41 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي
وهشام السوري وعبدالله المشجري وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
41 – قال الامام الترمذي رحمه الله {ج10ص389}:حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زَنْجُوَيْهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بنت عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ».
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيح.
* قال الامام أحمد رحمه الله في “فضائل الصحابة” {ج2ص758}: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد عليها السلام».
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله: صحيح على شرط الشيخين.
————————–
*أولاً: دراسة الحديث رواية:*
* قال الترمذي رحمه الله: هذا حديث حسن صحيح.
* قال أبو نعيم في الحلية (2/344): هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ مَعْمَرٌ حَدَّثَ بِهِ الْأَئِمَّةُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو مَسْعُودٍ.
* صححه الشيخ الألباني في سنن الترمذي 3878، والحديث في الصحيحة (1508)
* قال الأرناؤوط في صحيح ابن حبان – محققا (15/ 464): ” إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أحمد بن سفيان، وعبيد الله بن فضالة، فقد روى لهما النسائي، وهو في “مصنف عبد الرزاق” “20919”.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد في “المسند” 3/135، وفي “الفضائل” “1325” “1337”، والترمذي “3878” في المناقب: باب فضل خديجة رضي الله عنها، والطحاوي في مشكل الآثار” “147”، والطبراني في “الكبير” 22/”1003″، 23/”3″، والحاكم 3/157، والبغوي “3955”. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
* أما طريق الإمام أحمد في الفضائل فقال الأرناؤوط في المصدر السابق: ” وأخرجه أحمد في “الفضائل” “1332” و”1338″، ومن طريقه الحاكم 3/157 – 158 عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقد تقدم عند المصنف برقم “6951” من طريق ابن أبي السري، عن عبد الرزاق”.
* قال الحاكم في المستدرك 4745 عن الرواية الأولى: هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُسْنَدِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ هَكَذَا، وقال محقق المستدرك 4745 أن الذهبي حذف حديث أنس من تلخيصه لضعفه.
* أما الرواية الثانية التي رواها الإمام أحمد في فضائل الصحابة فقد جاءت من طريقين:
1325 و 1337 نا عبدالرزاق أنا معمر عن قتادة عن أنس مرفوعاً وفيه ذكر آسية امرأة فرعون.
1332 نا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك مرفوعاً ولم تذكر آسيا فيه.
قال الشيخ وصي الله عباس في تحقيق فضائل الصحابة ص 755 عن الرواية الأولى رواية قتادة: ” إسناده صحيح لغيره، قتادة مدلس لكن تابعه الزهري في 1332 وهو في المسند (3/135) بهذا الإسناد مثله، وأخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم وأبو نعيم في الحلية وذكره ابن عبدالبر في الاستيعاب كلهم من طريق عبدالرزاق.
قال في مجمع الزوائد (9/223) رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة وقال: ” وفيه سليمان الشاذكوني وهو ضعيف.ا.ه وانظر 1338.
* والحاكم في المستدرك 4746 أخرج حديث أنس من طريق الإمام أحمد التي هي من رواية الزهري ولكنه ذكر في الرواية آسية امرأة فرعون، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» يُسَوِّي بَيْنَ نِسَاءِ الدُّنْيَا، وقال الذهبي في تلخيصه: على شرط البخاري ومسلم.
* وقال الحافظ: إسناده صحيح” الفتح 7/ 282
*قال صاحب أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري) (1/ 708): رواته ثقات إلا أنّ فيه عنعنة قتادة فإنّه كان مدلسا، لكنّه قد توبع كما سيأتي.
الثاني: يرويه معمر عن الزهري عن أنس مرفوعا به.
أخرجه أحمد في “فضائل الصحابة” (1332 و 1338) ومن طريقه الحاكم (3/ 157 – 158)عن عبد الرزاق عن معمر به. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين”
* قال محققو المسند (19/383): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
* في رواية عند أحمد (1/293) وهي في الصحيحة 1508 بلفظ: ” أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد و فاطمة بنت محمد و مريم بنت عمران و آسية بنت مزاحم امرأة فرعون”، وذكر الشيخ اللألباني لهذا الحديث شواهد فقال: و له شاهد من حديث أنس مرفوعا بلفظ : ” حسبك من نساء العالمين … ” فذكرهن . أخرجه أحمد ( 3 / 135 ) و صححه ابن حبان ( 2223 ) . ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عند الطبراني ( 12179 ) بسنده عن كريب عن ابن عباس مرفوعا بلفظ : ” سيدات نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران : فاطمة و خديجة و آسية امرأة فرعون ” .
قلت : و إسناده صحيح . و ذكره الهيثمي ( 9 / 223 ) بلفظ آخر نحوه و قال :
” رواه الطبراني ، و فيه محمد بن الحسن بن زبالة و هو متروك ” .
قلت : طريق كريب سالم منه ، فاقتضى التنبيه . و له شاهد من حديث عائشة مرفوعا
مثله دون لفظة ” بعد ” و لكنه قدم ( مريم ) في الذكر . أخرجه الحاكم ( 3 / 185
و 186 ) و سكت عنه ، و قال الذهبي : ” صحيح على شرط الشيخين ” . و هو كما قال .
*ثانياً: دراسة الحديث درايةً:*
* بوب الترمذي على هذا الحديث “باب فضل خديجة رضي الله عنها”، وأما ابن حبان فقال في صحيحه “ذكر خديجة بنت خويلد بن أسد زوجة رسول الله صلى الله عليه و سلم رضي الله عنها”.
ومن الأحاديث التي أوردها الترمذي رحمه الله في هذا الباب:
- عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ أَدْرَكْتُهَا، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَيَذْبَحُ الشَّاةَ فَيَتَتَبَّعُ بِهَا صَدَائِقَ خَدِيجَةَ فَيُهْدِيهَا لَهُنَّ».
- عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا حَسَدْتُ امْرَأَةً مَا حَسَدْتُ خَدِيجَةَ، وَمَا تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بَعْدَ مَا مَاتَتْ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ» قال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ قَصَبٍ قَالَ: إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ قَصَبَ اللُّؤْلُؤِ.
- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَخَيْرُ نِسَائِهَا [ص:703] مَرْيَمُ بْنَتُ عِمْرَانَ» وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
* ابن الأثير في جامع الأصول لما ذكر فضائل الصحابيات رضوان الله عليهن ذكر فضائل خديجة رضي الله عنها في أول الصحابيات وجعل فضائلها على قسمين:
فضائلها مفردة: ومن تلكم الأحاديث:
- عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قلتُ لعبد الله بن أبي أوفَى : «أكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بَشَّرَ خَديجةَ بِبَيْت في الجنة ؟ قال : نعم ، بَشَّرَها ببيت في الجنة من قَصَب ، لا صَخَبَ فيه ولا نَصَب» أخرجه البخاري ومسلم.
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «أتى جبريلُ عليه السلام إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ الله ، هذه خديجة قد أتت ، ومعها إناء فيه إدَام – أو طعام أو شراب – فإذا هي أتَتْكَ فَاقْرَأْ عليها السلام من ربِّها ، [ومنِّي] وبَشِّرها ببيت في الجنة من قَصَب ، ولا صَخَبَ فيه ولا نَصَبَ» أخرجه البخاري ومسلم.
- (خ م ت) عائشة – رضي الله عنها – قالت : ما غِرْتُ على أحد من نساء النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ما غِرْتُ على خديجة قطّ ، وما رأيتُها قط ، ولكن كان يُكثر ذِكرها ، وربما ذبح الشاة ، ثم يُقَطِّعها أعضاءَ ، ثم يَبْعَثُها في صدائق خديجة ، وربما قلتُ له : كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ، فيقول : إنها كانت ، وكانت ، وكان لي منها ولد. وفي رواية قالت : «وتزوَّجني بعدها بثلاث سنين ، وأمره ربُّه عز وجل : أن يبشِّرَها ببيت في الجنة من قصب» قال في رواية «وأمره الله عز وجل أن يبشرها ببيت من قصب ، وإن كان ليذبح الشاة ، فيهدي في خلائلها منها ما يَسَعُهنّ».[ص:122]
- وفي أخرى «وكان إذا ذبح الشاة يقول : أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة ، قالت: فأغْضَبْتُه يوما ، فقلت : خديجة عجوز ، فقال : إني رُزِقْتُ حُبَّها».
- وفي أخرى قالت : «استأذنتْ هَالَةُ بنت خويلد – أختُ خديجةَ – على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فعرف استئذان خديجةَ ، فَارْتَاعَ لذلك ، فقال : اللهم هالةُ بنت خويلد ، فغِرتُ ، فقلت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حَمْراء الشِّدْقَيْنِ ، هلكت في الدهر ، قد أبدلك الله خيرا منها» أخرجه البخاري ومسلم.
- ولمسلم : قالت : «ما غِرْتُ على امرأة ما غرت على خديجة ، لكثرة ذِكرِهِ إياها، وما رأيتُها قَطُّ ، وقالت : لم يتزوج النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على خديجة حتى ماتت».
- وفي رواية الترمذي قالت : «ما غِرْتُ على أحد من أزواج النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ما غِرْتُ على خديجة ، وما بي أن أكون أدْرَكْتُها ، وما ذاك إلا لكثرةِ ذِكْرِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لها ، وإن كان ليذبح الشاة ، فيَتتبَّعُ بها صدائق خديجةَ ، فيهديها لهنَّ».
- وفي أخرى قالت : «ما حسدت امرأة ما حسدت خديجة ، وما تزوجني رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد ما ماتت ، وذلك أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بشّرها ببيت في الجنةِ من قَصَب – يعني : من قصب اللؤلؤ – لا صَخَبَ فيه ولا نصب».
ثم ذكر ابن الأثير القسم الثاني وهي أحاديث مشتركة بينها وبين غيرها، ومن تلكم الأحاديث:
* علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال : سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «خَيْرُ نسائها : مريمُ بنتُ عمران ، وخيرُ نسائها : خديجة بنتُ خويلد» أخرجه البخاري ومسلم والترمذي.
قال أبو كريب : «وأشار وكيع إلى السماء والأرض».
زاد رزين : أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «كَمُلَ من الرجال كثير ، ولم يكمُل من النساء إلا مريمُ بنتُ عمران ، وآسِيَةُ امرأةُ فرعون ، وخديجةُ بنتُ خويلد ، وفاطمةُ بنت محمد ، وفَضْلُ عائشة على النساء كفضل الثريد عل سائر الطعام».
* ثم ذكر حديث الباب.
* اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2744 أورد هذا الحديث في فضائل أمهات المؤمنين.
* ينظر فضائل خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في التعليق على صحيح مسلم 2430 – 2437 في مجموعة السلام (4/228 وما بعدها).
* ينظر فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم في التعليق على صحيح مسلم 2449 – 2450 في مجموعة السلام (3/61 وما بعدها).
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “مجموع الفتاوى” (4/394) : ” وأفضل نساء هذه الأمة ” خديجة ” و ” عائشة ” و ” فاطمة “. وفي تفضيل بعضهن على بعض نزاع وتفصيل ليس هذا موضعه. وخديجة وعائشة من أزواجه. فإذا قيل بهذا الاعتبار: إن جملة ” أزواجه ” أفضل من جملة ” بناته ” كان صحيحا؛ لأن أزواجه أكثر عددا والفاضلة فيهن أكثر من الفاضلة في بناته. ” ا.ه.
* فائدة التفضيل بين عائشة وفاطمة:
قال ابن القيم في بدائع الفوائد (3/682-683): ” الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة أو فاطمة أفضل إذا حرر محل التفضيل صار وفاقا فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز و جل فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح
وكم من عاملين أحدهما أكثر عملا بجوارحه والآخر أرفع درجة منه في الجنة وإن أريد بالتفضيل التفضل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها
وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير إخواتها
وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل.
وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل ولم يوازن بينهما فيبخس الحق وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصيب وهوي لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم مسائل متنوعة في التفضيل.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن مسائل عديدة من مسائل التفضيل فأجاب فيها بالتفصيل الشافي…ا.ه المقصود، ثم ذكر أمثلة على تفصيل شيخ الإسلام في مقام الترجيح.
* قال ابن حجر في الفتح (6/471): قوله خير نسائها مريم أي نساء أهل الدنيا في زمانها وليس المراد أن مريم خير نسائها لأنه يصير كقولهم زيد أفضل إخوانه وقد صرحوا بمنعه فهو كما لو قيل فلان أفضل الدنيا وقد رواه النسائي من حديث بن عباس بلفظ أفضل نساء أهل الجنة فعلى هذا فالمعنى خير نساء أهل الجنة مريم وفي رواية خير نساء العالمين وهو كقوله تعالى واصطفاك على نساء العالمين وظاهره أن مريم أفضل من جميع النساء وهذا لا يمتنع عند من يقول إنها نبيه وأما من قال ليست بنبية فيحمله على عالمي زمانها وبالأول جزم الزجاج وجماعة واختاره القرطبي ويحتمل أيضا أن يراد نساء بني إسرائيل أو نساء تلك الأمة أو من فيه مضمرة والمعنى أنها من جملة النساء الفاضلات ويدفع ذلك حديث أبي موسى المتقدم بصيغة الحصر أنه لم يكمل من النساء غيرها وغير آسية.
* قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير (5/ 350):
” (حسبك من نساء العالمين) أي يكفيك في معرفة فضلهن من معرفة جميع النساء والخطاب لأنس أو عام. (مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون) عرفت ببعلها لا بأبيها؛ لأن الله عرفها به في القرآن وأبوها مزاحم وقد تقدم ذكر الأربع رضي الله عنهن، وليس في هذا الحديث بيان فضلاها إلا أن التقديم الذكري فيه إشارة إلى ذلك سيما مع تأخر آسية عن خديجة وفاطمة مع أنها أقدم منهما زماناً”.ا.ه
* قال علي ملا قاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 3994)
” حسبك “) ، أي: بالخطاب العام، والمعنى يكفيك (” من نساء العالمين) ، أي: الواصلة إلى مراتب الكاملين في الاقتداء بهن وذكر محاسنهن ومناقبهن وزهدهن في الدنيا وإقبالهن على العقبى (” مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون “) . والظاهر أن مراتبهن على وفق ذكرهن، ولعل هذا الحديث قبل حصول كمال عائشة ووصولها إلى وصال الحضرة، ثم رأيت في الجامع: روى أحمد والشيخان والترمذي وابن ماجه – عن أبي موسى مرفوعا: ( «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» “. قال الطيبي: حسبك: مبتدأ. ومن نساء متعلق به، ومريم خبره. والخطاب إما عام أو لأنس أي: كافيك معرفتك فضلهن عن معرفة سائر النساء. اهـ.
قال السيوطي في النقابة: نعتقد أن أفضل النساء مريم وفاطمة، وأفضل أمهات المؤمنين خديجة وعائشة، وفي التفضيل بينهما أقوال.
ثالثها: التوقف. أقول: التوقف في حق الكل أولى، إذ ليس في المسألة دليل قطعي والظنيات متعارضة غير مفيدة للعقائد المبنية على اليقينيات.
* قال السندي في مسند حاشية المسند (11/ 484): قوله (حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) أي: يكفيك في معرفة الشريفات الكاملات من النساء: معرفة هذه الأربع.
* وقال ابن الملك في شرح المصابيح (6/ 480)
“من الحسان”:” عن أنس – رضي الله عنه -: أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: حسبك”؛ أي: كفاك يا أنس معرفةً “من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلدٍ، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون”، وقيل: معناه: حسبك أن تقتديَ بهنَّ، وأن تذكر محاسنهنَّ ومناقبهن، وطاعاتهن، ومراقبة حق الله، ورفضهن الدنيا، وإقبالهن على الآخرة.ا.ه
* قال أصحاب اللجنة الدائمة (2/469): قال الله تعالى مبينا مكانة مريم عليها السلام وفضلها على النساء: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (1) قال ابن كثير – رحمه الله تعالى- في (البداية والنهاية) ما نصه: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (2) يحتمل أن يكون المراد: عالمي زمانها، كقوله لموسى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} (3) ، وكقوله عن بني إسرائيل {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (1)
ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام أفضل من موسى، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم أفضل منهما، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها وأكثر عددا، وأفضل علما وأزكى عملا من بني إسرائيل وغيرهم.
ويحتمل أن يكون قوله: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (2) محفوظ العموم، فتكون (مريم) أفضل نساء الدنيا ممن كان قبلها ووجد بعدها. انتهى كلامه.
وقد جاء في السنة ما يؤيد الوجه الثاني، وهو أن مريم أفضل نساء العالمين إلى قيام الساعة، وليس على نساء زمانها فقط باستثناء فاطمة رضي الله عنها ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون (3) » صححه الترمذي والحاكم وغيرهما، وأخرج النسائي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون (1) » .
قال الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) : (وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا وهب بن منبه، حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة أنها قالت لفاطمة: أرأيت حين أكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكيت ثم ضحكت؟ قالت: أخبرني أنه ميت من وجعه هذا فبكيت، ثم أكببت عليه فأخبرني أني أسرع أهله لحوقا به، وأني سيدة نساء أهل الجنة، إلا مريم بنت عمران فضحكت. وأصل هذا الحديث في الصحيح، وهذا إسناد على شرط مسلم، وفيه أنهما- أي مريم وفاطمة – أفضل الأربع المذكورات، وهكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد، حدثنا عثمان بن محمد، ثنا جرير عن يزيد هو ابن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي نعم، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، إلا ما كان من مريم بنت عمران (1) » إسناد حسن وصححه الترمذي ولم يخرجوه، وقد روي نحوه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولكن في إسناده ضعف، والمقصود أن هذا يدل على أن مريم وفاطمة أفضل هذه الأربع ثم يحتمل الاستثناء أن تكون مريم أفضل من فاطمة، ويحتمل أن يكونا على السواء في الفضيلة، لكن ورد حديث إن صح عين الاحتمال الأول، فقال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: أنبأنا أبو الحسن بن الفراء، وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنا قالوا: أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة، أنبأنا أبو طاهر المخلص، حدثنا أحمد بن سليمان، ثنا الزبير هو ابن بكار، ثنا محمد بن الحسن، عن عبد العزيز بن محمد، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلىالله عليه وسلم : «سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية امرأة فرعون» فإن كان هذا اللفظ محفوظا بثم التي للترتيب فهو مبين لأحد الاحتمالين اللذين دل عليهما الاستثناء، ويقدم على ما تقدم من الألفاظ التي وردت بواو العطف التي لا تقتضي الترتيب ولا تنفيه. والله أعلم.
وقد روى هذا الحديث أبو حاتم الرازي عن داود الجعفري، عن عبد العزيز بن محمد، وهو الدراوردي، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس مرفوعا، فذكره بواو العطف لا بثم الترتيبية، فخالفه إسنادا ومتنا فالله أعلم) انتهى كلام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى (1).
والخلاصة: أن مريم عليها السلام هي أفضل النساء مطلقا، فالآية على عمومها، إلا في حق فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ففيها الاحتمالان: إما أن تكون مريم أفضل، وإما أن يكونا على السواء. والله الموفق.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
* أما آسية امرأة فرعون فقد قال الله عنها {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}التحريم / 11 .
* قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ” ( 6 / 448 ): ومن فضائل آسية امرأة فرعون أنها اختارت القتل على الملك والعذاب في الدنيا على النعيم الذي كانت فيه وكانت فراستها في موسى عليه السلام صادقة حين قالت قرة عين لي”.
قال الأثيوبي حفظه الله في الذخيرة:
(المسألة الثالثة): حديث أبي موسى الأشعريّ – رضي اللَّه تعالى عنه – هذا اختصره المصنّف، وقد ساقه الشيخان بتمامه، ولفظ البخاريّ -رحمه اللَّه تعالى-:
حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا وكيع، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمداني، عن أبي موسى – رضي اللَّه عنه -، قال: قال رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -: “كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية، امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام”.
قال أبو العباس القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: الكمال هو التناهي والتمام، ويقال في ماضيه: كَمَلَ -بفتح الميم، وضمّها- ويكمُلُ في مضارعه -بالضمّ- ( 1) وكمال كلّ شيء بحسبه، والكمال المطلق إنما هو للَّه تعالى خاصّةً، ولا شكّ أن أكمل نوع الإنسان الأنبياء، ثم تليهم الأولياء، ويعني بهم الصّدّيقين، والشهداء، والصالحين. وإذا تقرّر هذا فقد قيل: إن الكمال المذكور في الحديث -يعني به النبوّة، فيلزم أن تكون مريم، وآسية نبيّين، وقد قيل بذلك. والصحيح أن مريم نبيّةٌ؛ لأن اللَّه تعالى أوحى إليها بواسطة الملك، كما اْوحى إلى سائر النبيين. وأما آسية، فلم يرد ما يدلّ على نبوّتها دلالةً واضحةً، بل على صدّيقيّتها، وفضيلتها، فلو صحّت لها نبوّتها لما كان في الحديث إشكال، فإنه يكون معناه: أن الأنبياء في الرجال كثير، وليس في النساء نبيٌّ إلا هاتين المرأتين، ومن عداهما من فُضَلاء النساء صدّيقات، لا نبيّات، وحينئذ يصحّ أن تكونا أفضل نساء العالمين.
والأولى أن يقال: إن الكمال المذكور في الحديث ليس مقصورًا على كمال الأنبياء، بل يندرج معه كمال الأولياء، فيكون معنى الحديث: إن نوعي الكمال وُجد في الرجال كثيرًا، ولم يوجد في النساء المتقدّمات على زمانه – صلى اللَّه عليه وسلم – أكمل من هاتين المرأتين، ولم يتعرض النبيّ – صلى اللَّه عليه وسلم – في هذا الحديث لأحد من نساء زمانه، إلا لعائشة خاصّةً، فإنه فضّلها على سائر النساء، وُيستثنى منهنّ الأربع المذكورات في الأحاديث المتقدّمة، وهنّ: مريم بنت عمران، وخديجة، وفاطمة، وآسية، فإنهنّ أفضل من عائشة بدليل الأحاديث المتقدّمة في باب خديجة، وبهذا يصحّ الجمع، ويرتفع التعارض، إن شاء اللَّه تعالى انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى- ( 2).
وقال في “الفتح”: قوله: “ولم يكمل من النساء إلا آسية الخ” استُدلّ بهذا الحصر على أنهما نبيّتان؛ لأن أكمل نوع الإنسان الأنبياء، ثم الأولياء، والصدّيقون، والشهداء، فلو كانتا غير نبيّين للزم ألا يكون في النساء وليّةٌ، ولا صدّيقة، ولا شهيدةٌ، والواقع أن هذه الصفات في كثير منهنّ موجودة، فكأنه قال: ولن يُنبّأ من النساء إلا فلانة، وفلانة، ولو قال: لم تثبت صفة الصدّيقيّة، أو الولاية، أو الشهادة إلا لفلانة، وفلانة لم يصحّ؛ لوجود ذلك في غيرهنّ، إلا أن يكون المراد في الحديث كمال غير الأنبياء، فلا يتمّ الدليل على ذلك لأجل ذلك. واللَّه أعلم. وعلى هذا فالمراد مَن تقدّم زمانه – صلى اللَّه عليه وسلم -، ولم يتعرض لأحد من نساء زمانه إلا لعائشة، وليس فيه تصريحٌ بأفضلية عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها – على غيرها؛ لأن فضل الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المؤنة، وسهولة الإساغة، وكان أجلّ أطعمتهم يومئذ، وكلُّ هذه الخصال لا تستلزم ثبوت الأفضليّة له من كلّ جهة، فقد يكون مفضولاً بالنسبة لغيره من جهات أخرى.
وقد ورد في هذا الحديث من الزيادة بعد قوله: “ومريم ابنة عمران”: “وخديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمد – صلى اللَّه عليه وسلم -“. أخرجه الطبرانيّ عن يوسف بن يعقوب القاضي، عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة بالسند المذكور هنا. وأخرجه أبو نعيم في “الحلية” في ترجمة عمرو بن مُرّة أحد رواته عند الطبرانيّ بهذا الإسناد. وأخرجه الثعلبيّ في “تفسيره” من طريق عمرو بن مرزوق به. وقد ورد من طريق صحيح ما يقتضي أفضليّة خديجة، وفاطمة على غيرهما، وذلك في حديث عليّ – صلى اللَّه عليه وسلم – بلفظ: “وخير نسائها خديجة”، وجاء في طريق أخرى ما يقتضي أفضليّة خديجة وفاطمة، وذلك فيما أخرجه ابن حبّان، وأحمد، وأبو يعلى، والطبرانيّ، وأبو داود في “كتاب الزهد”، والحاكم، كلهم من طريق موسى بن عقبة، عن كُريب، عن ابن عباس – رضي اللَّه تعالى عنهما -، قال: قال رسول اللَّه – صلى اللَّه عليه وسلم -: “أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خُويلد، وفاطمة بنت محمد – صلى اللَّه عليه وسلم -، ومريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون”، وله شاهد من حديث أبي هريرة – رضي اللَّه عنه – في “الأوسط” للطبرانيّ، ولأحمد في حديث أبي سعيد، رفعه: “فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة، إلا ما كان من مريم بنت عمران”، وإسناده حسن، وإن ثبت ففيه حجة لمن قال: إن آسية امرأة فرعون ليست نبيّة.
قال: وقال القرطبيّ: الصحيح أن مريم نبيّةٌ؛ لأن اللَّه تعالى أوحى إليها بواسطة الملك، وأما آسية فلم يرد ما يدلّ على نبوّتها. وقال الكرمانيّ: لا يلزم من لفظة الكمال ثبوت نبوّتها؛ لأنه يُطلق لتمام الشيء، وتناهيه في بابه، فالمراد بلوغها النهاية في جميع الفضائل التي للنساء، قال: وقد نقل الإجماع على عدم نبوّة النساء. كذا قال، وقد نقل عن الأشعريّ أن من النساء من نُبّىء، وهنّ ستّ: حوّاء، وسارة، وأم موسى، وهاجر، وآسية، ومريم، والضابط عنده أن من جاءه الملك عن اللَّه بحكم من أمر، أو نهي، أو بإعلام مما سيأتي فهو نبيّ، وقد ثبت مجيء الملك لهؤلاء بأمور شتّى من ذلك، من عند اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ-، ووقع التصريح بالإيحاء لبعضهنّ في القرآن.
وذكر ابن حزم في “الملل والنحل” أن هذه المسألة لم يحدث التنازع فيها إلا في عصره بقرطبة، وحكى عنهم أقوالاً ثالثها الوقف، قال: وحجة المانعين قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا} الآية. قال: وهذا لا حجة فيه، فإن أحدًا لم يدّع فيهنّ الرسالة، وإنما الكلام في النبوّة فقط، قال: وأصرح ما ورد في ذلك قصّة مريم، وفي قصّة أمّ موسى ما يدلّ على ثبوت ذلك لها، من مبادرتها بإلقاء ولدها في البحر بمجرّد الوِحي إليها بذلك، قال: وقد قال اللَّه تعالى بعد ذكر مريم، والأنبياء بعدها: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ}، فدخلت في عمومه. واللَّه أعلم. انتهى ( 1).
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي مما تقدّم من الأدلّة أن القول بنبوّة مريم، وأم موسى هو الأقرب إلى الصواب، وأما غيرهما فليس فيه دليلٌ واضح، فلا ينبغي القول به. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.