41 مشكل الحديث:
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
شارك محمد البلوشي وإسلام المصري وأحمد بن علي وأبو صالح حازم وعبدالله البلوشي أبو عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——‘——-”
——-‘——‘——-”
في رواية … (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) … قال صلى الله عليه وسلم: هم أهل فارس. … بمعناه
فإذا كان الخطاب موجه للصحابة. يصير أهل فارس أفضل من الصحابة رضي الله عنهم
——-
الحديث صححه العلامة الالباني رحمه الله رحمة واسعة في الصحيحه بمتابعاته برقم 1017
وقال الطحاوي في مشكل الاثار (ثم تأملنا معنى ما فيه فوجدناه وعيدا شديدا للمذكورين فيه إن تولوا , من استبدال غيرهم بهم ممن لا يكونون أمثالهم فيه , فوجدنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم المخاطبون بذلك إن تولوا , فلم يتولوا بحمد الله ونعمته فيستحقوا ذلك الوعيد رضوان الله عليهم. [ص:382] ووجدنا الوعيد قد يقصد به إلى من يراد به غيره , ومن ذلك قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} [الزمر: 65] وذلك مما علم الله عز وجل أنه لا يكون منه ; لأنه قد تولاه وعصمه , وأعد له رضوانه وجنته , وكان المراد بذلك الوعيد غيره , بمعنى أي: لما كانت منزلته صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل هذه المنزلة التي ليست لغيره , وكان إن أشرك لحقه الوعيد الذي في هذه الآية , والشرك لا يكون منه صلى الله عليه وسلم , كان من قد يكون الشرك إذا أشرك بذلك الوعيد أولى , وبوقوعه به أحرى.
ومثل قول الله عز وجل له صلى الله عليه وسلم: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين} [الحاقة: 45] قال أبو جعفر: الوتين: نياط القلب , ثم قد علم عز وجل أن ذلك لا يكون منه , فأعلمهم عز وجل أن ذلك لو كان منه حل له هذا الوعيد , ليعلموا أنه إذا كان ذلك منهم , وفيهم من هو موهم منه أنه قد يجوز أن يكون ذلك منه , إن لم يعصمه عنه ربه عز وجل , أنهم بحلول ذلك الوعيد بهم إذا كان منهم أولى , وبوقوعه بهم أحرى , فمثل ذلك قوله جل وعز لهم: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم} [محمد: 38] وهم خيرته لنبيه صلى الله عليه وسلم , وقد أعد لهم ما أعد لهم في الآخرة , من كرامته ورضوانه بما لا يكون منهم معه في الدنيا التولي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , كان ذلك الوعيد لسواهم ممن قد يجوز توليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فيكون بتوليه عنه من أهل ذلك الوعيد , ويكون حريا بوقوعه به , والله تعالى نسأله التوفيق انتهى كلامه رحمه الله
وقد أطنب أبو نعيم في أول» تاريخ أصبهان «في تخريج طرق هذا
الحديث، أعني حديث:» لو كان الدين عند الثريا «، ووقع في بعض طرقه عند
أحمد بلفظ:» لو كان (((العلم))) عند الثريا «، وفي بعض طرقه عند أبي نعيم، عن
أبي هريرة أن ذلك كان عند نزول قوله تعالى: {وإنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [محمد (38)]، ويحْتَمِل أن يكون ذلك صدر عند نزول كل من الآيتين.
قلت سيف بن دورة: حديث أبي هريرة هذا ذكره ابن كثير تفرد الزنجي به
والترمذي قال بعد أن أخرجه 3260 من طريق شيخ من أهل المدينة عن العلاء بن عبد الرحمن به: حديث غريب وفي إسناده مقال. وقد روي عبدالله بن جعفر أيضا هذا الحديث عن العلاء بن عبد الرحمن. ثم ساقه الترمذي 3261
وقلنا في تحقيقنا لتفسير ابن كثير: … والزنجي كما في الاستدراك الذي ذكره الألباني في حديث الصحيحة 1017 متابع. وأيضا هناك متابعات للعلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه كما في العلل للدارقطني 1995
ومرة قلنا في باب فضائل سلمان في شرحنا لمسلم: أما نزول الآية: (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم. .. ) وأنها سبب الثناء على فارس قال الذهبي في للسير 1/ 541: إسناده وسط.
لكن عندي أن ما في الصحيح أصح لأن العلاء بن عبد الرحمن وإن كان صدوقا فقد أنكر عليه بعض الأحاديث وهنا خالف ما في الصحيحين.
وإن صححناه فسيأتي توجيهه وأنه لا حجة فيه لمن يقول قصر الصحابة في نصرة نبيهم.
والمتابعة التي ذكرتها في علل الدارقطني فيها الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة.
وقد تقدَّم في مسلم الحديث مجردًا عن السبب من رواية يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، رفعه:» لو كان الدين عند الثريا لذهب رجال من أبناء فارس، حتى يتناولوه «، وأخرجه أبو نعيم من طريق سليمان التيميّ، حدّثني شيخ من أهل الشام، عن أبي هريرة نحوه، وزاد في آخره:» برِقّة قلوبهم «، وأخرجه أيضًا من وجه آخر عن التيميّ، عن أبي عثمان، عن سلمان الفارسيّ بالزيادة
قلت سيف بن دورة: فيه يزيد بن سفيان بن عبيد الله ابوخالد له ترجمه في التكميل لابن كثير ونقل أن ابن حبان قال: يروي عن سليمان التيمي يعني عن أبي عثمان عن سلمان نسخة مقلوبة لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.
قال الذهبي: يزيد بن سفيان عن سليمان التيمي له نسخة منكرة ضعف بها. ديوان الضعفاء
وقال في الميزان تكلم فيه ابن حبان ثم ذكر بعض مناكيره
ومن طريق أخرى من هذا الوجه، فزاد فيه:» يتّبعون سنتي، وُيكثرون الصلاة عليّ «،
قال القرطبيّ: وقع ما قاله – صلى الله عليه وسلم – عيانًا، فإنه وُجد منهم من اشتهر ذِكره من حفاظ الآثار، والعناية بها ما لم يشاركهم فيه كثير من أحد غيرهم. [» الفتح «(10) / (698) – (699)، كتاب» التفسير «رقم ((4897))].
وقال في» معجم البلدان «: العرب إذا ذكرت المشرق كله قالوا: فارس، فمعنى الحديث: أهل خراسان؛ لأنك إن طلبت مصداق الحديث في فارس لم
تجده لا أولًا ولا آخرًا، وتجد هذه الصفات نفسها في أهل خراسان، دخلوا
في الإسلام رغبةً، ومنهم: العلماء، والنبلاء، والمحدِّثون، والمتعبِّدون، وإذا
حررت المحدِّثين من كل بلد وجدت نصفهم من خراسان، وجُلّ رواة الرجال
منها، وأما أهل فارس فَكَنارٍ خَمَدت لم يبق لهم بقية بذِكر، ولا شَرَف. انتهى [» فيض القدير شرح الجامع الصغير” للمناويّ (5) / (322)].
قال الجامع عفا الله عنه –أي: محمد آدم الأثيوبي-: الأولى حَمْل الحديث على أهل فارس، ولايتعارض مع ما وُجد من أهل خراسان، فإنهما قطران متقاربان، والله تعالى
أعلم. [البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج – محمد آدم الأثيوبي، وفتح المنعم، بتصرف يسير]
فهذا الحديث لا يدل على أن أهل فارس أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، وذلك للوجوه التالية:
أ. الآية المذكورة فيه وهي قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) المراد منها التخويف فقط، وإلا فلا يوجد من هو أفضل من الصحابة رضي الله عنهم، ولا مثلهم.
قال القرطبي رحمه الله:
“قوله تعالى: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) هو إخبار عن القدرة، وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم” انتهى. ” تفسير القرطبي ” (18/ 194).
ب. لم يتفق العلماء والمفسرون على تفسير الآية بهذا الحديث، وأن القوم الذين سيأتون هم من فارس.
قال الماوردي رحمه الله:
” (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم أهل اليمن، وهم الأنصار، قاله شريح بن عبيد.
الثاني: أنهم الفرس – وذكر حديث أبي هريرة -.
الثالث: أنهم مَن شاء مِن سائر الناس، قاله مجاهد” انتهى.
” النكت والعيون ” (5/ 307، 308).
وراجع تفسير الطبري أيضا
وكون المقصود أنهم العرب
قاله الواحدي في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز قال هذا الخطاب للعرب
ونقله أيضا السمعاني في تفسيره فقال وهو المعروف وإن تتولوا يا معشر العرب
فائدة:
وعلى فرض أن الآية في الردة، وأن المقصود بهم العرب، وأن القوم الذين سيحلون مكانهم هم “الفرس”، فإنها تحوي علماً غيبيّاً فيها بشارة للمسلمين من أهل الفرس أنه لا يحدث فيهم ردة عن الدِّين، وفيه إشارة لاحتمال وقوعها من غيرهم، وهو ما حصل بالفعل.
قال الطاهر بن عاشور رحمه الله:
“وأقول: هو يدل على أن ” فارس ” إذا آمنوا: لا يرتدون، وهو من دلائل نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم ثنتي عشرة مرة، فيما حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم” انتهى.
” التحرير والتنوير ” (26/ 139).
وعلى هذا الكلام عن الفرس المسلمين، والرافضة الفرس ليسوا منهم.
فإما أن يقال: لم يحصل تولي عموماً لا عن الطاعة، ولا عن النفقة، فلم يحصل استبدال، أو يقال: حصل التولي من بعض العرب فجاء الله تعالى بالبديل من مسلمي الفرس، فخدموا دين الله تعالى، وساهموا في نشره، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
“قال القرطبي: وقع ما قاله صلى الله عليه وسلم عِياناً، فإنه وُجد منهم – أي: من الفرس – من اشتُهر ذِكرُه من حفَّاظ الآثار، والعناية بها، ما لم يشاركهم فيه كثيرٌ من أحدٍ غيرهم” انتهى.” فتح الباري ” (8/ 643).
وقد ذكر ابن تيمية أن أهل فارس نبغوا في العلم بعد عصر الصحابة. فيمكن أن يحمل بالتولي ترك النصرة وتحمل العلم بعد عصر الصحابة فيكون الخطاب للصحابة لكن يراد به غيرهم:
جاء في (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم لابن تيمية): “ومصداق ذلك ما وجد في التابعين ومن بعدهم من أبناء فارس الأحرار، والموالي مثل الحسن وابن سيرين وعكرمة مولى ابن عباس وغيرهم إلى من وجد بعد ذلك فيهم من المبرزين في الإيمان والدين والعلم حتى صار هؤلاء المبرزون أفضل من أكثر العرب وكذلك في سائر أصناف العجم من الحبشة والروم والترك وغيرهم سابقون في الإيمان والدين لا يحصون كثرة على ما هو معروف عند العلماء إذ الفضل الحقيقي هو اتباع ما بعث الله به محمدا صلى الله عليه و سلم من الإيمان والعلم باطنا وظاهرا فكل من كان فيه أمكن كان أفضل والفضل إنما هو بالأسماء المحمودة في الكتاب والسنة مثل الإسلام والإيمان والبر والتقوى والعلم والعمل الصالح والإحسان ونحو ذلك لا بمجرد كون الإنسان عربيا أو عجميا أو أسود أو أبيض ولا بكونه قرويا أو بدويا وإنما وجه النهي عن مشابهة الأعراب والأعاجم مع ما ذكرناه من الفضل فيهم وعدم العبرة بالنسب والمكان مبني على أصل وذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل سكنى القرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين ورقة القلوب مالا يقتضيه سكنى البادية كما أن البادية توجب من صلابة البدن والخلق ومتانة الكلام مالا يكون في القرى هذا هو الأصل وإن جاز تخلف هذا المقتضى لمانع وكانت البادية أحيانا أنفع من القرى ولذلك جعل الله الرسل من أهل القرى … “.
وطول ابن تيمية في بيان فضيلة العرب في الجملة ولا يمنع ان يكون هناك أفراد من العجم أفضل من كثير من العرب. وسبق نقلنا كلامه في كتاب الفضائل من صحيح مسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم
قال الحليمي 403 هـ في كتاب من لطائف وفوائد (المنهاج في شعب الإيمان) (مرتبا بالآيات والسور):
ومما يتصل بهذا الباب تعظيم العرب وإجلالهم لأنه – صلى الله عليه وسلّم – عربي.
وجاء عنه – صلى الله عليه وسلّم -: «إن الله خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فيحبني أحبهم، ومن أبغض العرب فيبغضني أبغضهم».
ومنها ما قالوا: قد غير الله تعالى بالعجم، فقال: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} قال أبو هريرة نزلت هذه الآية وسلمان إلى جنب رسول الله – صلى الله عليه وسلّم -، فقيل: يا رسول الله، من هؤلاء؟ فضرب رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – فخذ سلمان فقال: «هذا وقومه والذي نفسي بيده لو كان الإيمان بالثريا لتناوله رجال من فارس».
وعن أبي هريرة قال: كنت عند النبي – صلى الله عليه وسلّم -، فذكر عنده الأعاجم فقال: «لأنا أوثق بهم مني بكم» أو قال: «ببعضكم».
قالوا: فهذا قول رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – في العجم، وقد قال الله – عز وجل – في العرب: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ}.
قالوا: وأنزل في بحيرا الراهب وفعلته وأسيد بن أبي شعبة ووهب بن تامين وعده من قومه: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ}.
وقال الله – عز وجل – في العرب: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} فشتان ما بين القولين:
ومنها إن قالوا: روينا عن رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – أنه قال: «السباق أربعة: أنا سابق العرب، وبلال سابق الحبشة، وسلمان سابق الفرس، وصهيب سابق الروم، وأولى فضيلة المسلم سبقه إلى الإسلام».
لقد ثبت منها العجز ما لم يثبت للعرب، وإن كان النبي – صلى الله عليه وسلّم – منهم لا من العجم.
فإن أنكرتم هذا وقلتم قد سبق إلى الإسلام أبو بكر وعمار وأمه سمية وبلال وصهيب والمقداد قلنا: فالسابق إذاً بعد النبي – صلى الله عليه وسلّم – ستة عرب وستة عجم، والنبي – صلى الله عليه وسلّم – عربي، فلم يساوي عدد أتباعه من رهطه عدد أتباعه من غيرهم دون أن يزيدوا عليه أضعافاً مضاعفة إلا عن عتوهم وتكبرهم على الله ورسوله، ولم يساو عدد الأجانب منهم عدد رهطه إلا حصين بن الأغن سرعة ادعائهم للحق وانقيادهم لله ورسوله، فأي أشكال يبقى مع هذا في فضل العجم على العرب.
ومنها إن قالوا: ما أسلم من الأعاجم أحد ثم نافق وارتد بعد إيمانه، وإنما كان النفاق والردة في العرب خاصة، فدل ذلك على أن الأعاجم أقوى بصائر، وأعلم بالله – عز وجل – ورسوله من العرب ورأس لفضائل الدين، فإذا كانت الأعاجم فيه أرسخ من العرب، فما فضل العرب بعد ذلك على العجم؟
فالجواب ـ وبالله التوفيق ـ إن كل فضل ثبت لواحد على آخر، أو لفريق على فريق، لا يخلو من أن يكون رجحاناً في الأسباب التي تتعلق بها مصالح الحياة الدنيا، أو رجحاناً في الألباب التي يستحق بها الثواب في النشأة الأخرى.
وهذا القسم الذي ذكرته آخراً، ولا يمكن أن يقطع بأن العرب فيه أفضل من العجم إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلّم -، والذي توفي رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – وهو عنهم راض من أهل بيته وأصحابه وأزواجه والأبناء الذين كانوا قبله من العرب، فأما غير الذي ذكرناهم فلا يبعد أن يكون في العرب من يدأب في الصالحات ويتنزه عن السيئات، فكثر بها ثوابه في الآخرة، ويكون بما اكتسب أفضل من عجمي لا يوافي القيامة بمثل عمله.
وإذا كان ذلك مما لا يمكن أن يقطع به في الآحاد، فكذلك هو في الجملة، لأنه لا يعلم أحد سوى الله تبارك وتعالى أن جملة العرب أكثر حظاً من إحسانه يوم القيامة أو جملة العجم.
وكل ما أورده المعترض من الآيات والأخبار في دفع غيره من تفضيل العرب على العجم، فإنه ينحو نحو هذا الباب وإنما أريد بها الفضل الذي يظهر في الآخرة دون ما سواه، على أنها إن منعت من تفضيل العرب على العجم بالإطلاق، فكذلك يمنع من تفضيل العجم على العرب، ولا ملجأ للمعرض عليها ولا حجة له فيها، لأن النكتة إذا كانت «أن من كان أتقى فهو أفضل» فالتقوى قد توجد في الفريقين، وأن كل أعجمي أتقى من عربي، وقد يكون عربي أتقى من عجمي بالاحتجاج بما يستوي الفريقان فيه، لا يعني في موضع الخلاف شيئاً.
وأما القسم الأول فإنه يتفرع فيه البيان الواقع باللسان المعرب عما في الضمير المترجم عن القلب، وفيه العلم والحكمة، وفيه الحمية والشجاعة، وفيه الجود والسماحة والوفاء بالذمة، فأما البيان، فللعرب فيه التقدم والفضل الذي يعترف به لهم اضطراراً من لم يعترف لهم به اختياراً، ولهم من أصناف النظم الذي لا يدخل بعضها على بعض نحو نظم الشعر، ونظم الخطب، ونظم الرسائل والاسجاع الحسنة، والأمثال الدالة على وفرة الذكاء، وصحة الذهن.
وهذا الفوز في المعرفة والحكم الموجودة في أشعارها الدالة على مثل ما وصفنا من دلالة الأمثال ما ليس لغيرهم، وإنما أخذت العجم قول الشعر عن العرب، ثم لم تلحق ثناءهم، ولا نكرت على مثل رسائلهم وخطبهم، ولا تعرفت لغاتهم، كتعرفة العربية، ولا اتبعت الوزن فيكون لها النحو والصرف الذي هي على الانفراد علم كثير، وله علماء يعتكف على الأخذ عنهم ويرتحل في طلبه من البلدن إليهم، وفيه من الكتب المتقسمة بين الواضح والغامض مثل ما لسائر العلوم الجلية، ولربما استنفذ الشغل به من الواحد، العمر الطويل، ثم لا يقف من جملته إلا على الشيء القليل، أما العلم والحكمة فإنه لا يعرف للفرس علم تفردوا به، إنما لهم أنساب ورسوم اجتمعوا عليها ووضعوها لما سلبهم الله تعالى كتابه، ورفع من بينهم خطابه، فاضطره إلى اختراع، اخترعوه من المثل المرسوم، فكانوا فيها كما قال الله عز وجل: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} وما من قوم إلا ولهم فيما بينهم عادة وموضوعات تعارفوها وجروا عليها، ولا يكادون يعرفون غيرها.
وذلك موجود في أهل كل سوق، وفي أهل كل بيت، فلئن كانت علماء الفرس اتخذت لأنفسها مع أصاغرها وضعاً يجرون عليه ويتعاجلون به، فكذلك لا يوجب أن يكون العلماء الأمم وحكماء الفرق.
ولها من العلم بالخيل من الانفراد، مثل ما لها من الفضل بحبلها العراب، فلو اقتصر عليها وجعلت مثلاً لأدبارها.
وقيل أن رجحان العرب على العجم كرجحان العرب على براذين العجم، فكان ذلك من أقرب الأمثال، فلهم في العلم ما يحتاج ابانه فيه قراطيس كثيرة، ولا يكمل لإدراك ألفاظهم التي يعتبرون بها من خلقها وأخلاقها وسيئاتها ألا يشار إليه في علم اللغة، معترف له بالفضل والأخذ به.
ولها علم الفراسة والقيافة المعمون بها في الجاهلية والإسلام، الموثوق بها في مقاطع الأحكام.
وقد كان في العرب أيضاً كتب كثير وأطباء معروفون، ثم لا يشكل على أحد أنه لا خط كالخط العربي، ولا لفظ أبهى من اللفظ العربي، ولا قوم أشد حمية ولا أنفة من العرب.
فقد قيل: الحمية عشرة أجزاء، تسعة منها في العرب، ولأجلها كانوا يئدون البنات وإن كانت الحمية إذا بلغت هذا الحد، كانت شرفاً، ونهى الله تعالى عن الشرف.
ولا قوم أشجع من العرب، ولذلك كان عظم قتالهم بالرماح والسيوف، لأن القتال إذا كان بالسهام تباعدت المواقف، وتباعدها شهادة من كل واحد من الفريقين على نفسه بالإخافة من صاحبه، وإذا كانت بالسيوف والرماح، تدانت الصفوف والدنو من العدو دلالة بأنه الجرأة والشهامة وقلة الحفل بالخصم، ولذلك قال زهير حكيم العرب فيما مدح به هرم بن سنان المري:
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا طعنوا
ضاربت حتى إذا ما ضاربوا أعنفا وشجعان العرب وأبطالهم معروفون وأخبارهم مدونة.
ولذلك جود الأجواد منهم وحفظهم حق الجار والتذمم.
فقد كان منهم هاشم بن عبد مناف الذي بلغ بين اطعامه كل من ورد عليه ومر به، إذ كان يقال له: (مطعم طير السماء)، وكان ينفق على الحاج في كل سنة ربع ماله، وقد كان في العرب من لا يسميهم من أثر غيره على نفسه بما كانت في قعده هلكته.
ومنهم من ورد على أسير فاستغاث به ففداه، وماله غائب عنه فأطلقه، وامام في القدم كأنه حتى أحضر ماله، فأذاه.
ومنهم من استجار به غيره فقتله، فلم يمت من قرابة جاره أحد إلا وذاه، ومنهم من نزل به ضيف، ولا مال له إلا بعير فنحره للضيف، ولولا أن كتابنا هذا ليس إلا لأخبار الديانات لا وردت مما جاء في هذه الأبواب ما يشفي الصدر، ولكنها موجودة عند أهلها لا يتعذر الوصول إليها على من أرادها بإذن الله تعالى.
فأما الفرس بالعراء من هذا كله، وإنما لهم البذخ والزهو والصلف والفخر بالأموال والعدد التي كانت لسلفهم، وقد سلبهم الله – عز وجل – جميعها بأيدي العرب ورماحهم وسيوفهم.
والبسر بن أقر بن جعثم أعرابياً من نبيء بذبح سوارى كسرى، إذ كان رسول الله – صلى الله عليه وسلّم – بشرة بذلك، فأنى يسوغ لهم الفخر على قومهم أذلهم الله بهم وأعلى بهم عليهم، ويفل الملك عنهم إليهم حكماً منه عدلاً، وقضاء حقاً وبالله التوفيق.
ثم جاء عن النبي – صلى الله عليه وسلّم – أنه قال: «من أحب العرب فيحبني أحبهم، ومن أبغض العرب فيبغضني أبغضهم» وعنه – صلى الله عليه وسلّم – أنه قال لسلمان: «يا سلمان، لا تبغضني فتفارق دينك: قال: قلت يا رسول الله وكيف أبغضك وبك هداني الله؟ قال: تبغض العرب فتبغضني».
وعنه – صلى الله عليه وسلّم – أنه سمع رجلاً يقول: إني امرؤ حميري بنسبي، لا من ربيعة آبائي ولا مضر، فقال له: «ذاك أضرع لجدك وأبعد من الله ورسوله» وعنه – صلى الله عليه وسلّم – قال: «من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي» وعنه – صلى الله عليه وسلّم -: «إذا اختلف الناس فألحق في مضر» وعنه – صلى الله عليه وسلّم – قال: «الأئمة من قريش» وقال: «الناس تبع لقريش، خيارهم أخيارهم، وشرارهم أشرارهم» وعنه – صلى الله عليه وسلّم -: «أن قريشاً أهل صبر وأمانة، فمن فعالهم الغواء تركته الله لوجهه يوم القيامة» وعنه – صلى الله عليه وسلّم -: «تعلموا عن قريش ولا تعلموها، وقدموا قريشاً ولا تقدموها» وعنه – صلى الله عليه وسلّم -: «أن القرشي قوة الرجلين من غير قريش» قيل للزهري: ما عنى بذلك؟ قال: في نيل الرأي.
وقيل أن قريشاً لهم ولد النضر بن كنانة خاصة، وكانوا متفرقين، فجمعهم قصي بن كلاب بمكة، فقيل له القرشي، وسموا به قريشاً، والقرش الجمع والتقرش الجمع، فأما ما قاله المحتج لباطله: أن أبا العرب والعجم إبراهيم صلوات الله عليه، لأن إسماعيل أبو العرب، وإسحاق أبو العجم، فإنه يريد العجم بني إسرائيل خاصة، وهم كما قال: وإن كان يريد بهم الفرس الذين كانوا مجوساً، فإن هذه دعوى لا تبين صحتها، وأهل الإنساب لا يعرفونها، فإنه لم يثبت.
ونسب العرب من إبراهيم ثابتة، كان لها من الفضل البين على العجم، أنهم من ولد خليل الله إبراهيم، وليس للعجم من الأبناء الذين يختصون بهم والد مثله.
وإن ثبت كانت المقابلة بين إسماعيل وولده، وإسحاق وولده من أول أيامها إلى الآن.
وسنقول في هذا لك بعد ما يوفق تعالى له غير أنا نقتصر في هذا الوقت على ذكر ما انتهى إليه من الفريقين ونؤخر ما كان قبله، فنقول للمحتج: قد علمنا أن بني إسرائيل الذين لا شك في أنهم ولد إسحاق، قد كان الله تعالى فضلهم على غيرهم سنين وأعماراً، ثم أخرهم، وقدم العرب عليهم فحول النبوة والملك عنهم إلى العرب وحكم لهم بالأمرين إلى يوم القيامة، فبان بذلك فضل العرب على العجم.
ألا ترى أن بني إسرائيل يوم كانت النبوة والملك فيهم، كانوا أفضل من الروم والهند والترك وكذلك العرب اليوم أفضل من بني إسرائيل ثم هم بذلك أولى، لأن النبوة والملك بعدما خلا منهم ليسا بمرتحلين، ويوم كان في بني إسرائيل، كانوا مدرجة لهما إلى العرب وبالله التوفيق.