424 – فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: أحمد بن علي وعبدالله المشجري وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل رحمه الله:
424 – قال الإمام البزار رحمه الله كما في “كشف الأستار” (ج 4 ص 192): حدثنا علي بن نصر بن علي، حدثنا معلى بن أسدٍ، حدثنا سلام ابن أبي مطيع، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «في الجنة ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».
قال البزار: لا نعلمه رواه بهذا الإسناد إلا سلام، وكان بصريًّا من خيار الناس وعقلائهم.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح.
* وقد أخرجه ابن جرير في “التفسير” (ج 21 ص 106) فقال رحمه الله: حدثنا العباس بن أبي طالب، حدثنا معلى بن أسد، حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد الخدري: عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يروي عن ربه، قال: «أَعْدَدْتُ لِعِبادِيَ الصَّالِحينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ».
الحديث عند ابن جرير قدسيٌّ، وعباس بن أبي طالب شيخ ابن جرير هو عباس بن جعفر، وثَّقه ابن أبي حاتم كما في “تهذيب التهذيب”.
_________
المسألة الأولى: أحاديث في معناه:
في البخاري:
3072 – حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قَالَ اللَّهُ تعالى: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ). فاقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. [4501، 4502، 7059]، وفي مسلم كذلك من رواية أبي هريرة 2824
وفي مسلم أيضا من حديث سهل:
5 – (2825) حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، وَهَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ: أَنَّ أَبَا حَازِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ يَقُولُ: «شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.»
[صحيح مسلم 8/ 143]
المسألة الثانية: شرح الأحاديث:
قال الخطابي في شرح للبخاري:
(1) (باب: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين})
938/ 4780 – قال أبو عبد الله: حدثنا إسحاق بن نصر قال: حدثنا أبو أسامة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، بله ما أطلعتم عليه، ثم قرأ: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}
قوله: بله، كلمة تكون بمعنى كيف وبمعنى دع. وتقال أيضا بمعنى أجل كأنه يريد به دع ما أطلعتم فإنه سهل أو يسير في جنب ما ذخرته لهم وحكى الليث أنها تقال بمعنى: فضل، كأنه يقول: هذا الذي غيبته عن علمكم فضل ما أطلعتكم عليه منها
[أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) 3/ 1889]
قال ابن بطال:
قال المهلب: وأما قوله تعالى: (أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) فهو كقوله تعالى: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [النحل: 8] مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا توهمه قلب بشر. هو على الحقيقة ما لا يعلمه بشر ممن له الأذن والقلب والبصر، فتخصيصه قلب بشر بأن لا يعلمه، يدل والله أعلم أنه يجوز أن يخطر على قلوب الملائكة، ألا ترى أنه إذا أفردنا بالمخاطبة بقوله: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) فدل على جواز أن يعلمه غيرنا
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 10/ 499]
قال القرطبي:
ومعنى هذا الكلام: أن الله تعالى ادخر في الجنة من النعيم والخيرات واللذات ما لم يطلع عليه أحد من الخلق، لا بالإخبار عنه، ولا بالفكرة فيه، وقد تعرض بعض الناس لتعيينه، وهو تكلف ينفيه الخبر نفسه، إذ قد نفى علمه والشعور به عن كل أحد، ويشهد له ويحققه قوله: بله ما أطلعكم الله عليه أي: دع ما أطلعكم عليه. يعني: أن المعد المذكور غير الذي أطلع عليه أحدا من الخلق. و (بله): اسم من أسماء الأفعال بمعنى: دع. هذا هو المشهور فيها، وقيل: هي بمعنى غير، وهذا تفسير معنى
[المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 7/ 172]
قال ابن رجب:
وبكلِّ حال، فالذي يحصُلُ لأهلِ الجنَّةِ مِنْ تفاصيل العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن قُربه ومشاهدته ولذَّةِ ذكره، هو أمرٌ لا يمكنُ التَّعبيرُ عن كُنهه في الدُّنيا؛ لأنَّ أهلها لم يُدرِكوه على وجهه، بل هو ممَّا لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ، والله تعالى المسؤول أنْ لا يَحْرِمنا خيرَ ما عنده بشرِّ ما عندنا بمنِّه وكرمه ورحمته آمين
[جامع العلوم والحكم ص663 ت الفحل]
قال ابن حجر:
قوله: (باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة) أي: موجودة الآن، وأشار بذلك إلى الرد على من زعم من المعتزلة أنها لا توجد إلا يوم القيامة، وقد ذكر المصنف في الباب أحاديث كثيرة دالة على ما ترجم به: فمنها ما يتعلق بكونها موجودة الآن، ومنها ما يتعلق بصفتها. وأصرح مما ذكره في ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها الحديث.
قوله: (وقال أبو العالية مطهرة من الحيض والبول والبصاق، كلما رزقوا منها إلخ) وصله ابن أبي حاتم من طريقه مفرقا دون أوله، وأخرج من طريق مجاهد نحوه، وزاد: ومن المني والولد، ومن طريق قتادة لكن قال: من الأذى والإثم، وروى هذا عن قتادة موصولا قال: عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مرفوعا، ولا يصح إسناده. وأخرج الطبري نحو ذلك عن عطاء وأتم منه، وروى ابن أبي حاتم أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير قال: يطوف الولدان على أهل الجنة بالفواكه فيأكلونها، ثم يؤتون بمثلها، فيقول أهل الجنة: هذا الذي أتيتمونا به آنفا، فيقولون لهم: كلوا فإن اللون واحد والطعم مختلف وقيل: المراد بالقبلية هنا ما كان في الدنيا. وروى ابن أبي حاتم أيضا والطبري ذلك من طريق السدي بأسانيده قال: أتوا بالثمرة في الجنة، فلما نظروا إليها قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا ورجح هذا الطبري من جهة ما دلت عليه الآية من عموم قولهم ذلك في كل ما رزقوه، قال: فيدخل في ذلك أول رزق رزقوه، فيتعين أن لا يكون قبله إلا ما كان في الدنيا.
قوله: (يشبه بعضه بعضا ويختلف في الطعم) هو كقول ابن عباس: ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء. وقال الحسن: معنى قوله: متشابها أي خيارا لا رداءة فيه …
قوله: (قطوفها: يقطفون كيف شاءوا. دانية: قريبة) أما قوله: يقطفون كيف شاءوا فرواه عبد بن حميد من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال في قوله: {قطوفها دانية} قال: يتناول منها حيث شاء، وأما قوله: دانية قريبة فرواه ابن أبي حاتم من طريق الثوري، عن أبي إسحاق، عن البراء أيضا، ومن طريق قتادة قال: دنت فلا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك.
قوله: (الأرائك: السرر) رواه عبد بن حميد بإسناد صحيح من طريق حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: الأرائك السرر في الحجال. و مجاهد و الحسن، و عكرمة بنحوه.
قوله: (وقال الحسن النضرة في الوجه والسرور في القلب) رواه عبد بن حميد من طريق مبارك بن فضالة، عن الحسن
قوله: (وقال مجاهد: {سلسبيلا} حديدة الجرية) وصله سعيد بن منصور، وعبد بن حميد من طريق مجاهد، وحديدة بفتح المهملة وبدالين مهملتين أيضا أي قوية الجرية. وعن قتادة، رواه عبد بن حميد عنه قال في قوله تعالى: {عينا فيها تسمى سلسبيلا} قال: سلسلة لهم يصرفونها حيث شاءوا
قوله: {غول} وجع البطن. {ينزفون} لا تذهب عقولهم) رواه عبد بن حميد من طريق مجاهد
قوله: (وقال ابن عباس: دهاقا: ممتلئة) وصله عبد بن حميد من طريق عكرمة عنه
قوله: {وكواعب} نواهد، وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس
قوله: (الرحيق: الخمر) وصله ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله تعالى: {رحيق مختوم} قال: الخمر ختم بالمسك، وقيل: الرحيق هو الخالص من كل شيء.
قوله: (التسنيم يعلو شراب أهل الجنة) وصله عبد بن حميد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فذكره وهو صرف للمقربين، ويمزج لأصحاب اليمين.
قوله: {ختامه} طينه مسك، وصله ابن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله: {ختامه مسك} قال: طينه مسك. قال ابن القيم في حادي الأرواح تفسير مجاهد هذا يحتاج إلى تفسير، والمراد ما يبقى آخر الإناء من الدردي مثلا. قال: وقال بعض الناس معناه آخر شربهم يختم برائحة المسك. قلت: هذا أخرجه ابن أبي حاتم أيضا من طريق أبي الدرداء قال في قوله ختامه مسك قال: هو شراب أبيض مثل الفضة يختمون به آخر شرابهم، وعن سعيد بن جبير: ختامه آخر طعمه.
قوله: {نضاختان} فياضتان) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
قوله: (يقال {موضونة} منسوجة، منه وضين الناقة) هو قول الفراء، قال في قوله: موضونة أي منسوجة، وإنما سمت العرب وضين الناقة وضينا لأنه منسوج. وروى ابن أبي حاتم من طريق عكرمة في قوله: موضونة قال: مشبكة بالدر والياقوت.
قوله: (والكوب ما لا أذن له ولا عروة، والأباريق ذوات الآذان والعرى) هو قول الفراء سواء، وروي عن عبد بن حميد من طريق قتادة
قوله: {عربا} مثقلة، أي مضمومة الراء (واحدها عروب مثل صبور وصبر) أي على وزنه، وهذا قول الفراء
قوله: (يسميها أهل مكة العربة إلخ) جزم الفراء بأنها الغنجة.
قوله: (وقال مجاهد: روحٌ: جنة ورخاء، والريحان الرزق)
قوله: (والمنضود الموز، والمخضود الموقر حملا، ويقال أيضا الذي لا شوك له) وصله الفريابي، والبيهقي، عن مجاهد في قوله: {وطلح منضود} قال: الموز المتراكم. والسدر المخضود الموقر حملا. ويقال أيضا الذي لا شوك فيه ….
قوله: {مسكوب} جار) يريد تفسير قوله تعالى: {وماء مسكوب} وقوله: {وفرش مرفوعة} بعضها فوق بعض، وصله والذي قبله الفريابي أيضا عن مجاهد. قال القرطبي: معناه أن الفرش الدرجة وهذا القدر ارتفاع، قال: وقيل: المراد بالفرش المرفوعة النساء المرتفعات القدر بحسنهن وجمالهن.
قوله: (لغوا باطلا، تأثيم كذبا) يريد تفسير قوله تعالى: {لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما} وقد وصله أيضا الفريابي، عن مجاهد كذلك.
قوله: (أفنان أغصان) يريد تفسير قوله تعالى: {ذواتا أفنان} وقوله: {وجنى الجنتين دان} ما يجتنى من قريب، وصل ذلك الطبري، عن مجاهد، وعن الضحاك يعني أفنان ألوان من الفاكهة وواحدها على هذا فن وعلى الأول فنن، وقوله: {مدهامتان} سوداوان من الري، وصله الفريابي، عن مجاهد بلفظ مسوادتان، وقال الفراء: قوله: {مدهامتان} يعني: خضراوان إلى السواد من الري، وعن عطية: كادتا أن تكونا سوداوين من شدة الري وهما خضراوان إلى السواد …
[فتح الباري لابن حجر 6/ 320 ط السلفية] باختصار الحذف
قال ابن عثيمين في شرح رياضالصالحين:
باب بيان ما أعد الله تعالى للمؤمنين في الجنة
قال الله تعالى {إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين} والآيات في الباب كثيرة معلومة
ثم ختم المؤلف رحمه الله كتابه (رياض الصالحين) ببيان ما أعده الله للمؤمنين من النعيم المقيم جعلني الله إياكم منهم وهذا نرجو أن يكون تفاؤلا حسنا وأن الله يختم لنا ولكم بعمل أهل الجنة وأن يكون قد غفر لمؤلف الكتاب وختم له بعمل أهل الجنة ذكر الله تعالى في كتابه العظيم آيات كثيرة فيها بيان ما أعد الله لأهل الجنة ومن أجمع الآيات قول الله تبارك وتعالى (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم)
وقوله {على سرر متقابلين} وقوله {متقابلين} يعني أنهم على جانب من الأدب العظيم في جلوسهم لا يستدبر بعضهم بعضا ولكنهم متقابلون قال بعض العلماء لأنهم يجلس بعضهم إلى بعض على حلقة واسعة …..
هذه أحاديث كثيرة ذكرها المؤلف رحمه الله في كتابه (رياض الصالحين) في بيان نعيم أهل الجنة فمنها أن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر. وفيه أيضا أن أهل الجنة يأكلون ويشربون لكنهم لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون …
هذه الأحاديث في بيان تفصيل ما لأهل الجنة من النعيم فيها فمنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن للمؤمن في الجنة خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا وأن له فيها أهلين لا يرى بعضهم بعضا وذلك والله أعلم لسعتها وحسن غرفها وسترها ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أهل الجنة ينادي فيهم مناد إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا وأنها تهب ريح الشمال فتزيدهم حسنا وجمالا والمراد ريح تشبه ريح الشمال في برودتها ولذاذتها
و ختم الكتاب رحمه الله بحديثين في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة في الجنة وذكر أن الله تعالى يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم بعد ذلك أبدا
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 6/ 722] باختصار الحذف
قال الإتيوبي:
وقال المناويّ رحمه الله: معناه: أنه تعالى ادّخر في الجنة من النعيم، والخيرات، واللذات ما لم يَطّلع عليه أحد من الخلق، بطريق من الطرق، فذكر الرؤية، والسمع؛ لأن أكثر المحسوسات تُدرَك بهما، والإدراك ببقية الحواس أقلّ، ولا يكون غالبًا إلا بعد تقدّم رؤية، أو سماع، ثم زاد أنه لم يجعل لأحد طريقًا إلى توهّمها بذكر، وخطور على قلب، فقد جَلّت عن أن يدركها فكر، وخاطر.
واستُشكل بأن جبريل عليه السلام رآها في عدّة أخبار.
وأجيب بأنه تعالى خلق ذلك فيها بعد رؤيتها، وبأن المراد: عين البشر، وآذانهم، وبأن ذلك يتجدد لهم في الجنة كل وقت، وبأن جبريل إنما ينظر ما أُعدّ لعامتهم، ولهذا قال بعضهم: المراد هنا: التجليات الإلهية التي يتفضل بها الحقّ في الآخرة على خواصه؛ لأنها نِعم خالقيات، وأما النعم الخلقيات التي أخبر بها النبيّ صلى الله عليه وسلم في جنة النعيم فقد رأتها الأعين، وسمعتها الآذان، وخطرت على قلوب البشر، وإلا لَمَا أخبرها أحدٌ، وأما التجليات الإلهية التي يتفضل بها الحقّ في الآخرة على خواصه، فما رأتها عين، ولا سمعت حقيقتها أذن، ولا خطرت على قلب بشر؛ إذ كل ما يخطر بالبال، أو يمر بالخيال، فالله بخلافه بكل حال. انتهى كلام المناويّ رحمه الله.
وقال الطيبيّ رحمه الله: إنما خَصّ البشر؛ لأنهم الذين ينتفعون بما أُعدّ لهم، ويهتمون بشأنه، بخلاف الملائكة.
وتُعُقّب بما زاده ابن مسعود رضي الله عنه في حديثه الذي رواه ابن أبي حاتم: “ولا يعلمه ملَك مقرّب، ولا نبيّ مرسل”.
وقال في “الفتح”: قوله: “ولا خطر على قلب بشر”: زاد ابن مسعود في حديثه: “ولا يعلمه ملَك مقرّب، ولا نبيّ مرسلٌ”، أخرجه ابن أبي حاتم، وهو يدفع قول من قال: إنما قيل البشر؛ لأنه يخطر بقلوب الملائكة، والأَولى حَمْل النفي فيه على عمومه، فإنه أعظم في النفس. انتهى
(مِصْدَاقُ ذَلِكَ) بكسر الميم، وسكون الصاد المهملة؛ أي: ما يُصدّقه، أفاده المجد، فـ”مِصداق” مبتدأ، خبره قوله: “فلا تعلم نفس إلخ”؛ لقصد لفظه، و (فِي كِتَابِ اللهِ) عز وجل متعلّق بـ”مصداق”، ({فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ})؛ أيُّ نفس كانت؛ لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم؛ أي: لا تعلم نفس من النفوس؛ أيّ نفس كانت، ما أخفاه الله سبحانه وتعالى لأولئك الذين تقدّم ذكرهم، مما تقرّ به أعينهم.
({مَا أُخْفِيَ لَهُمْ}) قرأ الجمهور: “أخفي” بالتحريك، على البناء للمفعول، وقرأ حمزة بالإسكان، فعلًا مضارعًا مسندًا للمتكلم، ويؤيده قراءة ابن مسعود: “نُخفي” بنون العظمة، وقرأها محمد بن كعب: “أَخْفَى” بفتح أوله، وفتح الفاء، على البناء للفاعل، وهو الله تعالى، ونحوها قراءة الأعمش: “أخفيت”. وذكر البخاريّ في آخر الباب أن أبا هريرة رضي الله عنه قرأ: “قرّات أعين” بصيغة الجمع، وبها قرأ ابن مسعود أيضًا، وأبو الدرداء، قال أبو عبيدة: ورأيتها في المصحف الذي يقال له “الإمام”: “قُرّة” بالهاء، على الوحدة، وهي قراءة أهل الأمصار. انتهى.
({مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ})؛ أي: مما تقرّ به أعينهم، قال في “الكشّاف”: لا تعلم النفوس كلهنّ، ولا نفس واحدة منهنّ، ولا ملَك مقرب، ولا نبيّ مرسل، أيّ نوع عظيم من الثواب ادّخر الله تعالى لأولئك، وأخفاه من جميع خلائقه، لا يعلمه إلا هو، مما تَقَرّ به عيونهم، ولا مزيد على هذه الْعِدَةِ، ولا مطمح وراءها.
وفي “شرح السُّنَّة”: يقال: أقرّ الله عينك، ومعناه: بَرّد الله دمعتها؛ لأن دمعة الفرح باردة، حكاه الأصمعيّ، وقال غيره: معناه: بَلّغك الله أمنيتك، حتى ترضى به نفسك، وتَقَرّ عينك، فلا تستشرف إلى غيره، قال الطيبيّ رحمه الله: فعلى هذا: الأولُ من القرّة، بمعنى البَرْد، والثاني من القرار. انتهى.
[تنبيه]: زعم بعضهم أن قراءة الآية من قول أبي هريرة رضي الله عنه، لا المرفوع، وسياق مسلم يرُدّه، والله تعالى أعلم
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان عظيم إكرام الله عز وجل لعباده الصالحين، حيث أعدّ لهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21].
2 – (ومنها): أن في قوله: “أعددت” دليلًا على أن الجنة مخلوقة، ويعضده سكنى آدم وحواء الجنة، ولمجيئها في القرآن على نهج الأسماء الغالبة اللاحقة بالأعلام؛ كالنجم، والثرياء، والكتاب، ونحوها، وذلك أن الجنة كانت تُطلق على كل بستان متكاثف أغصان أشجارها، ثم غلبت على دار الثواب، وإنما قلنا: اللاحقة للأعلام؛ لكونها غير لازمة للّام، وتحقيق القول أنها منقولة شرعية على سبيل التغليب، وإنما تغلب إذا كانت موجودة معهودة، وكذلك اسم النار منقولة لدار العقاب، على سبيل الغلبة، وإن اشتملت على الزمهرير، والمهل، والضريع، وغير ذلك، ولولا ذلك لَمَا كان يغني عن طلب القصور والحور والولدان بالجنة، ولا عن طلب الوقاية من الزمهرير، والمهل، والضريع عن مطلق النار، قاله الطيبيّ رحمه الله.
3 – (ومنها): أن سبب هذا الحديث هو ما أخرجه مسلم، من طريق الشعبيّ يقول: سمعت المغيرة بن شعبة، يخبر به الناس على المنبر، قال: “سأل موسى ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أُدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أيّ رب كيف، وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟، فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلك ملِك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك، فيقول: رضيت رب، قال: رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر”، قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} الآية.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا ذكر الحافظ في “الفتح” أن قصّة موسى عليه السلام هذه سبب حديث الباب، وهو محلّ تأمل، والله تعالى أعلم.
4 – (ومنها): بيان أن السُّنَّة شارحة للكتاب، فهذا الحديث أوضح وبيّن معنى هذه الآية الكريمة، فإن الآية نصّ على أن لهم {قُرَّةِ أَعْيُنٍ}، وهو مجمل، فأوضحته السُّنَّة بأنه “ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر”، وهذا معنى قوله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية [النحل: 44].
5 – (ومنها): ما قاله وليّ الدين العراقيّ رحمه الله: إن قلت: رَوَى أبو داود، والترمذيّ، وصححه، وغيرهما، من حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لمّا خلق الله الجنة أرسل جبريل إليها، فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاءها فنظر إليها وإلى ما أعدَّ الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها، فحُفّت بالمكاره، فقال: ارجع إليها، فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فرجع إليها، فإذا هي قد حُفّت بالمكاره، فرجع إليه، فقال: وعزّتك لقد خفت أن لا يدخلها أحد”.
فقد دلَّ هذا الحديث على أن الله تعالى قد أطلع جبريل عليه السلام على ما أعد لعباده فيها، فقد رأته عين.
قلت: الجواب عنه من أوجه:
أحدها: أنه تعالى خلق فيها بعد رؤية جبريل عليه السلام أمورًا كثيرة، لم يطّلع عليها جبريل، ولا غيره، فتلك الأمور هي المشار إليها في هذا الحديث.
ثانيها: أن المراد بالأعين والآذان، أعين البشر وآذانها، بدليل قوله: “ولا خطر على قلب بشر”، فأما الملائكة فلا مانع من اطلاع بعضهم على ذلك.
قال الجامع عفا الله عنه: وهذا يردّه ما أخرجه ابن أبي حاتم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، ولفظه: “ولا يعلمه ملَك مقرّبٌ، ولا نبيّ مرسل”، فقد نفى العلم عن الملائكة، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
ثالثها: أن ذلك يتجدد لهم في الجنة في كل وقت، ويدل له ما رواه الترمذيّ، وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثًا في أثنائه: “ويقول ربنا: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم، فنأتي سوقًا قد حَفّت به الملائكة، ما لم تنظر العيون إلى مثله، ولم تسمع الآذان، ولم يخطر على القلوب، فنحمل لنا ما اشتهينا. . .” الحديث، ولا يمنع من ذلك قوله: “أعددت” لأن هذا لمّا كان محقق الوقوع نُزِّل منزلة الواقع. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: عندي أقرب الأجوبة هو الأول، فتأمله، والله تعالى أعلم
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 43/ 557]