42. لطائف التفسير
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————‘———–‘———
قال تعالى:
(فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)
[سورة التوبة 55]
وقوله تعالى (وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ)
[سورة التوبة 85]
قلت سيف:
المال عذاب للمنافق في الدنيا، لذا يصعب على الكفار مفارقة الدنيا لتعلقهم بزخارفها
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)
[سورة البقرة 96]
——-
قال الشيخ السعدي في تفسير قوله تعالى: فلا تعجبك أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم، فإنه لا غبطة فيها، وأول بركاتها عليهم أن قدموها على مراضى ربهم، وعصوا الله لأجلها {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.
والمراد بالعذاب هـنا، ما ينالهم من المشقة في تحصيلها، والسعي الشديد في ذلك، وهـم القلب فيها، وتعب البدن.
فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم، لم يكن لها نسبة إليها، فهي -لما ألهتهم عن الله وذكره- صارت وبالا عليهم حتى في الدنيا.
ومن وبالها العظيم الخطر، أن قلوبهم تتعلق بها، وإرادتهم لا تتعداهـا، فتكون منتهى مطلوبهم وغاية مرغوبهم ولا يبقى في قلوبهم للأخرة نصيب، فيوجب ذلك أن ينتقلوا من الدنيا {وتزهـق أنفسهم وهـم كافرون}
فأي عقوبة أعظم من هـذه العقوبة الموجبة للشقاء الدائم والحسرة الملازمة.
—–
قال ابن كثير:
وقوله: {وتزهـق أنفسهم وهـم كافرون}
أي: ويريد أن يميتهم حين يميتهم على الكفر، ليكون ذلك أنكى لهم وأشد لعذابهم، عياذا بالله من ذلك، وهـذا يكون من باب ا?ستدراج لهم فيما هـم فيه.
قال الشوكاني:
والمعنى: “لَا تَسْتَحْسِنْ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بِمَا يَحْصُلُ مَعَهُمْ مِنَ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ عِنْدَ أَنْ يَغْنَمَهَا الْمُسْلِمُونَ وَيَأْخُذُوهَا قَسْرًا مِنْ أَيْدِيهِمْ مَعَ كَوْنِهَا زِينَةَ حَيَاتِهِمْ وَقُرَّةَ أَعْيُنِهِمْ، وَكَذَا فِي الْآخِرَةِ يُعَذِّبُهُمْ بِعَذَابِ النَّارِ بِسَبَبِ عَدَمِ الشُّكْرِ لِرَبِّهِمُ الَّذِي أَعْطَاهُمْ ذَلِكَ، وَتَرْكِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَالتَّصَدُّقِ بِمَا يَحِقُّ التَّصَدُّقُ بِهِ، وَقِيلَ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالْمَعْنَى: فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، فَهُمْ يُنْفِقُونَ كَارِهِينَ فَيُعَذَّبُونَ بِمَا يُنْفِقُونَ. قَوْلُهُ: وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ الزُّهُوقُ: الْخُرُوجُ بِصُعُوبَةٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ، وَتَخْرُجَ أَرْوَاحُهُمْ حَالَ كُفْرِهِمْ، لِعَدَمِ قَبُولِهِمْ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَأُرْسِلَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَتَصْمِيمِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ وَتَمَادِيهِمْ فِي الضَّلَالَةِ”، فتح القدير للشوكاني
هل يصح في الباب شيء؟
ذكر محقق الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. طبعة غراس:
أن تفاصيل مقاطعة قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم مثل أن الارضة أكلت من الصحيفة. و …..
كلها مراسيل
ولا يصح منها شئ
إنما الذي صحَّ هو أصل المقاطعة وأنها ثابتة
فهل هذا صحيح. وهل هناك شيء من أحداث المقاطعة ثابت؟
———–‘———–‘———
ذكر أبو نعيم في حلية الأولياء:
حدثنا محمد بن عاصم ثنا الحسين بن أبي معشر ثنا سفيان بن وكيع ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد
عن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ: ” كنا قوما يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشدته، فلما أصابنا البلاء اعْتَرَفْنَا لذلك وصبَرْنَا له ومَرَنَّا علَيْه، ولقد رأيتني مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة شيء تحت بولي، فإذا قطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين ثم استففتها وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثا “.
وفي السيرة لابن إسحاق:
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن كيسان عن بعض آل سعد عن سعد بن أبي وقاص قال: لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجت من الليل أبول فإذا أنا أسمع قعقعة شيء تحت بولي فنظرت فإذا قطعه جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فرضضتها بين حجرين ثم استففتها، فشربت عليها من الماء، فقويت عليها ثلاثاً.
وأخرج أبو نعيم:
حدثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا العباس بن الفضل ثنا مبارك بن فضالة ثنا الحسن قال خطب عتبة بن غزوان فكان أول أمير خطب على منبر البصرة ولقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ومالنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا غير أني التقطت بردة فشققتها بيني وبين سعد بن مالك قال فما بقي من الرهط السبعة إلا أمير على مصر من الأمصار
وقال عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ: ” فحُصِرْنا في الشِعْبِ ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة (الطعام) حتى أن الرجل منا ليخرج بالنفقة فما يُبَايع حتى يرجع، حتى هلك منا مَن هلك “.
ذكره بعض الباحثين ولم يعزه ولم أجده
ذكر الذهبي في تاريخ الإسلام:
قال موسى بن عقبة، عن الزّهري قال: ثم إنّهم اشتدّوا على المسلمين كأشدّ ما كانوا، حتى بلغ المسلمين الجهد، واشتدّ عليهم البلاء، واجتمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيةً، فلمّا رأى أبو طالب عملهم جمع بني هاشم وأمرهم أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويمنعوه ممّن أراد قتله، فاجتمعوا على ذلك مسلمهم وكافرهم، فمنهم من فعله حميّةً، ومنهم من فعله إيماناً، فلمّا عرفت قريش أنّ القوم قد منعوه أجمعوا أمرهم أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل، وكتبوا في مكرهم صحيفةً وعهوداً ومواثيق، لا يقبلوا من بني هاشم أبداً صلحاً، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل.
فلبث بنو هاشم في شعبهم، يعني ثلاث سنين، واشتدّ عليهم البلاء، وقطعوا عنهم الأسواق، وكان أبو طالب إذا نام النّاس أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطّجع على فراشه، حتى يرى ذلك من أراد مكراً به واغتياله، فإذا نام النّاس أمر أحد بنيه أو إخوته فاضطّجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويأتي رسول الله فراش ذلك فينام عليه، فما كان رأس ثلاث سنين، تلاوم رجال من بني عبد مناف، ومن بني قصيّ، ورجال أمّهاتهم من نساء بني هاشم، ورأوا أنّهم قد قطعوا الرّحم واستخفّوا بالحقّ، واجتمع أمرهم من ليلتهم على نقض ما تعاهدوا عليه من الغدر والبراءة منه.
وبعث الله على صحيفتهم الأرضة، فلحست كلّ ما كان فيها من عهد وميثاق، ويقال كانت معلّقةً في سقف البيت، فلم تترك اسماً لله إلاّ لحسته، وبقي ما كان فيها من شرك أو ظلم، فأطلع الله رسوله على ذلك، فأخبر به أبا طالب، فقال أبو طالب: لا والثّواقب ما كذبني، فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطّلب، حتى أتى المسجد وهو حافل من قريش، فأنكروا ذلك، فقال أبو طالب: قد حدثت أمور بينكم لم نذكرها لكم، فائتوا بصحيفتكم التي تعاهدتم عليها، فلعلّه أن يكون بيننا وبينكم صلح، فأتوا بها وقالوا: قد آن لكم أن تقبلوا وترجعوا إلى أمر يجمع قومكم، فإنّما قطع بيننا وبينكم رجل واحد، وجعلتموه خطراً للهلكة، قال أبو طالب: إنّما أتيتكم لأعطيكم أمراً لكم فيه نصف، إنّ ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني، أنّ الله بريء من هذه الصحيفة، ومحا كلّ اسم هو له فيها، وترك فيها غدركم وقطيعتكم، فإن كان كما قال، فأفيقوا، فوالله لا نسلمه أبداً حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي قال باطلاً، دفعناه إليكم، فرضوا وفتحوا الصّحيفة، فلمّا رأتها قريش كالذي قال أبو طالب، قالوا: والله إن كان هذا قطّ إلاّ سحراً من صاحبكم، فارتكسوا وعادوا لكفرهم، فقال بنو عبد المطّلب: إنّ أولى بالكذب والسّحر غيرنا، فكيف ترون، وإنّا نعلم أنّ الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسّحر من أمرنا، ولولا أنّكم اجتمعتم على السّحر لم تفسد الصّحيفة، وهي في أيديكم، أفنحن السّحرة أم أنتم؟ فقال أبو البختري، ومطعم بن عديّ، وزهير بن أبي أميّة بن المغيرة، وزمعة بن الأسود، وهشام بن عمرو، وكانت الصّحيفة عنده، وهو من بني عامر بن لؤيّ، في رجال من أشرافهم: نحن براء ممّا في هذه الصّحيفة، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل.
وذكر نحو هذه القصّة ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة.
وذكر ابن إسحاق نحواً من هذا، وقال: حدّثني حسين بن عبد الله أنّ أبا لهب، يعني حين فارق قومه من الشعب، لقي هنداً بنت عتبة بن ربيعة، فقال لها: هل نصرت اللّات والعزّى وفارقت ن فارقها؟ قالت: نعم فجزاك الله خيراً يا أبا عتبة.
وأقام بنو هاشم سنتين أو ثلاثاً حتى جهدوا، لا يصل إليهم شيء إلاّ سرّاً مستخفىً به. وقد كان أبو جهل فيما يذكرون لقي حكيم بن حزام بن خويلد، ومعه غلام يحمل قمحاً، يريد به عمّته خديجة، وهي في الشّعب فتعلّق به وقال: أتذهب بالطّعام إلى بني هاشم، والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة، فجاءه أبو البختريّ بن هشام فقال: ما لك وله! قال: يحمل الطّعام إلى بني هاشم! قال: طعام كان لعمّته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها، خلّ سبيل الرّجل، فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه، فأخذ له أبو البختري لحى بعير، فضربه فشجّه ووطئه وطئاً شديداً، وحمزة يرى ذلك، ويكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فيشتموا بهم.
قال: ورسول الله على ذلك يدعو قومه ليلاً ونهاراً، سراً وجهراً.
وقال موسى بن عقبة: فلمّا أفسد الله الصّحيفة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطه، فعاشوا وخالطوا النّاس.
وابن كثير نقل هذه الوقائع وغيرها من كلام ابن إسحاق ولم يسندها ابن إسحاق. وهي كذلك في السيرة لابن إسحاق غير مسنده يعني من مراسيله
ذكر ابن تيمية كذب الرافضة في قولهم أن علي بن أبي طالب كان يؤاجر نفسه ليطعم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو محصور في الشعب وبين كذب ذلك من وجوه منها انهم لم يكونوا يخرجون من الشعب. والثاني أن أباه كان معهم في الشعب ينفق عليه. والثالث أن خديجة كانت موسرة تنفق من مالها. والرابع أن عليا لم يؤجر نفسه بمكة قط وكان صغيرا حين كان في الشعب.
منهاج السنة 7/ 366
وكذلك رد على الرافضة في قولهم ان النبي صلى الله عليه وسلم عرض الخلافة على بني هاشم فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب
وبين ان بني هاشم لم يجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار واحدة فأن أبا لهب كان مظهرا لمعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما حصر بنو هاشم في الشعب لم يدخل معهم أبو لهب
المنهاج 7/ 219
ويقرر أن عبدالله بن عباس ولد وبنو هاشم محاصرين … . المنهاج 7/ 217
———
*ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه*
باب تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم
وأورد الحديث الآتي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينا: منزلنا غدا إن شاء الله، بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر.
*قال ابن حجر رحمه الله في الفتح بعد أن ذكر بعض أقوال أصحاب المغازي (ابن اسحاق وموسى بن عقبة وابن هشام .. ):*
ولما لم يثبت عند البخاري شيء من هذه القصة اكتفى بإيراد حديث أبي هريرة لأن فيه دلالة على أصل القصة لأن الذي أورده أهل المغازي من ذلك كالشرح لقوله في الحديث تقاسموا على الكفر
________
وفي صحيح مسلم:
حدثني زهير بن حرب، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثني الأوزاعي، حدثني الزهري، حدثني أبو سلمة، حدثنا أبو هريرة، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن بمنى: نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر وذلك إن قريشا وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بذلك، المحصب
*وفي سنن أبي داود (وصححه الألباني) رحم الله الجميع:*
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله أين تنزل غدا في حجته قال هل ترك لنا عقيل منزلا ثم قال نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريش على الكفر يعني المحصب وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤووهم قال الزهري والخيف الوادي.
لكن كأن ابن حجر يرى أن في الحديث إدراج كما في الفتح (أو أني لم أفهم مقصوده):
ويختلج في خاطري أن جميع ما بعد قوله يعني المحصب إلى آخر الحديث من قول الزهري أدرج في الخبر فقد رواه شعيب كما في هذا الباب وإبراهيم بن سعد كما سيأتي في السيرة ويونس كما سيأتي في التوحيد كلهم عن بن شهاب مقتصرين على الموصول منه إلى قوله على الكفر ومن ثم لم يذكر مسلم في روايته شيئا من ذلك.
________
*قال أحد الباحثين:*
لقد حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم المكان الذي تقاسمت فيه قريش على الكفر – يعني تحالفها على مقاطعة بني هاشم – فذكر أنه خيف بني كنانة (1)،وقد ورد الخبر مفصلاً من مرسل أبي الأسود ومرسل الزهري (2)، كما ورد من مرسل عروة بن الزبير (3)، ونظراً لأن الزهري وأبا الأسود من تلاميذ عروة، فإن ثمة احتمالاً قوياً أنهما يرويان الخبر عنه، مما يجعل المرسل (4) لا يقوى بالتعدد لوحدة مخرجه.
وإذا لم تثبت رواية في تفاصيل دخول المسلمين شعب أبي طالب، فإن أصل الحادث ثابت (5)، كما أن ذلك لا يعني عدم وقوع تفاصيل الحادث تأريخياً، فإن عروة رائد مدرسة المغازي، وهو إنما يروي عن الصحابة في الغالب. وخلاصة رواية عروة أن حصار الشعب وقع بعد فشل قريش في استعادة المسلمين المهاجرين إلى الحبشة، حيث أهاجها الأمر واشتد البلاء على المسلمين، وعزمت قريش أن تقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجمع بنو عبد المطلب أمرهم على أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ويحموه فيه، فدخلوا الشعب جميعاً مسلمهم وكافرهم، وأجمع المشركون أمرهم على أن لا يجالسوهم ولا يخالطوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله للقتل، وكتبوا في ذلك صحيفة فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء والجهد والجوع، فلما كان رأس ثلاث سنين تلاوم رجال من قريش على ما حدث وأجمعوا على نقض الصحيفة، وقد أعلمهم الرسول بأنه لم يبق فيها سوى كلمات الشرك والظلم (6). وهكذا انتهت المقاطعة.
أما رواية موسى بن عقبة فتذهب إلى أن المشركين أخرجوا بني هاشم من مكة إلى الشعب، فأمر رسول الله المسلمين أن يخرجوا إلى أرض الحبشة، فيكون حصار الشعب والهجرة إلى الحبشة قد وقعا في وقت متقارب.
وقد ذكر الزهري أن عمر الرسول صلى الله عليه وسلم كان – حين الخروج من الشعب – تسعا وأربعين سنة، وكان خروجهم في السنة العاشرة، وأنهم مكثوا في الشعب سنتين (7)، ويقال: إن رجوع من كان مهاجراً بالحبشة إلى مكة كان بعد الخروج من الشعب (8). وعلى ذلك يكون حصار الشعب قد بدأ في آخر العام السابع من البعثة.
——————–
(1) صحيح البخاري (فتح الباري 7/ 192، 8/ 14). قال النووي والمحصب والأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة اسم لشيء واحد.
(شرح صحيح مسلم 9/ 59).
(2) بإسناد حسن إلى أبي الأسود والزهري (دلائل البيهقي 2/ 311 – 314 والدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر 27 – 30).
(3) بإسناد ضعيف إليه فيه محمد بن عمرو بن خالد الحراني لم أقف له على ترجمة وابن لهيعة ضعيف (الدلائل لأبي نعيم 1/ 357 – 362 والدلائل للبيهقي 2/ 314).
(4) يعني مرسل أبي الأسود والزهري، إذ هما أقوى سنداً إليهما من مرسل عروة الذي لم يثبت عنه من طريق صحيحة.
(5) قال ابن حجر: “ولما لم يثبت عند البخاري شيء من هذه القصة اكتفى بإيراد حديث أبي هريرة لأن فيه دلالة على أصل القصة لأن الذي أورده أهل المغازي من ذلك كالشرح لقوله في الحديث “تقاسموا على الكفر”. (فتح الباري 7/ 193).
(6) ذكر ابن هشام أنهم وجدوا الأرضة قد أكلت جميع ما في الصحيفة إلا اسم الله تعالى، وقال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وعروة عكس ذلك أن الأرضة لم تدع اسماً لله تعالى إلا أكلته، وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة (فتح الباري 7/ 192).
وانظر مغازي موسى بن عقبة (جمع محمد باقشيش) 1/ 126 – 127 وسيرة ابن هشام 1/ 377.
(7) وقيل كان ابتداء حصرهم في المحرم سنة سبع من المبعث قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثاً، وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين (فتح الباري 7/ 192).
(8) المقريزي: إمتاع الأسماع 26 عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب مرسلاً.