطاء والحسن والأوزاعي كما ذكر ذلك عنهما ابن قدامة والنووي، وهذا المذهب يرجع إلى قول من قال بطهارة الشعر؛ لأن الشعر والوبر والصوف لو كان نجس العين لما طهره الغسل. والله أعلم.
♢-وأما المسك وفأرته إذا أبين من غزال المسك.
جاء في كتاب (الأشراف): عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند جيد أنه كان له مسك يتطيب به، وعلى هذا جل العلماء من الصحابة وغيرهم، وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وأنس وسلمان، رضي الله تعالى عنهم، ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد والشافعي ومالك والليث وأحمد وإسحاق. وخالف في ذلك آخرون، فذكر ابن أبي شيبة، قال عمر، رضي الله تعالى عنه: لا تحنطوني به، وكرهه. وكذا عمر ابن عبد العزيز وعطاء والحسن ومجاهد والضحاك، وقال أكثرهم: لا يصلح للحي ولا للميت، لأنه ميتة، وهو عندهم بمنزلة ما أبين من الحيوان.
قال ابن المنذر: لا يصح ذلك إلا عن عطاء. قلت: روى ابن أبي شيبة عن عطاء من طريق جيدة أنه سئل: أطيب الميت بالمسك؟ قال: نعم، أوليس الذي يجمرون به المسك؟
فهو خلاف ما قاله ابن المنذر عنه.
قلت( سيف بن دورة ) عطاء ذكر له ابن أبي شيبة هذا القول في باب المسك في الحنوط من رخص به وسنده لا بأس به.
ثم ذكر باب من كان يكره المسك في الحنوط
وذكر فيه أثر عمر قال : لا تحنطوني بمسك وفيه حجاج ابن أرطأة.
ثم ذكر أثر عمر بن عبدالعزيز وسفيان بن عاصم الراوي عن عمر بن عبدالعزيز هو سفيان بن عاصم بن بن عبدالعزيز وكان عند عمه عمر بن عبدالعزيز في حجره وزوجه ابنته حيث ذكر أبن عساكر هذا الأثر في ترجمته 21/345، وليس فيه توثيق.
ثم ذكر أثر عطاء عن ابن جريج عنه أنه قال : لا بأس بالعنبر في الحنوط، وقال :إنما هو صمغه وكره المسك للحي والميت، وقال هو ميته
وذكر كذلك كراهية مجاهد وكذلك الحسن وقال : كان المسلمون يكرهونه ويقولون هو ميتة، لكن أثر الحسن هذا فيه عمرو بن عبيد كذب.
تتمة جواب صاحبنا سعيد :
وقولهم: إنه بمنزلة ما أبين من الحيوان، قياس غير صحيح، لأن ما قطع من الحي يجري فيه الدم، وهذا ليس سبيل نافجة المسك لأنها تسقط عند الاحتكاك كسقوط الشعرة.
♢-وقال أبو الفضل عياض: وقع الإجماع على طهارته وجواز استعماله. وقال أصحابنا: المسك حلال بالإجماع بحل استعماله للرجال والنساء، ويقال: انقرض الخلاف الذي كان فيه، واستقر الإجماع على طهارته، وجواز بيعه.
♢-وقال المهلب: أصل المسك التحريم لأنه دم، فلما تغير عن الحالة المكروهة من الدم، وهي الزهم، وفاح الرائحة، صار حلالا بطيب الرائحة،
♢-وإذا أبين من الطريدة وهي الصيد جزء منها حكمها حكم الميتة فأنها لا تحل سواء كان ذلك في صيد أو غيره.
♢-وقال الكاساني في بدائع الصنائع (١/ ١٣٣): إن كان المبان جزءا فيه دم كاليد والأذن والأنف ونحوها فهو نجس بالإجماع.
وقال المالكية: إذا كان المقطوع النصف فأكثر جاز أكل الجميع، ولو قطع الجارح دون النصف كيد أو رجل فهو ميتة، ويؤكل ما سواه، إلا أن يحصل بالقطع إنفاذ مقتل كالرأس فليس بميتة فيؤكل كالباقي.
وصرح الشافعية: بأنه لو أبان من الصيد عضوا كيده بجرح مذفف (أي مسرع للقتل) فمات حل العضو والبدن كله.
وعند الحنابلة في المسألة روايتان: أشهرهما عن أحمد إباحتهما.
وقال أحمد: إنما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ما قطعت من الحي ميتة. إذا قطعت وهي حية تمشي وتذهب، أما إذا كانت البينونة والموت جميعا أو بعده بقليل إذا كان في علاج الموت فلا بأس به، ألا ترى الذي يذبح ربما مكث ساعة، وربما مشى حتى يموت.
(الموسوعة الفقهية الكويتية)